الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار

وَمِنْ كِتَابِ اللِّبَاسِ
لُبْسُ الدِّيبَاجِ وَنَسْخِهِ
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُبَّةً مِنْ سُنْدُسٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَلَبِسَهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ.
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبِيَةً، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنِيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ وَادْعُهُ لِي. قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَةُ. وَقَالَ غَيْرُ أَبِي خَالِدٍ: فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِذَهَبٍ.
نَسْخُ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورْ شِيرَوَيْهِ بْنُ شَهْرَدَارَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ،

(1/230)


حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَبِسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا قِبَاءَ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ، فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَجَاءَ عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَرِهْتَ أَمْرًا فَأَعْطَيْتَنِيهُ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبِسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ لِتَبِيعَهُ. فَبَاعَهُ عُمَرُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، وَحَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، كُلِّهِمْ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ الْقَيْسِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْتَ فِيهِ ثُمَّ نَزَعْتَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ الْمُتَّقِينَ.

بَابُ إِبَاحَةِ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَنَسْخِهَا
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَبُو زَكْرِيَّا الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، قَالَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتِمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَلْبَسَنِيهِ. وَقَالَ: الْبِسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعَهُ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ ... رَأَى عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ خَاتِمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَى صُهَيْبٍ، وَعَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
نَسْخُ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُوسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،

(1/231)


أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الْمَعْمَرِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا رَآهُ أَصْحَابُهُ فَشَتْ خَوَاتِمَ الذَّهَبِ، فَرَمَى بِهِ، فَلَا نَدْرِي مَا فَعَلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ أَنْ يُنْقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَاتَ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَفِي يَدِ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ، وَفِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ عَمَلِهِ، فَلَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ، فَخَرَجَ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى قَلِيبٍ لِعُثْمَانَ فَسَقَطَ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ، فَأَمَرَ بِخَاتَمٍ مِثْلِهِ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي عِيسَى الْحَافِظِ، أَخْبَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ الْخَوَاتِيمَ، فَأَلْقَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَا أَلْبِسُهُ أَبَدًا. قَالَ: ثُمَّ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَأَدْخَلَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى هَلَكَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْإِمَامُ، أَبُو الْحُسَيْنِ التَّاجِرُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ إِلَى بَاطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ، فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا. فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصِّحَاحِ، أَخْرَجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ.
وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْبَرَاءِ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلُبْسُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ

(1/232)


لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَكَذَلِكَ الْعُذْرُ عَنْ طَلْحَةَ وَسَعْدٌ وَصُهَيْبٌ، فِي لُبْسِهِمْ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

بَابٌ فِي تَعْلِيقِ السُّتُورِ ذَاتِ التَّصَاوِيرِ، وَالنَّهْيِ عَنْهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِي بَيْتِي ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَجَعَلْتُهُ إِلَى سَهْوَةٍ فِي الْبَيْتِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةَ أَخِّرِيهِ عَنِّي. فَنَزَعْتُهُ؛ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصِّحَاحِ، وَيُرْوَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَذَكَرْتُهَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى النَّسْخِ، وَاللَّفْظُ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ، أَلَا تَرَى قَوْلَ عَائِشَةَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إِلَيْهِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ تَصَاوِيرُ، وَلَيْسَ عَائِدًا إِلَى السَّهْوَةِ، كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالَ: السَّهْوَةُ هِيَ الْمَكَانُ الضَّيِّقُ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْمَعْنَى، إِذِ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى يَفْتَقِرُ إِلَى تَقْدِيرٍ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا لَمْ يَكُنِ الْبَيْتُ كَبِيرًا بِحَيْثُ يَخْفَى مَكَانُ الثَّوْبِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثُمَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: أَخِّرِيهِ عَنِّي مَا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْهُ بِلَفْظِ " ثُمَّ " وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ جِبْرَائِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ادْخُلْ. فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخَلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَإِمَّا أَنْ تَقْطَعَ رُءُوسَهَا، أَوْ تَجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ؛ فَإِنَّا مَعْشَرُ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ

(1/233)


بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ.

بَابُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ نَسْخِهِ
قُرِئَ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَكَ مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ.
ذِكْرُ سَبَبِ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَاجِمًا، فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّا اسْتَنْكَرْنَا نَفْسَكَ الْيَوْمَ. فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَنِي أَنْ يَأْتِيَنِي، وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي. قَالَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ جَرْوُ كَلْبٍ لَهُمْ تَحْتَ نَضْدٍ لَهُمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، وَنَضَحَ مَكَانَهُ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَأْتِيَنِي. فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ جَرْوَ كَلْبٍ كَانَ فِي الْبَيْتِ، وَإِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ.
كَذَا رَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا وَلَمْ يَضْبِطْ إِسْنَادَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَرَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا، قَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْأَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنًّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي؛ أَمَا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي. قَالَتْ: فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ
فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَأْمُرُ

(1/234)


بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ، وَيَدَعُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنَ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ.
ذِكْرُ نَسْخِ ذَلِكَ
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظِ، أَخْبَرَكَ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْمُلَائِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَجْمَعٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ؛ فَكُّنَا لَا نَدَعُ كَلْبًا إِلَّا قَتَلْنَاهُ، حَتَّى إِنِ الْأَعْرَابِيَّةَ تُدْخِلُ كَلْبَهَا فَنَقْتُلُهُ، حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا: لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا؛ فَاقْتُلُوا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ - يَعْنِي ذَا النُّقْطَتَيْنِ الَّتِي بِحَاجِبَيْهِ - فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ، وَمَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَكِيلِ، أَخْبَرَكَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَرَيْجٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ وَكَلْبُهَا فَتَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ بُنْيَمَانَ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: مَا لَهُمْ وَلَهَا؟ فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَرْزَمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

(1/235)


قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: انْطَلِقْ فَلَا تَدَعْ بِالْمَدِينَةِ كَلْبًا إِلَّا قَتَلْتَهُ. فَانْطَلَقَ فَلَمْ يَدَعْ فِي الْمَدِينَةِ كَلْبًا إِلَّا قَتَلَهُ، إِلَّا كَلْبًا لِعَجُوزٍ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ، فَخَبَّرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا تَرَكْنَاهُ لِمَوْضِعِ الْعَجُوزِ يَحْرُسُهَا، قَالَ: ارْجِعْ فَاقْتُلْهُ. فَرَجَعْنَا فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، وَلَكِنِ اقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ؛ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ.

بَابُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَتَرْكِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَافِظِ، أَخْبَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ؛ فَإِنَّهُمَا يُسْقِطَانِ الْحَبْلَ وَيَطْمِسَانِ الْبَصَرَ. فَرَآنِي زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو لُبَابَةَ وَأَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لِأَقْتُلَهَا فَنَهَانِي، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهَا. فَقَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ نَاصِرُ بْنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَبْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَاكِنٍ الزِّنْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، يَقُولُ: اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَالْكِلَابَ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَالَى
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَنَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَلَبِثْتُ لَا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلْتُهَا، فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً يَوْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ حَتَّى رَآهَا أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ،

(1/236)


وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَا: إِنَّهُ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ.
ذِكْرُ سَبَبِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ شَهْرَدَارُ بْنُ شِيرَوَيْهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ فِي مَنْزِلِهِ حَيَّةً فَأَخَذَ رُمْحَهُ فَشَكَّهَا فَلَمْ تَمُتِ الْحَيَّةُ حَتَّى مَاتَ الرَّجُلُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ مَعَكُمْ عَوَامِرَ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَصْلِهِ الْعَتِيقِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَيْفِيٍّ هُوَ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ، أَخْبَرَنِي أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ أَجْلِسَ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْصَافِ النَّهَارِ وَيَرْجِعُ
إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ؛ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ. فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ قَائِمَةٌ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي فَدَخَلَ، فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَّزَهُ فِي الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعُ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى؟ قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ

(1/237)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا. فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصِّحَاحِ.

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الرُّقَى وَنَسْخِهِ
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ابْنِ بِنْتِ أَزْهَرَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ مِمَّا حَفِظْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوْلَةَ شِرْكٌ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا التَّوْلَةُ؟ قَالَ: التَّهَيُّجُ.
هَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَحْفَظُ، كَذَلِكَ يَرْوِيهِ الْأَعْلَامُ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَهَى عَنِ الرُّقَى مُطْلَقًا، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ، وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى الْحَافِظِ، أَخْبَرَكَ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ خَالِي مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ يَرْقِي مِنَ الْحَيَّةِ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّقَى، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، وَإِنِّي كُنْتُ أَرْقِي مِنَ الْحَيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا دَعْلَجٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّقَى، وَكَانَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رُقْيَةٌ يَرْقُونَ بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، وَكَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ فَقَالَ: فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَرَى

(1/238)


بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ مِنْكُمْ فَلْيَنْفَعْهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ مُطْلَقِ الرُّقَى، بَلْ قَدْ نَهَى عَنْ رُقًى مَخْصُوصَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَأَى مَعَهُمْ رُقًى يُخَالِطُهَا الشِّرْكُ، فَنَهَى عَنْ تِلْكَ الرُّقَى، وَأَمَّا مَا كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ قَدْ نَهَى عَنْهَا، يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَثَرُ الزُّهْرِيِّ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمُطَرِّزُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَرْقَوْنَ رُقًى يُخَالِطُهَا الشِّرْكُ، فَنَهَى عَنِ الرُّقَى، فَلُدِغَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَدْغَتْهُ حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مِنْ رَاقٍ يَرْقِيهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنِّي كُنْتُ أَرْقِي
بَرُقْيَةٍ، فَلَمَّا نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى تَرَكْتُهَا. قَالَ: فَاعْرِضْهَا عَلَيَّ. فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا، فَأَمَرَهُ فَرَقَاهُ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ - هُوَ الْجَزَرِيُّ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الرُّقَى حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَتِ الرُّقَى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِ الشِّرْكِ، فَانْتَهَى النَّاسُ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ حَيَّةٌ، فَقَالَ: الْتَمِسُوا رَاقِيَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ آلُ حَزْمٍ يَرْقُونَ مِنْهَا حَتَّى نَهَيْتَ عَنْهَا، فَقَالَ: ادْعُوَا لِي عُمَارَةَ بْنَ حَزْمٍ. فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيَّ رُقْيَتَكَ. فَعَرَضَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ بَأْسًا، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: مَا لِي أَرَى بَنِي أَخِي ضَارِعَةً أَتُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنَّ الْعَيْنَ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ؛ أَفَأَرْقِيهِمْ؟ فَقَالَ: بِمَاذَا؟ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ

(1/239)


كَلَامًا لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَالَ: ارْقِيهِمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: عَرَضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُقَيَّةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: اطْرَحْ مِنْهَا كَذَا، وَاطْرَحْ مِنْهَا كَذَا، وَارْقِ مِنْهَا بِكَذَا.
فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ النَّهْيَ تَنَاوَلَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الشِّرْكِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ؛ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ سَدْلِ الشَّعْرِ وَنَسْخِهِ بِالْفَرْقِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُوسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْنَوَريُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسْدِلُ شَعْرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ شُعُورَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصِّحَاحِ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَجَدَ أَهْلَ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ الشَّعْرَ، وَوَجَدَ الْمُشْرِكِينَ يَفْرُقُونَ، وَكَانَ إِذَا شَكَّ فِي أَمْرٍ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ صَنَعَ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْكِتَابِ فَسَدَلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْفَرْقِ فَفَرَقَ، فَكَانَ الْفَرْقُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مُرْسَلًا.
وَكَانَ مَعْمَرٌ يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ فَتَارَةً كَانَ يَرْوِيهِ مُتَّصِلًا، وَمَرَّةً كَانَ

(1/240)


مُنْقَطِعًا، وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُتَّصِلًا، كَذَلِكَ رَوَاهُ أَصْحَابُهُ الثِّقَاتُ.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ ثُمَّ الْإِذْنِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى الْحَافِظِ، أَخْبَرَكَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِي عَفْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِالْمَآزِرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلنِّسَاءِ.
لَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو عَفْرَةَ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَأَحَادِيثُ الْحَمَّامِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيهَا عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقِرَانِ بَيْنَ التَّمْرَيْنِ وَنَسْخِ ذَلِكَ
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى وَبُنْدَارٌ قَالَا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، وَكَانَ قَدْ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ، فَكُنَّا نَأْكُلُ التَّمْرَ فَيَمُرُّ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَأْكُلُ فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ؛ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ.
قَالَ شُعْبَةُ: لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ؛ يَعْنِي الِاسْتِئْذَانَ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ طُرُقٌ مُخَرَّجَةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الْعَيْشُ زَهِيدًا، وَالْقُوتُ مُتَعَذِّرًا مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَحَثَّنَا عَلَى الْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ، وَرَغْبَةً فِي تَعَاطِي أَسْبَابِ الْعَدَالَةِ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ وَالِاشْتِرَاكِ، فَلَمَّا وَسَّعَ اللَّهُ الْخَيْرَ، وَعَمَّ الْعَيْشُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ قَالَ:

(1/241)


فَشَأْنُكُمْ إِذًا.
ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ
أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مَحْبُوبٌ الْعَطَّارُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْإِقْرَانِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ الْخَيْرَ فَاقْرِنُوا.
الْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ مِنَ الثَّانِي، غَيْرَ أَنَّ الْخَطْبَ فِي هَذَا الْبَابِ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالتَّكْلِيفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي، ثُمَّ يُشَيِّدُهُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ
أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْأَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ؛ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئْتَ.
ذِكْرُ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ - أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا - أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أَتَيْتُ عَلَى رَهْطٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقُلْتُ:

(1/242)


مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ الْيَهُودُ. فَقُلْتُ: فَإِنَّكُمْ لَأَنْتَمُ الْقَوْمُ، لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. قَالُوا: وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ، لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ مُحَمَّدٌ. ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى رَهْطٍ مِنَ النَّصَارَى فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ النَّصَارَى. فَقُلْتُ: إِنَّكُمْ لَأَنْتَمُ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. فَقَالُوا: وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ، ثُمَّ أَخْبَرْتُ بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَا أَحَدًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ طُفَيْلًا رَأَى رُؤْيَا فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ، وَإِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ الْكَلِمَةَ كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنْكُمْ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا، فَلَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ.
تَابَعَهُ: شُعْبَةُ، وَزَائِدَةُ، وَنَفَرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنً أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبَّاسِ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَقِيَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّا مُشْرِكُونَ وَأَنْتُمْ مُشْرِكُونَ؛
تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُهَا؛ فَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ قَوْلٌ آخَرُ خِلَافُ الْأَوَّلِ.
وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا هَانِئُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتِ الْيَهُودُ: نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ لَوْلَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ؛ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ

(1/243)


بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ لَوْلَا أَنَّكُمْ تُشْرِكُونَ؛ قَالَ: تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَعْرِفُهَا لَكُمْ؛ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَا شَاءَ مُحَمَّدٌ.
قَالُوا: وَسُكُوتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْنٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى نَهَاهُمْ فَانْتَهَوْا، وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْوَافِدِ الَّذِي قَدِمَ
وَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ؛ هَلَّا قُلْتَ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ إِذْ جَوَّزَ لَهُ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ كَانَ مَذْكُورًا بِحَرْفِ الْوَاوِ، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ مَعَ التَّرَاخِي، وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ إِلَى وَاوِ الْعَطْفِ، وَقَدْ بَيَّنَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ بَيْانًا شَافِيًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفُتُوحِ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ؛ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دُونَ خَلْقِهِ، وَأَنَّ مَشِيئَتَهُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَيُقَالُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ. وَلَا يُقَالُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. قَالَ: وَيُقَالُ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَ الْعِبَادَ بِأَنْ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أُطِيعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أُطِيعُ اللَّهُ تَعَالَى بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(1/244)