التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح النوع السادس
والثلاثون: معرفة مختلف الحديث.
وإنما يكمل للقيام به إلائمة الجامعون بين صناعتي الحديث
والفقه الغواصون على المعاني الدقيقة
اعلم: أن ما يذكر في هذا الباب ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يمكن الجمع بين الحديثين ولا يتعذر إبداء وجه ينفي
تنافيهما فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معا.
ومثاله: حديث: "لا عدوى ولا طيرة". مع حديث: "لا يورد ممرض على
مصح". وحديث: "فر من المجذوم فرارك من إلاسد". وجه الجمع
بينهما: أن هذه إلامراض لا تعدي بطبعها ولكن الله تبارك وتعالى
جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه ثم قد يتخلف
ذلك عن سببه كما في سائر إلاسباب: ففي الحديث إلاول: نفي صلى
الله عليه وسلم ما كان يعتقده الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه
ولهذا قال: "فمن أعدى إلاول؟ ". وفي الثاني: اعلم بأن الله
سبحانه جعل ذلك سببا لذلك وحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند
وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى. ولهذا في الحديث أمثال كثيرة.
وكتاب مختلف الحديث لابن قتيبة في هذا المعنى: إن يكن قد أحسن
فيه من وجه فقد أساء في أشياء منه قصر باعه فيها وأتى بما غيره
أولى وأقوى.
وقد روينا عن محمد بن إسحاق بن خزيمة إلامام أنه قال: لا أعرف
أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين
متضادين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما.
القسم الثاني: أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بينهما وذلك على
ضربين:
أحدهما: أن يظهر كون أحدهما ناسخا وإلاخر منسوخا فيعمل بالناسخ
ويترك المنسوخ.
(1/285)
والثاني: أن لا تقوم دلالة على أن الناسخ
أيهما والمنسوخ أيهما: فيفزع حينئذ إلى الترجيح ويعمل بإلارجح
منهما وإلاثبت كالترجيح بكثرة الرواة أوبصفاتهم في خمسين وجها
من وجوه الترجيحات وأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا والله سبحانه
أعلم.
__________
النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث.
"قوله" كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم في خمسين وجها من
وجوه الترجيحات فأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا انتهى.
اقتصر المصنف على هذا المقدار من وجوه الترجيح وتبع في ذاك
الحازمى فانه قال في كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ووجوه
الترجيحات كثيرة أنا أذكر معظمها فذكر خمسين وجها ثم قال فهذا
القدر كاف في ذكر الترجيحات وثم وجوه كثيرة اضربتا عن ذكرها كى
لا يطول به هذا المختصر انتهى كلام الحازمي.
ووجوه الترجيحات تزيد على المائة وقد رأيت عدها مختصرا فأبدأ
بالخمسين التي عدها الحازمى ثم أسرد بقيتها على الولاء الأول
كثرة الرواة الثاني كون أحد الراويين اتقن واحفظ الثالث كونه
متفقا على عدالته الرابع كونه بالغا حالة التحمل الخامس كون
سماعه تحديثا والآخر عرضا السادس كون أحدهما سماعا أو عرضا
والآخر كتابة أو وجادة أو مناولة السابع كونه مباشرا لما رواه
الثامن كونه صاحب القصة التاسع كونه أحسن سياقا واستقصاء
العاشر كونه أقرب مكانا من النبي صلى الله عليه وسلم حالة
تحمله الحادى عشر كونه أكثر ملازمة لشيخه الثاني عشر كونه سمعه
من مشايخ بلده الثالث عشر كون أحد الحديثين له مخارج الرابع
عشر كون إسناده حجازيا الخامس عشر كون رواته من بلد لا يرضون
بالتدليس السادس عشر دلالة ألفاظه على الاتصال كسمعت وحدثنا
السابع عشر كونه مشاهدا لشيخه عند الأخذ الثامن عشر كون الحديث
لم يختلف فيه التاسع عشر كون راويه لم يضطرب لفظه العشرون كون
الحديث متفقا على رفعه الحادى والعشرون كونه متفقا على اتصاله
الثاني والعشرون كون راويه لا يجيز الرواية بالمعنى الثالث
والعشرون كونه فقيها الرابع والعشرون كونه صاحب كتاب يرجع اليه
الخامس والعشرون كون أحد الحديثين نصا وقولا والآخر ينسب اليه
(1/286)
..........................................................................
__________
استدلالا واجتهادا والسادس والعشرون كون القول يقارنه الفعل
السابع والعشرون كونه موافقا لظاهر القرآن الثامن والعشرون
كونه موافقا لسنه أخرى التاسع والعشرون كونه موافقا للقياس
الثلاثون كونه معه حديث آخر مرسل أو منقطع الحادى والثلاثون
كونه عمل به الخلفاء الراشدون الثاني والثلاثون كونه معه عمل
الأمة الثالث والثلاثون كون ما تضمنه من الحكم منطوقا الرابع
والثلاثون كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار الخامس والثلاثون
كون حكمه مقرونا بصفة والآخر بالاسم السادس والثلاثون كونه
مقرونا بتفسير الراوى السابع والثلاثون كون أحدهما قولا والآخر
فعلا فيرجح الثامن والثلاثون كونه لم يدخله التخصيص التاسع
والثلاثون كونه غير مشعر بنوع قدح في الصحابة الأربعون كونه
مطلقا والآخر ورد على سبب الحادى والأربعون كون الاشتقاق يدل
عليه دون الآخر الثاني والأربعون كون أحد الخصمين قائلا
بالخبرين الثالث والأربعون كون أحد الحديثين فيه زيادة الرابع
والأربعون كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة الخامس
والأربعون كون أحد الحديثين له نظير متفق على حكمه السادس
والأربعون كونه يدل على التحريم والآخر على الإباحة السابع
والأربعون كونه يثبت حكما موافقا لما قبل الشرع فقيل هو أولى
وقيل هما سواء الثامن والأربعون كون أحد الخبرين مسقطا للحد
فقيل هو أولى وقيل لا يرجح التاسع والأربعون كونه إثباتا يتضمن
النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على حكم العقل
الخمسون كون الحديثين في الأقضية وراوى أحدهما على أو في
الفرائض وراوي أحدهما زيد أو في الحلال والحرام وراوى أحدهما
معاذ وهلم جرا فالصحيح الذي عليه الأكثرون الترجيح بذلك الحادى
والخمسون كونه أعلا إسنادا الثاني والخمسون كون راويه عالما
بالعربية الثالث والخمسون كونه عالما باللغة الرابع والخمسون
كونه أفضل في الفقه أو العربية أو اللغة الخامس والخمسون كونه
حسن الاعتقاد السادس والخمسون كونه ورعا السابع والخمسون كونه
جليسا للمحدثين أو غيرهم من العلماء الثامن والخمسون كونه أكثر
مجالسة لهم التاسع والخمسون كونه عرفت عدالته بالاختبار
والممارسة وعرفت عدالة الآخر بالتزكية أو العمل على روايته
الستون كون المزكى زكاه وعمل بخبره وزكى الآخر وروى خبره
الحادي والستون.
(1/287)
.........................................................................
__________
كونه ذكر سبب تعديله الثاني والستون كونه ذكرا الثالث والستون
كونه حرا
الرابع والستون شهرة الراوى الخامس والستون شهرة نسبه السادس
والستون عدم التباس اسمه السابع والستون كونه له إسم واحد على
من له إسمان فأكثر الثامن والستون كثرة المزكين التاسع والستون
كثرة علم المزكين السبعون كونه دام عقله فلم يختلط.
هكذا أطلقه جماعة وشرط في المحصول مع ذلك أنه لا يعلم هل رواه
في حال سلامته أو اختلاطه الحادى والسبعون تأخر إسلام الراوى
وقيل عكسه وبه جزم الآمدي الثاني والسبعون كونه من أكابر
الصحابة الثالث والسبعون كون الخبر حكى سبب وروده إن كانا
خاصين فإن كانا عامين فبالعكس الرابع والسبعون كونه حكى فيه
لفظ الرسول الخامس والسبعون كونه لم ينكره راوى الأصل أو لم
يتردد فيه.
السادس والسبعون كونه مشعرا بعلو شأن الرسول وتمكنه السابع
والسبعون كونه مدنيا والآخر مكى الثامن والسبعون كونه متضمنا
للتخفيف وقيل بالعكس التاسع والسبعون كونه مطلق التاريخ على
المؤرخ بتاريخ مؤخر الثمانون كونه مؤرخا بتاريخ مؤخر على مطلق
التاريخ الحادى والثمانون كون الراوى تحمله في الإسلام على ما
تحمله راويه في الكفر أو شك فيه الثاني والثمانون كون الحديث
لفظه فصيحا والآخر ركيكا الثالث والثمانون كونه بلغة قريش
الرابع والثمانون كون لفظه حقيقة الخامس والثمانون كونه أشبه
بالحقيقة السادس والثمانون كون أحدهما حقيقة شرعية والآخر
حقيقة عرفية أو لغوية السابع والثمانون كون أحدهما حقيقة عرفية
والآخر حقيقة لغوية الثامن والثمانون كونه يدل على المراد من
وجهين.
التاسع والثمانون كونه يدل على المراد بغير واسطة التسعون كونه
يومى إلى علة الحكم الحادى والتسعون كونه ذكر معه معارضة
الثاني والتسعون كونه مقرونا بالتهديد الثالث والتسعون كونه
أشد تهديدا الرابع والتسعون كون أحد الخبرين يقل فيه اللبس
الخامس والتسعون كون اللفظ متفقا على وضعه لمسماه السادس
والتسعون كونه منصوصا على حكمه مع تشبيهه لمحل آخر السابع
والتسعون كونه مؤكدا بالتكرار الثامن والتسعون كون أحد الخبرين
دلالته بمفهوم الموافقة.
(1/288)
............................................................................
__________
والآخر بمفهوم المخالفة وقيل بالعكس التاسع والتسعون كونه قصد
به الحكم المختلف فيه ولم يقصد بالآخر ذلك المائة كون أحد
الخبرين مرويا بالإسناد والآخر معزوا إلى كتاب معروف.
الحادي بعد المائة كون أحدهما معزوا إلى كتاب معروف والآخر
مشهور.
الثاني بعد المائة كون أحدهما اتفق عليه الشيخان الثالث بعد
المائة كون العموم في أحد الخبرين مستفادا من الشرط والجزاء
والآخر من النكرة المنفية الرابع بعد المائة كون الخطاب في
أحدهما تكليفيا وفي الآخر وضعيا الخامس بعد المائة كون الحكم
في أحد الخبرين معقول المعنى السادس بعد المائة كون الخطاب في
أحدهما شفاهيا فيقدم على خطاب الغيبة في حق من ورد الخطاب عليه
السابع بعد المائة كون الخطاب على الغيبة فيقدم على الشفاهى في
حق الغائبين الثامن بعد المائة كون أحد الخبرين قدم فيه ذكر
العلة وقيل بالعكس التاسع بعد المائة كون العموم في أحدهما
مستفادا من الجمع المعرف فيقدم على المستفاد من ما ومن العاشر
بعد المائة كونه مستفادا من الكل فيقدم على المستفاد من الجنس
المعرف لاحتمال العهد وثم وجوه أخر للترجيح في بعضها نظر وفي
بعض ما ذكر أيضا نظر وإنما ذكرت هذا أيضا منها لقول المصنف أن
وجوه الترجيح خمسون فأكثر والله أعلم.
(1/289)
النوع السابع
والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد.
مثاله: ما روي عن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد
الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت
أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد
الغنوي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا
تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". فذكر سفيان في هذا
الإسناد زيادة ووهم وهكذا ذكر أبي إدريس.
أما الوهم في ذكر سفيان: فممن دون ابن المبارك لأن جماعة ثقات
رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه ومنهم من صرح فيه بلفظ
الإخبار بينهما
(1/289)
وأما ذكر أبي إدريس فيه: فابن المبارك
منسوب فيه إلى الوهم وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن
جابر فلم يذكروا أبا إدريس بين بسر وواثلة. وفيهم من صرح فيه
بسماع بسر من واثلة
قال أبو حاتم الرازي: يرون أن ابن المبارك وهم في هذا. قال:
وكثيرا ما يحدث بسر من أبي إدريس فغلط ابن المبارك وظن أن هذا
مما روى عن أبي إدريس عن واثلة وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه.
قلت: قد ألف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب تمييز
المزيد في متصل إلاسانيد وفي كثير مما ذكره نظر لأن الإسناد
الخالي عن الراوي الزائد: إن كان بلفظه عن في ذلك فينبغي أن
يحكم بإرساله ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد لما
عرف في نوع المعلل وكما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في النوع
الذي يليه وإن كان فيه تصريح بالسماع أو بإلاخبار كما في
المثال الذي أوردناه فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه ثم
سمعه منه نفسه فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس
عن واثلة ثم لقي واثلة فسمعه منه كما جاء مثله مصرحا به في غير
هذا اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره
أبو حاتم في المثال المذكور وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك
أن يذكر السماعين فإذا لم يجيء عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة
المذكورة والله أعلم.
(1/290)
|