الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث

النوع الخامس والخمسون
نوع يتركب من النوعين قبله
وللخطيب البغدادي فيه كتابه الذي وسمه بتلخيص المتشابه في الرسم.
مثاله: " موسى بن علي " بفتح العين، حماعة، " موسى بن علي " بضمها، مصري يروي عن التابعين.
ومنه " المُخرَّمي ".
ومنه " ثَور بن يزيد الحمصي "، و " ثور بن زيد الديلي الحجازي " و " أبو عمر الشيباني " النحوي، إسحاق بن مرار، و " يحيى

(1/229)


بن أبي عمرو السيَّباني ".
" عمرو بن زًرارة النيسابوري " شيخ مسلم، و " عمرو بن زرارة " الحدثي يروي عنه أبو القاسم البغوي.

النوع السادس والخمسون
في صنف آخر مما تقدم
ومضمونه في المتشابهين في الاسم واسم الأب أو النسبة، مع المفارقة في المقارنة، هذا متقدم وهذا متأخر.
مثاله: " يزيد بن الأسود " خُزاعي صحابي، و " يزيد بن الأسود " الجُرشي، أدرك الجاهلية وسكن الشام، وهو الذي استسقى به معاوية.
وأما " الأسود بن يزيد "، فذاك تابعي من أصحاب ابن مسعود.
" الوليد بن مسلم " الدمشقي، تلميذ الأوزاعي، شيخ الإمام أحمد، ولهم آخر بصري تابعي.

(1/230)


فأما " مسلم بن الوليد رباح " فذاك مدني، يروى عنه الدراوردي وغيره. وقد وهم البخاري في تسميته له في تاريخه " بالوليد بن مسلم ". والله أعلم.
" قلت ": وقد اعتنى شيخنا الحافظ المزي في تهذيبه ببيان ذلك، وميز المتقدم والمتأخر من هؤلاء بياناً حسناً، وقد زدت عليه أشياء حسنة في كتابي " التكميل ". ولله الحمد.

النوع السابع والخمسون
معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم
وهم أقسام: " أحدها ": المنسوبون إلى أمهاتهم. كمعاذ ومُعوذ، ابني " عفراء "، وهما اللذان أثبتا أبا جهل يوم بدر، وأمهم هذه عفراء بنت عُبيد، وأبوهم الحرث بن رفاعة الأنصاري. ولهم آخر شقيق لهما: " عَوذ "، ويقال: " عون " وقيل: " عوف ". فالله أعلم.
بلال بن " حمامة " المؤذن، أبوه رباح.
ابن " أم مكتوم " الأعمى المؤذن أيضاً، وقد كان يؤم أحياناً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيبته، قيل: اسمه عبد الله بن زائدة، وقيل: عمرو ابن قيس، وقيل غير ذلك.
عبد الله بن " الُّتبيَّة " وقيل: " الأتْبية " صحابي.

(1/231)


سُهيل ابن " بيضاء " وأخواه منها: سهل وصفوان، واسم بيضاء " دعد " واسم أبيهم وهب.
شُرحبيل ابن " حسنة " أحد أمراء الصحابة على الشام، هي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي.
عبد الله بن " بحينا "، وهي أمه، وأبوه: مالك بن القشب الأسدي.
سعد ابن " حبته " هي أمه، وأبوه بُجير بن معاوية.
ومن التابعين فمن بعدهم: محمد بن " الحنفية "، واسمها " خولة "، وأبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
إسماعيل بن عُلية، هي أمه، وأبوه إبراهيم، وهو أحد أئمة الحديث والفقه ومن كبار الصالحين.
" قلت ": فأما ابن عُلية الذي يعزو إليه كثير من الفقهاء، فهو إسماعيل بن إبراهيم هذا، وقد كان مبتدعاً يقول بخلق القرآن.

(1/232)


ابن " هَرَاسة " هو ابن إسحاق ابن هَرَاسة، قال الحافظ عبد الغني ابن سعيد المصري: هي أمه، واسم أبيه " سَلمة ".
ومن هؤلاء من قد ينسب إلأى جدته، كيعلى ابن " مُنية "، قال الزبير بن بكار: هي أم أبيه " أمية ".
وبشير ابن " الخَصاصية ": اسم أبيه " معبد "، " والخصاصية " أم جده الثالث.
قال الشيخ أبو عمرو: ومن أحدث ذلك عهداً شيخنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي البغدادي، يعرف بابن " سُكينة "، وهي أم أبيه.
" قلت ": وكذلك شيخنا العلامة " أبو العباس ابن تيمية "، هي أم أحد أجداده الأبعدين، وهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحرَّاني.
ومنهم من ينسب إلى جده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو راكب على البغلة يركضها إلى نحو العدو، وهو ينوه باسمه يقول: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " وهو: رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.
وكأبي عُبيدة بن الجراح، وهو: عامر بن عبد الله بن الجرَّاح الفهري، أحد العشرة، وأول من لقب بأمير الأمراء بالشام، وكانت ولايته بعد خالد بن الوليد، رضي الله عنهما.

(1/233)


مُجمَّع ابن جارية، هو: مجمع بن يزيد ابن جارية.
ابن جُريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج.
ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب.
أحمد بن حنبل، هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أحد الأئمة.
أبو بكر بن أبي شيبة، هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم ابن عثمان العبسي، صاحب المصنف، وكذا أخواه: عثمان الحافظ، والقاسم.
أبو سعيد بن يونس صاحب تاريخ مصر، هو: عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن الأعلى الصدفي.
وممن نسب إلى غير أبيه: المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو بم ثعلبة الكندي البهراني، و " الأسود " هو: ابن عبد يغوث الزهري، وكان زوج أمه، وهو ربيبه، فتبناه، فنسب إليه.
الحسن بن دينار، هو: الحسن بن واصل، و " دينار " زوج أمه، وقال ابن أبي حاتم: الحسن بن دينار بن واصل.

النوع الثامن والخمسون
في النسب التي على خلاف ظاهرها
وذلك: كأبي مسعود عُقبة بن عمرو " البدري ": زعم البخاري أنه ممن شهد بدراً، وخالفه الجمهور، قالوا: إنما سكن بدراً فنُسب إليها.

(1/234)


سليمان بن طرخان " التيمي ": لم يكن منهم، وإنما نزل فيهم، فنسب إليهم، وقد كان من موالي بني مرة.
أبو خالد " الدَّالاني ": بطن من همدان، نزل فيهم أيضاً، وإنما كان من موالي بني أسد.
إبراهيم بن يزيد " الخُوزي ": إنما نزل شعب الخُوز بمكة.
عبد الملك بن أبو سليمان " العرزمي ": وهم بطن من فزازة، نزل في جبانتهم بالكوفة.
محمد بن سنان " العَوَقي ": بطن من عبد القيس، وهو باهلي، لكنه نزل عندهم بالبصرة.
أحمد بن يوسف " السُّلمي ": شيخ مسلم، هو أزدي، ولكنه نُسب إلى قبيلة أمه. وكذلك حفيده: أبو عمرو إسماعيل بن نُجيد " السلمي ". حفيد هذا: أبو عبد الرحمن " السلمي " الصوفي.

(1/235)


ومن ذلك: مقسم " مولى ابن عباس ": لزومه له، وإنما هو مولى لعبد الله بن الحارث بن نوفل.
وخالد " الحَذَّاء ": إنما قيل له ذلك لجلوسه عندهم.
ويزيد " الفقير ": لأنه كان يألم من فقار ظهره.

النوع التاسع والخمسون
في معرفة المبهمات
من أسماء الرجال والنساء
وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، والخطيب البغدادي، وغيرهما.
وهذا إنما يستفاد من رواية أخرى من طرق الحديث، كحديث ابن عباس: " أن رجلاً قال: يا رسول الله، الحج كل عام؟ ". هو الأقرع بن حابس، كما جاء في رواية أخرى، وحديث أبي سعيد: " أنهم مروا بحي لُدغ سيدهم، فرقاه رجل منهم ". هو أبو سعيد نفسه. في أشباه لهذا كثيرة يطول ذكرها.
وقد اعتنى ابن الأثير في أواخر كتابه " جامع الأصول " بتحريرها، واختصر الشيخ محيي الدين النووي كتاب الخطيب في ذلك.
وهو فن قليل الجدوى بالنسبة إلى معرفة الحكم من الحديث، ولكنه شيء يتحلى به كثير من المحدثين وغيرهم.

(1/236)


وأهم ما فيه ما رفع إبهاماً في إسناد كما إذا ورد في سند: عن فلان ابن فلان، أو عن أبيه، أو عمه، أو أمه: فوردت تسمية هذا المبهم من طريق أخرى، فإذا هو ثقة أو ضعيف، أو ممن يُنظر في أمره، فهذا أنفع ما في هذا.

النوع الموفى ستين
معرفة وفيات الرواة
ومواليدهم ومقدار أعمارهم
ليُغرف من أركهم ممن لم يدركهم: من كذاب أو مدلس، فيتحرر المتصل والمنقطع وغير ذلك.
قال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التأريخ.
وقال حفص بن غياث: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين.
وقال الحاكم: لما قدم علينا محمد بن حاتم الكشي فحدث عن عبد ابن حُميد، سألته عن مولده؟ فذكر أنه وُلد سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: إنه يزعم أنه سمع منه بعد موته بثلاث عشرة سنة.
قال ابن الصلاح: شخصان من الصحابة عاش كل منهما ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام، وهما حكيم بن حزام، وحسَّان بن ثابت، رضي الله عنهما. وحكي عن ابن إسحق: أن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام: عاش كل منهم مائة وعشرين سنة. قال الحافظ أبو نعيم: ولا يُعرف هذا لغيرهم من العرب.

(1/237)


" قلت ": قد عُمر جماعة من العرب أكثر من هذا، وإنما أراد أن أربعة نسقاً يعيش كل منهم مائة وعشرين سنة، لم يتفق هذا في غيرهم.
وأما سلمان الفارسي، فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش مائتين وخمسين سنة، واختلفوا فيما زاد على ذلك إلأى ثلاثمائة وخمسين سنة.
وقد أورد الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وفيات أعيان من الناس! رسول الله صلى الله عليه وسلم: توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، على المشهور، يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وأبو بكر: عن ثلاث وستين أيضاً، في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
وعُمر: عن ثلاث وستين أيضاً، في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
" قلت ": وكان عُمر أول من أرخ التأريخ الإسلامي بالهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، كما بسطنا ذلك في سيرته وفي كتابنا التأريخ، وكان أمره بذلك في سنة ست عشرة من الهجرة.
وقتل عثمان بن عفان وقد جاوز الثمانين، وقيل: قد بلغ التسعين، في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
وعلي: في رمضان سنة أربعين، عن ثلاث وستين في قول.
وطلحة والزبير: قتلا يوم الجمل سنة ست وثلاثين، قال الحاكم: وسن كل منهما أربع وستون سنة.

(1/238)


وتوفي سعد عن ثلاث وسبعين: سنة خمس وخمسين، وكان آخر من توفي من العشرة.
وسعيد بن زيد: سنة إحدى وخمسين، وله ثلاث أو أربع وسبعون.
وعبد الرحمن بن عوف عن خمس وسبعين: سنة اثنتين وثلاثين.
وأبو عبيدة: سنة ثماني عشرة، وله ثمانون وخمسون، رضي الله عنهم أجمعين.
" قلت ": وأما العبادلة: فعبد الله بن عباس: سنة ثمان وستين، وابن عمر وابن الزبير: في سنة ثلاث وسبعين، وعبد الله بن عمرو: سنة سبع وستين. وأما عبد الله بن مسعود فليس منهم، قاله أحمد بن حنبل، خلافاً للجوهري حيث عده منهم، وقد كانت وفاته سنة إحدى وثلاثين.
قال ابن الصلاح: " الثالث " أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة.
سفيان الثوري: توفي بالبصرة، سنة إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة.
وتوفي مالك بن أنس بالمدينة، سنة تسع وسبعين ومائة، وقد جاوز الثمانين.
وتوفي أبو حنيفة ببغداد، سنة خمسين ومائة، وله سبعون سنة.
وتوفي الشافعي محمد بن إدريس بمصر، سنة أربع ومائتين، عن أربع وخمسين سنة.
وتوفي أحمد بن حنبل ببغداد، سنة إحدى وأربعين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة.
" قلت ": وقد كان أهل الشام على مذهب الأوزاعي نحواً من مائتي سنة،

(1/239)


وكانت وفاته سنة سبع وخمسين ومائة، ببيروت من ساحل الشام، وله من العمر سبعون سنة.
وكذلك إسحاق بن راهويه قد كان إماماً متَّبعاً، له طائفة يقلدونه ويجتهدون على مسلكه، يقال لهم: الإسحاقية، وقد كانت وفاته سنة ثمان وثلاثين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة.
قال ابن الصلاح: " الرابع " أصحاب كتب الحديث الخمسة: البخاري: ولد سنة أربع وتسعين ومائة، ومات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، بقرية يقال لها خرْتنك.
ومسلم بن الحجاج: توفي سنة إحدى وستين ومائتين، عن خمس وخمسين سنة.
أبو داود: سنة خمس وسبعين ومائتين.
الترمذي: بعده بأربع سنين سنة تسع وسبعين.
أبو عبد الرحمن النسائي: سنة ثلاث وثلاثمائة.
" قلت ": وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، صاحب السنن التي كُمِل بها الكتب الستة: السنن الأربعة بعد الصحيحين، التي اعتنى بأطرافها

(1/240)


الحافظ ابن عساكر، وكذلك شيخنا الحافظ المزي اعتنى برجالها وأطرافها، وهو كتاب قوي التبويب في الفقه، وقد كانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائتين. رحمهم الله.
قال: " الخامس ": سبعة من الحفَّاظ انتفع بتصانيفهم في أعصارنا: أبو الحسن الدارقطني: توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، عن تسع وسبعين سنة.
الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: توفي في صفر سنة خمس وأربعمائة، وقد جاوز الثمانين.
عبد الغني بن سعيد المصري: في صفر سنة تسع وأربعمائة بمصر، عن سبع وسبعين سنة.
الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ست وتسعون سنة.
ومن الطبقة الأخرى: الشيخ أبو عمر النَّمري: توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، عن خمس وتسعين سنة.
ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: توفي بنيسابور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، عن أربع وسبعين سنة.

(1/241)


ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي: توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، عن إحدى وسبعين سنة.
" قلت ": وقد كان ينبغي أن يذكر مع هؤلاء جماعة اشتهرت تصانيفهم بين الناس، ولا سيما عند أهل الحديث: كالطبراني: وقد توفي سنة ستين وثلاثمائة، صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها.
والحافظ أبي يعلى الموصلي: توفي سنة سبع وثلاثمائة.
والحافظ أبي بكر البزَّاز: توفي سنة اثنين وتسعين ومائتين.
وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خُزيمة: توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، صاحب الصحيح.
وكذلك أبو حاتم محمد بن حِبَّان البُستي، صاحب الصحيح أيضاً، وكانت وفاته سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
والحافظ أبو حمد بن عِدي، صاحب الكامل، توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة.

النوع الحادي والستون
معرفة الثقاة والضعفاء
من الرواة وغيرهم
وهذا الفن من أهم العلوم وأعلامها وأنفعها، إذ أنه تعرف صحة سند الحديث من ضعفه.
وقد صنف الناس في ذلك قديماً وحديثاً كتباً كثيرة: من أنفعها كتاب ابن أبي حاتم. ولابن حِبَّان كتابان نافعان: أحدهما في الثقاة، والآخر في الضعفاء. وكتاب الكامل لابن عدي.
والتواريخ المشهورة، ومن أجلها: تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب: وتاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم بن عساكر. وتهذيب شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي. وميزان شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي.

(1/242)


وقد جمعت بينهما. وزدت في تحرير الجرح والتعديل عليهما، في كتاب، وسميته " التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل ". وهو من أنفع شيء للفقيه البارع، وكذلك للمحدث.
وليس الكلام في جرح الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه والمؤنين: بغيبة، بل يُثاب بتعاطي ذلك إذا قصد به ذلك.
وقد قيل ليحيى بن سعيد القطَّان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خُصماءك يوم القيامة؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمي يومئذ، يقول لي: لم لم تَذب الكذب عن حديثي؟.
وقد سمع أبو تراب النخشبي أحمد بن حنبل وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له: أتغتاب العلماء؟! فقال له: ويحك! هذا نصيحة، ليس هذا غيبة.
ويقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وعمرو بن الفلاَّس، وغيرهم.
وقد تكلم في ذلك مالك، وهشام بن عروة، وجماعة من السلف.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: " الدين النصيحة ".
وقد تكلم بعضهم في غيره فلم يعتبر، لما بينهما من العداوة المعلومة.
وقد ذكرنا من أمثلة ذلك: كلام محمد بن إسحاق في الإمام مالك، وكذا كلام مالك فيه، وقد وسع السهيلي القول في ذلك، وكذلك كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري حين منعه من حضور مجلسه.

(1/243)


النوع الثاني والستون
معرفة من اختلط في آخر عمره
إما الخوف أو ضرر أو مرض أو عرض: كعبد الله بن لهيعة، لما ذهبت كتبه اختلط في عقله، فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قُبلت روايتهم، ومن سمع بعد ذلك أو شكَّ في ذلك لم تقبل.
وممن اختلط بأخرة: عطاء بن السائب، وأبو إسحاق السَّبيعي، قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: وإنما سمع ابن عُيينة منه بعد ذلك. وسعيد بن أبي عُروبة، وكان سماع وكيع والمعافى بن عمران منه بعد اختلاطه. والمسعودي، وربيعة، وصالح مولى التَّوأمة، وحصين ابن عبد الرحمن، قاله النسائي. وسفيان بن عيينة قبل موته بسنتين، قاله يحيى القطان. وعبد الوهاب الثقفي، قاله ابن معين. وعبد الرزاق ابن همَّام، قال أحمد بن حنبل: اختلط بعدما عَمي، فكان يُلقن، فيتلقن فمن سمع منه بعدما عمي فلا شيء.
قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما رواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فلعل سماعه كان منه بعد اختلاطه. وذكر إبراهيم الحربي أن الدبري كان عمره حين مات عبد الرزاق ست أو سبع سنين. وعارم اختلط بأخَرَة.
وممن اختلط ممن بعد هؤلاء أبو قلابة الرقاشي، وأبو أحمد الغطريفي، وأبو بكر

(1/244)


بن مالك القطيعي، خَرِف حتى كان لا يدري ما يقرأ.

النوع الثالث والستون
معرفة الطبقات
وذلك أمر اصطلاحي: فمن الناس من يرى الصحابة كلهم طبقة واحدة، ثم التابعون بعدهم كذلك.
ويستشهد على هذا بقوله عليه السلام: " خيرُ القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة.
ومن الناس من يقسم الصحابة إلى طبقات، وكذلك التابعين فمن بعدهم.
ومنهم من يجعل كل قرن أربعين سنة.
ومن أجل الكتب في هذا طبقات محمد بن سعيد كاتب الواقدي. وكذلك كتاب التاريخ لشيخنا العلامة أبي عبد الله الذهبي رحمه الله وله كتاب طبقات الحافظ، مفيد أيضاً جداً.

(1/245)


النوع الرابع والستون
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وهو من المهمات، فربما نُسب أحدهم إلى القبيلة، فيعتقد السامع أنه منهم صليبة، وإنما هو من مواليهم. فيميز ذلك ليعلم، وإن كان قد ورد في الحديث: " مولى القوم من أنفسهم ".
ومن ذلك: أبو البختري " الطائي " وهو سعيد بن فَيروز، وهو مولاهم. وكذلك أبو العالية " الرياحي ". وكذلك الليث بن سعد " الفَهمي ". وكذلك عبد الله بن وهب " القرشي "، وهو مولى لعبد الله بن صالح كاتب الليث. وهذا كثير.
فأما ما يُذكر في ترجمة البخاري: أنه " مولى الجُعفيين " فلإسلام جده الأعلى على يد بعض الجُعفيين.
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي: يُنسب إلى ولاء عبد الله ابن المبارك، بأنه أسلم على يديه، وكان نصرانياً.
وقد يكون بالحلف، كما يقال في نسب الإمام مالك بن أنس " موالي التَّيميين "، وهو حميري أصبحي صليبةً، ولكن كان جده مالك بن أبي عامر حليفاً لهم، وقد كان عسيفاً عند طلحة بن عبد الله التيمي أيضاً، فنسب إليهم كذلك.
وقد كان جماعة من سادات العلماء في زمن السلف من الموالي، وقد روى مسلم في صحيحه: أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة أثناء الطريق في حج أو عمرة،

(1/246)


قال له: من استخلفت من أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي، فقال: أما إني سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يرفع بهذا العلم أقواماً ويضع به آخرين ".
وذكر الزهري أن هشام بن عبد الملك قال له: من يسود مكة؟ فقلت: عطاء، قال فأهل اليمن؟ قلت: طاوس، قال: فأهل الشام؟ فقلت: مكحول، قال: فأهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب، قال: فأهل الجزيرة؟ فقلت: ميمون بن مهران، قال: فأهل خراسان؟ قلت: الضحَّاك بن مزاحم، قال: فأهل البصرة؟ فقلت: الحسن بن أبي الحسن، قال: فأهل الكوفة؟ فقلت: إبراهيم النَّخعي، وذكر أنه يقول له عند كل واحد: أمن العرب أم من الموالي؟ فيقول: من الموالي، فلما انتهى قال: يا زهري، والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه، فمن حفظه ساد، ومن ضيَّعه سقط.
" قلت ": وسأل بعض الأعراب رجلاً من أهل البصرة، فقال: من هو سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري، قال: أمولىً هو؟ قال: نعم، قال: فبم سادهم؟ فقال: بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم، فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السُؤدَد.

(1/247)


النوع الخامس والستون
معرفة أوطان الرواة وبلدانهم
وهو مما يعتني به كثير من علماء الحديث، وربما ترتب عليه فوائد مهمة.
منها: معرفة شيخ الراوي، فربما اشتبه بغيره، فإذا عرفنا بلده تعين بلديه غالباً، وهذا مهم جليل.
وقد كانت العرب إنما ينسبون إلى القبائل والعمائر والعشائر والبيوت، والعجم إلى شعوبها ورساتيقها وبلدانها، وبنو إسرائيل إلى أسباطها. فلما جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم، نسبوا إليها، أو إلى مدنها أو قراها.
فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها، وإلى مدينتها إن شاء، أو إقليمها، ومن كان من بلدة ثم انتقل منها إلى غيرها فله الانتساب إلى أيهما شاء، والأحسن أن يذكرهما، فيقول مثلاً: الشامي ثم العراقي، أو الدمشقي ثم المصري، ونحو ذلك.
وقال بعضهم: إنما يسوغ الانتساب إلى البلد إذا قام فيه أربع سنين فأكثر، وفي هذا نظر. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وهذا آخر ما يسَّره الله تعالى من " اختصار علوم الحديث " وله الحمد والمنة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1/248)