المقنع في علوم الحديث

1
- بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَصلى الله على مُحَمَّد
رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ 2 لنا من أمرنَا رشدا رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل 3 صَالحا ترضاه وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين
أَحْمد الله على آلائه وأشكره على 4 نعمائه وأصلي على مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَأسلم
وَبعد
فالعلم بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله 5 عَلَيْهِ وَسلم وَرِوَايَته من أشرف الْعُلُوم إِذْ هُوَ ثَانِي الأساس والمقدم على الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس 6
وَقد صنف فِيهِ الْأَئِمَّة التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَعلله وَالْحَاكِم فِي

(1/37)


1 - أُصُوله ومدخله والخطيب فِي كِفَايَته وجامعه

(1/38)


1 - وَمن أجمعها كتاب الْعَلامَة الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أبي عَمْرو بن الصّلاح سقى الله ثراه 2 وَجعل الْجنَّة مَأْوَاه فَإِنَّهُ جَامع لعيونها ومستوعب لفنونها
وَجعل أَنْوَاعه زَائِدَة على السِّتين 3 وَأَنَّهَا تزيد على ذَلِك
وَقد وَقع الِاخْتِيَار بِفضل الله وقوته على تلخيصه وتقريبه وتنقيحه

(1/39)


1 - وتهذيبه مَعَ زيادات عَلَيْهِ مهمة وفوائد جمة لَا تلفى مسطورة وَلَا تكَاد تُوجد فِي الْكتب 2 الْمَشْهُورَة من الله تَعَالَى بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وتفضل بإفادة المتشوقين إِلَيْهَا
وَعلمت للزِّيَادَة 3 عَلامَة دَائِرَة بالحمرة فِي أَولهَا وَآخِرهَا وَرُبمَا قلت فِي أَولهَا قلت وَفِي آخرهَا عَلامَة الدائرة 4 الْمَذْكُورَة
جعله الله لوجهه خَالِصا وللمشتغل بِهِ نَافِعًا فَإِنَّهُ بِيَدِهِ والقادر عَلَيْهِ وَهُوَ 5 حسبي وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم

(1/40)


1
- النَّوْع الأول
الصَّحِيح
وَهُوَ لُغَة ضد المكسور والسقيم
وَفِيه مسَائِل
الأولى
لَا 2 شكّ أَن الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف فَالصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ
مَا اتَّصل إِسْنَاده بالعدول 3 الضابطين من غير شذوذ وَلَا عِلّة
وَفِي هَذِه الْأَوْصَاف احْتِرَاز عَن الْمُرْسل والمنقطع والمعضل 4 والشاذ وَمَا فِيهِ قادحة وَمَا فِي رُوَاته نوع جرح

(1/41)


1
- قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الاقتراح وَفِي هذَيْن الشَّرْطَيْنِ نظر على مُقْتَضى مَذْهَب الْفُقَهَاء 2 فَإِن كثيرا من الْعِلَل الَّتِي يُعلل بهَا المحدثون لَا تجْرِي على أصُول الْفُقَهَاء
فَإِذا قيل 3 حَدِيث صَحِيح فَهَذَا مَعْنَاهُ لَا أَنه مَقْطُوع بِهِ فِي نفس الْأَمر إِذْ مِنْهُ مَا ينْفَرد بروايته عدل 4 وَلَيْسَ من الْأَخْبَار الَّتِي أَجمعت الْأمة على تلقيها بِالْقبُولِ

(1/42)


1
- وَكَذَا إِذا قيل هَذَا حَدِيث غير صَحِيح فَمَعْنَاه لم يَصح إِسْنَاده إِذْ قد يكون صدقا فِي نفس 2 الْأَمر
قَالَ الشَّافِعِي إِذا روى الثِّقَة عَن الثِّقَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ 3 وَسلم فَهُوَ ثَابت

(1/43)


1 - ثمَّ الصَّحِيح يَنْقَسِم إِلَى مُتَّفق عَلَيْهِ ومختلف فِيهِ كَمَا فِي الْمُرْسل عِنْد الْقَائِل بِهِ
وينقسم 2 إِلَى مَشْهُور وغريب كَمَا ستعلمه
ثمَّ إِن دَرَجَات الصَّحِيح تَتَفَاوَت فِي الْقُوَّة لِأَن تفَاوت مَرَاتِب 3 الصِّحَّة مُرَتّب على تمكن الْإِسْنَاد فِي شُرُوط الصِّحَّة

(1/44)


1 - ويعز وجود أَعلَى دَرَجَات الْقبُول فِي كل فَرد فَرد فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة بِالنِّسْبَةِ لجَمِيع الروَاة 2 بِحَسب تمكن الصَّحِيح من الصِّفَات الْمَذْكُورَة الَّتِي تبنى الصِّحَّة عَلَيْهَا
وتنقسم بِاعْتِبَار ذَلِك 3 إِلَى أَقسَام يستعصي إحصاؤها على الْعَاد الحاصر
وَلِهَذَا نرى الْإِمْسَاك عَن الحكم لإسناد 4 أَو حَدِيث بِأَنَّهُ الْأَصَح على الْإِطْلَاق
وخاض جمَاعَة غمرة ذَلِك فاضطربوا
فَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه 5 أَصَحهَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَنَحْوه عَن الإِمَام أَحْمد
وَقَالَ الفلاس وَغَيره أَصَحهَا ابْن 6 سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ ثمَّ مِنْهُم من عين الرَّاوِي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَجعله أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ 7 وَمِنْهُم من جعله ابْن عون
وَقَالَ يحيى بن معِين أَجودهَا الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن 8 ابْن مَسْعُود
وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة أَصَحهَا الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن

(1/45)


1 - عَن أَبِيه عَن عَليّ
وَقَالَ البُخَارِيّ أَصَحهَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر
قَالَ أَبُو مَنْصُور 2 التَّمِيمِي فعلى هَذَا أجلهَا الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر لإِجْمَاع أهل الحَدِيث على 3 أَنه لم يكن فِي الروَاة عَن مَالك أجل من الشَّافِعِي
قلت هَذَا أجلهَا الإِمَام أَحْمد عَن الشَّافِعِي 4 عَن مَالك بِهِ
وَقد وَقع كَذَلِك فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد فِي هَذِه أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث ابْن عمر 5 مَرْفُوعا لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض الحَدِيث بِطُولِهِ

(1/46)


1 - وَقَالَ آخَرُونَ أَصَحهَا يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة حكاة الْحَاكِم
وَقيل 2 شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَامر أخي أم سَلمَة عَن أم سَلمَة حَكَاهُ الْحَاكِم أَيْضا

(1/47)


1 - وَفِي الْمُتَّصِل والمنقطع لِلْحَافِظِ أبي بكر البرديجي الْأَحَادِيث الصِّحَاح الَّتِي أجمع أهل 2 الحدي على صِحَّتهَا من جِهَة النَّقْل مثل الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن عمر وَالزهْرِيّ عَن سَالم 3 عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة مَالك بن أنس وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر والزبيدي 4 وَعقيل وَالْأَوْزَاعِيّ مَا لم يخْتَلف فِيهِ فَإِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي مثل هَذَا بَين هَؤُلَاءِ الَّذين 5 ذَكَرْنَاهُمْ توقف عَنهُ وَقد خَالف سالما فِي أَحَادِيث
قَالَ وَمثل الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب 6 عَن أبي هُرَيْرَة وَمثل الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 7 من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ وَهِشَام مَا لم يَقع الِاخْتِلَاف وَالِاضْطِرَاب فِيهِ ثمَّ أوضح ذَلِك

(1/48)


1 - وَقَالَ الْحَاكِم لما حكى الْخلاف السالف فِي أصح الْأَسَانِيد قد ذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَا 2 أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي ذَلِك وَلكُل صَحَابِيّ رُوَاة من التَّابِعين وَلَهُم أَتبَاع وَأَكْثَرهم ثِقَات لَا 3 يُمكن أَن نقطع بالحكم فِي أصح الْأَسَانِيد لصحابي وَاحِد فَنَقُول
إِن أصح أَسَانِيد أهل الْبَيْت 4 جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن جَعْفَر ثِقَة

(1/49)


1 - وَأَصَح أَسَانِيد الصّديق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَنهُ
وَأَصَح أَسَانِيد 2 عمر الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن جده
وَأَصَح أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب 3 عَنهُ
وَقَالَ خَ أَصَحهَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَنهُ
ولعَبْد الله بن عمر مَالك عَن نَافِع عَنهُ 4
ولعائشة عبيد الله بن عمر عَن الْقَاسِم عَنْهَا

(1/50)


1 - قَالَ يحيى بن معِين تَرْجَمَة مشبكة بِالذَّهَب
وَالزهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا
وَلابْن مَسْعُود الثَّوْريّ 2 عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ
ولأنس بن مَالك مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ
وَأَصَح أَسَانِيد 3 المكيين سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر
وَأَصَح أَسَانِيد اليمانيين معمر عَن 4 همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة
وَأثبت أَسَانِيد المصريين اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن 5 أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر
وَأثبت أَسَانِيد الشاميين الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة عَن 6 الصَّحَابَة

(1/51)


1 - وَأثبت أَسَانِيد الخرسانيين الْحُسَيْن بن وَاقد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه

(1/52)


1 -

(1/53)


1
- الثَّانِيَة
من رأى فِي هَذِه الْأَزْمَان حَدِيثا صَحِيح الْإِسْنَاد فِي كتاب أَو جُزْء لم ينص 2 على صِحَّته حَافظ مُعْتَمد فَلَا يحكم بِصِحَّتِهِ لضعف أَهْلِيَّة هَذِه الْأَزْمَان
قلت فِيهِ نظر لَا جرم 3 خَالفه فِيهِ النَّوَوِيّ وَقَالَ الْأَظْهر عِنْدِي جَوَازه لمن تمكن وقويت مَعْرفَته وَهُوَ كَمَا قَالَ لعدم 4 الْمَعْنى

(1/54)


1 - الَّذِي علل بِهِ الشَّيْخ وَقد صحّح غير وَاحِد من المعاصرين لِابْنِ الصّلاح وَبعده أَحَادِيث 2 لمن تقدمهم فِيهَا تَصْحِيحا كَأبي الْحسن بن الْقطَّان والضياء الْمَقْدِسِي والزكي عبد الْعَظِيم 3 وَمن بعدهمْ

(1/55)


1
- الثَّالِثَة
أول من صنف الصَّحِيح يَعْنِي الْمُجَرّد البُخَارِيّ ثمَّ تلاه مُسلم مَعَ أَنه أَخذ عَن 2 البُخَارِيّ واستفاد مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك يُشَارِكهُ فِي كثير من شُيُوخه
قلت وَادّعى الْقُرْطُبِيّ فِي أول 3 مفهمه أَن مُسلما أَخذ كتاب البُخَارِيّ فَجعله فِي كِتَابه وَلَعَلَّ جَوَابه مَا ذكره الشَّيْخ من مشاركته 4 لَهُ فِي كثير من شُيُوخه

(1/56)


1 - واحترزت ب الصَّحِيح الْمُجَرّد عَن موطأ مَالك فَإِن فِيهِ الصَّحِيح وَغَيره من الْبَلَاغ والمقطوع 2 الْمُنْقَطع وَغير ذَلِك وَإِن كَانَ ذَلِك فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا فستعرف جَوَابه فِي الْمَسْأَلَة السَّادِسَة 3 وَكَذَا مُسْند أَحْمد فَإِنَّهُ بعد الْمُوَطَّأ وَفِيه أَيْضا الصَّحِيح وَغَيره
وكتابهما أصح الْكتب بعد 4 الْقُرْآن أَعنِي كتاب البُخَارِيّ وَمُسلم

(1/57)


1 - وَقَول الشَّافِعِي مثل ذَلِك فِي الْمُوَطَّأ كَانَ قبل وجودهما
ثمَّ صَحِيح البُخَارِيّ أصَحهمَا وأكثرهما 2 فَوَائِد
قلت قَالَ النَّسَائِيّ مَا فِي هَذِه الْكتب أَجود من البُخَارِيّ وَقرر ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي 3 مدخله
وَمِمَّا يرجح بِهِ أَنه لَا بُد من ثُبُوت اللِّقَاء عِنْده وَخَالفهُ مُسلم وَاكْتفى بإمكانه

(1/58)


1 - وَعكس بعض شُيُوخ الْمغرب ففضل صَحِيح مُسلم عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي مَا 2 تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح مِنْهُ فَإِن أَرَادَ أَنه لم يمزجه غير الصَّحِيح بِخِلَاف مَا فعل البُخَارِيّ 3 من ذكره فِي تراجمه أَشْيَاء لم يسندها على الْوَصْف الْمَشْرُوط فِي

(1/59)


1 - الصَّحِيح فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ وَلَا يلْزم مِنْهُ التَّرْجِيح أَيْضا فِي نفس الصَّحِيح وَإِن أطلق فمردود 2
قلت وَرَأَيْت لبَعض الْمُتَأَخِّرين حِكَايَة قَول ثَالِث وَهُوَ أَنَّهُمَا سَوَاء وَلم يعزه لأحد
الرَّابِعَة 3
لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك
قلت فإلزام الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم لَهما أَحَادِيث على 4 شَرطهمَا لم يخرجاها لَيْسَ بِلَازِم فقد قَالَ البُخَارِيّ مَا أدخلت فِي كتاب الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ 5 وَتركت من الصِّحَاح لحَال الطول وَقَالَ مُسلم لَيْسَ كل شَيْء عِنْدِي صَحِيح وَضعته هُنَا يَعْنِي فِي صَحِيحه 6 إِنَّمَا وضعت هَهُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَلَعَلَّ مُرَاده مَا فِيهِ شَرَائِط الصَّحِيح

(1/60)


1 - الْمجمع عَلَيْهَا عِنْده لَا اجْتِمَاعهم على وجودهَا فِي كل حَدِيث مِنْهُ عِنْد بَعضهم أَي فَإِن 2 فِيهِ أَحَادِيث تكلم عَلَيْهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره
ثمَّ إِن أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الأخرم الْحَافِظ 3 قَالَ قل مَا يفوت البُخَارِيّ وَمُسلمًا مِمَّا ثَبت من الحَدِيث يَعْنِي فِي كِتَابَيْهِمَا
وَفِيه نظر فَإِن 4 الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ للْحَاكِم أبي عبد الله كتاب كَبِير يشْتَمل مِمَّا فاتهما على شَيْء 5 كثير وَإِن يكن عَلَيْهِ فِي بعضه مقَال فَإِنَّهُ يصفو لَهُ مِنْهُ صَحِيح كثير

(1/61)


1 - وَقد قَالَ البُخَارِيّ أحفظ مئة ألف حَدِيث صَحِيح ومئتي ألف حَدِيث غير صَحِيح
قلت وَلَعَلَّ 2 مُرَاد أبي عبد الله الأخرم بقوله هَذَا الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ لَا الصَّحِيح الْمُطلق
وَالصَّوَاب 3 أَنه لم يفت الْأُصُول الْخَمْسَة إِلَّا الْيَسِير اعني الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ 4
قلت وَنقل بعض الْفُقَهَاء الْمُتَأَخِّرين أَن مَجْمُوع مَا صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة عشر 5 ألف حَدِيث وَهُوَ من الْعَجَائِب فقد قَالَ شيخ هَذِه الصِّنَاعَة الإِمَام أَحْمد كَمَا نَقله الْحَاكِم فِي 6 مدخله صَحَّ من الحَدِيث عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبعمئة ألف حَدِيث وَكسر 7 وَهَذَا الْفَتى يَعْنِي

(1/62)


1 - أَبَا زرْعَة يحفظ ستمئة ألف حَدِيث
وَأغْرب من الْمقَالة الأولى وأعجب مَا رَأَيْته فِي أصُول 2 الْفِقْه لِابْنِ سراقَة من أَصْحَابنَا أَنه قيل إِن أَكثر مَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ 3 وَسلم بالطرق الصِّحَاح وَالرِّجَال الثِّقَات المعروفين والأسانيد الْمُتَّصِلَة ثَلَاثَة آلَاف حَدِيث 4
وَأول بعض الْفُقَهَاء كَلَام البُخَارِيّ السالف فَقَالَ مُرَاده وَالله أعلم بِمَا ذكره تعدد الطّرق 5 والأسانيد وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم وسمى الْجَمِيع حَدِيثا وَقد كَانَ السّلف يطلقون 6 الحَدِيث على ذَلِك وَأَن هَذَا أولى من تَأْوِيله أَنه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة بل هُوَ مُتَعَيّن 7 لَا يجوز الْعُدُول عَنهُ وَمَا أَدْرِي مَا حمله على ذَلِك أَتَرَى أحَاط بذلك علما حَتَّى أول

(1/63)


1 - وَجُمْلَة مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ سَبْعَة آلَاف ومئتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا بالأحاديث المكررة 2
وَقد قيل إِنَّهَا بِإِسْقَاط المكررة أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث
إِلَّا أَن هَذِه الْعبارَة قد تندرج تحتهَا 3 عِنْدهم آثَار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَرُبمَا عد الحَدِيث الْمَرْوِيّ بِإِسْنَادَيْنِ حديثين
قلت وَمن 4 الغرائب مَا فِي كتاب الْجَهْر بالبسملة لأبي سعيد إِسْمَاعِيل بن أبي الْقَاسِم البوشنجي نقل 5 عَن البُخَارِيّ أَنه صنف كتابا أورد فِيهِ مئة ألف حَدِيث صَحِيح
وَلم يذكر الشَّيْخ عدد مَا فِي 6 مُسلم من الْأَحَادِيث وَأفَاد فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ على صَحِيح مُسلم أَن فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث 7 أصُول دون المكرر كَمَا ذكره عَن صَحِيح البُخَارِيّ وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي تقريبه فَقَالَ إِنَّه بِإِسْقَاط 8 المكرر نَحْو أَرْبَعَة آلَاف
وَأما أَحْمد بن سَلمَة فَقَالَ هُوَ اثْنَا عشر ألف حَدِيث
وروى الْخَطِيب 9 الْبَغْدَادِيّ عَن مُسلم رَحمَه الله أَنه قَالَ صنفت

(1/64)


1 - هَذَا الْمسند الصَّحِيح من ثلاثمئة ألف حَدِيث مسموعة
وَقَالَ أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمجِيد 2 الميانشي فِي إِيضَاح مَا لَا يسع الْمُحدث جَهله الَّذِي اشْتَمَل عَلَيْهِ كتاب البُخَارِيّ من أَحَادِيث 3 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة آلَاف حَدِيث وستمئة وأنيف قَالَ واشتمل كتاب مُسلم 4 على ثَمَانِيَة آلَاف حَدِيث قَالَ واشتمل الكتابان على ألف حَدِيث ومئتي حَدِيث من الْأَحْكَام فروت 5 عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الله عَنْهَا من جملَة الْكِتَابَيْنِ مئتين ونيف وَسبعين حَدِيثا لم 6 يخرج غير الْأَحْكَام مِنْهُ إِلَّا يَسِيرا
قَالَ الْحَاكِم فَحمل عَنْهَا ربع الشَّرِيعَة
قَالَ بَقِي بن 7 مخلد رَوَت ألفي ومئتي حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث
وَالَّذين رووا الألوف أَرْبَعَة أَبُو هُرَيْرَة وَابْن 8 عمر وَأنس وَعَائِشَة
وَجُمْلَة مَا فِي كتاب أبي دَاوُد أَرْبَعَة آلَاف وثمانمئة فَإِنَّهُ قَالَ كتبت 9 عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمسمئة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا هَذَا السّنَن فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف 10 وثمانمئة حَدِيث

(1/65)


1 - وَلم أر من عدد أَحَادِيث التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَأما ابْن ماجة فَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان 2 صَاحب ابْن ماجة عدته أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث
ثمَّ إِن الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح على مَا فِي الْكِتَابَيْنِ 3 تعرف من السّنَن الْمُعْتَمدَة ك سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وجامع التِّرْمِذِيّ وصحيح ابْن خُزَيْمَة 4 وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم مَنْصُوبًا على صِحَّته وَلَا يَكْفِي وجوده فِي كتاب أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ 5 وَالنَّسَائِيّ وَسَائِر من جمع فِي كِتَابه بَين الصَّحِيح وَغَيره وَيَكْفِي مُجَرّد كَونه مَوْجُودا فِي كتب 6 من شَرط الِاقْتِصَار على الصَّحِيح ككتاب ابْن خُزَيْمَة والكتب المخرجة على الصَّحِيحَيْنِ ككتاب 7 أبي عوَانَة وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي بكر البرقاني وَغَيرهمَا من تَتِمَّة لمَحْذُوف أَو زِيَادَة 8 شرح وَهَذَا كثير فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لأبي عبد الله الْحميدِي

(1/66)


1 - واعتنى الْحَاكِم أَبُو عبد الله بِالزِّيَادَةِ فِي عدد الحَدِيث الصَّحِيح على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ 2 أودعهُ مَا لَيْسَ فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا رَوَاهُ على شَرطهمَا قد أخرجَا عَن رُوَاته فِي كِتَابَيْهِمَا 3 أَو على شَرط أَحدهمَا وَمَا أدرى اجْتِهَاده إِلَى تَصْحِيحه وَإِن لم يكن على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ 4 وَاسع الخطو فِي شَرط الصَّحِيح متساهل فِي الْقَضَاء بِهِ فَالْأولى أَن نتوسط فِي أمره فَنَقُول مَا 5 حكم بِصِحَّتِهِ وَلم نجد ذَلِك فِيهِ لغيره من الْأَئِمَّة إِن لم يكن من قبيل الصَّحِيح فَهُوَ من قبيل 6 الْحسن يحْتَج وَيعْمل بِهِ إِلَّا أَن تظهر فِيهِ عِلّة توجب فِيهِ عِلّة توجب ضعفه
قلت قَول الشَّيْخ 7 عَن الْحَاكِم أَنه أودع فِيهِ على شَرط الشَّيْخَيْنِ مَا قد أخرجَا عَن رُوَاته فِي كِتَابَيْهِمَا تبعه 8 على ذَلِك النَّوَوِيّ وَابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيرهمَا وَعبارَة الْحَاكِم نَفسه فِي خطْبَة مستدركة مُنَافِيَة 9 لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ
وَأَنا أستعين الله على إِخْرَاج أَحَادِيث رواتها ثِقَات قد احْتج بِمِثْلِهَا الشَّيْخَانِ 10 أَو أَحدهمَا
نعم خَالف هَذَا الِاصْطِلَاح فِي أثْنَاء كِتَابه وَقَالَ لما أخرج التَّارِيخ وَالسير 11 وَلَا بُد لنا من نقل كَلَام ابْن إِسْحَاق والواقدي

(1/67)


1 - وَادّعى الْحَاكِم فِي الْمدْخل إِلَى الإكليل أَن شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن لَا يذكر إِلَّا مَا 2 رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور لَهُ راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ تَابِعِيّ مَشْهُور بالرواية عَن الصَّحَابَة 3 لَهُ أَيْضا راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ من أَتبَاع الأتباع الْحَافِظ المتقن الْمَشْهُور 4 على ذَلِك الشَّرْط ثمَّ كَذَلِك
قَالَ وَالْأَحَادِيث المروية بِهَذَا الشَّرْط لَا يبلغ عَددهَا عشرَة آلَاف 5
وَهَذَا الشَّرْط الَّذِي ذكره غلط فِيهِ فَإِنَّهُمَا أخرجَا عدَّة أَحَادِيث لَيْسَ لَهَا إِلَّا راو وَاحِد كَمَا 6 سَيَأْتِي بَيَانهَا فِي النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ
وَأغْرب من هَذَا قَول الميانشي إِن شَرطهمَا فِي 7 صَحِيحهمَا أَن لَا يدخلا فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدهمَا وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ 8 وَسلم اثْنَان فَصَاعِدا وَمَا نَقله عَن كل وَاحِد من الصَّحَابَة أَرْبَعَة من التَّابِعين فَأكْثر وَأَن 9 يكون عَن كل وَاحِد من التَّابِعين أَكثر من أَرْبَعَة
وَقَالَ ابْن طَاهِر إِن الْأَئِمَّة الْخَمْسَة خَ م 10 د ت س لم ينْقل عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه قَالَ شرطت أَن أخرج فِي كتابي مَا يكون على شَرط كَذَا 11 لَكِن لما سبر كتبهمْ علم بذلك شَرط كل وَاحِد مِنْهُم
فَشرط خَ م أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع 12 على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور فَإِن كَانَ للصحابي راويان فَصَاعِدا فَحسن وَإِن لم 13 يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد وَصَحَّ ذَلِك الطَّرِيق إِلَى ذَلِك الرَّاوِي أَخْرجَاهُ

(1/68)


1 - إِلَّا أَن مُسلما أخرج حَدِيث قوم ترك خَ حَدِيثهمْ لشُبْهَة وَقعت فِي نَفسه ك حَمَّاد بن سَلمَة 2 وَسُهيْل بن أبي صَالح وَدَاوُد بن أبي هِنْد وَأبي الزبير والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم و 3 خَ لما تكلم فِي هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يزِيل الْعَدَالَة والثقة ترك إِخْرَاج حَدِيثهمْ اسْتغْنَاء بغيرهم 4 فتكلموا فِي سُهَيْل وسماعه من أَبِيه فَقيل صحيفَة وَتَكَلَّمُوا فِي حَمَّاد بِأَنَّهُ أَدخل فِي حَدِيثه 5 مَا لَيْسَ مِنْهُ وَعند مُسلم مَا صَحَّ هَذَا النّظر فَأخْرج أَحَادِيثهم لإِزَالَة الشُّبْهَة عِنْده
وَأما 6 د س فَإِن كِتَابَيْهِمَا يَنْقَسِم على ثَلَاثَة أَقسَام
الأول الْحسن الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ فَحكمه 7 على مَا ذكرنَا
الثَّانِي صَحِيح على شَرطهمَا
وَقَالَ ابْن مَنْدَه إِن شَرطهمَا إِخْرَاج أَحَادِيث أَقوام 8 لم يجمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الْإِسْنَاد من غير قطع وَلَا إرْسَال
فَيكون هَذَا 9 الْقسم من الصَّحِيح لما بَينا أَنَّهُمَا تركا كثيرا من الصَّحِيح الَّذِي حفظاه
الثَّالِث أَحَادِيث 10 أَخْرَجَاهَا من غير قطع مِنْهُمَا بِصِحَّتِهَا وَقد أَبَانَا علتها بِمَا يفهمهُ أخل الْمعرفَة فأورداها 11 وَبينا سقهما لتزول الشُّبْهَة
وَأما التِّرْمِذِيّ فقسم كِتَابه على أَرْبَعَة أَقسَام
قسم صَحِيح 12 مَقْطُوع بِهِ وَهُوَ مَا وَافق البُخَارِيّ وَمُسلم
وَقسم على شَرط د س كَمَا بَينا فِي الْقسم الثَّانِي 13 لَهما

(1/69)


1 - وَقسم آخر كالثالث لَهما أخرجه أبان عَن علته
ورابع أبان هُوَ عَنهُ وَقَالَ مَا أخرجت 2 فِي كتابي إِلَّا حَدِيثا قد عمل بِهِ بعض الْفُقَهَاء
فعلى هَذَا الأَصْل كل حَدِيث احْتج بِهِ مُحْتَج 3 أَو عمل بِمُوجبِه عَامل أخرجه سَوَاء صَحَّ طَرِيقه أَو لم يَصح وَقد أزاح عَن نَفسه فَإِنَّهُ تكلم على 4 كل حَدِيث بِمَا فِيهِ وَكَانَ من طَرِيقه أَن يترجم الْبَاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث مَشْهُور عَن صَحَابِيّ فِي 5 حكم قد صَحَّ الطَّرِيق إِلَيْهِ وَأخرج حَدِيثه فِي الْكتب الصِّحَاح فيورد فِي الْبَاب ذَلِك الحكم من 6 صَحَابِيّ آخر لم يخرجوه من حَدِيثه وَلَا يكون الطَّرِيق إِلَيْهِ كالطريق إِلَى الأول إِلَّا أَن الحكم 7 صَحِيح ثمَّ يتبعهُ بِأَن يَقُول وَفِي الْبَاب عَن فلَان وَفُلَان ويعد جمَاعَة مِنْهُم الصَّحَابِيّ وَالْأَكْثَر 8 الَّذِي أخرج ذَلِك الحكم من حَدِيثه وَمَا سلك هَذِه الطَّرِيق إِلَّا فِي أَبْوَاب مَعْدُودَة
وَقَالَ ابْن 9 مَنْدَه إِن من حكم الصَّحَابِيّ إِذا روى عَنهُ تَابِعِيّ وَإِن كَانَ مَشْهُورا مثل الشّعبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب 10 ينْسب إِلَى الْجَهَالَة فَإِذا روى عَنهُ رجلَانِ صَار مَشْهُورا وَاحْتج بِهِ وعَلى هَذَا بنى خَ م صَحِيحهمَا 11 إِلَّا أحرفا يتَبَيَّن أمرهَا
قَالَ الشَّيْخ ويقاربه أَعنِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم فِي حكمه صَحِيح أبي 12 حَاتِم بن حبَان

(1/70)


1 - قلت لِأَن شَرطه فِي خطبَته فِي صَحِيحه أَن يكون الرَّاوِي ثِقَة غير مُدَلّس سمع من فَوْقه وَسمع 2 مِنْهُ بِالْأَخْذِ عَنهُ والْحَدِيث لَيْسَ بمرسل وَلَا مُنْقَطع
الْخَامِسَة
الْكتب المخرجة على الصَّحِيحَيْنِ 3 لم يلْتَزم فِيهَا موافقتهما فِي الْأَلْفَاظ لكَوْنهم رووها من غير جهتهما طلبا للعلو فَحصل 4 فِيهَا تفَاوت فِي اللَّفْظ
وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا مِمَّا قَالُوا فِيهِ أخرجه 5 البُخَارِيّ وَمُسلم وَقع فِي بعضهما تفَاوت فِي الْمَعْنى فمرادهم أَنَّهُمَا رويا أَصله
فَلَا يجوز 6 أَن ينْقل مِنْهَا حَدِيثا وَيَقُول هُوَ هَكَذَا فيهمَا إِلَّا أَن يُقَابل بهما أَو يَقُول المُصَنّف أَخْرجَاهُ 7 بِلَفْظِهِ
بِخِلَاف المختصرات من الصَّحِيحَيْنِ فَإِنَّهُم نقلوا فِيهَا ألفاظهما غير أَن الْجمع بَين 8 االصحيحين للحميدي يشْتَمل على زِيَادَة تتمات لبَعض الْأَحَادِيث كَمَا قدمْنَاهُ ذكره فليتأملها 9 الْحَافِظ وَلَا يعزيها إِلَيْهِمَا من أول وهلة
ثمَّ إِن الْكتب المخرجة عَلَيْهِمَا لَهَا فَائِدَتَانِ

(1/71)


1 - علو الْإِسْنَاد
وَالزِّيَادَة فِي قدر الصَّحِيح فَإِن تِلْكَ الزِّيَادَة صَحِيحَة لِكَوْنِهِمَا بإسنادهما 2
قلت وَفَائِدَة ثَالِثَة وَهِي زِيَادَة قُوَّة الحَدِيث بِكَثْرَة الطّرق
السَّادِسَة
مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ 3 فِي صَحِيحهمَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل فَهُوَ الْمَحْكُوم بِصِحَّتِهِ
وَأما الْمُعَلق وَهُوَ الَّذِي حذف من مبتدإ 4 إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر وَهُوَ غَالب فِي صَحِيح البُخَارِيّ قَلِيل جدا فِي صَحِيح مُسلم فَفِي بعضه نظر 5
وَيَنْبَغِي أَن يُقَال مَا كَانَ مِنْهُ بِصِيغَة الْجَزْم ك قَالَ وروى وشبههما فَهُوَ حكم بِصِحَّتِهِ عَن 6 الْمُضَاف إِلَيْهِ
ثمَّ إِذا كَانَ علق الحَدِيث عَنهُ دون الصَّحَابَة فَالْحكم بِصِحَّتِهِ

(1/72)


1 - مُتَوَقف على اتِّصَال الْإِسْنَاد بَينه وَبَين الصَّحَابِيّ
وَمَا لم يكن فِيهِ جزم ك رُوِيَ أَو فِي 2 الْبَاب كَذَا وَكَذَا وَمَا أشبههما مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حكم بِصِحَّة ذَلِك عَمَّن ذكره عَنهُ لِأَن مثل هَذِه 3 الْعبارَات تسْتَعْمل فِي الضَّعِيف أَيْضا وَمَعَ ذَلِك فإيراده لَهُ فِي أثْنَاء الصَّحِيح مشْعر بِصِحَّة أَصله 4
قلت يُؤَيّد ذَلِك مَا قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ فِي كِتَابه فِي السماع البُخَارِيّ لَا يعلق فِي 5 كِتَابه إِلَّا مَا كَانَ فِي نَفسه صَحِيحا مُسْندًا لكنه لم يسْندهُ ليفرق بَين مَا كَانَ على شَرطه 6 فِي أصل كِتَابه وَبَين مَا لَيْسَ كَذَلِك
قلت على أَن البُخَارِيّ نَفسه ذكره مرّة التَّعْلِيق بِغَيْر 7 صِيغَة جزم ثمَّ أسْندهُ فِي مَوضِع آخر من صَحِيحه فَقَالَ فِي كتاب الصَّلَاة وَيذكر عَن أبي مُوسَى 8 قَالَ كُنَّا نتناوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصَلَاة الْعشَاء ثمَّ أسْندهُ فِي مَوضِع آخر بَاب 9 فضل الْعشَاء وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي 10 مُوسَى
وَقَالَ فِي كتاب الإشخاص وَيذكر عَن جَابر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رد على الْمُتَصَدّق 11 صدقته ثمَّ أسْندهُ فِي مَوضِع آخر دبر رجل عبدا لَيْسَ لَهُ مَال فَبَاعَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ 12 وَسلم من نعيم بن النحام

(1/73)


1 - وَقَالَ فِي كتاب الطِّبّ وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرقى 2 بِفَاتِحَة الْكتاب وأسنده مرّة
قَالَ الشَّيْخ ثمَّ إِنَّمَا يتقاعد من ذَلِك عَن شَرط الصَّحِيح قَلِيل 3 يُوجد فِي كتاب البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع من تراجم الْأَبْوَاب دون مَقَاصِد الْكتاب وموضوعه الَّذِي 4 يشْعر بِهِ اسْمه الَّذِي سَمَّاهُ وَهُوَ الْجَامِع الْمسند الصَّحِيح الْمُخْتَصر من أُمُور رَسُول الله صلى 5 الله عَلَيْهِ وَسلم وسننه وأيامه
وَإِلَى الْخُصُوص الَّذِي بَيناهُ يرجع مُطلق قَوْله مَا أدخلت فِي 6 كتاب الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ
وَكَذَلِكَ مُطلق قَول الْحَافِظ أبي نصر السجْزِي الوائلي أجمع أهل 7 الْعم الْفُقَهَاء وَغَيرهم على أَن رجلا لَو حلف بِالطَّلَاق أَن جَمِيع مَا فِي كتاب البُخَارِيّ مِمَّا 8 رُوِيَ عَن رَسُول الله قد صَحَّ عَنهُ وَرَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه لَا شكّ فِيهِ أَنه لَا 9 يَحْنَث

(1/74)


1 - وَكَذَلِكَ مَا ذكره الْحميدِي فِي جمعه من قَوْله لم نجد من الْأَئِمَّة الماضين من أفْصح لنا 2 فِي جَمِيع مَا جمعه بِالصِّحَّةِ إِلَّا هذَيْن الْإِمَامَيْنِ
فَإِنَّمَا المُرَاد بِكُل ذَلِك مَقَاصِد الْكتاب وموضوعه 3 ومتوان الْأَبْوَاب دون التراجم وَنَحْوهَا لِأَن فِي بَعْضهَا مَا لَيْسَ كَذَلِك قطعا مثل قَول البُخَارِيّ 4 بَاب مَا يذكر فِي الْفَخْذ ويروى عَن ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ 5 وَسلم الْفَخْذ عَورَة وَقَوله فِي أول بَاب من أَبْوَاب الْغسْل وَقَالَ بهز عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي 6 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أَحَق أَن يستحي مِنْهُ فَهَذَا قطعا لَيْسَ من شَرطه وَكَذَلِكَ لم يُورِدهُ 7 الْحميدِي فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ فَاعْلَم ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ خَافَ
السَّابِعَة
الصَّحِيح أَقسَام
أَعْلَاهُ 8 مَا اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ
قلت وَأَعْلَى مِنْهُ مَا اتّفق عَلَيْهِ مَعَهُمَا بَاقِي الْكتب السِّتَّة وَفِيه 9 قلَّة

(1/75)


1 - ثمَّ مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ
ثمَّ مُسلم
ثمَّ مَا على شَرطهمَا
ثمَّ مَا على شَرط البُخَارِيّ 2
ثمَّ مُسلم
ثمَّ صَحِيح غَيرهمَا
وأعلاها الأول على مَا سلف وَهُوَ الَّذِي يُقَال فِيهِ كثيرا صَحِيح 3 مُتَّفق عَلَيْهِ يعنون بِهِ اتِّفَاق البُخَارِيّ وَمُسلم لَا اتِّفَاق الْأمة عَلَيْهِ لَكِن اتِّفَاق الْأمة لَازم 4 من ذَلِك وَحَاصِل مَعَه لِاتِّفَاق الْأمة الْأمة على تلقي مَا اتفقَا عَلَيْهِ بِالْقبُولِ وَكَذَا مَا انْفَرد 5 بِهِ أَحدهمَا وَهَذَا الْقسم جَمِيعه مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَالْعلم الْقطعِي حَاصِل فِيهِ خلافًا لقَوْل من نفى 6 ذَلِك محتجا بِأَنَّهُ لَا يُفِيد فِي أَصله إِلَّا الظَّن وَإِنَّمَا تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم 7 الْعَمَل بِالظَّنِّ وَالظَّن قد يُخطئ
قَالَ الشَّيْخ وَقد كنت أميل إِلَى هَذَا وَأَحْسبهُ قَوِيا ثمَّ بَان 8 لي أَن الْمَذْهَب الَّذِي اخترناه أَولا هُوَ الصَّحِيح لِأَن ظن من هُوَ مَعْصُوم من الْخَطَأ لَا يُخطئ 9 وَالْأمة فِي إجماعها معصومة من الْخَطَأ وَلِهَذَا كَانَ الْإِجْمَاع الْمَبْنِيّ على الِاجْتِهَاد حجَّة مَقْطُوعًا 10 بهَا وَأكْثر إجماعات الْعلمَاء كَذَلِك
قلت قَالَ النَّوَوِيّ خَالف الشَّيْخ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ 11 فَقَالُوا يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر أَي لَان أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد إِلَّا الظَّن

(1/76)


1 - وَلَا يلْزم من إِجْمَاع الْأمة على الْعَمَل بِمَا فيهمَا إِجْمَاعهم على أَنه مَقْطُوع بِهِ من كَلَام 2 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقد اشْتَدَّ إِنْكَار ابْن برهَان الإِمَام على من قَالَ بِمَا 3 قَالَه الشَّيْخ
وَمِمَّنْ عَابَ هَذِه الْمقَالة على الشَّيْخ الشَّيْخ عز الدّين أَيْضا فَقَالَ إِن الْمُعْتَزلَة 4 يرَوْنَ أَن الْأمة إِذا علمت بِحَدِيث اقْتضى ذَلِك الْقطع بِصِحَّتِهِ وَهُوَ مَذْهَب رَدِيء
وَأَيْضًا إِن أَرَادَ 5 كل الْأمة فَهُوَ أَمر لَا يخفى فَسَاده
وَإِن أَرَادَ الْأمة الَّذين وجدوا بعد وضع الْكِتَابَيْنِ فهم 6 بعض الْأمة لَا كلهَا لَا سِيمَا على قَول أهل الظَّاهِر فَإِنَّهُم لَا يعتدون إِلَّا بِإِجْمَاع الصَّحَابَة 7 خَاصَّة وَكَذَلِكَ الشِّيعَة وَإِن كُنَّا لَا نعتبر خلافهم على مَا هُوَ الْمَشْهُور من قَول الْعلمَاء
وَإِن 8 أَرَادَ كل حَدِيث مِنْهُمَا تلقي بِالْقبُولِ من كَافَّة النَّاس فَغير مُسلم لِأَن جمَاعَة من الْحفاظ تكلمُوا 9 على بعض أحاديثهما وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَقع فيهمَا أَحَادِيث متعارضة لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا والقطعي 10 لَا يَقع فِيهِ التَّعَارُض
ثمَّ إِنَّا نقُول أَيْضا التلقي بِالْقبُولِ لَيْسَ بِحجَّة فَإِن النَّاس اخْتلفُوا 11 أَن الْأمة إِذا عملت بِحَدِيث وَأَجْمعُوا على الْعَمَل بِهِ هَل يُفِيد الْقطع أَو الظَّن
وَمذهب أهل 12 السّنة أَنه يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر

(1/77)


1 - وَأغْرب ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي فَنقل الْإِجْمَاع أَيْضا على مَا كَانَ على شَرطهمَا فَقَالَ فِي كِتَابه 2 صفة التصوف أجمع الْمُسلمُونَ على مَا أخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو مَا كَانَ على شَرطهمَا
ثمَّ قَول 3 الشَّيْخ أَيْضا أَعنِي ابْن الصّلاح وَلِهَذَا كَانَ الْإِجْمَاع الْمَبْنِيّ على الإجتهاد حجَّة مَقْطُوعًا بهَا 4 فِيهِ نظر أَيْضا فَإِن الْإِجْمَاع إِن وصل إِلَيْنَا بأخبار الْآحَاد كَانَ ظنيا وَإِن وصل إِلَيْنَا بالتواتر 5 وَهُوَ قَلِيل جدا فقد صحّح الإِمَام فِي الْمَحْصُول والآمدي فِي الإحكام ومنتهى السُّؤَال أَنه ظَنِّي 6 أَيْضا
قَالَ الشَّيْخ نعم فيهمَا أحرف يسيرَة تكلم عَلَيْهَا بعض أهل النَّقْد من الْحفاظ كالدارقطني 7 وَغَيره مَعْرُوفَة عِنْد أهل الشَّأْن
قَالَ فِي أَوَائِل شَرحه لمُسلم وَهَذَا مُسْتَثْنى مِمَّا ذَكرْنَاهُ لعدم 8 الْإِجْمَاع على تلقيه بِالْقبُولِ
الثَّامِنَة
من أَرَادَ الْعَمَل بِحَدِيث من كتاب فطريقه أَن يَأْخُذهُ 9 من نُسْخَة مُعْتَمدَة قابلها هُوَ أَو ثِقَة بأصول صَحِيحَة مُتعَدِّدَة مروية بروايات متنوعة ليحصل 10 الِاعْتِمَاد

(1/78)


1 - قلت وَلَو قابلها بِأَصْل مُعْتَمد مُحَقّق فَلَا يبعد الِاكْتِفَاء وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب 2
وَقَالَ فِي شرح مُسلم مَا ذكره الشَّيْخ مَحْمُول على الِاسْتِظْهَار والاستحباب أَي لعسر ذَلِك غَالِبا 3 أَو تعذره وَلِأَن الأَصْل الصَّحِيح تحصل بِهِ الثِّقَة
وَمن النقول الغريبة مَا ذكره الْحَافِظ أَبُو 4 بكر مُحَمَّد بن خير الْأمَوِي الإشبيلي خَال السُّهيْلي فِي برنامجه حَيْثُ نقل اتِّفَاق الْعلمَاء 5 على أَنه لَا يَصح لمُسلم أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا حَتَّى يكون عِنْده 6 ذَلِك القَوْل مرويا وَلَو على أقل وُجُوه الرِّوَايَات ثمَّ اسْتدلَّ بِحَدِيث من كذب عَليّ وَلَيْسَ مطابقا 7 لما ادَّعَاهُ

(1/79)


1 - فَائِدَتَانِ أهملهما الشَّيْخ رَحمَه الله
الأولى ذكر الْحَاكِم فِي مدخله أَن جملَة من خرج 2 لَهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه دون مُسلم أَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَجُمْلَة من خرج لَهُ مُسلم 3 فِي صَحِيحه دون البُخَارِيّ ستمئة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ شَيخا
الثَّانِيَة ذكر مُسلم فِي أول صَحِيحه أَنه 4 يقسم الحَدِيث ثَلَاثَة أَقسَام وَاخْتلف الْحفاظ هَل ذكرهَا أَو ذكر الأول فَقَط واختر مِنْهُ الْمنية 5 قبل الْبَاقِي
فَقَالَ القَاضِي عِيَاض بِالْأولِ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِالثَّانِي
فَائِدَة ثَالِثَة
ذكر 6 الْحَاكِم فِي مدخله إِلَى الإكليل أَن الصَّحِيح من الحَدِيث يَنْقَسِم عشرَة أَقسَام خَمْسَة مُتَّفق عَلَيْهَا 7 وَخَمْسَة مُخْتَلف فِيهَا
فَالْأول أَخْبَار البُخَارِيّ وَمُسلم وَهُوَ الدرجَة الأولى من الصَّحِيح وَهُوَ 8 أَن الأول لَا يذكر إِلَّا مَا رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ راويان 9 ثقتان فَأكْثر إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

(1/80)


1 - وَثَانِيهمَا مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد من الصَّحَابَة
وثالثهما مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد 2 من التَّابِعين
وَرَابِعهَا الْأَحَادِيث الْأَفْرَاد الغرائب الَّتِي يَرْوِيهَا الثِّقَات الْعُدُول تفرد 3 بهَا ثِقَة من الثِّقَات
وخامسها أَحَادِيث جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم وَلم تتواتر 4 الرِّوَايَة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم بهَا إِلَّا عَنْهُم كصحيفة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده 5 وبهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَإيَاس بن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه عَن جده وأجدادهم صحابيون 6 وأحفادهم ثِقَات
والخمسة الْمُخْتَلف فِيهَا
الْمُرْسل وَأَحَادِيث المدلسين إِذا لم يذكرُوا سماعهم 7 وَهِي صَحِيحَة عِنْد جمَاعَة من أهل الْكُوفَة وَمَا أسْندهُ ثِقَة وأرسله عَنهُ جمَاعَة من الثِّقَات وَرِوَايَة 8 الثِّقَات غير الْحفاظ العارفين كأكثر محدثي زَمَاننَا وَهُوَ صَحِيح عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث خلافًا 9 لأبي حنيفَة وَمَالك وَرِوَايَة المبتدعة وَأَصْحَاب الْأَهْوَاء وَأكْثر أهل الحَدِيث على قبُولهَا إِذا 10 كَانُوا صَادِقين

(1/81)


1 - قلت وأهمل قسما آخر وَهُوَ رِوَايَة الْمَجْهُول وَفِيه خلاف ستعمله فِي مَوْضِعه

(1/82)


1
- النَّوْع الثَّانِي
الْحسن
قَالَ الْخطابِيّ وَهُوَ مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله قَالَ وَعَلِيهِ 2 مدَار أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء ويستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء
قلت كَذَا نَقله 3 الشَّيْخ عَن الْخطابِيّ وَالْمَوْجُود بِخَطِّهِ إِنَّمَا هُوَ اسْتَقَرَّتْ حَاله بقاف م الِاسْتِقْرَار وَتَحْت الْحَاء 4 عَلامَة الإهمال كَذَا نَقله عَنهُ أَبُو عبد الله بن رشيد وَهُوَ حد مَدْخُول فَإِن الصَّحِيح أَيْضا 5 قد عرف مخرجه واشتهر رِجَاله والضعيف أَيْضا قد يعرف مخرجه ويشتهر رِجَاله لَكِن بالضعف 6
وَفِي الِاحْتِجَاج بالْحسنِ إِشْكَال وَذَلِكَ أَن هَهُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت 7 فِي الرَّاوِي فإمَّا أَن يكون هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا قد وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على 8 أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول أَولا فَإِن وجدت فَذَاك حَدِيث صَحِيح وَإِلَّا فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج 9 بِهِ وَإِن سمي حسنا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر

(1/83)


1 - اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال إِن الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة لَهَا مَرَاتِب ودرجات 2 فأعلاها الصَّحِيح وَكَذَا أوسطها وَأَدْنَاهَا الْحسن وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى الِاصْطِلَاح 3 وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة وَالْأَمر فِيهِ فِي الِاصْطِلَاح
وَمن أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ 4 أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا ويحقق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة 5 فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث وَقد نبه على ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي اقتراحه رَحمَه 6 الله
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَافِظ إِنَّه يُرِيد بالْحسنِ أَن لَا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ 7 وَلَا يكون حَدِيثا شاذا ويروى من غير وَجه
قلت وَفِيه نظر أَيْضا لِأَن الصَّحِيح شَرطه أَن لَا 8 يكون شاذا وَأَن لَا يكون فِي رِجَاله من يتهم بِالْكَذِبِ
نعم فِيهِ من لَا يعرف إِلَّا من وَجه 9 وَاحِد خلافًا لما ادَّعَاهُ الْحَاكِم
وَيشكل على هَذَا أَيْضا مَا يُقَال فِيهِ إِنَّه حَدِيث حسن مَعَ أَنه 10 لَيْسَ لَهُ مخرج إِلَّا من وَجه وَاحِد

(1/84)


1 - وَقَالَ بَعضهم الْحسن الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل
قلت كَأَنَّهُ عَنى بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ 2 فَإِنَّهُ قَالَه فِي مَوْضُوعَاته وَفِيه نظر أَيْضا والضعف الْقَرِيب لَيْسَ مضبوطا بضابط يتَمَيَّز بِهِ الْقدر 3 الْمُحْتَمل من غَيره وَإِذا اضْطربَ هَذَا الْوَجْه لم يحصل الْوَصْف الْمُمَيز للْحَقِيقَة
قَالَ الشَّيْخ 4 وكل هَذَا مستبهم لَا يشفي الغليل وَلَيْسَ فِيمَا ذكره الْخطابِيّ وَالتِّرْمِذِيّ مَا يفصل الْحسن من 5 الصَّحِيح وَقد أمعنت النّظر فِي ذَلِك والبحث جَامعا بَين أَطْرَاف كَلَامهم ملاحظا مواقع استعمالهم 6 فتنقح لي واتضح أَن الْحسن قِسْمَانِ
أَحدهمَا مَا لَا يَخْلُو إِسْنَاده من مَسْتُور لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته 7 وَلَيْسَ مغفلا كثير الْخَطَأ وَلَا هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ فِي الحَدِيث وَلَا ظهر مِنْهُ سَبَب يفسق بِهِ وَيكون 8 متن الحَدِيث مَعْرُوفا بِرِوَايَة مثله أَو نَحوه من وَجه آخر أَو أَكثر وَكَلَام التِّرْمِذِيّ ينزل على 9 هَذَا
قلت فِي هَذَا نظر لِأَن الْأَصَح أَن رِوَايَة المستور الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته مَرْدُودَة فَكيف 10 يَجْعَل مَا يرويهِ من قسم الْحسن وَينزل عَلَيْهِ كَلَام التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ فِي كَلَامه مَا يدل عَلَيْهِ 11 لكَون الِاحْتِجَاج لم يَقع بِهِ وَحده

(1/85)


1 - الثَّانِي أَن يكون رَاوِيه مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَلم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح لقصوره فِي 2 الْحِفْظ والإتقان وَهُوَ مُرْتَفع عَن حَال من يعد تفرده مُنْكرا أَو مُعَللا وعَلى هَذَا الْقسم ينزل 3 كَلَام الْخطابِيّ
وَقَالَ صَاحب الاقتراح هَذَا كَلَام فِيهِ مباحثات ومناقشات على بعض هَذِه الْأَلْفَاظ 4
قلت قد حسن البُخَارِيّ حَدِيث أُسَامَة بن زيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ 5 وَسلم أَنه قَالَ فِي السِّوَاك نَاوَلَهُ أكبر الْقَوْم قَالَ التِّرْمِذِيّ سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث 6 فَقَالَ حَدِيث حسن انْتهى
وَأُسَامَة مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ من رجال مُسلم
وَحسن أَيْضا حَدِيث مُوسَى بن 7 عقبَة عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن ابْن عَبَّاس رَفعه إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء الحَدِيث 8 قَالَ التِّرْمِذِيّ سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ حَدِيث حسن ومُوسَى سمع من صَالح قَدِيما انْتهى

(1/86)


1 - وَله شَاهد نَحوه من حَدِيث الْمُسِيء صلَاته لهَذَا صَار حسنا بل يَنْبَغِي أَن يكون صَحِيحا
تذنيب 2
من الْحفاظ من يعبر ب الْحسن عَن الْغَرِيب وَالْمُنكر
ذكر السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء 3 عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ كَانُوا يكْرهُونَ إِذا اجْتَمعُوا أَن يخرج الرجل أحسن مَا عِنْده 4 قَالَ عَنى النَّخعِيّ بالأحسن الْغَرِيب لِأَن غير ال مألوف يستحسن أَكثر من الْمَشْهُور الْمَعْرُوف 5 وَأَصْحَاب الحَدِيث يعبرون عَن الْمُنكر بِهَذِهِ

(1/87)


1 - الْعبارَة وَلِهَذَا قَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج وَقيل لَهُ مَالك لَا تروي عَن عبد الْملك بن أبي 2 سُلَيْمَان وَهُوَ حسن الحَدِيث قَالَ من حسنه هربت
فروع
أَحدهمَا الْحسن كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاج 3 بِهِ وَإِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة
وَلِهَذَا أدرجه بَعضهم فِي نوع الصَّحِيح وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْحَاكِم 4 فِي تصرفه وَإِلَيْهِ يومي فِي تَسْمِيَته كتاب التِّرْمِذِيّ ب الْجَامِع الصَّحِيح وَأطلق الْخَطِيب اسْم 5 الصَّحِيح عَلَيْهِ وعَلى كتاب النَّسَائِيّ وَكَذَا

(1/88)


1 - السلَفِي حَيْثُ قَالَ الْكتب الْخَمْسَة اتّفق على صِحَّتهَا عُلَمَاء الْمشرق وَالْمغْرب
وَهَذَا فِيهِ 2 تساهل لِأَن مِنْهَا مَا صَرَّحُوا بِكَوْنِهِ ضَعِيفا أَو مُنْكرا وَنَحْو ذَلِك من أَوْصَاف الضعْف وَصرح أَبُو 3 دَاوُد بانقسام مَا فِي كِتَابه إِلَى صَحِيح وَغَيره كَمَا سَيَأْتِي وَالتِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه بالتمييز 4 بَين الصَّحِيح وَالْحسن
قلت حمله النَّوَوِيّ رَحمَه الله على أَن مُرَاده أَن مُعظم الْكتب الثَّلَاثَة 5 سوى الصَّحِيحَيْنِ يحْتَج بِهِ لَكِن فِي هَذَا نظر إِذْ لَيْسَ كل صَحِيح محتجا بِهِ فَإِن الْمَنْسُوخ صَحِيح 6 غير مُحْتَج بِهِ فمراده إِذا سلم عَن معَارض وَلَيْسَ كل غير صَحِيح غير مُحْتَج بِهِ فَإِن الْحسن غير 7 صَحِيح على مَا ذَكرْنَاهُ مَعَ أَنه يحْتَج بِهِ
الثَّانِي قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن الْإِسْنَاد أَو صَحِيحه 8 دون قَوْلهم حَدِيث صَحِيح أَو حسن لِأَنَّهُ قد يُقَال هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يَصح أَو حسن 9 لِأَنَّهُ قد يُقَال هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يَصح لكَونه شاذا أَو مُعَللا فَإِن اقْتصر على 10 ذَلِك حَافظ مُعْتَمد فَالظَّاهِر صِحَة الْمَتْن أَي أَو حسنه لِأَن عدم الْعلَّة والقادح هُوَ الأَصْل وَالظَّاهِر 11
الثَّالِث قَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فِيهِ إِشْكَال لِأَن الْحسن قَاصِر عَن الصِّحَّة 12 كَمَا سلف وَجَوَابه أَن مَعْنَاهُ أَنه رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا يَقْتَضِي الْحسن وَالْآخر يَقْتَضِي الصِّحَّة 13 فَحسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى آخر

(1/89)


1 - قلت هَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ ذُو السَّنَد الْوَاحِد حَيْثُ يَقُول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن 2 صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بقوله لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا 3 الْوَجْه من حَدِيث بعض الروَاة لَا أَن الْمَتْن لَا يعرفهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِدَلِيل أَن التِّرْمِذِيّ 4 نَفسه لما خرج فِي كتاب الْفِتَن حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة من أَشَارَ 5 إِلَى أَخِيه بحديدة الحَدِيث قَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه يستغرب من حَدِيث 6 خَالِد
قَالَ الشَّيْخ وَيجوز أَن يكون المُرَاد بالْحسنِ اللّغَوِيّ وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وَلَا 7 يأباه الْقلب دون الْمَعْنى الاصطلاحي الَّذِي نَحن بصدده
قلت اعْترض عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ 8 الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي الاقتراح فَقَالَ يلْزم من هَذَا أَن يُطلق على الحَدِيث الْمَوْضُوع 9 إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَذَلِكَ لَا يَقُوله أحد فِي الِاصْطِلَاح
91 - وَلَك أَن تَقول لَا يرد 10 على الشَّيْخ مَا ألزمهُ بِهِ لِأَنَّهُ ذكر هَذَا التَّأْوِيل لِلْحسنِ الَّذِي يُقَال مَعَ الصَّحِيح لَا لِلْحسنِ 11 الْمُطلق والموضوع لَا يُقَال إِنَّه صَحِيح
ووهاه بَعضهم أَيْضا بِأَن أَحَادِيث الْوَعيد نَحْو من 12 نُوقِشَ الْحساب عذب وَشبهه لَا يُوَافق الْقلب وَلَا يهواه بل يجد مِنْهَا كربا وألما من الْخَوْف 13 وَهِي من الْأَحَادِيث الحسان

(1/90)


1 -

(1/92)


1 -

(1/93)


1 -

(1/94)


1 - قَالَ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين وَالَّذِي أَقُول فِي جَوَاب هَذَا أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد 2 الْقُصُور عَن الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَجِيئهُ الْقُصُور وَيفهم ذَلِك فِيهِ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن فالقصور 3 يَأْتِيهِ من قيد الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته

(1/95)


1 - وَشرح هَذَا وَبَيَانه أَن هَهُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول الرِّوَايَة ولتلك الصِّفَات دَرَجَات 2 بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا
فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا وَعدم 3 التُّهْمَة بِالْكَذِبِ لَا يُنَافِيهِ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان فَإِذا وجدت الدرجَة 4 الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا كالصحة مَعَ الْحسن فَيصح أَن يُقَال فِي هَذَا إِنَّه حسن بِاعْتِبَار 5 وجود الصّفة الدُّنْيَا وَهِي الصدْق مثلا صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَهِي الْحِفْظ والإتقان 6
وَيلْزم على هَذَا أَن يكون كل صَحِيح حسنا ويلتزم ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث 7 الصَّحِيحَة وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين انْتهى كَلَامه
وَقد يرد على هَذَا مَا لَو كَانَ السَّنَد 8 اتّفق النَّاس على عَدَالَة رُوَاته وَيُجَاب بندرة ذَلِك
وَاعْلَم أَن الْعَدَالَة والضبط إِمَّا أَن ينتفيا 9 فِي الرَّاوِي أَو يجتمعا أَو يُوجد وَاحِد مِنْهُمَا فَقَط فَإِن انتفيا فِيهِ لم يقبل حَدِيثه أصلا 10 وَإِن اجْتمعَا فِيهِ قبل وَهُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَبر وَإِن وجدت الْعَدَالَة وَحدهَا دون الضَّبْط قبل حَدِيثه 11 لعدالته وَتوقف فِيهِ لعدم ضَبطه على شَاهد مُنْفَصِل يجْبر مَا فَاتَ من صفة الضَّبْط وَإِن وجد 12 فِيهِ الضَّبْط دون الْعَدَالَة لم يقبل حَدِيثه لِأَن الْعَدَالَة هِيَ الرُّكْن الْأَكْبَر فِي الرِّوَايَة ثمَّ 13 كل وَاحِد من

(1/96)


1 - الضَّبْط لَهُ مَرَاتِب عليا ووسطى وَدُنْيا وَتحصل بتركيب بَعْضهَا مَعَ بعض مَرَاتِب الحَدِيث فِي 2 الْقُوَّة فَتنبه لذَلِك ترشد
الرَّابِع تَقْسِيم الْبَغَوِيّ أَحَادِيث المصابيح الَّتِي جمعهَا إِلَى صِحَاح 3 وَحسان مرِيدا ب الصِّحَاح مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وب الحسان مَا فِي أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وشبههما 4 اصْطِلَاح لَا يعرف وَلَيْسَ الْحسن عِنْد أهل الحَدِيث عبارَة عَن ذَلِك وَهَذِه الْكتب تشْتَمل على حسن 5 وَغَيره
قلت قد الْتزم صَاحب المصابيح بَيَانهَا فَإِنَّهُ قَالَ بعد أَن ذكر أَنه يُرِيد ب الصَّحِيح 6 مَا فِي كتب الشَّيْخَيْنِ وب الْحسن مَا أوردهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا وَمَا كَانَ فيهمَا 7 من ضَعِيف أَو غَرِيب أَشرت إِلَيْهِ وأعرضت عَن ذكر مَا كَانَ مُنْكرا أَو مَوْضُوعا
هَذَا لَفظه وَلَا 8 إِيرَاد عَلَيْهِ فِي اصْطِلَاحه إِذا
الْخَامِس كتاب التِّرْمِذِيّ رَحمَه الله أصل فِي معرفَة الْحسن وَهُوَ 9 الَّذِي شهره
وَيُوجد مُتَفَرقًا فِي كَلَام من قبله كأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا
وتختلف 10 النّسخ مِنْهُ فِي قَوْله حسن أَو حسن صَحِيح فَيَنْبَغِي الاعتناء بِمُقَابلَة أصلك بِجَمَاعَة أصُول وتعتمد 11 مَا اتّفقت عَلَيْهِ وَنَصّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه على كثير من ذَلِك

(1/97)


1 - وَمن مظانه سنَن أبي دَاوُد
روينَا عَنهُ أَنه قَالَ ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه 2
وروينا عَنهُ أَيْضا مَا مَعْنَاهُ أَنه يذكر فِي كل بَاب أصح مَا عرفه فِي ذَلِك الْبَاب
وَقَالَ مَا 3 كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا 4 أصح من بعض
فعلى هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابه مُطلقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَص 5 على صِحَّته أحد مُعْتَمد فَهُوَ حسن عِنْد أبي دَاوُد وَقد يكون ذَلِك مَا لَيْسَ بِحسن عِنْد غَيره
قَالَ 6 ابْن مَنْدَه أَبُو دَاوُد يَأْخُذ مَأْخَذ النَّسَائِيّ فِي أَن يخرج عَن كل من لم يجمع على تَركه وَيخرج 7 الْإِسْنَاد الضَّعِيف إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره لِأَنَّهُ أقوى عِنْده من رَأْي الرِّجَال
قلت وَإِنَّمَا 8 اقْتصر الشَّيْخ على كَونه حسنا عِنْده لِأَنَّهُ الْمُحَقق فَلَا يرد عَلَيْهِ اعْتِرَاض ابْن رشيد بِالصِّحَّةِ 9
وَاعْترض شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي فَقَالَ عمل أبي دَاوُد شَبيه

(1/98)


1 - بِعَمَل مُسلم فَهَلا ألزم مُسلم أَيْضا
جَوَاب هَذَا أَن مُسلما الْتزم الصِّحَّة
ثمَّ فِي كَلَام 2 أبي دَاوُد السالف إِشْكَال فَإِن فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبنها مَعَ أَنَّهَا مُتَّفق على 3 ضعفها عِنْد أهل الْفَنّ كالمرسل والمنقطع وَرِوَايَة مَجْهُول كشيخ وَرجل وَنَحْوه وَقد قَالَ وَمَا 4 كَانَ فِي وَهن شَدِيد بَينته
وَأجَاب النَّوَوِيّ رَحمَه اله فِي كَلَامه على سنَنه بِأَنَّهُ ترك التَّنْصِيص 5 على ضعف ذَلِك لظُهُوره
السَّادِس كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الْخَمْسَة وَمَا جرى مجْراهَا 6 فِي الِاحْتِجَاج بهَا والركون إِلَى مَا يُورد فِيهَا مُطلقًا ك مُسْند أبي دَاوُد الطياليسي وَعبيد 7 الله بن مُوسَى وَالْإِمَام أَحْمد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد والدارمي كَمَا عده ابْن 8 الصّلاح لكنه على الْأَبْوَاب وَأبي يعلى وَالْحسن بن سُفْيَان وَالْبَزَّار وأشباهها فعادتهم فِيهَا 9 أَن يخرجُوا فِي مُسْند كل صَحَابِيّ مَا رَوَوْهُ من حَدِيثه غير مقيدين بِالصِّحَّةِ فَلهَذَا تَأَخَّرت رتبتها 10 وَإِن جلت لجلالة مصنفيها عَن مرتبَة الْكتب الْخَمْسَة وَمَا الْتحق بهَا من الْكتب المصنفة 11 على الْأَبْوَاب
السَّابِع إِذا كَانَ رَاوِي الحَدِيث دون دَرَجَة أهل الْحِفْظ والإتقان غير أَنه 12 من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ والستر وَرُوِيَ مَعَ ذَلِك حَدِيثه من غير

(1/99)


1 - وَجه فقد اجْتمعت لَهُ الْقُوَّة من الْجِهَتَيْنِ فيرتقي من دَرَجَة الْحسن إِلَى الصَّحِيح
مِثَاله 2 حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم 3 بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة
فمحمد بن عَمْرو من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ والصيانة لَكِن لم يكن من 4 أهل الإتقان حَتَّى ضعفه بَعضهم من جِهَة سوء حفظه وَوَثَّقَهُ بَعضهم لصدقه وجلالته فَحَدِيثه من 5 هَذِه الْجِهَة حسن
فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى كَونه رُوِيَ من أوجه أخر زَالَ بذلك مَا كُنَّا نخشاه عَلَيْهِ 6 من جِهَة سوء حفظه وأنجب بِهِ ذَلِك النَّقْص الْيَسِير فصح هَذَا الْإِسْنَاد والتحق بِدَرَجَة الصَّحِيح 7
الثَّامِن إِذا رُوِيَ الحَدِيث من وُجُوه ضَعِيفَة مثل الأذنان من الرَّأْس وَنَحْوه فَلَا يلْزم أَن يتَحَصَّل 8 من مجموعها وَصفَة بالْحسنِ
101 - بل إِن كَانَ ضعفه لضعف رَاوِيه الصدوق الْأمين زَالَ بمجيئه 9 من وَجه آخر وَصَارَ حسنا وَكَذَا إِذا كَانَ ضعفه بِالْإِرْسَال زَالَ بمجيئه من وَجه آخر
قلت وَإِن 10 كَانَت الْحجَّة لَا تقوم بِإِسْنَادِهِ لكَونه ضَعِيفا كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَحْصُول

(1/100)


1 - وَإِن كَانَ ضعفه لتهمة الرَّاوِي بِالْكَذِبِ أَو كَون الحَدِيث شاذا فَلَا ينجبر ذَلِك بمجيئه 2 من وَجه آخر

(1/102)