مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
490 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ
أَحَدِكِمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» ". مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
وَفِى رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ( «طَهُورُ إِنَاءِ
أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ
سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» ) .
[8]
- بَابُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ
أَيِ: الْحَقِيقِيَّةُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
490 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ
أَحَدِكُمْ» ) : ضُمِّنَ شَرِبَ مَعْنَى وَلَغَ، فَعُدِّيَ
تَعْدِيَتَهُ فِي النِّهَايَةِ: وَلَغَ الْكَلْبُ إِذَا
شَرِبَ بِلِسَانِهِ (" فَلْيَغْسِلْهُ ") : أَيْ: ذَلِكَ
الْإِنَاءَ (سَبْعَ مَرَّاتٍ) : فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ
لِغَسْلِهِ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ، لَكِنْ
تَعَبُّدًا لَا لِكَوْنِهِ نَجِسًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(2/459)
(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ:
طُهُورٌ) : بِضَمِّ الطَّاءِ وَتُفْتَحُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَشْهُرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ،
وَيُقَالُ: بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِضَمِّ الطَّاءِ بِمَعْنَى
التَّطَهُّرِ أَوِ الطَّهَارَةِ (إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا
وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ
مُبْتَدَأٌ، وَالظَّرْفُ مَعْمُولٌ لَهُ، وَالْخَبَرُ
(أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ
بِالتُّرَابِ) : أَيْ: مَعَهُنَّ، وَفِي رِوَايَةٍ
أُخْرَى: إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، لَكِنْ بَيَّنَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ
أَنَّ فِي سَنَدِهَا ضَعِيفًا وَمَجْهُولًا، وَفِي
رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ
بِالتُّرَابِ، وَأَوْ فِيهَا لِلشَّكِّ، كَمَا بَيَّنَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ
أَيْضًا: " وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ "
أَخَذَ بِظَاهِرِهَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا
تَعَارُضَ ; لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ رِوَايَةِ
أُولَاهُنَّ عَلَى الْأَكْمَلِ، إِذِ الْأُولَى أَحَبُّ
مِنْ غَيْرِهَا اتِّفَاقًا، وَحَمْلُ رِوَايَةِ
السَّابِعَةِ عَلَى الْجَوَازِ، وَرِوَايَةُ إِحْدَاهُنَّ
عَلَى الْإِجْزَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَيَجِبُ
اسْتِعْمَالُ الطَّهُورَيْنِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ ;
لِكَوْنِ نَجَاسَتِهِ أَغْلَظَ النَّجَاسَاتِ، وَلَوْ
وَلَغَ كَلْبَانِ أَوْ كَلْبٌ وَاحِدٌ سَبْعَ مَرَّاتٍ.
فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ، وَهَذَا
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ:
يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا بِلَا تَعْفِيرٍ
كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ
مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ: أَنَّهُ إِذَا وَلَغَ
فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ
إِحْدَاهُنَّ مُكَدَّرَةٌ بِالتُّرَابِ، وَفِي الشَّرْحِ
الْكَبِيرِ، عَنْ مَالِكٍ: لَا يُغْسَلُ مِنْ غَيْرِ
الْوُلُوغِ ; لِأَنَّ الْكَلْبَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ،
وَالْغَسْلُ مِنَ الْوُلُوغِ تَعْبُدٌ، وَقَالَ أَصْحَابُ
أَبِي حَنِيفَةَ: لَا عَدَدَ فِي غَسْلِهِ وَلَا
تَعْفِيرَ، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَفِي
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَطَاءٍ: لَا يَرَى بِشَعْرِ
الْإِنْسَانِ بَأْسًا أَنْ يَتَّخِذَ مِنْهُ الْخُيُوطَ
وَالْحِبَالَ، وَبِسُؤْرِ الْكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِي
الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا وَلَغَ فِي
الْإِنَاءِ وَلَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرَهُ يَتَوَضَّأُ
بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ،
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}
[النساء: 43] وَفِي التَّفْسِيرِ مِنْهُ شَيْئًا
يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي
الْإِنَاءِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا»
. رَوَاهُ ابْنُ عَرَبِيٍّ مَرْفُوعًا: " «إِذَا وَلَغَ
الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِهِمْ فَلْيُهْرِقْهُ،
وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» " وَرَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ
مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا
وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ. وَحِينَئِذٍ فَيُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبْعِ،
وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ
دَلَالَةُ التَّقَدُّمِ لِلْعِلْمِ بِمَا كَانَ مِنَ
التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ،
حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا، وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا
يُنَاسِبُ كَوْنَهِ إِذْ ذَاكَ، وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ
ذَلِكَ، فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَتَهُ مُعَارِضٌ كَانَ
التَّقَدُّمُ لَهُ، فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ
مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، مَعَ أَنَّ فِي عَمَلِ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ السَّبْعِ -
وَهُوَ رِوَايَةٌ - كِفَايَةً لِاسْتِحَالَةِ أَنْ
يُتْرَكَ الْقَطْعِيُّ لِلرَّاوِي مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ
ظَنِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى غَيْرِ رَاوِيهِ، فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
رَاوِيهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَطْعِيُّ حَتَّى
يُنْسَخَ بِهِ الْكِتَابُ إِذَا كَانَ قَطْعِيَّ
الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ، فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا
يَتْرُكُهُ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ؛ إِذِ
الْقَطْعِيُّ لَا يَتْرُكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ
لِلنَّاسِخِ، بَلْ أَشْبَهُ فَيَكُونُ الْآخَرَ
بِالضَّرُورَةِ.
(2/460)
491 - «وَعَنْهُ قَالَ: قَامَ
أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ
النَّاسُ. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ
سَجْلًا مِنْ مَاءٍ - أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ -
فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا
مُعَسِّرِينَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
491 - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ:
قَامَ أَعْرَابِيٌّ) وَهُوَ ذُو الْخُويْصِرَةِ
التَّمِيمِيُّ، (فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ
النَّاسُ) : أَيْ: بِأَلْسِنَتِهِمْ سَبًّا وَشَتْمًا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: وَقَعُوا فِيهِ يُؤْذُونَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَخَذُوهُ لِلضَّرْبِ،
وَالْأَظْهَرُ زَجَرُوهُ وَمَنَعُوهُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ
وَإِيذَاءٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، (فَقَالَ
لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
دَعُوهُ) : أَيْ: اتْرُكُوهُ ; فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ ;
لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ عَدَمَ جَوَازِ الْبَوْلِ فِي
الْمَسْجِدِ ; لِقُرْبِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَبُعْدِهِ
عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقِيلَ:
لِئَلَّا يَتَعَدَّدَ مَكَانُ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ:
لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِانْحِبَاسِ الْبَوْلِ،
(وَهَرِيقُوا) : وَفِي نُسْخَةٍ: أَهْرِيقُوا بِسُكُونِ
(2/460)
الْهَاءُ بَعْدَ هَمْزَةٍ، وَهُوَ
مُطَابِقٌ لِمَا فِي الْمَصَابِيحِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ
ابْنُ الْمَلَكِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمْرٌ مِنْ
أَهْرَاقَ يُهْرِيقُ - بِسُكُونِ الْهَاءِ - إِهْرَاقًا
نَحْوَ اسْطَاعًا، وَأَصْلُهُ أَرَاقَ، فَأُبْدِلَتِ
الْهَمْزَةُ هَاءً، ثُمَّ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ ذَهَابِ
حَرَكَةِ الْعَيْنِ، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ نَفْسِ
الْكَلِمَةِ، ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَيْهَا الْهَمْزَةُ أَيْ:
صُبُّوا " عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا " بِفَتْحِ السِّينِ
أَيْ: دَلْوًا (مِنْ مَاءٍ - أَوْ ذَنُوبًا) : بِفَتْحِ
الذَّالِ، وَهُوَ الدَّلْوُ أَيْضًا. قَالَ الطِّيبِيُّ:
الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَقَالَ
مِيرَكُ: شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ ; لِمَا بَيْنَهُمَا
مِنْ فَرْقٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ.
وَمَالَ ابْنُ الْمَلَكِ إِلَى الثَّانِي، وَقَالَ:
يَعْنِي خَيَّرَهُمْ بَيْنَ أَنْ يُهَرِيقُوا فِيهِ
سَجْلًا غَيْرَ مَلْأَى، أَوْ ذَنُوبًا مَلْأَى. قَالَ
الطِّيبِيُّ: السَّجْلُ الدَّلْوُ فِيهِ الْمَاءُ، قَلَّ
أَوْ كَثُرَ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَالذَّنُوبُ يُؤَنَّثُ،
وَهُوَ مَا مُلِئَ مَاءً، فَقَوْلُهُ (مِنْ مَاءٍ) : أَيْ:
فِي الْمَوْضِعَيْنِ زِيَادَةٌ وَرَدَتْ تَأْكِيدًا اهـ ;
لِأَنَّ السَّجْلَ وَالذَّنُوبَ لَا يُسْتَعْمَلَانِ
إِلَّا فِي الدَّلْوِ الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ، وَقِيلَ:
مِنْ لِلتَّبْيِينِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ
مَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ
التَّطْهِيرَ بِغَيْرِ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ بِأَنَّ
اسْتِدْلَالَ الشَّافِعِيَّةِ بِهَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ
صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ قَطْعًا مِنْ تَخْصِيصِ
الْمَاءِ مَا اخْتَصَّ بِهِ الْمَاءُ مِنْ عُمُومِ
الْمَوْجُودِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ
الِابْتِدَارُ إِلَى تَطْهِيرِ الْمَسْجِدِ لَا بَيَانُ
مَا تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ.
قَالَ الْمُظْهِرَ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْمَاءَ إِذَا وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ عَلَى سَبِيلِ
الْمُكَاثَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ طَهَّرَهَا، وَعَلَى
أَنَّ غُسَالَاتِ النَّجَاسَةِ طَاهِرَةٌ إِذَا لَمْ
يَكُنْ فِيهَا تَغَيُّرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُطَهِّرَةً،
وَلَوْلَاهُ لَكَانَ الْمَاءُ الْمَصْبُوبُ عَلَى
الْبَوْلِ أَكْثَرَ تَنْجِيسًا لِلْمَسْجِدِ مِنَ
الْبَوْلِ نَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يُحْفَرَ ذَلِكَ
التُّرَابُ، فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَجَفَّتْ
أَوْ ذَهَبَ أَثَرُهَا طَهُرَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ
حَفْرٍ وَلَا صَبِّ مَاءٍ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ:
فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ اتِّفَاقِيٌّ، إِذْ لَا فَرْقَ
بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ أَوِ الرِّيحِ،
وَالْمُرَادُ مِنَ الْأَثَرِ الذَّاهِبِ اللَّوْنُ أَوِ
الرِّيحُ اهـ.
وَفَى شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ
الْأَرْضَ إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ لَا تَطْهُرُ
بِالْجَفَافِ، وَلَا يَجِبُ حَفْرُ الْأَرْضِ وَلَا نَقْلُ
التُّرَابِ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ نَقَلَهُ
الطِّيبِيُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَيْسَ فِيهِ
دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَطْهُرُ
بِالْجَفَافِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
قَالَ: كُنْتُ عَزَبًا أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَتِ
الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي
الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيئًا مِنْ
ذَلِكَ، فَلَوْلَا اعْتِبَارُهَا أَنَّهَا تَطْهُرُ
بِالْجَفَافِ كَانَ ذَلِكَ تَبْقِيَةً لَهَا بِوَصْفِ
النَّجَاسَةِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ
عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ، إِذْ لَا بُدَّ
مِنْهُ مَعَ صِغَرِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مَنْ يَتَخَلَّفُ
فِي بَيْتِهِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ يَكُونُ فِي بُقَعٍ
كَثِيرَةٍ حَيْثُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ، فَإِنَّ
هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفِيدُ تِكْرَارَ
الْكَائِنِ مِنْهَا، أَوْ لِأَنَّ تَبْقِيَتَهَا نَجِسَةٌ
يُنَافِي الْأَمْرَ بِتَطْهِيرِهِ، فَوَجَبَ كَوْنُهَا
تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِخِلَافِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِإِهْرَاقِ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ ;
لِأَنَّهُ كَانَ نَهَارًا، وَقَدْ لَا يَجِفُّ قَبْلَ
وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهَا بِالْمَاءِ
بِخِلَافِ مُدَّةِ اللَّيْلِ؛ أَوْ لِأَنَّ الْوَقْتَ
كَانَ إِذْ ذَاكَ قَدْ آنَ أُرِيدَ إِذْ ذَاكَ أَكْمَلُ
الطَّهَارَتَيْنِ الْمُتَيَسَّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ،
هَذَا إِذَا قُصِدَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ صُبَّ الْمَاءُ
عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَجُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ
بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَكَذَا لَوْ صُبَّ عَلَيْهَا مَاءٌ
بِكَثْرَةٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا
رِيحُهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ اهـ كَلَامُهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَجْوِبَةً عَجِيبَةً بِعِبَارَةٍ
غَرِيبَةٍ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا قَالَ: فَجَوَابُهُ
أَنَّ فِي الْمَسْجِدِ يَحْتَمِلُ تَعَلُّقُهُ
بِتَبَوَّلَ، وَبِمَا بَعْدَهُ فَقَطْ، فَلَمْ يَكُنْ
صَرِيحًا فِي مَذْهَبِ الْخَصْمِ، وَبِتَسْلِيمٍ أَنَّهُ
عَائِدٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ،
فَيُحْتَمَلُ أَنَّ عَدَمَ الرَّشِّ إِنَّمَا هُوَ
لِخَفَاءِ مَحَلِّ بَوْلِهَا، وَعَلَى التَّنَزُّلِ كَانَ
هَذَا مِنْ قَبْلُ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا، وَعَلَى
التَّنَزُّلِ فَعَدَمُ الرَّشِّ لَا يَسْتَلْزِمُ
الطَّهَارَةَ، بَلِ الْعَفْوُ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ
لِلْقَائِلِ بِالطَّهَارَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ:
اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ
النَّجِسَةَ تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِحَيْثُ
يَغْمُرُهَا. قُلْتُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّبُّ
تَسْكِينَ رَائِحَةِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا لِلتَّطْهِيرِ،
بَلِ التَّطْهِيرُ يَحْصُلُ بِالْيُبْسِ لِخَبَرِ: زَكَاةُ
الْأَرْضِ يُبْسُهَا، أَوْ يُقَالُ: رُوِيَ أَنَّ فِي
ذَلِكَ الْمَكَانِ مَنْفَذًا، فَحِينَئِذٍ كَانَ الْمَاءُ
جَارِيًا عَلَيْهِ اهـ.
(2/461)
لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حَدِيثُ "
زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا " لَا أَصْلَ لَهُ، إِنَّمَا
هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ. أَخْرَجَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ، وَقَالَ
السُّيُوطِيُّ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي
الْمُصَنَّفِ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ، وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَوْلُهُمَا اهـ.
وَالْمُرَادُ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ أَبُو
الصَّادِقِ (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ) : لَمَّا كَانُوا
مُقْتَدِينَ بِالْمَبْعُوثِ وُصِفُوا بِالْبَعْثِ.
(مُيَسِّرِينَ) : حَالٌ أَيْ: مُسَهِّلِينَ عَلَى النَّاسِ
(وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) : عَطَفٌ عَلَى
السَّابِقِ عَلَى طَرِيقِ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ
مُبَالَغَةً فِي الْيُسْرِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَيْ:
فَعَلَيْكُمْ بِالتَّيْسِيرِ أَيُّهَا الْأُمَّةُ (رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ
) .
(2/462)
492 - «وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ.
فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَزْرِمُوهُ،
دَعُوهُ ". فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ،
فَقَالَ لَهُ: " إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ
لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَالْقَذَرِ، إِنَّمَا
لِذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)
. أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ
الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ» ، فَسَنَّهُ
عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
492 - (وَعَنْ أَنَسٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ
أَعْرَابِيٌّ) : أَيْ: دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَاحِدٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَدْوِ (فَقَامَ) : أَيْ: وَقَفَ (يَبُولُ فِي
الْمَسْجِدِ. فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ) : بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ: اسْمُ فِعْلِ مَعْنَاهُ
اكْفُفْ، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ وَزِيَادَةِ
التَّهْدِيدِ، فَإِنْ وُصِلَتْ تُؤَنَّثُ يُقَالُ:
مَهْمَهْتُ بِهِ أَيْ: زَجَرْتُهُ. (فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
تُزْرِمُوهُ) : بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الزَّاءِ
وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ
; فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ أَوْ تَنْتَشِرُ النَّجَاسَةُ فِي
الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ
مِنْهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: زَرِمَ الْبَوْلُ بِالْكَسْرِ إِذَا
انْقَطَعَ، وَأَزْرَمَهُ غَيْرُهُ (دَعُوهُ) : أَيْ:
اتْرُكُوهُ (فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَعَاهُ) : أَيْ: طَلَبَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيَّ
لِيُعْلِمَهُ بِمَا يَجِبُ لِلْمَسَاجِدِ عَلَى أَبْلَغِ
وَجْهٍ وَأَلْطَفِهِ. (فَقَالَ لَهُ) : أَيْ
لِلْأَعْرَابِيِّ (إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ) :
الْإِشَارَةُ لِلتَّعْظِيمِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ لِئَلَّا
يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِمَسْجِدِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (لَا تَصْلُحُ) : أَيْ: لَا
تَلِيقُ (لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ) : الْإِشَارَةُ
لِلتَّحْقِيرِ (وَالْقَذَرِ) : هُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ مَا يَتَنَفَّرُ مِنْهُ الطَّبْعُ
كَالنَّجَاسَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُنْتِنَةِ، فَذِكْرُهُ
بَعْدَ الْبَوْلِ يَكُونُ تَعْمِيمًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ،
قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِكَسْرِ
الذَّالِ (إِنَّمَا هِيَ) : أَيِ: الْمَسَاجِدُ
مَوْضُوعَةٌ شَرْعًا وَعُرْفًا (لِذِكْرِ اللَّهِ،
وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) تَخْصِيصُهُ
بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ (أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الشَّكَّ مِنْ أَنَسٍ كَمَا تَوَهَّمَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ:
قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَوْ قَوْلًا شَبِيهًا بِهِ.
(قَالَ) : أَيْ: أَنَسٌ (وَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ)
: بِإِتْيَانِ دَلْوٍ (فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ
فَسَنَّهُ) : بِالْمُهْمَلَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ:
بِالْمُعْجَمَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: سَنَنْتُ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِي إِذَا
أَرْسَلْتُهُ إِرْسَالًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ، فَإِذَا
فَرَّقْتُهُ فِي الصَّبِّ قُلْتَ: بِالشِّينِ
الْمُعْجَمَةِ كَمَا هُوَ فِي الصِّحَاحِ اهـ. وَكَذَا فِي
النِّهَايَةِ وَالْقَامُوسِ، وَالْمَقَامُ يُنَاسِبُ
الْأَوَّلَ أَيْ: فَصَبَّهُ (عَلَيْهِ) : أَيْ: عَلَى
مَكَانِ الْبَوْلِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَالَ
السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: فِيهِ تَأْمُلٌ ; لِأَنَّ
صَاحِبَ التَّخْرِيجِ نَسَبَ هَذَا الْحَدِيثَ إلَى
مُسْلِمٍ دُونَ الْبُخَارِيِّ. قُلْتُ: وَفِي مَعْنَاهُ
الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ لِلْبُخَارِيِّ، فَكَانَ
اللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ.
(2/462)
493 - «وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: سَأَلَتِ
امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ
إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ
الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصَنُّعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ
إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ،
ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ» ") .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
493 - (وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ:
سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ
الشَّافِعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ أَسْمَاءَ هِيَ
السَّائِلَةُ، وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَضَعَّفَ هَذِهِ
الرِّوَايَةَ بِلَا دَلِيلٍ، وَهِيَ صَحِيحَةُ
الْإِسْنَادِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُبْهِمَ الرَّاوِي
نَفْسَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ
الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، كَذَا نَقَلَهُ
مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ. (فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا) : بِحَذْفٍ
مُضَافٍ أَيْ: أَخْبِرْنِي فِي حَالِ إِحْدَانَا (إِذَا
أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحِيضَةِ) : بِكَسْرِ
الْحَاءِ أَيْ: مِنْ دَمِ الْحَيْضِ. قَالَ صَاحِبُ
التَّخْرِيجِ: هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْحَيْضُ اهـ.
وَبِكَسْرِهَا هِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَسْتَثْفِرُهَا
الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ، وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ فِي
الْحَدِيثِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْكَسْرُ،
كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ.
(2/462)
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هِيَ بِكَسْرِ
الْحَاءِ أَيِ: الْخِرْقَةُ، وَقَدْ تَكُونُ اسْمًا مِنَ
الْحَيْضِ وَنَوْعًا مِنْهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
بِالْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ، وَبِالْفَتْحِ الْمَرْأَةُ
تُرِيدُ أَنَّهَا يُصِيبُهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ شَيْءٌ
(كَيْفَ تَصْنَعُ؟) : مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِخْبَارِ أَيْ:
أَخْبِرْنَا كَيْفَ تَصْنَعُ إِحْدَانَا (فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا
أَصَابَ ثَوْبُ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضِ» ) :
ذِكْرُ الثَّوْبِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ، بَلْ
لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ
(فَلْتَقْرُصْهُ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ
الْمُهْمَلَةِ (ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ) : بِكَسْرِ اللَّامِ
وَتُسَكَّنُ، وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتُكْسَرُ.
قَالَ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ: نَضَحَ بِالْفَتْحِ يَنْضَحُ
كَذَلِكَ، وَبِالْكَسْرِ أَيْضًا بِمَاءٍ. فِي
النِّهَايَةِ، الْقَرْصُ: الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ
الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ
حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي غَسْلِ
الدَّمِ، وَالنَّضْحُ يُسْتَعْمَلُ فِي الصَّبِّ شَيْئًا
فَشَيْئًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
قِيلَ: لِأَنَّ الرَّشَّ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ الدَّمِ لَا
يَزْدَادُ إِلَّا نَجَاسَةً. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
أَيْ فَلْتَمَسَحْهُ بِيَدِهَا مَسْحًا شَدِيدًا قَبْلَ
الْغَسْلِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ أَيْ:
لِتَغْسِلْهُ بِمَاءٍ، بِأَنْ تَصُبَّ عَلَيْهِ شَيْئًا
فَشَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ تَخْفِيفًا
لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ: حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ،
لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ عَسُرَتْ إِزَالَةُ الْأَثَرِ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا
سُئِلَ عَنْ بَقَاءِ الْأَثَرِ: الْمَاءُ يَكْفِيكِ وَلَا
يَضُرُّكِ أَثَرُهُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا
لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنْ دَمِ
الْحَيْضِ تَغْسِلُهُ فَيَبْقَى أَثَرُهُ فَقَالَ
(يَكْفِيكِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ) (ثُمَّ لِتُصَلِّي
فِيهِ» ) : أَيْ: فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا
بَأْسَ بَعْدَ هَذَا ; لِأَنَّ إِزَالَةَ لَوْنِ الدَّمِ
مُتَعَسِّرَةٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ
الْخَطَّابِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ
الْمَاءِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهَا بِإِزَالَةِ
الْحَيْضَةِ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجَاسَاتِ
إِجْمَاعًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَعْيِينَ بِطْرِيقِ
الْحَصْرِ، بَلْ ذَكْرُهُ وَاقِعِيٌّ غَالِبِيٌّ أَوْ
يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمَائِعِ
الْمُزِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(2/463)
494 - «وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،
قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ
الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ: كُنْتُ
أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ
الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
494 - (وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) : هُوَ مَوْلَى
مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِنْ كِبَارِ تَابِعِي الْمَدِينَةِ، وَهُوَ
أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ
وَمِائَةَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
(قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ
الثَّوْبَ) : يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالْوَصْفَ (فَقَالَتْ:
كُنْتُ أَغْسِلُهُ) : أَيِ: الْمَنِيَّ (مِنْ ثَوْبِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي
ثَوْبِهِ) .
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ
الْمَنِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ يَحْمِلَانِ
الْغَسْلِ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنَ الْقَذَارَةِ،
فَيَكُونُ مِنْ بَابِ النَّظَافَةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى
النِّسْيَانِ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مَعَ قَوْلِهَا: "
كُنْتُ " الدَّالِّ عَلَى التَّكْرَارِ وَالدَّوَامِ،
وَضْعًا أَوْ عُرْفًا، عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَأَغْرَبَ
ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَغَسْلُهَا مَحْمُولٌ
عِنْدَنَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ ; لِطَهَارَتِهِ عِنْدَنَا،
فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ فِي حَقِّهَا رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَتَأَمَّلْ. (مُتَّفَق عَلَيْهِ
) .
(2/463)
495 - وَعَنِ الْأَسْوَدِ وَهَمَّامٍ،
«عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كُنْتُ
أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
495 - (وَعَنِ الْأَسْوَدِ) : هُوَ النَّخَعِيُّ، أَدْرَكَ
زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَمْ يَرَهُ، وَرَأَى الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ،
وَهُوَ خَالُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، ذَكَرَهُ
الطِّيبِيُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ
هِلَالٍ الْمُحَارِبِيُّ، رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ،
وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ، مَاتَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ. (وَهَمَّامٍ) : بِالتَّشْدِيدِ،
هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ نَخَعِيٌّ تَابِعِيٌّ، ذَكَرَهُ
الطِّيبِيُّ وَزَادَ الْمُصَنِّفِ: سَمِعَ ابْنَ
مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، (عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: كُنْتُ أَفْرُكُ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَتُكْسَرُ
(الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ: أَدْلُكُهُ وَأَمْسَحُهُ
مِنْهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَرْكُ: الدَّلْكُ حَتَّى
يَذْهَبَ الْأَثَرُ مِنَ الثَّوْبِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ،
وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ نَجِسٌ يُغْسَلُ رَطْبُهُ،
وَيُفْرَكُ يَابِسُهُ، وَمَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ قَالَ:
حَدِيثُ الْغَسْلِ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْفَرْكِ،
وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّظَافَةِ
يَعْنِي: كَغَسْلِ الثَّوْبِ مِنَ الْمُخَاطِ
وَالنَّجَاسَةِ، وَالْحَدِيثَانِ إِذَا أَمْكَنَ
اسْتِعْمَالُهُمَا لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُمَا عَلَى
التَّنَاقُضِ اهـ.
وَحَاصِلُ تَمَسُّكِ الشَّافِعِيَّةِ بِالْحَدِيثِ
الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ نَجِسًا لَمْ
يَكْتَفِ بِفَرْكِهِ، وَدَلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ الْحَدِيثُ
الَّذِي فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ، «عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ
يَابِسًا، وَأَمْسَحُهُ
(2/463)
أَوْ أَغْسِلُهُ» ، شَكَّ الْحُمَيْدِيُّ،
إِذَا كَانَ رَطْبًا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ:
وَأَغْسِلُهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَهَذَا فِعْلُهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ بِعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خُصُوصًا إِذَا تَكَرَّرَ
مِنْهَا مَعَ الْتِفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ إِلَى طَهَارَةِ ثَوْبِهِ وَفَحْصِهِ عَنْ
حَالِهِ، فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَنَعَهَا مِنْ
إِتْلَافِ الْمَاءِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ. وَقَدْ رَوَى
الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ:
أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى بِئْرٍ أَدْلُو مَاءً فِي
رَكْوَةٍ فَقَالَ: (يَا عَمَّارُ، مَا تَصْنَعُ؟) قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، أَغْسِلُ ثَوْبِي
مِنْ نُخَامَةٍ أَصَابَتْهُ، فَقَالَ: (يَا عَمَّارُ
إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنَ
الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالْقَيْءِ، وَالدَّمِ،
وَالْمَنِيِّ، يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُكَ وَدُمُوعُ
عَيْنَيْكَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ إِلَّا
سَوَاءٌ» ) . وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ
الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: (إِنَّمَا هُوَ
بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُزَاقِ، وَإِنَّمَا
يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ»
) فَهُوَ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُجَّتِهِ مَعَارَضٌ بِمَا
قَدَّمْنَا، وَرُجِّحَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُحَرِّمَ
مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ، هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ
ابْنِ الْهُمَامِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ
) .
(2/464)
496 - وَبِرِوَايَةِ عَلْقَمَةَ
وَالْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَفِيهِ ثُمَّ
يُصَلِّي فِيهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
496 - (وَبِرِوَايَةِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ نَحْوُهُ) : أَيْ: نَحْوُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ،
وَمَعْنَاهَا وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ
خَبَرُهُ الْجَارُّ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَنْ عَائِشَةَ
مُتَعَلِّقٌ بِالرِّوَايَةِ (وَفِيهِ) : أَيْ: وَفِي
مَرْوِيِّهَا زِيَادَةٌ، قَوْلُهَا: (ثُمَّ يُصَلِّي
فِيهِ) : أَيْ: فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَفِي رِوَايَةٍ
أُخْرَى لِمُسْلِمٍ: فَيُصَلِّي فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ
خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهَا:
«كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي
فِيهِ» ، وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ
غَرِيبٌ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ:
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ.
(2/464)
497 - «وَعَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ
مِحْصَنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ
لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ،
فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
497 - (وَعَنْ أُمِّ قَيْسٍ) : مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ
(بِنْتِ مِحْصَنٍ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ بَعْدَهَا نُونٌ، أُخْتُ
عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيِّ، أَسَلَمَتْ
بِمَكَّةَ قَدِيمًا، وَبَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَتْ إِلَى
الْمَدِينَةِ (أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) :
بِالْجَرِّ، صِفَةٌ لِابْنٍ، (لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ) :
أَيِ: الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ التَّغَذِّي مِنْ غَيْرِ
اللَّبَنِ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَتَتْ (فَأَجْلَسَهُ) أَيْ:
ذَلِكَ الِابْنَ (رَسُولُ اللَّهِ فِي حِجْرِهِ) :
بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتُفْتَحُ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ:
بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، هُوَ الثَّوْبُ
وَالْحِضْنُ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ
فَالْفَتْحُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْمُ
فَالْكَسْرُ لَا غَيْرُ. (فَبَالَ) : أَيْ ذَلِكَ الِابْنُ
(عَلَى ثَوْبِهِ) : أَيْ: ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فَدَعَا بِمَاءٍ) : أَيْ:
طَلَبَهُ (فَنَضَحَهُ) : أَيْ: أَسَالَ الْمَاءَ عَلَى
ثَوْبِهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَغْسِلْهُ) :
أَيْ: لَمْ يُبَالِغْ فِي الْغَسْلِ بِالرَّشِّ
وَالدَّلْكِ ; لِأَنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَأْكُلِ
الطَّعَامَ، فَلَمْ يَكُنْ لِبَوْلِهِ عُفُونَةٌ
يُفْتَقَرُ فِي إِزَالَتِهَا إِلَى الْمُبَالَغَةِ، وَلَمْ
يَرِدْ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ بِالْمَرَّةِ، بَلْ
أَرَادَ بِهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْغَسْلَيْنِ،
وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ غَسْلٌ دُونَ غَسْلٍ،
فَعَبَّرَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالْغَسْلِ، وَعَنِ الْآخَرِ
بِالنَّضْحِ، وَحَدِيثُ لُبَابَةَ الْآتِي يُبَيِّنُ أَنَّ
عِلَّةَ النَّضْحِ فِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ هِيَ
الْمَذْكُورَةُ، وَقَوْلُهَا: لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ
شَيْءٌ حَسِبَتْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ
فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بُرْهَانٌ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ رَشُّ الْمَاءِ
بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَى جَمِيعِ مَوَارِدِ الْبَوْلِ مِنْ
غَيْرِ جَرْيٍ، وَالْغَسْلُ إِجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَى
مَوَارِدِهَا، وَالْفَارِقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ
وَالصَّبِيَّةِ أَنَّ بَوْلَهَا بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ
الرُّطُوبَةِ وَالْبَرْدِ عَلَى مِزَاجِهَا يَكُونُ
أَغْلَظَ وَأَنْتَنَ، فَيُفْتَقَرُ فِي إِزَالَتِهَا إِلَى
زِيَادَةِ مُبَالَغَةٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ، وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ النَّضْحَ
فِي الصَّبِيِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْلَهُ لَيْسَ
بِنَجِسٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ أَجْلِ التَّخْفِيفِ هَذَا
هُوَ الصَّوَابُ. وَمَنْ قَالَ: هُوَ طَاهِرٌ فَقَدْ
أَخْطَأَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ
حَمْلِ الْأَطْفَالِ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ
لِلتَّبَرُّكِ، سَوَاءٌ كَانُوا فِي حَالِ الْوِلَادَةِ
أَوْ غَيْرِهِ، وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى حُسْنِ
الْمُعَاشَرَةِ وَاللِّينِ وَالتَّوَاضُعِ بِالصِّغَارِ
وَغَيْرِهِمْ. قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
) .
(2/464)
498 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
«إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» ". رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
498 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ) : بِكَسْرِ
الْهَمْزَةِ، وَهُوَ الْجِلْدُ الْغَيْرُ الْمَدْبُوغِ،
سُمِّيَ إِهَابًا؛ لِأَنَّهُ أُهْبَةٌ لِلْحَيِّ وَبِنَاءٌ
لِلْحِمَايَةِ عَلَى جَسَدِهِ، كَمَا يُقَالُ لَهُ: مَسْكٌ
; لِإِمْسَاكِهِ وَرَاءَهُ، وَهَذَا كَلَامٌ قَدْ سُلِكَ
فِيهِ مَسْلَكُ التَّمْثِيلِ، (فَقَدْ طَهُرَ) ، قَالَ
ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى
مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَطْهُرُ
بِالدِّبَاغِ، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: جِلْدُ
الْكَلْبِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ
عُمُومِهِ الْآدَمِيَّ تَكْرِيمًا لَهُ، وَالْخِنْزِيرَ
لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ. قَالَ الْأَشْرَفُ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِهَابِ: وَفِي حَدِيثِ سَوْدَةَ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِلْدَ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ
وَبَاطِنُهُ بِالدِّبَاغِ حَتَّى جَوَّزَ اسْتِعْمَالَهُ
فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ
فِيهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ:
وَفِيهِ أَيْ: فِي الْبَابِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
«اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا هِيَ
دُبِغَتْ، تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمَادًا أَوْ مِلْحًا أَوْ
مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ صَلَاحُهُ» "، يَعْنِي:
إِذَا جَفَّ وَخَرَجَ مِنْهُ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ.
(2/465)
499 - وَعَنْهُ قَالَ: «تُصُدِّقَ عَلَى
مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ
فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ "، فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ،
فَقَالَ: " إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» " مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
499 - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ: تُصُدِّقَ) : بِالْبِنَاءِ
لِلْمَجْهُولِ أَيْ: دُفِعَتْ صَدَقَةٌ (عَلَى مَوْلَاةٍ)
: أَيْ: عَتِيقَةٍ (لِمَيْمُونَةَ) : إِحْدَى أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِينَ (بِشَاةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِتُصُدِّقَ
(فَمَاتَتْ) : أَيِ: الشَّاةُ (فَمَرَّ بِهَا) : أَيْ:
بِالشَّاةِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: " هَلَّا ") : تَحْضِيضِيَّةٌ أَيْ:
لِمَ لَا (" أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ،
فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ " فَقَالُوا: إِنَّهَا) أَيِ:
الشَّاةُ (مَيْتَةٌ) أَيْ: لَا مُذَكَّاةٌ، وَفِيهِ
إِشَارَةٌ إِلَي أَنَّ مَا طَهُرَ بِالدَّبْغِ طَهُرَ
بِالذَّكَاةِ كَمَا قَالَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا. (فَقَالَ: "
إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا ") : قَالَ النَّوَوِيُّ:
رُوِّينَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: حَرُمَ بِفَتْحِ الْحَاءِ
وَضَمِّ الرَّاءِ، وَحُرِّمَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ
الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ، وَالثَّانِي
فِي النُّسَخِ أَكْثَرُ، وَلِلْمُطَابَقَةِ بِالْآيَةِ
أَظْهَرُ.
قَالَ ابْن المَلَكِ: أَيْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَأَمَّا
جِلْدُهَا فَيَجُوزُ دِبَاغَتُهُ، وَيَطْهُرُ بِهَا حَتَّى
يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ
وَالْوُضُوءِ مِنْهُ وَالصَّلَاةِ مَعَهُ وَعَلَيْهِ،
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ ذَهَبَ
أَيْ: أَنَّ مَا عَدَا الْمَأْكُولَ غَيْرَ مُحَرَّمِ
الِانْتِفَاعِ كَالشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ،
وَنَحْوِهَا، وَقَالُوا: لَا حَيَاةَ فِيهَا فَلَا
تَنْجُسُ بِمَوْتِ الْحَيَوَانِ، وَجَوَّزُوا اسْتِعْمَالَ
عَظْمِ الْفِيلِ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ
الْعَاجِ اهـ.
فِي النِّهَايَةِ، قِيلَ: الْعَاجُ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ
ظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا
عَظْمُ الْفِيلِ، وَاقْتَصَرَ الْقَامُوسُ عَلَى
الثَّانِي، وَجَاءَ فِي الْقَامُوسِ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِثَوْبَانَ: اشْتَرِ
لِفَاطِمَةَ سُوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» ". (مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ
) .
(2/465)
500 - «وَعَنْ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ، فَدَبَغْنَا
مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ
شَنًّا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
500 - (وَعَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَهُوَ أَفْصَحُ عِنْدَ قِيَامِ
الْقَرِينَةِ مِنَ الزَّوْجَةِ قَالَ تَعَالَى: {اسْكُنْ
أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] وَقَدْ مَرَّ
ذِكْرُهَا. (قُلْتُ: وَهُوَ أَفْصَحُ عِنْدَ قِيَامِ
الْقَرِينَةِ مِنَ الزَّوْجِيَّةِ قَالَ تَعَالَى:
{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] وَمَا
وَقَعَ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ مِنَ الضَّمِّ فَهُوَ مِنْ
سَهْوِ الْقَلَمِ (فِيهِ) أَيْ: نَطْرَحُ فِيهِ مَاءً،
وَقَالَ ابْنُ المَلَكِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ
نَتَّخِذُ فِيهِ نَقِيعًا مِنْ تَمْرٍ لِيَحْلُوَ،
وَكَأَنَّهُمَا أُخِذَا مِنْ ظَاهِرِ النَّبْذِ وَهُوَ
غَيْرُ لَازِمٍ، فَفِي الْقَامُوسِ النَّبْذُ: طَرْحُكَ
الشَّيْءَ أَمَامَكَ أَوْ وَرَاءَكَ أَوْ عَامٌّ،
وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ، وَالنَّبِيذُ الْمُلْقَى وَمَا
نُبِذَ مِنْ عَصِيرٍ وَنَحْوِهِ (حَتَّى صَارَ) : أَيْ:
بَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ (شَنًّا) : بِفَتْحِ الشِّينِ
وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ: سِقَاءً خَلِقًا عَتِيقًا.
وَقِيلَ: هُوَ الْقِرْبَةُ الْخَلِقَةُ الَّتِي لَا
يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ:
الشِّنَانُ الْأَسْقِيَةُ الْخَلِقَةُ وَاحِدُهَا شَنٌّ
وَشَنَّةٌ، وَهِيَ أَشَدُّ تَبْرِيدًا لِلْمَاءِ مِنَ
الْجُدَدِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَوَرَدَ «عَنْ
عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ»
". أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ عَلَى
مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ،
فَتَعْبِيرُ ابْنِ حَجَرٍ بِأَنَّهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ
غَيْرُ صَحِيحٍ، إِلَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ
صَحِيحُ الْمَعْنَى، وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ ;
لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ صَحِيحَ
الْمَعْنَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/465)
الْفَصْلُ الثَّانِي
501 - «عَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ.
فَقُلْتُ: الْبَسْ ثَوْبًا، وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى
أَغْسِلَهُ، قَالَ: إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ
الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
501 - (عَنْ لُبَابَةَ) : بِضَمِّ اللَّامِ هِيَ أُمُّ
الْفَضْلِ مِنْ قَبِيلَةِ عَامِرٍ، وَهِيَ زَوْجَةُ
الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأُمُّ أَكْثَرِ
بَنِيهِ، وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
(بِنْتِ الْحَارِثِ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: يُقَالُ
أَنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ،
رَوَتْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً (قَالَتْ: كَانَ الْحُسَيْنُ
بْنُ عَلِيٍّ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا (فِي
حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتُضَمُّ (فَبَالَ عَلَى
ثَوْبِهِ) : أَيْ: إِزَارِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ (فَقُلْتُ) : أَيْ: لِلنَّبِيِّ (الْبَسْ) :
بِفَتْحِ الْبَاءِ (ثَوْبًا) : أَيْ: قَمِيصًا أَوْ
إِزَارًا آخَرَ (وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ) : أَيِ
الْمُتَنَجِّسَ (حَتَّى أَغْسِلَهُ. فَقَالَ: يُغْسَلُ ")
أَيِ: الثَّوْبُ، عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي
الْغَسْلِ بِالدَّلْكِ مَعَ الْإِجْرَاءِ، قَالَهُ ابْنُ
الْمَلَكِ (" مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى ") : لِمَا سَبَقَ ("
وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ ") .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: النَّضْحُ الْوَارِدُ فِي بَوْلِ
الصَّبِيِّ الْمُرَادُ بِهِ الصَّبُّ لِمَا رَوَى هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَقَالَ: صُبُّوا عَلَيْهِ
الْمَاءَ صَبًّا " قَالَ: فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ
بَوْلِ الْغُلَامِ الْغَسْلُ، إِلَّا أَنَّهُ يُجَزِئُ
فِيهِ الصَّبُّ، يَعْنِي: وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى
الْعَصْرِ، وَحُكْمُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا
الْغَسْلُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ الصَّبُّ ;
لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ
لِضِيقِ مَخْرَجِهِ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يَتَفَرَّقُ
فِي مَوَاضِعَ لِسَعَةِ مَخْرَجِهَا. (رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ
وَالْمُنْذِرِيُّ، قَالَهُ السَّيِّدُ، (وَابْنُ مَاجَهْ)
: وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهَا:
«يُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ
الْجَارِيَةِ» .
(2/466)
502 - وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيِّ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، قَالَ: "
«يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ
بَوْلِ الْغُلَامِ» ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
502 - (وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ)
: بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى ابْنِ مَاجَهْ، قَالَهُ
مِيرَكُ شَاهْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ
بِالْجَرِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لَكِنْ إِنَّمَا يَصِحُّ
الْجَرُّ لَوْ كَانَ لِلنِّسَائِيِّ رِوَايَتَانِ كَمَا
لَا يَخْفَى، فَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ
الْأُخْرَى لَهُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ
الْمَذْكُورِينَ، فَكَانَ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ
مَعَهُمْ أَوَّلًا أَيْضًا، كَمَا ذَكَرَ أَبَا دَاوُدَ
مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ لَهُ
إِلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ
لِأَبِي دَاوُدَ، فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ لَكِنْ لَا
بِالْعَطْفِ عَلَى ابْنِ مَاجَهْ لِوُجُودِ الْفَصْلِ
بِالْأَجْنَبِيِّ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ
كَذَلِكَ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}
[المائدة: 69] بِالرَّفْعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا
قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ:
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَسَنَدُهُمَا صَحِيحٌ،
فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، (عَنْ أَبِي السَّمْحِ) :
اسْمُهُ إِيَادٌ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَهُوَ
خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَهُ السَّيِّدُ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُقَالُ: مَوْلَاهُ، وَإِيَادٌ
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ تَحْتَهَا
نُقْطَتَانِ، وَلَا يُدْرَى أَيْنَ مَاتَ، فَقَالَ:
«يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ
بَوْلِ الْغُلَامِ» ") : قَالَ مِيرَكُ: لَفْظُ حَدِيثِ
أَبِي السَّمْحِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: كُنْتُ
أَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: " وَلِّنِي
قَفَاكَ " فَأُوَلِّيَهِ قَفَايَ، فَأَسْتُرَهُ بِهِ،
فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ
يَعْنِي: مَوْضِعَهُ مِنَ الثِّيَابِ، فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ
فَقَالَ: " «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ
مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» ". قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
وَقَوْلُهُ: " «يُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» "
بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَقِيلَ فِي
حَدِّهِ: لِيَكُنِ الْمَاءُ مِثْلَ الْبَوْلِ، وَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِهِ
وَبَوْلِهَا، وَهُوَ أَنَّ بَوْلَهُ كَالْمَاءِ رِقَّةً
وَبَيَاضًا، وَبَوْلُهَا أَصْفَرُ ثَخِينٌ، وَتَكْثُرُ
نَجَاسَتُهُ بِمُخَالَطَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا وَهِيَ
نَجِسَةٌ؛ وَلِأَنَّ الذُّكُورَ أَقْوَى مِزَاجًا مِنَ
الْإِنَاثِ، وَالرَّخَاوَةُ غَالِبَةٌ عَلَى
أَمْزِجَتِهِنَّ، فَتَكُونُ الْفَضَلَاتُ الْخَارِجَةُ
مِنْهُنَّ أَشَدَّ احْتِيَاجًا إِلَى الْغَسْلِ، وَأَيْضًا
مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى التَّخْفِيفِ فِي حَقِّ
الصِّبْيَانِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِحَمْلِهِمْ
فِي الْمَجَالِسِ دُونَ الْجَوَارِي.
(2/466)
وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَمَّا
مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ: أَنْ يُغْسَلَ
بَوْلُهُمَا مَعًا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ الْغَيْرِ
الْمَرْئِيَّةِ اهـ.
قُلْتُ: وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: بَوْلُ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَأْكُلْ
طَعَامًا طَاهِرٌ.
(2/467)
503 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ
بِنَعْلِهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
503 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا
وَطِئَ ") : بِكَسْرِ الطَّاءِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ) أَيْ:
قَرُبَ وَمَسَحَ وَدَاسَ (أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ) : وَفِي
مَعْنَاهُ الْخُفُّ (الْأَذَى) : أَيِ النَّجَاسَةَ
يَعْنِي فَتَنَجَّسَ (فَإِنَّ التُّرَابَ) أَيْ: بَعْدَهُ
(لَهُ) أَيْ: لِنَعْلِ أَحَدِكُمْ، وَرَجْعُ الضَّمِيرِ
لِلْأَذَى مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى (طَهُورٌ) : أَيْ:
مُطَهِّرٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ
الْعِلْمِ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: إِذَا
أَصَابَ أَكْثَرَ الْخُفِّ أَوِ النَّعْلَ نَجَاسَةٌ
فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى ذَهَبَ أَكْثَرُهَا فَهُوَ
طَاهِرٌ، وَجَازَتِ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ:
لَا بُدَّ مِنَ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ، فَيُئَوَّلُ هَذَا
الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْوَطْءَ عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ
فَيَتَشَبَّثُ شَيْءٌ مِنْهَا وَيَزُولُ بِالدَّلْكِ،
كَمَا أُوِّلَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي بِأَنَّ
السُّؤَالَ إِنَّمَا صَدَرَ فِيمَا جُرَّ مِنَ الثِّيَابِ
عَلَى مَا كَانَ يَابِسًا مِنَ الْقَذَرِ، إِذْ رُبَّمَا
يَتَشَبَّثُ شَيْءٌ مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمَكَانَ الَّذِي
بَعْدَهُ يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ
مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا أَصَابَتْهُ
نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ. قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ،
فَإِنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ يُخَالِفُ
الْإِجْمَاعَ ; لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَطْهُرُ إِلَّا
بِالْغَسْلِ، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنَ
التَّابِعِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الدَّلْكَ يُطَهِّرُهُ
عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ لَمْ
يُطْعَنْ فِيهِ، وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مَطْعُونٌ فِيهِ
; لِأَنَّ مِمَّنْ يَرْوِيهِ أُمَّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ
وَهِيَ مَجْهُولَةٌ. قِيلَ: كَانَ الشَّيْخُ يَحْمِلُ
الثَّوْبَ عَلَى النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ رَدًّا
لِقَوْلِ مُحْيِي السُّنَّةِ: إِنَّهُمَا مَحْمُولَانِ
عَلَى الْيَابِسَةِ، وَحَدِيثُ الْخُفِّ عَلَى
الرَّطْبَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِلَاهُمَا مَحْمُولٌ
عَلَى الرَّطْبَةِ إِذْ قَالَ الْأَوَّلُ: طَهُورُهُ
التُّرَابُ، وَفِي الثَّانِي: يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ
وَلَا تَطَهُّرَ إِلَّا بَعْدَ النَّجَاسَةِ، وَيُؤَيِّدُ
هَذَا التَّأْوِيلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ
الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَبِنَاءُ الْأَمْرِ
عَلَى الْيُسْرِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ: إِنَّ الْخُفَّ إِنَّمَا يَطْهُرُ
بِالدَّلْكِ إِذَا جَفَّتِ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ،
بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ، نَعَمْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
إِذَا مَسَحَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ
وَالنَّجَاسَةُ مُتَجَسِّدَةٌ كَالْعَذِرَةِ وَالرَّوَثِ
وَالْمَنِيِّ تُطَهِّرُهُ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا
يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعُمُومِ
الْبَلْوَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ
مُتَجَسِّدَةً كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ لَا تَطْهُرُ
إِلَّا بِالْغَسْلِ كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ: كَذَا اللَّفْظُ، وَفِي سَنَدِهِ
رَجُلٌ مَجْهُولٌ، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ عَنِ
التَّخْرِيجِ، وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ لَمْ يُطْعَنْ فِيهِ،
وَكَانَ الرَّجُلُ الْمَجْهُولُ مَعْلُومًا عِنْدَهُ، أَوْ
جَهَالَتُهُ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ تَرْتَفِعُ
مَضَرَّتُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: إِذَا وَطِئَ
أَحَدُكُمُ الْأَذَى بِخُفِّهِ فَطَهُورُهُ التُّرَابُ "
نَقَلَهُ مِيرَكُ. (وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ) . قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
(2/467)
504 - «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: إِنِّي
امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ
الْقَذِرِ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» "
رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو
دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَقَالَا: الْمَرْأَةُ أُمُّ
وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
504 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
(قَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: إِنِّي أُطِيلُ) : مِنَ
الْإِطَالَةِ (ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ
الْقَذِرِ) : أَيِ: النَّجِسِ وَهُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ
أَيْ: فِي مَكَانٍ ذِي قَذَرٍ (فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: فِي
جَوَابِ مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ (يُطَهِّرُهُ: أَيِ
الذَّيْلَ (مَا بَعْدَهُ) : أَيِ: الْمَكَانُ الَّذِي
بَعْدَ الْمَكَانِ الْقَذِرِ بِزَوَالِ مَا يَتَشَبَّثُ
بِالذَّيْلِ مِنَ الْقَذَرِ يَابِسًا، كَذَا قَالَهُ
بَعْضُ عُلَمَائِنَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى
تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَ الْكُلِّ
لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا
أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ،
بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا كَمَا سَبَقَ
فَإِطْلَاقُ التَّطْهِيرِ مَجَازِيُّ كَنِسْبَتِهِ
الْإِسْنَادِيَّةِ (رَوَاهُ مَالِكٌ) : وَالشَّافِعِيُّ
أَيْضًا قَالَهُ السَّيِّدُ عَنِ التَّخْرِيجِ.
(وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) :
وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ نَقَلَهُ
السَّيِّدُ عَنِ التَّخْرِيجِ (وَالدَّارِمِيُّ وَقَالَا)
: أَيْ: أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ، وَفِي نُسْخَةٍ:
وَقَالَ أَيِ: الدَّارِمِيُّ.
(2/467)
قَالَ مِيرَكُ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا:
(الْمَرْأَةُ أُمُّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ
عَنِ الْغَوَامِضِ أَنَّ اسْمَهَا حُمَيْدَةُ، ذَكَرَهُ
السَّيِّدُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ أَنَّهَا
مَجْهُولَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ الحديِثُ حَسَنٌ، وَهُوَ
غَيْرُ صَحِيحٍ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ
لِغَيْرِهِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِسْنَادٍ آخَرَ لَيْسَ
فِيهِ الْمَجْهُولَةُ فَيَعْتَضِدُ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ
مَعْلُومٍ، فَتَأَمَّلْ.
(2/468)
505 - وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ
يكَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ
عَلَيْهَا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
505 - (وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ) :
كِنْدِيٌّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَفْدِ الَّذِينَ وَفَدُوا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ كِنْدَةَ، وَيُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،
وَحَدِيثُهُ فِيهِمْ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَمَرَّ
ذِكْرُهُ أَيْضًا (قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ جُلُودِ
السِّبَاعِ» ) بِضَمِّ اللَّامِ، فَإِنَّهُ مَصْدَرُ
لَبِسَ يَلْبَسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ بِخِلَافِ فَتْحِ
اللَّامِ، فَإِنَّهُ مَصْدَرُ لَبَسَ يَلْبِسُ كَضَرَبَ
يَضْرِبُ. بِمَعْنَى خَلَطَ (وَالرُّكُوبِ) : أَيْ: وَعَنِ
الْقُعُودِ (عَلَيْهَا) .
قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا النَّهْيُ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ ; لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا
إِمَّا قَبْلَ الدِّبَاغِ فَلَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهَا
نَجِسَةٌ، وَإِمَّا بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ
الشَّعَرُ فَهِيَ أَيْضًا نَجِسَةٌ ; لِأَنَّ الشَّعَرَ
لَا يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ ; لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا
يُغَيِّرُ الشَّعَرَ عَنْ حَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ نَهْيَ تَنْزِيهٍ إِذَا قُلْنَا: إنَّ الشَّعَرَ
يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَمَا فِي الْوَسِيطِ، فَإِنَّ
لُبْسَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبَ عَلَيْهَا مِنْ
دَأْبِ الْجَبَابِرَةِ وَعَمَلِ الْمُتْرَفِينَ، فَلَا
يَلِيقُ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ، نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ،
وَزَادَ ابْنُ الْمَلَكِ وَقَالَ: إِنَّ فِيهِ تَكَبُّرًا
وَزِينَةً.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ فَرْوُ
السِّنْجَابِ وَنَحْوُهُ مِنَ الْوَبَرِ، فَإِنَّ
حَيَوَانَهَا لَا يُذَكَّى، بَلْ يُخْنَقُ كَمَا
أَخْبَرَنَا الثِّقَاتُ، وَبِتَقْدِيرِ الذَّبْحِ
فَصَائِدُهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَنَاقَشَهُ
ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ أَخْبَارَ الثِّقَاتِ وَكَوْنَ
الصَّائِدِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إِنَّمَا يُعَوَّلُ
عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ بِأَنْ
يُخْبِرَ ثِقَةٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يُذْبَحْ أَوْ صَائِدَهُ
غَيْرُ أَهْلٍ، وَأَمَّا ذِكْرُ الثِّقَاتِ ذَلِكَ عَنْ
جِنْسِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ نَظِيرَهُ مَا
اشْتُهِرَ مِنَ الْجُوخِ مِنْ أَنَّهُ يُخَمَّرُ بِشَحْمِ
الْخِنْزِيرِ، وَلَمْ يُعَوِّلِ الْأَئِمَّةُ بِذَلِكَ،
بَلْ قَالُوا بِطَهَارَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، هَكَذَا
هُنَا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ تَجَنُّبَهَا إِنَّمَا هُوَ
احْتِيَاطٌ لَا وَاجِبٌ اهـ.
وَفَى تَنْظِيرِهِ نَظَرٌ ; إِذِ الْأَوَّلُ يُخْبِرُ
الثِّقَاتُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ بِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ
كَذَا، وَالثَّانِي بِاشْتِهَارِ الْعَامَّةِ مِنْ غَيْرِ
تَقْيِيدٍ بِالثِّقَاتِ، وَمِنْ غَيْرِ إِفَادَةِ
الْحَصْرِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ حِينَئِذٍ،
وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ دُخُولِ هَذَا الْخَاصِّ فِي ضِمْنِ
هَذَا الْعَامِّ، مَعَ أَنَّ صِيغَةَ يُخَمِّرُ تُفِيدُ
التَّقْلِيلَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَفِي
إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ، وَفِيهِ مَقَالٌ، نَقَلَهُ
السَّيِّدُ عَنِ التَّخْرِيجِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: "
سَنَدُهُ حَسَنٌ بَلْ صَحِيحٌ " غَيْرُ صَحِيحٍ.
(وَالنَّسَائِيُّ
) .
(2/468)
506 - وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ
أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ» "
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ: أَنْ
تُفْتَرَشَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
506 - (وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ
وَكَسْرِ اللَّامِ، اسْمُهُ عَامِرٌ، نَقَلَهُ السَّيِّدُ
عَنِ التَّخْرِيجِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: بَصْرِيٌّ، رَوَى
عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (ابْنِ أُسَامَةَ) :
الْهُذَلِيِّ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) : لَمْ
يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ ; لَا
فِي الصَّحَابَةِ وَلَا فِي التَّابِعِينَ، لَكِنْ
يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهُ صَحَابِيٌّ (عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى) :
وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ نَهَى (عَنْ جُلُودِ
السِّبَاعِ) أَيْ: عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنَ
اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوِهِمَا. (رَوَاهُ أَحْمَدُ)
: مَنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: " عَنْ
أَبِيهِ " غَيْرَ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، نَقَلَهُ مِيرَكُ
عَنِ التَّخْرِيجِ (وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) :
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: نَهَى عَنْ رُكُوبِ
جُلُودِ النِّمَارِ. (وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ،
وَالدَّارِمِيُّ: أَنْ تُفْتَرَشَ) : أَيْ: تُبْسَطَ
وَيُجْلَسَ عَلَيْهَا لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ زِيَادَةُ
أَنْ تُفْتَرَشَ مُخْتَصَّةٌ بِالتِّرْمِذِيِّ
وَالدَّارِمِيِّ، فَإِلْحَاقُ ابْنِ حَجَرٍ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ بِنَفْسِ الْحَدِيثِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ:
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ - خَطَأٌ فَاحِشٌ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،
عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ إِرْسَالَ
الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ إِسْنَادِهِ، كَذَا نَقَلَهُ
السَّيِّدُ عَنِ التَّخْرِيجِ.
(2/468)
507 - وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، أَنَّهُ
كَرِهَ ثَمَنَ جُلُودِ السِّبَاعِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ. بِلَفْظِ: كَرِهَ جُلُودَ
السِّبَاعِ. وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
507 - (وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، أَنَّهُ) : أَيْ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ
أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِأَبِي الْمَلِيحِ (كَرِهَ
ثَمَنَ جُلُودِ السِّبَاعِ) : أَيْ: بَيْعَهَا
وَشِرَاءَهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَفِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ: إِنَّ بَيْعَ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ بَاطِلٌ
إِذَا لَمْ تَكُنْ مَذْبُوحَةً أَوْ مَدْبُوغَةً. وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ: مَذْهَبُنَا صِحَّةُ بَيْعِهَا بَعْدَ
الدَّبْغِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا شَعَرٌ، وَلَا كَرَاهَةَ
فِي ثَمَنِهَا حِينَئِذٍ، فَإِطْلَاقُ كَرَاهَةِ ثَمَنِهَا
مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ مَذْهَبٌ
لِأَبِي الْمَلِيحِ اهـ.
قَالَ الْمُظْهِرُ: ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ
لِنَجَاسَتِهَا، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا كَرَاهَةَ
(رَوَاهُ) هُنَا بَيَاضٌ، وَأَلْحَقَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: كَرِهَ جُلُودَ السِّبَاعِ،
وَسَنَدُ هَذَا الْأَثَرِ جَيِّدٌ كَذَا فِي التَّخْرِيجِ،
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: رَوَاهُ فِي كِتَابِ: اللِّبَاسِ
مِنْ جَامِعِهِ، وَسَنَدُهُ وَجِيهٌ. وَقَالَ
الْجَزَرِيُّ: هَذَا الْأَثَرُ سَنَدُهُ جَيِّدٌ، رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي اللِّبَاسِ مِنْ جَامِعِهِ،
وَلَفْظُهُ: أَنَّهُ كَرِهَ. . . إِلَخْ. اهـ.
وَالْأَثَرُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ يُطْلَقُ
عَلَى الْمَوْقُوفِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي
أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَبِي الْمَلِيحِ، وَلِذَا لَمْ
يَقُلْ: وَعَنْهُ ; إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ
الْأَوَّلَ مَرْفُوعٌ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ.
(2/469)
508 - «وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُكَيْمٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ
لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا
عَصَبٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
508 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ) :
بِالتَّصْغِيرِ تَابِعِيٌّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ:
جُهَنِيٌّ، أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تُعْرَفُ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَا
رِوَايَةٌ، وَقَدْ خَرَّجَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي عِدَادِ
الصَّحَابَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَابِعِيٌّ، سَمِعَ
عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ، رَوَى عَنْهُ
جَمَاعَةٌ وَحَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ (قَالَ:
أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا ") : أَنْ هَذِهِ
مُفَسِّرَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ (مِنَ الْمَيْتَةِ
بِإِهَابٍ) : أَيْ: قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَقِيلَ: أَيُّ
جِلْدٍ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَدْبُوغَ وَغَيْرَهُ كَمَا
يُصَرِّحُ بِهِ. " «لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا» " وَفِي
الْقَامُوسِ: الْإِهَابُ كَكِتَابٍ الْجِلْدُ مَا لَمْ
يُدْبَغُ (وَلَا عَصَبٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ فِي
شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ: وَعَصَبُ الْمَيْتَةِ
نَجِسٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّ فِيهِ
حَيَاةً بِدَلِيلِ تَأَلُّمِهِ بِالْقَطْعِ، وَقِيلَ:
طَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَظْمٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ. قَالَ
التُّورِبِشْتِيُّ: قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ
لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الدِّبَاغِ لِمَا فِي
بَعْضِ طَرَفِهِ: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ،
وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَاوِمُ
تِلْكَ الْأَحَادِيثَ صِحَّةً وَاشْتِهَارًا، ثُمَّ إِنَّ
ابْنَ عُكَيْمٍ لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا حَدَّثَ عَنْ حِكَايَةِ
حَالٍ، وَلَوْ ثَبَتَ فَحَقُّهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى
نَهْيِ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ الدِّبَاغِ (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ:
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِيهِ، ثُمَّ
تَرَكَهُ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ. وَرُوِيَ
أَنَّ هَذَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَرُوِيَ
بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ
وَآخَرُونَ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَلَا صُحْبَةَ لِابْنِ
عُكَيْمٍ، نَقَلَهُ السَّيِّدُ فِي التَّخْرِيجِ. (وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ
) .
(2/469)
509 - «وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ
إِذَا دُبِغَتْ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
509 - (وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ) :
عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ: بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ
النَّاسُ (بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ. رَوَاهُ
مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ:
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ عَنِ
التَّخْرِيجِ، وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ
أَظْهَرَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ جُلُودَ
الْمَيْتَةِ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، لَكِنَّهَا لَا
تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْيَابِسَةِ، وَفِي
الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ.
(2/469)
510 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: «مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَجُرُّونَ
شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الْحِمَارِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ
أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا. قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
510 - (وَعَنْ مَيْمُونَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
(قَالَتْ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَجُرُّونَ) : أَيْ.:
يَسْحَبُونَ (شَاةً) أَيْ: مَيْتَةً لَهُمْ، مِثْلَ
الْحِمَارِ) : مِثْلَ جَرِّهِ، أَوْ فِي كَوْنِهَا
مَيْتَةً مُنْتَفِخَةً (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَخَذْتُمْ
إِهَابَهَا ") : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: " لَوْ "
هَذِهِ. بِمَعْنَى " لَيْتَ " أَيْ: لِلتَّمَنِّي يَعْنِي:
لَيْتَكُمْ أَخَذْتُمْ. قَالَ: وَالَّذِي لَاقَى
بَيْنَهُمَا، أَيِ: الْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي
مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ أُجِيبَتَا
بِالْفَاءِ. اهـ. وَكَانَ لَفْظُ الْمَصَابِيحِ: " لَوْ
أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ " فَيَكُونُ
نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ
مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 73]
لَكِنَّ لَفْظَ: " فَدَبَغْتُمُوهُ " لَيْسَ فِي
الْمِشْكَاةِ، وَوَهِمَ ابْنُ حَجَرٍ وَأَدْخَلَهُ فِيهَا،
وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ أَيْضًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْفَاءَ لِلْعَطْفِ هَاهُنَا لَا لِلْجَوَابِ، وَلَوْ
إِذَا كَانَتْ لِلتَّمَنِّي لَا تَطْلُبُ جَوَابًا،
وَالْمَعْنَى تَمَنَّيْتُ أَخْذَكُمْ إِهَابَهَا
فَدِبَاغَهَا. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: جَوَابُ لَوْ
مَحْذُوفٌ أَيْ: لَوْ أَخَذْتُمُوهُ فَدَبَغْتُمُوهُ
لَكَانَ حَسَنًا اهـ. أَوْ لَطَهُرَ أَوْ حَلَّ لَكُمُ
الِانْتِفَاعُ بِهِ. (فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ) أَيْ:
لَا مَذْبُوحَةٌ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ ") :
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنَ الْمَاءِ فِي الدَّبْغِ،
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ; لِأَنَّ
الدَّبْغَ مِنْ بَابِ الْإِحَالَةِ لَا مِنْ بَابِ
الْإِزَالَةِ، فَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ
أَوْ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ (" وَالْقَرَظُ ") :
بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ
وَرَقُ السَلَمِ، وَهُوَ نَبْتٌ يُدْبَغُ بِهِ، وَقِيلَ:
هُوَ قِشْرُ الْبَلُّوطِ، وَالْمَعْنَى: يُطَهِّرُهَا
الْقَرَظُ بِالْمَاءِ، وَدِبَاغَةُ الْجِلْدِ بِهِ
(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ النَّوَوِيُّ: بِإِسْنَادَيْنِ حَسَنَيْنِ. نَقَلَهُ
السَّيِّدُ عَنِ التَّخْرِيجِ.
(2/470)
511 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ، فَإِذَا قِرْبَةٌ
مُعَلَّقَةٌ، فَسَأَلَ الْمَاءَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ: دِبَاغُهَا
طَهُورُهَا» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
511 - (وَعَنْ سَلَمَةَ) : هُذَلِيٌّ، يُعَدُّ فِي
الْبَصْرِيِّينَ (ابْنِ الْمُحَبَّقِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ
وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
الْمُشَدَّدَةِ وَتُفْتَحُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ:
الْمُحَبِّقُ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمَكْسُورَةِ،
وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَفْتَحُونَهَا اهـ. لَكِنْ
صُحِّحَ فِي الْكَاشِفِ بِكَسْرِهَا، نَقَلَهُ السَّيِّدُ.
(قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَاءَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) بِعَدَمِ
الِانْصِرَافِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ، وَقَدْ
يَنْصَرِفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَعُولٌ.
وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الشَّامِ
وَوَادِي الْقُرَى، قِيلَ: هُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ
لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، وَإِنْ جُعِلَ اسْمًا
لِلْمَوْضِعِ جَازَ الصَّرْفُ اهـ. يَعْنِي: التَّأْنِيثَ
بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ (عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ) : أَيْ:
مَرَّ عَلَيْهِمْ (فَإِذَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ) : أَيْ:
لَهُمْ فِيهَا مَاءٌ، وَهِيَ مَدْبُوغَةٌ (فَسَأَلَ) أَيْ:
طَلَبَ يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (الْمَاءَ) : أَيْ: مِنْهُمْ
(فَقَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا) أَيِ:
الْقِرْبَةُ (مَيْتَةٌ) أَيْ: جِلْدُ مَيْتَةٍ دُبِغَ
(فَقَالَ: دِبَاغُهَا طَهُورُهَا) : بِفَتْحِ الطَّاءِ
وَتُضَمُّ أَيْ: مُطَهِّرُهَا. قَالَ الْأَشْرَفُ: فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي
أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ، كَمَا هُوَ أَحَدُ
قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ) .
(2/470)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
512 - عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ
مُنْتِنَةً، فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ فَقَالَ:
" أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟ "
قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: " فَهَذِهِ هَذِهِ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
512 - (عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا
طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً) أَيْ: ذَاتُ
نَجَسَةٍ، وَالطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ أَيْ:
فِيهَا أَثَرُ الْجِيَفِ وَالنَّجَاسَاتِ (فَكَيْفَ
نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ
أَيْ: إِذَا جَاءَنَا الْمَطَرُ، وَمَرَرْنَا عَلَى تِلْكَ
النَّجَاسَاتِ بِأَذْيَالِنَا الْمُنْسَحِبَةِ عَلَى
الْأَرْضِ (قَالَتْ: فَقَالَ: " أَلَيْسَ بَعْدَهَا ")
أَيْ: أَسْفَلَ مِنْهَا (" طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ
مِنْهَا؟) : أَيْ: أَطْهَرُ. بِمَعْنَى الطَّاهِرِ
(قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: " فَهَذِهِ بِهَذِهِ ") : أَيْ:
مَا حَصَلَ التَّنَجُّسُ بِتِلْكَ يُطَهِّرُهُ
انْسِحَابُهُ عَلَى تُرَابِ هَذِهِ الطَّيِّبَةِ. قِيلَ:
مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ
قَرِيبَانِ. الْخَطَّابِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ
مَعْنَاهُ إِذَا أَصَابَهُ بَوْلٌ، ثُمَّ مَرَّ بَعْدَهُ
عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهَا تُطَهِّرُهُ، وَلَكِنَّهُ
يَمُرُّ بِالْمَكَانِ فَيُقْذِرُهُ ثُمَّ يَمُرُّ
بِمَكَانِ أَطْيَبَ مِنْهُ، فَيَكُونُ هَذَا بِذَاكَ،
لَيْسَ عَلَى أَنَّهُ يُصِيبُهُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَا رَوَى: إِنَّ الْأَرْضَ يُطَهِّرُ
بَعْضُهَا بَعْضًا إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَطَأَ الْأَرْضَ
الْقَذِرَةَ ثُمَّ يَطَأُ الْأَرْضَ الْيَابِسَةَ
النَّظِيفَةَ، فَإِنَّ بَعْضَهَا يُطَهِّرُ بَعْضًا،
وَأَمَّا النَّجَاسَةُ مِثْلُ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ
يُصِيبُ الثَّوْبَ أَوْ بَعْضَ الْجَسَدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ
لَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الْغَسْلُ إِجْمَاعًا، كَذَا
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
قُلْتُ: الْحَدِيثَانِ مُتَبَاعِدَانِ لَا كَمَا قِيلَ
إِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ
قَابِلٌ أَنْ يُقَيَّدَ بِالْيَابِسِ، وَأَمَّا الثَّانِي
فَصَرِيحٌ فِي الرَطْبِ، وَمَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
مِنَ التَّأْوِيلِ لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ، بَلْ يَكْفِي
الْكَلِيلَ، وَتَأْوِيلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ
الْمُتَقَدِّمُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعِيدٌ
جِدًّا عَنِ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَلَوْ
حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ طِينِ الشَّارِعِ،
وَأَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ مَعْفُوٌّ لِعُمُومِ الْبَلوَى
لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ
قَوْلُهُ: أَلَيْسَ بَعْدَهَا. . . إِلَخْ. فَالْمُخَلِّصُ
مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مِنْ أَنَّ فِي إِسْنَادِ
الْحَدِيثَيْنِ مَعًا يَعْنِي حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ فِي
الْفَصْلِ الثَّانِي، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَقَالًا ;
لِأَنَّ أُمَّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَةً مِنْ بَنِي
عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَجْهُولَتَانِ لَا يُعْرَفُ
حَالُهُمَا فِي الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ، فَلَا يَصِحُّ
الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ مِيرَكُ شَاهْ: سُكُوتُ أَبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ،
وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا
عِنْدَهُمَا صَالِحَانِ لِلْحُجِّيَّةِ. أَقُولُ:
النَّاطِقُ أَقْوَى مِنَ الصَّامِتِ، كَمَا أَنَّ
الْمَنْطُوقَ أَقْوَى مِنَ الْمَفْهُومِ، وَمِنَ
الْغَرِيبِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَزَعْمُ أَنَّ جَهَالَةَ
تِلْكَ الْمَرْأَةِ تَقْتَضِي رَدَّ حَدِيثِهَا لَيْسَ فِي
مَحَلِّهِ ; لِأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ، وَجَهَالَةُ
الصَّحَابَةِ لَا تَضُرُّ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ
كُلَّهُمْ عُدُولٌ، فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الْجَادَّةِ ;
لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ لَمَا قِيلَ
إِنَّهَا مَجْهُولَةٌ.
(2/471)
513 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَتَوَضَّأُ مَنِ
الْمُوطَىءِ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
513 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَتَوَضَّأُ) أَيْ: لَا نَغْسِلُ
أَرْجُلَنَا، وَلَا نَتَنَظَّفُ (مِنَ الْمَوْطِئِ) :
أَيْ: مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الْوَطْءِ وَالْمَشْيِ، قِيلَ:
هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ يَابِسًا، وَأَمَّا
إِذَا كَانَ رَطْبًا فَيَجِبُ الْغَسْلُ، وَقِيلَ:
مَحْمُولٌ عَلَى الَّذِي غَلَبَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ
عَلَى النَّجَاسَةِ عَمَلًا بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ،
وَإِشَارَةً إِلَى تَرْكِ الْوَسْوَسَةِ، وَمِنْ ثَمَّ
جَاءَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ
وَيَمْشُونَ حُفَاةً، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَغْسِلُونَ
أَرْجُلَهُمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طِينَ
الشَّارِعِ مَعْفُوٌّ لِعُمُومِ الْبَلْوَى (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ) : وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(2/471)
514 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَتِ الْكِلَابُ تُقْبِلُ
وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُونُوا
يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
514 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتِ الْكِلَابُ
تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ) مِنَ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ
(فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا
إِنَّمَا كَانَ فِي أَوْقَاتٍ نَادِرَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ
لِلْمَسْجِدِ بَابٌ يَمْنَعُهَا مِنَ الْعُبُورِ (فَلَمْ
يَكُونُوا يَرُشُّونَ) أَيْ: يَغْسِلُونَ (شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ) الرَّشُّ هُنَا: الصَّبُّ بِالْمَاءِ، أَيْ: لَا
يَصُبُّونَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لِأَجْلِ
إِقْبَالِهَا وَإِدْبَارِهَا، قَالَهُ الطِّيبِيُّ،
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، وَسَبَقَ
تَأْوِيلُهُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
(2/472)
515 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ بِبَوْلِ
مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ» ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
515 - (وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا بَأْسَ
بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ» ") قَالَ النَّوَوِيُّ
فِي الرَّوْضَةِ: لَنَا وَجْهٌ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ
لَحْمُهُ وَرَوَثُهُ طَاهِرَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ،
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، نَقَلَهُ
الطِّيبِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا.
(2/472)
516 - وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ، قَالَ: "
«مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ» " رَوَاهُ
أَحْمَدُ، والدَّارَقُطْنِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
516 - (وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ: «مَا أُكِلَ
لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ
والدَّارَقُطْنِيُّ) : وَحَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى
التَّدَاوِي لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَلِلْجُمْهُورِ
عُمُومُ حَدِيثِ: «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ ; فَإِنَّ
عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» " أَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: عَلَى
شَرْطِهِمَا.
(2/472)
|