خاتمة:
معرفة طبقات الرواة.
-[قال الحافظ: (ومن المهم: معرفة طبقات الرواة).]-
قال القاري في "شرح النخبة" (ص/717) ما ملخصه: ((ومن المهم
عند المحدثين معرفة طبقات الرواة وفائدته الأمن من تداخل
المشتبهين) بالتثنية، ويحتمل الجمع، قال السخاوي:
كالمتفقين في اسم، أو كنية أو نحو ذلك كما في المتفق
والمفترق (وإمكان الاطلاع على تبيين التدليس، والوقوف على
حقيقة المراد من العنعنة) وهو الاتصال وعدمه. قال التلميذ:
يعني هل هي محمولة على السماع، أو مرسلة أو منقطعة.
(والطبقة) وهي في اللغة: القوم المتشابهون على ما ذكره
السخاوي (في اصطلاحهم عبارة عن جماعة) أي من أهل زمان
(اشتركوا في السن) أي ولو تقريبا كما صرح به السخاوي
(ولقاء المشايخ) أي الأخذ عنهم، وربما اكتفوا بالاشتراك في
التلاقي وهو غالبا لازم للاشتراك في السن نبه عليه
السخاوي، وربما يكون أحدهما شيخا للآخر.
(وقد يكون الشخص الواحد من طبقتين باعتبارين كأنس بن مالك)
وكغيره من أصاغر الصحابة. (فإنه) أي أنسا. (من حيث ثبوت
صحبته للنبي صلى الله تعالى عليه
وسلم يعد) أي يحسب. (في طبقة العشرة) أي المبشرة وغيرهم من
أكابر الصحابة كابن مسعود. (ومن حيث صغر السن يعد) أي أنس
أيضا مثلا (في طبقة من بعدهم) أي غير العشرة من أصاغر
الصحابة كابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير.
(فمن نظر إلى الصحابة باعتبار الصحبة) أي مطلقا (جعل
الجميع) أي جميعهم من الصغير والكبير (طبقة واحدة كما صنع
ابن حبان وغيره) فعلى هذا يكون الصحابة بأسرهم طبقة أولى،
والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين طبقة ثالثة، وهلم
جرا. وهذا هو المستفاد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:
" خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "
الحديث. (ومن نظر إليهم باعتبار قدر زائد كالسبق إلى
الإسلام) أو إلى الهجرة. (أو شهود المشاهد الفاضلة) كبدر،
وأحد، وبيعة الرضوان. (جعلهم طبقات) بحسب ما يقتضيهم من
درجات، (وإلى ذلك جنح صاحب الطبقات أبو عبد الله محمد بن
سعد البغدادي، وكتابه أجمع ما جمع في ذلك) أي في ذلك الباب
من استيعاب الأصحاب، فجعلهم خمس طبقات، والحاكم أثنى عشر
طبقة: الذين أسلموا بمكة كالخلفاء الأربعة، ثم أصحاب دار
الندوة، ثم مهاجرة الحبشة، ثم أصحاب العقبة الأولى، ثم
الثانية - وأكثرهم من الأنصار - ثم أول المهاجرين الذين
لقوه لقيا قبل دخول مكة، ثم أهل بدر، ثم المهاجرين بين بدر
والحديبية، ثم أصحاب بيعة الرضوان، ثم من هاجر بين
الحديبية وفتح مكة، كخالد بن الوليد، ثم مسلمة الفتح
كمعاوية وأبيه، ثم الصبيان والأطفال الذين رأوه صلى الله
عليه وسلم يوم الفتح، وفي حجة الوداع، وغيرهم كالسائب بن
يزيد وأبي الطفيل.
(وكذلك من جاء بعد الصحابة وهم التابعون، من نظر إليهم
باعتبار الأخذ عن بعض الصحابة فقد جعل الجميع طبقة واحدة
كما صنع ابن حبان أيضا، ومن نظر إليهم باعتبار اللقاء) أي
من حيث كثرته وقلته، وأخذه عن بعضهم وعدمه (قسّمهم كما فعل
محمد بن سعد) أي أيضا حيث جعلهم ثلاث طبقات، وكذا مسلم في
كتاب الطبقات، وربما بلغ بهم أربع طبقات، وقال الحاكم في
علوم الحديث: هم خمس عشرة طبقة، آخرهم من لقي أنس بن مالك
من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أوفى من أهل
الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة، والطبقة
الأولى من روى عن العشرة المبشرة بالسماع منهم. (ولكل
منهما وجه)).
(1/98)
معرفة مواليد ووفيات
وبلدان وأحوال الرواة.
-[قال الحافظ: (- ومن المهم معرفة -: مواليدهم، ووفياتهم،
وبلدانهم، وأحوالهم تعديلا وتجريحا وجهالة).]-
وقال في "النزهة" (ص/255): (ومن المهم، أيضا، معرفة
مواليدهم، ووفياتهم؛ لأن بمعرفتها يحصل الأمن من دعوى
المدعي للقاء بعضهم، وهو في نفس الأمر ليس كذلك (1).
ومن المهم، أيضا، معرفة بلدانهم وأوطانهم، وفائدته الأمن
من تداخل الاسمين إذا اتفقا، نطقا، لكن افترقا بالنسبة.
ومن المهم، أيضا، معرفة أحوالهم: تعديلا وتجريحا، وجهالة؛
لأن الراوي إما أن تعرف عدالته، أو يعرف فسقه، أو لا يعرف
فيه شيء من ذلك.
ومن أهم ذلك، بعد الاطلاع، معرفة مراتب الجرح والتعديل؛
لأنهم قد يجرحون الشخص بما لا يستلزم رد حديثه كله (2)،
وقد بينا أسباب ذلك فيما مضى، وحصرناها في عشرة، وتقدم
شرحها مفصلا).
__________
(1) قال الأبناسي في "الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح"
(2/ 713): (روينا عن سفيان الثوري أنه قال: لما استعمل
الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ "أو كما قال" وروينا عن
حفص بن غياث أنه قال: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين
يعني: احسبوا سنه وسن من كتب عنه. وهذا كنحو ما رويناه عن
إسماعيل بن عياش قال: كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث
فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان فأتيته فقلت: أي
سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال سنة ثلاث عشرة يعني ومائة
فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بن معدان بعد موته بسبع
سنين! قال إسماعيل: مات خالد سنة ست ومائة ... ).
(2) بل قد يجرحونه بما لا يستلزم رد حديثه أصلا، ومن ذلك
ما قاله المزي في "تهذيب الكمال": (وقال أبو عمرو عثمان بن
سعيد بن عثمان الداني المقرئ عن مسلمة بن القاسم الأندلسي:
الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح لعلمه وخيره وفضله، وأن
أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه. وكان سبب تضعيف
النسائي له أن أحمد بن صالح رحمه الله كان لا يحدث أحدا
حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير
والعدالة، وكان يحدثه ويبذل له علمه، وكان يذهب في ذلك
مذهب زائدة بن قدامة، فأتى النسائي ليسمع منه، فدخل بلا
إذن، ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة، فلما رآه في
مجلسه أنكره، وأمر بإخراجه، فضعفه النسائي لهذا).
(1/99)
معرفة مراتب الجرح
والتعديل:
-[قال الحافظ: (ومراتب الجَرْح: وأسوأها الوصف بأفعل:
كأكذب الناس، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب. وأسهلها: لين، أو
سيئ الحفظ، أو فيه مقال.
ومراتب التعديل: وأرفعها الوصف بأفعل: كأوثق الناس، ثم ما
تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما
أشعر بالقرب من أسهل التجريح: كشيخ).]-
وقال في "النزهة" (ص:256): (وللجرح مراتب: أسوأها الوصف
بما دل على المبالغة فيه، وأصرح ذلك التعبير بأفعل، كأكذب
الناس، وكذا قولهم: إليه المنتهى في الوضع، أو ركن الكذب،
ونحو ذلك.
ثم: دجال، أو وضاع، أو كذاب؛ لأنها وإن كان فيها نوع
مبالغة، لكنها دون التي قبلها.
وأسهلها، أي: الألفاظ الدالة على الجرح قولهم: فلان لين،
أو سيء الحفظ، أو: فيه أدنى مقال.
وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب لا تخفى.
قولهم: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث،
أشد من قولهم: ضعيف، أو ليس بالقوي، أو فيه مقال.
ومن المهم، أيضا: معرفة مراتب التعديل:
وأرفعها الوصف، أيضا، بما دل على المبالغة فيه، وأصرح ذلك:
التعبير بأفعل، كأوثق الناس، أو أثبت الناس، أو إليه
المنتهى في الثبت. ثم ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على
التعديل، أو وصفين: كثقة ثقة، أو ثبت ثبت، أو ثقة حافظ، أو
عدل ضابط، أو نحو ذلك.
وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح: كشيخ، ويروى
حديثه، ويعتبر به، ونحو ذلك. وبين ذلك مراتب لا تخفى).
فائدة - ذكر مراتب الرواة عند
الحافظ:
قال الحافظ في مقدمة "التقريب (1) ": (فأما المراتب:
__________
(1) وقد اختلف العلماء في بيان درجات أحاديث كل مرتبة من
هذه المراتب وخاصة المراتب المتوسطة، والأفضل عدم الإعتماد
على التقريب وخاصة في أمثال أصحاب أهل هذه المراتب لشدة
الخلاف والمنازعة فيها، وقد بحث الشيخ وليد العاني - رحمه
الله - هذه المراتب في كتابه (منهج دراسة الأسانيد والحكم
عليها) وقد ذكرت ما وصل إليه من حكم حديث كل مرتبة ووضعتها
بين قوسين في نهاية كل مرتبة.
(1/100)
فأولها: الصحابة: فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية: من أُكد مدحه: إما: بأفعل: كأوثق الناس، أو
بتكرير الصفة لفظاً: كثقة ثقة، أو معنى: كثقة حافظ.
الثالثة: من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثَبْت، أو عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة:
بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس. (إسناده صحيح).
الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق
سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير
بأخرة ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة، كالتشيع والقدر،
والنصب، والإرجاء، والتجهم، مع بيان الداعية من غيره.
(إسناده حسن إلا إن كان أخطأ فيه).
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما
يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث
يتابع، وإلا فلين الحديث. (إسناده حسن).
السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة
بلفظ: مستور، أو مجهول الحال. (إسناده ضعيف).
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق
الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف. (إسناده
ضعيف).
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الإشارة
بلفظ: مجهول. (إسناده ضعيف).
العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه
الإشارة: بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو
ساقط. (إسناده ضعيف جدا).
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب. (إسناده متروك).
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع. (إسناده
موضوع).).
(1/101)
شروط قبول تزكية
المزكي:
-[قال الحافظ: (وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من
واحد على الأصح).]-
وقال في "النزهة" (ص:176): (تقبل التزكية من عارف بأسبابها
(1)، لا من غير عارف؛ لئلا يزكي بمجرد ما ظهر له ابتداء،
من غير ممارسة واختبار، ولو كانت التزكية صادرة من مُزَكٍّ
واحد، على الأصح، خلافا لمن شرط أنها لا تقبل إلا من
اثنين؛ إلحاقا لها بالشهادة، في الأصح، أيضا.
والفرق بينهما: أن التزكية تنزل منزلة الحكم؛ فلا يشترط
فيها العدد، والشهادة تقع من الشاهد عند الحاكم؛ فافترقا
(2)).
__________
(1) قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 357): (ولا
يشترط في العارف ذكر سببه لكثرة الأسباب، ولأنه قد يتعلق
بالنفي: كلم يفعل، لم يرتكب فيشق تعدادها).
(2) قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - في "تعليقاته على
"النزهة": (والمقصود أن التزكية للأفراد تجري مجرى الحكم
والإخبار كالمؤذن من باب الخبر والحكم بخلاف الشهادة فإنها
تتضمن الشهادة بحق لفلان أو عدم حق لفلان تؤدى عند القضاة
حتى يثبت بها حق المدعي أو عدم حقه. فلا بد فيها من شاهدين
أو شاهد يؤكد باليمين كما جاءت به السنة لأنها ليست من باب
الخبر المجرد بل من باب الخبر الذي يتضمن إعطاء شخص حقاً
من شخص آخر فلهذا جاءت الشريعة بالتعدد فيها لأن الأصل
براءة الذمة من حقوق الناس وأن ما في يد الإنسان هو له
فاحتيط من جهة الشريعة فلم ينزع ما في يده ولم يلزم بشيء
في ذمته إلا بحجة قوية أقلها شاهدان).
(3) قال اللقاني (2/ 1549): (أي: عند تعارضهما، هذا ما
عليه الجمهور، وعليه لا فرق بين كثرة المعدلين، وقلتهم.
ووجهه: أن مع الجارح زيادة علم؛ لم يطلع عليها المعدل،
ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به من ظاهر حاله، وخبر عن أمر
باطن خفي على المعدل. نعم إن لم يفسر الجرح أو قال المعدل:
عرفت السبب الذي ذكره الجارح لكنه تاب منه، قدم التعديل ما
لم يكن في الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن كان
فيه لم يقبل توبته منه.
(4) وذلك لأنه وافق الأصل في الراوي وهو الجهالة، وقال
الحافظ في "النزهة" (ص/258): (لأنه إذا لم يكن فيه تعديل
فهو في حيز المجهول، وإعمال قول المجرح أولى من إهماله).
(1/102)
تعارض الجرح والتعديل:
-[قال الحافظ: (والجرح مقدم على التعديل (3) إن صدر
مُبَيَّنًا من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملا
على المختار (4)).]-
تكلم الماتن - رحمه الله - هنا على مسألتين:
الأولى - عند تعارض الجرح والتعديل في الراوي الواحد،
واشترط لقبول الجرح شرطين:
1 - أن يكون مُبَيَّنا.
2 - أن يصدر من عارف بأسبابه؛ لأن البعض قد يجرح بما لا
يقدح أصلا كما سبق ذكر أمثلة على ذلك.
الثانية - أن يخلو الراوي من تعديل فهنا يقبل الجرح مجملا
على المختار.
تنبيه:
دلَّ كلامه بمنطوقه في المسألة الأولى أن الجرح يقدم على
التعديل مطلقا بشرط تحقيق ما ذكر، ودل بمفهومه أن الجرح
يهمل إذا فُقد شرط من الشرطين، وأن التعديل هو الذي يعتمد.
ومفهوم كلامه في المسألة الثانية أن الراوي إذا كان معدلا
فإنه لا يقبل فيه الجرح المجمل.
وفي كل هذه الحالات ليس إلا اختيار واحد من الطرفين، وهو
إما ترجيح جانب التعديل، أو جانب الجرح.
والأقوى أنه إن كان يمكن الجمع بين الجرح والتعديل فيقدم
على الترجيح، كأن يكون مثلا يهم في فلان أو ضعيف في فلان
فقط فهنا يعمل في حالته فقط.
وظاهر صنيع ابن حجر في التقريب أنه يلتزم حالة وسطا في بعض
الحالات، وأنه وإن قدم التعديل إلا أنه لا يهمل الجرح
مطلقا بل يراعيه وينقل الراوي من مرتبة عليا لمرتبة أدنى
منها تبعا لحال الجارح والجرح.
قال الشيخ وليد العاني في "منهج دراسة الأسانيد" (ص/135):
(من خلال دراسة هذه المرتبة في التقريب، ظهر أن ابن حجر
سار على نهج مدروس عنده، قد وضع له ضوابط معينة.
لقد تعارف أهل الاصطلاح أن من كثر مزكُّوه، وقلَّ ناقدوه،
قدِّم رأي الأغلبية على الأقلية، خاصة إذا كانت القلة غير
معتبرة أساساً، أو أن جرحها لا يلتفت إليه، حيث تبين
بالبحث والدراسة أن قول الأقلية مرجوح، أو أنه إنما قيل
لسبب من الأسباب غير المعتبرة عند النقاد.
لكن ابن حجر - كما علمنا سابقا- اشترط أن يكون حكمه على
الراوي شاملاً وعادلاً، والشمول يقتضي الإحاطة بكل ما قيل
في الرجل من جرح معتبر أو غير معتبر، وتعديل معتبر أو غير
معتبر ...
(1/103)
لقد تبين لي من خلال دراسة رجال هذه
المرتبة أن رجلا ما يوثقه جماعة من النقاد المعتدلين منهم
والمتشددين، ثم يظهر للباحث أن واحدا من النقاد يخالف
الجمهور، وقال فيه قولاً يجرحه فيه، فالباحث العادي يمضي
ولا يلتفت إلى القول المخالف للجمهور، لكن ابن حجر يتوقف
عند قول المخالف ويدرسه، هل له وجه معتبر أم لا .. ؟
فإن كان له وجه معتبر جعل هذا الراوي من المختلف فيه،
ووضعه في المرتبة الخامسة، وإن لم يكن له وجه معتبر، وخرجه
ابن حجر على وجه يبرئ فيه ساحة هذا الراوي، جعل هذا الراوي
في المرتبة الرابعة، وأعطاه لقب صدوق، أو لا بأس به، ولم
يرفعه إلى درجة ثقة أو ثبت، وذلك للقول المخالف الذي قيل
فيه ...
أما إذا كان الجرح غير معتبر بالكلية، ويرى ابن حجر أنه
يجب أن يطرح بالمرة، ولا ينظر فيه أساساً، عند ذلك يرفعه
ابن حجر إلى المرتبة الثالثة، فيقول فيه ثقة أو تبث أو
حافظ، إلى آخر ألقاب هذه المرتبة).
ثم ضرب أمثلة على ذلك - وسوف أقتصر في التدليل على أمثلة
للمرتبة الرابعة، والخامسة وأما الثالثة فالأمر فيها ظاهر
-. فمما ذكر - رحمه الله -:
فمن أمثلة المرتبة الرابعة:
- غالب بن خطاف القطان البصري. (صدوق).
وثقه أحمد، وابن معين، والنسائي، وأبو حاتم، وابن سعد،
وغيرهم إلا أن ابن عدي ذكره في الكامل، وأورد له حديثا
منكرا، وتعقبه ابن حجر فقال: "الحمل فيها على الراوي عنه:
عمر بن المختار البصري، وهو من عجيب ما وقع لابن عدي"،
وقال الذهبي: "لعل الذي ضعفه ابن عدي آخر ".
- يزيد بن أبي مريم الدمشقي. (لا بأس به).
وثقه الأئمة، وابن معين، ودحيم، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
وقال الدارقطني: "ليس بذاك"، قال ابن حجر: "هذا جرح غير
مفسر، فهو مردود".
- مبشِّر بن إسماعيل الحلبي. (صدوق).
قال ابن سعد كان ثقة مأمونا وقال النسائي لا بأس به.
قال ابن حجر: "تكلم فيه بلا حجة"، وقد نقل ابن قانع في
الوفيات أنه ضعيف، وتعقبه ابن حجر في "هدي الساري" فقال:
"وابن قانع ليس بمعتمد".
ومن أمثلة المرتبة الخامسة:
- الربيع بن يحيى بن مقسم البصري. (صدوق له أوهام).
(1/104)
قال أبو حاتم: ثقة ثبت، وقال الدارقطني:
يخطئ في حديث الثوري وشعبة.
- سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي. (صدوق له
أوهام).
وثقه أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والنسائي.
وقال الدارقطني: ليس بالقوي. واستنكر البخاري واحدا من
أحاديثه في "التاريخ"، وقد روى له في "الصحيح" غير ما
استنكره.
- عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري. (صدوق ربما وهم).
وثقه أحمد، وابن معين، وأبو داود، والعجلي، ويعقوب الفسوي،
وعلي بن المديني، وآخرون.
قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال يحيى القطان: كان صالحا،
تعرف وتنكر.
معرفة الأسامي والكنى:
-[قال الحافظ: (ومن المهم معرفة كنى المُسَمَّيْنَ، وأسماء
المُكَنَّيْنَ، ومن اسمُه كنيتُه، ومن اختلف في كنيته (1)،
ومن كثرت كناه أو نعوتُه، ومن وافقت كنيتُه اسم أبيه، أو
بالعكس، أو كنيتُه كنية زوجته).]-
قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 386): (ومن المهم في
هذا الفن معرفة كنى المسمين ممن اشتهر باسمه، وله كنية لا
يؤمن أن يأتي في بعض الروايات مُكَنيَّا لئلا يظن أنه آخر.
ومعرفة أسماء المكنين وهو عكس الذي قبله. لأنه قد يأتي في
بعض الروايات مسمى باسمه فيظن أنه غيره.
ومعرفة من اسمه كنيته بأن لا يكون له اسم غيرها ولا كنية
غيرها كأبي بلال الأشعري وهم قليل وغالب الرواة لكل منهم
اسم وكنية، فتارة يشتهر باسمه وتارة يشتهر بكنيته.
ومعرفة من عرف بكنيته ولم يوقف على اسمه فلم يدر هل كنيته
اسمه كأبي شيبة الخدري من الصحابة.
ومعرفة من لقب بكنيته كأبي الشيخ الأصبهاني اسمه عبد الله
وكنيته أبو محمد وأبو الشيخ لقب.
ومعرفة من قد اختلف في كنيته وهم كثير.
ومعرفة من كثرت كناه كابن جريح له كنيتان أبو الوليد وأبو
خالد.
__________
(1) غير مذكورة في بعض النسخ.
(1/105)
ومعرفة من كثرت نعوته وألقابه وهم كثير.
ومعرفة من اتفق على اسمه واختلف في كنيته، وقد صنف فيه بعض
المتأخرين كأسامة بن زيد الحب يكنى أبا يزيد أو أبا محمد،
أو أبا خارجة أو أبا عبد الله أقوال. ومعرفة من اختلف في
اسمه واتفق على كنيته كأبي هريرة في اسمه نحو ثلاثين قولا.
ومعرفة من اختلف في اسمه وكنيته معا كسفينة مولى رسول الله
وهو لقبه، واسمه صالح أو مهران أو عمير أقوال. وكنيته أبو
عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري.
ومعرفة من لم يختلف في اسمه ولا في كنيته كأئمة المذاهب
الأربعة.
ومعرفة من اشتهر باسمه دون كنيته كطلحة أبي محمد والزبير
أبي عبد الله.
ومعرفة من اشتهر بكنيته دون اسمه كأبي الضحى مسلم بن صبيح.
ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه كأبي إسحاق إبراهيم بن
إسحاق المدني أحد أتباع التابعين.
أو بالعكس كإسحاق بن أبي إسحاق السَّبيعي.
أو وافقت كنيته كنية زوجته كأبي أيوب الأنصاري وأم أيوب
صحابيان مشهوران. وكأبي الدرداء وزوجته أم الدرداء).
قال اللقاني (2/ 1556): (ملخص كلامه: أن معرفة الأسماء
المشهورة لذوي الكنى
(1/106)
الخفية، ومعرفة الكنى المشهورة لذوي
الأسماء الخفية، أمر ينبغي الاعتناء به؛ لأنه نوع مهم.
ومن فوائده: الأمن من ظن تعدد الراوي الواحد؛ المسمى في
موضع، المكنى في آخر؛ كما قاله الشارح.
قال ابن الصلاح: " ولم يزل أهل العلم بالحديث يعتنون به،
ويتطارحونه فيما بينهم، ويتنقصون به من جهله ").
من نسب إلى غير أبيه:
-[قال الحافظ: (ومن نسب إلى غير أبيه، أو إلى أمه، أو إلى
غير ما يسبق إلى الفهم).]-
قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 392): (ومعرفة من
نسب إلى غير أبيه وفائدته: دفع توهم التعدد عند نسبتهم إلى
أبائهم كالمقداد بن الأسود، نسبة إلى أسود الزُهْرِيّ
لكونه تبناه وإنما هو المِقداد بن عمرو ... وكالحسن بن
دينار - أحد الضعفاء - هو زوج أمه وأبوه واصل.
أو إلى أمه كابن عُلَيَّةَ، هو إسماعيل بن إبراهيم بن
مِقسَم أحد الثقات، وعلية اسم أمه
اشتهر بها. وهي بنت حسان مولاة بني شَيْبَان وكان لا يحب
أن يقال له ابن علية، ولهذا كان الإمام الشافعي - رضي الله
تعالى عنه - يقول: أنبا إسماعيل الذي يقال له ابن علية:
وزعم علي بن حجر أنها ليست أمه بل جدته أم أمه.
وكسهيل وسهل وصفوان بنو بيضاء، أبوهم وهب بن ربيعة بن عمرو
بن عامر القرشي الفهري.
أو نسب إلى غير ما يسيق إلى الفهم. لأن الراوي قد ينسب إلى
مكان، أو وقعة به أو قبيلة، أو صنعة، وليس الظاهر الذي
يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مرادا بل لعارض عرض من نزوله
إلى ذلك المكان أو تلك القبيلة ونحو ذلك.
كالحَذّاء، فهو خالد بن مِهْرَان ظاهره أنه منسوب إلى
صناعتها أو بيعها وليس كذلك، إنما كان مجالسهم فنسب إليهم
وكسليمان التيمي، لم يكن من بني تميم ولكن نزل فيهم أي بني
تميم، فنسب إليهم ... ).
معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه
وجده:
-[قال الحافظ: (ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه
وشيخ شيخه فصاعدا ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه).]-
قال المناوي (2/ 397): (معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده
كالحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد يقع
أكثر من ذلك. وكأحمد بن جعفر بن حمدان أربعة كلهم يروون
عمن يسمى عبد الله، وهو من فروع المسلسل ...
أو يتفق اسم الراوي فاسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدا، كعِمْرَان
عن عمران عن عمران، أن الأول يعرف القصير والثاني أبو رجاء
العُطَارِدِيّ نسبة إلى عطارد جده، وقيل: بطن من تميم،
والثالث ابن حصين الهمداني الصحابي المشهور.
وكسليمان عن سليمان عن سليمان، الأول: ابن أحمد بن أيوب
الطبراني، نسبة إلى طَبَرِيَّة مدينة بالأردن والثاني: ابن
أحمد الواسطي بكسر المهملة نسبة إلى واسط مدينة بالعراق
مشهورة. والثالث: ابن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت
شُرَحْبِيل ...
ومعرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، وهو نوع لطيف لم
يتعرض له ابن الصلاح. ومنها: ابن جريج روى عن هشام، وروى
عنه (1) هشام فالأعلى (2): ابن عروة،
__________
(1) أي عن ابن جريج.
(2) أي شيخ ابن جريج.
(1/107)
والأدنى ابن يوسف الصَنْعاني نسبة إلى
صنعاء مدينة باليمن.
ومنها: الحكم بن عُتَيْبَة روى عن ابن أبي ليلى وعنه ابن
أبي ليلى، فالأعلى عبد الرحمن والأدنى محمد بن عبد الرحمن
المذكور، وأمثلته كثيرة).
معرفة الأسماء المجردة:
-[قال الحافظ: (ومعرفة الأسماء المجردة (1)).]-
قال في النزهة" (ص/261): (ومن المهم، في هذا الفن: معرفة
الأسماء المجردة، وقد جمعها جماعة من الأئمة.
فمنهم من جمعها بغير قيد (2)، كابن سعد في الطبقات، وابن
أبي خيثمة، والبخاري في تاريخهما، وابن أبي حاتم في الجرح
والتعديل.
ومنهم من أفرد الثقات، كالعجلي، وابن حبان، وابن شاهين.
ومنهم من أفرد المجروحين، كابن عدي، وابن حبان، أيضا.
ومنهم من تقيد بكتاب مخصوص، كرجال البخاري، لأبي نصر
الكلاباذي، ورجال مسلم، لأبي بكر بن مَنْجَوَيْه، ورجالهما
معا لأبي الفضل ابن طاهر، ورجال أبي داود،
__________
(1) قال اللقاني (2/ 1580): (المراد: المجردة عن الكنى،
والألقاب، والنسبة، والوصف لتقدم كل هذه).
(2) وقال أيضا: (أي من عدالة، أو جرح، أو كتاب مخصوص).
(1/108)
لأبي علي الجيَّانِي، وكذا رجال الترمذي،
ورجال النسائي، لجماعة من المغاربة، ورجال الستة:
الصحيحين، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، لعبد
الغني المقدسي في كتابه "الكمال"، ثم هذبه المزي في "تهذيب
الكمال"، وقد لخصته، وزدت عليه أشياء كثيرة وسميته "تهذيب
التهذيب"، وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات، قدر ثلث
الأصل).
معرفة الأسماء المفردة:
-[قال الحافظ: (والمفردة).]-
قال اللقاني (2/ 1582): (قال قاسم: "وهي التي لم يشارك من
تسمى بشيء منها غيره فيها".
ولا فرق فيها - حينئذ - بين كونها اسما؛ بالمعنى المذكور
في باب العلم، وبين كونها كنية، أولقبا، كانت للصحابة، أو
لغيرهم.
فمن الأفراد في الأسماء: لُبَي، بوزن أبي، وأبوه: لَبَا،
بوزن فتى، وهو
صحابي من بني أسد، وهو وأبوه فردان.
ومن الأفراد في الألقاب: مندل - بفتح الميم وكسرها مع سكون
النون -: لقب لعمر بن على العنزي.
ومن أفراد الكنى: أبو مُعَيْد: كنية حفص بن غَيْلَان
الدمشقي).
معرفة الكنى والألقاب:
-[قال الحافظ: (والكنى، والألقاب).]-
قال اللقاني (2/ 1585): (مراده: معرفة الكنى المجردة عن
الأسماء، وعن الألقاب، وعن النسب، وعن النعوت، سواء كان
لها ذلك في نفسها، أو لم يكن، نحو: أبي شيبة، وأبي هاب،
وأبي رهم.
تنبيهان:
الأول: لا يخلو كلامه عن نوع تكرار مع ما قدمه من
قوله:"ومعرفة كنى المسمين" إلى هنا.
الثاني: الكنية - عندهم -: ما صُدِّرَ بأب أو أم، زاد
الرازي، وارتضاه الرضي وغيره من المتأخرين: "أو ابن، أو
بنت".
قوله: "والألقاب": أي وكذا من المهم - أيضا - معرفة
الأقاب، ولعل مراده: المجردة - أيضا - وحذفه من الثاني
لدلالة الأول عليه. وهي: جمع لقب، وهو ما أشعر برفعة
المسمى، أو ضَعَتِهِ، أي: خسته، وانحطاطه.
ولا يخفى عليك أن العَلَم: ما علق على شيء بعينه، غير
متناول ما أشبهه بوضع واحد، ثم هو إن صدر بأب أو أم، وكذا
بابن، أو بنت - على رأي - فهو كنية، وإلا فإن أشعر برفعة
المسمى أو بضعته، فهو اللقب، وإلا فهو الاسم.
وقال بعضهم: ما وضعه الأبوان ابتداءً، فهو الاسم، ثم ما لم
بوضع في الابتداء: إن اشعر بمدح أو ذم، فهو اللقب، ولو صدر
بأب أو أم، وإن لم يشعر بذلك بأب أو أم فهو الكنية.
مثال اللقب الغير مصدر بأب، أو أم: زين العابدين، ومثاله
مصدر بذلك: أبو الخيرن وأبو لهب، وأبو جهل، وأم الفضل،
وعليه بتخرج كلام الشارح هنا حيث قال: (وكذا معرفة الكنى
المجردة والألقاب وهي تارة تكون بلفظ الاسم، وتارة تكون
بلفظ
(1/109)
الكنية، وتقع نسبة إلى عاهة (1) أو حرفة
(2))).
معرفة الأنساب:
-[قال الحافظ: (والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان:
بلادا، أو ضِياعا أو سِكَكا، أو مجاورة. وإلى الصنائع
والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع
ألقابا. ومعرفة أسباب ذلك).]-
قال القاري في "شرح النخبة" (ص:769): ((وكذا معرفة
الأنساب، وهي تارة تقع إلى القبائل) جمع قبيلة، وهم بنو أب
واحد، (وهو) أي الأنساب إلى القبائل، (في المتقدمين أكثر
بالنسبة إلى المتأخرين) قال المصنف: لأن المتقدمين كانوا
يعتنون بحفظ أنسابهم، ولا يسكنون المدن والقرى غالبا،
بخلاف المتأخرين، نقله التلميذ.
(وتارة إلى الأوطان) جمع وطن، وهو محل الإنسان من بلدة، أو
ضيعة، أو سكة، ولا فرق فيمن ينتسب إلى محل بين أن يكون
أصليا منه، أو نازلا فيه، ومجاورا له، ولذلك تتعدد النسبة
إليه بحسب الانتقال، ولا حد للإقامة المسوغة للنسبة بزمن،
(وهذا) أي الأنساب إلى الأوطان لحصول التميز بين الأقران،
(في المتأخرين أكثري بالنسبة إلى المتقدمين،) وهذا الفن
مما يفتقر إليه حفاظ الحديث في تصرفاتهم، ومصنفاتهم، فإنه
قد يتعين به المهمل، ويتبين به المجمل، ويظهر الراوي
المدلس، ويعلم منه التلاقي بين الراويين، وغير ذلك من مظان
الطبقات، تواريخ البلدان، ومعرفة الأنساب، وفيها تصانيف
كثيرة، وقد كان العرب تنسب إلى قبائلها غالبا، فيقال:
القرشي البكري، فلما جاء الإسلام، وغلب عليهم سكنى القرى،
والمدائن، وضاع كثير من أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب
إلى البلدان انتسبوا إليها، ثم منهم من كان نقله من بلد
إلى بلد فأريد الانتساب إليهما، فيقال: المصري الدمشقي،
والأحسن أن يقال: ثم الدمشقي لمراعاة الترتيب.
ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة يجوز أن ينسب إلى القرية
فقط، أو الى بلدة تلك القرية، أو إلى ناحيتها، أو إلى
إقليمها، وله الجمع فيبدأ بالأعم وهو الإقليم، ثم الناحية،
ثم البلدة، ثم القرية، فيقال: المصري الصعيدي، المناوي،
الخصوصي، فالاخصوص قرية، والمنية بلدة، والصعيد ناحية
المنية، ويجوز العكس إذا المقصود التعريف والتمييز، وهو
حاصل.
__________
(1) كالأعمش، والأعرج.
(2) كالبزاز، والعطار.
(1/110)
(والنسبة إلى الوطن أعم من أن يكون بلادا)
جمع بلد، (أو ضِياعا) جمع ضَيعة، وهي المزرعة، (أو سِكَكا)
جمع سكة وهي: المحلة والطريق، لكنه أوسع من الزقاق، (أو
مجاورة).
(وتقع) أي تارة (إلى الصنائع) والصناعة بالفتح أخص من
الحرفة، لأن الصناعة لا بد من المباشرة فيها بخلاف الحرفة
كذا قيل (كالخياط) أي المباشرة الخياطة، (والحِرَف) جمع
حرفة (كالبزاز) أي بائع البز من غير مباشرة في تحصيل وجوده
من الغزل، والنسج.
(ويقع فيها) أي في الأنساب المنسوبة إلى القبائل،
والأوطان، والصنائع، والحرف، أو في النسبة إلى هذه الأشياء
(الاتفاق) أي خطأ كالقريشي والقرشي، (والاشتباه) أي لفظا،
فإن أحدهما بضم القاف، وفتح الراء، نسبة إلى قريش، والآخر
بفتح فسكون، نسبة إلى موضع من بلاد ما وراء النهر، وهذا
الوقوع كثير في الصنائع، والحرف كالصباغ، والصياغ، والجمال
والحمال.
(كالأسماء) أي كوقوعهما في الأسماء على ما تقدم.
(وقد تقع الأنساب ألقابا) أي قد يقع اللقب بصيغة النسبة
(كخالد بن مَخْلد القَطواني كان كوفيا ويلقب بالقطواني
وكان يغضب منها) أي من تلك النسبة، وفي القاموس: قطا: ثقل
مشيه، والماشي قارب في مشيه، فهو قطوان، وقطوان محركة - أي
بالفتح - موضع بالكوفة منه الأكسية.
(و) (من المهم أيضا معرفة أسباب ذلك) أي ما ذكر.
(أي الألقاب) يعني أسباب أنساب الألقاب، كصاعقة، وهو أبو
يحيى أحد شيوخ البخاري لقب بذلك لشدة حفظه.
__________
(1) قد ينسب الراوي إلى قبيلته الأصلية، وقد ينسب لقبيلة
أخرى ولاءً، فينبغي على طالب العلم
أن يعرف الموالي من الرواة خشية أن يأتي مرة بنسبه الأصلي
ومرة بنسب مواليه فيظن أنه آخر
، وانظر: "جني الثمر".
(1/111)
(والنسب التي باطنها على خلاف ظاهرها) كأبي
مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، لم يشهد بدرا في قول
الأكثرين بل نزل بها، أو سكنها فنسب إليها).
معرفة الموالي:
-[قال الحافظ: (ومعرفة الموالي من أعلى، ومن أسفل،
بالرِّقِّ، أو بالحِلْفِ).]-
قال القاري (ص:775): ((ومعرفة الموالي) أي ومن المهم معرفة
الموالي من
العلماء والرواة (1)، (من الأعلى) كالمعتِق، والمحالَف،
(والأسفل) كالمعتَق، والمحالِف، (بالرق) أي سبب الرق الذي
نشأ منه الإعتاق، وفيه أن الرق إنما ينسب إلى
الأسفل، والملك إلى الأعلى، فكان الأولى أن يقول: بالإعتاق
ليشمل الأسفل والأعلى كما لا يخفى. (أو بالحِلْف)، وأصله
المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد، (أو بالإسلام)
كأبي علي الحسن بن عيسى، كان نصرانيا وأسلم على يد ابن
المبارك، فقيل له: مولى ابن المبارك. (لأن كل ذلك) أي جميع
ما ذكر من كونه أعلى وأسفل بالرق، والحلف، والإسلام، وغيره
كمولى القبيلة (يطلق عليه مولى، ولا يعرف تمييز ذلك) أي من
الآخر، (إلا بالتنصيص) أي في رواية، أو من إمام معتمد
(عليه) أي على ما يتميز به أحدهما عن الآخر).
معرفة الإخوة والأخوات:
-[قال الحافظ: (ومعرفة الإخوة والأخوات).]-
قال اللقاني (2/ 1597): (قوله: "معرفة الإخوة والأخوات":
يعني من الرواة والعلماء، ومعرفتهم نوع لطيف مهم.
ومن فوائدها: الأمن من ظن الغلط، أو من ظن من ليس بأخٍ
أخا؛ للإشتراك في اسم الأب، كأحمد بن إشكاب، وعلي بن
إشكاب، ومحمد بن إشكاب).
قال المناوي في "اليواقيت والدرر" (2/ 419): (ومعرفة
الإخوة والأخوات من العلماء، والرواة كذلك وقد صنف فيه
القدماء كعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج ومثال ذلك في
الصحابة: عمر وزيد ابنا الخطاب وعبد الله وعتبة ابنا
مسعود.
(1/112)
ومن لطيفه أن ثلاثة أو أربعة وقعوا في
إسناد واحد، ففي " العلل " للدارقطني من طريق هشام بن حسان
عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيى بن سيرين عن أخيه أنس بن
سيرين عن مولاه أنس بن مالك أن رسول الله قال: لبيك حجة
حَقًا تعبدا وَرقا).
معرفة آداب الشيخ والطالب:
-[قال الحافظ: (ومعرفةُ آدابِ الشيخِ والطالبِ).]-
وقال في "النزهة" (ص/263): (ومن المهم، أيضا، معرفة آداب
الشيخ والطالب.
ويشتركان في تصحيح النية، والتطهر من أعراض الدنيا، وتحسين
الخلق. وينفرد
الشيخ بأن يسمع إذا احتيج إليه، ولا يحدث ببلد فيه أولى
منه (1)، بل يرشد إليه (2)، ولا يترك إسماع أحد لنية فاسدة
(3)، وأن يتطهر ويجلس بوقار، ولا يحدث قائما، ولا عجلا،
ولا في الطريق إلا إن اضطر إلى ذلك، وأن يمسك عن التحديث
إذا خشي التغير، أو النسيان؛ لمرض أو هرم. وإذا اتخذ مجلس
الإملاء أن يكون له مستمل يقظ.
وينفرد الطالب بأن يوقر الشيخ، ولا يضجره، ويرشد غيره لما
سمعه، ولا يدع الاستفادة لحياء أو تكبر، ويكتب ما سمعه
تاما، ويعتني بالتقييد والضبط، ويذاكر بمحفوظه؛ ليرسخ في
ذهنه).
معرفة سن التحمل والآداء:
-[قال الحافظ: (ومعرفة سن التحمل والأداء).]-
وقال في "النزهة" (ص/263): (ومن المهم: معرفة سن التحمل
والأداء. والأصح اعتبار سن التحمل بالتمييز، هذا في السماع
... وأما الأداء: فقد تقدم أنه لا اختصاص له بزمن معين، بل
يقيد بالاحتياج والتأهل لذلك، وهو مختلف باختلاف الأشخاص.
وقال ابن خلاد: إذا بلغ الخمسين، ولا ينكر عند الأربعين،
وتعقب بمن حدث قبلها، كمالك (4)).
__________
(1) قال اللقاني: (وهذا مذهب يحيى بن معين، وحكم العراقي
بالكراهة فقط، وإذا كره التحديث ببلد فيه أولى منه، كره له
التحديث بحضرة الأحق الأعلم، فقد كان إبراهيم النخعي إذا
اجتمع مع الشعبي، لم يتكلم إبراهيم بشيء).
(2) وقال أيضا: (ظاهره الوجوب، ولا يبعد؛ لأنه من باب
النصيحة فيجري على حكمها، قال شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ،:سألت
عائشة عن المسح على الخفين؟ فقالت: ائت عليا؛ فإنه أعلم
مني بذلك).
(3) أي من ذلك الأحد قال اللقاني: (والمعنى: ولا يترك
إسماع أحديعرف منه فساد القصد وعدم الإخلاص بقرائن قامت
عنده على ذلك؛ فلعله تنصلح بعد ذلك نيته).
(4) وقد جلس وهو ابن نيف وعشرين سنة، وقيل ابن سبع عشرة
سنة.
(5) راجع للمشكل، وقال اللقاني: (2/ 1693): (وخرج بالمشكل:
ما يفهم بلا شكل ونقط، فإن شَكْلَه ونَقْطَهُ تضييع
للزمان، واشتغال بما غيره أولى منه، وحكي كراهته عن أهل
العلم).
(1/113)
معرفة صفة كتابة الحديث، وعرضه، وسماعه،
وإسماعه، والرِّحلة فيه:
-[قال الحافظ: (وصفة كتابة الحديث، وعرضه، وسماعه،
وإسماعه، والرِّحلة فيه).]-
وقال في "النزهة" (ص/264): (ومن المهم: معرفة صفة كتابة
الحديث: وهو أن يكتبه مبينا مفسرا، ويُشَكِّل المُشكَل منه
وينقطه (5)، ويكتب الساقط في الحاشية اليمنى، ما
دام في السطر بقية، وإلا ففي اليسرى.
وصفة عرضه وهو مقابلته مع الشيخ المسمع، أو مع ثقة غيره،
أو مع نفسه شيئا فشيئا.
وصفة سماعه بأن لا يتشاغل بما يخل به: من نسخ أو حديث أو
نعاس.
وصفة إسماعه، كذلك، وأن يكون ذلك من أصله الذي سمع فيه، أو
من فرع قوبل على أصله، فإن تعذر فليجبره (1) بالإجازة لما
خالف (2)، إن خالف.
وصفة الرحلة فيه، حيث يبتدئ بحديث أهل بلده، فيستوعبه، ثم
يرحل، فيحصل في الرحلة ما ليس عنده، ويكون اعتناؤه بتكثير
المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشيوخ).
معرفة صفة تصنيف الحديث:
-[قال الحافظ: (وتصنيفه، إما على المسانيد، أو الأبواب، أو
العلل، أو الأطراف).]-
وقال في "النزهة" (ص/264): (وصفة تصنيفه: وذلك: إما على
المسانيد بأن يجمع مسند كل صحابي على حدة، فإن شاء رتبه
على سوابقهم (3)، وإن شاء رتبه على حروف المعجم، وهو أسهل
تناولا.
أو تصنيفه على الأبواب الفقهية، أو غيرها، بأن يجمع في كل
باب ما ورد فيه مما يدل على حكمه، إثباتا أو نفيا، والأولى
أن يقصر على ما صح أو حسن، فإن جمع الجميع فليبين علة
الضعيف.
أو تصنيفه على العلل، فيذكر المتن وطرقه، وبيان اختلاف
نقلته، والأحسن أن يرتبها على الأبواب؛ ليسهل تناولها.
__________
(1) قال القاري: أي ليجبر الشيخ نقصان الطالب.
(2) أي: أصل السماع، قال القاري: (بالإجازة لما خالف) أي
لشيء خالفه بأن نقل ما ليس من
سماعه، أو نقص عنه أو نقل بلفظ آخر (إن خالف) أي الطالب
مخالفة ما).
(3) قال السخاوي في "فتح المغيث" (3/ 321): (ومنهم من يرتب
على القبائل، فيقدم بني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في النسب، ومنهم من يرتب على
السابقة في الإسلام، فيقدم العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل
الحديبية، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من
أسلم يوم الفتح، ثم الأصاغر الأسنان كالسائب بن يزيد وأبي
الطفيل، ثم بالنساء، ويبدأ منهن بأمهات المؤمنين. قال
الخطيب: وهي أحب إلينا، وكذا قال ابن الصلاح: إنها أحسن،
يعني لتقديم الأولى فالأولى).
(1/114)
أو يجمعه على الأطراف، فيذكر طرف الحديث
الدال على بقيته، ويجمع أسانيده، إما مستوعبا، وإما متقيدا
بكتب مخصوصة).
معرفة أسباب الحديث:
-[قال الحافظ: (ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ
القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وصنفوا في غالب هذه الأنواع.
وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها
متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها).]-
والمقصود بيان السبب الذي من أجله حدث النبي - صلى الله
عليه وسلم - ببعض الأحاديث، قال السيوطي في "اللمع في
أسباب ورود الحديث" (ص:29): (قال البلقيني: واعلم أن السبب
قد ينقل في الحديث، كما في:
حديث: سؤال جبريل عن الاسلام والاحسان وغيرها.
وحديث: القلتين، سئل عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من
السباع والدواب.
وحديث: الشفاعة، سببه قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد
ولد آدم ولا فخر " ...
وذلك كثير، وقد لا ينقل السبب في الحديث، أو ينقل في بعض
طرقه، فهو الذي ينبغي الاعتناء به).
قال الحافظ في "النزهة" (ص:265): (ومن المهم: معرفة سبب
الحديث.
وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي،
وهو أبو حفص العكبري. قد ذكر الشيخ تقي الدين ابن دقيق
العيد أن بعض أهل عصره شرع في جمع ذلك، وكأنه ما رأى تصنيف
العكبري المذكور.
__________
(1) أي لا يتوصل إلى معرفتها إلا بالنقل المحض، وقد صنف
فيها الكتب فليرجع من أراد الوقوف على حقيقتها إلى هذه
المصنفات.
(2) قال القاري: أي عن إتيان الأمثلة لظهورها، وعدم توقفها
على معرفة جزئياتها.
(1/115)
وصنفوا في غالب هذه الأنواع، على ما أشرنا
إليه غالبا، وهي أي: هذه الأنواع المذكورة في هذه الخاتمة
نقل محض (1)، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل (2)،
وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها؛ ليحصل الوقوف على
حقائقها).
خاتمة النزهة:
-[قال الحافظ: (والله الموفق والهادي، لا إله إلا هو).]-
ولعل الحافظ ختم بكتابه بقوله: (لا إله إلا هو) يتأول قوله
- صلى الله عليه وسلم -: «من كان آخر كلامه لا إله إلا
الله دخل الجنة».
وكتبه حامدا ومصليا ...
أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي عفا الله عنه.
وكان الفراغ من جمعه يوم الجمعة 16 من شهر ذي القعدة لعام
1432هـ الموافق 14 من شهر أكتوبر لعام 2011م
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل مني هذا العمل
وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وألا يجعل لأحد فيه شيئا،
وأن يدخر لي أجره يوم ألقاه.
وأرجو من الله أن يكتب له القبول وأن ينفع به المسلمين،
أنه ولي ذلك وهو القادر عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب
إليك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(1/116)