المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي

النَّوْع الثَّامِن المعضل

وَهُوَ مَا سقط من سَنَده اثْنَان فَصَاعِدا كَقَوْل مَالك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكقول الشَّافِعِي قَالَ ابْن عمر كَذَا وَيُسمى مُنْقَطِعًا عِنْد بَعضهم ومرسلا عِنْد بعض كَمَا تقدم وَعَن الْحَافِظ أبي نصر السجْزِي أَن قَول الرَّاوِي بَلغنِي يُسمى معضلا كَقَوْل مَالك بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة والمعضل من قسم الضَّعِيف
فرع إِذا وقف تَابع التَّابِعِيّ على التَّابِعِيّ حَدِيثا هُوَ مَرْفُوع مُتَّصِل عِنْد ذَلِك التَّابِعِيّ فقد جعله الْحَاكِم نوعا من المعضل وَفِيه نظر إِلَّا أَن يكون نَحْو قَول الْأَعْمَش عَن الشّعبِيّ يُقَال للرجل يَوْم الْقِيَامَة عملت كَذَا وَكَذَا الحَدِيث فقد رَوَاهُ الشّعبِيّ عَن أنس لِأَن التَّابِع أسقط اسْمِي الصَّحَابِيّ وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
//

(1/47)


النَّوْع التَّاسِع المعنعن

وَهُوَ الَّذِي يُقَال فِي سَنَده فلَان عَن فلَان قَالَ بعض الْعلمَاء هُوَ مُرْسل وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعلمَاء والمحدثين وَالْفُقَهَاء والأصوليين أَنه مُتَّصِل إِذا أمكن لقاؤهما مَعَ براءتهما من التَّدْلِيس وَقد أودعهُ البُخَارِيّ وَمُسلم صَحِيحهمَا وَكَذَلِكَ غَيرهمَا من مشترطي الصَّحِيح الَّذين لَا يَقُولُونَ بالمرسل وَادّعى أَبُو عَمْرو الداني إِجْمَاع أهل النَّقْل عَلَيْهِ وَكَاد ابْن عبد الْبر أَن يَدعِي إِجْمَاع أهل الحَدِيث عَلَيْهِ وَشرط أَبُو بكر الصَّيْرَفِي وَغَيره ثُبُوت اللِّقَاء وَقيل أَن عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث ابْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وَشرط أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ طول الصُّحْبَة وَأَبُو عَمْرو الداني أَن يكون مَعْرُوفا بالرواية عَنهُ وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ إِذا أدْركهُ إدراكا بَينا وَأنكر مُسلم على من أشْتَرط ثُبُوت اللِّقَاء فِي العنعنة وَأَنه قَول مخترع وَأَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ إِمْكَان لقائهما لِكَوْنِهِمَا فِي عصر وَاحِد وَإِن لم يَأْتِ فِي خبر قطّ أَنَّهُمَا اجْتمعَا ورد قوم هَذَا القَوْل على مُسلم قَالَ ابْن الصّلاح وَكثر فِي عصرنا وَمَا قاربه اسْتِعْمَال عَن فِي الْإِجَازَة
فرعان

الأول إِذا قَالَ الرَّاوِي إِن فلَانا قَالَ كَذَا مثل مَالك عَن الزُّهْرِيّ أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَذَا أَو مَالك عَن نَافِع قَالَ ابْن عمر كَذَا أَو حدث أَو ذكر وَنَحْو ذَلِك فقد قَالَ أَحْمد وَيَعْقُوب بن شيبَة وَأَبُو بكر البرديجي إِن مطلقه مَحْمُول على الِانْقِطَاع وَلَا يلْحق ب عَن وَقَالَ مَالك عَن وَأَن سَوَاء وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن جُمْهُور أهل الْعلم وَأَنه لَا اعْتِبَار بالحروف والألفاظ بل باللقاء والمجالسة وَالسَّمَاع والمشاهدة فَإِذا صَحَّ سَماع بَعضهم من بعض حمل على الِاتِّصَال بِأَيّ لفظ ورد حَتَّى يبين الِانْقِطَاع قَالَ الصَّيْرَفِي كل من علم لَهُ سَماع

(1/48)


من إِنْسَان أَو لقاؤه لَهُ فَحدث عَنهُ فَهُوَ على السماع حَتَّى يعلم أَنه لم يسمع مِنْهُ
الثَّانِي إِذا قيل فلَان عَن رجل عَن فلَان وَنَحْوه فقد سَمَّاهُ بعض المعتبرين فِي الْأُصُول مُرْسلا وَقَالَ الْحَاكِم لَا يُسمى مُرْسلا بل مُنْقَطِعًا وَهَذَا أقرب وَقد تقدم فِي الْمُنْقَطع
النَّوْع الْعَاشِر الْمُعَلق

وَهُوَ مَا حذف من مُبْتَدأ إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر كَقَوْل الشَّافِعِي قَالَ نَافِع أَو قَالَ ابْن عمر أَو قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من تَعْلِيق الْجِدَار أَو الطَّلَاق لاشْتِرَاكهمَا فِي قطع الِاتِّصَال وَلم يستعملوه فِيمَا سقط وسط إِسْنَاده أَو آخِره لتسميتهما بالمنقطع والمرسل وَلَا فِي غير صِيغَة الْجَزْم مثل يروي عَن فلَان وَيذكر عَنهُ وَشبه ذَلِك أوردهُ البُخَارِيّ كثيرا فِي صَحِيحه كَمَا تقدم وَلَيْسَ بِخَارِج من قبيل الصَّحِيح وَإِن كَانَ على صُورَة الْمُنْقَطع فقد يفعل البُخَارِيّ ذَلِك لكَون الحَدِيث مَعْرُوفا من جِهَة الثِّقَات عَمَّن علقه عَنهُ أَو لكَونه ذكره مُتَّصِلا فِي مَوضِع آخر من كِتَابه أَو لسَبَب آخر لَا يَصْحَبهُ خلل الِانْقِطَاع وَهَذَا فِيمَا يُورِدهُ أصلا أَو مَقْصُودا لَا فِي معرض الاستشهاد لِأَن الشواهد يحْتَمل فِيهَا مَا لَيْسَ من شَرط الصَّحِيح مُعَلّقا كَانَ الشَّاهِد أَو مَوْصُولا وَقد خطىء ابْن حزم الظَّاهِرِيّ فِي رده حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ فِي المعازف لقَوْل البُخَارِيّ فِيهِ قَالَ هِشَام بن عمار وسَاق السَّنَد وزعمه أَنه مُنْقَطع بَين البُخَارِيّ وَهِشَام فَإِن الحَدِيث مَعْرُوف الِاتِّصَال بِشَرْط الصَّحِيح

(1/49)


فرع

مَا أوردهُ البُخَارِيّ من ذَلِك عَن شُيُوخه مَحْمُول على السماع
قَالَ أَبُو جَعْفَر بن حمدَان النَّيْسَابُورِي كلما قَالَ البُخَارِيّ قَالَ لي أَو قَالَ لنا فَهُوَ عرض ومناولة وَعَن بعض متأخري المغاربة أَنه قسم ثَان من التَّعْلِيق وَجعله من التَّعْلِيق الْمُتَّصِل لفظا الْمُنْفَصِل معنى وَقَالَ إِذا قَالَ البُخَارِيّ قَالَ لي أَو قَالَ لنا فَاعْلَم أَنه ذكره للاستشهاد لَا للاحتجاج والمحدثون يعبرون بذلك عَمَّا جرى بَينهم فِي المناظرات والمذاكرات وأحاديثهما قَلما يحْتَج بهَا وَأَبُو جَعْفَر النَّيْسَابُورِي أقدم من هَذَا المغربي وَأعرف بالبخاري مِنْهُ قَالَه ابْن الصّلاح
النَّوْع الْحَادِي عشر الشاذ

قَالَ الشَّافِعِي هُوَ مَا رَوَاهُ الثِّقَة مُخَالفا لما رَوَاهُ النَّاس قَالَ ابْن الصّلاح أَو أنفرد بِهِ من لَيْسَ لَهُ من الضَّبْط والثقة مَا يجْبر تفرده وعَلى هَذَا فالمنكر والشاذ وَاحِد وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يعلي الخليلي الَّذِي عَلَيْهِ حفاظ الحَدِيث أَن الشاذ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد يشذ بِهِ شيخ ثِقَة كَانَ أَو غير ثِقَة فَمَا كَانَ غير ثِقَة فمتروك وَمَا كَانَ عِنْد ثِقَة توقف فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ الْحَاكِم الشاذ مَا انْفَرد بِهِ ثِقَة وَلَيْسَ لَهُ أصل بمتابع
فَمَا قَالَه الشَّافِعِي لَا إِشْكَال فِيهِ وَمَا قَالَه الخليلي وَالْحَاكِم يشكل بِمَا ينْفَرد بِهِ الْعدْل الضَّابِط كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ تفرد بِهِ يحيى عَن التَّيْمِيّ والتيمي عَن عَلْقَمَة وعلقمة عَن عمر وَعمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكحديث النَّهْي عَن

(1/50)


بيع الْوَلَاء تفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر وَهَذَانِ وَغَيرهمَا أَيْضا مخرجة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد فَلَيْسَ كَمَا أطلقهُ الخليلي وَالْحَاكِم قَالَ ابْن الصّلاح مَا حَاصله إِن الصَّحِيح التَّفْصِيل فَمَا خَالف مفرده أحفظ مِنْهُ وأضبط فشاذ مَرْدُود وَإِن لم يُخَالف وَهُوَ عدل ضَابِط فَصَحِيح أَو غير ضَابِط وَلَا بعد عَن دَرَجَة الضَّابِط فَحسن وَإِن بعد فشاذ مُنكر وَهَذَا التَّفْصِيل حسن وَلكنه مخل لمُخَالفَة الثِّقَة من هُوَ مثله فِي الضَّبْط وَبَيَان حكمه
النَّوْع الثَّانِي عشر الْمُنكر

قيل هُوَ مَا تفرد بِهِ من لَيْسَ ثِقَة وَلَا ضابطا فَهُوَ الشاذ على هَذَا كَمَا تقدم وَقَالَ الْبر ديجي هُوَ الْفَرد الَّذِي لَا يعرف مَتنه عَن غير رَاوِيه وَالصَّوَاب مَا تقدم
النَّوْع الثَّالِث عشر الْأَفْرَاد

وَهُوَ قِسْمَانِ أَحدهمَا فَرد عَن جَمِيع الروَاة وَقد تقدم تَفْصِيله وَالثَّانِي مُفْرد بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَة كَقَوْلِهِم تفرد بِهِ أهل مَكَّة أَو أهل الشَّام أَو تفرد بِهِ فلَان عَن فلَان أَو أهل الْبَصْرَة عَن أهل الْكُوفَة وَلَا يَقْتَضِي شَيْء من ذَلِك ضعفه إِلَّا أَن يُزَاد بتفرد أهل مَكَّة تفرد وَاحِد مِنْهُم فَيكون كالقسم الأول

(1/51)


النَّوْع الرَّابِع عشر الْمُعَلل

وَهُوَ مَا فِيهِ سَبَب قَادِح غامض مَعَ أَن ظَاهِرَة السَّلامَة مِنْهُ ويتمكن مِنْهُ أهل الْحِفْظ والخبرة والفهم الثاقب ويتطرق ذَلِك إِلَى الْإِسْنَاد الْجَامِع لشروط الصِّحَّة ظَاهرا وَيدْرك ذَلِك بتفرد الرَّاوِي وبمخالفة غَيره وَبِمَا يُنَبه على وهم بإرسال أَو وقف أَو إدراج حَدِيث فِي حَدِيث أَو غير ذَلِك مِمَّا يغلب على ظَنّه فَيحكم بِعَدَمِ صِحَّته أَو يتَرَدَّد فَيتَوَقَّف وَطَرِيق مَعْرفَته جمع طرق الحَدِيث وَالنَّظَر فِي اخْتِلَاف رُوَاته وضبطهم وإتقانهم وَقد كثر تَعْلِيل الْمَوْصُول بمرسل يكون رَاوِيه أَكثر أقوى مِمَّن وصل وَالْعلَّة إِمَّا فِي الْإِسْنَاد وَهُوَ الْأَكْثَر أَو فِي الْمَتْن وَالَّتِي فِي الْإِسْنَاد قد تقدح فِيهِ وَفِي الْمَتْن أَيْضا كالإرسال وَالْوَقْف أَو تقدح فِي الْإِسْنَاد وَحده وَيكون الْمَتْن مَعْرُوفا صَحِيحا كَحَدِيث يعلى بن عبيد عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار البيعان بِالْخِيَارِ إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن دِينَار وَغلط فِيهِ يعلى وَقد تكون الْعلَّة كذب الرَّاوِي أَو غفلته وَسُوء حفظه وسمى التِّرْمِذِيّ النّسخ عِلّة وَأطلق بَعضهم الْعلَّة على مُخَالفَة لَا تقدح كإرسال مَا وَصله الثِّقَة الضَّابِط حَتَّى قَالَ من الصَّحِيح صَحِيح مُعَلل كَمَا قيل مِنْهُ صَحِيح شَاذ