التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح النوع العشرون:
معرفة المدرج في الحديث.
وهو أقسام:
منها: ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام
بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو: من بعده عقيب ما يرويه من
الحديث كلاما من عند نفسه فيرويه من بعده موصولا بالحديث غير
فاصل بينهما بذكر قائله فيلتبس إلامر فيه على من لا يعلم حقيقة
الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
النوع العشرون: معرفة المدرج.
"قوله" وهو أقسام منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب
ما يرويه من الحديث كلاما من عند
(1/127)
ومن أمثلته المشهورة: ما رويناه في التشهد
عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن
مخيمرة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم علمه التشهد في الصلاة فقال: "قل: التحيات لله.."
فذكر التشهد وفي آخره: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم
فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد".
هكذا رواه أبو خيثمة عن الحسن بن الحر فأدرج في الحديث قوله:
فإذا قلت هذا إلى آخره وإنما هذا من كلام ابن مسعود لا من كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الدليل عليه: أن الثقة
الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن رواية الحسن بن
الحر كذلك. واتفق حسين الجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم
عن الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام في آخر الحديث. مع
اتفاق كل من
__________
نفسه إلى آخر كلامه هكذا اقتصر المصنف في هذا في هذا القسم من
المدرج على كونه عقب الحديث وقد ذكر الخطيب في بعض المدرجات ما
ذكر في أول الحديث أو في وسطه فمثال المدرج في أوله ما رواه
الخطيب باسناده من رواية أبى قطن وشبابه فرقهما عن شعبة عن
محمد بن زياد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار".
قال الخطيب وهم أبو قطن عمرو بن هيثم وشبابة بن سوار في
روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله:
"اسبغوا الوضوء" كلام أبى هريرة وقوله ويل للأعقاب من النار من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال وقد رواه أبو داود الطيالسى وذهب ابن جرير وآدم بن أبى
إياس وعاصم بن على وعلى بن الجعد وغندر وهشيم ويزيد بن زريع
والنضر بن شميل ووكيع وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ كلهم عن
شعبة وجعلوا الكلام الأول من قول أبى هريرة والكلام الثانى
مرفوعا قلت وهكذا رواه البخارى في صحيحه عن آدم بن أبى أياس عن
شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال اسبغوا الوضوء فإن أبا
القاسم صلى الله عليه وسلم
(1/128)
روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود
على ذلك ورواه شبابة عن أبي خيثمة ففصله أيضا.
ومن أقسام المدرج: أن يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد
إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد ثان فيدرجه من رواه عنه على
الإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني ويروي جميعه بالإسناد
الأول.
مثاله: حديث بن عيينة وزائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه
عن وائل بن حجر: في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
آخره: أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب.
والصواب: رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة
الصلاة خاصة وفصل ذكر رفع إلايدي عنه فرواه عن عاصم عن عبد
الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر.
ومنها: أن يدرج في متن حديث بعض متن حديث آخر مخالف للأول في
الإسناد مثاله: رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن
أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا ولا
تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا" الحديث.
فقوله: لا تنافسوا أدرجه ابن أبي مريم من متن حديث آخر رواه
مالك عن أبي الزناد عن إلاعرج عن أبي هريرة فيه: لا تجسسوا ولا
تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا. والله أعلم.
ومنها أن يروي الراوي حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده
فلا يذكر إلاختلاف بل تدرج روايتهم على الإتفاق.
مثاله: رواية عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي عن
الثوري عن منصور وإلاعمش وواصل إلاحدب عن أبي وائل عن عمرو بن
شرحبيل عن ابن
(1/129)
مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟
الحديث. وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر
عمرو بن شرحبيل بينهما والله أعلم.
واعلم: أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج المذكور. وهذا النوع
قد صنف فيه الخطيب أبو بكر كتابه الموسوم ب الفصل للوصل المدرج
في النقل فشفي وكفي والله أعلم.
__________
قال ويل للاعقاب من النار ومثال المدرج في وسطه ما رواه
الدارقطنى في سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن
عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفعه فليتوضأ".
قال الدارقطنى كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهما في ذكر
الأنثيين والرفع وإدراجه ذلك في حديث بسرة قال والمحفوظ أن ذلك
من قول عروة غير مرفوع قال وكذلك رواه الثقات عن هشام منهم
أيوب السخستيانى وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه من رواية أيوب
ففصل قول عروة من المرفوع وقال الخطيب في كتابه المذكور تفرد
عبد الحميد بذكر الانثيين والرفعين وليس من كلام رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإنما هو من قول أبى عروة فأدرجه الراوى في متن
الحديث وقد بين ذلك حماد وأيوب قلت ولم ينفرد به عبد الحميد
كما قال الخطيب فقد رواه الطبرانى في المعجم الكبير من رواية
يزيد بن زريع عن أيوب عن هشام بلفظ إذا أمس أحدكم ذكره أو
انثييه أو رفعه فيتوضأ وزاد الدارقطنى فيه أيضا ذكر الأنثيين
من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة
وقد ضعف بن دقيق العيد في الاقتراح الحكم بالادراج على ما وقع
في أثناء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم معطوفا بواو العطف
والله أعلم.
(1/130)
النوع الحادي
والعشرون: معرفة الموضوع.
وهو المختلق المصنوع اعلم: أن الحديث الموضوع شر الأحاديث
الضعيفة.
__________
النوع الحادى والعشرون: معرفة الموضوع.
قوله اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة انتهى
(1/130)
ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى
كان إلا مقرونا ببيان وضعه. بخلاف غيره من إلاحاديث الضعيفة
التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب
والترهيب على ما نبينه قريبا إن شاء الله تعالى.
وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة
إقراره. وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي فقد
وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها.
ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين
فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يذكر في
مطلق الأحاديث الضعيفة.
والواضعون للحديث أصناف وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين إلى
الزهد وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم
ثقة منهم بهم وركونا إليهم. ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها
ومحو عارها والحمد لله.
وفيما روينا عن الإمام أبي بكر السمعاني: أن بعض الكرامية ذهب
إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب.
__________
وقد تقدم قول المصنف إن ما عدمت فيه صفات القبول فهو أرذل
الأقسام والصواب ما ذكره هنا أن الموضوع شرها وتقدم التنبيه
على ذلك.
"قوله" وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل
منزلة إقراره انتهى.
وقد استشكل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الحكم على الحديث
بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه لأن فيه عملا فقوله بعد
اعترافه على نفسه بالوضع فقال في الاقتراح هذا كاف في رده لكن
ليس بقاطع في كونه موضوعا لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه
انتهى.
(1/131)
ثم إن الواضع: ربما صنع كلاما من عند نفسه
فرواه وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت
بن موسى الزاهد في حديث: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه
بالنهار".
مثال: روينا عن أبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له: من
أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال:
إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة
ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة.
__________
وقول الشيخ أو ما يتنزل منزله إقراره هو كان يحدث بحديث عن شيخ
ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخا يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله ولا
يوجد ذلك الحديث إلا عنده فهذا لم يعترف بوضعه ولكن اعترافه
بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف
إلا عند ذلك الشيخ ولا يعرف إلا برواية هذا الذي حدث به والله
أعلم.
"قوله" وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع كما وقع لثابت بن
موسى الزاهد في حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار
انتهى.
هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه عن إسماعيل بن محمد الطلحي
عن ثابت ابن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبى سفيان عن
جابر مرفوعا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار والغلط
الذي أشار المصنف هو ما ذكره الحاكم قال دخل ثابت بن موسى على
شريك بن عبد الله القاضي والمستملى بين يديه وشريك يقول حدثنا
الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال: "من كثرت
صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه
فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد فكان ثابت
يتحدث به عن شريك وقال أبو حاتم بن حبان في تاريخ الضعفاء هذا
قول شريك قاله عقيب حديث الأعمش عن أبى سفيان عن جابر: "يعقد
الشيطان على قافية رأس أحدكم".
(1/132)
..........................................................................
__________
فأدرجه ثابت في الخبر وسرقه منه جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك
فجعله ابن حبان من نوع المدرج وقد اعترض بعض المتأخرين على
المصنف بأنه وجد الحديث من غير رواية ثابت ابن موسى فذكر من
معجم ابن جميع قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الرقي حدثنا أبو
الحسن محمد بن هشام بن الوليد حدثنا جبارة بن المغلس عن كثير
بن سليم عن أنس بالحديث مرفوعا انتهى.
وهذا الاعتراض عجيب فإن المصنف لم يقل إنه لم يرو إلا من طريق
ثابت ومع ذلك فهذا الطريق التى اعترض بها هذا المعترض أضعف من
طريق ثابت بن موسى لضعف كل من كثير بن سليم وجبارة بن المغلس
وبدء أمر هذا الحديث قصة ثابت مع شريك وقد سرقه جماعة من
الضعفاء فحدث به بعضهم عن شريط وبعضهم جعل له إسنادا آخر كذا
الحديث قال العقيلى في الضعفاء في ترجمة ثابت بن موسى حديث
باطل لا أصل له ولا يتابعه عليه ثقة وقال ابن عدى في الكامل
حديث منكر لا يعرف إلا بثابت وسرقه منه من الضعفاء عبد الحميد
بن بحير وعبد الله بن شبرمه الشريكى وإسحق ابن بسر الكاهلى
وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسى.
قال وحدثنا بعض الضعفاء عن رحمويه وكذب فإن رحمويه ثقة انتهى.
ولو اعترض هذا المعترض بواحد من هؤلاء الذين تابعوا ثابت بن
موسى عليه كان أقل خطأ من اعتراضه بطريق جبارة والحديث له طرق
كثير جمعها أبو الفرج بن الجوزى في كتاب العلل المتناهية وبين
ضعفها والله أعلم.
وقول المصنف في هذا الحديث أنه شبه الوضع حسن إذ لم يضعه ثابت
بن موسى وإن كان ابن معين قد قال فيه أنه كذاب نعم بقية الطريق
التى سرقها من سرقها موضوعة ولذلك جزم أبو حاتم الرازى بأنه
موضوع فيما حكاه ابنه أبو محمد في العلل والله أعلم.
(1/133)
وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي
بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة.
بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه
وإن أثر الوضع لبين عليه. ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره
من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم والله أعلم.
__________
"قوله" وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبى بن كعب عن
النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة سورة بحث باحث عن
مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه انتهى أبهم
المصنف ذكر هذا الباحث الذي بحث عن هذا الحديث وهو مؤمل بن
إسماعيل فروينا عن مؤمل أنه قال حدثني شيخ بهذا الحديث فقلت
للشيخ من حدثك فقال حدثني رجل بالمداين وهو حي فسرت إليه فقلت
من حدثك فقال حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت إليه فقال حدثني شيخ
بالبصرة فصرت إليه فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه فأخذ بيدي
فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا
الشيخ حدثني فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثني أحد ولكننا
رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا
قلوبهم إلى القرآن.
(1/134)
|