الشرح المختصر لنخبة الفكر لابن حجر العسقلاني الإبدال عمدا في
الحديث:
-[قال الحافظ: (وقد يقع الإبدال عمدا امتحانا).]-
وقال في "النزهة" (1/ 228): (وقد (1) يقع الإبدال عمدا لمن
يراد اختبار حفظه، امتحانا (2) من فاعله، كما وقع للبخاري،
والعقيلي (3)، وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه، بل ينتهي
بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمدا، لا لمصلحة، بل للإغراب
(4) مثلا، فهو
__________
(1) قال اللقاني (2/ 1119): (ربما تشعر "قد" بقلته، ولعل
المراد بها: النسبية، فلا يعارضه قول العراقي في هذا النوع من
القلب: "وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا"، قال: "وممن فعل ذبك
شعبة، وحماد بن سلمة".
(2) أي لحفظه، أو امتحانا لقبوله التلقين.
(3) قال السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 338): (في ترجمة العقيلي
من (الصلة) لمسلمة بن قاسم أنه كان لا يخرج أصله لمن يجيئه من
أصحاب الحديث، بل يقول له: اقرأ في كتابك فأنكرنا - أهل الحديث
- ذلك فيما بيننا عليه، وقلنا: إما أن يكون من أحفظ الناس أو
من أكذبهم. ثم عمدنا إلى كتابة أحاديث من روايته بعد أن بدلنا
منها ألفاظا، وزدنا فيها ألفاظا، وتركنا منها أحاديث صحيحة،
وأتيناه بها والتمسنا منه سماعها، فقال لي: اقرأ فقرأتها عليه،
فلما انتهيت إلى الزيادة والنقصان، فطن وأخذ في الكتاب فألحق
فيه بخطه النقص، وضرب على الزيادة وصححها كما كانت، ثم قرأها
علينا فانصرفنا وقد طابت أنفسنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس).
(4) قال القاني (2/ 1121): (أي لقصد الغرابة؛ بحيث يعده الناس
غريبا، أي أمرا غريبا مستغربا، مستظرفا، عزيزا، فيرغبوا فيه،
ويهتبلوا بأخذه عن سماعه منه.
فالمراد: الفغرابة اللغوية، العرفية، وومن كان يعفله حماد بن
عمرو النصيبي؛ حيث روى الحديث المشهور بسهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن ابي هريرة مرفوعا: (إذا لقيتم المشركين في طريق فلا
تبدؤوهم بالسلام) الحديث عن الأعمش عن أبي صالح ليغرب به، وهو
لا يعرف عن الأعمش؛ كما صرح به أبو جعفر العقيلي، وللخوف من
ذلك كره أهل الحديث تتبع الغرائب).
(1/58)
من أقسام الموضوع (1)، ولو وقع غلطا فهو من
المقلوب، أو (2) المعلل).
المُصَحَّفُ، والمُحَرَّفُ:
-[قال الحافظ: (أو بتغييرٍ مع بقاء السياق: فالمُصَحَّفُ،
والمُحَرَّفُ).]-
وقال في "النزهة" (1/ 229): (أو إن كانت المخالفة بتغيير حرف،
أو حروف، مع بقاء صورة الخط في السياق: فإن كان ذلك بالنسبة
إلى النقط فالمصحف (3).
وإن كان بالنسبة إلى الشكل (4)
....................................................
__________
(1) قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 100): (يقدح في
فاعله ويوجب رد حديثه).
(2) قال اللقاني (2/ 1122): (يحتمل هذا الترديد: الشك، ويحتمل
التنويع).
(3) قال القاري في "شرح النخبة" (ص:490): (فمثال المصحف: حديث:
" من صام رمضان، وأتبعه ستا من شوال " صحفه أبو بكر الصُّولِيّ
فقال: " شيئا " بالشين المعجمة والياء.
وجعل صاحب الخلاصة المصحف أقساما: منها ما يكون محسوسا بالبصر،
إما في الإسناد، كما صحف يحيى بن معين: مُرَاجِم بالراء
المهملة، والجيم، بمُزَاحِم، بالزاي والحاء المهملة. أو في
المتن، كما صحف أبو بكر الصُّولِيّ ستا بشيئا. ومنها ما يكون
محسوسا بالسمع.
أما في الإسناد، كتصحيف عاصم الأحول بواصل الأحدب. قال الرازي:
ظني أن هذا من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر، لعدم الاشتباه
بالكتابة، وأما في المتن، كتصحيف الدجاجة بالدال بالزجاجة
بالزاي.
ومنها ما يكون معنى، كما توهم مما ثبت في الصحيح " أن رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم صلى إلى عَنَزَة "، وهي حربة
تنصب بين يديه أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى قبيلة بني
عنْزة. انتهى).
(4) قال اللقاني (2/ 1123): (وقال (ق): "لا يظهر لهذا السياق
كبير معني ويخرج من الشرح نظر في المتن؛ لأن صريح الشرح: أن
المحرَّف ما وقع التغيير فيه بالنسبة إلي حركات الحروف، وصريح
المتن: أن يكون بتغيير الحروف، وليس كذلك، فالباء باء؛ سواء
كانت مضمومة، أو مفتوحة، أو مكسورة، وإن كان المراد أعم من
تغيير الذات والهيئة؛ فما وجهه؟ ". انتهي. قلت: لا يخفاك أن
المراد من الحروف في المتن: الجنس، وإن كان اللفظ خاليا من
لامه، مثل تمرة خير من جرادة، على أحد الرأيين، فيصدق بالحرف
الواحد، وبالأكثر، وأن المراد بتغيير الحروف: ما يعم تغيير
هيآتها وصفاتها، وما يعم تغيير حقائقها وذواتها.
ووجه إرادة هذا المعني: وجوب اشتمال القسم علي جملة أقسامه،
والمصحف والحرف نوعان مما غُيِّرت حروفه؛ مع بقاء صورة لفظها
في السياق.
ولو عبر بـ "أو" بدل "الواو"، كان أجود؛ لأنه من تقسيم الكلي
إلي جزئياته، فظهر أن لهذا السياق معني كبيرًا، وإن كان لفظه
يسيرًا).
(1/59)
فالمحرف (1).
ومعرفة هذا النوع (2) مهمة، وقد صنف فيه العسكري (3)،
والدارقطني (4)، وغيرهما (5). وأكثر ما يقع في المتون، وقد يقع
في الأسماء التي في الأسانيد).
تغيير المتن واختصاره، والرواية
بالمعنى.
-[قال الحافظ: (ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا
لعالم بما يحيل المعاني. فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب
وبيان المشكل).]-
وقال في "النزهة" (1/ 229): (ولا يجوز تعمد تغيير صورة المتن
مطلقا، ولا الاختصار منه بالنقص، ولا إبدال اللفظ المرادف
باللفظ المرادف له، إلا لعالم بمدلولات الألفاظ، وبما يحيل
المعاني، على الصحيح في المسألتين (6).
__________
(1) أي مسألة اختصار الحديث، ومسألة الرواية بالمعنى، وقال
القاري أيضا: (ومثال المحرف: كحديث جابر رضي الله عنه: " رُمي
أُبَيٌّ يوم الأحزاب على أَكْحَلِهِ فكواه رسول الله صلى الله
عليه وسلم "، صحفه غُنْدَر وقال فيه: أبي، بالإضافة، وإنما هو
أبي بن كعب. وأبو جابر كان قد استشهد قبل ذلك بأحد، كذا ذكره
الجزري).
(2) قال اللقاني (2/ 1125): (المراد بالنوع: ما تغيرت حروفه مع
بقاء صورتها الخطية في السياق، فيشمل المصحف والمحرف).
(3) ومؤلفه طبع باسم (تصحيفات المحدثين) في مجلدين بالمطبعة
العربية الحديثة - القاهرة عام 1402 هـ.
(4) مخطوط، ومنه نسخة في مكتبة الجامعة الإسلامية لكنها ناقصة،
وذكره الأشبيلي باسم "تصحيف المحدثين"، وذكره المزي باسم "
التصحيف وأخبار المصحّفين ".
(5) كالسيوطي في (التطريف في التصحيف)، والخطابي في (إصلاح غلط
المحدثين).
(6) قال القاري (ص:492): (المعنى: لا يجوز تعمد تغيير صورة
المتن مطلقا، أي أصلا لا لعالم ولا لغيره، ولا يجوز الاختصار
بالنقص ولا الإبدال بالمرادف إلا لعالم. فينبغي أن يراد بتغيير
صورة المتن معنى لا يشمل الاختصار بالنقص، ولا الإبدال
بالمرادف، مثل تغيير الحروف بالنقط، وتغيير حركاتها، وسكناتها
كما مر في التصحيف والتحريف. ومثل التغيير بزيادة لفظ أجنبي في
أثناء المتن، ومثل إبدال اللفظ باللفظ الأجنبي الغير المرادف).
(1/60)
أما اختصار الحديث: فالأكثرون على جوازه،
بشرط أن يكون الذي يختصره عالما؛ لأن العالم لا ينقص من الحديث
إلا ما لا تعلق له بما يبقيه منه، بحيث لا تختلف الدلالة، ولا
يختل البيان، حتى يكون المذكور والمحذوف بمنزلة خبرين، أو يدل
ما ذكره على ما حذفه، بخلاف الجاهل فإنه قد ينقص ما له تعلق،
كترك الاستثناء.
وأما الرواية بالمعنى: فالخلاف فيها شهير:
والأكثر على الجواز أيضا، ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح
الشريعة للعَجَم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة
أخرى فجوازه باللغة العربية أولى ... ولا شك أن الأولى إيراد
الحديث بألفاظه، دون التصرف فيه (1) ...
فإن خفي المعنى، بأن كان اللفظ مستعملا بقلة، احتيج إلى الكتب
المصنفة في شرح الغريب، ككتاب أبي عبيد القاسم بن سلام، وهو
غير مرتب، وقد رتبه الشيخ موفق الدين بن قدامة على الحروف.
وأجمع منه كتاب أبي عبيد الهروي، وقد اعتنى به الحافظ أبو موسى
المديني، فنقب عليه واستدرك. وللزمخشري كتاب اسمه "الفائق" حسن
الترتيب. ثم جمع الجميع ابن الأثير، في "النهاية"، وكتابه أسهل
الكتب تناولا، مع إعواز قليل فيه.
وإن كان اللفظ مستعملا بكثرة، لكن، في مدلوله دقة، احتيج إلى
الكتب المصنفة في شرح معاني الأخبار، وبيان المشكل منها. وقد
أكثر الأئمة من التصانيف في ذلك كالطحاوي والخطابي وابن عبد
البر وغيرهم).
__________
(1) قال اللقاني (2/ 1143): (محل الخلاف في غير ما تُعُبِّدّ
بألفاظه من الأحاديث، أما هو فباتفاقهم لا يروى بالمعنى؛
كالأذان، والتشهد، والتكبير، والتسليم. قاله المحقق المحلى ...
واستثنى بعضهم ما كان من جواكع كلمه صاى الله عليه وسلم، فزعم
الاتفاق على منع روايته بالمعنى؛ لأنها معجزة، نحو: "الخراج
بالضمان"، "البينة على المدعى"، "العجماء جبار"، "لا ضرر ولا
ضرار"، و"الآن حمى الوطيس").
وقال أيضا (2/ 1145): (ينبغي ندبا لمن روى بالمعنى أن يقول عقب
إيراد الحديث: أو كما قال، أو نحو هذا، أو مثله، أو شِبْهَه،
وما أشبه ذلك، فقد ورد ذلك عن ابن مسعود وابي الدرداء، وأنس،
وهم من أعلم الناس بمعاني الكلام. ومثل هذا إذا شك القارئ أو
الشيخ في لفظة أو أكثر، فإنه يستحسن أن يقول: أو كما قال).
(1/61)
|