التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث النوع الخامس والثلاثون:
معرفة المصحف
هو فن جليل إنما يحققه الحذاق، والدارقطني منهم وله فيه تصنيف
مفيد ويكون تصحيف لفظ وبصر في الإسناد والمتن فمن الإسناد
العوام بن مراجم " بالراء والجيم "، صحفه ابن معين فقال بالزاي
والحاء، ومن الثاني حديث زيد بن ثابت: " أن النبي صلى الله
عليه وسلم احتجر في المسجد " أي اتخذ حجرة من حصير أو نحوه
يصلي فيها، صحفه ابن لهيعة فقال: احتجم، وحديث " من صام رمضان
وأتبعه ستاً من شوال " صحفه الصولي فقال: شيئا بالمعجمة، ويكون
تصحيف سمع كحديث عن عاصم الأحوال، رواه بعضهم فقال: واصل
الأحدب،
(1/89)
ويكون في المعنى كقول محمد بن المثنى: نحن
قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، والله أعلم.
النوع السادس والثلاثون:
معرفة مختلف الحديث وحكمه
هذا من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من
الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً فيوفق
بينهما أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين
الحديث، والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني، وصنف فيه
الإمام الشافعي، ولم يقصد رحمة الله استيفاء، بل ذكر جملة ينبه
بها على طريقه، ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى بأشياء حسنة وأشياء
غير حسنة، لكون غيرها أقوى وأولى، وترك معظم المختلف، ومن جمع
ما ذكرنا لا يشكل عليه إلا النادر في الأحيان، والمختلف قسمان
أحدهما يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجعل العمل بهما، والثاني
لا يمكن بوجه، فإن علمنا أحدهما ناسخاً قدمناه، وإلا عملنا
بالراجح كالترجيح بصفات الرواة وكثرتهم في خمسين وجهاً، والله
أعلم.
(1/90)
النوع السابع والثلاثون:
معرفة المزيد في متصل الأسانيد
مثاله ما روى ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن
يزيد حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس قال: سمعت
واثلة يقول: سمعت أبا مرثد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " لاتجلسوا على القبور " فذِكر سفيان وأبي إدريس
زيادة ووهم، فالوهم في سفيان ممن دون ابن المبارك لأن ثقات
رووه عن ابن المبارك عن ابن يزيد، ومنهم من صرح فيه بالاخبار،
وفي أبي إدريس من ابن المبارك، لأن ثقات رووه عن ابن يزيد فلم
يذكروا أبا إدريس، ومنهم من صرح بسمعاع بسر بن واثلة، وصنف
الخطيب في هذا كتاباً في كثير منه نظر، لأن الخالي عن الزائدان
كان بحرف عن فينبغي أن يجعل منقطعاً، وإن صرح فيه بسماع أو
إخبار احتمل أن يكون سمعه من رجل عنه ثم سمعه منه إلا أن توجد
قرينة تدل على الوهم، ويمكن أن يقال الظاهر ممن له هذا أن يذكر
السماعين فإذا لم يذكرهما حمل على الزيادة والله أعلم. |