التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل.
ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في
باب القياس: العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة.
__________
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث
المعلل.
"قوله" ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في
قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية
واللغة انتهى.
(1/115)
اعلم: أن معرفة علل الحديث من أجل علوم
الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة
والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه.
فالحديث المعلل هو: الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته
مع أن ظاهرة السلامة منها
ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من
حيث الظاهر.
ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن
تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو
وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك
بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه.
__________
وقد تبعه عليه الشيخ محيى الدين النووي فقال في مختصره إنه لحن
واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما
حكاه اللبلي والجوهري في الصحاح والمطر زى في المغرب انتهى
والجواب عن المصنف أنه لا شك في أنه ضعيف وان حكاه بعض من صنف
في إلافعال كابن القوطية وقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن
سيدة والحريري وغيرهما.
فقال صاحب المحكم واستعمل أبو إسحق لفظه المعلول في المتقارب
من العروض ثم قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا
كثيرا قال وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف
إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب
سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته
وإن لم يستعملا في الكلام استغنى عنهما بأفعلت.
قالوا وإذ قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما
قالوا وفسل انتهى كلامه وأنكره أيضا الحريرى في درة الغواص.
(1/116)
وكل ذلك مانع ممن الحكم بصحة ما وجد ذلك
فيه.
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل: أن يجيء الحديث بإسناد
موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا
اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه.
قال الخطيب أبو بكر: السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين
طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم
في إلاتقان والضبط.
وروى عن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين
خطأه ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو ألأكثر وقد تقع في
متنه ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن
جميعا كما في التعليل بإلارسال والوقف. وقد يقدح في صحة
الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن.
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن: ما
رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار"..
الحديث. فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير
صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله: عن عمرو بن دينار
إنما
__________
قلت وإلاحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن الذي
بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به من
تعليل الصبي بالطعام وأما بلام واحدة فهو ألأكثر في كلام أهل
اللغة وفي عبارة أهل الحديث أيضا لأن أكثر عبارات أهل الحديث
في الفعل أن يقولوا أعله فلان بكذا وقياسه معل وتقيقال فيه معل
بلام واحدة لا معلل فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة دم قول
صاحب المحكم أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل وقال
الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة انتهى.
والتعبير بالمعلول موجود في كلام كثير من أهل الحديث في كلام
الترمذي في
(1/117)
هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا
رواه إلائمة من أصحاب سفيان 54 عنه. فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن
عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة.
ومثال العلة في المتن: ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من
اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم
رواية اللفظ المذكور لما رأوا ألأكثرين إنما قالوا فيه: فكانوا
يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر
البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح
ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له.
ففهم من قوله: كانوا يستفتحون بالحمد لله أنهم كانوا لا
يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي
كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر
التسمية.
__________
جامعه وفي كلام الدارقطنى وأبى أحمد بن عدى وأبى عبد الله
الحاكم وأبى يعلى الخليلي ورواه الحاكم في التاريخ وفي علوم
الحديث أيضا عن البخاري في قصة مسلم مع البخاري وسؤاله عن حديث
ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى
هريرة مرفوعا: "من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه" الحديث فقال
البخاري هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير
هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل
حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال البخاري
هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل فقام إليه
مسلم وقبيل يده قلت هكذا أعل الحاكم في علومه هذا الحديث بهذه
الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها وأنا أتهم بها أحمد بن
حمدون القصار راويها عن مسلم فقد تكلم فيه وهذا الحديث قد صححه
الترمذي وابن حبان والحاكم ويبعد أن البخاري يقول إنه لا يعلم
في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث مع أنه قد ورد من حديث
جماعة من الصحابة غير أبى هريرة وهم أبو برزة إلاسلمي ورافع بن
خديج وجبير بن مطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد
الله بن عمرو وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة وقد بينت
هذه الطرق كلها في تخريج أحاديث إلاحياء للغزالي والله أعلم.
قوله ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه من حديث أنس
من اللفظ
(1/118)
..........................................................................
__________
المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية
اللفظ المذكور لما رأوا ألأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا
يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر
البسملة إلى آخر كلامه وربما يعترض معترض على المصنف بأنك قدمت
أن ما أخرجه أحد الشيخين البخاري أو مسلم مقطوع بصحته فكيف
يضعف هذا وهو فيما أودعه مسلم كتابه وأيضا فلم تعين من أعله
حتى ينظر محله من العلم وما حكيته عن قوم لم تسمهم أنهم أعلوه
معارض بقول أبى الفرج بن الجوزي في التحقيق عقب حديث أنس هذا
أن إلائمة أتفقوا على صحته والجواب عن ذلك أن المصنف لما قدم
إنما أخرجه أحد الشيخين مقطوع بصحته قال سوى أحرف يسيرة تكلم
عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره انتهى كلام
المصنف فقد استثنى أحرفا يسيرة وهذا منها وقد اعله جماعة من
الحفاظ الشافعى والدارقطنى وابن عبد البر رحمهم الله ولنذكر
كلامهم في ذلك ليتضح ما أعلوه به فأما كلام الشافعى رحمه الله
فقد ذكره عنه البيهقى في كتاب معرفة السنن وإلاثار وأنه قاله
في سنن حرملة جوابا لسؤال أورده وصورة السؤال فإن قال قائل قد
روى مالك عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبى بكر وعمر وعثمان
فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال قال الشافعى قل
له خالفه سفيان بن عيينة والقفزارى والثقفي وعدد لقيتهم سبعة
أو ثمانية مؤمنين مخالفين له قال والعدد الكثير أولى بالحفظ من
واحد ثم رجح روايتهم بما رواه عن سفيان عن أيوب عن قتادة عن
أنس قال: "كان النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون
القراءة بالحمد لله رب العالمين" قال الشافعى يعنى يبدأون
بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ولا يعنى أنهم يتركون بسم
الله الرحمن الرحيم.
وحكى الترمذي في جامعه عن الشافعى قال إنما معنى هذا الحديث أن
النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة
بالحمد لله رب العالمين معناه أنهم كانوا يبتدئون بقراءة فاتحة
الكتاب قبل السورة وليس معناه أنهم كانوا لا يقرأون بسم الله
الرحمن الرحيم انتهى.
وما أوله به الشافعى مصرح به في رواية الدارقطنى فكانوا
يستفتحون بأم القرآن
(1/119)
.............................................................................
__________
فيما يجهر به قال الدارقطنى هذا صحيح وقال الدارقطنى أيضا إن
المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله
رب العالمين ليس فيه تعرض لنفي البسملة وكذا قال البيهقى إن
أكثر أصحاب قتادة رووه عن قتادة كذلك قال وهكذا رواه اسحق بن
عبد الله بن أبى طلحة وثابت البنانى عن أنس انتهى.
وأما تضعيف ابن عبد البر له بإلاضطراب فإنه قال في كتاب
إلاستذكار اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا
منهم من يقول صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر
وعمر ومنهم من يذكر عثمان ومن لا يذكر فكانوا لا يقرأون بسم
الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال فكانوا لا يجهرون ببسم الله
الرحمن الرحيم وقال كثير منهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد
لله رب العالمين وقال بعضهم فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن
الرحيم وقال بعضهم كانوا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم قال
وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء الذين يقرأون بسم
الله الرحمن الرحيم والذين لا يقرأونها وقال ابن عبد البر أيضا
في كتاب إلانصاف في البسملة بعد أن رواه من رواية أيوب وشعبة
وهشام الدستوائى وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبى عروبة وأبى
عوانة فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ليس في روايتهم لهذا الحديث ما
يوجب سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب أنتهى.
فهذا كلام أئمة الحديث في تعليل هذا الحديث فكيف يقول ابن
الجوزى إن إلائمة اتفقوا على صحته أفلا يقدح كلام هؤلاء في
إلاتفاق الذى نقله وقد رأيت أن أبين علل الرواية التي فيها نفي
البسملة من حيث صيغة الإسناد فأقول قد ذكر ترك البسملة في حديث
أنس من ثلاثة طرق وهى رواية حميد عن أنس ورواية قتادة عن أنس
ورواية اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس فأما رواية حميد
فقد تقدم أن مالكا رواها في الموطأ عنه وأن الشافعى رضى الله
عنه تكلم فيها لمخالفة سبعة أو ثمانية من شيوخه في ذلك وأيضا
فقد ذكر ابن عبد البر في كتاب إلانصاف ما يقتضى انقطاعه بين
حميد وأنس فقال ويقولون إن أكثر رواية حميد عن أنس أنه سمعها
من قتادة عن أنس
(1/120)
..........................................................................
__________
وقد ورد التصريح بذكر قتادة بينهما فيما رواه ابن أبى عدى عن
حميد عن قتادة عن أنس فآلت رواية حميد إلى رواية قتادة وأما
رواية مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا إلاوزاعي
عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال صليت
خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فكانوا يستفتحون
بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في
أول قراءة ولا في آخرها فقد بين إلاوزاعي في روايته أنه لم
يسمعه من قتادة وإنما كتب إليه به والخلاف في صحة الرواية
بالكتابة معروف وعلى تقدير صحتها فأصحاب قتادة الذين سمعوه
منهم أيوب وأبو عوانة وغيرهما لم يتعرضوا لنفي البسملة كما
تقدم وأيضا ففي طريق مسلم الوليد ابن مسلم وهو مدلس وإن كان قد
صرح بسماعه من إلاوزاعي فإنه يدلس تدليس التسوية أى يسقط شيخ
شيخه الضعيف كما تقدم نقله عنه نعم لمسلم من رواية شعبة عن
قتادة عن أنس فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
ولا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع بخلاف الرواية المتقدمة.
وأما رواية إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة فهى عند مسلم أيضا
ولم يسبق لفظها وإنما ذكرها بعد رواية إلاوزاعي عن قتادة عن
انس فقال حدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم عن
إلاوزاعي أخبرنى إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة أنه سمع أنس بن
مالك يذكر ذلك فاقتضى أيراد مسلم لهذه الرواية أن لفظها مثل
الرواية التي قبلها وليس كذلك فقد رواها ابن عبد البر في كتاب
إلانصاف من رواية محمد بن كثير قال حدثنا إلاوزاعي فذكرها بلفظ
كانوا يفتتحون القراءة بالحمد رب العالمين ليس فيها تعرض لنفي
البسملة موافقا لرواية ألأكثرين وهذا موافق لما قدمنا نقله عن
البيهقى من أن رواية إسحق بن عبد الله عن أنس لهذا الحديث
كرواية أكثر أصحاب قتادة أنه ليس فيها تعرض لنفي البسملة فقد
اتفق ابن عبد البر والبيهقي على مخالفة رواية اسحق للرواية
التي فيها نفي البسملة وعلى هذا فما فعله مسلم رحمه الله هنا
ليس بجيد لأنه أحال بحديث على آخر وهو مخالف له بلفظ فذكر ذلك
لم يقل نحو ذلك ولا غيره فإن كانت الرواية التي وقعت لمسلم
لفظها كالتي قبلها التي احال عليها فترجح رواية بن عبد البر
عليها لأن رواية مسلم من طريق الوليد بن مسلم عن إلاوزاعي
معنعنا ورواية
(1/121)
وانضم إلى ذلك أمور منها: أنه ثبت عن أنس:
أنه سئل عن إلافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
ثم اعلم: أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي
إلاسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال
الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في
الأصل. ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب
والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح. وسمى الترمذي
النسخ علة من علل الحديث.
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف
نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من
أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو
صحيح شاذ والله أعلم.
__________
ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير حدثنا إلاوزاعي وصرح بلفظ
الرواية فهى أولى بالصحة ممن اتهم اللفظ وفي طريقه مدلس عنعنه
والله أعلم.
"قوله" وأنضم إلى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن
إلافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم انتهى.
وقد اعترض ابن عبد البر في إلانصاف على هذا الحديث بأن قال من
حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه واعترض ابن الجوزى في
التحقيق على هذا الحديث بأنه ليس في الصحاح فلا يعارض ما في
الصحاح انتهى.
والجواب عن إلاول ما أجاب به أبو شامة في تصنيفه في البسملة
بأنهما مسألتان فسؤال قتادة عن إلاستفتاح بأى سورة وفي صحيح
مسلم أن قتادة قال نحن سألناه عنه قال أبو شامة وسؤال أبى
مسلمة لأنس وهو هذا السؤال إلاخير عن البسملة وتركها انتهى.
ولو تمسكنا بما اعترض به ابن عبد البر من أن من حفظه عنه حجة
على من سأله في حالة نسيانه لقلنا قد حفظ عنه قتادة وصفه
لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم البسملة كما رواه البخاري
في صحيحه من طريقين عن قتادة عن أنس قال سئل أنس
(1/122)
........................................................................
__________
ابن مالك كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد "بسم الله ويمد
الرحمن يمد الرحيم" وهذا إسناد لا شك في صحته.
وقال الدارقطنى بعد تخريجه هذا حديث صحيح وكلهم ثقات وقال
الحازمى هذا حديث صحيح لا يعرف له علة وفيه دلالة على الجهر
مطلقا وإن لم يقيد بحالة الصلاة فيتناول الصلاة وغير الصلاة
قال أبو شامة وتقرير هذا أن يقال لو كانت قراءة رسول الله صلى
الله عليه وسلم تختلف في الصلاة وخارج الصلاة لقال أنس لمن
سأله عن أى قراءتيه لسأل عن التي في الصلاة أم التي خارج
الصلاة فلما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك وحيث
أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن دل على أن النبى صلى
الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في قراءته ولولا ذلك كان أنس
أجاب الحمد لله رب العالمين أو غيرها من إلايات قال وهذا واضح.
قال ولنا أن نقول الظاهر أن السؤال لم يكن إلا عن قراءته في
الصلاة فإن الراوى قتادة وهو راوى حديث أنس ذاك وقال فيه نحن
سألناه عنه انتهى.
ولم تختلف على قتادة في حديث البخاري هذا بخلاف حديث مسلم
فاختلف فيه عليه كما بيناه وما لم يختلف فيه أولى عند الترجيح
بحصول الضبط فيه والله أعلم.
والجواب عن الثانى وهو قول ابن الجوزى ليس في الصحاح أنه إن
كان المراد أنه ليس في واحد من الصحيحين فهو كما ذكر ليس في
واحد منهما ولكن لا يلزم من كونه ليس في واحد من الصحيحين أن
لا يكون صحيحا لأنهما لم يستوعبا إخراج الصحيح في كتابيهما وإن
أراد ليس في كتاب التزم مخرجه الصحة فليس بجيد فقد أخرجه ابن
خزيمة في صحيحه من رواية أبى مسلمة سعيد بن يزيد قال سألت أنس
بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله
رب العالمين أو بسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألنى عن
شيء ما أحفظه وما سألنى عنه أحد قبلك.
وقال الدارقطنى بعد تخريجه هذا إسناد صحيح قال البيهقى في
المعرفة في هذا دلالة على أن مقصود أنس ما ذكره الشافعى انتهى.
وإن أراد ابن الجوزى بقوله إنه ليس في الصحاح أى ليس في أحد
الصحيحين
(1/123)
...........................................................................
__________
فلا يكون فيه قوة المعارضة لما في أحد الصحيحين وإن كان أيضا
صحيحا في نفسه لأنه يرجح عند التعارض بالأصح منهما فيقدم ما في
الصحيحين.
والجواب عن هذا إن كان اراده من وجهين أحدهما أن هذا إذا اتضحت
المعارضة ولم يمكن الجمع فاما مع إمكان الجمع فلا يهمل واحد من
الحديثين الصحيحين وقد تقدم حمل من حمله من الحفاظ على أن
المراد بحديث الصحيحين إلابتداء بالفاتحة لا نفي البسملة وبه
يصح الجمع والوجه الثانى إنه إنما يرجح بما في أحد الصحيحين
على ما في غيرهما من الصحيح حيث كان ذلك الصحيح مما لم يضعفه
إلائمة فأما ما ضعفوه كهذا الحديث فلا يقدم على غيره لخطإ وقع
من بعض والله أعلم.
قوله حكاية عن بعضهم ومن أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول انتهى.
أبهم المصنف قائل ذلك وهو الحافظ أبو يعلى الخليلى فقال في
كتاب إلارشاد إن إلاحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه
وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه إلى آخر كلامه.
(1/124)
النوع التاسع عشر:
معرفة المضطرب من الحديث.
المضطرب من الحديث: هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم
على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطربا إذا
تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها
إلاخرى: بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير
ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه
حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه.
ثم قد يقع إلاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع
ذلك من راو واحد وقد يقع بين رواة له جماعة وإلاضطراب موجب ضعف
الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط والله أعلم.
ومن أمثلته: ما رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد
بن حريث
__________
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب.
"قوله" ومن أمثلته ما رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبى عمر بن
محمد بن حريث
(1/124)
عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم في المصلى: "إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه
فليخط خطا" فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم عن إسماعيل
هكذا. ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن
أبي هريرة. ورواه حميد بن إلاسود عن إسماعيل عن أبي عمرو بن
محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه وهيب وعبد
الوارث عن إسماعيل عن أبي عمرو بن حريث عن جده حريث. وقال عبد
الرزاق: عن ابن جريج: سمع إسماعيل عن حريث بن عمار عن أبي
هريرة وفيه من إلاضطراب أكثر مما ذكرناه والله أعلم.
__________
عن جده حريث عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
المصلى "إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا" فرواه بشر
بن المفضل وروح بن القاسم بن إسماعيل هكذا ورواه سفيان الثورى
عنه عن أبى عمرو بن حريث من أبيه عن أبى هريرة ورواه حميد بن
إلاسود عن إسماعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث بن سليم عن
أبيه عن أبى هريرة ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبى
عمرو بن حريث عن جده حريث,.
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج سمع إسماعيل عن حريث بن عمار عن
أبى هريرة وفيه من إلاضطراب أكثر مما ذكرناه انتهى.
وفيه أمور أحدها أنه قد اعترض عليه بأنه ذكر أولا أنه إنما
يسمى مضطربا إذا تساوت الروايتان فأما إذا ترجحت إحداهما فلا
يسمى مضطربا وهذا قد رواه الثورى وهو أحفظ من ذكرهم فينبغى أن
ترجح روايته على غيرها ولا تسميه مضطربا وأيضا فإن الحاكم
وغيره صحح الحديث المذكور.
والجواب أن الوجوه التي يرجح بها متعارضة في هذا الحديث فسفيان
الثورى وان كان أحفظ من سماه المصنف فإنه انفرد بقوله أبى عمرو
بن حريث عن أبيه وأكثر الرواة يقولون عن جده وهم بشر بن المفضل
وروح بن القاسم ووهيب بن خالد وعبد الوارث
(1/125)
.........................................................................
__________
ابن سعيد وهؤلاء من ثقات البصريين وأثبتهم ووافقهم على ذلك من
حفاظ الكوفيين سفيان بن عيينة وقولهم أرجح لوجهين أحدهما
الكثرة والثاني أن إسماعيل بن أمية مكي وابن عيينة كان مقيما
بمكة ومما يرجح به كون الراوي عنه من أهل بلده وبكثرة الرواة
أيضا وخالف الكل ابن جريج وهو مكي أيضا ومولى آل خالد بن سعيد
إلاموي وإسماعيل بن أمية هو ابن عمرو بن سعيد إلاموي المذكور
فيقتضى ذلك ترجيح روايته فتعارضت حينئذ الوجوه المقتضية
للترجيح وانضم إلى ذلك جهالة راوي الحديث وهو شيخ إسماعيل بن
أمية فإنه لم يرو عنه فيما علمت غير إسماعيل بن أمية مع هذا
إلاختلاف في اسمه واسم أبيه وهل يرويه عن أبيه أو عن جده أو هو
نفسه عن أبى هريرة وقد حكي أبو داود في سننه تضعيفه عن ابن
عيينة فقال قال سفيان لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجئ
إلا من هذا الوجه وقد ضعفه أيضا الشافعي والبيهقي.
وقول من ضعفه أولى بالحق من تصحيح الحاكم له مع هذا إلاضطراب
والجهالة براويه والله أعلم.
وقد ذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف وقال قال الحفاظ هو
ضعيف لاضطرابه.
الامر الثاني: أن قول المصنف في رواية حميد بن إلاسود عن أبيه
فيه نظر والذي قاله حميد عن جده كما رواه ابن ماجه في سننه قال
حدثنا بكر بن خلف أبو بشر قال حدثنا حميد بن إلاسود وحدثنا
عمار بن خالد حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن أبى
عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن أبى
هريرة فذكره ولكن المصنف اعتمد على رواية البيهقى فإنه فيها من
رواية حميد عن إسماعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث عن أبيه عن
أبى هريرة فأما أن يكون قد اختلف فيه على حميد بن إلاسود في
قوله عن أبيه أو عن جده أو يكون ابن ماجه قد حمل رواية حميد
ابن إلاسود على رواية سفيان بن عيينة ولم يبين إلاختلاف الذي
بينهما كما يقع في إلاسانيد علي أنه قد اختلف فيه أيضا على ابن
عيينة كما سيأتي في إلامر الذي يليه.
(1/126)
............................................................................
__________
إلامر الثالث: المصنف أشار إلى غير ذلك من إلاضطراب فرأيت أن
اذكر ما رأيت فيه من إلاختلاف مما لم يذكره المصنف وقد رواه
أيضا عن إسماعيل بن أمية سفيان بن عيينة وذواد بن علبة فأما
سفيان بن عيينة فاختلف عليه فيه فرواه محمد بن سلام البيكى عن
سفيان بن عيينة كرواية بشر وروح المتقدمة وهكذا رواه على بن
المدينى عنه فيما رواه البخاري في غير الصحيح عن ابن المدينى
واختلف فيه على بن المدينى كما سيأتى ورواه مسدد عن سفيان
كرواية سفيان الثورى المتقدمة ورواه الشافعى والحميدى عن ابن
عيينة عن إسماعيل عن أبى محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث
العذرى.
ورواه عمار بن خالد عن ابن عيينة فقال عن أبى عمرو محمد بن
عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم رواه ابن ماجه عن عمارة وقد
نقدم وأما إلاختلاف على ابن المدينى فيه فرواه البخاري في غير
الصحيح عنه عن ابن عيينة كما تقدم ورواه أبو داود في سننه عن
محمد بن يحيى بن فارس عن ابن المدينى عن ابن عيينة عن إسماعيل
عن أبى محمد ابن عمرو بن حريث عن جده حريث رجل من بنى عذرة
وأما ذواد بن علبة فقال عن إسماعيل بن أمية عن أبى عمرو بن
محمد عن جده حريث بن سليمان وقال أبو زرعة الدمشقى لا نعلم
أحدا بينه ونسبه غير ذواد بن علبة انتهى.
قلت وقد نسبه ابن عيينة أيضا في رواية ابن ماجه إلا أنه قال
ابن سليم كما تقدم والله أعلم.
(1/127)
|