المقنع في علوم الحديث

النَّوْع التَّاسِع الثَّلَاثُونَ معرفَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم

هَذَا علم كَبِير مُهِمّ وَبِه يعرف الْمُتَّصِل من الْمُرْسل
وَقد ألف النَّاس فِيهِ كتبا كَثِيرَة من أجلهَا وأكثرها فَوَائِد الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر لَوْلَا مَا شانه بِهِ من إِيرَاده كثيرا مِمَّا شجر بَين الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وحكايته عَن الأخباريين لَا الْمُحدثين وغالب على الأخباريين الْإِكْثَار والتخليط فِيمَا يَرْوُونَهُ
قلت وَقد جمع ابْن الْأَثِير الْجَزرِي فِيهِ كتابا حسنا جمع فِيهِ عدَّة مؤلفات وَضبط وَتحقّق أَشْيَاء حَسَنَة وَذكر النَّوَوِيّ فِي تقريبه أَنه اخْتَصَرَهُ وَلم نره نعم اخْتَصَرَهُ الذَّهَبِيّ فِي مُجَلد ضخم مُفِيد بِزِيَادَات عَلَيْهِ مَعَ أَنه أهمل أَشْيَاء أَيْضا
ونورد نكتا نافعة قد كَانَ يَنْبَغِي لمصنفي كتب الصَّحَابَة أَن يتوجوها بهَا مقدمين فِي فواتحها

(2/490)


الأولى
اخْتلف الْعلمَاء فِي حد الصَّحَابِيّ
فالمعروف من طَريقَة أهل الحَدِيث أَنه كل مُسلم رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم يَصْحَبهُ
وَطَرِيق الْأُصُولِيِّينَ أَنه من طَالَتْ مُجَالَسَته على طَرِيق التبع لَهُ وَالْأَخْذ عَنهُ
وَهُوَ الصَّحَابِيّ من حَيْثُ اللُّغَة أَيْضا
قلت لَكِن رجح ابْن الْحَاجِب الأصولي الأول وَعبر بقوله من رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بدل من رأى فَمَا رجح مُوَافق للمعروف عِنْد الْمُحدثين وَيدخل فِي تَفْسِيره ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى وَغَيره بِخِلَاف الأول
وَعَن سعيد بن الْمسيب أَنه لَا يعد صحابيا إِلَّا من أَقَامَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة أَو سنتَيْن وغزا مَعَه غَزْوَة أَو عزوتين
وَكَأن المُرَاد بِهَذَا إِن صَحَّ عَنهُ رَاجع إِلَى المحكي عَن الْأُصُولِيِّينَ وَلَكِن فِي عِبَارَته ضيق يُوجب أَن لَا يعد جرير البَجلِيّ وَشبهه مِمَّن شَاركهُ فِي فقد مَا اشْتَرَطَهُ فيهم صحابيا وَلَا خلاف أَنهم صحابة

(2/491)


قلت وَحكى ابْن الْحَاجِب قولا آخر أَنه من روى عَنهُ وطالت صحبته
وَذهب الْوَاقِدِيّ إِلَى أَنه لَا يعد فِي النَّهَار إِلَّا من أدْركهُ وَأسلم وعقل أُمُور الدّين وَصَحبه وَلَو سَاعَة من نَهَار قَالَ وَرَأَيْت أهل الْعلم يَقُولُونَهُ وَحَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَنهُ
قَالَ وَذهب أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي آخَرين إِلَى أَن اسْم الصُّحْبَة وفضيلتها حَاصِلَة لكل من رَآهُ أَو أسلم فِي حَيَاته أَو ولد وَإِن لم يره وَلَو كَانَ ذَلِك قبل وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بساعة لكَونه مَعَه فِي زمن وَاحِد وَجمعه وإياه عصر مَخْصُوص
فَهَذِهِ سِتَّة أَقْوَال
ثمَّ تعرف صحبته بالتواتر كالعشرة أَو الاستفاضة القاصرة عَن التَّوَاتُر أَو قَول صَحَابِيّ أَو قَوْله إِذا كَانَ عدلا
قلت وَكَانَ مُمكنا فَإِن كَانَ الْعدْل معاصرا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ خلاف حَكَاهُ ابْن الْحَاجِب
الثَّانِيَة
للصحابة بأسرهم خصيصة وَهِي أَنه لَا يسْأَل عَن عَدَالَة أحد مِنْهُم

(2/492)


بل ذَلِك أَمر مفروغ مِنْهُ لكَوْنهم على الْإِطْلَاق معدلين بنصوص الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع من يعْتد بِهِ
قَالَ الله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} الْآيَة قيل اتّفق الْمُفَسِّرُونَ على أَنه وَارِد فِي الصَّحَابَة وَقَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} وَهَذَا خطاب مَعَ الْمَوْجُودين حِينَئِذٍ وَقَالَ تَعَالَى {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار} الْآيَة
وَفِي نُصُوص السّنة الشواهد بذلك كَثِيرَة مِنْهَا
حَدِيث أبي سعيد الْمُتَّفق على صِحَّته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه
ثمَّ إِن الْأمة مجمعة على تَعْدِيل جَمِيع الصَّحَابَة وَمن لابس الْفِتَن مِنْهُم فَكَذَلِك [إِجْمَاع الْعلمَاء الَّذين يعْتد بهم فِي الْإِجْمَاع إحسانا للظن بهم ونظرا إِلَى مَا تمهد لَهُم من المآثر وَكَأن الله تَعَالَى أتاح الْإِجْمَاع على ذَلِك لكَوْنهم نَقله الشَّرِيعَة
قلت وَنقل صَاحب الْمَحْصُول عَن مَذْهَبنَا أَن الأَصْل فِي الصَّحَابَة الْعَدَالَة إِلَّا عِنْد ظُهُور الْمعَارض وَنَقله ابْن الْحَاجِب عَن

(2/493)


الْأَكْثَرين وَأَرَادَ بالمعارض وُقُوع أحدهم فِي كَبِيرَة كَمَا وَقع لسارق رِدَاء صَفْوَان ولماعز وَغَيرهمَا
الثَّالِثَة
أَكثر الصَّحَابَة رِوَايَة أَبُو هُرَيْرَة قَالَه الإِمَام أَحْمد وَغَيره وَهُوَ أول صَاحب حَدِيث كَانَ فِي الدِّينَا وَقَالَ أَحْمد رَضِي الله عَنهُ أَيْضا سِتَّة من الصَّحَابَة أَكْثرُوا الرِّوَايَة وعمروا أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عمر وَعَائِشَة وَجَابِر بن عبد الله وَابْن عَبَّاس وَأنس وَأَبُو هُرَيْرَة أَكْثَرهم حَدِيثا وَحمل عَنهُ الثِّقَات
قَالَ وَأكْثر الصَّحَابَة فتيا تروى ابْن عَبَّاس

(2/494)


وَسُئِلَ عَن العبادلة فَقَالَ هم ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن وَابْن الزبير وَابْن عَمْرو بن الْعَاصِ فَابْن مَسْعُود قَالَ لَيْسَ مِنْهُم
قَالَ الْبَيْهَقِيّ لتقدم مَوته وَهَؤُلَاء عاشوا حَتَّى احْتِيجَ إِلَى عَمَلهم فَإِذا اجْتَمعُوا على شَيْء قيل هَذَا قَول العبادلة أَو هَذَا فعلهم
قلت وعد الْجَوْهَرِي فِي صحاحه فِي مَوضِع العبادلة ثَلَاثَة وَحذف ابْن الزبير وَوَقع للنووي فِي مبهماته أَن الْجَوْهَرِي أثبت ابْن مَسْعُود مِنْهُم وَحذف ابْن عَمْرو ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ وَهُوَ عَجِيب فَإِن الَّذِي فِي صحاحه عكس مَا ذكره وَهُوَ إِثْبَات ابْن عَمْرو وَحذف ابْن مَسْعُود فَتنبه لذَلِك
قَالَ الشَّيْخ ويلتحق بِابْن مَسْعُود سَائِر من يُسمى عبد الله وهم نَحْو مئتين وَعشْرين نفسا
قلت بل هم نَحْو الْخمس مئة كَمَا عَددهمْ ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه

(2/495)


أَزْد الغابة
قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ لم يكن من الصَّحَابَة أحد لَهُ أَصْحَاب يقومُونَ بقوله فِي الْفِقْه إِلَّا ثَلَاثَة ابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس كَانَ لكل رجل مِنْهُم أَصْحَاب يقومُونَ بقوله ويفتون النَّاس
وَقَالَ مَسْرُوق انْتهى علم الصَّحَابَة إِلَى سِتَّة عمر وَعلي وَأبي وَزيد وَأبي الدَّرْدَاء وَابْن مَسْعُود ثمَّ انْتهى علم هَؤُلَاءِ السِّتَّة إِلَى اثْنَيْنِ عَليّ وَعبد الله
وَفِي رِوَايَة ذكر أبي مُوسَى بدل الْخَامِس وَقَالَ الشّعبِيّ كَانَ الْعلم يُؤْخَذ سِتَّة من الصَّحَابَة وَكَانَ عمر وَعبد الله وَزيد يشبه علم بَعضهم بَعْضًا وَكَانَ يقتبس بَعضهم من بعض وَكَانَ عَليّ والأشعري وَأبي يشبه على بَعضهم بَعْضًا وَكَانَ يقتبس بَعضهم من بعض

(2/496)


الرَّابِعَة
قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مئة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألف من الصَّحَابَة مِمَّن روى عَنهُ وَسمع مِنْهُ وَفِي رِوَايَة مِمَّن رَآهُ وَسمع مِنْهُ قَالَ لما قيل لَهُ رَضِي الله عَنهُ أَلَيْسَ يُقَال حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث قَالَ وَمن قَالَ ذَا قلقل الله أنيابه هَذَا قَول الزَّنَادِقَة وَمن يحصي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبض رَسُول الله فَذكره فَقيل لَهُ هَؤُلَاءِ أَيْن كَانُوا وَأَيْنَ سمعُوا مِنْهُ فَقَالَ أهل الْمَدِينَة وَأهل مَكَّة وَمن بَينهمَا والأعراب وَمن شهد مَعَه حجَّة الْوَدَاع كل رَآهُ وَسمع مِنْهُ بِعَرَفَة
وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن عدَّة من روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ وَمن يضْبط هَذَا شهد مَعَ النَّبِي حجَّة الْوَدَاع أَرْبَعُونَ ألفا وَشهد مَعَه تَبُوك سَبْعُونَ ألفا
قلت وَقَالَ الشَّافِعِي توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي النَّبِي والمسلمون سِتُّونَ ألفا ثَلَاثُونَ ألف بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثُونَ ألف بغَيْرهَا
وَقَالَ الْحَاكِم روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة آلَاف نفس

(2/497)


وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة بل لَعَلَّ الروَاة عَنهُ نَحْو ألف وَخمْس مئة نسمَة لَا يبلغون أَلفَيْنِ قَالَ وأظن أَن الْمَذْكُورين فِي كتابي هَذَا يبلغون ثَمَانِيَة آلَاف نفس وَأَكْثَرهم لَا يعْرفُونَ
قَالَ الشَّيْخ ثمَّ إِنَّه اخْتلف فِي عدد طبقاتهم وأصنافهم وَالنَّظَر فِي ذَلِك إِلَى السَّبق بِالْإِسْلَامِ وَالْهجْرَة وشهود الْمشَاهد الفاضلة
وجعلهم الْحَاكِم اثْنَتَيْ عشرَة طبقَة وَمِنْهُم من زَاد على ذَلِك ولسنا نطول بتفصيله
الْخَامِسَة أفضلهم على الْإِطْلَاق أَبُو بكر ثمَّ عمر بِإِجْمَاع أهل السّنة أَي وَلَا عِبْرَة بتفضيل الخطابية عمر مُطلقًا وَلَا بتفضيل الرواندية الْعَبَّاس وَلَا بتفضيل غَيرهم عليا
ثمَّ إِن جُمْهُور السّلف على تَقْدِيم عُثْمَان بن عَليّ وَقدم أهل الْكُوفَة من أهل السّنة عليا على عُثْمَان وَبِه قَالَ مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ أَولا ثمَّ رَجَعَ إِلَى تَقْدِيم عُثْمَان
وبمذهب أهل الْكُوفَة قَالَ ابْن خُزَيْمَة

(2/498)


وَتَقْدِيم عُثْمَان هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ مَذَاهِب أَصْحَاب الحَدِيث وَأهل السّنة
قلت وَهل التَّفْضِيل قَطْعِيّ أَو اجتهادي وَهل هُوَ فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَو فِي الظَّاهِر فَقَط فِيهِ خلاف وَحكي عَن الْأَشْعَرِيّ الْميل إِلَى الأول وَرَأى القَاضِي عِيَاض الثَّانِي
وَأما أفضل أصنافهم فَقَالَ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ أَصْحَابنَا مجمعون على أَن أفضلهم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ السِّتَّة الْبَاقُونَ إِلَى تَمام الْعشْرَة ثمَّ أهل بدر ثمَّ أحد ثمَّ بيعَة الرضْوَان بِالْحُدَيْبِية
قَالَ الشَّيْخ وَفِي نَص الْقُرْآن تَفْضِيل السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وهم الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ فِي قَول سعيد بن الْمسيب وَطَائِفَة وَفِي قَول الشّعبِيّ هم الَّذين شهدُوا بيعَة الرضْوَان وَفِي قَول عَطاء بن يسَار وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ هم أهل بدر

(2/499)


قلت وَمِمَّنْ لَهُ مزية أهل العقبتين من الْأَنْصَار
وَفضل بَعضهم من مَاتَ فِي حَيَاته على من بَقِي بعده وَاخْتَارَهُ ابْن عبد الْبر
وَاعْلَم أَن الصَّحَابَة خير الْأمة فَكل مِنْهُم أفضل من كل من بعده وَإِن رقى فِي الْعلم وَالْعَمَل وَخَالف ابْن عبد الْبر فِيهِ وَقَالَ قد يَأْتِي بعدهمْ من هُوَ أفضل من بَعضهم وَاعْلَم أَيْضا أَن أَصْحَابنَا اخْتلفُوا فِي خَدِيجَة وَعَائِشَة أَيَّتهمَا أفضل وَفِي عَائِشَة وَفَاطِمَة أَيْضا وَقد أوضحت ذَلِك فِي غَايَة السول فِي خَصَائِص الرَّسُول
توقف فِيهَا الْأَشْعَرِيّ
وَفِي أصل الْمَسْأَلَة مقَالَة غَرِيبَة لَا يفضل بَين أحد من الصَّحَابَة حَكَاهَا صَاحب الْمعلم وَهِي شَاذَّة
السَّادِسَة
اخْتَلَّ السّلف فِي أَوَّلهمْ إسلاما فَقيل أَبُو بكر الصّديق وَقيل عَليّ قَالَ الْحَاكِم وَلَا أعلم خلافًا بَين المؤرخين فِيهِ وَقد استنكر

(2/500)


هَذَا مِنْهُ زيد بن حَارِثَة وَقيل خَدِيجَة وَادّعى الثَّعْلَبِيّ فِيهِ الْإِجْمَاع وَأَن الْخلاف فِيمَن بعْدهَا
قلت وَهُوَ الصَّوَاب عِنْد جمَاعَة من الْمُحدثين
وَقيل إِن أَوَّلهمْ إسلاما خباب بن الْأَرَت وَقيل بِلَال بن حمامة حَكَاهُمَا أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه التَّنْبِيه والإشراف
وَقيل خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ذكره عمر بن شبة فِي كِتَابه أَخْبَار مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي وَحكى ابْن حبَان أَيْضا أَنه أسلم قبل الصّديق
وَنقل الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب أَعْلَام النُّبُوَّة عَن ابْن قُتَيْبَة أَو أول من آمن أَبُو بكر بن أسعد الْحِمْيَرِي
وَنقل ابْن سبع فِي الخصائص عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه قَالَ أَنا كنت أَوَّلهمْ إسلاما
والأورع أَن يُقَال من أسلم من الرِّجَال الْأَحْرَار أَبُو بكر وَمن الصّبيان عَليّ وَمن النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الموَالِي زيد وَمن العبيد بِلَال
قلت ويروى هَذَا عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أحسن مَا قيل وَهُوَ جَامع بَين الْأَقْوَال

(2/501)


السَّابِعَة
آخِرهم موتا على الْإِطْلَاق أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة مَاتَ سنة مئة
وَأما بِالْإِضَافَة إِلَى النواحي فآخر من مَاتَ مِنْهُم بِالْمَدِينَةِ جَابر بن عبد الله وَقيل سهل بن سعد وَقيل السَّائِب بن يزِيد
وَآخر من مَاتَ مِنْهُم بِمَكَّة عبد الله بن عمر وَقيل جَابر بن عبد الله وَقيل أَبُو الطُّفَيْل السَّابِق
وَآخر من مَاتَ مِنْهُم بالبصر أنس بن مَال أَي سنة ثَلَاث وَتِسْعين على الْأَظْهر وَقيل غير ذَلِك
قَالَ ابْن عبد الْبر مَا أعلم أحدا مَاتَ بعده مِمَّن رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَبَا الطُّفَيْل
قلت قد ذكر هُوَ فِي مَحْمُود بن الرّبيع قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه توفّي سنة تسع وَتِسْعين

(2/502)


وَالثَّانِي سنة سِتّ وَتِسْعين
فَكيف يَقُول مَا أعلم أحدا مَاتَ بعده مِمَّن لَهُ رُؤْيَة إِلَّا أَبَا الطُّفَيْل
وَآخر من مَاتَ مِنْهُم بِالْكُوفَةِ ابْن أبي أوفى وبالشام عبد اله بن بسر وَقيل بل أَبُو أُمَامَة
وتبسط بَعضهم فَقَالَ آخر من مَاتَ مِنْهُم بِمصْر عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ وبفلسطين أَبُو أبي بن أم حرَام ابْن خَالَة أنس بن مَالك وبدمشق وَاثِلَة وبحمص عبد الله بن بسر وباليمامة الهرماس بن زِيَاد وبالجزيرة الْعرس بن عميرَة وبإفريقية رويفع بن ثَابت وبالبادية فِي الْأَعْرَاب سَلمَة بن الْأَكْوَع
وَفِي بعض مَا ذكره خلاف
وَقَوله فِي رويفع بإفريقية لَا يَصح إِنَّمَا مَاتَ فِي حَاضِرَة برقة وقبره بهَا
وَنزل سَلمَة إِلَى الْمَدِينَة قبل مَوته بِليَال فَمَاتَ بهَا
قلت وَفِي تَارِيخ الطالبيين تأليف القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عمر الجعابي أَن آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بالجزيرة وابصة بن معبد

(2/503)


خلاف مَا سبق وَآخر من مَاتَ بخراسان بُرَيْدَة بن الْحصيب
قَالَ وَقَالُوا آخر من مَاتَ بواسط لبي بن لبا وَلَا يحفظون لَهُ رِوَايَة حدث عَنهُ أَبُو بلج حَارِثَة بن بلج
ذكر ذَلِك فِي أول الْجُزْء الرَّابِع مِنْهُ
كَذَا قَالَ لبي بن لبا بِوَزْن أبي بن فَتى وَقَالَ بن الدّباغ لبّى على وزن فعلى ولبا بِوَزْن عَصا وَانْفَرَدَ ابْن قَانِع فَذكره فِي أبي فَوَهم
وَفِي كتاب ابْن مندة أَن آخر من مَاتَ بخراسان بُرَيْدَة بن الْحصيب كَمَا سلف وَأَن آخر من مَاتَ بالرخج مُهِمّ العداء بن هَوْذَة والرخج من أَعمال سجستان
قلت وَآخر من مَاتَ بأصبهان النَّابِغَة الْجَعْدِي وَقد ذكر وَفَاته بهَا أَبُو نعيم فِي تَارِيخه وَآخر من مَاتَ مِنْهُم بِالطَّائِف عبد الله بن عَبَّاس
فَائِدَة قَالَ الدَّاودِيّ آخِرهم موتا أَبُو الطُّفَيْل وَيُقَال أَوَّلهمْ موتا أم أَيمن مولاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعنهَا أَبُو جهل فِي قبلهَا فَمَاتَتْ مِنْهُ
قلت وَلَا يعرف أَب وَابْنه شَهدا بَدْرًا إِلَى مرْثَد وَأَبوهُ وَلَا سَبْعَة إخْوَة صحابة مهاجرون إِلَّا بَنو مقرن وسيأتون فِي الْإِخْوَة وَلَا سَبْعَة إخْوَة لأم شهدُوا بَدْرًا إِلَّا بَنو عفراء وَلَا شَهِدَهَا مُسلم ابْن مُسلمين إِلَّا عمار

(2/504)


بن يَاسر وَلَا أَرْبَعَة أدركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متوالدون إِلَّا عبد الله بن أَسمَاء بنت أبي بكر بن أبي قُحَافَة وَإِلَّا أَبُو عَتيق مُحَمَّد بن أبي بكر ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن أبي قُحَافَة
وَذكر الشَّيْخ هَذَا الْأَخير عَن مُوسَى بن عقبَة بعد ذَلِك فِي النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ

(2/505)


النَّوْع الْأَرْبَعُونَ معرفَة التَّابِعين رَضِي الله عَنْهُم

هُوَ وَمَا قبله أصلان بهما يعرف الْمُرْسل واحدهم تَابع وتابعي
قَالَ الْخَطِيب وَهُوَ من صحب الصَّحَابِيّ وَكَلَام الْحَاكِم وَغَيره مشْعر بالاكتفاء باللقاء وَهُوَ أقرب مِنْهُ فِي الصَّحَابِيّ نظرا إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظَيْنِ فيهمَا
وَهَذِه مهمات فِي هَذَا النَّوْع
إِحْدَاهَا
ذكر الْحَاكِم التَّابِعين على خمس عشرَة طبقَة
الأولى من أدْرك الْعشْرَة سعيد بن الْمسيب وَقيس بن أبي حَازِم وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن عباد وحضين بن الْمُنْذر وَأَبُو وَائِل

(2/506)


وَأَبُو رَجَاء العطاردي وَغَيرهم
وَعَلِيهِ فِي بعض هَؤُلَاءِ إِنْكَار فَإِن ابْن الْمسيب لَيْسَ بِهَذِهِ المثابة فَإِنَّهُ ولد فِي خلَافَة عمر وَلم يسمع من أَكثر الْعشْرَة وَقيل لم يَصح سَمَاعه من غير سعد لِأَنَّهُ آخِرهم موتا
وَأما قيس فسمعهم وروى عَنْهُم وَلم يُشَارِكهُ فِي هَذَا أحد وَإِن كَانَ الْحَاكِم قَالَ قبل كَلَامه الْمَذْكُور لَيْسَ فِي جمَاعَة التَّابِعين من أدركهم وَسمع مِنْهُم غَيره وَغير ابْن الْمسيب فَلَيْسَ كَمَا قَالَ فِي حق

(2/507)


ابْن الْمسيب وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي حق قيس بل قيل إِنَّه لم يسمع عبد الرَّحْمَن
ويلي هَؤُلَاءِ التابعون ولدُوا فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْلَاد الصَّحَابَة كَعبد الله بن أبي طَلْحَة وَأبي أُمَامَة وَأبي إِدْرِيس الخلاني وَغَيرهم
الثَّانِيَة
المخضرم من التَّابِعين الَّذِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وزمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره
واحدهم مخضرم بِفَتْح الرَّاء كَأَنَّهُ خضرم أَي قطع عَن نظرائه الَّذين أدركوا الصُّحْبَة وَغَيرهَا
قلت مَا ذكره من تَفْسِير المخضرم قَالَه جمَاعَة وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء وَإِسْكَان الضَّاد المعجمتين

(2/508)


وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف إِنَّمَا يكون مخضرما إِذا أدْرك الْإِسْلَام كَبِيرا فَلم يسلم إِلَّا بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ لحافظ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِي فِي آخر كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله يَعْنِي ابْن مَنْدَه فِيمَا يغلب على ظَنِّي أَن جمَاعَة فِي أَحيَاء الْعَرَب كَانُوا قد أَسْلمُوا وَلم يهاجروا فخضرموا آذان إبلهم ليَكُون عَلامَة لإسلامهم لَا يغار عَلَيْهِم وَلَا يُقَاتلُون فسموا مخضرمين قَالَ وَأَصْحَاب الحَدِيث يفتحون الرَّاء قَالَ هَؤُلَاءِ صحابة فَإِنَّهُم كَانُوا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم يروه انْتهى
وَفِي هَذِه الْمقَالة نظر لَا يخفى وَنَحْوهَا حَكَاهُ الْحَاكِم عَن بعض مشايخه
وَكسر الرَّاء محكي عَن بعض أهل اللُّغَة لأَنهم خضرموا آذان الْإِبِل وَوجه الْفَتْح أَنه اقتطع عَن الصَّحَابَة وَإِن عاصر لعدم الرُّؤْيَة
وَقَالَ الجاحظ فِي كِتَابه الْحَيَوَان قد علمنَا أَن قَوْلهم مخضرم لمن لم يحجّ صرورة وَلمن أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام
وَقَالَ الْهَرَوِيّ قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ يُقَال خضرم أهل الْجَاهِلِيَّة نعمهم أَي قطعُوا من آذانها شَيْئا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أَمر

(2/509)


النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخضرموا من غير مَوضِع الَّذِي خضرم فِيهِ أهل الْجَاهِلِيَّة فَقيل لهَذَا الْمَعْنى لكل من أدْرك لجاهلية وَالْإِسْلَام مخضرم لِأَنَّهُ أدْرك المخضرمين
وَقَالَ العسكري فِي أَوَائِله المخضرمة الْإِبِل إبل نتجت بَين العراب واليمانية فَقيل رجل مخضرم إِذا عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَهَذَا أعجب الْقَوْلَيْنِ إِلَيّ
وَأغْرب ابْن حبَان فِي صَحِيحه ففسره بتفسير لَا أعلم أحدا وَافقه عَلَيْهِ فَقَالَ فِي حَدِيث أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْعَمَل أفضل الحَدِيث أَبُو عَمْرو هَذَا كَانَ من المخضرمين أَي عَاشَ مئة وَعشْرين سنة وَالرجل إِذا كَانَ فِي الْكفْر سِتُّونَ سنة وَفِي الْإِسْلَام سِتُّونَ سنة يدعى مخضرما
هَذَا لَفظه برمتِهِ وَهُوَ من أعاجيبه وَنَحْوه فِي الْمُحكم رجل مخضرم إِذا كَانَ عمره فِي الْجَاهِلِيَّة وَنصف عمره فِي الْإِسْلَام
وَمُقْتَضى هَذَا أَن يكون من عَاشَ هَذَا الْمِقْدَار مخضرما وَلَيْسَ كَذَلِك اصْطِلَاحا لِأَنَّهُ مُتَرَدّد بَين طبقتين لَا يدْرِي من أيتها هُوَ فَهَذَا

(2/510)


مَدْلُول الخضرمة
قَالَ ابْن سَيّده والجوهري لحم مخضرم لَا يدْرِي من ذكر أَو أُنْثَى
قلت فَكَذَلِك المخضرم يتَرَدَّد بَين الصَّحَابَة للمعاصرة وَبَين التَّابِعين لعدم الرُّؤْيَة
وَذكرهمْ مُسلم فَبلغ بهم عشْرين نفسا مِنْهُم أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وسُويد بن غَفلَة الْكِنْدِيّ وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي وَعبد خير بن يزِيد الخيواني وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ عبد الرَّحْمَن بن مل وَأَبُو الْحَلَال الْعَتكِي ربيعَة بن زُرَارَة
وَمِمَّنْ لم يذكرهُ أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ عبد الله بن ثوب والأحنف بن قيس

(2/511)


الثَّالِثَة
من أكَابِر التَّابِعين الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة
ابْن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير وخارجة بن زيد وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وَسليمَان بن يسَار
قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله هَذَا قَول الْأَكْثَر من عُلَمَاء الْحجاز
وَجعل ابْن الْمُبَارك سَالم بن عبد الله بدل أبي سَلمَة جعل أَبُو الزِّنَاد بدلهما أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي
وَقد جمعهم الشَّاعِر على هَذَا القَوْل فَقَالَ
(أَلا كل من لَا يَقْتَدِي بأئمة ... فقسمته ضيزى عَن الْحق خَارِجَة)
(فخذهم عبيد الله عُرْوَة قَاسم ... سعيد أَبُو بكر سُلَيْمَان خَارِجَة)

(2/512)


الرَّابِعَة
عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ أفضل التَّابِعين ابْن الْمسيب فَقيل فعلقمة وَالْأسود فَقَالَ هُوَ وهما
وَعنهُ لَا أعلم فيهم مثل أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن أبي حَازِم
وَعنهُ أَيْضا أفضلهم هما وعلقمة ومسروق
وَقَالَ أَبُو عبد الله بن خَفِيف الزَّاهِد اخْتلف النَّاس فِي أفضل التَّابِعين فَأهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ ابْن الْمسيب وَأهل الْكُوفَة أويس وَالْبَصْرَة الْحسن
قلت يُؤَيّد قَول أهل الْكُوفَة حَدِيث عَن عمر مَرْفُوعا إِن خيري التَّابِعين رجل يُقَال لَهُ أويس الحَدِيث
وَقَالَ أَحْمد لَيْسَ أحد أَكثر فَتْوَى من الْحسن وَعَطَاء يَعْنِي من التَّابِعين
وَقَالَ أَيْضا كَانَ عَطاء مفتي مَكَّة وَالْحسن مفتي الْبَصْرَة فهذان أَكثر النَّاس عَنْهُم رَأْيهمْ
وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي داو سيدتا التابعيات حَفْصَة بنت سِيرِين

(2/513)


وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن وتليهما أم الدَّرْدَاء
الْخَامِسَة
قَالَ الْحَاكِم طبقَة تعد من لتابعين وَلم يَصح سَماع أحد مِنْهُم م الصَّحَابَة مِنْهُم إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد النَّخعِيّ وَلَيْسَ بإبراهيم بن يزِيد النَّخعِيّ الْفَقِيه وَبُكَيْر بن أبي السميط وَبُكَيْر بن عبد الله بن الْأَشَج وَغَيرهم
قَالَ وطبقة عدادهم عِنْد النَّاس فِي أَتبَاع التَّابِعين وَقد لقوا الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان لَقِي ابْن عمر وأنسا وهشان بن عُرْوَة وَقد أَدخل على ابْن عمر وَجَابِر ومُوسَى بن عقبَة وَقد أدْرك أنسا وَأم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ
وَفِي بعض مَا قَالَه مقَال
قَالَ الشَّيْخ وَقوم عدوا من التَّابِعين وهم صحابة

(2/514)


قلت مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ وجنادة بن أبي أُميَّة شَامي وَأَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف والسائب بن حنيف والسائب بن يزِيد هَؤُلَاءِ أَكثر روايتهم عَن الصَّحَابَة فَلذَلِك توهم بَعضهم أَنهم من التَّابِعين
وَمن أعجب ذَلِك عد الْحَاكِم النُّعْمَان وسويدا ابْني مقرن الْمُزنِيّ فِي التَّابِعين عِنْدَمَا ذكر الْإِخْوَة من التَّابِعين وهما صحابيان
فَائِدَة لم يذكرهَا الشَّيْخ وَنَصّ عَلَيْهَا بَعضهم

أَن أَو التَّابِعين وَفَاة أَبُو زيد معضد بن زيد قتل بخراسان وَقيل بِأَذربِيجَان وَقيل بتستر سنة ثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان وَآخرهمْ موتا خلف بن خَليفَة مَاتَ سنة ثَمَانِينَ ومئة

(2/515)


فعلى هَذَا تابعيان بَين وفاتيهما مئة وَخَمْسُونَ سنة
فَائِدَة ثَانِيَة

فِيمَن أعقب مِنْهُم وَمن غَيرهم وَمن لم يعقب وَمن صحت الرِّوَايَة عَن أَوْلَادهم وَمن لم يَصح
صحت من وَلَده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن فَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَعلي بن الْحُسَيْن بن عَليّ وَعَن أَوْلَادهم زهاء مئتي رجل وَامْرَأَة من أهل الْبَيْت
وَصحت من ولد الصّديق عَائِشَة وَأَسْمَاء وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ أَبُو عَتيق وَعبد الله بن أبي عَتيق وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
وَكَثُرت رِوَايَة العمريين فِي الصَّحِيح
وَفِي عقب سعد بن أبي وَقاص فُقَهَاء وأئمة وحفاظ
وَكَذَا عقب عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَابْن مَسْعُود وَالْعَبَّاس
ثمَّ بعدهمْ عقب التَّابِعين وأتباعهم

(2/516)


وَولد مَالك بن أنس يحيى وَلَا يعرف لَهُ غَيره
وَولد شُعْبَة سعيدا
وَولد الْأَوْزَاعِيّ مُحَمَّدًا لَا غير
وَلأبي حنيفَة حما لَا غير ولحماد عقب
وَولد الشَّافِعِي عُثْمَان ومحمدا وَهُوَ أَبُو الْحسن ورد على أَحْمد بن حَنْبَل
وَولد أَحْمد صَالحا وَعبد الله فَقَط
وَولد ابْن مهْدي إِبْرَاهِيم ومُوسَى فَقَط
وَولد يحيى بن سعيد مُحَمَّد
وَلم يعقب سُفْيَان الثَّوْريّ وَلَا ابْن الْمُبَارك
وَولد لِابْنِ الْمَدِينِيّ مُحَمَّد وَهبة الله رويا عَنهُ
وَلم يعقب ابْن معِين ذكرا وَله أَوْلَاد من بَنَاته
وَلم يعقب البُخَارِيّ وَمُسلم ذكرا أَيْضا

(2/517)


النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر

من فَوَائده أَن لَا يتَوَهَّم أَن الْمَرْوِيّ عَنهُ أكبر وَأفضل لكَونه الْأَغْلَب
ثمَّ هُوَ أضْرب

أَحدهَا أَن يكون الرَّاوِي أكبر سنا وأقدم طبقَة كالزهري عَن مَالك أَو يحيى بن سعيد عَن مَالك وكأبي عبيد الله بن أَحْمد الْأَزْهَرِي من الْمُتَأَخِّرين أحد شُيُوخ الْخَطِيب روى عَن الْخَطِيب فِي بعض تصانيفه والخطيب إِذْ ذَاك فِي عنفوان شبابه وَطَلَبه
الثَّانِي أَن يكون أكبر قدرا كحافظ عَالم روى عَن شيخ راو كمالك عَن عبد الله بن دِينَار
كَذَا مثله الشَّيْخ ونوزع فِيهِ فَإِن عبد الله أعلم مِنْهُ وَأعرف
وكأحمد وَإِسْحَاق فِي روايتهما عَن عبيد الله بن مُوسَى
ونوزع الشَّيْخ فِي ذَلِك إِذْ هُوَ كَانَ أعلم مِنْهُمَا حِين رويا عَنهُ
الثَّالِث أَن يكون أكبر من الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا كَرِوَايَة الْحفاظ عَن أَصْحَابهم وتلامذتهم كَعبد الْغَنِيّ عَن الصُّورِي وكالبرقاني عَن الْخَطِيب وكالخطيب عَن ابْن مَاكُولَا

(2/518)


ويندرج تَحت هَذَا النَّوْع رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين كالعبادلة وَغَيرهم من الصَّحَابَة عَن كَعْب الْأَحْبَار وَكَذَا رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن تَابِعِيّ التَّابِعِيّ كالزهري والأنصاري عَن مَالك وكعمرو بن شُعَيْب لَيْسَ تابعيا وروى عَنهُ مِنْهُم أَكثر من عشْرين جمعهم عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ وَقيل أَكثر من سبعين قَالَه أَبُو مُحَمَّد الطبسي
قلت أستبعد هَذَا وَعبد الْغَنِيّ أحفظ وَأعرف على أَن عمرا هَذَا من التَّابِعين روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة فَمَا ذكره الشَّيْخ لَيْسَ بجيد

(2/519)


وَذكر ابْن مندة فِي مستخرجه رِوَايَة الأصاغر عَن الأكابر وَعَكسه فِي كراسين وَعدد من ذَلِك رِوَايَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تَمِيم الدَّارِيّ وَرِوَايَة تَمِيم الدَّارِيّ عَنهُ وَرِوَايَته عَن الصّديق فِي قصَّة الْأَذَان وَرِوَايَة الصّديق عَنهُ وَرِوَايَته عَن عمر وَسعد بن عبَادَة وروايتهما عَنهُ وَرِوَايَة الصّديق عَن عمر وَعمر عَنهُ وأتى فِيهِ بفوائد جمة

(2/520)