الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح رحمه الله تعالى النوع الرابع
والعشرون: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه
اعلم أن طرق نقل الحديث وتحمله على أنواع متعددة ولنقدم على
بيانها بيان أمور:
أحدها: يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل
الإسلام وروى بعده وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده.
ومنع من ذلك قوم فأخطئوا لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة
الحسن بن علي وابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وأشباههم
من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده.
ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع
ويعتدون بروايتهم لذلك.
الثاني: قال: أبو عبد الله الزبيري يستحب كتب الحديث في
العشرين لأنها مجتمع العقل قال1 وأحب أن يشتغل دونها بحفظ
القرآن والفرائض.
وورد عن سفيان الثوري قال: كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث
تعبد قبل ذلك عشرين سنة.
وقيل لموسى بن إسحاق كيف لم تكتب عن أبي نعيم فقال كان أهل
الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا
عشرين سنة.
وقال موسى بن هارون أهل البصرة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة
لعشرين وأهل الشام لثلاثين.
__________
1 هكذا في خط وع، وليس في ش.
(1/274)
قلت وينبغي بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة
الإسناد أن يبكر بإسماع الصغير في أول زمان يصح فيه سماعه
وأما الاشتغال بكتبة الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين
يتأهل لذلك ويستعد له.
وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص كما سبق
آنفا عن قوم. انتهى.
مثال من تحمل قبل الإسلام وروى بعده حديث جبير بن مطعم المتفق
على صحته لما جاء في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم فسمع النبي
صلي الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور.
وفي البخاري: "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي"
وممن تحمل أيضا قبل البلوغ الحسن بن علي والسائب بن يزيد
والمسور بن مخرمة وغيرهم.
قال الثالث: اختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير.
فروينا عن موسى بن هارون الحمال1 أنه سئل متى يسمع الصبي
الحديث فقال إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة
والحمار.
وعن أحمد أنه سئل متى يجوز سماع الصبي للحديث فقال إذا عقل
وضبط فذكر له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس
عشرة سنة فأنكر قوله وقال بئس القول.
وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي عن أبي
محمد عبد الله بن محمد الأشيري عن القاضي عياض بن موسى السبتي
اليحصبي قال: حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن
الربيع.
وذكر رواية البخاري في صحيحه بعد أن ترجم متى يصح سماع الصغير
بإسناده عن محمود بن الربيع قال: "عقلت من النبي صلي الله عليه
وسلم مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو".
__________
1 زاد في ش وع: "أحد الحفاظ النقاد".
(1/275)
وفي رواية أخرى أنه كان ابن أربع سنين.
قلت التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين
فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم يبلغ خمسا حضر أو أحضر.
والذي ينبغي في ذلك أن نعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن
وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب1
ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح
سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين.
وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: رأيت صبيا ابن أربع
سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير أنه
إذا جاع يبكي.
وعن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني قال: حفظت
القرآن ولي خمس سنين وحملت إلى أبي بكر المقرئ لأسمع منه ولي
أربع سنين فقال بعض الحاضرين لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير
فقال لي ابن المقرئ اقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال اقرأ سورة
التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم
أغلظ فيها.
قال ابن المقرئ سمعوا له والعهدة2 علي.
وأما حديث محمود بن الربيع فيدل على صحة ذلك من ابن خمس لمثل3
محمود ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن4 ابن خمس ولا على
الصحة فيمن كان ابن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه.
انتهى.
اختلفوا في السن الذي يصح فيه السماع على أربعة أقوال أصحها
عند الجمهور أن أقل ذلك خمس سنين لما رواه البخاري والنسائي
وابن ماجة من حديث محمود بن الربيع.
قال ابن عبد البر: حفظ ذلك عنه وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين.
__________
1 هكذا في ش و، وفي خط: "الجواب" بلام واحدة.
2 هكذا في ش وع وفي خط: "العهد".
3 في ش وع: "مثل" بدون اللام.
4 طمس في خط وما هنا من ش وع.
(1/276)
والقول الثاني: اعتبار تمييزه على الخصوص.
الثالث: خمس عشرة سنة.
والرابع: إذا فرق بين البقرة والداب قاله موسى بن هارون
الحمال.
وأما ما حكاه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن الصبي فقد أجاد
بقوله وقد بلغنا إذ لم يأت بصيغة الجزم لأن الصغير كان ضئيل1
الخلقة فظن أنه صغير ابن أربع سنين وقد رواها الخطيب بسنده في
كفايته وفي السند أحمد ابن كامل القاضي قال: الدارقطني كان
متساهلا ربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه وأهلكه العجب
فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء الأئمة2 أصلا.
وقال صاحب الميزان كان يعتمد على حفظه فيهم.
فائدة كان ينبغي للمصنف أن يذكر حديث عبد الله بن الزبير فإنه
أولى من ذكر حديث محمود بن الربيع.
ففي البخاري ثنا أحمد بن محمد أنا عبد الله بن المبارك أنا
هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: كنت يوم
الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا
بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا فلما
رجعت قلت يا أبة3 رأيتك تختلف قال: قال4 أو هل رأيتني يا بني
قلت نعم قال: كان النبي5 صلي الله عليه وسلم قال: "من يأتي6
بني قريظة فيأتني بخبرهم" فانطلقت فلما رجعت جمع لي النبي عليه
السلام7 أبويه فقال: "فداك أبي وأمي".
قال البخاري وغيره كانت الأحزاب وهي غزوة الخندق في شوال سنة
أربع وولد عبد الله بن الزبير على ما ذكر البخاري وغيره بعد
الهجرة في
__________
1 هكذا في ع وفي خط: "سبيل".
2 من خط وليس في ع.
3 هكذا في خط وفي صحيح البخاري "ابت" بالمفتوحة.
4 هكذا في خط وفي صحيح البخاري "3720": قال مرة واحدة.
5 في صحيح البخاري: "رسول الله".
6 في صحيح البخاري: "يأت".
7 في صحيح البخاري: "رسول الله صلي الله عليه وسلم.
(1/277)
السنة الثانية أو السنة الأولى على خلاف
فيه حكاه ابن عبد البر فعلى هذا يكون حال تحمله لهذا الحديث
أصغر سنا من محمود بن الربيع.
فانظر لأي شيء لم يذكره البخاري أيضا في باب "متى يصح سماع
الصغير" مع أنه أمضى في السماع من حديث محمود بن الربيع.
قال بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله ومجامعها ثمانية أقسام.
الأول السماع من لفظ الشيخ وهو ينقسم إلى إملاء وتحديث من غير
إملاء وسواء أكان1 من حفظه أو من كتابه وهذا القسم أرفع
الأقسام عند الجماهير وفيما نرويه عن القاضي عياض2 قوله لا
خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع3 حدثنا وأخبرنا وأنبأنا
وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان.
قلت في هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ
مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ على ما نبينه إن شاء الله
تعالى أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإيهام
والإلباس.
وذكر أبو بكر الخطيب أن أرفع العبارات في ذلك سمعت ثم حدثنا
وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في أحاديث الإجازة
والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه.
وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له حدثنا.
وروي عن الحسن أنه كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول4 أنه حدث
أهل المدينة وكان الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا.
قلت ومنهم من أثبت له سماعا من أبي هريرة.
ثم يتلو ذلك قول أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتى إن جماعة من
أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون فيما5 سمعوه من لفظ من حدثهم
إلا بقولهم:
__________
1 في ش وع: "كان" بدون الهمزة.
2 في ش وع: "القاضي عياض بن موسي السبتي أحد المتأخرين
المطلعين".
3 في ش وع: "السامع منه".
4 هكذا في ش وع وفي خط: "تأويل".
5 في ش وعت: "عما".
(1/278)
أخبرنا منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن
المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق بن همام
ويزيد بن هارون وعمرو بن عون ويحيى بن يحيى التميمي وإسحاق بن
راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان
وغيرهم.
وذكر الخطيب عن محمد بن رافع قال: كان عبد الرزاق يقول أخبرنا
حتى قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقالا له قل حدثنا لكل
ما1 سمعت مع هؤلاء قال: حدثنا وما كان قبل ذلك قال: أخبرنا.
وعن محمد بن أبي الفوارس الحافظ قال: هشيم ويزيد بن هارون وعبد
الرزاق لا يقولون إلا أخبرنا فإذا رأيت حدثنا فهو من خطأ
الكاتب.
قلت وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ.
ثم يتلو قول أخبرنا قول أنبأنا وهو قليل في الاستعمال.
قلت حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى وهي أنه ليس في
سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به وفي حدثنا
وأخبرنا دلالة على أنه خاطبه به ورواه له أو هو ممن فعل به ذلك
سأل الخطيب أبو بكر شيخه أبا بكر البرقاني عن السر في كونه
يقول فيما رواه لهم عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم
الجرجاني الآبندونى2 سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا فذكر له
أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا3 في الرواية
__________
1 هكذا في خط وفي ش وع: "فكل ما" بالفاء.
2 في حاشية خط: "أبندون من قري جرجان" وراجع حاشية
"المقدمة".قلت وقد ضبطها السمعاني في الأنساب بفتح الألف
الممدودة والباء الموحدة وسكون النون وضم الدال المهملة وفي
آخرها النون هذه النسبة إلي آبندون وهي قرية من قري جرجان،
منها: أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الآبندوني
الجرجاني" غ هـ. وراجع: "معجم البلدان "1/57" والسير
"616/261".
3 هكذا في خط وفي ش وع: "عسيرا".
(1/279)
فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو
القاسم ولا يعلم بحضوره ليسمع1 منه ما يحدث به الشخص الداخل
إليه فلذلك يقول سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا لأن قصده كان
الرواية للداخل إليه وحده.
وأما قوله قال: لنا فلان أو ذكر لنا فلان فهو من قبيل قوله
حدثنا فلان غير أنه لائق بما سمعه منه في المذاكرة وهو به أشبه
من حدثنا.
وقد حكينا في فصل التعليق عقيب النوع الحادي عشر عن كثير من
المحدثين استعمال ذلك معبرين به عما جرى بينهم في المذاكرات
والمناظرات.
وأوضع العبارات في ذلك أن يقول قال: فلان أو ذكر فلان من غير
ذكر قوله لي ولنا ونحو ذلك.
وقد قدمنا في فصل الإسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من الألفاظ
محمول عندهم على السماع إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على
الجملة لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول قال: فلان إلا
فيما سمعه منه.
وقد كان حجاج بن محمد الأعور يروي عن ابن جريج كتبه ويقول فيها
قال: ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا برواياته وكان قد عرف
من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه.
وقد خصص الخطيب أبو بكر القول بحمل ذلك على السماع بمن عرف من
عادته مثل ذلك.
والمحفوظ المعروف ما قدمناه2. انتهى.
قوله ومنهم من أثبت له أي للحسن سماعا من أبي هريرة وهذا ضعيف
جدا فقد قال: أبو زرعة وأبو حاتم من قال: عن الحسن ثنا أبو
هريرة فقد أخطأ قالا والذي عليه العمل أنه لم يسمع منه شيئا.
وكذا قال: أيوب وبهز ابن أسد والترمذي والنسائي والخطيب وقال
يونس ابن عبيد ما رآه قط.
__________
1 في ش وع: "فيسمع".
2 في ش وع: "قدمنا ذكره".
(1/280)
قال ابن القطان واعلم أن حدثنا ليست بنص في
أن قائلها سمع1 ففي صحيح مسلم حديث الذي يقتله الدجال فيقول
أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ومعلوم أن ذلك الرجل متأخر الميقات. انتهى.
فيكون مراده حدث أمته وهو منها.
وقال معمر إنه الخضر وحينئذ فلا مانع من سماعه.
وقوله: قال: لنا فلان أو ذكر لنا فلان أي ونحو ذلك مما ذكر فيه
الجار والمجرور نحو قال: لي أو ذكر لي وأن ذلك من قبيل قوله
ثنا فلان إلى آخره.
خالف فيه أبو عبد الله بن مندة في جزء له فقال إن البخاري حيث
قال: قال لي فلان فهو إجازة وحيث قال: قال فلان فهو تدليس ورد
العلماء كلام ابن مندة هذا كما سيأتي.
ولما ذكر أبو الحسن بن القطان تدليس الشيوخ قال: وأما البخاري
فذلك عنه باطل.
قال القسم الثاني: من أقسام الأخذ والتحمل القراءة على الشيخ
وأكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ
ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ وسواء كنت أنت القارئ أو
قرأ غيرك وأنت تسمع أو2 قرأت من كتاب أو من حفظك أو كان الشيخ
يحفظ ما يقرأ عليه أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره.
ولا خلاف أنها رواية صحيحة إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد
بخلافه.
__________
1 وفي إطلاق هذا نظر فالأفضل في حدثنا أنها للسماع إلا من علم
من مذهبه إطلاقا في موضع الإجازة أو المكاتبة أو نحو ذلك وهذا
كله يعلم بالقرينة أو النص من الأئمة علي ذلك؛ والله أعلم.
2 هكذا في خط وع وفي ش "و" بدون الهمزة.
(1/281)
واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ
في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب
وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه وروي ذلك
عن مالك أيضا وروي عن مالك وغيره أنهما سواء وقد قيل إن
التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة ومذهب مالك
وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم.
والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ والحكم بأن القراءة عليه
مرتبة ثانية.
وقد قيل إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق.
وأما العبارة عنها عند الرواية بها1 فهي على مراتب.
أجودها وأسلمها أن يقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا
أسمع فأقر به فهذا سائغ من غير إشكال
ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقة
إذا أتى بها ههنا مقيدة بأن يقول حدثنا فلان قراءة عليه أو
أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك وكذلك أنشدنا قراءة عليه في الشعر.
وأما إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا
فيه على مذاهب فمن أهل الحديث من منع منهما جميعا.
وقيل2 إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد
والنسائي وغيرهم.
ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز
إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا.
وقد قيل إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول الزهري
ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من
الأئمة المتقدمين وهو مذهب البخاري في جماعة من المحدثين.
ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا.
__________
1 هكذا في خط وع، وفي ش "به".
2 هكذا في خط وع، وفي ش "قيل" بدون الواو.
(1/282)
والمذهب الثالث: الفرق بينهما في ذلك
والمنع من إطلاق حدثنا وتجويز إطلاق أخبرنا وهو مذهب الشافعي
وأصحابه وهو منقول عن مسلم وجمهور أهل المشرق.
وذكر صاحب كتاب الإنصاف محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري
أن هذا مذهب الأكثر من أصحاب الحديث الذين1 لا يحصيهم أحد
وأنهم جعلوا أخبرنا علما يقوم مقام قول قائله أنا قرأته عليه
لا أنه لفظ به لي قال: وممن كان يقول به من أهل زماننا أبو2
عبد الرحمن النسائي في آخرين من الأئمة في جماعة مثله من
محدثينا.
قلت وقد قيل إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب
بمصر وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما
الخطيب أبو بكر إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر.
قلت الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث
والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عنآء وتكلف وخير ما يقال فيه أنه
اصطلاح بينهم3 أرادوا به التمييز بين النوعين ثم خصص النوع
الأول بقول حدثنا لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة.
ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب ما حكاه أبو بكر
البرقاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤسآء أهل
الحديث بخراسان أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري صحيح
البخاري وكان يقول له4 في كل حديث حدثكم الفربري فلما فرغ من
الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه
فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله وقال له في جميعه أخبركم
الفربري. انتهى.
__________
1 من ش وع وفي خط: "الذي" بالإفراد.
2 سقطت من خط وهي وفي ش وع.
3 هكذا في خط وفي ش وع: "منهم".
4 من ش وع، وفي خط: "يقوله".
(1/283)
أهمل المصنف صورة حكمها حكم صور العرض وهي
ما إذا كان ثقة من السامعين يحفظ ما يقرأ على الشيخ والحافظ
لذلك مستمع لما يقرأ غير غافل عنه فإنه يكفي أيضا.
والمراد بقوله من لا يعتد بخلافه هو أبو عاصم النبيل رواه
الرامهرمزي1 عنه.
وروى الخطيب عن وكيع قال: ما أخذت حديثا قط عرضا وعن محمد بن
سلام أنه أدرك مالك بن أنس والناس يقرأون عليه فلم يسمع منه
لذلك.
وكذلك عبد الرحمن بن سلام2 الجمحي لم يكتف بذلك فقال مالك
أخرجوه عني.
وممن قال: بصحتها من التابعين عطاء ونافع وعروة وابن جريج3
والثوري وابن أبي ذئب وشعبة والأئمة الأربعة وابن مهدي وشريك
والليث وأبو عبيد والبخاري في خلق لا يحصون كثرة.
واستدل البخاري على ذلك بحديث ضمام بن ثعلبة وهو في الصحيح.
قوله وروى عن مالك وغيره أنهما سوآء أي القرآءة على الشيخ
والسماع من لفظه وحكاه أبو بكر الصيرفي في كتاب الدلائل4 عن
الشافعي فقال وباب الحديث عند الشافعي رحمه الله في القرآءة
على المحدث والقرآءة منه سوآء.
قوله فأعاد أبو حاتم قرآءة الكتاب كله أي لأنه يرى أنه لا بد
من ذكر السند في كل حديث وإن كان الإسناد واحدا إلى صاحب
الكتاب وذلك من التشديد في الرواية وإلا فالصحيح أنه لا يحتاج
إلى إعادة السند في كل حديث كما سيأتي.
__________
1 في خط: "الهرمذي" خطأ وراجع: "المحدث الفاصل" للرامهرمزي
"421".
2 كتب عليها في خط "خف" إشارة إلي تخفيف اللام في سلام.
3 في خط: "وعروة بن جريح" وما أثبته هو الصواب والله أعلم.
4 راجع ما سبق "ص/254".
(1/284)
قال: تفريعات:
الأول: إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره وهو موثوق
به مراع لما يقرأ أهل لذلك فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه
فهو كما لو كان أصله بيد نفسه بل1 أولى لتعاضد ذهنى شخصين
عليه.
وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأي
بعض أئمة الأصول2 أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك صحيح
وبه عمل معظم الشيوخ وأهل الحديث.
وإذا كان الأصل بيد القارئ وهو موثوق به دينا ومعرفة فكذلك
الحكم فيه وأولى بالتصحيح.
وأما إذا كان أصله بيد من لا يوثق بإمساكه له ولا يؤمن إهماله
لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو بيد غيره في أنه سماع غير
معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه. انتهى.
قوله فرأى بعض أئمة الأصول هو إمام الحرمين فإنه اختار عدم
الصحة وتردد الباقلاني في ذلك ومال إلى المنع كما حكاه عنه
القاضي عياض.
ووهن السلفي هذا الاختلاف لاتفاق العلماء على العمل بخلافه
فإنه قال: إن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه
هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء أم يكفي إعلام الطالب الثقة
الشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان؟ فقال السلفي: هما سيان على
هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم.
قال: ولم يزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول
فتصير تلك الفروع بعد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا
فروعا؟
قال الثاني: إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو قلت
أخبرنا فلان أو نحو ذلك والشيخ ساكت مصغ إليه فاهم لذلك غير
منكر له فهذا
__________
1 هكذا في ش وفي خط وع: "وبل".
2 عكذا في ش وع، وفي خط: "الحديث الأصول".
(1/285)
كاف في ذلك.
واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار الشيخ نطقا1 وبه قطع الشيخ
أبو إسحاق الشيرازي وأبو الفتح سليم الرازي وأبو نصر بن الصباغ
من الفقهاء الشافعيين.
قال أبو نصر ليس له أن يقول حدثني أو أخبرني وله أن يعمل بما
قرئ عليه وإذا أراد روايته عنه قال: قرأت عليه أو قرئ عليه وهو
يسمع.
وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك أن بعض الظاهرية شرط
إقرار الشيخ عند تمام السماع بأن يقول القارئ للشيخ هو كما
قرأته عليك فيقول نعم.
والصحيح أن ذلك غير لازم وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور
نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة.
وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء وغيرهم. انتهى.
قوله فهذا كاف أي مغن عن نطق الشيخ بأن يقول نعم وما أشبه ذلك
وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين والنظار وأن النطق
عندهم ليس بشرط ولا يقول فيه حدثني وأخبرني كما قاله ابن
الصباغ وصححه الغزالي والآمدي صححه أيضا وحكاه عن المتكلمين
وحكى تجويزه عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن
الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة.
ولو أشار الشيخ برأسه أو إصبعه للإقرار به ولم يتلفظ فجزم في
المحصول بأنه لا يقول في الأداء حدثني ولا أخبرني ولا سمعت وهو
مشكل.
قال الثالث: فيما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله قال: الذي
أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول
في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان وما
يأخذه من المحدث لفظا ومعه
__________
1 من ش وع وفي خط: "مطلقا".
(1/286)
غيره حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه
أخبرني فلان وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان.
وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك رضي الله
عنهما وهو حسن رائق.
فإن شك في شيء عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل
حدثني أو أخبرني لتردده في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو
مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثني أو أخبرني لأن عدم غيره هو
الأصل.
ولكن ذكر علي بن عبد الله المديني الإمام عن شيخه يحيى بن سعيد
القطان الإمام فيما إذا شك أن الشيخ قال: حدثني فلان أو قال:
حدثنا فلان أنه يقول حدثنا وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع
نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا.
وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة وحدثنا أنقص مرتبة
فليقتصر إذا شك على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل وهذا لطيف.
ثم وجدت الحافظ أحمد البيهقي قد اختار بعد حكايته1 قول القطان
ما قدمته.
ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب وليس بواجب حكاه الخطيب
الحافظ عن أهل العلم كافة.
فجائز إذا سمع وحده أن يقول حدثنا أو نحوه لجواز ذلك للواحد في
كلام العرب.
وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول حدثني لأن المحدث حدثه وحدث
غيره. انتهى.
عبارة ابن وهب ذكرها الترمذي في العلل فقال ما قلت ثنا فهو ما
سمعت مع الناس وما قلت حدثني فهو ما سمعت وحدي وما قلت أنا فهو
ما قرئ على العالم وأنا شاهد وما قلت أخبرني فهو ما قرأت على
العالم.
__________
1 هكذا في خط وع، وفي ش: "حكاية".
(1/287)
وفي كلام الحاكم وابن وهب أن القارئ يقول
أخبرني سوآء سمع معه غيره أم لا.
وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح إن القارئ إذا كان معه غيره
يقول أنا فسوى بين مسألتي التحديث والإخبار.
قوله فإن شك في شيء عنده إلى آخره سوى بين الشك في أنه هل سمع
من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره وبين ما إذا شك هل قرأ هو
بنفسه على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره.
وما قاله ظاهر في المسألة الأولى وأما المسألة الثانية فإنه
يتحقق فيها سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا.
والأصل أنه لم يقرأ هذا على ما ذكره المصنف تبعا للحاكم أن
القارئ يقول أخبرني سوآء سمع بقراءته معه غيره أم لا أما إذا
قلنا بما جزم به ابن دقيق العيد من أن القارئ إذا كان معه غيره
يقول أخبرنا فيتجه أن يقال الأصل عدم الزائد.
والأحسن فيما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقرآءة غيره ما حكاه
الخطيب عن البرقاني أنه ربما شك في الحديث هل قرأ هو أو قرئ
وهو يسمع فيقول فيه.
قرأنا على فلان فإنه يسوغ إتيانه بهذه الصيغة فيما قرأه بنفسه
وفيما سمعه بقرآءة غيره بل لو تحقق أن الذي قرأ غيره فلا بأس
أن يقول قرأنا قاله أحمد بن صالح المصري حين سئل عنه.
وقال النفيلي قرأنا على مالك وإنما قرئ على مالك وهو يسمع.
قال الرابع: روينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه قال: اتبع
لفظ الشيخ في قوله حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعدوه1.
قلت ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن
تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه أخبرنا ب حدثنا ونحو ذلك وإن
كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن
يكون من قال: ذلك ممن2 لا يرى التسوية بينهما.
__________
1 هكذا فييي خط وع وفي ش "ولا تعده" وراجع حاشية "المقدمة".
2 من ش وع وفي خط: "من من".
(1/288)
ولو وجدت من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله
التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز
الرواية بالمعنى.
وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه الامتناع من إجراء
مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجامع المجموعة على
ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وما ذكره الخطيب أبو بكر في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا
فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في
كتاب مؤلف. انتهى.
ضعف ابن دقيق العيد كلام المصنف قال: وأقل ما فيه أنه يقتضي
تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا
وتخاريجنا فإنه ليس فيه تغيير التصنيف المتقدم.
قال وليس هذا جاريا على الاصطلاح.
وكلام المصنف يقتضي أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزى إليه لا
يجوز فيه الإبدال سوآء نقلناه في تأليف لنا أو لفظا.
نعم تعليل المصنف المنع باحتمال أن يكون من قال: ذلك ممن لا
يرى التسوية بين أخبرنا وحدثنا ليس بجيد من حيث أن الحكم لا
يختلف في الجائز والممتنع بأن يكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا أو
الممتنع جائزا.
وقد صرح أهل الحديث بذلك في مواضع منها أن يكون الشيخ يرى جواز
إطلاق ثنا وأنا في الإجازة وأذن للطالب أن يقول ذلك إذا روى
عنه بالإجازة فإنه لا يجوز ذلك للطالب وإن أذن له الشيخ وقد
صرح به المصنف.
ولذلك أيضا لم يشترطوا في جواز الرواية بالمعنى أن لا يكون في
الإسناد من يمنع ذلك كابن سيرين بل جوزوا الرواية بالمعنى
بشروط ليس منها هذا.
قال الخامس: اختلف أهل العلم في صحة سماع من ينسخ وقت القراءة
فورد عن الإمام إبراهيم الحربى وأبي أحمد بن عدي الحافظ
والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني الفقيه الأصولي وغيرهم نفي
ذلك.
(1/289)
وروينا عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي1
أحد أئمة الشافعيين بخراسان أنه سئل عمن يكتب في السماع فقال
يقول حضرت ولا يقل حدثنا ولا أخبرنا.
وورد عن موسى بن هارون الحمال تجويز ذلك.
وعن أبي حاتم الرازي قال: كتبت عند عارم2 وهو يقرأ وكتبت عند
عمرو بن مرزوق وهو يقرأ
وعن عبد الله بن المبارك أنه قرئ عليه وهو ينسخ شيئا آخر غير
ما يقرأ.
ولا فرق بين النسخ من السامع والنسخ من المسمع.
قلت وخير من هذا الإطلاق التفصيل فنقول لا يصح السماع إذا كان
النسخ بحيث يمتنع معه فهم الناسخ لما يقرأ حتى يكون الواصل إلى
سمعه كأنه صوت غفل ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه الفهم كمثل
ما روينا عن الحافظ العالم أبي الحسن الدارقطني أنه حضر في
حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل
يملي فقال له بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ.
فقال فهمي للإملاء خلاف فهمك.
ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن فقال لا فقال
الدارقطني أملى ثمانية عشر حديثا فعدت الأحاديث فوجدت كما قال.
ثم قال: أبو الحسن الحديث الأول منها عن فلان عن فلان ومتنه
كذا والحديث الثاني: عن فلان عن فلان ومتنه كذا ولم يزل يذكر
أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على
آخرها فتعجب الناس منه. انتهى.
قال ابن كثير وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي يكتب في مجلس
السماع وينعس في بعض الأحيان ويرد على القارئ ردا جيدا بينا
واضحا بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده وهو
مستيقظ والشيخ ناعس وهو أنبه
__________
1 في حاشية خط: "الصبغي" بكسر الصدا المهملة والغين المعجمة".
2 في حاشية خط: "عارم اسمه محمد بن الفضل وعارم لقب سوء وقع
فعلي رجل صالح" ولفظ لقب لم يتضح منه سوي اللام وراجه حاشية
"المقدمة".
(1/290)
منه ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأبو حاتم هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران
الحنظلي مولى تميم من حنظلة وقيل إنما قيل له الحنظلي لأنه سكن
درب حنظلة بالري.
روي عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال: أبو زرعة وأبو حاتم إماما
خراسان1 وبقاؤهما صلاح للمسلمين ثم دعا لهما.
توفي سنة سبع وسبعين ومائتين.
قال السادس: ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا
كان الشيخ أو السامع يتحدث أو كان القارئ خفيف القراءة يفرط في
الإسراع أو كان يهينم بحيث يخفى بعض الكلام2 أو كان السامع
بعيدا عن القارئ وما أشبه ذلك.
ثم الظاهر أنه يعفى في ذلك3 عن القدر اليسير نحو الكلمة
والكلمتين.
ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية جميع الجزء أو
الكتاب الذي سمعوه وإن جرى على كله اسم السماع.
وإذا بذل4 لأحد منهم خطه بذلك كتب أنه سمع مني هذا الكتاب
وأجزت له روايته عني أو نحو هذا كما كان بعض الشيوخ يفعل.
وفيما5 نرويه عن الفقيه أبي محمد بن أبي عبد الله بن عتاب
الفقيه الأندلسي عن أبيه أنه قال: لا غنى في السماع عن الإجازة
لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان القارئ
ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة.
هذا الذي ذكرناه تحقيق حسن.
وقد روينا6 عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي الشيخ
__________
1 تكررت في خط.
2 من ش وع وفي خط: "الكلكم".
3 من ش وع: "كل ذلك".
4 من ش وع وفي خط: "بدا".
5 من ش وع، وفي خط: "فيما" بدون الواو.
6 ضبطها في خط – ضبط قلم – بضم الواو.
(1/291)
يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه
ترى أن يروى ذلك عنه قال: أرجو ألا يضيق هذا.
وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي قال: سمعت ابن عيينة يقول نا
عمرو ابن دينار يريد حدثنا عمرو بن دينار لكن اقتصر من حدثنا
على النون والألف فإذا قيل له قل حدثنا عمرو قال: لا أقول لأني
لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف وهي حدث لكثرة الزحام.
قلت قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا
حتى ربما بلغ ألوفا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون
عنهم1 بواسطة تبليغ المستملين فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن
المملي.
روينا2 عن الأعمش قال: كنا نجلس إلى إبراهيم فتتسع الحلقة
فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه فيسأل بعضهم بعضا
عما قال: ثم يروونه وما سمعوه منه.
وعن حماد بن زيد أنه سأله رجل في مثل ذلك فقال يا أبا إسماعيل
كيف قلت فقال استفهم من يليك وعن ابن عيينة أن أبا مسلم
المستملي قال: له إن الناس كثير لا يسمعون قال: تسمع أنت قال:
نعم قال: فأسمعهم
وأبى آخرون ذلك روينا عن خلف بن تميم قال: سمعت من سفيان
الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة
فقال لي لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك وسمع أذنك قال:
فألقيتها.
وعن أبي نعيم أنه كان يرى3 فيما سقط عنه من الحرف الواحد
والاسم4 مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهمه من أصحابه أن
يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا له.
قلت الأول تساهل بعيد وقد روينا عن أبي عبد الله ابن منده أنه
قال: لواحد
__________
1 من ش وع، وفي خط: "عنه".
2 ضبطها في خط – ضبط قلم – بضم الراء.
3 من ش وع وفي خط: "يروي".
4 من ش وع وفلي خط: "الإسم" بدون الواو.
(1/292)
من أصحابه يا فلان يكفيك من السماع شمه.
وهذا إما متأول أو متروك على قائله.
ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد عن حمزة بن محمد الحافظ بإسناده
عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه1 قال: عبد
الغني قال: لنا حمزة يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه وليس يعني
التسهل في السماع. انتهى.
قال الجوهري الهينمة الصوت الخفي.
قوله ويستحب للشيخ أن يخبر السامعين لاحتمال وقوع شيء مما تقدم
فينجبر بالإجازة ولذلك ينبغي لكاتب السماع أن يكتب إجازة الشيخ
عقب كتابة السماع ويقال إن أول من كتب الإجازة في طباق السماع
أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي فجزاه الله خيرا.
ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصال بعض الكتب في بعض
البلاد بسبب كون بعضهم كان له فوت ولم يذكر في طبقة السماع
إجازة الشيخ لهم فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع
بعض ذلك الكتاب فتعذر قرآءة جميع الكتاب عليه كأبي الحسن بن
الصواف الشاطبي راوي غالب النسائي عن ابن باقا.
واعترض على المصنف بكونه أطلق ولم يفصل والصواب أن الشيخ إن
كان صحيح السماع بحيث يسمع لفظ المستملي الذي يمل عليه فالسماع
صحيح ويجوز له أن يرويه عن المملي دون ذكر الواسطة كما لو سمع
على الشيخ بقرآءة غيره فإن القارئ والمستملي واحد.
فإن كان في سمع الشيخ ثقل بحيث لا يسمع لفظ المستملي فإنه لا
يسوغ لمن لم يسمع لفظ الشيخ أن يرويه عنه إلا بواسطة المستملي
أو المبلغ له عن الشيخ أو المفهم للسامع ما لم يبلغه كما ثبت
في الصحيحين من رواية عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال:
سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "يكون اثنا عشر أميرا"
فقال
__________
1 من ش وع، وليست في خط.
(1/293)
كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال: كلهم من
قريش لفظ البخاري.
وقال مسلم ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ما قال: قال كلهم
من قريش.
فلم يرو جابر بي؟ سمرة الكلمة التي خفيت عليه إلا بواسطة أبيه.
ويمكن أن يستدل للقائلين بالجواز بما رواه مسلم في صحيحه من
رواية عامر ابن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع
غلامي نافع أن أخبرني متى سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فكتب إلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
جمعة عشية رجم الأسلمي قال: "لا يزال الدين قائما حتى تقوم
الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
فلم يفصل جابر بن سمرة الكلمة التي لم يسمعها من النبي صلي
الله عليه وسلم.
وقد يجاب عنه بأمور
أحدها: أنه يحتمل أن بعض الرواة أدرجه وفصلها الجمهور وهم عبد
الملك بن عمير والشعبي وحصين وسماك بن حرب ووصله عامر.
الثاني: أن الشيخين اتفقا على رواية الفصل وانفرد مسلم برواية
الوصل.
والثالث: أن رواية الجمهور سماع لهم من جابر بن سمرة ورواية
عامر بن سعد1 كتابة ليست متصلة بالسماع.
الرابع: أن الإرسال جائز خصوصا إرسال الصحابة عن بعضهم فإن
الصحابة كلهم عدول ولهذا كانت مراسيلهم حجة خلافا للأستاذ أبي
إسحاق الإسفراييني لأن الصحابة قد يروون عن التابعين.
وقال ابن كثير الواقع في زماننا اليوم أنه يحضر مجلس السماع من
يفهم ومن لا يفهم والبعيد من القارئ والناعس2 والمتحدث
والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم بل يلعبون غالبا ولا يشتغلون
بمجرد السماع وكل هؤلاء قد كان
__________
1 من ع، وفي خط: "بن سعيد".
2 من الللباعث "1/342" وفي خط: "والبلض".
(1/294)
يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي
الحجاج المزي رحمه الله.
وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي1 أنه زجر في مجلسه
الشباب2 عن اللعب فقال لا تزجروهم فإنا إنما سمعنا مثلهم.
قال السابع: يصح السماع ممن هو وراء حجاب إذا عرف صوته فيما
إذا حدث بلفظه وإذا عرف حضوره بمسمع3 منه فيما إذا قرئ عليه.
وينبغي أن يجوز الاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق
به.
وقد كانوا يسمعون من عائشة وغيرها من أزواج رسول الله صلى الله
عليه وسلم من وراء حجاب ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت.
واحتج عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك بقوله صلي الله عليه
وسلم: "إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم
مكتوم".
وروى بإسناده عن شعبة أنه قال: إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه
فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا.
الثامن: من سمع من شيخ حديثا ثم قال: له لا تروه عني أو لا آذن
لك في روايته عني أو قال: لست أخبرك به أو رجعت عن إخباري إياك
به فلا تروه عني غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك فيه ونحو
ذلك بل منعه من روايته عنه مع جزمه بأنه حديثه وروايته فذلك4
غير مبطل لسماعه ولا مانع له من روايته عنه.
وسأل الحافظ أبو سعيد بن عليك5 النيسابوري الأستاذ أبا إسحاق
الإسفراييني رحمهما الله عن محدث خص بالسماع قوما فجاء غيرهم
وسمع
__________
1 من الباعث وفي خط: "المقري".
2 هكذا في خط وفي الباعث: "الصبيان".
3 من ش وع، وفي خط: "المسمع".
4 منخط وع، وفي ش: حديثه فذلك".
5 هكذا في خط وضبط عليك بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر
الحروف وراجع "الإكمال" "6/362 – وحاشية"، وتبصرة المنتبه
"3/966". لابن حجر وهو
مترجم في السير للذهبي "17/509".
(1/295)
منه من غير علم المحدث به هل يجوز له رواية
ذلك عنه فأجاب بأنه يجوز ولو قال: المحدث إني أخبركم ولا أخبر
فلانا لم يضره. انتهى.
وإنما جاز من ورآء حجاب توسعا في الرواية بخلاف الشهادة لإثبات
الرواية شرعا عاما بخلاف الشهادة وما أفتى به أبو إسحاق حدث به
النسائي عن الحارث ابن مسكين.
قال القسم الثالث: من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله الإجازة.
وهي متنوعة أنواعا.
أولها: أن يجيز لمعين في معين مثل أن يقول أجزت لك الكتاب
الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه فهذا أعلى أنواع الإجازة
المجردة عن المناولة.
وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها1 ولا خالف فيها أهل الظاهر
وإنما خلافهم في غير هذا النوع.
وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال
لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها.
وادعى الإجماع من غير تفصيل وحكى الخلاف في العمل بها.
قلت هذا باطل فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل
الحديث والفقهاء والأصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي
رضي الله عنه.
روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي لا يرى
الإجازة في الحديث قال: الربيع أنا أخالف الشافعي في هذا.
وقد قال: بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم القاضيان حسين بن
محمد المروروذي وأبو الحسن الماوردي2 وبه قطع الماوردي في
كتابه الحاوي وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا لو جازت
الإجازة لبطلت الرحلة.
وروى أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره.
وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي
وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ
والحافظ أبو نصر الوائلي
__________
1 من ش وع، وفي خط: "جواز هذه".
2 من ش وع، وفي خط: "المازري".
(1/296)
السجزي وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه
قال: أبو نصر وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون قول المحدث قد
أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن
الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع.
قلت ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من
أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية
قال: من قال: لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول
أجزت لك أن تكذب علي.
ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل
الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواة بها.
وفي الاحتجاج لذلك غموض.
ويتجه أن نقول1 إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته وقد أخبره بها
جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا.
وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على
الشيخ كما سبق وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل
بالإجازة المفهمة.
ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا
لمن قال: من أهل الظاهر ومن تابعهم إنه لا يجب العمل به وإنه
جار مجرى المرسل.
وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها
وفي الثقة به. انتهى.
ذكر من أقسام الأخذ والتحمل: الإجازة وهي دون السماع ونوعها
سبعة أنواع وعدها بعضهم تسعة كما سيأتي.
أرفعها النوع الأول ما لم يكن معه مناولة فإن كانت معه فهو
أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق لاجتماع الإجازة والمناولة.
قال النوع الثاني: من أنواع الإجازة:
أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول أجزت لك أو لكم جميع
مسموعاتي أو جميع مروياتي وما أشبه ذلك فالخلاف في هذا النوع
أقوى وأكثر والجمهور من العلماء2 المحدثين والفقهاء وغيرهم على
تجويز الرواية
__________
1 من ش وع، وفي خط: "يقول" وربما جعل الناسخ نقط التاء والياء
بالعكس فيحتمل أن تكون: "تقول".
2 من ش وع، وفي خط: "والعلماء".
(1/297)
بها أيضا وعلى إيجاب العمل بما روي بها
بشرطه.
قال النوع الثالث: من أنواع الإجازة.
أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول أجزت لكل واحد1 أو
أجزت لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك
فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا في
جوازه فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاضر أو نحوه فهو إلى الجواز
أقرب.
وممن جوز ذلك كله الخطيب أبو بكر.
وروينا عن أبي عبد الله ابن منده الحافظ أنه قال: أحزت لمن
قال: لا إله إلا الله وجوز القاضي أبو الطيب الطبري أحد
الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب الإجازة لجميع المسلمين
من كان منهم موجودا عند الإجازة.
وأجاز أبو محمد ابن سعيد أحد الجلة من شيوخ الأندلس لكل من دخل
قرطبة من طلبة العلم ووافقه على جواز ذلك جماعة منهم أبو عبد
الله بن عتاب.
وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من
جوابه إن من أدركه من الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره
كانوا يميلون إلى الجواز.
قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه
الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة2 الذين سوغوها.
والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا
كثيرا لا ينبغي احتماله. انتهى.
وممن أجاز الإجازة العامة مع من ذكر أبو الفضل أحمد بن الحسين
بن خيرون البغدادي وأبو الوليد بن رشد المالكي وأبو طاهر
السلفي وغيرهم.
ورجحه ابن الحاجب وصححه في الروضة من زياداته وقد جمع بعضهم من
أجاز هذه الإجازة العامة في تصنيف له جمع فيه خلقا كثيرا رتبهم
على حروف المعجم لكثرتهم وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين
بن أبي البدر
__________
1 هكذا في خط؛ وفي ش وع: "أحد".
2 من ش وع، وفي خط "المتأخرة"، وراجع حاشية المقدمة.
(1/298)
الكاتب البغدادي.
قوله ولم نسمع ولم نر إلى آخره فيه نظر فقد حدث بها من الحفاظ
أبو بكر بن خير الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي ومن الحفاظ
المتأخرين شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي بإجازته
العامة من المؤيد الطوسي وسمع بها الحافظ أبو الحجاج المزي
وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي على الركن الطاوسي
بإجازته العامة من أبي جعفر الصيدلاني وغيره وقرأ بها الحافظ1
أبو سعيد العلائي على أبي العباس بن نغمة بإجازته العامة من
داود بن معمر بن الفاخر وأقرأ بها الوجيه عبد الرحمن العوفي
بإجازته العامة من عبد اللطيف بن القبيطي وأبي إسحاق الكاشغري
وابن رواح والسبط وآخرين من البغداديين والمصريين وفي النفس
منها شيء.
وأهل الحديث يقولون إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش فالاحتياط
ترك الرواية بها.
وقد اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية
بها وإلا فلا فائدة لها.
ورد بأنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها
فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها
لاستغنائهم عنها بالسماع واحتياطا للخروج من الخلاف من منع
الرواية بها.
قوله فإن كان مقيدا بوصف حاضر2 أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب أي
كقول أجزت لبني فلان أو لإخوة فلان أو لأولاده.
ومثله القاضي بقوله أجزت لمن هو الآن من طلبة العلم ببلد كذا.
وقوله: فهو إلى الجواز أقرب أي أن جواز الرواية بالوصف الحاضر3
أولى من الرواية بالإجازة العامة وتقدم أن المصنف اختار عدم
صحة الإجازة العامة والصحيح في مسألة الوصف الصحة.
__________
1 من ع، وفي خط: "الحفاظ".
2 كذا في خط وصوابه: "خاص".
3 كذا في خط، وصوابه: "الخاص".
(1/299)
قال القاضي عياض في كتاب الإلماع ما أحسبهم
اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد
لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان.
قال النوع الرابع: من أنواع الإجازة.
الإجازة للمجهول أو بالمجهول.
وتتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول أجزت
لمحمد بن خالد الدمشقي وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا
الاسم والنسب ثم لا يعين المجاز له منهم أو يقول أجزت لفلان أن
يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن المعروفة
بذلك ثم1 لا يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا
القبيل ما إذا أجاز2 لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز
جاهل بأعيانهم غير عارف بهم فهذا غير قادح كما لا يقدح عدم
معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه.
وإن أجاز للمسمين المنتسبين في الاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم
ولا بأنسابهم ولم يعرف عددهم ولم يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا
فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع منه3
وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ولا تصفح أشخاصهم واحدا
واحدا.
وإذا قال: أجزت لمن يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة
وتعليق بشرط فالظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى القاضي أبو الطيب
الطبري الشافعي إذ سأله الخطيب الحافظ عن ذلك وعلل بأنه إجازة
لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس من غير تعيين وقد يعلل ذلك
أيضا بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة يفسد
بالتعليق4 على ما عرف عند قوم.
__________
1 من خط وع، وليس في ش.
2 من ش وع وفي خط: "أجاب" بالباء.
3 من ش ووفي خط: "عنه" بالعين بدل الميم.
4 من خط ومثله في ع سوي "بالتعليق" ففي ع: "بتعليق" وفي ش
"يفسر بالجهالة يفسر بالتعليق".
(1/300)
وحكى الخطيب عن أبي يعلى بن الفراء الحنبلي
وأبي الفضل بن عمروس المالكي أنهما أجازا ذلك
وهؤلاء الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك.
وهذه الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند وجود المشيئة بخلاف
الجهالة الواقعة فيما إذا أضافه1 لبعض الناس وإذا قال: أجزت
لمن شاء فهو كما لو قال: أجزت لمن شاء فلان بل هذه أكثر جهالة
وانتشارا من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف
تلك.
ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة له2 فإن أجاز لمن شاء
الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض
الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة
التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في
الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع أن يقول بعتك
هذا بكذا إن شئت فيقول قبلت.
ووجد بخط أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي الحافظ أجزت
رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي ذلك عني.
أما إذا قال: أجزت لفلان كذا وكذا إن شاء روايته عني أو لك إن
شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر الأقوى أن ذلك جائز إذ قد انتفت
فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته والعلم عند الله
تعالى. انتهى.
قوله وتتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط أي كما إذا قال:
أجزت لمن شاء فلان وهذا هو أحد النوعين المزادين على السبعة
أدرجه المصنف في نوع الإجازة للمجهول ومثل المصنف الإجازة
للمجهول بقوله أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وفي وقته من يشركه
في ذلك
ومثل الإجازة بالمجهول بقوله أجزت له أن يروي عني كتاب السنن
وهو يروي سننا كثيرة فإن وجدت قرينة تخصص الشخص كما لو قيل له
يجيز
__________
1 هكذا في خط وفي ش وع: "أجاز".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "الإجازة منه له".
(1/301)
لفلان بن فلان فقال أجزت له أو قيل له يجيز
له السنن لأبى داود فقال أجزت له السنن فالظاهر صحة ذلك لأن
الجواب خرج على المسؤول عنه.
ثم إن التعليق قد يكون مع إبهام المجاز أو مع تعيينه وقد يعلق
بمشيئة المجاز وقد يعلق بمشيئة غيره معينا وقد يكون التعليق
لنفس الإجازة وقد يكون لرواية بالإجازة فأما تعليقها بمشيئة
المجاز مبهما كقوله من شاء أن أجيز له فقد أجزت له أو أجزت لمن
شاء فهو كتعليقها بمشيئة غيره.
قال المصنف: وهذا أكثر جهالة وانتشارا. وأما تعليقها بمشيئة
غير المجاز فإن كان المعلق بمشيئته مبهما فهذه باطلة قطعا
كقوله أجزت لمن شاء بعض الناس أن يروي عني وإن كان معينا كقوله
من شاء فلان أن أجيزه فقد أجزته أو أجزت لمن شاء فلان ونحو
ذلك.
قال المصنف الظاهر أن ذلك لا يصح قال: وبه أفتى أبو الطيب قال:
وأجاز ذلك الحنبلي وابن عمروس وما أجازاه قال: به جماعة من
المتقدمين والمتأخرين.
فمن المتقدمين الحافظ أبو بكر بن أبي خيثمة زهير بن حرب صاحب
يحيى بن معين وصاحب التاريخ.
قال الإمام أبو الحسن محمد بن أبي الحسين بن الوزان ألفيت بخط
أبي بكر ابن أبي خيثمة قد أجزت لأبي زكريا يحيى بن مسلمة أن
يروي عني ما أحب من كتاب التاريخ الذي سمعه مني أبو محمد
القاسم بن الأصبغ ومحمد بن عبد الأعلى كما سمعاه مني وأذنت له
في ذلك ولمن أحب من أصحابه فإن أحب أن تكون الإجازة بعد هذا
فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا وكتب أحمد بن أبي خيثمة بيده في
شوال من سنة ست وسبعين ومائتين.
وكذلك أجاز حفيد يعقوب بن شيبة وهذه نسختها فيما حكاه الخطيب1
يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قد أجزت لعمر2 بن أحمد
الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه علي بن الحسن جميع ما
فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره وقد أجزت ذلك
لمن أحب عمر فليرووه عني إن
__________
1 في جزء: "إجازة المجهول والمعدوم وتعليقها بشرط" "ص/57 – 58
– ط: ابن تيمية".
2 هكذا في كتاب الخطيب وفي خط: "أحمد".
(1/302)
شاؤا؟ كتبت ذلك بخطي1 في صفر سنة اثنتين
وثلثمائة2.
ثم قال: الخطيب ورأيت مثل هذه الإجازة لبعض المتقدمين إلا أن
اسمه ذهب من حفظي3.
وكأنه أراد بذلك ابن أبي خيثمة.
وأما إذا كان المعلق هو الرواية كقوله أجزت لمن شاء الرواية
عني أن يروي عني فقال المصنف هذا أولى بالجواز ثم قاسه على
مسألة البيع ولم يبين تصحيحا في هذه الصورة بل جعلها أولى
بالجواز والصحيح فيها عدم الصحة والقياس على البيع لا يصح لأن
المتاع معين والمجاز له مبهم وإنما وزان البيع أن يقول أجزت لك
أن تروي عني إن شئت وهو لو قال: كذا صح على الصحيح الأقوى كما
ذكره المصنف.
واعلم أن في مسألة البيع وجهين أصحهما الصحة وإن كان البيع
المعلق بشرط لا يصح كما لو قال: بعتك إن شاء زيد لا يصح سوآء
شاء زيد أم لا بخلاف ما إذا قال: أنت طالق أو حرة إن شاء زيد
فإنه إن شاء طلقت وعتقت وكذا لو علق الطلاق أو العتق بمشيئتها
بخلاف البيع فإنه إذا علقه بمشيئة المشتري أو البائع فإنه يصح
لأن المشيئة تحصل في ضمن القبول فلو لم يشأ ما قبل وهذا جار في
كل عقد فيه مخاطب ومخاطب4 بخلاف الطلاق والعتق ونحوهما.
قال النوع الخامس: من أنواع الإجازة.
الإجازة للمعدوم ولنذكر معه5 الإجازة للطفل الصغير.
هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه.
ومثاله أن تقول أجزت لمن يولد لفلان فإن عطف المعدوم في ذلك
على
__________
1 في متاب الخطيب: "ذلك لهم بخطي".
2 هكذا في خط وفي كتاب الخطيب "إثنين وثلاثين "كذا" وثلاث
مائة".
3 راجع: كتاب الخطيب رحمه الله.
4 ضبطها في خط ضبط قلم: الأولي بكسر الطاء المهملة والثانية
بفتحها.
5 من خط وع، وفي ش: "معها".
(1/303)
الموجود بأن قال: أجزت لفلان ومن يولد له
أو أجزت لك ولولدك وعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب إلى الجواز
من الأول.
ولمثل ذلك أجاز أصحاب الشافعي في الوقف القسم الثاني: دون
الأول.
وقد أجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة أو من قال: ذلك منهم في الوقف
القسمين كليهما.
وفعل هذا الثاني: في الإجازة من المحدثين المتقدمين أبو بكر بي
أبي1 داود السجستاني فإنا روينا عنه أنه سئل الإجازة فقال قد
أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة يعني الذين لم يولدوا بعد.
وأما الإجازة للمعدوم ابتداء من غير عطف على موجود فقد أجازها
الخطيب أبو بكر وذكر أنه سمع أبا يعلى بن الفراء الحنبلي وأبا
الفضل بن عمروس المالكي يجيزان ذلك.
وحكى جواز ذلك أيضا أبو نصر ابن الصباغ الفقيه فقال ذهب قوم
إلى أنه يجوز أن يجيز لمن لم يخلق قال: وهذا إنما ذهب إليه من
يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة ثم بين بطلان هذه
الإجازة وهو الذي استقر عليه رأي شيخه القاضي أبي الطيب الطبري
وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لأن الإجازة في حكم الإخبار
جملة بالمجاز على ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة فكما لا
يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم.
ولو قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم كما لا يصح
الإذن في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح فيها
المأذون فيه من المأذون له.
وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه.
قال الخطيب سألت القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل
الصغير هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة
سماعه فقال لا يعتبر ذلك قال: فقلت له إن بعض أصحابنا قال: لا
تصح الإجازة لمن لا يصح
__________
1 من ش وع، وليس في خط.
(1/304)
سماعه فقال قد يصح أن1 يجيز للغائب عنه ولا
يصح السماع له واحتج الخطيب لصحتها للطفل بأن الإجازة إنما هي
إباحة المجيز لمجاز له أن يروي عنه والإباحة تصح للعاقل وغير
العاقل قال: وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال2 الغيب
عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم ولم نرهم
أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال.
قلت كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل
الحديث ليؤدي به بعد3 حصول أهليته حرصا على توسيع السبيل إلى
بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة وتقربة4 من رسول الله
صلى الله عليه وسلم. انتهى.
أما مسألة الوقف عليه ثم على من سيوجد من أولاده فإنها صحيحة
فلو وقف على أولاد زيد ولا أولاد له بل أولاد ابن قال: المتولي
وغيره يصرف لهم.
وأما مسألة الصبي وهي5 أحد النوعين الزائدين وأدرجها المصنف في
مسألة المعدوم.
ولم يعترض المصنف لمسألة الكافر لأنه لا نقل فيها مع أن سماعه
صحيح كما تقدم وقد كان يهودي طبيب بدمشق يقال له محمد بن عبد
السيد بن الديان سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله
محمد بن عبد المؤمن الصوري وكتب اسمه في طبقة السماع مع
السامعين وأجاز ابن عبد المؤمن لمن سمع وهو من جملتهم وكان
السماع والإجازة بحضور الحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن
المزي وبعض السماع بقرآءته وذلك في غير ما جزء منها جزء ابن
عترة فلولا أن المزي يرى جواز ذلك ما أقرأ عليه ثم هدى الله
ابن عبد السيد المذكور للإسلام ووحدث وسمع منه جماعة من
المحدثين والظاهر أنه إنما سمي محمدا بعد إسلامه.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "أنه".
2 هكذا في ش وع، وفي خط: "الأطفال".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط، وفي ش وع: "وتقريبه".
5 هكذا في خط ويشبه أن تكون: "فهي" وإلا ففي الكلام سقط. والله
أعلم.
(1/305)
ومن صور الإجازة لغير أهل الأدآء الإجازة
للمجنون وهي صحيحة.
كذا الإجازة للفاسق والمبتدع الذي لا نكفره ببدعته والإجازة
لهما أولى من الإجازة للكافر فإذا زال المانع من الأداء صح
الأداء كالسماع سوآء.
وأما الإجازة للحمل فليس فيها نقل صريح.
نعم قال: الخطيب لم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال
ولم يتعرضوا لكونه إذا وقع يصح أم لا.
وهو أولى بالصحة من المعدوم والخطيب يرى صحتها للمعدوم وسئل
شيخنا أبو سعيد العلائي الإجازة لحمل بعد ذكر أبويه قبله
وجماعة معهم فأجاز فيها وكان أبو الثناء محمود بن خلف المنبجي
يحترز عن الإجازة للحمل ومن عمم الإجازة للحمل وغيره أعلم
وأحفظ وأتقن.
وبنى بعضهم الإجازة له على الخلاف في أنه هل يعلم أم لا إن
قلنا لا يعلم فتكون كالإجازة للمجهول فيجري فيه الخلاف الذي
فيه وإن قلنا إنه يعلم وهو الأصح صحت الإجازة.
ومعنى يعلم1 أي يعامل معاملة المعلوم وقال الإمام لا خلاف أنه
لا يعلم.
قلت ولو فرق بين أن تنفخ فيه الروح وأن لا تنفخ فيه لم يكن
بعيدا.
قال النوع السادس: من أنواع الإجازة.
إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز
له إذا تحمله المجيز بعد ذلك أخبرني من أخبر عن القاضي ابن
موسى من فضلاء وقته بالمغرب قال: هذا لم أر من تكلم عليه من
المشايخ رأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ثم حكى عن أبي
الوليد يونس بن مغيث قاضي قرطبة أنه سئل الإجازة لجميع ما رواه
إلى تاريخها وما يرويه بعد فامتنع من ذلك فغضب السائل فقال له
بعض أصحابه يا هذا يعطيك ما لم يأخذه هذا محال قال: عياض وهذا
هو الصحيح.
__________
1 الضبط من خط.
(1/306)
قلت ينبغي أن يبنى هذا على أن الإجازة في
حكم الإخبار بالمجاز1 جملة أو هي إذن.
فإن جعلت في حكم الإخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر2 بما
لا خبر عنده منه.
وإن جعلت إذنا انبنى هذا على3 الخلاف في تصحيح الإذن في باب
الوكالة فيما لم يملكه الآذن الموكل بعد مثل أن يوكل في بيع
العبد الذي يريد أن يشتريه وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي
والصحيح بطلان هذه الإجازة.
وعلى هذا يتعين على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له
جميع مسموعاته مثلا أن يبحث4 حتى يعلم أن ذلك الذي يريد روايته
عنه مما سمعه قبل تاريخ الإجازة.
وأما إذا قال: أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فهذا ليس
من هذا القبيل وقد فعله5 الدارقطني وغيره.
وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل
الإجازة ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله ما صح عندك ولم يقل وما
يصح لأن المراد أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك فالمعتبر إذا
فيه صحة ذلك عنده حالة الرواية. انتهى.
وعبارة القاضي عياض في الإلماع فهذا لم أر من تكلم فيه من
المشايخ قال: ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه إلا أنى
قرأت في فهرسة أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني قال:
كنت عند القاضي بقرطبة أبي الوليد يونس بن مغيث فجاءه إنسان
فسأله إلى آخره ثم قال: فنظر
__________
1 هكذا في ش وع، وفي خط: "بالمجاز له" ولعلها كانت: "بالمجاز
به"، فحفها الناسخ؛ والله أعلم.
2 من ش وع، وفي خط: "يجيز".
3 من ش وع وفي خط: "علي هذا".
4 من ش وع، وفي خط: "صحت".
5 من ش وع، وفي خط: "مثله".
(1/307)
إلي يونس فقلت يا هذا يعطيك ما لم يأخذ
فقال يونس هذا جوابي.
قال القاضي عياض وهذا هو الصحيح.
وصححه النووي كما صححه المصنف.
ويؤيد ذلك مسألة الوكالة كما لو وكله في بيع عبد سيملكه أو في
طلاق من سينكحها أو إعتاق من سيملكه أو قضاء دين سيلزمه أو
تزويج ابنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك فإنه
لا يصح في جميع ذلك على ما صححه الرافعي والنووي في أول باب
الوكالة مع أن في بعضها اضطراب تصحيح
قال النوع السابع: من أنواع الإجازة إجازة المجاز.
مثل أن يقول الشيخ أجزت لك مجازاتي أو أجزت لك رواية ما أجيز
لي روايته.
فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين.
والصحيح والذي عليه العمل أن ذلك جائز ولا يشبه ذلك ما إذا1
امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكل.
ووجدت عن أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي قال: سمعت أبا نعيم
الحافظ يعني يقول الإجازة على الإجازة قوية جائزة.
وحكي الخطيب الحافظ تجويز ذلك عن الحافظ الإمام أبي الحسن
الدارقطني والحافظ أبي العباس المعروف بابن عقدة الكوفي
وغيرهما.
وقد كان الفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة
عن الإجازة حتى ربما والى في روايته بين إجازات ثلاث.
وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ
شيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها فإذا كان
مثلا صورة إجازة شيخ شيخه2 أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى
شيئا من مسموعات
__________
1 من خط، وليس في ش وع.
1 من خ، وليس في ش وع.
2 هنكذا في ش وع، وفي خط: "الشيخ لشيخه".
(1/308)
شيخ شيخه فليس له أن يروي ذلك عن شيخه عنه
حتى يستبين أنه مما كان قد1 صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه
الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن عملا بلفظه
وتقييده.
ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره.
هذه أنواع الإجازة التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها
أنواع أخر سيتعرف المتأمل حكمها مما أمليناه إن شاء الله
تعالى. انتهى.
أشار بقوله فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به إلى الحافظ أبي
البركات عبد الوهاب بن المبارك بن الأنماطي أحد شيوخ ابن
الجوزي فإنه صنف في منع ذلك جزءا وعلله بأن الإجازة ضعيفة
فينضم ضعف إلى ضعف
والصحيح الذي عليه العمل جوازه وفعله الحاكم في تاريخه2.
قال ابن طاهر ولا يعرف بين القائلين بالإجازة خلاف في العمل
بإجازة الإجازة وذكر أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ أن أبا
الفتح بن أبي الفوارس حدث بجزء من العلل لأحمد بإجازته من أبي3
علي بن الصواف بإجازته من عبد الله بن أحمد بإجازته من أبيه.
بل وجد في كلام غير واحد من الأئمة وأهل الحديث الزيادة على
ثلاث أجائز فرووا بأربع أجائز متوالية وخمس وقد روى أبو محمد
عبد الكريم الحلبي في تاريخ مصر عن عبد الغني بن سعيد الأزدي
بخمس أجائز متوالية في عدة مواضع.
قوله ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله كثر4 عثاره كما اتفق للإمام
أبي عبد الله محمد بن أحمد الأندرشي5 المعروف بابن اليتيم أحد
من رحل وجال في البلاد وسمع ببلاد المغرب ومصر والشام والعراق
وخراسان وأخذ عن السلفي
__________
1 من ش وع، وفي خط: "مما قد".
2 راجع: "شرح الألفية" للعراقي "ص/211 – 212".
3 من "شرح الألفية" للعراقي "ص/212" وفي خط: "من ابن أبي".
4 هكذا في خط في هذا الموضع ومضي في متن ابن الصلاح: "يكثر".
5 هكذا في شرح الألفية للعراقي وفي خط: "الأندي" وراجع: السير
للذهبي "22/ 250".
(1/309)
وابن عساكر والسهيلي وابن بشكوال وعبد الحق
الإشبيلي وخلق.
ذكر إسناده في الترمذي عن أبي طاهر السلفي عن أحمد بن محمد بن
أحمد ابن سعيد الحداد عن إسماعيل بن ينال1 المحبوبي عن أبي
العباس المحبوبي عن الترمذي.
هكذا ذكر الحافظ أبو جعفر بن الزيني2 أنه وجد بخط ابن اليتيم
ووجه الغلط فيه أن فيه إجازتين إحداهما أن ابن ينال أجاز
للحداد ولم يسمعه منه والثاني: أن الحداد أجاز للسلفي ما سمعه
فقط.
فلم يدخل الترمذي في إجازته للسلفي وذكر الزيني3 أن السلفي وهم
في ذلك قديما ثم تذكر فرجع عن هذا السند.
قال ومن هنا تكلم أبو جعفر بن البادش4 في السلفي وعذر5 الناس
السلفي فقد رجع عنه.
قال وتكلم الناس في ابن اليتيم.
قال وما أظن الباعث لذلك إلا ما ذكرته.
وقد بين السلفي صورة إجازة الحداد له في فهرسته فقال كان أبو
الفرج الحداد يروي كتاب الترمذي قال: ولم يجز لي ما أجيز له بل
ما سمعه فقط.
قال كتب إلي إسماعيل بن ينال6 المحبوبي من مرو.
ولهذا كان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد لا يجيز رواية سماعه
كله بل يقيده
__________
1 من شرح الألفية وفي خط: "نيال"بتقديم النون وراجع: "السير"
للذهبي "17/376".
1 من شرح الألفية وفي خط: "نيال"بتقديم النون وراجع: "السير"
للذهبي "17/376".
2 هكذا في خط وفي شرح الألفية "النريسي".
3 هكذا في خط وفي شرح الألفية "النريسي".
4 هكذا في خط بالدال المهملة وفي شرح الألفية بالذال المعجمة:
"البذش".
5 من شرح الألفية وفي خط: "وعند.
6 من شرح الألفية وفي خطب نيال بتقديم النون.
(1/310)
بما حدث به من مسموعاته وجد ذلك بخطه في
عدة إجازات1 لأنه كان يشك في بعض سماعاته فلم يحدث به ولم يجزه
وهو سماعه على ابن المقيرفمن2 حدث عنه بإجازته منه بشيء مما3
حدث به من مسموعاته فهو غير صحيح فينبغي التنبه لهذا4 وأمثاله.
قال ثم إنا ننبه على أمور.
أحدها روينا عن أبي الحسين أحمد بن فارس الأديب المصنف رحمه
الله قال: معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء
الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال منه استجزت فلانا
فأجازني إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل
العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه.
قلت فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي
فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو
ذلك.
ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة
وذلك هو المعروف فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن
يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفى
نظيره.
الثاني: إنما تستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز
والمجاز له من أهل العلم لأنها توسيع5 وترخيص يتأهل له أهل
العلم لمسيس حاجتهم إليها وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا فيها.
وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك رضي الله عنه.
وقال الحافظ أبو عمر الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة
وفي شيء
__________
1 راجع: "شرح الألفية" "ص/213".
2 من "شرح الألفية 11 وفي خط"إن المعين ممن".
3 من شرح اللفية وفي خط: "ما".
4 من شرح الألفية وفي خط: "الشبه بهذا".
5 من خط وفي ش وع: "توسع".
(1/311)
معين لا يشكل إسناده.
الثالث: ينبغي للمجيز إذا كتب إجازته أن يتلفظ بها فإن اقتصر
على الكتابة كان ذلك إجازة جائزة إذا اقترن بقصد الإجازة غير
أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها.
وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية التي1
جعلت فيه2 القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه
إخبارا منه بما قرئ عليه على ما تقدم3. انتهى.
قوله وغير مستبعد تصحيح ذلك أي إذا كتب الإجازة ولم يتلفظ ولم
يقصد الإجازة الظاهر أن ذلك لا يصح لأن الكتابة كناية والكتابة
شرطها القصد ولا قصد.
قال القسم الرابع: من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه المناولة.
وهي على نوعين:
أحدهما المناولة المقرونة بالإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة على
الإطلاق ولها صور؛
منها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به
ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني أو أجزت لك
روايته عني ثم يملكه إياه أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده
إلي أو نحو هذا.
ومنها أن يجئ الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه
عليه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له
وقفت على ما فيه وهو حديثي عن فلان أو روايتي عن شيوخي فيه
فاروه عني أو أجزت لك روايته عني.
وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا وقد سبقت حكايتنا
في
__________
1 من خط وع، وفي ش: "الذي".
2 من ش وع و "شرح الألفية" وفي خط: "قيد".
3 من خط وفي ش وع: "تقدم بيانه".
(1/312)
القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضا أيضا1
فلنسم ذلك عرض القراءة وهذا عرض المناولة.
وهذه المناولة المقترنة2 بالإجازة حالة محل السماع عند مالك
وجماعة من أئمة أصحاب الحديث.
وحكى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في عرض المناولة المذكور
عن كثير من المتقدمين أنه سماع
وهذا مطرد في سائر ما يماثله من صور المناولة المقرونة
بالإجازة.
فممن حكى الحاكم ذلك عنهم ابن شهاب الزهري وربيعة الرأي ويحيى
ابن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس الإمام في آخرين من المدنيين
ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة
وإبراهيم النخعيان والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو
العالية وأبو المتوكل3 الناجي في طائفة من البصريين وابن وهب
وابن القاسم وأشهب4 في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين
والخراسانيين.
ورأى الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك.
وفي كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض
القراءة بما ورد في عرض المناولة وساق الجميع مساقا واحدا
والصحيح أن ذلك غير حال محل5 السماع وأنه منحط عن درجة التحديث
لفظا والإخبار قراءة.
وقد قال: الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا
في الحلال
__________
1 من حط وليس في ش وع.
2 من خط وع، وفي ش: "المقرونة".
3 في حاشية خط: "أبو المتوكل هو علي بن داود بضم الدال ويقال:
ابن داود أيضا". وراجع: حاشية "المقدمة".
4 في حاشية خط: "أشهب: لقب له واسمه مسكين", وراجع: حاشية
"المقدمة".
5 من ش وع، وفي خط: "محله".
(1/313)
والحرام فإنهم لم يروه سماعا وبه قال:
الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان الثوري
وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه.
قال وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه تذهب انتهى.
اعترض على المصنف بذكر أبي حنيفة مع المذكورين فإنهم يرون صحة
المناولة وأنها دون السماع وأبو حنيفة لا يرى صحتها أصلا كما
ذكره صاحب القنية فقال إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما
فيه ولم يسمع ذلك ولم يعرفه فعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز
روايته وعند أبي يوسف يجوز.
ورد بأن صاحب القنية لم يقتصر على قوله فلم يسمع ذلك بل زاد
ولم يعرفه أي المجاز له ومقتضاه أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له
أنه يصح والمعترض يقول لا يصح أصلا.
فإن قال: الضمير في لم يعرفه للمجيز فقد ذكر المصنف بعد هذا أن
الشيخ إذا لم ينظر فيه ولم يتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا
يصح ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقا بخبره فإنه يجوز
الاعتماد عليه.
وهذه الصورة لا يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لا بد أن يكون
الشيخ حافظا لحديثه أو ممسكا لأصله كما صححه إمام الحرمين.
بل أطلق الآمدي النقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الإجازة غير
صحيحة.
ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة
الخالية عن المناولة فقد حكى القاضي عياض في الإلماع عن كافة
أهل النقل والأدآء والتحقيق من أهل النظر القول بصحة المناولة
المقرونة بالإجازة
قال ومنها أن يناول الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته عنه ثم
يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه فهذا يتقاعد عما سبق لعدم
احتواء الطالب على ما تحمله وغيبته عنه.
وجائز له رواية ذلك عنه إذا ظفر بالكتاب أو بما هو مقابل به
على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة على1 ما هو
معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة.
__________
1 من خط وع، وفي ش: "مع".
(1/314)
ثم إن المناولة في مثل هذا لا يكاد يظهر
حصول مزية بها على الإجازة الواقعة في معين كذلك من غير مناولة
وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير لها
ولا فائدة.
غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث أو من حكي ذلك عنه
منهم يرون لذلك مزية معتبرة.
ومنها أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول هذا روايتك
فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه
ويتحقق روايته لجميعه فهذا لا يجوز ولا يصح فإن كان الطالب
موثوقا بخبره ومعرفته جاز الاعتماد عليه في ذلك وكان ذلك إجازة
جائزة كما جاز في القراءة على الشيخ الاعتماد على الطالب حتى
يكون هو القارئ من الأصل إذا كان موثوقا به1 معرفة ودينا.
قال الخطيب أبو بكر ولو قال: حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان
من حديثي مع براءتي من الغلط والوهم كان ذلك جائزا حسنا.
انتهى.
قوله وقد صار غير واحد إلى آخره قال: ابن كثير هذا في الكتب
والأجزاء التي ليست بمشهورة أما الكتب المشهورة كالبخاري ومسلم
والسنن ونحوها فهو كما لو ملكه أو أعاره.
وما قاله ظاهر.
وقال القاضي عياض وعلى التحقيق فليس هذا بشئ زائد على معنى
الإجازة للشيء المعين من التصانيف المشهورة والأحاديث المعروفة
المعينة ولا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو
غائب أو حاضر إذ المقصود تعيين ما أجازه له لكن قديما وحديثا
شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإجازة قال: ولا
مزية له عند مشايخنا من أهل النظر والتحقيق بخلاف الوجوه
الأول.
قوله فإن كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته جاز مفهومه أنه إذا
لم يكن كذلك لم يجز.
نعم إن ناوله وأجاز له ثم تبين بعد ذلك بخبر ثقة يعتمد عليه أن
ذلك كان
__________
1 هكذا في خط، وفي ش وع: "كان موثوقا".
(1/315)
من سماع الشيخ أو من مروياته فالظاهر الصحة
لأنه يتبين مع ذلك صحة سماع الشيخ لما ناوله وأجازه وزال ما
كنا نخشاه من عدم ثقة المخبر ويمكن دخول هذه الصورة في كلام
الخطيب وهي1 ولو قال: حدث بما في هذا الكتاب عني إلى آخره.
قال الثاني: المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب
كما تقدم ذكره أولا ويقتصر على قوله هذا من حديثي أو من
سماعاتي ولا يقول اروه عني أو أجزت لك روايته عني ونحو ذلك
فهذه مناولة مختلفة2 لا تجوز الرواية بها.
وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين
أجازوها وسوغوا الرواية بها.
وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها وأجازوا
الرواية بها.
وسنذكر إن شاء الله سبحانه وتعالى قول من أجاز الرواية بمجرد
إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان.
وهذا يزيد على ذلك ويترجح بما فيه من المناولة فإنها لا تخلو
من إشعار بالإذن في الرواية. انتهى.
قال النووي في التقريب والتيسير لا تجوز الرواية بها على
الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول.
ومقتضى كلام المصنف جوازها وهو الذي اختاره الإمام في المحصول
فإنه لم يشترط فيه3 لإذن بل ولا المناولة بل إذا أشار الشيخ
إلى كتاب فقال هذا سماعي من فلان كان لمن سمعه أن يرويه عنه
سوآء ناوله له أم لا خلافا لبعض المحدثين وسواء قال: له اروه
عني أم لا واشترط الآمدي الإذن في الرواية.
قال القول في عبارة الراوي بطريق المناولة والإجازة.
حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم أنهم جوزوا إطلاق حدثنا
وأخبرنا في الرواية بالمناولة يحكى4 ذلك عن الزهري ومالك
وغيرهما.
__________
1 كذا.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "مناولة مختلفة". وفي شرح الألفية"
"ص/219": "إجازة مختلفة".
3 كذا.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "حكي".
(1/316)
وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم
أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعا.
وحكي1 أيضا عن قوم مثل ذلك في الرواية بالإجازة.
وكان الحافظ أبو نعيم الأصبهاني2 يطلق أخبرنا فيما يرويه
بالإجازة.
روينا عنه أنه قال: إذا3 قلت حدثنا فهو سماعي وإذا قلت أخبرنا
على الإطلاق فهو إجازة من غير أن أذكر فيه4 إجازة أو كتابة أو
كتب إلي أو أذن لي في الرواية عنه.
وكان أبو عبيد الله المرزباني الأخباري صاحب التصانيف في علم
الخبر يروي أكثر ما في كتبه إجازة من غير سماع ويقول في
الإجازة أخبرنا ولا يبينها وكان ذلك فيما حكاه الخطيب مما عيب
به.
والصحيح والمختار الذي عليه عمل الجمهور وإياه اختار أهل
التحرير5 والورع المنع في ذلك من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما
من العبارات وتخصيص ذلك بعبارة تشعر به بأن يقيد هذه العبارات
فيقول أخبرنا أو حدثنا فلان مناولة وإجازة أو أخبرنا إجازة أو
أخبرنا مناولة أو أخبرنا إذنا أو في إذنه أو فيما أذن لي فيه
أو فيما أطلق لي روايته عنه أو يقول أجاز لي فلان أو أجازني
فلان كذا وكذا أو ناولني فلان وما أشبه ذلك من العبارات.
وخصص قوم الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس أو طرف
منه كعبارة من يقول في الإجازة أخبرنا مشافهة إذا كان قد شافهه
بالإجازة لفظا وكعبارة من يقول أخبرنا فلان كتابة أو فيما كتب
إلي أو في كتابه إذا كان قد أجازه بخطه.
__________
1 من خط وع وفي ش: "ويحكي".
2 في ش وع: "صاحب تالتصانيف الكثيرة في علم الحديث".
3 في ش وع: "قال: أنا إذا".
4 من خط وع؟، وليس في ش.
5 هكذا في خط وفي ش وع: "التحري".
(1/317)
فهذا وإن تعارفه في ذلك طائفة من المحدثين
المتأخرين فلا يخلو عن طرف من التدليس لما فيه من الاشتراك
والاشتباه بما إذا كتب إليه ذلك الحديث بعينه.
وورد عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بقوله خبرنا بالتشديد
والقراءة بقوله أخبرنا واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق
أنبأنا في الإجازة وهو اختيار الوليد بن بكر صاحب الوجازة في
الإجازة.
وقد كان أنبأنا عند القوم فيما تقدم بمنزلة أخبرنا وإلى هذا
نحا الحافظ أبو بكر البيهقي إذ كان يقول أنبأني فلان إجازة
وفيه أيضا رعاية لاصطلاح المتأخرين.
فروينا1 عن الحاكم أبي عبد الله قال2 الذي أختاره وعهدت عليه
أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له
روايته شفاها أنبأني فلان وفيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم
يشافهه بالإجازة كتب إلي فلان وروينا3 عن أبي عمرو بن أبي جعفر
بن حمدان النيسابوري قال: سمعت أبي يقول كل ما قال: البخاري
قال: لي فلان فهو عرض ومناولة.
قلت وورد عن قوم من الرواة التعبير عن الإجازة بقوله4 أخبرنا
فلان أن فلانا حدثه أو أخبره.
وبلغنا ذلك عن الإمام أبي سليمان الخطابي أنه اختاره أو حكاه
وهذا اصطلاح بعيد بعيد5 عن الإشعار بالإجازة وهو فيما إذا سمع
منه الإسناد فحسب وأجاز له ما رواه6 قريب فإن كلمة أن في قوله
أخبرني فلان أن فلانا أخبره فيها إشعار بوجود أصل الإخبار وإن
أجمل المخبر به ولم يذكره
__________
1 كذا في خط وفي ش وع: "وروينا" بالواو بدل الفاء.
2 من خط وفي شو ع: "أنه قال".
3 ضبط خط بفتحات.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "بقول" بلا هاء.
5 وضع الناسخ علامة "صح" علي كل واحدة من الكلمتين.
6 من خط وع و "شرح الألفية" "ص/222"، وفي ش: "وراءه".
(1/318)
تفصيلا.
قلت وكثيرا ما يعبر الرواة المتأخرون عن الإجازة الواقعة في
رواية من فوق الشيخ المسمع بكلمة عن فيقول أحدهم إذا سمع على
شيخ بإجازته1 عن شيخه قرأت على فلان عن فلان وذلك قريب فيما
إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن سماعا فإنه شاك.
وحرف عن مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهم.
ثم اعلم أن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة لا يزول
بإباحة المجيز لذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في
إجازاتهم لمن يجيزون له إن شاء قال: حدثنا وإن شاء قال: أخبرنا
فليعلم ذلك والعلم عند الله تعالى. انتهى.
قوله وحكى أيضا عن قوم مثل ذلك أي فأجازوا إطلاق حدثنا وأخبرنا
في الرواية بالإجازة مطلقا.
قال القاضي عياض وحكي ذلك عن ابن جريج وجماعة من المتقدمين
وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالك وأحمد وذهب إلى جوازه إمام
الحرمين وخالفه غيره من أهل الأصول.
قال القسم الخامس: من أقسام طرق نقل الحديث وتلقيه:
المكاتبة:
وهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئا من حديثه بخطه أو
يكتب له ذلك وهو حاضر.
ويلتحق2 بذلك ما إذا أمر غيره بأن يكتب ذلك عنه إليه.
وهذا القسم ينقسم أيضا إلى نوعين:
أحدهما: أن تتجرد المكاتبة عن الإجازة.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "إجازته".
2 من خط وع، وفي ش: "ويلحق".
(1/319)
والثاني: أن تقترن بالإجازة1 بأن يكتب إليه
ويقول أجزت لك ما كتبته أو ما كتبت به إليك أو نحو ذلك من
عبارات الإجازة.
أما الأول وهو ما إذا اقتصر على المكاتبة فقد أجاز الرواية بها
كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور
والليث بن سعد وقاله غير واحد من الشافعيين وجعلها أبو المظفر
السمعاني منهم أقوى من الإجازة وإليه صار غير واحد من
الأصوليين.
وأبى ذلك قوم آخرون وإليه صار من الشافعيين القاضي الماوردي
قطع به في كتابه الحاوي.
والمذهب الأول هو الصحيح المشهور بين أهل الحديث وكثيرا ما
يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم كتب إلي فلان قال: حدثنا
فلان والمراد به هذا.
وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الموصول وفيها إشعار قوي
بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا فقد تضمنت
الإجازة معنى.
ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب وإن لم تقم
البينة عليه.
ومن الناس من قال: الخط يشبه الخط فلا يجوز الاعتماد على ذلك
وهذا غير مرضي لأن ذلك نادر والظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه
بغيره ولا يقع فيه إلباس.
ثم ذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم منهم الليث بن سعد
ومنصور إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمكاتبة.
والمختار قول من يقول فيها كتب إلي فلان قال: حدثنا وأخبرنا في
الرواية بالمكاتبة والمختار قول من يقول فيها كتب إلى فلان
قال: حدثنا فلان بكذا وكذا.
وهذا هو الصحيح اللائق بمذاهب أهل التحري والنزاهة.
وهكذا لو قال: أخبرني به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من
العبارات.
أما المكاتبة المقرونة بلفظ الإجازة فهي في الصحة والقوة شبيهة
بالمناولة المقرونة بالإجازة. انتهى.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "الإجازة" بدون الباء.
(1/320)
قوله وإليه صار غير واحد من الأصوليين أي
كإمام الحرمين.
وفي الصحيح أحاديث من هذا النوع منها عند مسلم حديث عامر بن
سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن
أخبرني بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتب
إلي: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم
الأسلمي" فذكر الحديث.
وقال البخاري في كتاب الأيمان والنذور كتب إلي محمد بن بشار.
وقال السيف الآمدي لا يرويه إلا بتسليط من الشيخ كقوله فاروه
عني أو أجزت لك روايته.
وذهب ابن القطان إلى انقطاع الرواية بالكتابة قاله عقب حديث
جابر بن سمرة المذكور ورد عليه أبو عبد الله بن المواق.
قال القسم السادس: من أقسام الأخذ ووجوه النقل:
إعلام الراوي:
للطالب بأن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه من فلان أو روايته
مقتصرا على ذلك من غير أن يقول اروه عني أو أذنت لك في روايته
ونحو ذلك.
وهذا1 عند كثيرين طريق مجوز لرواية ذلك عنه ونقله حكي ذلك عن
ابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والأصوليين والظاهريين
وبه قطع أبو نصر بن الصباغ من الشافعيين واختاره ونصره أبو
العباس الوليد بن بكر الغمرى2 المالكي في كتاب الوجازة في
تجويز3 الإجازة.
وحكى القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي صاحب كتاب الفاصل بين
__________
1 من خط، وفي ش وع: "فهذا".
2 في حاشية خط: "ذكر أبو سعد بن السمعاني منسوب إلي بني الغمر
بطن من غافق". ومكان النقط لم يظهر في خط وبعد هذه الحاشية قدر
ثلاث كلمات لم
أتبنيهاى. وراجع: الأنساب للسمعاني "4/309 - الغمري" وكذلك:
"السير"للذهبي رحمه الله تعالي "17/65 - 67".
3 من ش وع، وفي خط: "تحرير".
(1/321)
الراوي والواعي عن بعض أهل الظاهر أنه ذهب
إلى ذلك واحتج له وزاد فقال لو قال: له هذه روايتي لكن لا
تروها عني كان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال:
له لا تروه عني ولا أجيزه لك لم يضره ذلك.
ووجه مذهب هؤلاء اعتبار ذلك بالقراءة على الشيخ فإنه إذا قرأ
عليه شيئا من حديثه وأقر بأنه روايته عن فلان ابن فلان جاز له
أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقل له اروه عني أو
أذنت لك في روايته عني.
والمختار ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا
تجوز الرواية بذلك وبه قطع الشيخ أبو حامد الطوسي من الشافعيين
ولم يذكر غير ذلك.
وهذا لأنه قد يكون ذلك مسموعه وروايته ثم لا يأذن في روايته
عنه لكونه لا يجوز1 روايته لخلل يعرفه فيه ولم يوجد منه التلفظ
به ولا ما يتنزل منزلة تلفظه به وهو تلفظ القارئ عليه وهو يسمع
ويقر به حتى يكون قول الراوي عنه السامع ذلك حدثنا وأخبرنا
صدقا2 وإن لم يأذن له فيه.
وإنما هذا3 كالشاهد إذا ذكر في غير مجلس الحكم شهادته بشئ فليس
لمن سمعه أن يشهد على شهادته إذا لم يأذن له ولم يشهده على
شهادته وذلك مما تساوت فيه الشهادة والرواية لأن المعنى يجمع
بينهما في ذلك وإن افترقتا في غيره.
ثم إنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذا صح إسناده وإن لم يجز
له روايته عنه لأن ذلك يكفي فيه صحته في نفسه.
القسم السابع: من أقسام الأخذ والتحمل:
الوصية بالكتب:
بأن4 يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص فروي عن
بعض السلف أنه جوز بذلك رواية5 الموصى له لذلك عن الموصي
الراوي
__________
1 من ش وع، وفي خط: "تجوز" بمثناة فوقية.
2 من ش وع، وليس في خط.
3 من خط وع وبعض نسخ "المقدمة"، وفي ش "هو".
4 من خططط وفي ش وع: "أن".
5 من ش وع، وفي خط: "برواية".
(1/322)
وهذا بعيد جدا وهو إما زلة عالم أو متأول
على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة التي يأتي شرحها وقد
احتج بعضهم لذلك فشبهه بقسم الإعلام وقسم المناولة1 ولا يصح
ذلك فإن لقول من جوز الرواية بمجرد الإعلام والمناولة مستندا
ذكرناه لا يتقرر مثله ولا يقرب2 منه ههنا. انتهى.
الغمري بالغين المعجمة والمراد بأبي حامد الطوسي الغزالي فإنه
قال: في المستصفى أما إذا اقتصر على قوله هذا مسموعي من فلان
فلا تجوز الرواية عنه لأنه لم يأذن في الرواية فلعله لا يجوز
الرواية لخلل يعرفه فيه وإن سمعه.
وهذا الذي اختاره المصنف وتقدم أن الآمدي اشترط الإذن فيه.
قال النووي والصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم أنه
لا تجوز الرواية به لكن يجب العمل به إن صح سنده وبه قال:
المصنف وحكاه القاضي عياض عن محققي أصحاب الأصول أنهم لا
يختلفون في وجوب العمل به.
وقياس المصنف على الشاهد رده القاضي عياض فقال قياس من قاس
الإذن في الحديث في هذا الوجه وعدمه على الإذن في الشهادة
وعدمه غير صحيح لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإشهاد
والإذن في كل حال إلا إذا سمع أداءها عند الحاكم ففيه اختلاف
والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق فهذا
يكسر عليهم حجتهم بالشهادة في مسألتنا هنا ولا فرق.
وأيضا فالشهادة مفترقة من الرواية في أكثر الوجوه ثم عدد بعضها
ثم حكى الجواز عن أكثر العلماء ثم قال: وما قاله الرامهرمزي من
أنه يجوز وإن نهاه عن الرواية به صحيح لا يقتضي النظر سواه لأن
منعه أن لا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا ريبة في الحديث لا يؤثر
لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه.
قوله فروى عن بعض السلف أنه جوز ذلك أي الوصية بالكتب والرواية
بما فيها.
روى الرامهرمزي من رواية حماد بن زيد عن أيوب قال: قلت لمحمد
بن سيرين:
__________
1 وقع في ش: "بقسم الإعلام وقسم يقسم الإعلام وقسم المناولة"
فليصلح.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "قريب".
(1/323)
إن فلانا أوصى لي بكتبه أفأحدث1 بها عنه
قال: نعم ثم قال: لي بعد ذلك لا آمرك ولا أنهاك.
قال حماد وكان أبو قلابة قال: ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا
وإلا فاحرقوها وعلله القاضي عياض بأن في دفعها له نوعا من
الإذن وشبها من العرض والمناولة قال: وهو قريب من الضرب الذي
قبله.
قال المصنف وهو بعيد جدا إلى آخره ثم قال: النووي إنه غلط
والصواب أنه لا يجوز.
القسم الثامن:
الوجادة وهي مصدر ل: وجد يجد2 مولد غير مسموع عن العرب.
روينا عن المعافي بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن
المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير
سماع ولا إجازه ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد
للتمييز بين المعاني المختلفة يعني قولهم وجد ضالته وجدانا
ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا.
مثال الوجاده أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم
يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه
إجازة ولا نحوها فله أن يقول وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان
أو في كتاب فلان بخطه أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق
سائر الإسناد والمتن أو يقول وجدت أو3 قرأت بخط فلان عن فلان
ويذكر الذي حدثه ومن فوقه.
هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع
والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال بقوله وجدت بخط فلان.
__________
1 في "شرح الألفية": "فأحدث" بدون الهمزة وراجع: "المحدث
الفاصل" "459"، وانظر أيضا: "الكفاية" للخطيب "503 – 504".
2 هكذا في ش وع، وغيرهما، وفي خط: "أوجد يوجد".
3 من ش وع، وفي خط "أ" سقطت الواو.
(1/324)
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال
فيه عن فلان أو قال: فلان وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم
سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس وجازف بعضهم فأطلق فيه
حدثنا وأخبرنا وانتقد ذلك على فاعله.
وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان
أو قال: فلان أنا1 فلان أو ذكر فلان عن فلان وهذا منقطع لم
يأخذ شوبا من الاتصال.
وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه فإن لم يكن كذلك2
فليقل بلغني عن فلان أو وجدت عن فلان أو نحو ذلك من العبارات
أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول ما قاله بعض من تقدم قرأت في3
كتاب فلان بخطه وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب
ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو
في كتاب قيل إنه بخط فلان.
وإذا أراد أن ينقل من كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال: فلان
كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره
بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع الأول وإذا لم يوجد
ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا أو وجدت في
نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات.
وقد تسامح أكثر الناس في هذه الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في
ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين
وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال: فلان كذا
وكذا و4ذكر فلان كذا وكذا والصواب ما قدمناه.
فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع
الإسقاط5 وما أحيل عن جهته إلى6 غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق
__________
1 هكذا في خط، وفي ش وع: "أخبرنا".
2 من ش وع، وفي خط: "ذلك".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "أو"
5 هكذا في خط، وفي ش وع: "الإسقاط والسقط"
6 من ش وع، وفي خط: "من".
(1/325)
اللفظ الجازم فيما يحكيه عن1 ذلك وإلى هذا
فيما أحسب أستروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس
والعلم عند الله تعالى.
وهذا2 كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة.
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض
المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا
يرون العمل بذلك وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز
العمل به.
قلت قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به
عند حصول الثقة به وقال لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين
لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة
فإنه لو توقف العمل فيها3 على الرواية لا نسد باب العمل
بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول.
انتهى.
ذكر المصنف خمسة مصادر مسموعة لوجد باختلاف معانيه وبقي عليه
ثلاثة مصادر أحدها جدة4 في الغضب وفي الغنى أيضا.
والثاني: إجدان بكسر الهمزة في الضآلة وفي المطلوب أيضا حكاها
صاحب المحكم
والثالث: وجد بكسر الواو في الغنى.
وليس معنى من المعاني التي ذكرها مقتصرا على مصدر واحد إلا
الحب فإن مصدره وجد بالفتح لا غير كما قاله ابن سيده وكذلك هو
مصدر وجد بمعنى حزن قاله الجوهري وغيره.
وأما في المطلوب فله مصدران وجود ووجدان حكاهما صاحب المشارق.
__________
1 هكذا في خط، وفي ش وع: "من" بالميم.
2 هكذا في خط وفي شو ع: "هذا" بدون الواوا.
3 من خط وع، وفي ش: "وفيه".
4 من خط و "شرح الألفية" وفي ع: "وجده".
(1/326)
وأما في الضالة فله أجدان أيضا كما تقدم.
وأما بمعنى الغضب فله مصادر موجدة وجده ووجد بالفتح ووجدان.
حكاها ابن سيده.
وأما بمعنى الغني فله أيضا مصادر أربعة وجد مثلث الواو وجده
حكاها الجوهري وابن سيده
وقرئ بالثلاثة قوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
واعترض على المصنف كونه مثل الوجادة بما إذا لم يكن معها إجازة
وليس كذلك فقد استعمل جماعة من المحدثين الوجادة مع الإجازة
كقوله وجدت بخط فلان وأجاز لي ولذلك لم يذكره القاضي عياض في
الإلماع في مثال الوجادة.
وجوابه أن مراد المصنف الكلام على الوجادة الخالية عن الإجازة
هل هي مستند صحيح في الرواية أو العمل أم لا وما رجحه المصنف
من جواز العمل بها هو الصحيح.
قال النووي وهو الصحيح ولا يتجه في هذه الأزمان غيره.
وقال ابن كثير وقد ورد ما يدل على ذلك وفي1 الحديث عن النبي
صلي الله عليه وسلم أنه قال: "أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ "
قالوا الملائكة قال: "وكيف لا يؤمنون عند2 ربهم؟ " وذكروا
الأنبياء قال: "وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم" قالوا فنحن3
قال: "وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم" قالوا فمن يا رسول الله
قال: "قوم يأتون بعدكم4 يجدون صحفا يؤمنون بما فيها".
__________
1 هكذا في خط وراجع: "الباعث" "ص/369 – 371".
2 هكذا في خط وفي الباعث "وهم عند".
3 من خط وفي الباعث "ونحن" بالواو بدل الفاء.
4 من خط وووفي الباعث "من بعدكم.
(1/327)
قال وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح
البخاري فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة
لها.
(1/328)
أبو المعالي الفارسي قال: أنا الحافظ أبو
بكر البيهقي قال: أنا أبو الحسين بن بشران أنا1 أبو عمرو بن
السماك ثنا2 حنبل بن إسحاق ثنا3 سليمان بن أحمد ثنا الوليد4 هو
ابن مسلم قال: كان الأوزاعي يقول كان هذا العلم كريما يتلاقاه
الرجال بينهم فلما دخل في الكتب فيه5 دخل فيه غير أهله.
ثم إنه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته
ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة.
ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف6 الهمة إلى ضبط ما يكتبونه
أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم على الوجه الذي رووه شكلا
ونقطا يؤمن معهما الالتباس وكثيرا ما يتهاون بذلك7 الواثق
بذهنه وتيقظه وذلك وخيم العاقبة فإن الإنسان معرض للنسيان وأول
ناس اول الناس8 وإعجام المكتوب يمنع ممن استعجامه وشكله يمنع
من إشكاله.
ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس وقد
أحسن من قال: إنما يشكل ما يشكل.
وقرأت بخط صاحب كتاب سمات الخط ورقومه علي بن إبراهيم البغدادي
فيه أن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في9 الملتبس.
وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي ان يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك
لأن المبتدىء وغير المتجر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا
يشكل ولا صواب الإعراب من خطئه. انتهى.
حديث "لا تكتبوا عني شيئا" رواه مسلم من حديث أبي سعيد.
__________
1 من خط، وفي ش: "قال: أنا"وفي ع: "أخبرنا".
2 من خط وفي ش: "قال: أنا" وفي ع: "حدثنا".
3 هكذا في خط وفي ش: "قال: أنا" وفي ع: "حدثنا".
4 من خط وفي ش: "قال: أنا" وفي ع: "حدثنا".
5 من خط وع، وفي ش: "فيهم".
6 بضم الفاء هنكذا ضبطهما في خط.
7 من خط وع، وليس في ش.
8 يعني: نبي الله آدم صلي الله عليه وسلم.
9 من خط وع، وليس في ش.
(1/330)
قوله وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي
وابنه إلى آخره أي وكذلك عمر وجابر وابن عباس وابن عمر والحسن
وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه القاضي عياض عن
أكثر الصحابة والتابعين.
قوله ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف ويدل علي1
ما ذكره ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: كنت
أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له:
"أكتب".
وفي البخاري من حديث أبي هريرة قال: "ليس من2 أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن
عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب".
وقد ذكر ابن عبد البر في كتاب بيان آداب العلم أن أبا هريرة
كان يكتب قال: والرواية الأولى أصح.
قوله: يكرهون الإعجام والإعراب روي عن الأوزاعي أنه قال: العجم
نور الكتاب.
قال ابن خلاد هكذا الحديث والصواب الإعجام وهو النقط أن3 يبين
التاء من الياء والحاء من الخاء.
قال والشكل تقييد الإعراب4.
وقال: القاضي عياض النقط والشكل متعين فيما يشكل ويشتبه ثم
قال: والصواب شكل الجميع
وقال ابن خلاد قال: أصحابنا اما النقط فلا بد منه لأنك لا تضبط
الأشياء المشكلة إلا به.
وقد وقع بين العلماء خلاف في مسائل مرتبة على إعراب الحديث
كحديث:
__________
1 في خط: "عليه" والصواب ما أثبت وراجع: "شرح الألفية"
"ص/230".
2 هكذا في خط وفي شرح الألفية "ليس أحد من" وفي صحيح البخاري
"113" "ما بين أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا
عنه مني".
3 هكذا في خط وفي ل و "التدريب" أي بالياء.
4 هكذا في شرح الألفية والتدريب وفي خط: "يقيه الإعراب".
(1/331)
ذكاة الجنين ذكاة أمه فاستدل به الجمهور
كالشافعية والمالكية وغيرهم على أنه لا تجب ذكاة الجنين بناء
على أن قوله ذكاة امه مرفوع وهو المشهور في الرواية ورجح
الحنفية الفتح على التشبيه أي يذكى مثل ذكاة أمه ونحو ذلك من
الأحاديث التي ترتب الاحتجاج بها على الإعراب.
قال وهذا بيان أمور مفيدة في ذلك:
قال أحدها ينبغي أن يكون اعتناؤه من بين ما يلتبس بضبط الملتبس
من أسماء الناس أكثر فغنها لا تستدرك بالمعنى ولا يستدل عليها
بما قبل وبعد.
والثاني: يستحب في الألفاظ المشكلة ان يكرر ضبطها بأن يضبطها
في متن الكتاب ثم كتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن
ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها وما ضبطه في أثناء
الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه وتحته لا سيما عند
دقة الخط وضيق الأسطر وبهذا جرى رسم جماعة من أهل الضبط.
الثالث: يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه.
روينا عن حنبل بن إسحاق قال: رآني احمد بن حنبل وانا أكتب خطا
دقيقا فقال لا تفعل أحوج ما تكون إليه يخونك وبلغنا عن بعض
المشايخ أنه كان إذا راى خطا دقيقا قال: هذا خط من لا يوقن
بالخلف من الله
والعذر في ذلك هو مثل أن لا يجد في الورق سعة أو يكون رحالا
يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا.
الرابع: يختار له في خطه التحقيق دون المشق والتعليق.
بلغنا عن ابن قتيبة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه شر
الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة واجود الخط أبينه.
الخامس: كما تضبط1 الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط
المهملات غير المعجمة بعلامة الإهمال ليدل2 على عدم إعجامها.
وسبيل الناس في ضبطها مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط
الذي
__________
1 هكذا في خط وفي ش وع: "تضبط".
1 هكذا في خط وفي ش وع: "تضبط
2هكذا في خط، وفي ش وع: "لتدل بالمثناة الفوقية".
(1/332)
فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات
فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات وذكر
بعض هؤلاء أن النقط التي تحت السين المهملة تكون مبسوطة صفا
والتي فوق الشين1 تكون كالأثافي
ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة
الظفر مضجعة على قفاها.
ومنهم من يجعل تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغيرة وكذا تحت
الدال والطاء والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة
الملتبسة مثل ذلك.
فهذه وجوه من علامات الإهمال شائعة معروفة وهناك من العلامات
ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون
كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا وكعلامة من يجعل
تحت الحرف المهمل مثل الهمزة.
السادس: لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابة بما لا يفهمه2
غيره فيوقع غيره في حيرة كفعل من يجمع في كتابه بين روايات
مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه او حرفين وما
أشبه ذلك.
فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا
بأس.
ومع ذلك فالأولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رواية اسم راويها
بكماله مختصرا ولا يقتصر على العلامة ببعضه.
السابع: ينبغي ان يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز.
وممن بلغنا عنه ذلك من الأئمة أبو الزناد واحمد بن حنبل
وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري.
واستحب الخطيب ان تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ
من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا.
قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك
أو في معناه. انتهى.
ذكر أبو بكر الغساني ان عبد الله بن إدريس قال: لما حدثني شعبة
بحديث
__________
1 من خط وفي ش: "السين المعجمة" ووقع في ع: "السين المعجمة"
كذا بدون النقط.
2 من ش وعت، وفي خط: "يفهم به".
(1/333)
أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي كتبت
تحته حورعين لئلا اغلط يعني فيقرأه أبو الجوزاء بالجيم
والزاي1.
ولم يتعرض القاضي عياض ولا المصنف لتقطيع حروف الكلمة التي
تكتب في هامش الكتاب وقد فعله غير واحد من أهل الضبط وفائدته
أنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا في بعض الحروف كالنون والياء
المثناة تحت بخلاف ما إذا كتبت الكلمة كلها والحرف المذكور في
أولها او وسطها.
قال ابن دقيق العيد ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح
المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا.
والمشق سرعة الكتابة قاله الجوهري.
قال والهذرمة بالذال المعجمة السرعة في القراءة.
واعترض على المصنف في قوله فمنهم من يقلب النقط فيجعل ما فوق
المعجم تحت المهمل فينقط تحت الراء والصاد ونحوهما بان الحاء
لا يجعل تحتها نقطة لئلا يلبس بالجيم ولم يستثنه المصنف تبعا
للقاضي عياض ولا بد من استثنائه.
قال عياض وعمل بعض أهل المشرق والأندلس أن يجعلوا تحت الحرف
المهمل حرفا يشبهه.
قوله ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق المهمل خطا صغيرا
كما اتفق لبعض المحدثين أنه قرأ رضوان بفتح الراء ووهم في ذلك
وإنما الفتحة علامة الإهمال كما هو موجود في بعض الكتب القديمة
لكن ذكر القاضي عياض عن بعض اهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف
المهمل بخط صغير يشبه النبرة.
والنبرة الهمزة قاله2 الجوهري وابن سيده.
ومقتضى كلام المصنف كالنصبة لا الهمزة.
__________
1 الحديث المشار إليه هو حديث الحسن بن علي الطويل في "دعاء
الوتر" وغير 1لك وقد ورد "أبو الحوراء" في كثير من مصادر
الحديث بالجيم والزاي
والصواب بالحاء والراء المهملتين وراجع له كتابي: "دعاء الوتر"
"ط: الإيمان/ المنصورة".
2 في خط: "قال" والصواب: "قاله" بالهاء، وراجع: "شرح الألفية"
"ص/235".
(1/334)
فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك
العلامات أي كما فعل اليونيني في نسخته من صحيح البخاري فإنه
بين مراده بتلك العلامات فلا بأس بذلك.
قوله ويجعل بين كل حديثين دارة قال: ابن كثير كذا رأيته بخط
أحمد رضي الله عنه1.
الثامن: يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد
في آخر سطر والباقي في أول السطر الآخر.
وكذلك يكره في عبد الرحمن بن فلان وفي سائر الأسماء المشتملة
على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر واسم الله مع
سائر النسب في أول السطر الآخر.
وهكذا يكره أن يكتب قال: رسول في آخر سطر ويكتب في أول السطر
الذي يليه الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما أشبه ذلك.
انتهى.
مقتضى كلامه: أن الكراهة للتنزيه والذي ذكره الخطيب في كتاب
الجامع امتناع ذلك فإنه روى فيه عن أبي عبد الله بن بطة أنه
قال: هذا كله غلط قبيح فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله
ويتحفظ منه.
قال الخطيب وهذا الذي ذكره أبو عبد الله صحيح فيجب اجتنابه.
فتحمل الكراهة في قول المصنف على التحريم لكن قال: ابن دقيق
العيد في الاقتراح إن ذلك من باب الأدب لا الوجوب.
ولا يختص ذلك بأسماء الله تعالى بل أسماء النبي صلى الله عليه
وسلم وأسماء الصحابة يأتي فيها مثل ذلك.
مثاله لو قيل سآب النبي صلى الله عليه وسلم كافر أو قاتل ابن
صفية في النار يريد الزبير بن العوام ونحو ذلك فلا يجوز أن
يكتب ساب أو قاتل في سطر وما بعد ذلك في سطر آخر.
وينبغي أن يجتنب أيضا ما يستبشع ولو وقع ذلك في غير المضاف
إليه كقوله
__________
1 هكذا في خط وفي الباعث "2/386 – ط: العاصمة": "قد رأيته في
خط الإمام أحمد بن حنيل رحمه الله تعالي".
(1/335)
في شارب الخمر الذي أتي به النبي صلى الله
عليه وسلم وهو ثمل فقال عمر: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به.
فلا ينبغي ان يكتب فقال في آخر سطر وعمر وما بعده في أول السطر
الذي يليه أما إذا1 لم يكن في شيء من ذلك بعد اسم الله تعالى
أو اسم نبيه او اسم صحابي ما ينافيه بأن يكون الاسم في آخر
الكتاب أو آخر الحديث ونحو ذلك أو يكون بعده شيء ملائم له غير
مناف له فلا بأس بالفصل نحو قوله في آخر البخاري سبحان الله
العظيم فإنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه كان أول السطر
الله العظيم ولا منافاة في ذلك ومع هذا فجمعهما في سطر واحد
أولى.
قال التاسع: ينبغي له2 أن يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم3 على
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك
عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث
وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما.
وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة4 وما يكتبه من ذلك فهو دعاء
يثبته5 لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية6 ولا يقتصر
فيه على ما في الأصل.
__________
1 من ل، وفي خط: "إذا".
2 من خط وع، وليس في ش.
3 هكذا في خط وش وع، وهكذا ورد "التسليم" في "التقريب" للنووي
مع "التدريب" للسيوطي "2/74" وقال السيوطي في الألفية"
"ص/132":
" وأكتب ثناء الله والتسليما
مع الصلاة "والرضي" تعظيما"
فذكر التسليم مع الصلاة ثابت ومع ذلك أثبت محقق الباعث "في متن
كتاب ابن كثير رحمه الله" "2/386 – ط: دار العاصمة":
"....والصلاة علي رسوله ... "
وقال في الحاشية: "زاد في المطبوع: "والسلام"! – كذا؛ والله
المستعان.
4 ورد المر بالصلاة والسلام علي النبي صلي الله عليه وسلم في
كتاب الله تعالي في قوله تعالي: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّواعَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . فالإحتجاج بذلك
أولي من "المنامات".كما لا يخفي وأولي الأماكن بالصلاة
والتسليم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم عند ذكره وسماع
اسمه صلي الله عليه وسلم وقد ورد في ذلك حديث لا يصح راجعه
وتخريجه في "فضائل شهر رمضان" لأبي حفص بن شاهين رحمه الله
"رقم/ 1 – 9/ ط: دار الصحابة – طنطا"، وقد صححه بعضهم وحسنه
غيره وفي ذلك نظر ليس هذا محله والله الموفق.
5 من ش وع، وفي خط: "يثبته".
6 من ش وع، وفي خط: "الرواية" بدون الباء.
(1/336)
وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه ذكر
اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك.
وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرواية1 كانت العناية بإثباته
وضبطه أكثر.
وما2 وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من
إغفال ذلك عند ذكر3 النبي صلى الله عليه وسلم فلعل سببه أنه
كان يرى التقيد4 في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك في
جميع من فوقه من الرواة قال: الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقا لا خطا قال: وقد خالفه
غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك.
وروى عن علي بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا: ما
تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حديث
سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه.
ثم ليتجنب في إثباتها نقصين أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة
رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني: ان يكتبها منقوصة معنى
بان لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين.
سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم وأم المؤيد بنت أبي
القاسم بقراءتي عليهما قالا سمعنا أبا البركات عبد الله بن
محمد الفراوي لفظا قال: سمعت المقرىء ظريف بن محمد يقول سمعت
عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: سمعت أبي يقول سمعت
حمزة الكناني يقول كنت أكتب الحديث وكنت اكتب عند ذكر النبي
صلى الله عليه5 ولا اكتب6: وسلم فرايت النبي صلى الله عليه
وسلم في المنام فقال لي ما لك لا تتم الصلاة علي قال: فما كتبت
بعد ذلك: صلى الله عليه إلا كتبت وسلم.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "للرواية" بلامين.
2 من ش وع، وفي خط: "ومما" بميمين.
3 هكذا في خط، وفي ش وع: "وذكر اسم النبي".
4 من ش وع، وفي خط ول: "التقييد".
5 من ش وع، وفي خط "عليه وسلم".
6 تكررت في خط.
(1/337)
وقع في الأصل في شيخ المقرىء ظريف عبد الله
وإنما هو عبيد الله بالتصغير ومحمد بن إسحاق أبوه هو ابو عبد
الله بن منده فقوله الحافظ إذن مجرور1.
قلت ويكره أيضا الاقتصار على قوله عليه السلام.
قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "أولى الناس أكثرهم صلاة
علي2" أنهم أهل الحديث وذلك لكثرة ما يتكرر ذكره في الرواية
فيصلون عليه.
وقياس ذلك من يكثر من ذكر الرب جل جلاله في التصانيف التي يكثر
فيها ذكر الله تعالى.
ولا تظن باحمد رضي الله عنه أنه كان يفعل ذلك بلا عذر مع أن في
كلام ابن دقيق العيد في الاقتراح ميلا إلى ذلك قال: فيه والذي
نميل إليه أن نتبع الأصول والروايات فإذا ذكر الصلاة لفظا من
غير أن يكون في الأصل فينبغي أن يصحبها قرينة تدل على ذلك من
كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب وينوي بقلبه أنه هو المصلي
لا حاكيا عن غيره.
قال النووي وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر
الأخيار ولذلك يكره ان يكتب: "صلعم وصلعم3" مكان الصلاة
والتسليم.
قال العاشر: على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه
الذي يرويه عنه وإن كان إجازة.
روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنه4 أنه قال: لابنه هشام
كتبت قال: نعم قال: عارضت كتابك قال: لا قال: لم تكتب.
وروينا عن الشافعي وعن يحيى بن أبي كثير قالا من كتب ولم يعارض
كمن دخل الخلاء ولم يستنج.
وعن الأخفش قال: إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ ولم يعارض
__________
1 من خط وع، وراجع: "ش".
2 كذا في خط، ومتن الحديث في شرح الألفية "إن أولي الناس بي
أكثرهم علي صلاة".
3 كتب الناسخ علي الثانية منهما "صح".
4 كذا في خط، وفي ش وع: "عنهما" بالتثنية، وعروة: تابعي.
(1/338)
خرج أعجميا.
ثم إن أفضل المعارضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ
مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه
الاحتياط والإتقان من الجانبين وما لم يجتمع فيه هذه الأوصاف
نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها.
وما ذكرناه أولى1 من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي
قوله أصدق المعارضة مع نفسك.
ويستحب أنه ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه
نسخة لا سيما إذا أراد النقل2 منها
وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب
والمحدث يقرأ هل يجوز ان يحدث بذلك عنه فقال أما عندي فلا يجوز
ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم3.
قلت وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية وسيأتي ذكر مذهبهم
إن شاء الله تعالى.
والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر في
الكتاب أصلا4 حالة القراءة وأنه لا يشترط ان يقابله بنفسه بل
يكفيه مقابلته نسخته5 بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة
وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه.
قلت وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة
بأصل شيخه أصل السماع وكذلك إذا قابل بأصل أصل6 الشيخ المقابل
به أصل الشيخ لأن الغرض الطلوب ان يكون كتاب الطالب مطابقا
لأصل سماعه وكتاب شيخه
__________
1 من ش وع، وفي خط: "أولا".
2 هكذا في ش وع وفي خط: "االنظر"، وراجع "الكفاية" "ص/ 351".
3 من ش وع و "الكفاية" "ص/351" وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "ينظر أصلا في الكتاب".
5 هكذا في خط وفي ش وع: "مقابلة نسخته".
6 وضع الناسخ علي الثانية منهما: "صح".
(1/339)
فسواء حصل1 ذلك بواسطة أو بغير واسطة.
ولا يجزىء ذلك عند من قال: لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا
يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة وليقابل نسخته
بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها
له.
وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب اهل التشديد المرفوضة في
أعصارنا.
اما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا2 فقد سئل الأستاذ أبو
إسحاق الإسفراييني3 عن جواز روايته منه فأجاز ذلك.
واجازه الخطيب أبو بكر أيضا وبين شرطه فذكر أنه يشترط أن يكون
نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وحكى
عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل
أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله4 فقال نعم ولكن لا
بد أن يبين أنه لم يعارض.
قال5 وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا احاديث كثيرة
قال: فيها أخبرنا فلان ولم أعارض6 بالأصل
قلت ولا بد من شرط ثالث وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير
سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط.
ثم إنه ينبغي أن يراعى في كتاب شيخة بالنسبة إلى من فوقه مثل
ما ذكرنا أنه يراعيه من كتابه ولا يكون7 كطائفة من الطلبة إذا
رأوا سماع شيخ لكتاب قرءوه عليه من أي نسخة اتفقت. انتهى.
__________
1 من ش وع وفي خط: "فيتواصل".
2 من خط وع وليس في ش.
3 هكذا في خط "الإسفراييني" ورسمت في ش وع: "الإسفرائيني" وفي
ش: "الأ....". هي نسبة إلي إسفرايين ضبطها السمعاني "بكسر
الألف وسكون المهملة وفتح الفاء والراء وكسر الياء المنقوطة
باثنتين من تحتها كما في الأنساب "1/143".
4 من ش وهـ و"الكفاية" "ص/353" وفي خط: "أصله" بدون الباء.
5 يعني الخطيب في الكفاية "ص/ 353".
6 هكذا في خط وش وع وفي الكفاية"يعارض".
7 من خط وع وفي ش "ولا يكون منه".
(1/340)
اعترض على قوله وروينا عن الشافعي ويحيى بن
أبي كثير والمعروف في جميع الكتب إنما هو الأوزاعي كذا رواه
ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم من رواية بقية عن
الأوزاعي ومن طريق ابن عبد البر رواه القاضي عياض في الإلماع
بإسناده ومنه ياخذ المصنف كثيرا.
وكأنه سبق قلم1 من الأوزاعي إلى الشافعي أو غلط من الناسخ.
وأما قول يحيى بن ابي كثير فرواه ابن عبد البر أيضا والخطيب في
الكفاية وفي كتاب الجامع من رواية أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي
كثير.
وقال القاضي عياض مقابلة النسخة بأصل السماع متعينة لا بد منها
ثم قال: ولا يحل للمسلم التقي الرواية مما لم يقابل بأصل شيخه
أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع
الثقة المأمون على ما ينظر فيه فإذا جاء حرف مشكل نظر معه حتى
يحققوا ذلك.
قال الحادي عشر: المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي
ويسمى اللحق بفتح الحاء وهو2 ان يخط من موضع3 سقوطه من السطر
خطا صاعدا إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة
الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدأ في الحاشية بكتبة اللحق
مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين وإن كانت
تلي وسط الورقة إن اتسعت له وليكتبه4 صاعدا إلى أعلى الورقة لا
نازلا به إلى أسفل.
قلت وإذا كان اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتدىء بسطوره من أسفل
إلى أعلى بل يبتدىء بها5 من أعلى إلى أسفل بحيث يكون منتهاها
إلى جهة باطن6 الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين وإذا كان
في جهة الشمال
__________
1 هكذا في خط وفي ع: "قلمه" بالهاء؟.
2 من خط، وليس في ش وع.
3 من خط وع، وفي ش: "موضوع".
4 من خط وع، وفي ش: "فليكتبه" بالفاء بدل الواو وراجع حاشية
"المقدمة" "ص/378".
5 من ش، وفي ع: "بل و ... " وفي خط: "بل يبتدئها".
6 من ش وع وفي خط: "باطن جهة".
(1/341)
وقع منتهاها إلى جهة طرف الورقة.
ثم يكتب عند انتهاء اللحق صح ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من
يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع
التخريج ليؤذن باتصال الكلام وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من
أهل المغرب واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل
بين الراوي والواعي من أهل المشرق مع طائفة.
وليس ذلك بمرضي إذ رب كلمة تجيء في الكلام مكررة حقيقة فهذا
التكرير يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه.
واختار القاضي ابن خلاد ايضا في كتابه أن يمد عطفة خط التخريج
من موضعه حتى يلحقه بأول اللحق بالحاشية.
وهذا أيضا غير مرضي فإنه وإن كان فيه زيادة بيان فهو تسخيم
للكتاب وتسويد له لا سيما عند كثرة الإلحاقات.
وإنما اخترنا كتبة اللحق صاعدا إلى اعلى الورقة لئلا يخرج بعده
نقص آخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له لو كان كتب
الأول نازلا إلى أسفل.
وإذا كتب الأول صاعدا فما يجده1 بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله
من الحاشية فارغا له.
وقلنا أيضا يخرجه في جهة اليمين لأنه لو أخرجه2 إلى جهة الشمال
فربما ظهر بعده في السطر نفسه نقص آخر فإن خرجه قدامه إلى جهة
الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال وإن خرج الثاني: إلى جهة
اليمين التقت عطفة تخريج جهة الشمال وعطفة تخريج جهة اليمين أو
تقابلتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج الأول
إلى جهة اليمين فإنه حينئذ يخرج الثاني: إلى جهة الشمال فلا
يلتقيان ولا يلزم إشكال اللهم إلا أن يتأخر النقص إلى آخر
السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال لقربه منها
ولانتفاء العلة المذكورة من حيث أنا لا نخشى ظهور نقص بعده.
__________
1 هكذا في خط وفي ش وع: "يجد" بدون الهاء.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "أخرجه".
(1/342)
وإذا كان النقص في أول السطر تأكد تخريجه
إلى جهة اليمين لما ذكرناه من القرب مع ما سبق.
وأما ما يخرج في الحواشي من شرح او تنبيه على غلط أو اختلاف
رواية أو نسخة او نحو ذلك مما ليس من الأصل فقد ذهب القاضي
عياض رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا يدخل اللبس
ويحسب من الأصل وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما
جعل على الحرف المقصود بذلك التخريج علامة كالضبة أو التصحيح
إيذانا به.
قلت التخريج أولى وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع الإلباس ثم
هذا التخريج يخالف التخريج لما هو من نفس الأصل في أن خط ذلك
التخريج يقع بين الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط وخط هذا
التخريج يقع على نفس الكلمة التي من أجلها خرج المخرج في
الحاشية. انتهى.
أهل الحديث والكتابة يسمون ما سقط من أصل الكتاب وألحق
بالحاشية أو بين السطور لحقا بفتح اللام والحاء المهملة.
قال الجوهري واللحق بالتحريك شيء يلحق بالأول واللحق أيضا من
الثمر الذي يأتي بعد الأول.
وقال صاحب المحكم اللحق كل شيء لحق شيئا أو ألحق به من الحيوان
والنبات وحمل النخل.
وقيل اللحق مأخوذ من الزيادة.
وقال صاحب المحكم واللحق الشيء الزائد.
ومنهم من سكن الحاء كما وقع في شعر لأحمد بن حنبل رضي الله عنه
أنشده الشريف أبو علي محمد بن احمد بن أبي موسى الهاشمي:
من طلب العلم والحديث فلا
... يضجر من خمسة يقاسيها
دراهم للعلوم يجمعها
... وعند نشر الحديث يفنيها
يضجره الضرب في دفاتره ... وكثرة اللحق في حواشيها
(1/343)
يغسل أثوابه وبزته ... من أثر الحبر ليس
ينقيها
والظاهر أنه خفف حركة الحاء لضرورة الشعر.
ولا يكتب ما سقط بين السطور لأنه يضيقها ويغلسها1 ولا سيما إذا
كانت السطور ضيقة متلاصقة بل الأولى أن يكتب في الحاشية فإن
كان ما يقابله من الحاشية غير خال لا يمكن كتابة اللحق فيه
وكتبه في موضع آخر فيتعين جر الخط إلى اول اللحق أو يكتب قبالة
موضع السقط يتلوه كذا وكذا في الموضع الفلاني ونحو ذلك ليزول
الإلباس2 كما فعله غير واحد ممن يعتمد عليه فيصل الخط باللحق
إذا بعد عن موضع مقابله.
قال الثاني عشر: من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح
والتضبيب والتمريض اما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو
عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك
أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل3 عنه وأنه قد ضبط
وصح على ذلك الوجه.
وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك
من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل
أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذا عند أهله يأباه
أكثرهم أو مصحفا أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه
ذلك فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة
المعلم عليها كيلا يظن ضربا وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون
حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها
وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح
وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله
وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه
ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر
له بعد ذلك في
__________
1 هكذا صوبتها وفي خط: "ويغسلها" وفي شرح الألفية "ويغسل
مايقرأ" يريد: عدم وضوحه.
2 هكذا صوبتها في خط وفي "شرحالألفية": "لزوال اللبس".
3 ضبط خط.
(1/344)
صحته ما لم يظهر له الآن.
ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا1 لما وقع فيه غير
واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه
والفساد فيما أصلحوه.
وأما تسمية ذلك ضبة فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد
اللغوي المعروف بابن الإفليلي2 أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها لا
يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها.
قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل
على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب
الاستعارات.
ومن مواضع التضبيب ان يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع فمن
عادتهم تضبيب موضع الإرسال والانقطاع وذلك من قبيل ما سبق ذكره
من التضبيب على الكلام الناقص.
__________
1 من ش وع‘ وفي خط: "تعرضا".
2 في حاشية خط: "الإفليلي هذا بالفاء وكسر الهمزة ومن أهل
الندلس كان صدرا بها في علم الأ>ب من أصحاب الزبيدي" اهـ وقال
ابن خلكان في الوفيات "1/51" "14": "والإفليلي – بكسر الهمزة
وسكون الفاء وكسر اللام وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها
لام ثانية – هذه النسبة إلي الإفليل وهي قرية بالشام كان أصله
منها" اهـ.
وهكذا جاءت هذه النسبة – بالكسر – في معجم المؤلفين لكحالة
"1/94ط‘ وغيره.
لكن ضبطها ياقوت في معجم البلدان "1/332" بالفتح فقال:
"أفليلاء – بفتح الهمزة قال ابن بشكوال قرية من قري الشام ينسب
إليها أبو القاسم إبراهيم بن محمد
الأديب الفاضل الأندلسي.."
ترجمة الحميدي في "جذوة المقتبس" "ص/151 – 152" "262"، وابن
بشكوال في "الصلة" "1/93" "206" وياقوت في معجم الدباء "2/4"
وغيرهم.
قال ابن بشكوال: "قال الطبني: أخبرني أن إفليلا قرية من قري
الشام كأن هذا النسب إليها" اهـ.
وأرخ وفاته ابن بشكوال وابن العماد في "الشذرات" "3/266"
وغيرهما في سنة "إحدي وأربعين وأربعمائة".
وقد تحرف في "ع" إلي "ابن الإقليلي" بالقاف – كذا في "المتن" و
"التقييد" وفي "ل": "ابن الأفليلي" بالفاء وفتح الهمزة
ساق الحميدي في الجذوة بإسناده إلي ابن الإفليلي قال: "كان
شيوخا من أهل الأدب يتعالمون أن الحرف ==
(1/345)
ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في
الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضا1 على بعض
علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها
ضبة وليست بضبة وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا
للعطف خوفا من أن تجعل عن مكان الواو.
ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة
التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان. انتهى.
اعترض على قوله قلت ولأنها لما كانت أي الضبة من حيث أن ضبة
القدح وضعت جبرا للكسر والضبة على المكتوب ليست جابرة وإنما
جعلت علامة على المكان المغلق وجهه المستبهم أمره فهي لضبة
الباب أشبه كما قاله الإفليلي لا بما قاله المصنف.
ورد بأن المصنف ما منع مقالة الإفليلي بل جوزها وجوز وجها آخر
له وجه من الاستعارة وغير بعيد لمن تأمله منصفا.
__________
= إذا كتب عليه "صح1" "بصاد وحاء" "أن2" ذلك علامة لصقة الحرف
لئلا يتوهم متوهم عليه خللا "ولا3" نقصا فوضع حرف كامل علي حرف
صحيح
ممدودةدون حاء؛ كان علامة أن الحرف سقيم إذ وضع عليه حرف غير
تام ليدل نقص الحرف علي إختلال الحرف ويسمي ذلك الحرف أيضا:
"ضبة" أي: إن الحرف مقفل بها "لا4" يتجه لقراءة كما أن "الضبة
مقفل بها" انتهي. ونقل يلقوت هذا الكلام في معجم الأدباء "2/5
– 6" ثم قال: "وهذا كلام علي طلاوة من غبر فائدة تامة وإنما
قصدوا بكتبهم علي الحرف "صح" أنه كان شاكا في صحة اللفظة فلما
صحت له بالبحث خشي أن يعاود الشك فكتب عليها "صح" ليزول شكه
فيما بعدويعلم هو أنه لم يكتب عليها "صح" إلا وقد غنقضي
اجتهاده في تصحيحها وأما الضبة التي صورتها "ص" فإنما هو نصف
"صح" كتبه علي شئ فيه شك ليبحث عنه فيما يستأنفه فإذا صحت له
أتمها بحاد فيصير "صح" ولو علم عليها بغير هذه العلامة لتكلف
الكشط وإعادة كتبه "صح" مكانها. انتهي.
1 هكذا في خط وفي ش وع: "بعضها".
__________
1 من معجم الأدباء وفي الجذوة بصح
2 في المعجم: "كان".
3 في "المعجم": "أو".
4 في "المعجم": "لم".
(1/346)
واعلم أن الإفليلي حكى ما حكاه المصنف عن
شيوخه من أهل الأدب وحكاه عنه القاضي عياض في الإلماع عن شيوخه
من أهل المغرب بدل أهل الأدب.
قال الثالث عشر إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفى عنه
بالضرب أو الحك أو المحو أو غير ذلك والضرب خير من الحك
والمحو.
روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال1 قال: أصحابنا
الحك تهمة وأخبرني2 من أخبر3 عن القاضي عياض قال: سمعت شيخنا
أبا بحر سفيان بن العاصي الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنه كان
يقول كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر
شيء لأن ما يبشر منه4 ربما يصح في رواية أخرى وقد يسمع الكتاب
مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في
رواية الآخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشر وهو إذا خط عليه من
رواية الأول وصح عند الآخر اكتفى بعلامة الآخر عليه بصحته.
ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب فروينا عن أبي محمد بن خلاد
قال: أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا
جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه.
وروينا عن القاضي عياض ما معناه أن اختيارات الضابطين اختلفت
في الضرب فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا
بالكلمات المضروب عليها ويسمى ذلك الشق أيضا.
ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكنه يعطف طرفي الخط على أول5
المضروب عليه وآخره.
ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول
الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره.
__________
1 وضع الناسخ عليها: "صح".
2 من ش وع، وفي خط: "فأخبرني بالفاء ووقع في شرح اللفية": "وقد
أنبئت عمن أنبأني" كذا.
3 ضبط خط.
4 هكذا في خط وع، وفي ش: "فيه".
5 من ش وع، وليس في خط.
(1/347)
وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك
في أول كل سطر منه وآخره وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام
وآخره أجمع.
ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق ويكتفي بدائرة صغيرة أول
الزيادة وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب.
وربما كتب بعضهم عليه لا1 في أوله وإلى في آخره.
ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في رواية أخرى.
وأما الضرب على الحرف المكرر فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو
محمد ابن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على تقدمه2.
فروينا عنه قال3 قال: بعض أصحابنا أولاهما بأن يبطل الثاني:
لأن الأول كتب على صواب والثاني: كتب على الخطأ فالخطأ أولى
بالإبطال وقال آخرون إنما الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين
بالإبقاء أدلهما عليه وأجودهما صورة وجاء القاضي عياض آخرا
ففصل تفصيلا حسنا فرأى أن تكرار الحرف إن كان أول4 سطر فليضرب
على الثاني: صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه وإن كان في
آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر فإن سلامة أوائل
السطور وأواخرها عن ذلك أولى فإن اتفق أحدهما في آخر سطر5
والآخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر فإن أول
السطر أولى بالمراعاة فإن كان التكرار6 في المضاف أو المضاف
إليه أو في الصفة أو الموصوف او نحو ذلك لم نراع حينئذ أول
السطر وآخره بل نراعي
__________
1 أو: "من".
2 من ش وع، وفي خط: "مقدمته".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش: "إن تكرر الحرف إن كان في أول" ومثله في ع
غير أن فيه "أن" بفتح الهمزة.
5 من خط وع، وفي ش: "السطر".
6 من خط وفي ش وع: "التكرر" وضبط في ش بتشديد الراء مع الضم.
(1/348)
الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما
في الخط فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب1 على الحرف المتطرف من
المتكرر دون المتوسط.
وأما المحو فيقارب الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع طرقه
ومن أغربها2 مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي
الإمام المالكي أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه.
وإلى هذا يومئ ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه
كان يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد. انتهى.
لما تقدم إلحاق الساقط ناسب أن يعقبه بإبطال الزائد.
ويبطله إما بالكشط وهو الحك وإما بالمحو بأن تكون الكتابة في
لوح أو رق أو ورق صقيل جدا في حال رطوبة المكتوب كما روى من
لعق سحنون لذلك
وفي كيفية الضرب خمسة أقوال الأكثرون على مد الخط إلى آخره3.
قال يسمى الشق أي بفتح الشين وتشديد القاف وهذا لا يعرفه أهل
المشرق بل أهل المغرب ولم يذكره الخطيب في الجامع ولا في
الكفاية بل ذكره القاضي عياض في الإلماع ومنه أخذ4 المصنف وهو
مأخوذ من الشق وهو الصدع أو من شق العصا وهو التفريق وكأنه فرق
بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وبعدها5 من الصحيح الثابت
بالضرب عليها.
ويوجد في بعض النسخ6 النشق بزيادة نون مفتوحة في أوله وسكون
الشين فإن لم يكن تصحيفا وتغييرا من النساخ فيكون مأخوذا من
نشق الطير7 في حبالته إذا علق فيها وكأنه إبطال لحركة الكلمة
وإهمالها يجعلها
__________
1 من ش وع، وفي خط: "يضرب" بمثناة من تحت.
2 من ش وع، وفي خط: "أضربها" بالضاد المعجمة.
3 لم يكمل الأقوال الخمسة وهي في "شرح الألفية".
4 هكذا في خط وفي ع: أخذه بالهاء.
5 هكذا في خط وع.
6 يعني نسخ "علوم الحديث" كما في "التقييد"
7 هكذا في خط: "الطير" وفي ع: "الظبي".
(1/349)
في صورة وثاق يمنعها من التصرف.
قال الرابع: عشر ليكن فيما تختلف فيه الروايات1 قائما بضبط ما
تختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد
عليه أمرها وسبيله أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة ثم
ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها او من نقص أعلم عليه أو
من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها معينا في كل ذلك2
من رواه ذاكرا اسمه بتمامه فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما
قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره كيلا
يطول عهده به فينسى أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في
حيرة وعمى وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات
المختلفة.
واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرواية الملحقة بالحمرة فعل
ذلك أبو ذر الهروي من المشارقة وأبو الحسن القابسي من المغاربة
مع كثير من المشايخ وأهل التقييد فإذا كانت في الرواية الملحقة
زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة وإن كان فيها نقص
والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة ثم
على فاعل ذلك تبيين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول
الكتاب أو آخره على ما سبق. انتهى.
أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين أو أكثر ويقع الاختلاف في
بعضها فينبغي لمن أراد الجمع بين الروايات في كتاب واحد ان
يميز بينها فيبني الكتاب على رواية واحدة ويميز الأخرى بأن
يكتبها على الحاشية ويكتب اسم راويها او غير ذلك مما ذكره.
قال القاضي عياض ولا يتساهل في ذلك ولا يهمله.
قال الخامس عشر: غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في
قولهم حدثنا وأخبرنا غير أنه شاع ذلك وظهر حتى كاد3 لا يكاد
يلتبس.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "يختلف فيه الراويان".
2 من خط وع، وفي ش: "ذلك كل".
3 كذا في خط، وليس في ش وع.
(1/350)
أما حدثنا فيكتب منها شطرها الأخير وهو
الثاء والنون والألف وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون
والألف.
وأما اخبرنا فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولا وليس
بحسن1 ما تفعله طائفة من كتابة أخبرنا بألف مع علامة حدثنا
المذكورة أولا وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله.
وقد يكتب في2 علامة أخبرنا راء بعد الألف وفي علامة حدثنا دال
في أولها وممن رأيت في3 خطه الدال في علامة حدثنا أبو عبد الله
الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمي والحافظ أحمد البيهقي رضي الله
عنهم.
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر فإنهم يكتبون عند الانتقال من
إسناد إلى إسناد ما صورته ح4 وهي حاء مفردة مهملة5.
ولم يأتنا عن أحمد ممن يعتمد بيان لأمرها غير أني وجدت بخط
الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن
علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبي سعد الخليلي رحمهم الله
في مكانها بدلا عنها صح صريحة وهذا يشعر بكونها رمزا إلى صح
وحسن إثبات صح ههنا لئلا يتوهم6 أن حديث هذا الإسناد سقط ولئلا
يركب الإسناد الثاني: على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا
وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل
من الأصفهانيين7 أنها حاء مهملة من التحويل أي من إسناد إلى
إسناد آخر.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "يحسن" بمثناة من تحت وراجع: "شرح الألفية
2 من ش وع، ولي في خط.
3 من ش وع، ولي في خط.
4 هكذا في خط بعلامة المد.
5 من خط وع، وفي ش: "أنني".
6 من ش وع، وفي خط: "يوهم".
7 هكذا في خط بالفاء وفي ش وع و "الشرح": "الصبهانيين" بالباء
الموحدة.
(1/351)
وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل الغرب1
وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهملة إشارة
إلى قولنا الحديث فقال لي أهل الغرب2 وما عرفت بينهم اختلافا
يجعلونها حاء مهملة ويقول أحدهم إذا وصل إليها الحديث.
وذكر3 لي أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة وأن
منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة حا ويمر.
وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله
الرهاوي رحمه الله عنها فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين
إسنادين قال: ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة
وأنكر كونها من الحديث وغير ذلك ولم يعرف غير هذا عن أحد من
مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته.
واختار أنا والله الموفق أن يقول القارىء عند الانتهاء إليها
حا ويمر فإنه احوط الوجوه وأعدلها. انتهى.
قال ابن4 كثير ومنهم من يتوهم أنها خاء معجمة أي إسناد آخر
والمشهور الأول بل حكى بعضهم فيه الإجماع.
وأما حذف لفظة قال: فذكرها بعضهم هنا والمصنف أخرها فذكرها في
الثالث: عشر من تفريعات النوع السادس والعشرين.
قال السادس عشر: ذكر الخطيب الحافظ أنه ينبغي للطالب أن يكتب
بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ثم
يسوق ما سمعه منه على لفظه قال: وإذا كتب الكتاب المسموع
فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه14 وتاريخ وقت
السماع وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول
__________
1 هكذا في خط وبعض نسخ المقدمة والشرح وفي باقي نسخ المقدمة ز
ع: "المغرب" بإثبات الميم.
2 هكذا في خط وفي ش وع و "الشرح" "المغرب".
3 من ش وع، وفي خط: "فذكر".
4 ليس في خط فأثبتها. وراجع: "الباعث" "2/393".
(1/352)
ورقة من الكتاب فكلا قد فعله شيوخنا.
قلت كتبة التسميع1 حيث ذكره احوط وأحرى بأن لا يخفي على من
يحتاج إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفي
موضعه وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول
الخط2 ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح.
وهكذا لا بأس3 على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به أن يقتصر على
إثبات سماعه بخط نفسه فطال ما فعل الثقات ذلك.
وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي عن
أبيه عمن حدثه من الأصبهانية أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن
منده قرأ ببغداد جزءا على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة
له فقال له أبو أحمد يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا
يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك
ما هذا خط أبي أحمد الفرضي ماذا تقول لهم.
ثم إن على كاتب التسميع التحري والإحتياط وبيان السامع
والمسموع والمسموع4 منه بلفظ غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن
يثبت اسمه والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد فإن كان
مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من
يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء الله.
ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من
نقل سماعه ومن نسخ الكتاب وإذا أعاره إياه فلا يبطىء به.
روينا عن الزهري أنه قال: إياك وغلول الكتب قيل له وما غلول
الكتب قال: حبسها على5 أصحابها.
__________
1 من ش وع، وفي خط: "السمع".
1 من ش وع وفي خط: "السمع".
2 من ش وع، وفي خط: "الخطأ".
3 تحرفت في ع إلي: "يأس"بمثناة من تحت.
4 وضع الناسخ علي كل منهما علامة: "صح" وسقطت إحداهما من "ع"
وراجع حاشية المقدمة.
5 كذا في خط: "علي" ورسم الناسخ عليها علامة: "صح" وفي ش وع و
"الشرح": "عن".
(1/353)
وروينا عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه
قال: ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع
رجل فيحبسه عنه ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه وفي رواية ولا من
فعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه.
فإن منعه إياه فقد روينا أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا
منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال لصاحب الكتاب
أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك
وما كان بخطه أعفيناك منه.
قال ابن خلاد سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال لا يجىء
في هذا الباب حكم أحسن من هذا لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه
باستماع صاحبه معه.
قال ابن خلاد وقال غيره ليس بشيء.
وروي1 الخطيب أبو بكر الحافظ عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه
تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال: للمدعي عليه إن كان
سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره وإن كان بخط2 غيرك فأنت
أعلم.
قلت حفص بن غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة
وأبو عبد الله الزبيري من ائمة أصحاب الشافعي وإسماعيل بن
إسحاق لسان أصحاب مالك وغمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك
ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في3 كتابه برضاه فيلزمه
إعارته إياه وقد كان لا يبين لي وجهه ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة
شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته وإن كان فيه بذل ماله كما
يلزم متحمل الشهادة أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى
مجلس الحاكم4 لأدائها والعلم عند الله تبارك تعالى.
__________
1 من ش وع ول، وفي خط: "فروي" بالفاء بدل الواو.
2 هكذا في خط ول، وفي ش وع: "كان سماعه في كتابك بخط".
3 من ش وع ول، وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش وع ل: "الحكم".
(1/354)
ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى
نسخته إلا بعد المقابلة المرضية وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل
سماعا إلى شيء من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا
بعد المقابلة المرضية بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير
المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة.
انتهى.
اعترض على قوله فيلزمه إعارته بأن الشخص لا يجب عليه إعارة
ملكه وأن كل من أعار شيئا يجوز له أن يرجع فيما أعاره وإن لم
يستوف المستعير المنفعة المأذون فيها وكذلك يرجع وإن شرط أن لا
يرجع.
ورد بأن العارية قد تجب كما يجب بذل المال في بعض الصور كمسألة
المضطر واختلاط الثمار وحمام البرج وغير ذلك على خلاف فيه
وكذلك يمتنع الرجوع في العارية في مسألة دفن الميت وإعارة
الجدار وغير ذلك مما هو مبين في كتب الفقه.
نعم في قياس ذلك على أداء الشهادة نظر لأنه يمكنه هناك أن يكتب
سماعه في ورقة يملكها او كتاب أو نحو ذلك فهو مقصر وأما أداء
الشهادة فإنه متعين على المتحمل لأنه تحمل ليؤدي وليس الكاتب
كتب ليعير.
(1/355)
|