المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي النَّوْع الرَّابِع فِي رِوَايَة الحَدِيث
قد تقدّمت جمل مِنْهُ فِيمَا قبله وَالْكَلَام هُنَا فِي
سِتَّة عشر فصلا
الأول شدد قوم فِي الرِّوَايَة فأفرطوا وتساهل آخَرُونَ ففرطوا
فَقَالَ بعض المشددين لَا حجَّة إِلَّا فِيمَا رَوَاهُ من حفظه
رُوِيَ ذَلِك عَن أبي حنيفَة وَمَالك والصيدلاني وَقَالَ
بَعضهم يجوز من كِتَابه إِلَّا إِذا خرج من يَده وَقَالَ بعض
المتساهلين بالرواية من نسخ غير مُقَابلَة بأصولهم فجعلهم
الْحَاكِم مجروحين وَقَالَ وَهَذَا كثير تعاطاه قوم من أكَابِر
الْعلمَاء والصلحاء وَقد تقدم فِي النَّوْع قبله جَوَاز
الرِّوَايَة من نُسْخَة لم تقَابل بِشُرُوط ذَكرنَاهَا
فَلَعَلَّ الْحَاكِم أَرَادَ إِذا لم تُوجد تِلْكَ الشُّرُوط
أَو أَنه يُخَالف فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَقَالَ بعض
المتساهلين مَا تقدم فِي طرق التَّحَمُّل من الرِّوَايَة
بِالْوَصِيَّةِ والإعلام والمناولة الْمُجَرَّدَة وَغير ذَلِك
وَالصَّوَاب مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَهُوَ التَّوَسُّط
فَإِذا قَامَ فِي التَّحَمُّل والضبط والمقابلة بِمَا تقدم
جَازَت الرِّوَايَة مِنْهُ وَإِن غَابَ عَنهُ إِذا كَانَ
الْغَالِب سَلَامَته من التَّغْيِير وَلَا سِيمَا إِن كَانَ
مِمَّن لَا يخفى عَلَيْهِ تَغْيِيره غَالِبا
الثَّانِي الضَّرِير إِذا لم يحفظ مَا سَمعه فاستعان بِثِقَة
فِي ضَبطه وَحفظ كِتَابه واحتاط عِنْد الْقِرَاءَة عَلَيْهِ
بِحَيْثُ يغلب على ظَنّه سَلَامَته من التَّغْيِير صحت
رِوَايَته وَحَيْثُ منعنَا الْبَصِير فالضرير أولى بِالْمَنْعِ
مِنْهُ قَالَ الْخَطِيب والبصير الْأُمِّي كالضرير
الثَّالِث إِذا أَرَادَ الرِّوَايَة من نُسْخَة لَيْسَ فِيهَا
سَمَّاعَة وَلَا قوبلت بِهِ لَكِن سَمِعت على شَيْخه وفيهَا
سَماع شَيْخه أَو كتبت عَن شَيْخه وسكنت نَفسه إِلَيْهَا لم
(1/98)
تجز لَهُ الرِّوَايَة مِنْهَا عِنْد
عَامَّة الْمُحدثين وَرخّص فِيهِ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ
وَمُحَمّد بن بكر البرْسَانِي قَالَ الْخَطِيب وَالَّذِي
يَقْتَضِيهِ النّظر أَنه مَتى عرف أَن هَذِه الْأَحَادِيث هِيَ
الَّتِي سَمعهَا من الشَّيْخ جَازَ لَهُ أَن يَرْوِيهَا إِذا
سكنت نَفسه إِلَى صِحَّتهَا وسلامتها هَذَا إِذا لم يكن لَهُ
إجَازَة عَامَّة من شَيْخه لمروياته أَو لهَذَا الْكتاب فَإِن
كَانَت جَازَ لَهُ الرِّوَايَة مِنْهَا إِذْ لَيْسَ فِيهِ
أَكثر من رِوَايَة زيادات متوهمة بِالْإِجَازَةِ بِلَفْظ
حَدثنَا وَأخْبرنَا من غير بَيَان الْإِجَازَة وَالْأَمر فِي
ذَلِك قريب يَقع فِي مَحل التسامح وَقد تقدم قَول إِنَّه لَا
غنى فِي كل سَماع عَن الْإِجَازَة ليَقَع مَا يسْقط من
الْكَلِمَات سَهوا أَو غَيره مرويا بِالْإِجَازَةِ وَإِن لم
يكن يذكر لَفظهَا وَهَذَا تيسير حسن لمس الْحَاجة إِلَيْهِ فِي
زَمَاننَا وَإِن كَانَ فِي النُّسْخَة سَماع شيخ شَيْخه أَو
كَانَت مسموعة عَلَيْهِ فَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى أَن تكون
لَهُ إجَازَة شَامِلَة من شَيْخه ولشيخه مثلهَا من شَيْخه
الرَّابِع لَو وجد فِي كِتَابه خلاف حفظه فَإِن حفظ مِنْهُ
رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِن حفظ من فَم الشَّيْخ اعْتمد حفظه إِن لم
يتشكك وَحسن أَن يذكرهما مَعًا فَيَقُول حفظي كَذَا وَفِي
كتابي كَذَا وَإِن خَالفه فِيهِ غَيره قَالَ حفظي كَذَا
وَقَالَ فلَان كَذَا وَلَو وجد سَمَاعه فِي كتاب وَلم يذكرهُ
فَعَن أبي حنيفَة وَبَعض الشَّافِعِيَّة لَا تجوز لَهُ
رِوَايَته وَمذهب الشَّافِعِي وَأكْثر أَصْحَابه وَأبي يُوسُف
وَمُحَمّد جَوَازهَا وَهُوَ الصَّحِيح بِشَرْط أَن يكون السماع
بِخَطِّهِ أَو بِخَط من يوثق بِهِ وَالْكتاب مصون يغلب على
الظَّن سَلَامَته من التَّغْيِير بِحَيْثُ تسكن إِلَيْهِ نَفسه
الْخَامِس من لَيْسَ عَالما بالألفاظ ومقاصدها خَبِيرا
بمعانيها لَا تجوز لَهُ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى
بِالْإِجْمَاع بل يتَعَيَّن اللَّفْظ الَّذِي سَمعه وَإِن
كَانَ عَالما بذلك فقد مَنعه قوم من أَصْحَاب الحَدِيث
وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَقَالُوا لَا يجوز إِلَّا بِلَفْظِهِ
(1/99)
وَقَالَ قوم لَا يجوز فِي حَدِيث النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيجوز فِي غَيره وَقَالَ جُمْهُور
السّلف وَالْخلف من الطوائف يجوز فِي الْجَمِيع إِذا قطع
بأَدَاء الْمَعْنى وَهَذَا فِي غير المصنفات أما المُصَنّف
فَلَا يجوز تَغْيِير لَفظه أصلا وَإِن كَانَ بِمَعْنَاهُ
السَّادِس اخْتلف فِي رِوَايَة بعض الحَدِيث دون بعض فَمَنعه
قوم بِنَاء على منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَمِمَّنْ جوزها
مِنْهُم من مَنعه إِذا لم يكن هُوَ أَو غَيره رَوَاهُ
بِتَمَامِهِ قبل ذَلِك وَمِنْهُم من جوزه مُطلقًا وَالصَّحِيح
أَنه إِن كَانَ عَارِفًا وَلم يكن مَا تَركه مُتَعَلقا بِمَا
رَوَاهُ بِحَيْثُ يخْتل الحكم بِتَرْكِهِ وَلم تتطرق إِلَيْهِ
تُهْمَة بِزِيَادَة أَو نُقْصَان جَازَ سَوَاء أجوزنا
الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أم لَا وَسَوَاء أَكَانَ قد رَوَاهُ
قبل تَاما أم لَا أما إِذا اخْتلف الحكم بترك بعضه كالغاية
وَالِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى
تزهى وَفِي قَوْله إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء فَلَا يجوز تَركه
وَكَذَلِكَ إِذا رَوَاهُ تَاما ثمَّ خَافَ إِذا رَوَاهُ
نَاقِصا أَن يتهم بِالزِّيَادَةِ أَولا وبالغفلة وَقلة
الضَّبْط ثَانِيًا فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ ذَلِك وَأما تقطيع
المُصَنّف الحَدِيث فِي الْأَبْوَاب فَهُوَ إِلَى الْجَوَاز
أقرب وَقد فعله البُخَارِيّ قَالَ ابْن الصّلاح وَلَا يَخْلُو
من كَرَاهَة وَفِي قَوْله ذَلِك نظر
السَّابِع لَا يرْوى بِقِرَاءَة لحان أَو مصحف وَطَرِيق
السَّلامَة من التَّصْحِيف الْأَخْذ من أَفْوَاه أهل الْمعرفَة
وَالتَّحْقِيق فَإِن وَقع فِي الرِّوَايَة لحن أَو تَحْرِيف
(1/100)
قَالَ ابْن سِيرِين وَغَيره يرويهِ كَمَا
سَمعه وَالصَّوَاب تَقْرِيره فِي الأَصْل على حَاله مَعَ
التضبيب عَلَيْهِ وَبَيَان صَوَابه فِي الْحَاشِيَة وَأما فِي
السماع فَالْأولى أَن يقرأه على الصَّوَاب ثمَّ يَقُول وَفِي
روايتنا أَو عِنْد شَيخنَا أَو فِي طَرِيق فلَان كَذَا وَله
أَن يقْرَأ مَا فِي الأَصْل ثمَّ يذكر الصَّوَاب وَأحسن
الْإِصْلَاح بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى أَو حَدِيث آخر
وَإِذا كَانَ الْإِصْلَاح بِزِيَادَة سَاقِط لم يغاير معنى
الأَصْل فعلى مَا سبق وَإِن غايره تَأَكد ذكر الأَصْل
مَقْرُونا بِالْبَيَانِ فَإِن علم أَن بعض الروَاة أسْقطه
وَأَن من فَوْقه أَتَى بِهِ الْحق السَّاقِط فِي نفس الْكتاب
مَعَ كلمة يَعْنِي هَذَا إِن علم أَن شَيْخه رَوَاهُ على
الْخَطَأ فَإِن رَآهُ فِي كِتَابه وَغلب على ظَنّه أَنه من
كِتَابه لَا من شَيْخه اتجه إِصْلَاحه فِي كِتَابه وَرِوَايَته
أَيْضا كَمَا لَو درس من كِتَابه بعض الْإِسْنَاد أَو الْمَتْن
فَإِنَّهُ يجوز إِصْلَاحه من كتاب غَيره إِذا عرف صِحَّته ووثق
بِهِ كَذَا قَالَه أهل التَّحْقِيق وَمنعه بَعضهم وَهَكَذَا
الحكم فِي استثبات الْحَافِظ مَا شكّ فِيهِ من كتاب غَيره أَو
حفظه رُوِيَ ذَلِك عَن عَاصِم وَأبي عوَانَة وَأحمد وَغَيرهم
وَكَانَ بَعضهم يُنَبه عَلَيْهِ فَيَقُول حَدثنِي فلَان وثبتني
فلَان وَإِذا وجد كلمة من غَرِيب الْعَرَبيَّة أَو غَيرهَا
وَهِي غير مضبوطة وأشكلت عَلَيْهِ جَازَ أَن يسْأَل عَنْهَا
أهل الْعلم بهَا ويرويها على مَا يخبرونه رُوِيَ ذَلِك عَن
أَحْمد وَإِسْحَاق
الثَّامِن إِذا كَانَ الحَدِيث عَن أثنين أَو أَكثر وَبَينهمَا
تفَاوت فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَاحِد فَلهُ جمعهَا فِي
الْإِسْنَاد ثمَّ يَسُوقهُ على لفظ أَحدهمَا فَيَقُول أحبرنا
فلَان وَفُلَان وَاللَّفْظ لفُلَان وَشبه ذَلِك وَلمُسلم فِي
صَحِيحه عبارَة أُخْرَى حَسَنَة كَقَوْلِه حَدثنَا أَبُو بكر
وَأَبُو سعيد كِلَاهُمَا عَن أبي خَالِد قَالَ أَبُو بكر ثَنَا
أَبُو خَالِد عَن الْأَعْمَش فَظَاهره أَن اللَّفْظ لأبي بكر
وَلَو قَالَ أخبرنَا فلَان وَفُلَان وتقاربا فِي اللَّفْظ
قَالَا ثَنَا فلَان جَازَ على الرِّوَايَة
(1/101)
بِالْمَعْنَى وَلَو لم يقل وتقاربا جَازَ
أَيْضا على الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى على أَنه قد عيب بِهِ بعض
أكَابِر الْحفاظ كالبخاري أَو غَيره وَلَو سمع مصنفا من
جمَاعَة كالبخاري مثلا فقابل نسخته بِأَصْل بَعضهم ثمَّ
رَوَاهُ عَنْهُم وَقَالَ وَاللَّفْظ لفُلَان احْتمل جَوَازه
وَاحْتمل مَنعه قلت وَيحْتَمل تَفْصِيلًا آخر وَهُوَ النّظر
إِلَى الطّرق فَإِن كَانَت متباينة بِأَحَادِيث مُسْتَقلَّة لم
يجز وَإِن كَانَ تفاوتها فِي أَلْفَاظ أَو لُغَات أَو
اخْتِلَاف ضبط جَازَ وَالله أعلم
التَّاسِع لَيْسَ لَهُ أَن يزِيد فِي نسب غير شَيْخه أَو فِي
صفته إِلَّا أَن يميزه فَيَقُول هُوَ ابْن فلَان أَو هُوَ
الْفُلَانِيّ أَو يَعْنِي ابْن فلَان وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا كثير فَإِن ذكر شَيْخه نسب
شَيْخه فِي أول حَدِيث وَاقْتصر فِي بَاقِي الْأَحَادِيث على
اسْمه أَو بعض نسبه فَأَرَادَ السَّامع رِوَايَة تِلْكَ
الْأَحَادِيث مفصولة عَن الأولى فَهَل يَسْتَوْفِي فِيهَا نسب
شيخ شَيْخه حكى الْخَطِيب عَن أَكثر الْعلمَاء جَوَازه وَعَن
بَعضهم أَن الأولى أَن يَقُول يَعْنِي ابْن فلَان وَهُوَ ابْن
فلَان وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَغير يَقُول حَدثنِي شَيْخي
أَن فلَان بن فلَان حَدثهُ وَأولى ذَلِك مَا استحبه الْخَطِيب
ثمَّ مَا قَالَه ابْن الْمَدِينِيّ ثمَّ الِاسْتِيفَاء من غير
تَمْيِيز
الْعَاشِر جرت الْعَادة بِحَذْف قَالَ بَين رجال الْإِسْنَاد
فِي الْخط لَكِن يَنْبَغِي للقارىء التَّلَفُّظ بهَا وَإِن
كَانَ قرىء على فلَان أخْبرك فلَان أَو حَدثنَا فلَان فَلْيقل
القارىء فِي الأول قيل لَهُ أخْبرك وَفِي الثَّانِي أخبرنَا
فلَان وَإِن تكَرر قَالَ فِي نَحْو قَالَ قَالَ الشّعبِيّ حذفت
إِحْدَاهمَا
(1/102)
خطا ونطق بهَا لفظا فَإِن ترك القارىء
التَّلَفُّظ بذلك فقد أَخطَأ وَالظَّاهِر صِحَة السماع
الْحَادِي عشر الْكتب والأجزاء الْمُشْتَملَة على أَحَادِيث
بِسَنَد وَاحِد كنسخة همام مِنْهُم من يجدد السَّنَد أول كل
حَدِيث وَهُوَ أحوط وَمِنْهُم من اكْتفى بِهِ فِي أول حَدِيث
أَو أول مجْلِس ويدرج الْبَاقِي عَلَيْهِ قَائِلا فِي كل
حَدِيث وَبِالْإِسْنَادِ أَو وَبِه وَهُوَ الْأَغْلَب ثمَّ
يجوز لَهُ رِوَايَة غير الأول بِإِسْنَادِهِ عِنْد الْأَكْثَر
وَمنعه أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ وَغَيره فعلى هَذَا
يفعل كَمَا يَفْعَله مُسلم فِي صحيفَة همام بقوله فَذكر
أَحَادِيث مِنْهَا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَذَا فعله كثير من المؤلفين وإعادة بَعضهم
الْإِسْنَاد آخر الْكتاب لَا يرفع هَذَا الْخلاف غير أَنه
يُفِيد إجَازَة قَوِيَّة واحتياطا
الثَّانِي عشر إِذا قدم الْمَتْن على السَّنَد ك قَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا أَو قدم الْمَتْن
وَآخر السَّنَد ك قَالَ نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا أخبرنَا بِهِ فلَان عَن فلَان
حَتَّى يتَّصل فيهمَا صحت الرِّوَايَة وَكَانَ مُتَّصِلا فَلَو
قدم سامعه جَمِيع السَّنَد على الْمَتْن فقد جوزه بَعضهم وَقيل
يَنْبَغِي فِيهِ الْخلاف فِي تَقْدِيم بعض الْمَتْن على بعض
وَهُوَ مَبْنِيّ على الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَلَو روى
حَدِيثا بِسَنَد ثمَّ أتبعه إِسْنَادًا آخر وَقَالَ فِي آخِره
مثله أَو نَحوه كعادة مُسلم وَغَيره فَأَرَادَ سامعه رِوَايَته
بالسند الثَّانِي فقد مَنعه شُعْبَة وَأَجَازَهُ الثَّوْريّ
وَابْن معِين لمن هُوَ متحفظ مُمَيّز بَين الْأَلْفَاظ وَبَعض
الْعلمَاء إِذا روى مثل ذَلِك قَالَ الْإِسْنَاد ثمَّ قَالَ
مثل حَدِيث قبله مَتنه كَذَا وَاخْتَارَهُ الْخَطِيب وَلَو
قَالَ مَوضِع مثله وَنَحْوه فقد جوزه الثَّوْريّ كَمَا فِي
مثله وَمنعه شُعْبَة وَابْن معِين
(1/103)
قَالَ الْخَطِيب فرق ابْن معِين بَين مثله
وَنَحْوه يَصح على منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَأَما على
جَوَازهَا فَلَا فرق وَقَالَ الْحَاكِم يلْزم الحديثي من
الإتقان أَن يفرق بَين مثله وَنَحْوه فَلَا يحل أَن يَقُول
مثله إِلَّا إِذا اتفقَا فِي اللَّفْظ وَيحل نَحوه إِذا كَانَ
بِمَعْنَاهُ
الثَّالِث عشر إِذا ذكر الْإِسْنَاد وَبَعض الْمَتْن ثمَّ
قَالَ وَذكر الحَدِيث فَأَرَادَ سامعه رِوَايَته بِطُولِهِ
فَهَذَا أولى بِالْمَنْعِ من مثله وَنَحْوه وَطَرِيقه وَمنعه
الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق وَجوزهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ إِذا
عرف الْمُحدث وَالسَّامِع ذَلِك الحَدِيث وَالِاحْتِيَاط أَن
يقْتَصر على الْمَذْكُور فَإِذا قَالَ وَذكر الحَدِيث قَالَ
وَهُوَ كَذَا ويسوقه بِكَمَالِهِ وَإِذا قُلْنَا بِجَوَازِهِ
فَهُوَ على التَّحْقِيق بطرِيق الْإِجَازَة القوية فِيمَا لم
يذكرهُ الشَّيْخ وَلَا يفْتَقر إِلَى إِفْرَاده بِالْإِجَازَةِ
الرَّابِع عشر قَالَ الشَّيْخ ابْن الصّلاح الظَّاهِر أَنه لَا
يجوز تَغْيِير قَالَ النَّبِي إِلَى قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَكسه وَإِن جَوَّزنَا الرِّوَايَة
بِالْمَعْنَى لاخْتِلَاف مَعْنَاهُمَا وَقَالَ غَيره الصَّوَاب
أَنه يجوز لِأَن مَعْنَاهُمَا هُنَا وَاحِد وَهُوَ مَذْهَب
أَحْمد وَحَمَّاد بن سَلمَة والخطيب قلت وَلَو قيل يجوز
تَغْيِير النَّبِي إِلَى الرَّسُول وَلَا يجوز عَكسه لما بعد
لِأَن فِي الرَّسُول معنى زَائِدا على النَّبِي وَهُوَ
الرسَالَة فَإِن كل رَسُول نَبِي وَلَيْسَ كل نَبِي رَسُول
الْخَامِس عشر إِذا كَانَ فِي سَمَاعه بعض الوهن فَعَلَيهِ
بَيَانه حَالَة الرِّوَايَة وَمِنْه مَا إِذا حَدثهُ من حفظه
فِي المذاكرة فَيَقُول حَدثنَا مذاكرة وَمنع جمَاعَة الْحمل
عَنْهُم حَال المذاكرة وَإِذا كَانَ الحَدِيث عَن ثِقَة ومجروح
أَو ثقتين فَالْأولى أَن يذكرهما لاحْتِمَال انْفِرَاد
أَحدهمَا بِشَيْء فَإِن اقْتصر على ثِقَة وَاحِد فِي
الصُّورَتَيْنِ
(1/104)
جَازَ لِأَن الظَّاهِر اتِّفَاقهمَا
السَّادِس عشر إِذا سمع بعض حَدِيث من شيخ وَبَعضه من آخر
فخلطه وَرَوَاهُ جملَة عَنْهُمَا وَبَين أَن بعضه عَن أَحدهمَا
وَبَعضه عَن الآخر جَازَ كَمَا فعله الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث
الْإِفْك فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن ابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَعبيد
الله وعلقمة وَقَالَ وكل حَدثنِي طَائِفَة من حَدِيثهَا
قَالُوا قَالَت عَائِشَة وسَاق الحَدِيث إِلَى آخِره ثمَّ مَا
من شَيْء من ذَلِك الحَدِيث إِلَّا تحْتَمل رِوَايَته عَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا وَحده حَتَّى لَو كَانَ أَحدهمَا مجروحا لم
يجز الِاحْتِجَاج بِشَيْء مِنْهُ بِمَا لم يبين أَنه عَن
الثِّقَة وَلَا يجوز أَن يسْقط أحد الراويين بل يجب ذكرهمَا
مُبينًا أَن بعضه عَن أَحدهمَا وَبَعضه عَن الآخر
النَّوْع الْخَامِس فِي أدب الرَّاوِي وَفِيه فُصُول
الأول علم الحَدِيث علم شرِيف يُنَاسب مَكَارِم الْأَخْلَاق
ومحاسن الشيم وَهُوَ من عُلُوم الْآخِرَة فَمن حرمه حرم خيرا
كثيرا وَمن رزقه مَعَ حسن النِّيَّة فقد نَالَ أجرا كَبِيرا
فعلى مَعَانِيه تَصْحِيح النِّيَّة وإخلاصها وتطهير الْقلب من
الْأَغْرَاض الدُّنْيَوِيَّة من رئاسة أَو طلب مَال أَو غير
ذَلِك مِمَّا لَا يُرَاد بِهِ وَجه الله تَعَالَى قَالَ
الثَّوْريّ كَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يطْلب الحَدِيث تعبد
قبل ذَلِك عشْرين سنة
(1/105)
الثَّانِي السن الْمُسْتَحبّ فِيهِ التصدي
لإسماع الحَدِيث فَعَن أبي مُحَمَّد بن خَلاد أَن تستوفي
الْخمسين لِأَنَّهَا انْتِهَاء الكهولة وفيهَا مُجْتَمع الأشد
قَالَ وَلَيْسَ بمنكر أَن يحدث عَنهُ اسْتِيفَاء الْأَرْبَعين
لِأَنَّهَا حد الاسْتوَاء ومنتهى الْكَمَال وَأنكر القَاضِي
عِيَاض على ابْن خَلاد ذَلِك لِأَن جمَاعَة من السّلف وَمن
بعدهمْ نشرُوا علما لَا يُحْصى وَلم يبلغُوا ذَلِك كعمر بن عبد
الْعَزِيز لم يبلغ الْأَرْبَعين وَسَعِيد بن جُبَير لم يبلغ
الْخمسين وَجلسَ مَالك للنَّاس وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة
وَقيل سبع عشرَة وَأخذ عَن الشَّافِعِي الْعلم وَهُوَ فِي سنّ
الحداثة قَالَ ابْن الصّلاح رَحمَه الله مَا ذكره ابْن خَلاد
مَحْمُول على من تصدى للتحديث بِنَفسِهِ من غير براعة فِي
الْعلم لِأَن السن الْمَذْكُور فِي مَظَنَّة الْحَاجة إِلَيْهِ
وَمَا ذكره عِيَاض عَمَّن ذكرهم فَالظَّاهِر أَنه لبراعة
مِنْهُم فِي الْعلم تقدّمت فَظهر لَهُم مَعهَا الْحَاجة
إِلَيْهِم فَحَدثُوا أَو لأَنهم سئلوا ذَلِك بِصَرِيح
السُّؤَال أَو بِقَرِينَة الْحَال وَالْحق أَنه مَتى احْتِيجَ
إِلَى مَا عِنْده اسْتحبَّ لَهُ التصدي لنشره فِي أَي سنّ
كَانَ كمالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا وَمَتى خشِي عَلَيْهِ
الْهَرم والخرف والتخليط أمسك عَن التحديث وَيخْتَلف ذَلِك
باخْتلَاف النَّاس وَكَذَا إِذا عمي وَخَافَ أَن يدْخل
عَلَيْهِ مَا لَيْسَ من حَدِيثه فليمسك عَن الرِّوَايَة وَمَال
ابْن خَلاد إِلَى أَنه يمسك فِي الثَّمَانِينَ لِأَنَّهُ حد
الْهَرم إِلَّا إِذا كَانَ عقله ثَابتا بِحَيْثُ يعرف حَدِيثه
وَيقوم بِهِ وَوجه مَا قَالَه أَن من بلغ الثَّمَانِينَ ضعف
حَاله غَالِبا وَخيف عَلَيْهِ الْإِخْلَال وَأَن لَا يفْطن
لَهُ إِلَّا بعد أَن يخلط كَمَا اتّفق لقوم من الثِّقَات كَعبد
الرَّزَّاق وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة حَتَّى كَانَ عبد
الرَّزَّاق فِي آخر عمره ضعف فَكَانَ يلقن وَضعف أَحْمد
حَدِيثه بِأخرَة وَإِلَّا فقد حدث خلق بعد مُجَاوزَة
الثَّمَانِينَ لما ساعدهم التَّوْفِيق وصحبتهم السَّلامَة كأنس
بن مَالك وَسَهل بن سعد وَعبد الله بن أبي أوفى من الصَّحَابَة
وكمالك وَاللَّيْث وَابْن عُيَيْنَة وَابْن الْجَعْد وَحدث قوم
بعد المئة كالحسن بن عَرَفَة وَأبي
(1/106)
الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأبي إِسْحَاق
الهُجَيْمِي وَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ رضى الله عَنْهُم
الثَّالِث يَنْبَغِي أَن لَا يحدث بِحَضْرَة من هُوَ أولى
مِنْهُ لسنه أَو علمه أَو غير ذَلِك وَقيل لَا يحدث فِي بلد
فِيهِ من هُوَ أولى مِنْهُ وَإِذا طلب مِنْهُ مَا يُعلمهُ
عِنْد أولى مِنْهُ أرشد إِلَيْهِ لِأَن الدّين النَّصِيحَة
وَلَا يمْتَنع من تحديث أحد لعدم صِحَة نِيَّته فَإِنَّهُ
يُرْجَى لَهُ تصحيحها وليحرص على نشره ويبتغي جزيل آجره
الرَّابِع إِذا أَرَادَ حُضُور مجْلِس التحديث تطهر وتطيب وسرح
لحيته ثمَّ يجلس مُتَمَكنًا بوقار فَإِن رفع أحد صَوته زبره
رُوِيَ ذَلِك كُله عَن مَالك رَحمَه الله وَكَانَ يكره أَن
يحدث فِي الطَّرِيق أَو هُوَ قَائِم أَو مستعجل وَيقبل على
الْحَاضِرين كلهم إِذا أمكن وَلَا يسْرد الحَدِيث سردا لَا
يدْرك بَعضهم فهمه ويفتتح مَجْلِسه ويختمه بتحميد الله
تَعَالَى وَالصَّلَاة على رَسُوله وَدُعَاء يَلِيق بِالْحَال
قَالَ بَعضهم بعد قِرَاءَة قارىء حسن الصَّوْت شَيْئا من
الْقُرْآن
الْخَامِس يَنْبَغِي للمحدث الْعَارِف عقد مجْلِس لإملاء
الحَدِيث فَإِنَّهُ أَعلَى مَرَاتِب الرِّوَايَة لِأَن
الشَّيْخ يتدبر مَا يمليه وَالْكَاتِب يُحَقّق مَا يَكْتُبهُ
وَالْقِرَاءَة من الشَّيْخ أَو عَلَيْهِ رُبمَا غفل فِيهَا
أَحدهمَا ويتخذ مستمليا محصلا متيقظا يبلغ عَنهُ إِذا كثر
الْجمع كَمَا كَانَ جمَاعَة من الْحفاظ يَفْعَلُونَ ويستملي
مرتفعا على مَكَان وَإِلَّا قَائِما وعَلى الْمُسْتَمْلِي
تَبْلِيغ لَفظه على وَجهه وَفَائِدَة الْمُسْتَمْلِي تفهيم
السَّامع على بعد وَمن لم يسمع إِلَّا الْمبلغ لم تجز لَهُ
رِوَايَته عَن الشَّيْخ المملي إِلَّا إِذا بَين الْحَال وَقد
تقدم هَذَا ويستنصت الْمُسْتَمْلِي النَّاس بعد قِرَاءَة حسن
الصَّوْت كَمَا تقدم ثمَّ يبسمل ويحمد الله تَعَالَى وَيُصلي
على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يقبل على الشَّيْخ
وَيَقُول من ذكرت أَو مَا ذكرت رَحِمك الله أَو رضى الله عَنْك
وَكلما ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى عَلَيْهِ
وَكلما ذكر الصَّحَابِيّ ترْضى عَنهُ ويثني الْمُحدث على
شَيْخه
(1/107)
حَال الرِّوَايَة بِمَا هُوَ أَهله
وَيَدْعُو لَهُ وَلَا بَأْس بِذكرِهِ بِمَا يعرف بِهِ من لقب
أَو نِسْبَة وَلَو إِلَى أم أَو صَنْعَة أَو وصف فِي بدنه
وَحسن أَن يجمع فِي إمْلَائِهِ جمعا من شُيُوخه مقدما أفضلهم
ويملي عَن كل شيخ حَدِيثا ويختار مَا على سَنَده وَقصر مَتنه
ويتحرى الْمُسْتَفَاد مِنْهُ وينبه إِلَى مَا فِيهِ من علوا
وَفَائِدَة وَضبط مُشكل ويتجنب مَا لَا تحتمله عقول
الْحَاضِرين أَو يخَاف عَلَيْهِم الْوَهم فِي فهمه ثمَّ يخْتم
إملاءه بِشَيْء من الحكايات والنوادر والإنشادات وَهُوَ فِي
الزّهْد والآداب وَمَكَارِم الْأَخْلَاق أولى وَإِذا قصر
الْمُحدث عَن التَّخْرِيج أَو أنشغل عَنهُ اسْتَعَانَ بِبَعْض
الْحفاظ فِي التَّخْرِيج لَهُ قَالَ الْخَطِيب كَانَ جمَاعَة
من شُيُوخنَا يَفْعَلُونَهُ إِذا فرغ من الْإِمْلَاء قَابل مَا
أملاه
النَّوْع السَّادِس فِي أدب طَالب الحَدِيث قد تقدّمت جمل من
هَذَا النَّوْع ووراء ذَلِك فضول
الأول تَصْحِيح النِّيَّة فِي طلبه لله تَعَالَى خَالِصا
والحذر من قصد التَّوَصُّل بِهِ إِلَى الْأَغْرَاض
الدُّنْيَوِيَّة ويبتهل إِلَى الله تَعَالَى فِي التَّوْفِيق
والتيسير وَيَأْخُذ نَفسه بالآداب السّنيَّة والأخلاق المرضية
فَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ مَا أعلم عملا أفضل من طلب الحَدِيث
لمن أَرَادَ الله بِهِ وَقد تقدم الْكَلَام فِي السن الَّذِي
يبتدىء فِيهِ بِسَمَاع الحَدِيث وليغتنم مُدَّة إِمْكَانه
ويفرغ جهده فِي تَحْصِيله
الثَّانِي أَن يبْدَأ بِسَمَاع مَا عِنْد أرجح شُيُوخ بَلَده
إِسْنَادًا وعلما ودينا وشهرة فَإِذا فرغ من مهمات بَلَده رَحل
فِي الطّلب فَإِن الرحلة من عَادَة الْحفاظ المبرزين وَلَا
يحملهُ الشره فِي الطّلب على التساهل فِي السماع والتحمل فيخل
بِشَيْء من شُرُوطه وليستعمل مَا يُمكنهُ اسْتِعْمَاله مِمَّا
يسمعهُ من الحَدِيث فِي أَنْوَاع
(1/108)
الْعِبَادَات والآداب فَذَلِك زَكَاة
الحَدِيث كَمَا قَالَه بشر الحافي وَهُوَ سَبَب حفظه قَالَ
وَكِيع إِذا أردْت حفظ الحَدِيث فاعمل بِهِ
الثَّالِث أَن يعظم شَيْخه وكل من يسمع مِنْهُ فَإِن ذَلِك من
إجلال الْعلم ويتحرى رِضَاهُ وَلَا يُطِيل عَلَيْهِ بِحَيْثُ
يضجره فَرُبمَا كَانَ ذَلِك سَبَب حرمانه وَعَن الزُّهْرِيّ
قَالَ إِذا طَال الْمجْلس كَانَ للشَّيْطَان فِيهِ نصيب
وليستشر شَيْخه فِي أُمُوره وَكَيْفِيَّة مَا يعتمده من
اشْتِغَاله وَمَا يشْتَغل فِيهِ وَقد ذكرت فِي أدب الْعَالم
والمتعلم من هَذَا الْبَاب مَا يروي الظمآن إِلَيْهِ
الرَّابِع إِذا ظفر بِسَمَاع أَو فَائِدَة أرشد غَيره من
الطّلبَة إِلَيْهِ فَإِن كتمان ذَلِك لؤم من جهلة الطّلبَة
يخَاف على فَاعله عدم النَّفْع فَإِن بركَة الحَدِيث إفادته
وبنشره ينمى وَلَا يمنعهُ الْحيَاء وَالْكبر من السَّعْي فِي
التَّحْصِيل وَأخذ الْعلم مِمَّن دونه فِي سنّ أَو نسب أَو
منزلَة وليصبر على جفَاء شَيْخه وليعتن بالمهم وَلَا يضيع
زَمَانه فِي الْإِكْثَار من الشُّيُوخ لمُجَرّد الْكَثْرَة
وليكتب وليسمع مَا يَقع لَهُ من كتاب أَو جُزْء بِكَمَالِهِ
وَلَا ينتخب مِنْهُ لغير ضَرُورَة فَإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ
تولاه بِنَفسِهِ فَإِن قصر عَنهُ اسْتَعَانَ بحافظ
الْخَامِس أَن لَا يقْتَصر على مُجَرّد سَمَاعه وَكتبه دون
مَعْرفَته وفهمه بل يتعرف صِحَّته وَضَعفه ومعانيه وفقهه
وَإِعْرَابه ولغته وَأَسْمَاء رِجَاله ويحقق كل ذَلِك ويعتني
بإتقان مشكله حفظا وَكِتَابَة وَيقدم فِي ذَلِك كُله
الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ بَقِيَّة الْكتب الْأَئِمَّة كسنن أبي
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه ثمَّ
كتاب سنَن الْبَيْهَقِيّ ثمَّ المسانيد كمسند أَحْمد بن
حَنْبَل وَغَيره ثمَّ من كتب الْعِلَل كِتَابه وَكتاب
الدَّارَقُطْنِيّ وَمن التواريخ تَارِيخ البُخَارِيّ وَابْن
أبي خَيْثَمَة وَمن كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل كتاب ابْن أبي
حَاتِم وَمن مُشكل الْأَسْمَاء كتاب ابْن مَاكُولَا ويعتني
بكتب غَرِيب الحَدِيث وشروحه وَكلما مر بِهِ مُشكل بحث عَنهُ
وأتقنه ثمَّ حفظه وَكتبه ويتحفظ الحَدِيث قَلِيلا قَلِيلا
(1/109)
السَّادِس أَن يشْتَغل بالتخريح والتصنيف
إِذا تأهل لَهُ معتنيا بشرحه وَبَيَان مشكله وإتقانه فقلما
يمهر فِي علم الحَدِيث من لم يَفْعَله ولعلماء الحَدِيث فِي
تصنيفه طَرِيقَانِ
أجودهما على الْأَبْوَاب كَمَا فعله البُخَارِيّ وَمُسلم فيذكر
فِي كل بَاب مَا عِنْده فِيهِ إِمَّا مُطلقًا كالبيهقي أَو على
شَرطه كالبخاري
الثَّانِيَة على المسانيد فَيجمع فِي تَرْجَمَة كل صَحَابِيّ
مَا عِنْده من حَدِيثه صَحِيحه وضعيفه وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة
فقد ترَتّب على الْحُرُوف وَقد ترَتّب على الْقَبَائِل فَيقدم
بني هَاشم ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَقد ترَتّب بالسابقة
فَيقدم الْعشْرَة ثمَّ أهل بدر ثمَّ الْحُدَيْبِيَة ثمَّ من
هَاجر بَينهَا وَبَين الْفَتْح ثمَّ أصاغر الصَّحَابَة ثمَّ
النِّسَاء يبْدَأ بأمهات الْمُؤمنِينَ وَمن أحْسنه تصنيفا مَا
جمع فِي كل حَدِيث أَو بَاب طرقه وَاخْتِلَاف رِوَايَته
مُعَللا كَمَا فعل يَعْقُوب بن شيبَة وَقد ترَتّب على
الشُّيُوخ فَيجمع حَدِيث كل شيخ على انْفِرَاده أَو على
التراجم كنافع عَن ابْن عمر وَهِشَام عَن أَبِيه وليحذر من
إِخْرَاج تصنيفه قبل تهذيبه وتحريره وتكرير نظره فِيهِ ويتحرى
الْعبارَات الْوَاضِحَة والاصطلاحات المستعملة وليحذر من تصنيف
مَا لم يتأهل لَهُ
وَقد بسطت من الْآدَاب فِي هَذَا النَّوْع وَفِي الَّذِي قبله
فِي كتابي فِي أدب الْعلم المتعلم مَا لَا يحْتَملهُ هَذَا
الْمُخْتَصر فَمن أَرَادَهُ فَعَلَيهِ بِهِ أَو مَا فِي فنه
(1/110)
الطّرف الرَّابِع فِي أَسمَاء الرِّجَال
وطبقات الْعلمَاء وَمَا يتَّصل بذلك وَالْكَلَام فِيهِ فِي أحد
وَعشْرين نوعا
النَّوْع الأول فِي معرفَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
هَذَا فن مُهِمّ عَظِيم الْفَائِدَة يعرف بِهِ الْمُرْسل
والمتصل وَقد صنف فِيهِ كتب كَثِيرَة وَمن أَجودهَا كتاب
الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر لَكِن شابه بِذكر مَا شجر
بَينهم وبحكاياته عَن الأخباريين وَقد جمع فِيهِ أَبُو الْحسن
بن الْأَثِير الْجَزرِي كتابا حسنا كثير الْفَائِدَة جمع فِيهِ
كتبا كَثِيرَة وَفِي هَذَا النَّوْع فُصُول
الأول اخْتلف فِي حد الصَّحَابِيّ وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل
الحَدِيث وَبَعض أَصْحَاب الْأُصُول أَنه كل من رأى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُسلم قَالَه البُخَارِيّ
فِي صَحِيحه وَأسْندَ الْخَطِيب عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه
قَالَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَحبه سنة
أَو شهرا أَو يَوْمًا أَو سَاعَة أَو رَآهُ فَهُوَ من
أَصْحَابه وَقيل هُوَ من طَالَتْ مُجَالَسَته على طَرِيق
التتبع وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن الصَّحَابِيّ من أَقَامَ
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة أَو سنتَيْن
وغزا مَعَه غَزْوَة أَو غزوتين وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ
يَقْتَضِي أَن لَا يعد جرير بن عبد الله البجلى وأضاربه صحابيا
وَلَا خلاف
(1/111)
أَنهم صحابة وَيعرف كَونه صحابيا بالتواتر
كَأبي بكر وَعمر أَو الاستفاضة أَو بقول صَحَابِيّ غَيره
إِنَّه صَحَابِيّ أَو بقوله عَن نَفسه إِنَّه صَحَابِيّ إِذا
كَانَ عدلا وَهَذَا الْأَخير عِنْد بعض أهل الْأُصُول مُحْتَمل
للْخلاف فِيهِ
الثَّانِي الصَّحَابَة كلهم عدُول مُطلقًا لظواهر الْكتاب
وَالسّنة وَإِجْمَاع من يعْتد بِهِ بِالشَّهَادَةِ لَهُم بذلك
سَوَاء فِيهِ من لابس الْفِتْنَة وَغَيره ولبعض أهل الْكَلَام
من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم فِي عدالتهم تَفْصِيل وَاخْتِلَاف
لَا يعْتد بِهِ وأفضلهم على الْإِطْلَاق أَبُو بكر ثمَّ عمر
بِإِجْمَاع أهل السّنة ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ عِنْد جمهورهم
وَحكى الْخطابِيّ عَن أهل السّنة من الْكُوفَة تَقْدِيم عَليّ
على عُثْمَان وَبِه قَالَ أَبُو بكر بن خُزَيْمَة وَقَالَ
أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ أَصْحَابنَا مجمعون على أَن
أفضلهم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ تَمام الْعشْرَة ثمَّ
أهل بدر ثمَّ أحد ثمَّ بيعَة الرضْوَان وَمِمَّنْ لَهُ مزية
أهل العقبتين من الْأَنْصَار أما السَّابِقُونَ الْأَولونَ فال
ابْن الْمسيب هم من صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَقَالَ
الشّعبِيّ أهل بيعَة الرضْوَان وَقَالَ عَطاء أهل بدر
الثَّالِث أَوَّلهمْ إسلاما أَبُو بكر وَقيل عَليّ وَقيل زيد
وَقيل خَدِيجَة وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من الْمُحَقِّقين وَادّعى
الثَّعْلَبِيّ فِيهِ الْإِجْمَاع وَأَن الْخلاف فِيمَن بعْدهَا
والأورع أَن يُقَال أول من أسلم من الرِّجَال الْأَحْرَار
أَبُو بكر وَمن الصّبيان عَليّ وَمن النِّسَاء خَدِيجَة وَمن
الموَالِي زيد وَمن العبيد بِلَال وَآخرهمْ موتا على وَجه
الأَرْض أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة مَاتَ بِمَكَّة
سنة مئة وَآخر من مَاتَ قبله أنس بن مَالك بِالْبَصْرَةِ سنة
ثَلَاث وَتِسْعين على الْأَظْهر وَقيل غير ذَلِك قلت وَيُقَال
آخر من مَاتَ مِنْهُم بِالشَّام عبد الله بن بسر
(1/112)
وبمصر عبد الله بن جُزْء وبالبصرة أنس بن
مَالك وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى وبالمدينة سهل بن سعد
وبالبادية سَلمَة بن الْأَكْوَع وبمكة وَالْأَرْض كلهَا أَبُو
الطُّفَيْل
الرَّابِع أَكْثَرهم حَدِيثا أَبُو هُرَيْرَة ثمَّ ابْن عمر
وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأنس وَعَائِشَة وَأَكْثَرهم فتيا
تروى ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن الْمَدِينِيّ لم يكن من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد لَهُ أَصْحَاب يقومُونَ
بقوله فِي الْفِقْه إِلَّا ثَلَاثَة عبد الله بن مَسْعُود
وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمن الصَّحَابَة العبادلة وهم
عبد الله بن عَمْرو وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَابْن
عَمْرو بن الْعَاصِ كَذَا عدهم أَحْمد بن حَنْبَل وَلَيْسَ
ابْن مَسْعُود مِنْهُم قَالَ الْبَيْهَقِيّ لِأَنَّهُ تقدم
مَوته وَهَؤُلَاء عاشوا حَتَّى احْتِيجَ إِلَى علمهمْ وَكَذَا
كل من اسْمه عبد الله من الصَّحَابَة وهم نَحْو مئة وَعشْرين
الْخَامِس قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ قبض رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على مئة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا من
الصَّحَابَة مِمَّن روى عَنهُ وَسمع مِنْهُ وَاخْتلف فِي عدد
طبقاتهم وَالنَّظَر فِي ذَلِك إِلَى السَّبق بِالْإِسْلَامِ
وَالْهجْرَة وشهود الْمشَاهد الفاضلة مَعَه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وجعلهم الْحَاكِم اثنتى عشر طبقَة وَزَاد غير هـ على
ذَلِك
//
السَّادِس لَا يعرف من شهد بَدْرًا هُوَ وَابْنه إِلَّا أَبُو
مرْثَد وَابْنه مرْثَد وَلَا سَبْعَة إخْوَة لأم شهدُوا
بَدْرًا إِلَّا بَنو عفراء وَلَا شَهِدَهَا مُسلم ابْن مُسلمين
إِلَّا عمار بن يَاسر وَلَا أَرْبَعَة صحابة متوالدون إِلَّا
عبد الله بن أَسمَاء بنت أبي بكر بن أبي قُحَافَة وَابْن خَاله
أَبُو عَتيق مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن أبي
قُحَافَة وَلَا سَبْعَة إخْوَة هَاجرُوا وصحبوا النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بَنو مقرن
(1/113)
النَّوْع الثَّانِي فِي معرفَة التَّابِعين
وَفِيه فُصُول
الأول التَّابِعِيّ من صحب صحابيا وَقيل من رَآهُ وَهُوَ
الْأَظْهر وَيُقَال للْوَاحِد تَابِعِيّ وتابع قَالَ الْحَاكِم
هم خمس عشرَة طبقَة أعلاهم من أدْرك الْعشْرَة قيس بن أبي
حَازِم فَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وَابْن الْمسيب وَغلط فِي
ابْن الْمسيب فَإِنَّهُ ولد فِي خلَافَة عمر وَلم يسمع أَكثر
الْعشْرَة حَتَّى قيل لم يُشْرك قيس بن أبي حَازِم فِي ذَلِك
أحد وَقيل لم يَصح سَماع ابْن الْمسيب من غير سعد قلت إِنَّمَا
قَالَ الْحَاكِم من أدركهم وَلم يقل من سمعهم فَلَا يرد
عَلَيْهِ إِلَّا إِدْرَاك أبي بكر رضى الله عَنهُ خَاصَّة ويلي
من أدْرك الْعشْرَة من ولد للصحابة فِي حَيَاة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كمحمد بن أبي بكر وَعبد الله بن أبي
طَلْحَة وَأبي أُمَامَة أسعد بن سهل بن جُنَيْد وَأبي إِدْرِيس
الْخَولَانِيّ
الثَّانِي من التَّابِعين المخضرمون واحدهم مخضرم أَي مخضرم
عَمَّا أدْركهُ غَيره أَي قطع وَهُوَ الَّذِي أدْرك
الْجَاهِلِيَّة وزمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم
يره وعدهم مُسلم عشْرين وهم أَكثر وَمِمَّنْ لم يعده أَبُو
مُسلم الْخَولَانِيّ والأحنف وَعبد الله بن يزِيد
وَمن أكَابِر التَّابِعين فُقَهَاء الْمَدِينَة السَّبْعَة وهم
ابْن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير
وخارجة بن زيد وَسليمَان بن يسَار وَعبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة بن مَسْعُود وَالسَّابِع أَبُو سَلمَة وَقَالَ ابْن
الْمُبَارك سَالم بن عبد الله وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد أَبُو
بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام
الثَّالِث عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَن أفضل التَّابِعين ابْن
الْمسيب قيل فعلقمة وَالْأسود قَالَ هُوَ وهما وَعنهُ لَا أعلم
فيهم مثل أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ
(1/114)
وَقيس وَعنهُ أفضلهم قيس وَأَبُو عُثْمَان وعلقمة ومسروق
وَقَالَ أَبُو عبد الله بن خَفِيف أهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ
أفضل التَّابِعين ابْن الْمسيب وَأهل الْكُوفَة يَقُولُونَ
أويس وَأهل الْبَصْرَة يَقُولُونَ الْحسن وَقَالَ ابْن أبي
دَاوُد سيدتا التابعيات حَفْصَة بنت سِيرِين وَعمرَة بنت عبد
الرَّحْمَن وتليهما أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى وَاسْمهَا هجيمة
وَقد عد قوم من التَّابِعين من لم يدْرك الصَّحَابَة وعد قوم
من التَّابِعين من هم صحابة |