التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح النوع الموفي ثلاثين
معرفة المشهور من الحديث.
ومعنى الشهرة مفهوم وهو منقسم إلى: صحيح كقوله صلى الله عليه
وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وأمثاله وإلى غير صحيح: كحديث:
"طلب العلم فريضة على كل مسلم".
وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: أربعة
أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس
لها أصل: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة" و"من آذى ذميا
فأنا خصمه يوم القيامة" و"يوم نحركم يوم صومكم" و"للسائل حق
وإن جاء على فرس".
__________
النوع الموفي ثلاثين معرفة المشهور.
"قوله" وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال أربعة
أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس
لها أصل "من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة" و"من آذى ذميا
فأنا خصمه يوم القيامة" و"يوم نحركم يوم صومكم" و"للسائل حق
وإن جاء على فرس" قلت لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد فإنه
أخرج حديثا منها في المسند وهو حديث للسائل حق وإن جاء على فرس
وقد ورد من حديث الحسين بن على وابنه على وابن عباس والهرماس
بن زياد أما حديث الحسين بن على بن أبي طالب فأخرجه
(1/263)
...........................................................................
__________
أبو داود من رواية يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت الحسين عن
حسين بن على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسائل
حق وإن جاء على فرس" ورواه أحمد في مسنده عن وكيع وعبد الرحمن
بن محمد كلاهما عن سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى
وهذا إسناد جيد وقد سكت عليه أبو داود فهو عنده صالح ويعلى هذا
ذكره ابن حبان في الثقات وجهله أبو حاتم وباقي رجاله ثقات وأما
حديث على فأخرجه أبو داود أيضا من رواية زهير عن شيخ قال رأيت
سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن على عن النبي صلى
الله عليه وسلم مثله.
وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدى في الكامل من رواية إبراهيم
بن يزيد عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه وسلم مثله أورده في ترجمة إبراهيم بن عبد السلام
المكى المخزومي راويه عن إبراهيم بن يزيد وقال هذا معروف بغير
إبراهيم هذا عن إبراهيم بن يزيد سرقه ممن هو معروف به قال
وإبراهيم بن عبد السلام في جملة الضعفاء المجهولين.
وأما حديث الهرماس بن زياد فرواه الطبراني من رواية عثمان بن
فايد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس بن زياد قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكره وعثمان ابن فايد ضعفه ابن معين
والبخاري وابن حبان وغيرهم وكذلك حديث من آذى ذميا هو معروف
أيضا بنحوه رواه أبو داود من رواية صفوان بن مسلم عن عدة من
أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلا من ظلم معاهدا أو
انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا
حجيجه يوم القيامة" سكت عليه أبو داود أيضا فهو عنده صالح وهو
كذلك إسناده جيد وهو وإن كان فيه من لم يسم فإنهم عدة من أبناء
الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة فقد
رويناه في سنن البيهقي الكبرى فقال في روايته عن ثلاثين من
أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما قال ابن الجوزي في
الموضوعات ويذكر عن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة" قال أحمد
(1/264)
وينقسم من وجه آخر إلى: ما هو مشهور بين
أهل الحديث وغيرهم كقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده". وأشباهه وإلى ما هو مشهور بين أهل
الحديث خاصة دون غيرهم كالذي رويناه عن محمد بن عبد الله
الأنصاري عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان
فهذا مشهور بين أهل الحديث مخرج في الصحيح وله رواه عن أنس غير
أبي مجلز ورواة عن أبي مجلز غير التيمي ورواة عن التيمي غير
الأنصاري ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة. وأما غيرهم فقد
يستغربونه من حيث: إن التيمي يروي عن أنس وهو ههنا يروي عن
واحد عن أنس.
ومن المشهور المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله. وأهل
الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان
الحافظ الخطيب قد ذكره ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير
أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد في
رواياتهم فإنه: عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه
ضرورة ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله
إلى منتهاه.
__________
ابن حنبل لا أصل لهذا وروى الطبراني من رواية أبي شيبة القاضي
عن آدم بن على عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ما هلك قوم إلا في آذار ولا تقوم الساعة إلا في
آذار" أبو شيبة قاضى واسط اسمه إبراهيم بن عثمان وهو جد أبي
بكر بن أبي شيبة كذبه شعبة وقال ابن معين ليس بثقة وبالجملة
فهو متفق على ضعفه وروى الإمام أبو بكر محمد بن رمضان بن شاكر
الزيات في كتاب له فيه أخبار عن مالك والشافعي وابن وهب وابن
عبد الحكم قال: قال محمد بن عبد الله هو ابن عبد الحكم في
الحديث الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم صومكم
يوم نحركم" قال هذا من حديث الكذابين والله أعلم.
قوله ومن المشهور المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله وأهل
الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان
الحافظ الخطيب قد ذكره ففي كلامه ما تشعر بأنه اتبع فيه غير
أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد في
رواياتهم فإنه عبارة عن الحبر الذي يحصل العلم بصدقه ضرورة
انتهى.
(1/265)
ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروى من
الحديث أعياه تطلبه وحديث: إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك
بسبيل وإن نقله عدد التواتر وزيادة لأن ذلك طرأ عليه في وسط
إسناده ولم يوجد في أوائله على ما سبق ذكره.
نعم حديث: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" نراه
مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة رضي الله عنهم العدد الجم وهو
في الصحيحين مروي عن جماعة منهم.
وذكر أبو بكر البزار الحافظ الجليل في مسنده أنه رواه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نحو من أربعين رجلا من الصحابة.
وذكر بعض الحفاظ: أنه رواه عنه صلى الله عليه وسلم اثنان وستون
نفسا من الصحابة وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة. قال: وليس
في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ولا يعرف حديث
يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد.
__________
وقد اعترض عليه بأنه قد ذكره أبو عبد الله الحاكم وأبو محمد بن
حزم وأبو عمر ابن عبد البر وغيرهم من أهل الحديث والجواب عن
المصنف أنه إنما نفي عن أهل الحديث ذكره باسمه الخاص المشعر
بمعناه الخاص وهؤلاء المذكورون لم يقع في كلامهم التعبير عنه
بما فسره به الأصوليون وإنما يقع في كلامهم أنه تواتر عنه صلى
الله عليه وسلم كذا وكذا أو أن الحديث الفلاني متواتر وكقول
ابن عبد البر في حديث المسح على الخفين أنه استفاض وتواتر وقد
يريدون بالتواتر الاشتهار لا المعنى الذي فسره به الأصوليون
والله أعلم.
قوله ومن سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه تطلبه وحديث إنما
الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وان نقله عدد التواتر وزيادة
لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده ولم يوجد في أوائله على ما سبق
ذكره نعم حديث "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"
نراه مثالا لذلك إلى أن قال وذكر بعض الحفاظ أنه رواه عنه صلى
الله عليه وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفهيم العشرة
المشهود لهم بالجنة قال وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته
العشرة غيره ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من
الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث
الواحد.
(1/266)
قلت: وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا
العدد وفي بعض ذلك عدد التواتر. ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد
وهلم جرا على التوالي والاستمرار والله أعلم.
__________
قال المصنف وبلغ به بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد انتهى.
وفيه أمور: الأول: انه اعترض عليه بأن حديث الأعمال ذكر ابن
منده أن جماعة من الصحابة رووه فبلغوا العشرين قلت لم يبلغ بهم
ابن منده هذا العدد وإنما بلغ بهم ثمانية عشر فقط فذكر مجرد
أسمائهم من غير رواية لشيء منها ولا عزو لمن رواه وليس هو أبا
عبد الله محمد بن إسحق بن منده وإنما هو ابنه أبو القاسم عبد
الرحمن ذكر ذلك في كتاب له سماه المستخرج من كتب الناس للتذكرة
فقال وممن رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو
سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن
عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية ابن أبي سفيان وعتبة بن
عبد السلمي وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله
وعقبة بن عامر وأبو ذر الغفاري وعتبة بن النذر وعتبة بن مسلم
هكذا عد سبعة عشر غير عمر قلت وفي المذكورين أثنان ليست لهما
صحبة وهما هلال ابن سويد وعتبة بن مسلم وقد ذكرهما ابن حبان في
ثقات التابعين فبقى خمسة عشر غير عمر.
وبلغنى أن الحافظ أبا الحجاج المزى سئل عن كلام ابن منده هذا
فأنكره واستبعده وقد تتبعت أحاديث المذكورين فوجدت أكثرها في
مطلق النية لا بلفظ إنما الأعمال بالنيات وفيها ما هو بهذا
اللفظ وقد رأيت عزوها لمن خرجها ليستفاد فحديث على ابن أبي
طالب رواه ابن الاشعث في سننه والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر
الجيانى في الأربعين العلوية من طريق أهل البيت بلفظ الأعمال
بالنية وفي إسناده من لا يعرف وحديث سعد بن أبي وقاص كأنه أراد
به قوله صلى الله عليه وسلم لسعد: "إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها
وجه الله إلا أجرت فيها" الحديث رواه الأئمة الستة وحديث أبي
سعيد الخدري رواه الدارقطني في غرايب مالك والخط أبي في معالم
السنن بلفظ حديث عمر.
(1/267)
النوع الحادي والثلاثون. معرفة الغريب
والعزيز من الحديث.
روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني أنه قال:
الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن
يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى: غريبا.
__________
وحديث ابن مسعود رواه الطبراني في المعجم الكبير في قصة مهاجر
أم قيس وهو حديث غريب ورجاله ثقات لأحمد في مسنده من حديثه "أن
أكبر شهداء أمتى لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم
بنيته".
وحديث ابن عباس اتفق عليه الشيخان بلفظ لا هجرة بعد الفتح ولكن
جهاد ونية وحديث أنس بن مالك رواه البيهقي في سننه بلفظ "لا
عمل لمن لا نية له" وفي إسناده من لم يسم وقد رواه ابن عساكر
في جزء من أماليه بلفظ حديث عمر من رواية يحيى ابن سعيد عن
محمد بن إبراهيم عن انس فقال غريب جدا والمحفوظ حديث عمر
وروينا في مسند الشهاب للقضاعى من حديث أنس "نية المؤمن خير من
عمله".
وحديث أبي هريرة رويناه في جزء من تخريج الرشيد العطار بلفظ
حديث عمر ولابن ماجه من حديث أبي هريرة إنما يبعث الناس على
نياتهم وحديث معاوية رواه ابن ماجه بلفظ إنما الأعمال كالوعاء
إذا طاب أسفله طاب أعلاه وحديث عبادة بن الصامت رواه النسائي
بلفظ "من غزا في سبيل الله وهو لا ينوى إلا عقالا فله ما نوى".
وحديث جابر بن عبد الله رواه ابن ماجه بلفظ "يحشر الناس على
نياتهم" وحديث عقبة بن عامر رواه أصحاب السنن بلفظ "إن الله
يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة" فذكره وفيه "وصانعه يحتسب في
صنعته الأجر".
وحديث أبي ذر رواه النسائي بلفظ من أتى فراشه وهو ينوى أنه
يقوم يصلى من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى
الحديث.
قلت وفي الباب أيضا مما لم يذكره ابن منده عن أبي الدرداء وسهل
بن سعد والنواس ابن سمعان وأبي موسى الأشعرى وصهيب بن سنان
وأبي أمام الباهلى وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وصفوان بن أمية
وغزية بن الحارث أو الحارث بن غزية وعائشة
(1/268)
فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة واشتركوا في
حديث يسمى عزيزا.
فإذا روى الجماعة عنهم حديثا سمي مشهورا.
__________
وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيى فحديث أبي الدرداء رواه
النسائي وابن ماجه بلفظ حديث أبي ذر المتقدم وحديث سهل بن سعد
رواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ "نية المؤمن خير عمله
وعمل المنافق خير من نيته وكل يعمل على نيته" وحديث النواس بن
سمعان رواه الطبراني أيضا بلفظ "نية المؤمن خير من عمله" وحديث
أبي موسى رواه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس بهذا اللفظ
وحديث صهيب رواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ "أيما رجل
تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا مات يوم يموت وهو
زان وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه
شيئا مات يوم يموت وهو خائن" وحديث أبي أمامة رواه الطبراني
الكبير بلفظ "من ادان دينا وهو ينوى أن يؤديه أداه الله عنه
يوم القيامة ومن ادان دينا وهو ينوى أن لا يؤديه" الحديث.
وحديث زيد بن ثابت ورافع بن خديج رواه أحمد في مسنده في قصة
لحديث أبي سعيد بحديث " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"
وقول مروان له كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج معه على
السرير وإن أبا سعيد قال لو شاء هذان لحدثاك فقالا صدق وحديث
غزية بن الحارث رواه في الطبراني في الكبير بلفظ "لا هجرة بعد
الفتح إنما هى ثلاث الجهاد والنية والحشر" وحديث عائشة رواه
مسلم في قصة الجيش الذين يخسف بهم وفيه "يبعثهم الله على
نياتهم" وحديث أم سلمة رواه مسلم وأبو داود بلفظ "يبعثون على
نياتهم" وحديث أم حبيبة رواه الطبراني في المعجم الأوسط بلفظ
"ثم يبعث كل امرئ على نيته".
وحديث صفية رواه ابن ماجه بلفظ يبعثهم الله على ما في أنفسهم.
الأمر الثاني" أن ما حكاه المصنف عن بعض الحفاظ من أنه رواه
اثنان وستون من الصحابة وفيهم العشرة فأبهم المصنف ذكره هو
الحافظ أبو الفرج بن الجوزي فإنه ذكر ذلك في النسخة الأولى من
الموضوعات فذكر أنه رواه أحد وستون نفسا ثم ذكر روى بعد ذلك عن
أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابوري أنه ليس في
الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره ثم قال ابن الجوزي أنه ما
وقعت له رواية عبد الرحمن
(1/269)
قلت: الحديث الذي يتفرد به بعض الرواة يوصف
بالغريب وكذلك الحديث الذي يتفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه
غيره: إما في متنه وإما في إسناده. وليس كل ما يعد من أنواع
الإفراد معدودا من أنواع الغريب كما في الإفراد المضافة إلى
البلاد على ما سبق شرحه.
__________
ابن عوف إلى الآن قال ولا أعرف حديثا رواه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحد وستون صح أبيا وعلى قول هذا الحافظ اثنان
وستون إلا هذا الحديث انتهى.
هكذا نقلته من نسخه الموضوعات بخط الحافظ زكى الدين عبد العظيم
المنذرى وهذه النسخة هى النسخة الأولى من الكتاب ثم زاد بن
الجوزي في الكتاب المذكور أشياء وهى النسخة الأخيرة فقال فيها
رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا هكذا نقلته من خط على ولد
المصنف من الموضوعات.
الأمر الثالث: ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد
الوهاب النيسابوري من أنه لا يعرف حديث اجتمع عليه العشرة غيره
وأقره ابن الجوزي على ذلك وكذلك المصنف ناقلا له عن بعض الحفاظ
منهما ليس بجيد من حيث أن حديث أن رفع اليدين في الصلاة بهذا
الوصف وكذلك حديث المسح على الخفين.
فأما حديث رفع اليدين فذكره الحافظ أبو عبد الله الحاكم فيما
نقل البيهقي عنه أنه سمعه يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة ثم العشرة
الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم
من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة
قال البيهقي وهو كما قال أستادنا أبو عبد الله رضي الله عنه
فقد روى عن هذه السنة عن العشرة وغيرهم وكذلك ذكر أبو القاسم
عبد الرحمن بن منده في كتاب المستخرج من كتب الناس للتذكرة.
وأما حديث المسح على الخفين فذكر أبو القاسم بن عبد الله بن
منده في كتاب المذكور أنه رواه العشرة أيضا.
الأمر الرابع: قول ابن الجوزي أنه لا يعرف حديث يروى عن أكثر
من ستين من الصحابة إلا حديث من كذب على منقوض بحديث المسح على
الخفين فقد
(1/270)
ثم إن الغريب ينقسم إلى: صحيح كالإفراد
المخرجة في الصحيح وإلى غير صحيح وذلك هو الغالب على الغرايب.
روينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال غير مرة: لا
تكتبوا هذه الأحاديث الغرايب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء.
__________
ذكر أبو القاسم بن منده في كتاب المستخرج عدة من رواه من
الصحابة فزادوا على الستين وذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد
في كتاب الإمام عن ابن المنذر قال روينا عن الحسن أنه قال
حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.
الأمر الخامس: ما ذكره المصنف عن بعض أهل الحديث أنه بلغ به
أكثر من هذا العدد أى أكثر من اثنين وستين نفسا قد جمع طرقا
أبو القاسم الطبراني ومن المتأخرين الحافظ أبو الحجاج يوسف بن
خليل في جزأين فزاد فيه على هذا العدد وقد رأيت عدد من روى
حديثه من الصحابة هكذا وهم يزيدون على السبعين مرتبين على
الحروف وهم أسامة بن زيد وأنس بن مالك وأوس بن أوس والبراء بن
عازب وبريدة بن الخطيب وجابر بن حابس وجابر بن عبد الله وحذيفة
بن أسيد وحذيفة بن اليمان وخالد بن عرفطة ورافع بن خديج
والزبير بن العوام وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت والسايب بن يزيد
وسعد بن المدحاش وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وسفينة وسلمان
بن خالد الخزاعى وسلمان الفارسى وسلمان بن الأكوع وصهيب بن
سنان وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن أبي أوفي وعبد الله بن
الزبير وعبد الله بن زغب وقيل إنه لا صحبة له وعبد الله بن
عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف
وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان والعرس بن عميرة وعفان ابن حبيب
وعقبة بن عامر وعلى بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعمر بن الخطاب
وعمران ابن حصين وعمرو بن حريث وعمرو بن عنبسة وعمرو بن عوف
وعمرو بن مرة الجهنى وقيس بن سعد بن عبادة وكعب بن قطنة ومعاذ
بن جبل ومعاوية بن حيدة ومعاوية ابن أبي سفيان والمغيرة بن
شعبة والمنقع التميمى ونبيط بن شريط وواثلة بن الأسقع ويزيد بن
أسد ويعلى بن مرة وأبو أمامة وأبو بكر الصديق وأبو الحمراء
وأبو ذر.
(1/271)
.............................................................................
__________
وأبو رافع وأبو رمثة وأبو سعيد الخدري وأبو عبيدة بن الجراح
وأبو قتادة وأبو قرصافة وأبو كبشة الأنمارى وأبو موسى الأشعري
وأبو موسى الغافقى وأبو ميمون الكردى وأبو هريرة وأبو العشراء
الدارمى عن أبيه وأبو مالك الأشجعي عن أبيه وعائشة أم أيمن
فهؤلاء خمسة وسبعون نفسا يصح من نحو حديث نحو عشرين منهم اتفق
الشيخان على إخراج أحاديث أربعة منهم وانفرد البخاري بثلاثة
ومسلم بواحد وإنما يصح من حديث خمسة من العشرة والباقى
أسانيدها ضعيفة ولا يمكن التواتر في شيء من طرق هذا الحديث
لأنه يتعذر وجود ذلك في الطرفين والوسط بل بعض طرقه الصحيحة
إنما هي أفراد عن بعض رواتها وقد زاد بعضهم في عدد هذا الحديث
حتى جاوز الماية ولكنه ليس هذا المتن وإنما هي أحاديث في مطلق
الكذب عليه كحديث من حدث عنى بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد
الكاذبين ونحو ذلك فحذفتها لذلك ولم اعدها في طرق الحديث وقد
أخبرني بعض الحفاظ أنه رأى في كلام بعض الحفاظ أنه رواه مائتان
من الصحابة ثم رأيته بعد ذلك في شرح مسلم للنووي ولعل هذا
محمول على الأحاديث الواردة في مطلق الكذب لا هذا المتن بعينه
والله أعلم.
الأمر السادس: قول المصنف أن من سئل عن ابراز مثال للمتواتر
أعياه تطلبه ثم لم يذكر مثالا إلا حديث من كذب على وقد وصف
غيره من الأئمة عدة أحاديث بأنها متواترة فمن ذلك أحاديث حوض
النبي صلى الله عليه وسلم ورد ذلك عن أزيد من ثلاثين صح أبيا
وأوردها البيهقي في كتاب البعث والنشور أفردها المقدسي بالجمع
قال القاضي عياض وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة
فذكر جماعة من رواته ثم قال وفي بعض هذا ما يقتضى كون الحديث
متواترا ومن ذلك أحاديث الشفاعة فذكر القاضي عياض أيضا أنه بلغ
مجموعها التواتر ومن ذلك أحاديث المسح على الخفين فقال ابن عبد
البر رواه نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وكذا قال ابن
حزم في المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى
عن الصلاة في معاطن الإبل قال ابن حزم في المحلى أنه نقل تواتر
يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد قال
ابن حزم إنها متواترة ومن ذاك أحاديث رفع اليدين في الصلاة
للإحرام والركوع والرفع منه قال ابن حزم إنها متواترة توجب
يقين العلم.
ومن ذلك الأحاديث الواردة في قول المصلى ربنا لك الحمد ملء
السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد قال ابن حزم إنها
أحاديث متواترة.
(1/272)
وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر. فمنه ما هو
غريب متنا وإسنادا وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد.
ومنه. ما هو غريب إسنادا لا متنا كالحديث الذي متنه معروف مروي
عن جماعة من الصحابة إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر: كان
غريبا من ذلك الوجه مع أن متنه غير غريب.
ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة. وهذا الذي
يقول فيه الترمذي: غريب من هذا الوجه ولا أرى هذا النوع ينعكس
فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر
الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه
__________
النوع الحادى والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز.
"قوله" وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر فمنه ما هو غريب متنا
وإسنادا ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا ثم قال ولا أرى هذا
النوع ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا
إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون
فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن
بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه
الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات
انتهى.
استبعد المصنف وجود حديث غريب متنا لا إسنادا إلا بالنسبة إلى
طرفي الإسناد وأثبت أبو الفتح اليعمرى هذا القسم مطلقا من غير
حمل له على ما ذكره المصنف فقال في شرح الترمذي الغريب على
أقسام غريب سندا ومتنا ومتنا لا سندا وسندا لا متنا وغريب بعض
السند فقط وغريب بعض المتن فقط ثم أشار إلى أنه أخذ ذلك من
كلام محمد بن طاهر المقدسى فانه قسم الغرايب والأفراد إلى خمسة
أنواع خامسها أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من
روايتهم وسنن يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها في غير
مصرهم ثم تكلم أبو الفتح على الأقسام التي ذكرها ابن طاهر إلى
أن قال وأما النوع الخامس فيشمل الغريب كله سندا ومتنا أو
أحدهما دون الآخر.
(1/273)
عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا
وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفي
الإسناد: فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة
في طرفه الآخر كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" وكسائر الغرائب
التي اشتملت عليها التصانيف المشتهرة والله أعلم.
__________
قال وقد ذكر أبو محمد بن أبي حاتم بسند له أن رجلا سأل مالكا
عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال له مالك إن شئت خلل وإن
شئت لا تخلل وكان عبد الله بن وهب حاضرا فعجب من جواب مالك
وذكر لمالك في ذلك حديثا بسند مصرى صحيح وزعم أنه معروف عندهم
فاستعاد مالك الحديث واستعاد السائل فأمره بالتخليل هذا أو
معناه انتهى كلامه.
والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذي من رواية ابن لهيعة عن
يزيد بن عمرو المغافرى عن أبي عبد الرحمن الحيلى عن المستورد
بن شداد قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن
لهيعة انتهى.
ولم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه عليه الليث بن سعد وعمرو بن
الحريث كما رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن
عمه عبد الله بن وهب عن الثلاثة المذكورين وصححه ابن القطان
لتوثيقه لابن أخى ابن وهب فقد زالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة
الليث وعمرو بن الحارث لابن لهيعة والمتن غريب والله أعلم.
ويحتمل أن يريد بكونه غريب المتن لا الإسناد أن يكون ذلك
الإسناد مشهورا جادة لعده من الأحاديث بأن يكونوا مشهورين
برواية بعضهم عن بعض ويكون المتن غريبا لانفرادهم به والله
أعلم.
(1/274)
|