المقنع في علوم الحديث

النَّوْع الثَّالِث وَالسِّتُّونَ معرفَة الروَاة وَالْعُلَمَاء

وَهُوَ فن مُهِمّ افتضح بِسَبَب الْجَهْل بِهِ غير وَاحِد من المصنفين وَغَيرهم
والطبقات الْكَبِير لِابْنِ سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ حفيل كثير الْفَوَائِد وَهُوَ ثِقَة لَكِن أَكثر الرِّوَايَة فِيهِ عَن الضُّعَفَاء مِنْهُم شَيْخه مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ لَا ينْسبهُ
والطبقة فِي اللُّغَة الْقَوْم المشتبهون وَقد يكونَانِ من طبقَة بِاعْتِبَار تشابههما بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَة وَمن طبقتين بِاعْتِبَار كأنس وَشبهه من أصاغر الصَّحَابَة هم مَعَ الْعشْرَة فِي طبقَة الصَّحَابَة
وعَلى هَذَا الصَّحَابَة كلهم طبقَة والتابعون ثَانِيَة وأتباعهم ثَالِثَة وهلم جرا
وَبِاعْتِبَار السوابق يكون الصَّحَابَة بضع عشرَة طبقَة كَمَا تقدم

(2/668)


وَلَا يكون عِنْد أنس وَغَيره من أصاغر الصَّحَابَة من طبقَة الْعشْرَة من الصَّحَابَة بل هُوَ دونهم بطبقات
والباحث النَّاظر فِي هَذَا الْفَنّ يحْتَاج إِلَى معرفَة المواليد والوفيات وَمن رووا عَنهُ وروى عَنْهُم وَنَحْو ذَلِك

(2/669)


النَّوْع الرَّابِع وَالسِّتُّونَ معرفَة الموَالِي

أهمه المنسوبون إِلَى الْقَبَائِل كفلان الْقرشِي وَيكون مولى لَهُم
ثمَّ مِنْهُم من يُقَال مولى فلَان أَو لبني فلَان وَالْمرَاد مولى عتاقة وَهُوَ الْغَالِب
وَمِنْهُم مولى الْإِسْلَام كالبخاري الإِمَام مولى الجعفيين وَلَاء إِسْلَام لِأَنَّهُ جده وَأَظنهُ الَّذِي يُقَال لَهُ الْأَحْنَف كَانَ مجوسيا فَأسلم على يَد الْيَمَان الْجعْفِيّ جد عبد الله بن مُحَمَّد المسندي الْجعْفِيّ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ
وَكَذَلِكَ الْحسن بن عِيسَى الماسرجسي مولى عبد الله بن الْمُبَارك كَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم على يَدَيْهِ
وَمِنْهُم مولى الْحلف كمالك بن انس الإِمَام ونفره أصبحيون حميريون صليبة موَالِي لتيم قُرَيْش بِالْحلف وَقيل لِأَن جده مَالك بن أبي عَامر كَانَ عسيفا على طَلْحَة بن عبيد الله أَي أَجِيرا وَطَلْحَة يخْتَلف بِالتِّجَارَة فَقيل مولى التيميين لكَونه مَعَ طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ

(2/670)


وَهَذَا قسم رَابِع فِي ذَلِك وَهُوَ نَحْو مَا سلف فِي مقسم أَنه قيل فِيهِ مولى ابْن عَبَّاس للزومه إِيَّاه
وَمن أَمْثِلَة موَالِي الْقَبِيلَة
أَبُو البخْترِي الطَّائِي سعيد بن فروز التَّابِعِيّ مولى طَيء
أَبُو الْعَالِيَة رفيع الريَاحي التَّابِعِيّ مولى امْرَأَة من بني ريَاح
عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج الْهَاشِمِي أَبُو دَاوُد الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة وَغَيره هُوَ مولى بني هَاشم
اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ الفهمي مَوْلَاهُم
عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ الْقرشِي مَوْلَاهُم
عبد الله بن صَالح الْمصْرِيّ كَاتب اللَّيْث بن سعد الْجُهَنِيّ مَوْلَاهُم
وَرُبمَا نسب إِلَى الْقَبِيلَة مولى مَوْلَاهَا كَأبي الْحباب سعيد بن يسَار الْهَاشِمِي الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة مولى شقران مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الزُّهْرِيّ قدمت على عبد الْملك بن مَرْوَان من أَيْن قدمت يَا زهري قلت من مَكَّة قَالَ فَمن خلفت فِيهَا يسود أَهلهَا قلت عَطاء بن رَبَاح قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ

(2/671)


قلت من الموَالِي قَالَ وَبِمَ سادهم قلت بالديانة وَالرِّوَايَة قَالَ إِن أهل الدّيانَة وَالرِّوَايَة لينبغي أَن يسودا فَمن يسود أهل الْيمن قَالَ قلت طَاوس بن كيسَان قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ قلت من الموَالِي قَالَ وَبِمَ سادهم قلت بِمَا سادهم بِهِ عَطاء قَالَ إِنَّه لينبغي فَمن يسود أهل مصر قَالَ قلت يزِيد بن أبي حبيب قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ قلت من الموَالِي قَالَ فَمن يسود أهل الشَّام قلت مَكْحُول قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قلت من الموَالِي عبد نوبي أَعتَقته امْرَأَة من هُذَيْل قَالَ فَمن يسود أهل الجزيرة قلت مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ قلت من الموَالِي قَالَ فَمن يسود أهل خُرَاسَان قَالَ قلت الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ قلت من الموَالِي قَالَ فَمن يسود أهل الْبَصْرَة قلت الْحسن بن أبي الْحسن قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ قلت من الموَالِي قَالَ وَيلك فَمن يسود أهل الْكُوفَة قلت إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ فَمن الْعَرَب أم من الموَالِي قَالَ قلت من الْعَرَب قَالَ وَيلك يَا زهري فرجت عني وَالله لتسودن الموَالِي على الْعَرَب حَتَّى يخْطب لَهَا على المنابر وَالْعرب تحتهَا قَالَ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ أَمر الله وَدينه من حفظه سَاد وَمن شيعه سقط

(2/672)


وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم لما مَاتَ العبادلة صَار الْفِقْه فِي جَمِيع الْبلدَانِ إِلَى الموَالِي إِلَّا الْمَدِينَة فَإِن الله خصها بِقُرَيْش فَكَانَ فَقِيه أهل الْمَدِينَة سعيد بن الْمسيب غير مدافع
قَالَ الشَّيْخ وَفِي هَذَا بعض الْميل فقد كَانَ حِينَئِذٍ من الْعَرَب غير ابْن الْمسيب فُقَهَاء أَئِمَّة مشاهير مِنْهُم الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَجَمِيع الْفُقَهَاء السَّبْعَة الَّذين مِنْهُم ابْن الْمسيب عرب إِلَّا سُلَيْمَان بن يسَار

(2/673)


النَّوْع الْخَامِس وَالسِّتُّونَ معرفَة أوطان الروَاة وبلدانهم

هُوَ مِمَّا يفْتَقر إِلَيْهِ حفاظ الحَدِيث فِي تصرفاتهم
وَمن مظانه الطَّبَقَات لِابْنِ سعد
وَقد كَانَت الْعَرَب إِنَّمَا تنتسب إِلَى قبائلها فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَغلب عَلَيْهِم سُكْنى الْقرى انتسبوا إِلَى الْقرى كالعجم
ثمَّ من كَانَ ناقلة من بلد إِلَى بلد وَأَرَادَ الانتساب إِلَيْهِمَا فليبدأ بِالْأولِ فَيَقُول فِي ناقلة مصر إِلَى دمشق الْمصْرِيّ الدِّمَشْقِي وَالْأَحْسَن ثمَّ الدِّمَشْقِي
وَمن كَانَ من أهل قَرْيَة بلد فَيجوز أَن ينتسب إِلَى الْقرْيَة وَإِلَى الْبَلدة وَإِلَى النَّاحِيَة
قلت وَإِلَى الإقليم أَيْضا
قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك وَغَيره من أَقَامَ بِبَلَد أَربع سِنِين نسب إِلَيْهَا

(2/674)


آخر الْمُخْتَصر الْمُبَارك وَللَّه الْحَمد على التَّوْفِيق لَهُ ولإكماله وعَلى مَا أَسْبغ من إنعامه وإفضاله

ولنختمه بِذكر أَحَادِيث بِالْإِسْنَادِ على عَادَة الْحفاظ النقاد
1 - قَرَأت على الصَّدْر الْأَجَل لِسَان البلغاء صَلَاح الدّين أبي المحاسن يُوسُف بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبيد الله الْموقع قلت لَهُ أخْبرك النجيب الْحَرَّانِي سنة تسع وَسِتِّينَ وستمئة فَأقر بِهِ أخبرنَا أَبُو الْفرج عبد الْمُنعم بن عبد الْوَهَّاب الْحَرَّانِي أخبرنَا أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ الْحَافِظ أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم الْمقري حَدثنَا أَبُو سعيد الْعَدوي حَدثنَا خرَاش بن عبد الله حَدثنِي مولَايَ أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(2/675)


الْحيَاء خير كُله
2 - وقرأت عَلَيْهِ أَيْضا وعَلى الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن كشتغدي كِلَاهُمَا عَن النجيب عَن عبد الْوَاحِد بن عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو الْكَرم الْمُبَارك بن الْحسن بن الشهرزوري أخبرنَا الشريف بن الْمُهْتَدي أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر السكرِي حَدثنَا أَبُو سعيد الْحسن بن عَليّ الْعَدوي حَدثنَا خرَاش عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(2/676)


من قَرَأَ مئة آيَة كتب من القانتين وَمن قَرَأَ مئتي آيَة لم يكْتب من الغافلين وَمن قَرَأَ ثلاثمئة آيَة لم يحاجه الْقُرْآن
3 - وَبِه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كتب لَهُ ألف ألف حَسَنَة ومحي عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف ألف دَرَجَة وَمن زَاد زَاده الله
هَذِه أَحَادِيث تساعية الْإِسْنَاد وَهِي عزيزة فِي زمننا هَذَا يتبجح بِمِثْلِهَا وشيوخ شُيُوخنَا فَالْحَمْد لله وَقد وَقع لنا بِحَمْد الله عدَّة من هَذَا النَّحْو اقتصرنا مِنْهَا على هَذِه الثَّلَاثَة طلبا للاختصار وخراش هَذَا واه لَكِن لَهُ شَوَاهِد

(2/677)


قَالَ مُؤَلفه فسح الله فِي مدَّته وَأعَاد على الْمُسلمين من علومه وبركته
وَكَانَ الِابْتِدَاء فِي تَعْلِيق هَذَا الْمُخْتَصر الْمُبَارك فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وسبعمئة ثمَّ فتر الْعَزْم وَحصل النشاط إِلَى إكماله وتدريسه يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر ربيع الأول من سنة ثَمَان وَخمسين وسبعمئة وَاتفقَ نجازه يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر ربيع الأول من سنة تسع وَخمسين وسبعمئة أحسن الله تقضيها مَا بعْدهَا فِي خير وعافية بمنه وَكَرمه
وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تَعْلِيق هَذِه النُّسْخَة الْمُبَارَكَة دَاعيا لمَالِكهَا ومستمطرا من بركاته فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسبع بِالْقَاهِرَةِ المحروسة بالجامع الْأَزْهَر بكرَة النَّهَار
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه سلم تَسْلِيمًا كثيرا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

(2/678)