مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
517 - عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ،
فَقَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ
لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(9) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
أُخِّرَ عَنِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَأَخُّرَ الْجُزْءِ
عَنِ الْكُلِّ، أَوْ تَأَخُّرَ النَّائِبِ عَنِ
الْمُنَابِ، لَكِنَّ نِيَابَتَهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْوُضُوءِ
كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَسْحُ إِصَابَةُ الْيَدِ
الْمُبْتَلَّةِ بِالْعُضْوِ، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِعَلَى
إِشَارَةً إِلَى مَوْضِعِهِ، وَهُوَ فَوْقَ الْخُفِّ دُونَ
دَاخِلِهِ وَأَسْفَلِهِ عَلَى مَا وَرَدَ مُخَالِفًا
لِلْقِيَاسِ، وَالْخُفُّ: مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَ
وَيُمْكِنُ بِهِ ضَرُورِيَّاتُ السَّفَرِ، وَإِنَّمَا
ثُنِّيَ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا
دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ كَمَا
سَتَرَى. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَدْرَكْتُ
سَبْعِينَ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ يَرَوْنَ الْمَسْحَ
عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا
قُلْتُ بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي فِيهِ مِثْلُ ضَوْءِ
النَّهَارِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَخَافُ الْكُفْرَ
عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ;
لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ
التَّوَاتُرِ، وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ
عَلَى الْخُفَّيْنِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ
وَالْأَهْوَاءِ، حَتَّى سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ
السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: أَنْ تُحِبَّ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَا تَطْعَنَ الْخَتَنَيْنِ، وَتَمْسَحَ
عَلَى الْخُفَّيْنِ. هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ:
إِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ أَيْضًا، بِحَمْلِ
الْقِرَاءَتَيْنِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ عَلَى
الْحَالَتَيْنِ بَيَّنَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ خَصَائِصِ
هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَرُخْصَةٌ شُرِعَتِ ارْتِفَاقًا ;
لِيَتَمَكَّنَ الْعَبْدُ مَعَهَا مِنَ الِاسْتِكْثَارِ
مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَالتَّرَدُّدِ فِي حَوَائِجِ
مَعَاشِهِ، أَوْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ عَنْ
هَذِهِ الْأُمَّةِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] "
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "
«بُعِثْتُ بِالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ» "
وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ عَدَمَ جَوَازِهِ
مُطْلَقًا أَوْ فِي الْحَضَرِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ
الصَّحِيحَةُ الشَّهِيرَةُ فِي مَسْحِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَفَرًا وَحَضَرًا، وَأَمْرُهُ
وَتَرْخِيصُهُ فِيهِ، وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ
بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ
الْحُفَّاظِ بِأَنَّ أَحَادِيثَهُ مُتَوَاتِرَةُ
الْمَعْنَى، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ رُوَاتَهُ
(2/472)
فَبَلَغُوا مِائَتَيْنِ، وَادَّعَى بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ
الْمُنْذِرِ، وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ
الْهُمَامِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَرِدْ
عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْكَارُ الْمَسْحِ إِلَّا
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَ
عَنْهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الْحِسَانِ خِلَافُ ذَلِكَ،
وَمُوَافَقَةُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا عَائِشَةُ
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا أَحَالَتْ ذَلِكَ عَلَى
عِلْمِ عَلِيٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «وَسَكَتُّ
عَنْهُ أَعْنِي الْمَسْحَ: مَا لِي بِهَذَا عِلْمٌ» .
وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيُّ
عَنْهَا: " لَأَنْ أَقْطَعَ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ " بَاطِلٌ
; نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُفَّاظُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
517 - (عَنْ شُرَيْحِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ هَانِئٍ) :
بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ، أَدْرَكَ زَمَنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ
كَنَى أَبَاهُ فَقَالَ: " «أَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» " مِنْ
أَصْحَابِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، كَذَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ فِي عَدَدِ
الصَّحَابَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ
الْمَنَارِ بِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ
تَبِعَ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ذِكْرِ الْمُخَضْرَمِينَ
مَعَ الصَّحَابَةِ (قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْمَسْحِ) أَيْ: عَنْ
مُدَّتِهِ (عَلَى الْخُفَّيْنِ) أَوْ عَنْ جَوَازِهِ
عَلَيْهِمَا، وَالْجَوَابُ عَلَى الْأَوَّلِ مُطَابِقٌ
لِلسُّؤَالِ، وَعَلَى الثَّانِي مُسْتَلْزِمٌ لَهُ
(فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) أَيْ: مُدَّتَهُ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيَهُنَّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ (لِلْمُسَافِرِ)
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ وَقْتِ
الْحَدَثِ بَعْدَ الْمَسْحِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ
الْمَسْحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلِذَا
قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا، وَقِيلَ:
مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ (وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ)
وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ ; حَيْثُ لَمْ يَرَ
لِلْمُقِيمِ مَسْحًا، وَلَمْ يُقَيِّدْ لِلْمُسَافِرِ
بِمُدَّةٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السَّفَرَ لُغَةً قَطْعُ
الْمَسَافَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ قَطْعٍ تَتَغَيَّرُ بِهِ
الْأَحْكَامُ مِنْ جَوَازِ الْإِفْطَارِ وَقَصْرِ
الرُّبَاعِيَّةِ، وَمَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيهَا عَلَى الْخُفِّ، فَعَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُخْصَةِ الْمَسْحِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جِنْسَ الْمُسَافِرِينَ ; لِأَنَّ
اللَّامَ فِي الْمُسَافِرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِعَدَمِ
الْمَعْهُودِ الْمُعَيَّنِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ عُمُومِ
الرُّخْصَةِ الْجِنْسُ، حَتَّى إِنَّهُ يَتَمَكَّنُ كُلُّ
مُسَافِرٍ مِنْ مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ سَفَرٍ،
فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ، فَلَوْ كَانَ السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ أَقَلَّ
مِنْ ذَلِكَ لَثَبَتَ مُسَافِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ مُسَافِرٍ
يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ
مُنْتَفِيَةً بِيَقِينٍ، فَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِيَقِينِ
مَا هُوَ سَفَرٌ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ
إِذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَيَدُلُّ
عَلَى الْقَصْرِ لِمُسَافِرٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ،
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ قَالَ: " «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَا
تَقْصُرُوا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ
إِلَى عُسْفَانَ» ". فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ فِي
الْأَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهِيَ تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَأُجِيبَ: بِضَعْفِ الْحَدِيثِ
لِضَعْفِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ،
فَبَقِيَ قَصْرُ الْأَقَلِّ بِلَا دَلِيلٍ، كَذَا
حَقَّقَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
.
(2/473)
518 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ
تَبُوكَ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْغَائِطِ،
فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا
رَجَعَ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ
الْإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، وَعَلَيْهِ
جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ،
فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ
تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى
مَنْكِبَيْهِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ
بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ،
لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: " دَعْهُمَا ; فَإِنِّي
أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ " فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا،
ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ،
وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ
رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ
إِلَيْهِ، فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ
مَعَهُ، فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
518 - (وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ غَزَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غَزْوَةَ تَبُوكَ) قِيلَ: تَبُوكُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ
لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ لَا وَزْنِ الْفِعْلِ،
وَإِنْ جُعِلَ اسْمَ الْمَوْضِعِ جَازَ صَرْفُهُ - يَعْنِي
التَّأْنِيثَ - بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ أَوِ
الْبَلْدَةِ، وَقَوْلُهُ: " لَا وَزْنِ " الْفِعْلِ فِيهِ
نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ وَزْنَهُ فَعُولٌ لَا
تَفْعَلُ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنَ
الْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ. (قَالَ الْمُغِيرَةُ:
فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) فِي الْقَامُوسِ: بَرَزَ بُرُوزًا أَيْ: خَرَجَ
إِلَى الْبَرَازِ كَتَبَرَّزَ، وَفِي النِّهَايَةِ
الْبَرَازُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ،
فَكَنَوْا بِهِ عَنْ قَضَاءِ الْغَائِطِ كَمَا كَنَوْا
عَنْهُ بِالْخَلَاءِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَرَّزُونَ
فِي الْأَمْكِنَةِ الْخَالِيَةِ مِنَ النَّاسِ،
وَبِالْكَسْرِ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَائِطِ اهـ. وَعَلَى
كُلٍّ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: خَرَجَ
إِلَى التَّبَرُّزِ وَهُوَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، بَلْ
مَعْنَى تَبَرَّزَ هُنَا خَرَجَ وَذَهَبَ عَلَى
التَّجْرِيدِ ; لِقَوْلِهِ: (قِبَلَ الْغَائِطِ) :
بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ: جَانِبَهُ
لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالْغَائِطُ هُوَ الْمَكَانُ
الْمُنْخَفِضُ مِنَ الْأَرْضِ.
(2/473)
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْغَائِطُ فِي
الْأَصْلِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ
يُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ، سُمِّيَ بِاسْمِ الْخَارِجِ
لِلْمُجَاوَرَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْحَقِيقَةُ فَوَاضِحٌ،
وَالتَّقْدِيرُ: خَرَجَ لِلتَّبَرُّزِ نَحْوَ الْمَكَانِ
الْمَذْكُورِ، أَوِ الْمُجَاوَرَةُ، فَالتَّقْدِيرُ خَرَجَ
لِلتَّبَرُّزِ لِأَجْلِ الْغَائِطِ اهـ. وَفِيهِ مَعَ
رَكَاكَةِ عِبَارَتِهِ - خَرَجَ لِلتَّبَرُّزِ لِأَجْلِ
الْغَائِطِ - الْمُنَافِيَةِ لِمَا سَبَقَ عَنْهُ أَنْ
يَمْنَعَ مِنْ إِرَادَةِ الْمُجَاوِرِ قَوْلُهُ: قِبَلَ
الْغَائِطِ، فَتَأَمَّلْ (فَحَمَلْتُ) أَيْ: ذَاهِبًا
(مَعَهُ إِدَاوَةً) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: مِطْهَرَةٌ أَوْ
رَكْوَةٌ ; لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا، وَكَانَ خُرُوجُهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ
(قَبْلَ الْفَجْرِ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ
الْمُبَادَرَةِ إِلَى تَهَيُّؤِ أَسْبَابِ الْعِبَادَةِ
قَبْلَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا، (فَلَمَّا رَجَعَ) أَيْ:
مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (أَخَذْتُ) أَيْ: شَرَعْتُ
(أُهَرِيقُ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ
وَتُسَكَّنُ أَيْ: أَصُبُّ الْمَاءَ (عَلَى يَدَيْهِ)
الْكَرِيمَتَيْنِ (مِنَ الْإِدَاوَةِ) فِيهِ دَلَالَةٌ
عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الطَّهَارَةِ، سِيَّمَا
إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْإِفَادَةُ وَالِاسْتِفَادَةُ
(فَغَسَلَ يَدَيْهِ) أَيْ: كَفَّيْهِ (وَوَجْهَهُ) :
الْوَجِيهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ
الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا
زَعَمَ ابْنُ حَجَرٍ ; لِاحْتِمَالِ عَدَمِ ذِكْرِهِ
لَهُمَا إِمَّا اخْتِصَارًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ
لِكَوْنِهِمَا دَاخِلَيْنِ فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْ
وَجْهٍ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي مَحَلِّهِ وَمَعَ
تَحَقُّقِ الِاحْتِمَالِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ
(وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى بَدَنِهِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ
( «جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ» ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
لُبْسَ الصُّوفِ مُسْتَحَبٌّ (ذَهَبَ) أَيْ: شَرَعَ
وَأَخَذَ، وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ
يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ (يَحْسِرُ)
بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا أَيْ: يَكْشِفُ كُمَّيْهِ
(عَنْ ذِرَاعَيْهِ) أَيْ: لِيَغْسِلَهُمَا (فَضَاقَ كُمُّ
الْجُبَّةِ) بِحَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُخْرِجَ يَدَهُ
إِلَى الْمِرْفَقِ عَنْ كُمِّ الْجُبَّةِ مِنْ غَايَةِ
ضِيقِهِ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى إِطْلَاقِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ
أَنَّ لُبْسَ الْإِنْسَانِ غَيْرَ زِيِّ أَهْلِ
إِقْلِيمِهِ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ، وَلِذَا قِيلَ:
مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ لِحَاجَةٍ، أَوْ لَمْ
يَقْصِدِ التَّأَسِّيَ بِالسَّلَفِ فِي عَدَمِ
التَّكَلُّفِ، وَتَرْكِ النَّظَرِ إِلَى هَيْئَاتِ
الْعَادَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ حَدَثٌ فَأَنَاطُوا
بِهِ حُكْمَهُ حَيْثُ لَا حَاجَةَ، وَلَا قَصْدَ
لِلتَّأَسِّي، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَتِ الصُّوفِيَّةُ:
الْإِرَادَةُ تَرْكُ الْعَادَةِ، نَعَمْ لَوْ غَيَّرَ
زِيَّهُ عَلَى جِهَةِ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ الدَّالَّةِ
عَلَى قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ
مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ
الْعُرْفِيَّةِ، فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ مُرُوءَتِهِ
وَعَدَمِ عَدَالَتِهِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي
مَحَلِّهِ، وَمِنْهَا الْأَكْلُ فِي السُّوقِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يُجْلَبُ مِنْ
بِلَادِ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُتَدَنِّسِينَ
بِالنَّجَاسَةِ الطَّهَّارَةُ كَالْجُوخِ، وَإِنِ
اشْتُهِرَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ،
وَكَالْجُبْنِ وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِيهِ
أَنَافِحَ الْخِنْزِيرِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ خَبَرُ
أَحْمَدَ، أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنْ حُلَلِ
الْحِيرَةِ ; لِأَنَّهَا تُصْبَغُ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ
لَهُ أُبَيٌّ: لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ ; قَدْ لَبِسَهُنَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلَبِسْنَاهُنَّ مَعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْخَلَّالِ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّ أُبَيًّا قَالَ لَهُ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ لَبِسَهَا نَبِيُّ اللَّهِ،
وَرَأَى اللَّهُ مَكَانَهَا، لَوْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا
حَرَامٌ لَنَهَى عَنْهَا. فَقَالَ: صَدَقْتَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، لَكِنَّهُ
غَرِيبٌ، أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
«أُتِيَ بِجُبْنَةٍ فِي غَزْوَةٍ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " أَيْنَ يُصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ:
بِفَارِسَ، أَيْ: أَرْضِ الْمَجُوسِ إِذْ ذَاكَ. فَقَالَ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ضَعُوا فِيهَا
السِّكِّينَ وَكُلُوا " فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
نَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً. فَقَالَ " سَمُّوا اللَّهَ
وَكُلُوا» . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ خُفَّانِ
فَلَبِسَهُمَا، وَلَا يَعْلَمُ أَهُمَا ذُكِّيَا أَمْ لَا»
؟ وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ: النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ
عَنِ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَالْفِرَاءِ، مَعَ أَنَّهُمَا
كَانَتْ تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الْمَجُوسِ، وَذُكِرَ
عِنْدَ عُمَرَ الْجُبْنُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُوضَعُ فِيهِ
أَنَافِحُ الْمَيْتَةِ. فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ
وَكُلُوا. قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي جُبْنِ
الْمَجُوسِ هَذَا الْحَدِيثُ. ( «فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ
تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ» ) أَيْ:
ذَيْلَهَا (عَلَى مَنْكِبَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ إِزَارٌ أَوْ قَمِيصٌ، وَإِلَّا
لَظَهَرَتِ الْعَوْرَةُ (فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ
مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ) وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِرُبُعِ
الرَّأْسِ لِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ مَسَحَ
عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ (وَعَلَى الْعِمَامَةِ» )
بِكَسْرِ الْعَيْنِ، فِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ فِي
اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى
الْعِمَامَةِ دُونَ الرَّأْسِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ
عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَقَالَ
أَحْمَدُ بِجَوَازِهِ ; بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ
الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ
أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ لَا يَجِبُ
اسْتِيعَابُهُ وَلَا اسْتِيعَابُ رُبُعِهِ ; لِأَنَّ
النَّاصِيَةَ دُونَهُ بِكَثِيرٍ. قُلْنَا: قَدَّرَ
النَّاصِيَةَ بِالرُّبُعِ، وَعَلَى
(2/474)
سَلِيمِ صِحَّةِ مَنْعِهِ كَانَ الْوَاجِبُ
أَنْ يُقَدَّرَ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ كَمَا قَدَّرَهُ
بَعْضُ أَئِمَّتِنَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ ; لِأَنَّهَا
أَقَلُّ مَا اكْتَفَى بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ اسْتِيعَابِ
الْمَسْحِ بِالْمُوَاظَبَةِ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ،
فَلَوْ كَانَ أَقَلُّ مِنْهُ جَائِزًا لَفَعَلَهُ وَلَوْ
مَرَّةً، فَالتَّقْدِيرُ بِمُسَمَّى - مَسَحَ وَإِنْ قَلَّ
قَدْرُهُ - مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقَوْلُ
ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّ ادِّعَاءَ الْقَائِلِ بِاسْتِيعَابِ
الْكُلِّ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ يُحْتَمَلُ
أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ، يُرَدُّ بِأَنَّ الْعُذْرَ لَا
يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى
الِاسْتِيعَابِ، وَهُنَا جَمَعَ بَيْنَ مَسْحِ الْبَعْضِ
مِنَ الرَّأْسِ وَبَيْنَ مَسْحِهِ عَلَى الْعِمَامَةِ
تَكْمِيلًا لِلِاسْتِيعَابِ كَانَ قَرِينَةً دَالَّةً
عَلَى الْعُذْرِ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ
يَقَعْ لَهُ مَسْحٌ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ بِدُونِ مَسْحِ
الْعِمَامَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ
فِي مُوَطَّئِهِ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ: بَلَغَنِي
عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعِمَامَةِ فَقَالَ:
لَا، حَتَّى يَمَسَّ الشَّعَرَ الْمَاءُ، ثُمَّ قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ
صَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِي عُبَيْدٍ تَوَضَّأَتْ وَنَزَعَتْ
خِمَارَهَا، ثُمَّ تَمْسَحُ بِرَأْسِهَا. قَالَ نَافِعٌ:
وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا
أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ،
(ثُمَّ أَهْوَيْتُ) أَيْ: قَصَدْتُ الْهُوِيَّ مِنَ
الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ، وَقِيلَ: الْإِهْوَاءُ
إِمَالَةُ الْيَدِ إِلَى شَيْءٍ لِيَأْخُذَهُ، أَيِ:
انْحَنَيْتُ (لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ) ظَنًّا أَنَّهُ يَجِبُ
غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي مُطْلَقِ الْأَحْوَالِ (فَقَالَ:
" دَعْهُمَا ") أَيِ: اتْرُكْهُمَا وَلَا تَنْزِعْهُمَا
عَنْ رِجْلِي (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا) أَيْ:
لَبِسْتُهُمَا حَالَ كَوْنِ قَدَمِي (طَاهِرَتَيْنِ) وَفِي
رِوَايَةٍ: فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا
طَاهِرَتَانِ.
قَالَ الشَّمَنِّيُّ: لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنِ اشْتِرَاطِ الطُّهْرِ
بِكَوْنِهِ تَامًّا وَقْتَ اللُّبْسِ، إِذْ مَعْنَاهُ:
أَدْخَلْتُ كُلًّا مِنْهُمَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ، عَلَى
حَدِّ: دَخَلْنَا الْبَلَدَ رُكْبَانًا ; أَيْ: دَخَلَ
كُلٌّ مِنَّا وَهُوَ رَاكِبٌ، لَا أَنَّ جَمِيعَنَا
رَاكِبٌ عِنْدَ دُخُولِ كُلٍّ مِنَّا اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ
أَنْ تُوجَدَ الطَّهَارَةُ كَامِلَةً عِنْدَ اللُّبْسِ،
وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ الْحَدَثِ،
وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ فُرُوعٌ مَحَلُّهَا كُتُبُ
الْفِقْهِ. (فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ
حَجَرٍ: فَمَسَحَ بِهِمَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنُّسَخِ
الْمُصَحَّحَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْإِجْزَاءِ،
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ
أَصَابِعَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ
اسْمُ الْمَسْحِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَسْحُ الْأَكْثَرِ،
وَقَالَ مَالِكٌ بِالِاسْتِيعَابِ (ثُمَّ رَكِبَ) صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَكِبْتُ) يَعْنِي:
فَسِرْنَا (فَانْتَهَيْنَا) أَيْ: وَصَلْنَا (إِلَى
الْقَوْمِ، وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ:
صَلَاةِ الصُّبْحِ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَيُصَلِّي
بِهِمْ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ
إِمَامًا لَهُمْ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ
رَكَعَ) أَيْ: صَلَّى بِهِمْ (رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ)
أَيْ: عَلِمَ (بِالنَّبِيِّ) أَيْ: بِمَجِيئِهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ) شَرَعَ (يَتَأَخَّرُ)
مِنْ مَوْضِعِهِ ; لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَوْمَأَ) بِالْهَمْزِ
(إِلَيْهِ) أَيْ: أَشَارَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِهِ (فَأَدْرَكَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى
الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ) أَيْ: مُقْتَدِيًا بِهِ يَعْنِي:
اقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْأَفْضَلِ
بِالْمَفْضُولِ إِذَا عَلِمَ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ،
وَعَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِصْمَةِ لِلْإِمَامِ
خِلَافًا لِلْإِمَامِيَّةِ، (فَلَمَّا سَلَّمَ) أَيِ:
الْإِمَامُ (قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) لِأَدَاءِ مَا سَبَقَ (وَقُمْتُ مَعَهُ) أَيْ:
لِأَنِّي كُنْتُ مَسْبُوقًا أَيْضًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّ
الْمَسْبُوقَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ إِلَّا بَعْدَ
سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ قَامَ قَبْلَهُ بِلَا نِيَّةِ
مُفَارَقَةٍ عَمْدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ
جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا يَجِبُ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ
اهـ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَنْ
يَقُومَ إِلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ سَلَامِ
الْإِمَامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ لِضَرُورَةِ
صَوْنِ صَلَاتِهِ عَنِ الْفَسَادِ كَمَا إِذَا خَشِيَ إِنِ
انْتَظَرَهُ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَبْلَ تَمَامِ
صَلَاتِهِ فِي الْفَجْرِ، فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ
يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ; فَإِنْ كَانَ
مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ إِنْ وَقَعَ مِنْ قِرَاءَتِهِ
بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ مِقْدَارُ
مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّ قِيَامَهُ وَقِرَاءَتَهُ
قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ لَا
يُعْتَبَرُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَفْعَلُهَا
الْجَاهِلُونَ، وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ.
(فَرَكَعْنَا) أَيْ: صَلَّى كُلٌّ مِنَّا (الرَّكْعَةَ
الَّتِي سَبَقَتْنَا) أَيْ: فَاتَتْنَا.
(2/475)
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْأُصُولِ
بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاءِ وَالْقَافِ، وَبَعْدَهَا
تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقِ سَاكِنَةٌ أَيْ: وُجِدَتْ
قَبْلَ حُضُورِنَا، وَأَمَّا بَقَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
فِي صَلَاتِهِ هَذِهِ، وَتَأَخُّرُ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي صَلَاتِهِ
فِي حَدِيثٍ آخَرَ ; لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا
أَنَّ قَضِيَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ قَدْ رَكَعَ
رَكْعَةً، فَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ التَّقَدُّمَ لِئَلَّا يَخْتَلَّ تَرْتِيبُ
صَلَاةِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ قَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ،
نَعَمْ وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ مَعَ الْإِشَارَةِ
لَهُ بِعَدَمِ التَّأَخُّرِ تَأَخَّرَ، وَلِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ، فَإِمَّا أَنْ
يُقَالَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
تَذَكَّرَ أَنَّ تَأَخُّرَهُ يَضُرُّ بِالْقَوْمِ فَلَمْ
يَفْعَلْهُ، وَأَبَا بَكْرٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي
تَأَخُّرِهِ فَتَأَخَّرَ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ - وَهُوَ
الْأَحْسَنُ -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَهِمَ أَنَّ سُلُوكَ
الْأَدَبِ أَوْلَى مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهُ فَهِمَ أَنَّ امْتِثَالَ
الْأَمْرِ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ
; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْرٍ عُلِمَ بِالْقَرَائِنِ
أَنَّهُ لِرِعَايَةِ حَالِ الْمَأْمُورِ دُونَ الْآمِرِ،
فَفِي الِامْتِثَالِ إِيهَامُ إِخْلَالٍ بِكَمَالِ
الْأَدَبِ مَعَ الْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الِامْتِثَالِ
أَدَبٌ أَيُّ أَدَبٍ، وَفِي إِيثَارِ الْأَدَبِ إِظْهَارُ
رِعَايَةِ حَالِ الْأَمْرِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ حَالِ
الْمَأْمُورِ بِكُلِّ وَجْهٍ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى
وَأَكْمَلَ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ مِنَ
الْفَرَحِ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ عَنِ التَّأَخُّرِ،
وَلِلْمُبَالَغَةِ فِي امْتِنَاعِهِ عَنِ التَّقَدُّمِ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا: "
أَحْسَنْتُمْ، صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» " يَعْنِي
لَا تُؤَخِّرُوهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ
لِانْتِظَارِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ
انْتِظَارِهِ إِذَا مَضَى زَمَانٌ كَثِيرٌ إِنْ لَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى يَجِيءُ، أَمَّا إِذَا عَلِمُوا
فَيُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ
الْإِمَامِ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ
إِعْلَامُهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَصْلَ الْحَدِيثِ فِي اللِّبَاسِ
وَفِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَسْحَ عَلَى
النَّاصِيَةِ فِي كِتَابِهِ، وَلَا ذَكَرَ الْمَسْحَ عَلَى
الْعِمَامَةِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَلَا ذَكَرَ فِي
كِتَابِهِ صَلَاةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
بِالنَّاسِ، وَلَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ.
(2/476)
الْفَصْلُ الثَّانِي
519 - عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ
«رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً،
إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ
عَلَيْهِمَا» ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ:
هُوَ الْإِسْنَادُ، هَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
519 - (وَعَنْ أَبِي بَكَرَةَ) : بِالتَّاءِ. قَالَ
الْمُصَنِّفُ: هُوَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ: بِضَمِّ
النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، قِيلَ:
تَدَلَّى يَوْمَ الطَّائِفِ بِبَكَرَةَ وَأَسْلَمَ،
فَكَنَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَبِي بَكْرَةَ وَأَعْتَقَهُ ; فَهُوَ مِنْ مَوَالِيهِ،
وَنَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِينَ، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. (رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ) أَيْ: جَوَّزَ (
«لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ،
وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً» ) وَاخْتُلِفَ هَلِ
الْمَسْحُ أَفْضَلُ أَمِ الْغَسْلُ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
إِنْ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ بِشَرْطِهِ فَالْمَسْحُ
أَفْضَلُ ; كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ
خُفَّيْهِ) أَيْ: لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ طَهَارَةِ
رِجْلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْقِيبُ ; فَالْفَاءُ
لِمُجَرَّدِ الْبَعْدِيَّةِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ: "
الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ " قَوْلٌ لَا قَائِلَ بِهِ،
وَقَوْلُهُ: " أَيْ لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ تَمَامِ
الطَّهَارَةِ " مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ،
(أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا) مَفْعُولُ رَخَّصَ (رَوَاهُ
الْأَثْرَمُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ
الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ
خُزَيْمَةَ) : مُصَغَّرًا (وَالدَّارَقُطْنِيُّ) وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ. كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ
الدِّينِ (وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ، هَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى) كِتَابٌ لِابْنِ
تَيْمِيَةَ الْحَنْبَلِيِّ، وَقَالَ غَيْرُ
الْخَطَّابِيِّ: إِنَّهُ حَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَعَلَى
كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ
مُقَدَّرَةٌ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ،
وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ: لَا تُقَدَّرُ بَلْ يَمْسَحُ
كُلٌّ مِنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ مَا شَاءَ لِخَبَرٍ
فِيهِ، لَكِنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ
لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَوْلُ عُمَرَ لِمَنْ مَسَحَ مِنَ
الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ: " أَصَبْتَ السُّنَّةَ "
مُعَارَضٌ بِمَا صَحَّ عَنْهُ مِنَ التَّوْقِيتِ، فَإِمَّا
رَجَعَ إِلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ، وَإِمَّا أَنَّ قَوْلَهُ
بِالتَّوْقِيتِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ; لِأَنَّهُ
الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ احْتِمَالِ
أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ، أَيْ:
نَفْسَ الْمَسْحِ، رَدٌّ لِمَنْ زَعَمَ عَدَمَ جَوَازِهِ.
(2/476)
520 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا
كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ،
وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
520 - (وَعَنْ صَفْوَانَ) عَلَى وَزْنِ سَلْمَانَ،
مُرَادِيٌّ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، وَحَدِيثُهُ فِيهِمْ
(ابْنِ عَسَّالٍ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
السِّينِ وَبِاللَّامِ (قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا
كُنَّا سَفْرًا» ) بِسُكُونِ الْفَاءِ مُنَوَّنًا جَمْعُ
مُسَافِرٍ، أَيْ: مُسَافِرِينَ، وَقِيلَ: اسْمٌ لَا جَمْعَ
لَهُ إِذْ لَمْ يَنْطِقُوا بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا
كَانُوا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا، وَهُوَ شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي (أَنْ لَا نَنْزِعَ) أَيْ: يَنْهَانَا عَنِ
النَّزْعِ، وَهُوَ يُرِيدُ مَا صَحَّحْنَا مِنْ أَنَّ
الْمَسْحَ أَفْضَلُ (خِفَافَنَا) بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ
خُفٍّ، يَعْنِي: أَنْ نَمْسَحَ عَلَيْهَا (ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ)
اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ تَقْدِيرُهُ: أَنْ لَا نَنْزِعَ
خِفَافَنَا مِنْ حَدَثٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ إِلَّا مِنْ
جَنَابَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُغْتَسِلِ أَنْ
يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ
وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَمَّا
كَانَ قَوْلُهُ: إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ مُؤْذِنًا
بِإِثْبَاتِ النَّزْعِ مِنْهَا اسْتَدْرَكَهُ
بِالْأَحْدَاثِ الَّتِي لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا النَّزْعُ
لِيُعْلَمَ اخْتِصَاصُ وُجُوبِ النَّزْعِ بِالْجَنَابَةِ
دُونَ غَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ عَلَى وَجْهِ
التَّأْكِيدِ فَقَالَ: (وَلَكِنْ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ
يَدُلُّ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَقَوْلُهُ:
(مِنْ غَائِطٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ:
فَنَحْنُ نَنْزِعُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ لَا نَنْزِعُ
مِنْ غَائِطٍ (وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) الْوَاوُ فِيهِمَا
بِمَعْنَى " أَوْ " يَعْنِي: بَلْ نَتَوَضَّأُ، وَنَمْسَحُ
عَلَيْهِمَا مِنْ أَجْلِ أَحَدِهَا، وَيُرْوَى: " لَا مِنْ
جَنَابَةٍ " وَهُوَ أَظْهَرُ، أَيْ: يَأْمُرُنَا أَنْ لَا
«نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيَهُنَّ» . مِنْ حَدَثٍ لَا مِنْ جَنَابَةٍ،
فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ، وَلَكِنْ
يَأْمُرُنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ مِنْ غَائِطٍ، وَحَاصِلُهُ
أَنَّ لَكِنْ مُفَادُهَا مُخَالَفَةُ مَا قَبْلَهَا مَا
بَعْدَهَا، نَفْيًا أَوْ إِثْبَاتًا، مُحَقَّقًا أَوْ
مُئَوَّلًا، فَالتَّقْدِيرُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنَّا سَفَرًا
أَنْ نَنْزِعَ خِفَافَنَا مِنَ الْجَنَابَةِ فِي
الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَكِنْ لَا نَنْزِعُهَا
فِيهَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَغَيْرِهَا،
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّ
ظَاهِرَهَا يُنَافِي قَاعِدَةَ الْعَطْفِ، لَكِنْ لَيْسَ
فِي مَحَلِّهِ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهَا تَحْتَاجُ
إِلَى تَأْوِيلٍ حَتَّى يُوَافِقَ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ،
وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ. (رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2/477)
521 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
قَالَ: «وَضَّأْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَمَسَحَ أَعْلَى
الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ،
وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَمُحَمَّدًا - يَعْنَى
الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَا: لَيْسَ
بِصَحِيحٍ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
521 - (وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:
وَضَّأْتُ النَّبِيَّ) أَيْ: سَكَبْتُ الْوَضُوءَ عَلَى
يَدَيْهِ، وَقِيلَ: سَكَبْتُ وَضُوءَهُ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) الصَّحِيحُ
عَدَمُ صَرْفِهِ أَيْ: فِي زَمَانِهَا ( «فَمَسَحَ أَعْلَى
الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» ) وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَمَالِكٌ: مَسْحُ أَعْلَاهُ وَاجِبٌ، وَمَسْحُ أَسْفَلِهِ
سُنَّةٌ، وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ:
السُّنَّةُ أَنْ يُمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ
عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: السُّنَّةُ أَنْ
يُمْسَحَ أَعْلَاهُ فَقَطْ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى
أَعْلَاهُ أَجْزَأَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنِ اقْتَصَرَ
عَلَى أَسْفَلِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ،
هَذَا وَذَكَرَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ،
أَنَّهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ: هَذَا
مُرْسَلٌ لَمْ يَثْبُتْ أَيْ: لَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادُهُ
إِلَى الْمُغِيرَةِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ «مَسَحَ أَعْلَى
خُفَّيْهِ خُطُوطًا مِنَ الْمَاءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:
«خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» ، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.
وَقَوْلُ النِّهَايَةِ: فِي بَعْضِهَا صَحِيحٌ - غَلَطٌ،
وَكَذَا تَأْيِيدُ الْإِسْنَويِّ لَهَا، لَكِنْ يُحْتَجُّ
بِهَا لِمَذْهَبِنَا، فَإِنَّ الْأَكْمَلَ عِنْدَنَا فِي
مَسْحِ الْخُفِّ أَنْ يُمْسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ،
وَعَقِبُهُ وَحَرْفُهُ خُطُوطًا، وَهَذَا مِنَ
الْفَضَائِلِ، وَهِيَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْحَدِيثِ
الضَّعِيفِ وَالْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ بِالِاتِّفَاقِ،
كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَبَيَّنَ ابْنُ عُمَرَ
ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا
أَخَذَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ حَيْثُ قَالُوا:
الْأَكْمَلُ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ أَنْ يَضَعَ
أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى مُفَرَّجَةً عَلَى مُقَدَّمِ
ظَهْرِ الْخُفِّ، وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى
أَسْفَلِ الْعَقِبِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا فَتَنْتَهِيَ
أَصَابِعُ الْيُمْنَى إِلَى آخِرِ السَّاقِ، وَالْأُخْرَى
إِلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مِنْ تَحْتٍ اهـ.
(2/477)
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ
الضَّعِيفِ مَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوِ الْحَسَنِ، وَسَيَأْتِي مَا
يُخَالِفُهُ مِنْ حَدِيثِهِ الْمُتَّصِلِ، وَمِنْ حَدِيثِ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَأَيْضًا إِنَّمَا
يُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ
الْأَعْمَالِ الثَّابِتَةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى،
وَهَاهُنَا هَذَا الْحُكْمُ ابْتِدَائِيٌّ مَعَ أَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ثَوَابِهِ وَفَضِيلَتِهِ،
فَتَأَمَّلْ حَقَّ التَّأَمُّلِ، وَثَبِّتِ الْعَرْشَ
ثُمَّ انْقُشْ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ
مَعْلُولٌ) لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ
غَيْرُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، كَذَا نَقَلَهُ
السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينُ عَنِ التِّرْمِذِيِّ،
وَالْمَعْلُولُ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ هُوَ مَا
فِيهِ سَبَبٌ خَفِيٌّ يَقْتَضِي رَدَّهُ، وَقِيلَ: مَا
وَهِمَ فِيهِ ثِقَةٌ بِرَفْعٍ أَوْ تَغَيُّرٍ أَوْ
إِسْنَادٍ، أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ يُغَيِّرُ
الْمَعْنَى. (وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَمُحَمَّدَ -
يَعْنِي) بِمُحَمَّدٍ (الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا
الْحَدِيثِ) : وَالسَّائِلُ التِّرْمِذِيُّ (فَقَالَا)
أَيْ: أَبُو زُرْعَةَ وَالْبُخَارِيُّ (لَيْسَ) أَيْ:
هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي إِسْنَادَهُ (بِصَحِيحٍ) لِأَنَّ
ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَى هَذَا عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ رَجَاءٍ
قَالَ: حَدِيثٌ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ مُرْسَلًا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ
يُذْكَرْ فِيهِ الْمُغِيرَةُ، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ
جَمَالُ الدِّينِ، عَنِ التِّرْمِذِيِّ. (وَكَذَا
ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَأَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ
أَيْضًا، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لَا يَثْبُتُ.
(2/478)
522 - وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ
عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهِمَا» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
522 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ الْمُغِيرَةِ مُتَّصِلًا
(أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا» ) أَيْ:
عَلَى ظَاهِرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَهُوَ مُقَدَّمُ
الرِّجْلِ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ الْيُمْنَى
عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَأَصَابِعَ
الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ، وَيَمُدُّهُمَا
إِلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ، وَيُفَرِّجُ
أَصَابِعَهُ. هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْمَسْنُونُ، وَلَوْ
مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ
مَرَّةٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ عَلَى مَوْضِعٍ جَدِيدٍ جَازَ،
وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ وَضَعَ
الْكَفَّ وَمَدَّهَا أَوْ مَعَ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا
حَسَنٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَمْسَحَ بِجَمِيعِ الْيَدِ
حَتَّى بِأَصَابِعِهَا، وَلَوْ مَسَحَ بِرَأْسِ كَفِّهِ
جَازَ، وَكَذَا بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ إِذَا بَلَغَ
قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ،
وَقِيلَ: مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي
حَنِيفَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَهُ
الْكُلُّ، وَالْمُرَادُ مِنْ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ
أَعْلَاهُمَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي، كَذَا قَالَهُ
السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) :
وَقَالَ: حَسَنٌ (وَأَبُو دَاوُدَ) : قَالَ ابْنُ
الْهُمَامِ: وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ
جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ
خُفَّيْهِ، فَنَخَسَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ
هَكَذَا السُّنَّةُ ; أُمِرْنَا بِالْمَسْحِ هَكَذَا،
وَأَمَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى خُفِّهِ» ، وَفِي لَفْظٍ:
«ثُمَّ أَرَاهُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ
إِلَى أَصْلِ السَّاقِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ،
وَفِي الشَّمَنِّيُّ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ
تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَضَعَ يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَهُ
الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ
أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى
أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» .
(2/478)
523 - وَعَنْهُ، قَالَ: «تَوَضَّأَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسَحَ
عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
523 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ الْمُغِيرَةِ (قَالَ:
«تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» ) أَيْ:
وَنَعْلَيْهِمَا، فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى
الْجَوْرَبَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ
عَلَيْهِمَا، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ مِنْ
أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "
وَالنَّعْلَيْنِ " هُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَبِسَ
النَّعْلَيْنِ فَوْقَ الْجَوْرَبَيْنِ، وَقَدْ أَجَازَ
الْمَسْحَ فَوْقَ الْجَوْرَبَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنَ
السَّلَفِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ فُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،
وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ
الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَالتِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُدَّ
بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ
الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا
مَانِعَ مِنْ أَنْ يَرْوِيَ الْمُغِيرَةُ اللَّفْظَيْنِ،
وَقَدْ عَضَّدَهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَبُو
دَاوُدَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيٌّ، وَابْنُ
مَسْعُودٍ، وَأُمَامَةَ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو
بْنُ حُرَيْثٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَا
مُجَلَّدَيْنِ بِأَنْ كَانَ الْجِلْدُ أَعْلَاهُمَا
وَأَسْفَلَهُمَا، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ بِأَنْ كَانَ
الْجِلْدُ أَسْفَلَهُمَا فَقَطْ، أَوْ ثَخِينَيْنِ
مُسْتَمْسِكَيْنِ عَلَى السَّاقِ فِي قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا،
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَكَذَا يَجُوزُ عَلَى
الْمُوقَيْنِ تَثْنِيَةُ الْمُوقِ بِضَمِّ الْمِيمِ،
وَهُوَ الْجُرْمُوقُ كَعُصْفُورٍ، مَا يُلْبَسُ فَوْقَ
الْخُفِّ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ
مُعَرَّبٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَمَالِكٌ
فِي رِوَايَةٍ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ;
لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْغَالِبِ، فَلَا
تَتَعَلَّقُ بِهِ الرُّخْصَةُ، وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو
دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ:
«أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَأَلَ بِلَالًا
عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يَخْرُجُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ
فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى
عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْمُوقَ لَا
يُلْبَسُ بِدُونِ الْخُفِّ عَادَةً فَأَشْبَهَ خُفَّا ذَا
طَاقَيْنِ (وَأَبُو دَاوُدَ) وَضَعَّفَهُ (وَابْنُ
مَاجَهْ) .
(2/479)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
524 - عَنِ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
«مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، نَسِيتَ؟ قَالَ: " بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا
أَمَرَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
524 - (عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: «مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَسِيتَ» ؟) يُحْتَمَلُ
تَقْدِيرُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَتَرْكُهُ (قَالَ)
أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا نَسِيتُ (" بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ ") أَيْ:
إِنِّي مُشَرِّعٌ حَيْثُ نُسِبْتُ إِلَى النِّسْيَانِ ("
بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ") فَفِعْلِي
عَمْدٌ، أَوِ الْمَعْنَى: تَرَكْتَ الْأَدَبَ حَيْثُ
جَزَمْتَ بِنِسْبَةِ النِّسْيَانِ إِلَيَّ، فَيَكُونُ
قَوْلُهُ: " بَلْ نَسِيتَ " مَعْنَاهُ أَخْطَأْتَ،
وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ
بِهَذَا - أَيْ بِالْمَسْحِ أَمَرَنِي رَبِّي - مَا
قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَسْحَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ أَيْضًا،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
(2/479)
525 - «وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ
لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ
أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ
خُفَّيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِلدَّارِمِيِّ
مَعْنَاهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
525 - (وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) كَذَا فِي
أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ
السَّيِّدِ (أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ
بِالرَّأْيِ) أَيْ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ دُونَ
الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ)
لِقُرْبِهِ مِنَ الْقَاذُورَاتِ وَالْأَوْسَاخِ (أَوْلَى
بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ ; لِبُعْدِهِ مِنْهَا، (وَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) : مُرَادُهُ
بِهِ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
سِيَاقُ كَلَامِهِ، وَإِلَّا لَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى
الْأَسْفَلِ لِشُمُولِ الظَّاهِرِ لَهُ؛ وَلِأَنَّ
قَوْلَهُ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ. . . إِلَخْ،
صَرِيحٌ فِي امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ
مُرَادَهُ بِظَاهِرِ خُفَّيْهِ أَعْلَى ظَاهِرِهِمَا،
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا
(2/479)
فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَقْلَ الْكَامِلَ
تَابِعٌ لِلشَّرْعِ ; لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إِدْرَاكِ
الْحِكَمِ الْإِلَهِيَّةِ، فَعَلَيْهِ التَّعَبُّدُ
الْمَحْضُ بِمُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ، وَمَا ضَلَّ مَنْ
ضَلَّ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمُبْتَدَعَةِ
وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا بِمُتَابَعَةِ الْعَقْلِ،
وَتَرْكِ مُوَافَقَةِ النَّقْلِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ أَيْضًا: لَوْ قُلْتُ بِالرَّأْيِ لَأَوْجَبْتُ
الْغُسْلَ بِالْبَوْلِ أَيْ: لِأَنَّهُ نَجِسٌ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ، وَالْوُضُوءُ بِالْمَنِيِّ ; لِأَنَّهُ نَجِسٌ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَأَعْطَيْتُ الذَّكَرَ فِي الْإِرْثِ
نِصْفَ الْأُنْثَى ; لِكَوْنِهَا أَضْعَفَ مِنْهُ، هَذَا
وَقَالَ فِي النَّوَوِيَّةِ نَقْلًا عَنِ الْمَبْسُوطِ فِي
قَوْلِ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ
مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّ
بَاطِنَهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَلَوُّثٍ عَادَةً فَيُصِيبُ
يَدَهُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا
مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا
يَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ وَلَوْ كَانَ
بِالرَّأْيِ، بَلِ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ
الْأَسْفَلُ هُوَ الْمُعَيَّنُ الَّذِي قَالُوهُ،
فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ عَلِيٍّ السَّابِقِ،
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنَ الْمَسْحِ هُوَ الطَّهَارَةُ، وَلَا
شَكَّ أَنَّ الْأَسْفَلَ أَحْوَجُ إِلَى التَّطْهِيرِ ;
فَإِنَّهُ أُجْمِعَ فِيهِ الْحَدَثُ وَالْخَبَثُ، وَفِي
كَلَامِ عَلِيٍّ إِيمَاءٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ
جَوَّزَ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلِ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ
الْمَسْحُ عَلَى الرِّجْلِ لَكَانَ فِي مُقْتَضَى
الرَّأْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى لَا
عَلَى الْأَسْفَلِ، فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
أَيْ: مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ (وَلِلدَّارِمِيِّ) جَارٌّ
وَمَجْرُورٌ، خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ مُبْتَدَؤُهُ:
(مَعْنَاهُ) أَيْ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ دُونَ
لَفْظِهِ.
(2/480)
|