الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث النوع الحادي عشر
المعضل
وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً ومنه ما يرسله تابع
التابعي.
قال ابن الصلاح: ومنه قول المصنفين من الفقهاء: " قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ". وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته "
مرسلاً "، وذلك على مذهب من يسمى كل ما لا يتصل إسناده "
مرسلاً ".
قال ابن الصلاح: وقد روى الأعمش عن الشعبي قال: " ويقال للرجل
يوم القيامة: عملت كذا وكذا؛ فيقول: لا، فيختم على فيه "،
الحديث قال: فقد أعضله الأعمش، لأن الشعبي يرويه عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أسقط منه الأعمش أنساً
والنبي صلى الله عليه وسلم، فناسب أن يسمى معضلاً.
(1/51)
قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على الإسناد
المعنعن اسم " الإرسال " أو " الإنقطاع ".
قال: والصحيح الذي عليه العمل: أنه متصل محمول على السماع، إذا
تعاصروا، مع البراءة من وصمة التدليس.
وقد ادعى الشيخ أبو عمرو والداني المقريء إجماع أهل النقل على
ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضاً.
" قلت ": وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه: وشنَّع في خطبته
على من يشترط مع المعاصرة اللقيَّ، حتى قيل: إنه يريد البخاري،
والظاهر أنه يريد علي بن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة
الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم
ذلك في كتابه " الصحيح ". وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع
اللقاء طول الصحابة. وقال أبو عمرو الداني: إن كان معروفاً
بالرواية عنه قُبلت العنعنة. وقال القابسي: إن أدركه إدراكاً
بيناً.
وقد اختلف الأئمة فيما إذا قال الراوي: " أن فلاناً قال "، هل
هو مثل وله: " عن فلان "، فيكون محمولاً على الاتصال، حتى يثبت
خلافه؟ أو يكون قوله " أن فلاناً قال " دون قوله: " عن فلان "؟
كما فرق بينهما أحمد بن حنبل ويعقوب بن أبي شيبة وأبو بكر
البرديجي، فجعلوا " عن " صيغة اتصال، وقوله " أن
(1/52)
فلاناً قال كذا " في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه. وذهب
الجمهور إلى أنهما سواء في كونهما متصلين، قال ابن عبد البر.
وممن نص على ذلك مالك بن أنس.
وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي،
سواء فيه أن يقول " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "، أو "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو " سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ".
وبحث الشيخ أبو عمرو ههنا إذا أسند الراوي ما أرسله غيره،
فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك، إذا كان المخالف له أحفظ منه
أو أكثر عدداً، ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل
المسند مطلقاً، إذا كان عدلاً ضابطاً. وصححه الخطيب وابن
الصلاح، وعزه إلى الفقهاء والأصوليين، وحكي عن لبخاري أنه قال:
الزيادة من الثقة مقبولة. |