التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث النوع التاسع والعشرون
معرفة الإسناد العالي والنازل
الإسناد خصيصة لهذه الأمة، وسنة بالغة مؤكدة، وطلب العلو فيه
سنة، ولهذا استحبت الرحلة، وهو أقسام: أجلُّها: القرب من رسول
الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف.
الثاني: القرب من إمام من أئمة الحديث، وإن كثر بعده العدد إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: العلو بالنسبة إلى أحد الكتب الخمسة أو غيرها من
المعتمدة، وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة،
والإبدال، والمساواة، والمصافحة: فالموافقة أن يقع لك حديث عن
شيخ مسلم من غير جهته بعدد أقل من عددك إذا رويته عن مسلم عنه،
والبدل أن يقع هذا العلو عن مثل شيخ مسلم، وقد يسمى هذا موافقة
بالنسبة إلى شيخ شيخ مسلم والمساواة في أعصارنا قلة عدد إسنادك
إلى الصحابي أو من قاربه بحيث يقع بينك وبين صحابي مثل ما وقع
بين مسلم وبينه. والمصافحة أن تقع هذه المساواة لشيخك، فيكون
لك مصافحة كأنك صافحت مسلماً فأخذته عنه، فإن كانت المساواة
لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك وإن كانت
(1/84)
المساواة لشيخ شيخ شيخك فالمصافحة لشيخ
شيخك، وهذا العلو تابع لنزول، فولا نزول مسلم وشبهه لم تعل
أنت، والله أعلم.
الرابع: العلو بتقدم وفاة الراوي فما أرويه عن ثلاثة عن
البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن ابن خلف عن
الحاكم لتقدم وفاة البيهقي عن ابن خلف، وأما علوه بتقدم وفاة
شيخك فحده الحافظ ابن جوصا بمضي خمسين سنة من وفاة الشيخ، وابن
منده بثلاثين.
الخامس: العلوم يتقدم السماع ويدخل كثير منه فيما قبله ويمتاز
بأن يسمع شخصان من شيخ وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا والآخر
من أربعين، وتساوي العدد إليهما فالأول أعلى، وأما النزول فضد
العلو، فهو خمسة أقسام تعرف من ضدها، وهو مفضول مرغوب عنه على
الصواب، وقول الجمهور، وفضله بعضهم على العلو، فإن تميز بفائدة
فهو مختار، والله أعلم.
النوع الثلاثون:
المشهور من الحديث
هو قسمان، صحيح وغيره ومشهور بين أهل الحديث خاصة وبينهم وبين
غيرهم، ومنه المتواتر المعروف في الفقه وأصوله، ولا يذكره
المحدثون، وهو قليل لا يكاد يوجد في رواياتهم، وهو ما نقله من
يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره،
(1/85)
وحديث " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده
من النار " متواتر، لا حديث " إنما الأعمال بالنيات " والله
أعلم.
النوع الحادي والثلاثون:
الغريب والعزيز
إذا انفرد عن الزهري وشبهه ممن يجمع حديثه رجل بحديث سمي
غريبا، فإن انفرد اثنان أو ثلاثة سمي عزيزاً فإن رواه الجماعة
سمي مشهورا، ويدخل في الغريب ما انفرد راو بروايته أو بزيادة
في متنه أو إسناده، ولا يدخل فيه أفراد البلدان وينقسم إلى
صحيح وغيره وهو الغالب، وإلى غريب متناً وإسناداً كما لو انفرد
بمتنه واحد، وغريب إسناداً كحديث روي متنه جماعة من الصحابة
انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، وفيه يقول الترمذي: غريب من
هذا الوجه، ولا يوجد غريب متناً ولا إسناداً إلا إذا اشتهر
الفرد فرواه عن المنفرد كثيرون صار غريباً مشهوراً، غريباً
متناً لا إسناداً بالنسبة إلى أحد طرفيه كحديث " إنما الأعمال
بالنيات " والله أعلم.
(1/86)
|