الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث

النوع الموفى أربعين
معرفة التابعين
قال الخطيب البغدادي: التابعي: من صحب الصحابي. وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي وروى عنه وإن لم يصحبه.
" قلت ": لم يكتفوا بمجرد رؤيته الصحابي، كما اكتفوا في إطلاق اسم الصحابي على من رآه عليه السلام. والفرق: عظمة وشرف رؤيته عليه السلام.
وقد قسم الحاكم طبقات التابعين إلأى خمسة عشر طبقة. فذكر أن أعلاهممن روى عن العشرة، وذكر منهم: سعيد بن المسيب، وقيس ابن أبي حازم، وقيس

(1/191)


بن عباد، وأبا عثمان النهدي، وأبا وائل، وأبا رجاء العطاردي، وأبا ساسان حضين بن المنذر، وغيرهم. وعليه في هذا الكلام دخل كثير، فقد قيل: إنه لم يرو عن العشرة من التابعين سوى قيس بن أبي حازم. قاله ابن خراش. وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف. والله أعلم.
وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق، قولاً واحداً لأنه ولد في خلافة عمر لسنتين مضتا أو بقيتا، ولهذا اختلف في سماعه من عمر، قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة، وقيل: إنه لم يسمع من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان آخرهم وفاة. والله أعلم.
قال الحاكم: وبين هؤلاء التابعين الذين ولدوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من أبناء الصحابة، كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي إمامة أسعد بن سهل ابن حنيف، وأبي إدريس الخولاني.
" قلت ": أما عبد الله بن أبي طلحة فلما ولد ذهب به أخوه لأُمه أنس بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحنكه وبرك عليه، وسماه " عبد الله "، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة، لمجرد الرؤيا ولقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد عند الشجرة وقت الإحرام بحجة الوداع، فلم يدرك من حياته صلى الله عليه وسلم إلا نحواً من مائة يوم ولم يذكروا أنه أحضر عند النبي صلى الله

(1/192)


عليه وسلم ولا رآه، فعبد الله ابن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر والله أعلم.
وقد ذكر الحاكم: النعمان؛ وسويداً، ابني مقرن من التابعين، وهما صحابيان.
وأما المخضرمون، فهم: الذين أسلموا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه.
و" الخضرمة ": القطع فكأنهم قطعوا عن نظرائهم من الصحابة.
وقد عد منهم مسلم نحواً من عشرين نفساً، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدي، وأبو الحلال العتكي، وعبد خير بن يزيد الخيْواني، وربيعة بن زرارة، قال ابن الصلاح: وممن لم يذكره مسلم: أبو مسلم الخولاني عبد الله ابن ثوب.

(1/193)


" قلت ": وعبد الله بن عُكيم، والأحنف بن قيس.
وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ فالمشهور: أنه سعيد بن المسيب، قاله أحمد بن حنبل وغيره، وقال أهل البصرة: الحسن. وقال أهل الكوفة: علقمة، والأسود. وقال بعضهم: أو يس القرني.. وقال أهل مكة: عطاء بن أبي رباح.
وسيدات النساء من التابعين: حفصة بنت سيرين. وعمرة بنت عبد الرحمن، وأم الدرداء الصغرى. رضي الله عنهم أجمعين.
ومن سادات التابعين: الفقهاء السبعة بالحجاز، وهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، والسابع: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل أبو سلمة بن عد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام.
وقد عد علي بن المديني في التابعين من ليس منهم، كما أخرج آخرون منهم من هو معدود فيهم. وكذلك ذكروا في الصحابة من ليس صحابياً كما عدوا جماعة من الصحابة فيمن ظنوه تابعياً وذلك بحسب مبلغهم من العلم. والله الموفق للصواب.

(1/194)


النوع الحادي والأربعون
معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر
وقد يروي الكبير القدر أو السن أو هما عمن دونه في كل منهما أو فيهما.
ومن أجل ما يذكر في هذا الباب ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته عن تميم الداري مما أخبره به عن رؤية الدجال في تلك الجزيرة التي في البحر. والحديث في الصحيح. وكذلك في صحيح البخاري رواية معاوية بن أبي سفيان عن مالك ابن يُخامر عن معاذ، وهم بالشام، في حديث: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق.

(1/195)


قال ابن الصلاح وقد روى العبادلة عن كعب الأحبار.
" قلت ": وقد حكى عنه عمر، وعلي، وجماعة من الصحابة.
قد روى الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، وهما من شيوخه وكذا روى عن عمرو بن شعيب جماعة من الصحابة والتابعين، قيل: عشرون، ويقال: بضع وسبعون. فاللع أعلم. ولو سردنا جميع ما وقع من ذلك لطال الفصل جداً.
قال ابن الصلاح: وفي التنبيه على ذلك من الفائدة معرفة الراوي من المروي عنه. قال: وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُنزل الناس منازلهم ".

(1/196)


النوع الثاني والأربعون
معرفة المدبج
وهو رواية الأقران سناً وسنداً. واكتفى الحاكم بالمقارنة في السند، وإن تفاوتت الأسنان. فمتى روى كل منهما عن الآخر سمي " مدبجاً ". كأبي هريرة وعائشة، والزهري وعمر بن عبد العزيز، ومالك والأوزاعي، وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني، فما لم يرو عن الآخر لا يسمى " مدبجاً ". والله أعلم.

(1/197)


النوع الثالث والأربعون
معرفة الأخوة والأخوات من الرواة
وقد صنف في ذلك جماعة: منهم علي بن المديني، وأبو عبد الرحمن النسائي.
فمن أمثلة الأخوين: عبد الله بن مسعود وأخوه: عتبة، عمرو بن العاص وأخوه: هشام؛ وزيد بن ثابت وأخوه: يزيد. ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوه: أرقم، كلاهما من أصحاب ابن مسعود، ومن أصحابه أيضاً: هُزيل بن شرحبيل، وأخوه: أرقم.
ثلاثة إخوة: سهل وعباد وعثمان بنو حُنيف. عمرو بن شعيب وأخواه: عمر، وشعيب. وعبد الرحمن زيد بن أسلم وأخواه: أسامة، وعبد الله.
أربعة أخوة: سُهيل بن أبي صالح وأخوته: عبد الله - الذي يقال له عباد - ومحمد، وصالح.
خمسة أخوة: سفيان بن عُيينة وإخوته الأربعة إبراهيم، وآدم، وعمران، ومحمد. قال الحاكم: سمعت الحافظ أبي علي الحسين بن علي - يعني النيسابوري - يقول: كلهم حدثوا.
ستة أخوة: وهم محمد بن سيرين وأخوته: أنس، ومعبد، ويحيى، وحفصة، وكريمة. كذا ذكرهم النسائي ويحيى بن معين أيضاً، ولم يذكر الحافظ أبو علي النيسابوري فيهم، " كريمة " فعلى هذا يكونون من القسم الذي قبله، وكان معبد أكبرهم، وحفصة أصغرهم، وقد روى محمد بن سيرين عن اخيه يحيى عن أخيه أنس عن مولاهم أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لبيك حقاً حقا، تعبداً ورقا ".

(1/198)


ومثال سبعة أخوة: النعمان بن مقرن وأخوته: سنان، وسويد، وعبد الرحمن، وعقيل، ومعقل، ولم يسم السابع، هاجروا وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنهم شهدوا الخندق كلهم، قال ابن عبد البر وغير واحد: لم يشاركهم أحد في هذه المكرمة.
" قلت ": وثمَّ سبعة أخوة صحابة، شهدوا كلهم بدراً، لكنهم لأم، وهي عفراء بنت عبيد، تزوجت أولاً بالحارث بن رفاعة الأنصاري، فأولدها إياساً وخالداً وعاقلاً وعامراً، ثم عادت إلى الحارث، فأولدها عوناً. فأربعة منهم أشقاء، وهم بنو البكير، وثلاثة أشقاء، وهم بنو الحارث، وسبعتهم شهدوا بدراً مع رسول اله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ ومعوذ، ثم احتز رأسه وهو طريح عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنهم.

النوع الرابع والأربعون
معرفة رواية الآباء عن الأبناء
وقد صنف فيه الخطيب كتاباً.
وقد ذكر الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في بعض كتبه: أن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة. وروت عنها أمها أم رومان أيضاً.

(1/199)


قال: روى العباس عن ابنيه: عبد الله والفضل.
قال: وروى سليمان بن طرخان التيمي عن ابنه المعتمر بن سليمان.
وروى أبو داود عن ابنه أبي بكر بن أبي داود.
قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: وروى سفيان بن عُيينة عن وائل بن داود عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخروا الأحمال، فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة " قال الخطيب: لا يعرف إلا من هذا الوجه.
قال: وروى أبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة حديثاً أو نحوها، وذلك أكثر ما وقع من رواية أب عن ابنه.
ثم روى الشيخ أبو عمر عن أبي المظفر عبد الرخيم بن الحافظ أبي سعد عن أبيه عن ابنه المظفر بسنده عن أبي إمامة مرفوعاً: " احضروا موائدكم البقل،

(1/200)


فإنه مطردة للشيطان مع التسمية ". سكت عليه الشيخ أبو عمرو، وقد ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات، وأخلق به أن يكون كذلك.
ثم قال ابن الصلاح: وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحبة السوداء: " شفاء من كل داء "، فهو غلط، إنما رواه أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق، محمد ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عائشة.
قال: ولا نعرف أربعة من الصحابة على نسق سوى هؤلاء: محمد ابن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، رضي الله عنهم. وكذلك قال ابن الجوزي وغير واحد من الأئمة.
" قلت ": ويلتحق بهم تقريباً عبد الله بن الزبير: أمة أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وهو أسن وأشهر في الصحابة من محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. والله أعلم.
قال ابن الجوزي: وقد روى حمزة والعباس عن ابن أخيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى مُصعب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكَّار، وإسحاق ابن حنبل عن ابن أخيه أحمد بن محمد بن حنبل. وروى مالك عن ابن أخته إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس.

(1/201)


النوع الخامس والأربعون
رواية الأبناء عن الآباء
وذلك كثير جداً. وأما رواية الابن عن أبيه عن جده، فكثيرة أيضاً، ولكنها دون الأول، وهذا كعمرو بن شعيب بن محمد عبد الله ابن عمرو عن أبيه، وهو شعيب، عن جده، عبد الله بن عمرو بن العاص، هذا هو الصواب، لا ما عداه، وقد تكلمنا على ذلك في مواضع في كتابنا التكميل، وفي الأحكام الكبير والصغير.

(1/202)


ومثل: بَهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده معاوية. ومثل طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، وهو عمرو ابن كعب وقيل: كعب بن عمرو. واستقصاء ذلك يطول.
وقد صنف فيه الحافظ أبو نصر الوايلي كتاباً حافلاً، وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة.
وقد يقع في بعض الأسانيد فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه، وأكثر من ذلك، ولكنه قليل، وقل ما يصح منه. والله أعلم.

(1/204)


النوع السادس والأربعون
معرفة رواية السابق واللاحق
وقد أفرد له الخطيب كتاباً. وهذا إنما يقع عند رواية الأكابر عن الأصاغر ثم يروي عن المروي عنه متأخر.
كما روى الزهري عن تلميذه مالك بن أنس، وقد توفي الزهري سنة أربع وعشرين ومائة، وممن روى عن مالك زكريا بن دويد الكندي، وكانت وفاته بعد وفاة الزهري بمائة وسبع وثلاثين سنة أو أكثر. قاله ابن الصلاح.
وهكذا روى البخاري عن محمد بن إسحاق السراج، وروى عن السراج أبو الحسن أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة، فإن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وتوفي الخفاف سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. كذا قال ابن الصلاح.
" قلت ": وقد أكثر من التعرض لذلك شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي في كتابه " التهذيب ". وهو مما يتحلى به كثير من المحدثين، وليس من المهمات فيه.

(1/205)


النوع السابع والأربعون
معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد
من صحابي وتابعي وغيرهم
ولمسلم بن الحجاج تصنيف في ذلك.
تفرد عامر الشعبي عن جماعة من الصحابة، منهم: عامر بن شهر، وعروة بن مُضرس، ومحمد بن صفوان الأنصاري، ومحمد بن صيفي الأنصاري، وقد قيل: إنهما واحد، والصحيح أنهما اثنان، ووهب ابن خَنْبَش، ويقال: هرم بن خنبش. والله أعلم.
وتفرد سعيد بن المسيب بن حزن بالرواية عن أبيه. وكذلك حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه وكذلك شُتير بن شكل بن حميد عن أبيه. وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه.

(1/206)


وكذلك قيس بن أبي حازم، تفرد بالرواية عن أبيه، وعن دكين ابن سعد المزني، وصنابح بن الأعسر، ومرداس بن مالك الأسلمي. وكل هؤلاء صحابة.
قال ابن الصلاح: وقد ادعى الحاكم في الإكليل أن البخاري ومسلماً لم يخرجا في صحيحهما شيئاً من هذا القبيل.
قال: وقد أنكر ذلك عليه، ونقض بما رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ولم يروه عنه غيره، وفي وفاة أبي طالب. وروى البخاري من طريق قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي حديث " يذهب الصالحون: الأول فالأول " وبراية الحسن عن عمرو ابن تغلب، ولم يرو عنه غيره، حديث: " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه ". وروى مسلم حديث الأغر المزني: " إنه ليُغان على قلبي "، ولم يرو عنه غير أبي بردة. وحديث رفاعة بن عمرو، ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت، وحديث أبي رفاعة، ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي. وغير ذلك عندهما.
ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهما إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي واحد عنه.
" قلت ": أما رواية العدل عن شيخ، فهل هي تعديل أم لا؟ في ذلك خلاف مشهور - ثالثها: إن اشترط العدالة في شيوخه، كما لك ونحوه، فتعديل، وإلا فلا.

(1/207)


وإذا لم نقل أنه تعديل -: فلا تضر جهالة الصحابي، لأ، هم كلهم عدول، بخلاف غيرهم، فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عمرو رحمه الله، لأن جميع من تقدم ذكرهم صحابة. والله أعلم.
أما التابعون: فقد تفرد - فيما نعلم - حماد بن سلمة عن أبي العُشراء الدارمي عن أبيه بحديث: " أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ فقال: أمالو طعنت في فخذها لأجزأ عنك ".
ويقال: إن الزهري تفرد عن نيف وعشرين تابعياً. وكذلك تفرد عمرو بن دينار، وهشام بن عروة، وأبو إسحاق السبيعي، ويحيى ابن سعيد الأنصاري -: عن جماعة من التابعين.
وقال الحاكم: وقد تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة، لم يرو عنهم غيره.