النكت على مقدمة ابن الصلاح

النَّوْع الثَّانِي معرفَة الْحسن

71 - (قَوْله) عَن الْخطابِيّ الْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا احْتَرز بقوله عرف مخرجه عَن الْمُنْقَطع الَّذِي لم يعرف مخرجه
وَبِقَوْلِهِ واشتهر رِجَاله عَن حَدِيث المدلس قبل أَن يتَبَيَّن تدليسه
وَالْمرَاد بالاشتهار السَّلامَة من وصمة التَّكْذِيب
الثَّانِي مَا ذكره من الاشتهار خلاف الْمَوْجُود بِخَط الجياني قد نقل أَبُو عبد الله ابْن رشيد فِيمَا وجد بِخَط الجياني وَاسْتقر حَاله بمعان من الِاسْتِقْرَار وَتَحْت الْحَاء عَلامَة الإهمال لَكِن المناقشة فِي مثل هَذَا قريبَة وَرِوَايَة ابْن الصّلاح أوضح
الثَّالِث أَنه حد مَدْخُول فَإِن الصَّحِيح أَيْضا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله بِالصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ الضَّعِيف بالضعف فَلَعَلَّ مُرَاده مَا لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح

(1/304)


لِئَلَّا يدْخل الصَّحِيح فِي حد الْحسن قَالَه الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي
قَالَ التبريزي فِيهِ نظر لِأَنَّهُ سَيَقُولُ إِن الصَّحِيح أخص من الْحسن وَدخُول الْخَاص فِي حد الْعَام ضَرُورِيّ وَالتَّقْيِيد بِمَا يُخرجهُ مخل بِالْحَدِّ
قلت هَذَا إِن جعلنَا الْحَد عِنْد قَوْله واشتهر رِجَاله وَهُوَ الظَّاهِر فَإِن مَا بعده أَحْكَام لِأَن قبُول الحَدِيث والاحتجاج بِهِ فرع ثُبُوت حسنه وَيدل لَهُ تكراره قَالَ فَإِن جعلنَا مَا بعده من تَمام الْحَد انْتَفَى الْإِيرَاد لَكِن يخلفه إِشْكَال آخر وَهُوَ منع أَن يكون الْحسن كَذَلِك إِلَّا أَن يُرِيد ب كَثْرَة مدَار الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَة الطّرق فَإِن غالبها لَا يبلغ رُتْبَة الصَّحِيح

(1/305)


الرَّابِع قَوْله وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء اسْتشْكل الشَّيْخ فِي الاقتراح الِاحْتِجَاج بالْحسنِ وَقَالَ إِن هَا هُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا [وجدت فِي الرَّاوِي فإمَّا أَن يكون هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ الَّذِي] وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول أَو لَا فَإِن وجدت فَذَلِك صَحِيح فَإِن لم تُوجد فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال إِن الصِّفَات الَّتِي يجب (مَعهَا قبُول الرِّوَايَة) لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها هُوَ الصَّحِيح وَكَذَلِكَ أوسطها وَأَدْنَاهَا الْحسن وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر فِي ذَلِك (د 30) إِلَى الِاصْطِلَاح [وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة وَالْأَمر فِي الِاصْطِلَاح] قريب لَكِن من أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا وَتَحْقِيق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث

(1/306)


72 - (قَوْله) وروينا عَن أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ
يَعْنِي فِي الْعِلَل الَّتِي فِي آخر الْجَامِع وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَن شَيخنَا ابْن كثير توقف فِي ثُبُوت هَذَا عَنهُ وَقَالَ لَا نعلمهُ فِي كِتَابه وَلَا اصْطلحَ عَلَيْهِ
73 - (قَوْله) أَلا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ
احْتَرز بِهِ عَمَّا فِي سَنَده مُتَّهم فَإِنَّهُ ضَعِيف
وَقَوله من لَا يتهم بِالْكَذِبِ يتَنَاوَل مَشْهُور الْعَدَالَة لكنه غير مُرَاد بل المُرَاد المستور
وَاحْترز بقوله وَلَا يكون حَدِيثا شاذا عَن الشاذ وَهُوَ مَا خَالف فِيهِ الثِّقَة رِوَايَات الثِّقَات
وَقَوله ويروى من غير وَجه عَمَّا لم يرد إِلَّا من وَجه وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يكون حسنا لِأَن تعدد الرِّوَايَات يُقَوي ظن الصِّحَّة واتحادها مِمَّا يُؤثر ضعفا فَإِنَّهُ إِذا رُوِيَ من وَجْهَيْن مُخْتَلفين علم أَنه مَحْفُوظ لَهُ أصل إِذا لم يكن إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ

(1/307)


آخذة عَن الْأُخْرَى ثمَّ قد يكون غَرِيب الْإِسْنَاد فَيكون ذَلِك الْإِسْنَاد غَرِيبا وَقد يكون مَعَ ذَلِك يرْوى من وَجه ثَالِث صَحِيح فَيكون صَحِيحا حسنا غَرِيبا وَحَاصِله اعْتِبَار ثَلَاثَة شُرُوط لِلْحسنِ
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين وَلم يَفِ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا الشَّرْط فِي الْحسن وَقد حكم بِحسن أَحَادِيث لم تجمع هَذِه الصِّفَات
قلت وَمِنْه قَوْله هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه فَأَيْنَ هَذَا من قَوْله ويروى من غير وَجه إِذا علمت ذَلِك فَهَذَا الْحَد معترض بِأُمُور
أَحدهَا أَن الصَّحِيح أَيْضا شَرطه أَلا يكون شاذا وَلَا يكون فِي رِجَاله مُتَّهم إِلَّا أَن يفرق بَينهمَا بِأَن الشَّرْط فِي الصَّحِيح تَعْدِيل الروَاة وَهنا عدم تفسيقهم وَفِيه نظر
الثَّانِي أَن رِوَايَته من غير وَجه لَا يشْتَرط فِي الصَّحِيح فَكيف الْحسن فعلى هَذَا الْأَفْرَاد الصَّحِيحَة لَيست بحسنة عِنْد التِّرْمِذِيّ إِذْ يشْتَرط عِنْده فِي الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَحَدِيث السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب وَحَدِيث نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته

(1/308)


لَكِن الظَّاهِر أَن التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْحسن مَجِيئه من وَجه آخر إِذا لم يبلغ رُتْبَة الصَّحِيح فَإِن بلغَهَا لم يشْتَرط ذَلِك بِدَلِيل قَوْله فِي مَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب فَلَمَّا ارْتَفع إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة أثبت لَهُ الْعَدَالَة بِاعْتِبَار فرديته وَالْحَاصِل أَن الَّذِي يحْتَاج إِلَى مَجِيئه من غير وَجه مَا كَانَ رَاوِيه فِي دَرَجَة المستور وَإِن لم تثبت عَدَالَته وَأكْثر مَا فِي الْبَاب أَن التِّرْمِذِيّ عرف بِنَوْع مِنْهُ لَا بِكُل أَنْوَاعه وَأَيْضًا فيشكل على قَوْله فِي مَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه إِلَّا أَن يُرِيد اللَّفْظ دون اعْتِبَار الشَّاهِد للمعنى تَوْفِيقًا بَين كلاميه
الثَّالِث قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن الْمواق لم يخص التِّرْمِذِيّ الْحسن

(1/309)


بِصفة تميزه عَن الصَّحِيح فَلَا يكون صَحِيحا إِلَّا وَهُوَ غير شَاذ وَلَا يكون صَحِيحا حَتَّى يكون رُوَاته غير متهمين بل ثِقَات قَالَ وَظهر بِهَذَا أَن الْحسن عِنْده صفة لَا تخص هَذَا الْقسم بل قد يشركهُ فِيهِ الصَّحِيح قَالَ فَكل صَحِيح عِنْده حسن وَلَيْسَ كل حسن صَحِيحا
74 - (قَوْله) قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين إِلَى آخِره
هَذَا قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات والعلل المتناهية وَجزم بِهِ ابْن دحْيَة فِي الْعلم الْمَشْهُور فَقَالَ إِنَّه مَا دون الصَّحِيح مِمَّا فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل عَن راو لَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْفسق انْتهى

(1/310)


وَهُوَ ملتبس فَإِن الضعْف الْقَرِيب لَا ضَابِط لَهُ يَنْتَهِي بِهِ الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره وَإِذا اضْطربَ هَذَا الْوَجْه لم يحصل الْوَجْه الْمُبين للْحَقِيقَة وَلَا يَجِيء فِي قَوْله حسن صَحِيح
وَوجدت بِخَط الإِمَام الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف بن مُحَمَّد السالسي الْحسن مَا لَهُ من الحَدِيث منزلَة بَين منزلتي الصَّحِيح والضعيف وَيكون الحَدِيث حسنا هَكَذَا إِمَّا بِأَن يكون أحد رُوَاته مُخْتَلفا فِيهِ وثقة قوم وَضَعفه آخَرُونَ وَلَا يكون مَا ضعف بِهِ مُفَسرًا فَإِن كَانَ مُفَسرًا قدم على تَوْثِيق من وَثَّقَهُ فَصَارَ الحَدِيث ضَعِيفا وَإِمَّا أَن يكون أحد رُوَاته إِمَّا مَسْتُورا وَإِمَّا مَجْهُول الْحَال فَأَما المستور فَمن لم تثبت عَدَالَته مِمَّن قد روى عَنهُ اثْنَان فَأكْثر فَإِن هَذَا يخْتَلف فِي قبُول رِوَايَته من لَا يرى رِوَايَة الرَّاوِي الْعدْل عَن الرَّاوِي بعد إِسْلَامه وَطَائِفَة مِنْهُم يقبلُونَ رِوَايَته وَهَؤُلَاء هم الَّذين لَا يَبْتَغُونَ غير الْإِسْلَام مزيدا فِي حق الشَّاهِد والراوي بل يكتفون بِمُجَرَّد الْإِسْلَام مَعَ السَّلامَة عَن فسق ظَاهر ويتحققون إِسْلَامه بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ عَنهُ إِذْ لم يعْهَد أحد مِمَّن يتدين يروي الدّين إِلَّا عَن مُسلم
وَطَائِفَة (أ / 46) يردون رِوَايَته وهم الَّذين يَبْتَغُونَ وَرَاء الْإِسْلَام مزيدا وَهُوَ الْعَدَالَة

(1/311)


75 - (قَوْله) وَقد أمعنت النّظر فِي ذَلِك
قلت الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْعَمت - بِتَقْدِيم النُّون - بِمَعْنى بالغت يُقَال أنعم فِي الشَّيْء إِذا بَالغ فِيهِ وَأنْشد صَاحب الْمُحكم
(سمين الضواحي لم تؤرقه لَيْلَة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها)
وَأما أمعنت فَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر يُقَال قد أمعن لي بحقي أَي اعْترف بِهِ وأظهره قَالَ أَبُو الْعَبَّاس هُوَ مَأْخُوذ من المَاء الْمعِين وَهُوَ الْجَارِي الظَّاهِر

(1/312)


وَقَالَ ابْن فَارس فِي المقاييس معن مادته تدل على سهولة فِي جَرَيَان أَو جري يُقَال معن المَاء إِذا جرى وأمعن الْفرس فِي عدوه وأمعن بحقي ذهب بِهِ وأمعنت الأَرْض رويت انْتهى وَعَلِيهِ يتَخَرَّج كَلَام المُصَنّف
76 - (قَوْله) واتضح لي أَن الحَدِيث الْحسن قِسْمَانِ إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا أَن تَنْزِيل كَلَام التِّرْمِذِيّ على الْقسم الأول قد اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سيبين أَن رِوَايَة المستور الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته مَرْدُودَة فَكيف يَجْعَل مَا يرويهِ من قسم الْحسن وَينزل كَلَام التِّرْمِذِيّ عَلَيْهِ وَكَلَامه يدل عَلَيْهِ وَقد يُقَال إِنَّه لم يعْتَبر ذَلِك بِمُجَرَّدِهِ بل أضَاف إِلَيْهِ كَونه رُوِيَ من وَجه آخر وَغير ذَلِك نعم هَذَا بناه على أَن رِوَايَة مَسْتُور الْعَدَالَة مَقْبُولَة وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْن الصّلاح كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين لَكِن الْمَذْهَب أَن مَسْتُور الْعَدَالَة حكمه حكم غير الْعدْل فِي

(1/313)


الرِّوَايَة (د 31) فعلى هَذَا لَا تتَحَقَّق الْوَاسِطَة
الثَّانِي أَن مَا ذكره فِي الْقسم الثَّانِي عَجِيب لمنافاته لللأول فَكيف يكون الْحسن حسنا وَغير الْحسن
وَقد قَالَ صَاحب الاقتراح - مُعْتَرضًا على ابْن الصّلاح فِي هَذَا الْقسم - هَذَا كَلَام فِيهِ مبَاحث ومناقشات على بعض [هَذِه] الْأَلْفَاظ وَقد يُقَال إِن مَا قَالَه المُصَنّف من تغاير كَلَام التِّرْمِذِيّ والخطابي مَمْنُوع من جِهَة أَن قَول الْخطابِيّ مَا عرف مخرجه كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَرُوِيَ نَحوه من غير وَجه وَقَول الْخطابِيّ واشتهر رِجَاله كَقَوْل التِّرْمِذِيّ لَا يكون فِي إِسْنَاده مُتَّهم وَقد بَينا أَن مُرَاد التِّرْمِذِيّ بقوله لَا يتهم المستور وَهُوَ غير المشتهر وَزِيَادَة التِّرْمِذِيّ وَلَا

(1/314)


يكون شاذا غير مُحْتَاج إِلَيْهِ ومردود بِمَا سبق
الثَّالِث أَن مَا اخْتَارَهُ من انحصار الْحسن فِي قسمَيْنِ إِمَّا بِأَن يكون فِيهِ مَسْتُور يقوى بورود مَتنه بمتابعة أَو شَاهد وَإِمَّا بِأَن يشْتَمل على قَاصِر الضَّبْط - غير جيد وَقد تقدم من كَلَام ابْن الصّلاح اخْتِيَار أَن مَا صَححهُ الْحَاكِم وَحده وَلَا عِلّة لَهُ أَنه حسن والأوفق لضبطه أَن مَا اشْتَمَل على مضعف إِمَّا بِضعْف واه وعده بَعضهم صَحِيحا أَو مُعْتَبر ترجح مُقَابلَة فَهُوَ الْحسن حَتَّى أَطْلقُوهُ فِيمَا جرح وَعدل ووقف وَرفع وَنَحْوه وَلِهَذَا علل عبد الْحق تَحْسِين التِّرْمِذِيّ حَدِيث الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فِي منع وضوء الرجل بِفضل الْمَرْأَة بقول البُخَارِيّ الْأَشْهر أَنه قَول الحكم قَالَ عبد الْحق فَمن لَا يرى الْوَقْف عِلّة يُصَحِّحهُ
الرَّابِع حَاصله أَن دَرَجَات الْحسن تَتَفَاوَت كَالصَّحِيحِ بل الضَّعِيف كَذَلِك فالقسم الأول أدنى فِي الرُّتْبَة من الثَّانِي وَقد صرح المُصَنّف بعد ذَلِك فِي الثَّالِث بِأَن

(1/315)


مثل الْقسم الثَّانِي يرتقي إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح فَدلَّ على أَنه أَعلَى من الأول
فَائِدَة

قد يطلقون الْحسن على الْغَرِيب وَالْمُنكر روى ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ كَانُوا يكْرهُونَ إِذا اجْتَمعُوا أَن يخرج الرجل أحسن مَا عِنْده قَالَ [عَنى] النَّخعِيّ بالأحسن الْغَرِيب لِأَن الْغَرِيب غير المألوف مستحسن أَكثر من الْمَشْهُور الْمَعْرُوف قَالَ وَأَصْحَاب الحَدِيث يعبرون عَن الْمَنَاكِير بِهَذِهِ الْعبارَة قَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج - وَقيل لَهُ مَالك لَا تروي عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان وَهُوَ حسن الحَدِيث - قَالَ من حسنه فَرَرْت [أجري]

(1/316)


قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي أَبْوَاب التَّسْمِيَة فِي الْوضُوء عَن البُخَارِيّ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب احسن عِنْدِي من حَدِيث (أ / 47) رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن قَالَ النَّوَوِيّ - رَحمَه الله - وَلَا يلْزم من هَذِه الْعبارَة أَن يكون حسنا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ هَذَا أحسن مَا جَاءَ فِي الْبَاب وَإِن كَانَ ضَعِيفا ومرادهم أرجحه أَو أَقَله ضعفا

(1/317)


77 - (قَوْله) الْحسن يتقاصر عَن الصَّحِيح إِلَى آخِره
يَعْنِي من جِهَة الرُّتْبَة حَتَّى وَلَو تعَارض حسن وصحيح قدم الصَّحِيح وَإِلَّا فهما مستويان فِي الِاحْتِجَاج بهما كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّاسِع من كَلَامه وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَقْدِيم التَّاسِع إِلَى هَا هُنَا فَإِنَّهُ أنسب
وَهل مُرَاده بِالصَّحِيحِ الَّذِي يقصر عَنهُ الْحسن مُطلق الصَّحِيح أَو غير أدنى دَرَجَات الصَّحِيح فِيهِ نظر وَحَاصِل مَا ذكره هُنَا مَبْنِيّ على اشْتِرَاط تعدد الْمخْرج فِي الْحسن وَقد سبق أَن ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط

(1/318)


78 - (قَوْله) وَإِذا استبعد ذَلِك
أَي الِاحْتِجَاج بِمَا جَاءَ من وُجُوه مُتعَدِّدَة وَإِن لم يكن أَحدهَا كَاف فِي الإحتجاج لما فِي الْهَيْئَة الاجتماعية من الْقُوَّة واستند إِلَى امرين
أَحدهمَا قبُول الْمُرْسل إِذا عضده مُرْسل آخر عِنْد الشَّافِعِي
وَالثَّانِي قبُول رِوَايَة المستور وَإِن لم تقبل شَهَادَته فِيمَا حَكَاهُ ابْن السَّمْعَانِيّ عَن بعض أَصْحَابنَا
وَقد نُوقِشَ فِي الأول بِأَن الشَّافِعِي لم يقبل مَرَاسِيل التَّابِعين مُطلقًا بل كبارهم وَهَذَا لَا يقْدَح فِي غَرَض ابْن الصّلاح هُنَا وَإِنَّمَا أطلقهُ لَا عتقاده التَّسْوِيَة بَين التَّابِعين فِي ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي
وَأما الثَّانِي فَلم أَجِدهُ فِي القواطع لِابْنِ السَّمْعَانِيّ لَكِن نَقله الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان عَن ابْن فورك وَلَا يظْهر التَّرْجِيح بِهِ لِأَن أحد جزئي الْحسن أَن يكون رَاوِيه مَسْتُورا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك بعد التَّفْرِيع على قبُول رِوَايَته وَإِلَّا الْتحق بالضعيف والسمعاني - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة - نِسْبَة إِلَى بطن من تَمِيم هَكَذَا قَيده أَبُو

(1/319)


سعد السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَرَأَيْت مَنْقُولًا عَن الْحَافِظ الْمزي أَن الْكسر فِيهِ أشهر قَالَ الْحَافِظ الْبكْرِيّ سَمِعت شَيخنَا أَبَا المظفر السَّمْعَانِيّ - ويسأله بعض الطّلبَة - هَل يُقَال فِيهِ بِكَسْر السِّين فَقَالَ سَمِعت أبي - وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك - فَقَالَ لَا أجعَل فِي حل من يَقُوله بِالْكَسْرِ وَذكر ابْن الصّلاح فِي أَمَالِيهِ على حَدِيث المسلسل سمْعَان مِنْهُم من أَتَى فِيهِ بِكَسْر السِّين وَغلط من فتحهَا وَمِنْهُم من لم يعرف إِلَّا فتح السِّين وَأَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ مِنْهُم وَمِنْهُم من ضَبطه بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا انْتهى
79 - (قَوْله) لَعَلَّ الباحث الْفَهم إِلَى آخِره
هَذَا من تَتِمَّة مَا سبق ذكره فِي صُورَة سُؤال وَجَوَاب وَمَا ذكره فِي الأول أَن الضعْف إِذا جَاءَ من جِهَة الرَّاوِي مَعَ كَونه من أهل الصدْق والديانة فَإِذا جَاءَ من جِهَة أُخْرَى عرفنَا أَنه لم يخْتل فِيهِ ضَبطه - مَرْدُود من جِهَة كَونه سَمَّاهُ ضَعِيفا فَإِن هَذَا حسن قطعا لانطباق رسمه عَلَيْهِ وَأما قبل الْمُتَابَعَة فَيدْخل فِي رسم الْحسن أَيْضا على رَأْي التِّرْمِذِيّ أَنه الَّذِي لَا يتهم رَاوِيه بِالْكَذِبِ وَالْغَرَض أَن رَاوِي هَذَا من

(1/320)


أهل الصدْق والديانة وَضعف الْحِفْظ على هَذَا ينزله من رُتْبَة الصَّحِيح إِلَى رُتْبَة الْحسن
وَأما قَوْله فِي الضعْف من حَيْثُ الْإِرْسَال بِأَن يُرْسل الْخَبَر إِمَام حَافظ يَزُول بروايته من وَجه آخر فَنَقُول أطلق الْوَجْه الآخر وَلم يشْتَرط فِيهِ أَن يكون عَن ثِقَة وَلَا أقل مِنْهُ فِي مقاومة الإِمَام الْحَافِظ فَإِن كَانَ كَذَلِك وَأرْسل الْخَبَر حَافظ وأسنده ثِقَة فَإِنَّهُ يزْعم أَن الحكم للإسناد
فَإِن ادّعى ذَلِك لِأَن الْإِسْنَاد زِيَادَة وَقد جَاءَت عَن ثِقَة فسبيلها أَن تقبل فَصَحِيح وَإِن زعم هَذَا مصطلح أهل هَذَا الشَّأْن فَلَيْسَ كَذَلِك على الْإِطْلَاق وَأما خبر لَا عِلّة لَهُ إِلَّا أَن إِمَامًا حَافِظًا أرْسلهُ وَقد تبين من وَجه آخر وَقد لزمَه فِي الْوَجْه الآخر أَن يكون عَن ثِقَة وَلَا بُد فَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون صَحِيحا على مذْهبه فِي

(1/321)


أَن الْمسند الثِّقَة مقدم على الْمُرْسل وَلَا عِلّة هُنَاكَ إِلَّا الْإِرْسَال وَقد انْتَفَت
وَقد بحث مَعَه فِي هَذَا الْموضع الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي - رَحمَه الله تَعَالَى - وَقَالَ الْحق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة (أ 48) أَن يُقَال إِمَّا أَن يكون الرَّاوِي المتابع مُسَاوِيا للْأولِ فِي ضعفه أَو منحطا عَنهُ أَو أَعلَى مِنْهُ فَأَما مَعَ الانحطاط فَلَا تفِيد الْمُتَابَعَة شَيْئا (د 32) وَأما مَعَ الْمُسَاوَاة فقد
قلت وَهُوَ تَفْصِيل حسن وَلَا يخفى أَن هَذَا كُله فِيمَا إِذا كَانَ الحَدِيث فِي الْأَحْكَام فَإِن كَانَ من الْفَضَائِل فالمتابعة فِيهِ تقوم على كل تَقْدِير لِأَنَّهُ عِنْد انْفِرَاده مُفِيد
وشذ ابْن حزم عَن الْجُمْهُور فَقَالَ وَلَو بلغت طرق الضَّعِيف ألفا لَا يقوى وَلَا يزِيد انضمام الضَّعِيف إِلَى الضَّعِيف إِلَّا ضعفا وَهَذَا مَرْدُود لِأَن الْهَيْئَة الاجتماعية لَهَا أثر أَلا ترى أَن خبر الْمُتَوَاتر يُفِيد الْقطع مَعَ أَنا لَو نَظرنَا إِلَى آحاده لم يفد ذَلِك فَإِذا كَانَ مَا لَا يُفِيد الْقطع بِانْفِرَادِهِ يفِيدهُ عِنْد الانضمام فَأولى أَن يُفِيد الانضمام الِانْتِقَال من دَرَجَة الضعْف إِلَى دَرَجَة الْقُوَّة فَهَذَا سُؤال لَازم لَا سِيمَا إِذا بلغ مبلغ التَّوَاتُر فَإِن الْمُتَوَاتر لَا يشْتَرط فِي أخباره الْعَدَالَة كَمَا تقرر فِي علم الْأُصُول
وَاعْلَم أَن الصَّوَاب فِي التَّمْثِيل لما ذكره بِحَدِيث المشمس كَمَا مثل بِهِ

(1/322)


النَّوَوِيّ وَقَالَ فِي أربعينه فِي حَدِيث من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا

(1/323)


اتّفق الْحفاظ على أَنه ضَعِيف وَإِن كثرت طرقه
وَأما جعل المُصَنّف حَدِيث الأذنان من الرَّأْس مَحْكُوم بضعفه وَإِن رُوِيَ بأسانيد فقد سبق إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالَا إِنَّه رُوِيَ بأسانيد ضِعَاف

(1/324)


لَكِن أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن سُوَيْد بن سعيد عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن شُعْبَة عَن حبيب بن زيد عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد
وسُويد احْتج بِهِ مُسلم وَحَدِيثه وثقة جمَاعَة وَبَاقِي الْإِسْنَاد على شَرط

(1/325)


الصَّحِيحَيْنِ وَلِهَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْإِلْمَام قَالَ شَيخنَا الْمُنْذِرِيّ وَهَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل وَرُوَاته مُحْتَج بهم وَهُوَ أمثل إِسْنَاد فِي هَذَا الْبَاب وَوَافَقَهُ الشَّيْخ وَقَالَ لَعَلَّ أمثل مِنْهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِيهِ ابْن الْقطَّان إِسْنَاده صَحِيح لثقة رُوَاته واتصاله قَالَ الشَّيْخ وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا يجمع طرقه لِأَنَّهُ يَأْتِي من وُجُوه قَالَ شَيخنَا الْمُنْذِرِيّ قد وَقع لنا هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وَعَائِشَة وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا يثبت مَرْفُوعا وَعَن عُثْمَان من قَوْله وأشهرها حَدِيث أبي أُمَامَة كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ قَالَ الشَّيْخ وَقد

(1/326)


علم أَن تظافر الروَاة على شَيْء ومتابعة بَعضهم لبَعض فِي حَدِيث مِمَّا يسْندهُ ويقويه وَرُبمَا الْتحق بالْحسنِ وَمَا يحْتَج بِهِ قَالَ وَقد أورد الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو عَمْرو بن الصّلاح كلَاما يفهم مِنْهُ لَا يرى هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْقَبِيل مَعَ كَونه رُوِيَ بأسانيد ووجوه - فَذكر كَلَامه هَذَا - ثمَّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذكره وَجعله هَذَا الحَدِيث من هَذَا النَّوْع الَّذِي لَا يقويه مجيؤه من طرق - قد لَا يُوَافق على ذَلِك فقد ذكرنَا رِوَايَة ابْن مَاجَه وَأَن رواتها ثِقَات وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَحكم ابْن الْقطَّان لَهَا بِالصِّحَّةِ
وعَلى الْجُمْلَة فَإِن توقف تَصْحِيحه عِنْد أحد على ذكر طَرِيق لَا عِلّة فِيهَا وَلَا كَلَام فِي أحد من رواتها فقد يتَوَقَّف فِي ذَلِك لَكِن اعْتِبَار ذَلِك صَعب ينْتَقض عَلَيْهِم فِي كثير مِمَّا استحسنوه وصححوه من هَذَا الْوَجْه فَإِن السَّلامَة من الْكَلَام فِي النَّاس قَلِيل وَلَو شَرط ذَلِك لما كَانَ لَهُم حَاجَة إِلَى تَعْدِيل الْحسن بالتظافر والمتابعة والمجيء من طرق أَو وُجُوه فينقلب النّظر وتتناقض العبر وَيَقَع التَّرْتِيب أَو (يخْتَلف التصويب) (فَإِن يكن المهدى من بَاب هَدِيَّة فَهَذَا وَإِلَّا فالهدى ذَا فَمَا

(1/327)


المهدى)
قَالَ وَمَا ذكرته عرض عَلَيْك لَا الْتِزَام أتقلد عهدته وَفِي كَلَامي مَا يُشِير إِلَى الْمَقْصُود (أ 49) انْتهى
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الْحيَاء كم من حَدِيث لَهُ طرق تجمع فِي جُزْء لَا يَصح مِنْهَا حَدِيث وَاحِد كَحَدِيث الطير يرْوى عَن قريب من أَرْبَعِينَ رجلا من أَصْحَاب أنس ويروي عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة غَيره وَقد جمع غير وَاحِد من الْحفاظ طرقه للاعتبار والمعرفة كالحاكم أبي عبد الله وَأبي بكر بن مرْدَوَيْه وَأبي نعيم

(1/328)


قلت وَكَذَا حَدِيث من غسل مَيتا فليغتسل
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ جمع بعض الْمُحدثين طرقه فَكَانَت مائَة وَعشْرين طَرِيقا
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أَرْبَعِينَ الْبلدَانِ - وَقد خرج حَدِيث من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا - إِن الْأَحَادِيث الضِّعَاف إِذا انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى

(1/329)


بعض مَعَ كَثْرَة تعاضد وتتابع أحدثت قُوَّة وضارت كالاشتهار والاستفاضة اللَّذين يحصل بهما الْعلم فِي بعض الْأُمُور
80 - (قَوْله) فِي الثَّالِثَة وَذَلِكَ يرقي حَدِيثه من دَرَجَة الْحسن إِلَى الصِّحَّة
هَذَا فِيهِ نظر لِأَن حد الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَقَدّم لَا يَشْمَلهُ وتمثيله بِحَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو تَابع فِيهِ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ أخرجه ثمَّ قَالَ وَقد روى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن زيد بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح (لِأَنَّهُ قد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه) وَأما مُحَمَّد فَزعم

(1/330)


أَن حَدِيث أبي سَلمَة عَن زيد أصح انْتهى
وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَمُحَمّد بن عَمْرو احْتج بِهِ مُسلم
81 - (قَوْله) إِن الْحسن يُوجد فِي كَلَام غير التِّرْمِذِيّ من مَشَايِخ الطَّبَقَة

(1/331)


الَّتِي قبله كأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا
قلت وَفِي الطَّبَقَة الَّتِي قبلهَا كمالك فَذكر ابْن الْقطَّان من جِهَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب قَالَ سَمِعت عمي يَقُول سُئِلَ مَالك بن أنس عَن تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن فِي الْوضُوء فَقَالَ لَيْسَ ذَلِك على النَّاس فأمهلته حَتَّى خف النَّاس ثمَّ قلت يَا أَبَا عبد الله سَمِعتك تَقول فِي مَكَّة عندنَا فِيهَا سنة قَالَ وَمَا هِيَ قلت حَدثنَا ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن عَمْرو الْمعَافِرِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلى عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ

(1/332)


فخلل بِخِنْصرِهِ مَا بَين أَصَابِع رجلَيْهِ قَالَ فَقَالَ مَالك إِن هَذَا الحَدِيث حسن وَمَا سَمِعت بِهِ قطّ إِلَّا السَّاعَة (د 33) قَالَ عمي ثمَّ سمعته بعد يسْأَل عَن تَخْلِيل الْأَصَابِع فِي الْوضُوء فَأمر بِهِ
قَالَ ابْن الْقطَّان إِسْنَاده صَحِيح
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب اخْتِلَاف الحَدِيث - وَقد ذكر حَدِيث ابْن عمر فِي استدبار الْكَعْبَة - هُوَ حسن الْإِسْنَاد

(1/333)


82 - (قَوْله) وتختلف النّسخ من كتاب التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله هَذَا حَدِيث حسن وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
قلت قَالَ السرُوجِي فِي الْغَايَة فِي الْكَلَام على حَدِيث أسفروا بِالْفَجْرِ كتب إِلَيّ صَاحب الإِمَام بِخَطِّهِ أَن النّسخ من كتاب التِّرْمِذِيّ تخْتَلف فِي قَوْله حسن صَحِيح أَو حسن وَأكْثر مَا يعتمده الْمُتَأَخّرُونَ رِوَايَة

(1/334)


الكروخي وَهِي مُخَالفَة فِي التَّصْحِيح لرِوَايَة الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار وَالَّذِي عندنَا فِي النُّسْخَة الَّتِي بِخَط ابْن الخاضبة الْحَافِظ حَدِيث رَافع أسفروا بِالْفَجْرِ حسن لَا غير وَفِي حَدِيث جَابر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ لَا وَأَن تَعْتَمِرُوا هُوَ أفضل روى

(1/335)


الكروخي عَن التِّرْمِذِيّ أَنه صَححهُ وروى الْمُبَارك عَنهُ تحسينه فَقَط
83 - (قَوْله) نَص الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه على كثير من ذَلِك
أَي من الْحسن
84 - (قَوْله) وَمن مظانه
أَي من مظان الْحسن كَأبي دَاوُد إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور
أَحدهَا المظان جمع مَظَنَّة وَهِي بِكَسْر الظَّاء كَمَا ضَبطهَا صَاحب النِّهَايَة قَالَ / وَهِي مَوضِع الشَّيْء ومعدنه مفعلة من الظَّن بِمَعْنى الْعلم وَكَانَ الْقيَاس فتح الظَّاء وَإِنَّمَا كسرت لأجل الْهَاء وَقَالَ المطرزي المظنة الْعلم من ظن بِمَعْنى علم
الثَّانِي قد اعْترض الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي على ابْن الصّلاح وَقَالَ لم يرسم أَبُو دَاوُد شَيْئا بالْحسنِ وَعَمله بذلك شَبيه بِعَمَل مُسلم بن الْحجَّاج الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يحمل كَلَامه على غَيره أَنه اجْتنب الضَّعِيف الواهي وأتى بالقسمين الأول وَالثَّانِي وَحَدِيث من مثل بِهِ من الروَاة من الْقسمَيْنِ الأول وَالثَّانِي مَوْجُود فِي كِتَابه دون الْقسم الثَّالِث قَالَ فَهَلا ألزم الشَّيْخ أَبُو عَمْرو مُسلما من ذَلِك مَا ألزم بِهِ أَبَا دَاوُد فَمَعْنَى كَلَامهمَا وَاحِد

(1/336)


وَقَول أبي دَاوُد وَمَا يُشبههُ يَعْنِي فِي الصِّحَّة وَمَا يُقَارِبه يَعْنِي فِيهَا أَيْضا قَالَ وَهُوَ نَحْو قَول مُسلم إِنَّه لَيْسَ كل الصَّحِيح نجده عِنْد مَالك وَشعْبَة وسُفْيَان فَاحْتَاجَ أَن ينزل إِلَى مثل حَدِيث لَيْث بن أبي سليم وَعَطَاء بن السَّائِب وَيزِيد بن أبي زِيَاد لما يَشْمَل الْكل من اسْم الْعَدَالَة والصدق وَإِن تفاوتوا فِي الْحِفْظ والإتقان وَلَا فرق بَين الطَّرِيقَيْنِ غير أَن مُسلما شَرط الصَّحِيح فَيخرج من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَأَبا دَاوُد لم يَشْتَرِطه فَذكر مَا يشْتَد وهنه عِنْده وَالْتزم الْبَيَان عَنهُ

(1/337)


قَالَ وَفِي قَول أبي دَاوُد إِن بَعْضهَا أصح من بعض مَا يُشِير إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا من الصِّحَّة وَإِن تفاوتت فِيهِ لما تَقْتَضِيه صِيغَة أفعل فِي الْأَكْثَر
الثَّالِث مَا ذكره فِيمَا سكت عَنهُ أَنه حسن اعْتَرَضَهُ ابْن رشيد بِأَنَّهُ غير منحصر فِي ذَلِك لجَوَاز أَن يكون عِنْده صَحِيحا وَإِن لم يكن عِنْد غَيره كَذَلِك وَاسْتَحْسنهُ ابْن سيد النَّاس
قلت وَلَا سِيمَا مَعَ قَول أبي دَاوُد ذكرت فِي كتابي الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ فَعلم أَن قَوْله صَالح أَرَادَ بِهِ الْقدر الْمُشْتَرك بَين الصَّحِيح وَالْحسن هَذَا إِن كَانَ

(1/338)


أَبُو دَاوُد يفرق بَين الصَّحِيح وَالْحسن وَأما إِن كَانَ يرى الْكل صَحِيحا وَلَكِن دَرَجَات الصِّحَّة تَتَفَاوَت وَهُوَ الظَّاهِر من حَاله فَذَلِك أقوى فِي الِاعْتِرَاض على من نقل عَنهُ الحكم بِكَوْنِهِ حسنا نعم جَاءَ عَن أبي دَاوُد أَيْضا مَا سكت عَنهُ فَهُوَ حسن إِلَّا أَن الرِّوَايَة لسنن أبي دَاوُد مُخْتَلفَة يُوجد فِي بَعْضهَا كَلَام وَحَدِيث لَيْسَ فِي الْأُخْرَى وللآجري عَنهُ أسئلة قيل فَيحْتَمل قَوْله وَمَا سكت عَنهُ أَي فِي السّنَن وَيحْتَمل مُطلقًا وَهُوَ عَجِيب والصوب الأول والسياق مُصَرح

(1/339)


بِهِ على أَن أَبَا دَاوُد لم يوف بِهَذَا الشَّرْط فقد وَقع فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبينها كالمرسل والمنقطع (وَمَا فِي) رُوَاته مَجْهُول كشيخ وَرجل وَنَحْوه فقد يُقَال إِنَّه مُخَالف لقَوْله وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته
وَجَوَابه أَنه لما كَانَ ضعف هَذَا النَّوْع ظَاهرا اسْتغنى بظهوره عَن التَّصْرِيح ببيانه
فَائِدَة

روى السّنَن عَن أبي دَاوُد جمَاعَة أكملها رِوَايَة أبي بكر مُحَمَّد بن بكر بن عبد الله بن عبد الرَّزَّاق التمار الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن داسة - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وتخفيفها - على الْمَشْهُور وَضَبطه القَاضِي عِيَاض بِخَطِّهِ بتشديدها
قَالَ أَبُو جَعْفَر بن الزبير ويقاربها رِوَايَة أبي عِيسَى إِسْحَاق بن مُوسَى الرَّمْلِيّ وراق أبي دَاوُد ثمَّ يَليهَا رِوَايَة أبي [سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد

(1/340)


الْأَعرَابِي وَلَيْسَ فِي رِوَايَته كتاب الْفِتَن والملاحم والحروب والخاتم وَيسْقط عَنهُ فِي كتاب اللبَاس نَحْو نصفه وَفَاته [من] كتاب الْوضُوء وَالصَّلَاة وَالنِّكَاح مَوَاضِع كَثِيرَة تشْتَمل على أوراق عدَّة روى أَكْثَرهَا الرَّمْلِيّ عَن [أبي دَاوُد روى بَعْضهَا ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي أُسَامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الرواس عَن أبي دَاوُد ذكر ذَلِك ابْن عبد الْبر
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو جَعْفَر بن الزبير (أ 51) رِوَايَة ابْن داسة أكمل الرِّوَايَات والرملي تقاربها وَهَذَا قَول أبي عَليّ الغساني الْحَافِظ أَيْضا
وَقَالَ أَبُو الْحسن التبريزي الْحَافِظ - وَيعرف بِابْن الخازن - إِن رِوَايَة

(1/341)


اللؤْلُؤِي من أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهَا هِيَ آخر مَا أمْلى أَبُو دَاوُد وَعَلَيْهَا مَاتَ
85 - (قَوْله) قَالَ ابْن مَنْدَه وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد إِلَى آخِره
يقرب مِنْهُ مَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ من احتجاج الشَّافِعِي بالمرسل إِذا لم تُوجد دلَالَة سواهُ وَنقل ابْن [الْمُنْذر] عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه كَانَ يحْتَج بِعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده إِذا لم يكن فِي الْبَاب غَيره
86 - (قَوْله) الْخَامِس مَا صَار إِلَيْهِ صَاحب المصابيح إِلَى آخِره
قد تبعه النَّوَوِيّ وَغَيره فِي الِاعْتِرَاض على الْبَغَوِيّ وَهُوَ عَجِيب لِأَن الْبَغَوِيّ

(1/342)


لم يقل إِن مُرَاد الْأَئِمَّة بالصحاح كَذَا وبالحسان كَذَا وَإِنَّمَا اصْطلحَ على هَذَا رِعَايَة للاختصار وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح فَإِنَّهُ قَالَ أردْت بالصحاح مَا خرجه الشَّيْخَانِ وبالحسن مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو عِيسَى وَغَيرهمَا وَبَيَان مَا كَانَ فيهمَا من غَرِيب أَو ضَعِيف أَشرت إِلَيْهِ وأعرضت عَن ذكر مَا كَانَ مُنْكرا أَو مَوْضُوعا انْتهى
فقد الْتزم بَيَان غير الْحسن وَبَوَّبَ على الصَّحِيح وَالْحسن وَلم يُمَيّز بَينهمَا لاشتراك الْكل فِي الِاحْتِجَاج فِي نظر الْفَقِيه نعم فِي السّنَن أَحَادِيث صَحِيحَة / لَيست فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي إدراجه لَهَا فِي قسم الْحسن (د 34) نوع مشاحة
87 - (قَوْله) السَّادِس كتاب المسانيد
يجوز لَك إِثْبَات الْيَاء فِي الْجمع وَيجوز حذفهَا وَكَذَلِكَ مَرَاسِيل ومراسل

(1/343)


وَالْأولَى الْحَذف قَالَ تَعَالَى {مَا إِن مفاتحه} وَالْإِثْبَات عِنْد الْبَصرِيين مَوْقُوف على السماع وَعند الْكُوفِيّين جَائِز ذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي أول كِتَابه فِي بَاب الضرورات وَأنْشد
(ننفي يداها الْحَصَى فِي كل هاجرة
(نفي الدَّنَانِير تنقاد الصياريف)
وَجعل بَعضهم مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ وَقِيَاسه معاذر لكنه أشْبع الكسرة فتولدت الْيَاء
وَاعْلَم أَن أَئِمَّة الحَدِيث سلكوا فِي تصانيفهم طرقا
فَمنهمْ من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال وَأول من صنف ذَلِك عبيد الله

(1/344)


ابْن مُوسَى الْعَبْسِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وتبعهما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب وَجَمَاعَة واشتملت تصانيفهم على رِوَايَة الثِّقَة وَغَيره
وَمِنْهُم من صنف الصَّحِيح على الْأَبْوَاب وَأول من صنف ذَلِك البُخَارِيّ قَالَ الْحَاكِم وَالْفرق بَين الْأَبْوَاب والتراجم أَن التراجم شَرطهَا أَن يَقُول المُصَنّف ذكر مَا رُوِيَ عَن أبي بكر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يترجم هَذَا الْمسند فَيَقُول ذكر مَا

(1/345)


روى قيس بن أبي حَازِم عَن أبي بكر صَحِيحا كَانَ أَو سقيما
أما مُصَنف الْأَبْوَاب فَيَقُول ذكر مَا صَحَّ وَثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَبْوَاب الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَغَيرهمَا
وَمِنْهُم من يرتب تصنيفه على أَبْوَاب الْفِقْه وَالْأَحْكَام إِلَّا أَنه لم يقْتَصر على ذكر الصَّحِيح
وَمِنْهُم من رتبه على أَبْوَاب الْفِقْه وَجمع بَين الصَّحِيح وَغَيره من غير تَمْيِيز
وَمِنْهُم من صنف الحَدِيث وَعلله بِجمع طرق كل حَدِيث وَاخْتِلَاف الروَاة فِيهِ كمسند يَعْقُوب بن [أبي شيبَة
وَمِنْهُم من جمع فِي تصنيفه أَحَادِيث شُيُوخ مخصوصين كل شيخ مِنْهُم على انْفِرَاده كالدارمي

(1/346)


وَمِنْهُم من جمع التراجم وَهِي الْأَسَانِيد الْمَشْهُورَة [كمالك عَن] نَافِع عَن ابْن عمر وَسُهيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
وَمِنْهُم من جمع أبوابا من الْأَبْوَاب وأفردوها بالتأليف ككتاب الْأَذَان لِابْنِ حَيَّان وَالصَّلَاة لأبي نعيم

(1/347)


وَالْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ
وَمِنْهُم من جمع حَدِيث كل صَحَابِيّ وَحده ثمَّ رتبهم على حُرُوف المعجم وَمِنْهُم من رتب على سوابق الصَّحَابَة فَبَدَأَ بِالْعشرَةِ ثمَّ بِأَهْل بدر ثمَّ بِأَهْل الْحُدَيْبِيَة ثمَّ بِمن أسلم وَهَاجَر بَين الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة وَختم بأصاغر [الصَّحَابَة] ثمَّ بِالنسَاء
وكل مثاب على قَصده وَلكُل وَجه وَمَنْفَعَة فِي ضبط السّنة ونشرها وتسهيل الطَّرِيق إِلَيْهَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ
88 - (قَوْله) كمسند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَيْسَ الْمسند لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ليونس بن حبيب بن عبد القاهر الْعجلِيّ سَمعه فِي أصفهان مِنْهُ فنسبه إِلَيْهِ

(1/348)


89 - (قَوْله) ومسند عبيد الله بن مُوسَى
هُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمُشكل أول من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
قلت وَلِهَذَا صدر المُصَنّف بالتمثيل بهما
90 - (قَوْله) ومسند عبد بن حميد
هُوَ الْكشِّي وَيُقَال الكسي يرويهِ عَنهُ إِبْرَاهِيم بن خُزَيْمٌ - بِالْخَاءِ وَالرَّاء المعجمتين - وَأما مُحَمَّد بن خريم - بالراء - فَهُوَ رَاوِي الْمسند عَن هِشَام بن

(1/349)


عمار الدِّمَشْقِي ذكره ابْن نقطة
91 - (قَوْله) ومسند الدَّارمِيّ
هُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ وينتقد على المُصَنّف فِي ذكره هُنَا من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن مُسْند الدَّارمِيّ مُرَتّب على الْأَبْوَاب لَا على المسانيد إِلَّا أَن يقْصد الِاسْم الْمَشْهُور بِهِ

(1/350)


الثَّانِي جعله دون الْكتب الْخَمْسَة وَقد أطلق جمَاعَة عَلَيْهِ اسْم الصَّحِيح
92 - (قَوْله) ومسند أَحْمد بن حَنْبَل
قلت مَا ذكره من أَن مُسْند أَحْمد لَا يشْتَرط فِي الحَدِيث كَونه محتجا بِهِ وَأَنه دون الْكتب الْخَمْسَة - مَرْدُود فقد ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب فَضَائِل مُسْند أَحْمد أَن عبد الله سَأَلَ أَبَاهُ عَن هَذَا الْمسند فَقَالَ جعلته أصلا لِلْإِسْلَامِ يرجعُونَ إِلَيْهِ فَمَا لَيْسَ فِيهِ فَلَيْسَ بِصَحِيح
وَعنهُ أَنه قَالَ جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة ألف وَخمسين ألفا فَمَا اخْتلف الْمُسلمُونَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحجَّة

(1/351)


وَهَذَا لَا يدل على أَن كل مَا فِيهِ صَحِيح كَمَا توهم الْمَدِينِيّ بل يدل على أَن مَا لَيْسَ فِيهِ لَيْسَ بِحجَّة عِنْده لما [لم] يطلع عَلَيْهِ وَمَا أشبه هَذَا بقول مَالك - وَقد سَأَلَهُ الزهْرَانِي عَن رجل - لَو كَانَ ثِقَة لوجدته فِي كتابي

(1/352)


وَقَالَ بعض الْحفاظ وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ إِشْكَال إِذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَحَادِيث لَيست فِي الْمسند وَيُقَال إِنَّه فَاتَهُ من الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ قريب من مِائَتَيْنِ
وَأجِيب بِأَن تِلْكَ الْأَحَادِيث بِعَينهَا وَإِن خلا الْمسند عَنْهَا فلهَا فِيهِ أصُول ونظائر وشواهد وَأما أَن يكون متن صَحِيح لَا مطْعن فِيهِ لَيْسَ لَهُ فِي الْمسند أصل وَلَا نَظِير فَلَا يكَاد يُوجد وَرُبمَا اعْترض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة أم زرع مَعَ أَنه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا نَادِر
قَالَ أَبُو مُوسَى وَلم يخرج أَحْمد إِلَّا عَمَّن ثَبت عِنْده صدقه وديانته دون من طعن فِي أَمَانَته يدل على ذَلِك قَول عبد الله ابْنه سَأَلت أبي عَن عبد الْعَزِيز بن أبان فَقَالَ لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئا قَالَ أَبُو مُوسَى وَمن الدَّلِيل على أَن مَا أودعهُ مُسْنده احتاط فِيهِ إِسْنَادًا ومتنا وَلم يُورد فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عَنهُ ضربه

(1/353)


على أَحَادِيث رجال ترك الرِّوَايَة عَنْهُم وروى عَنْهُم فِي غير الْمسند
وَهَذَا كُله يوهن جعل ابْن الصّلاح مُسْند أَحْمد دون الْكتب الْخَمْسَة فَإِن هَذَا الشَّرْط يُقَارب شَرط أبي دَاوُد
لَكِن حكى أَبُو الْعِزّ بن كادش عَن عبد الله بن أَحْمد أَن أَبَاهُ قَالَ لَهُ فِي كَلَام لَو أردْت أَن أقصد مَا صَحَّ عِنْدِي لم أرو من هَذَا الْمسند إِلَّا الشَّيْء (د 35) بعد الشَّيْء وَلَكِنَّك يَا بني تعرف طريقي فِي الحَدِيث لست أُخَالِف مَا يضعف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ انْتهى
وَفِي هَذَا مُخَالفَة لما صَار إِلَيْهِ الْمَدِينِيّ وَلذَلِك خطأ ابْن دحْيَة أَصْحَاب أَحْمد بِجَمِيعِ مَا فِي مُسْنده وَبَالغ فَقَالَ أَكْثَرهَا لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِنَّمَا خرجها الإِمَام حَتَّى يعرف الحَدِيث من ايْنَ مخرجه وَالْمُنْفَرد بِهِ عدل أَو مَجْرُوح

(1/354)


قَالَ الشَّيْخ نجم الدّين الطوفي فِيمَا وجدته بِخَطِّهِ قَالَ بعض متعصبي الْمُتَأَخِّرين لَا تقوم الْحجَّة بِمَا فِي مُسْند أَحْمد حَتَّى يَصح من طَرِيق آخر وَأَخْبرنِي شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية أَنه اعْتبر (أ 53) مُسْند أَحْمد فَوجدَ أَكْثَره على شَرط أبي دَاوُد وَشرط أبي دَاوُد كَمَا قَالَه ابْن مَنْدَه إِخْرَاج حَدِيث قوم لَا يجمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الْإِسْنَاد من غير قطع وَلَا إرْسَال وَهُوَ أَيْضا شَرط النَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَمَا ذكرت حَدِيثا أَجمعُوا على تَركه وَرُوِيَ مثل هَذَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ حَنْبَل حضر أَحْمد وَابْنه عبد الله وَقَرَأَ علينا

(1/355)


الْمسند ثمَّ قَالَ إِنِّي أخرجت هَذَا الْمسند من سَبْعمِائة ألف حَدِيث وَلم أذكر فِيهِ مَا أجمع النَّاس على تَركه وَجَعَلته حجَّة بيني وَبَين الله عز وَجل فَمَا اخْتلف النَّاس فِيهِ من السّنة فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن وجدتموه فِيهِ وَإِلَّا فَلَا أصل لَهُ
وَقَالَ ابْن تَيْمِية فِي بعض مؤلفاته قد تنَازع الحافظان أَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَأَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد هَل فِيهِ أَحَادِيث مَوْضُوعَة فَأنْكر الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء ذَلِك وأثبته أَبُو الْفرج
قلت لِأَنَّهُ أورد فِي كتاب الموضوعات حَدِيث عمر لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة رجل يُقَال لَهُ الْوَلِيد وَحَدِيث أنس مَا من معمر يعمر فِي الْإِسْلَام أَرْبَعِينَ سنة

(1/356)


إِلَّا صرف الله عَنهُ أنواعا من الْبلَاء الْجُنُون والجذام والبرص وَحَدِيث

(1/357)


أنس عسقلان أحد العروسين يبْعَث مِنْهَا يَوْم الْقِيَامَة سَبْعُونَ ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم

(1/358)


وَغير ذَلِك

(1/359)


ثمَّ قَالَ ابْن تَيْمِية وَفصل الْخطاب أَن أَحْمد لم يرو [فِي مُسْنده عَن الْكَذَّابين المعتمدين للوضع بل لم يرو] فِيهِ عَن الدعاة إِلَى الْبدع بدع الْكَلَام والرأي وَنَحْو ذَلِك وَهَذِه طَريقَة أَصْحَاب السّنَن فَإِنَّهُ ترك أَحَادِيث جمَاعَة مثل كثير بن عَوْف الْمُزنِيّ روى لَهُم أَبُو دَاوُد وَغَيره لَكِن يُوجد فِيهِ مَا يُوجد فِي هَذِه الْكتب من أَحَادِيث رَوَاهَا من غلط فِيهَا لسوء حفظه لَا لتعمده الْكَذِب [فَإِن أُرِيد بالموضوع مَا اعْتمد صَاحبه الْكَذِب فَأَحْمَد لَا يعْتَمد رِوَايَة هَؤُلَاءِ فِي مُسْنده] وَإِن أُرِيد بالموضوع مَا قد يسْتَدلّ بِهِ على بُطْلَانه بِدَلِيل مُنْفَصِل فَمثل هَذَا يَقع فِي عَامَّة الْكتب فَإِن الثِّقَات الْكِبَار قد يغلطون فِي أَشْيَاء انْتهى
وَاعْلَم أَن الْغَالِب فِيهِ الرِّوَايَة عَن الثِّقَات كمالك وَشعْبَة وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَغَيرهم وَفِيه الرِّوَايَة قَلِيلا عَن جمَاعَة نسبوا إِلَى الضعْف وَقلة الضَّبْط وَذَلِكَ على وَجه الِاعْتِبَار والاستشهاد لَا على طَرِيق الِاعْتِمَاد

(1/360)


والاعتداد مثل رِوَايَته عَن عَامر بن صَالح الزبيرِي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَسدي وَعمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَعلي بن عَاصِم الوَاسِطِيّ وَإِبْرَاهِيم بن أبي اللَّيْث صَاحب الْأَشْجَعِيّ وَيحيى بن يزِيد بن عبد الْملك

(1/361)


النَّوْفَلِي وَتَلِيدُ بن سُلَيْمَان الْكُوفِي وحسين بن حسن الْأَشْقَر ومُوسَى بن هِلَال وَغَيرهم مِمَّن اشْتهر الْكَلَام فِيهِ
بل فِي الْمسند أَحَادِيث سُئِلَ عَنْهَا فضعفها وأنكرها وَهَذَا يرد قَول الْمَدِينِيّ إِنَّه لَا يخرج إِلَّا مَا صَحَّ عِنْده
مِنْهَا أَنه روى حَدِيث ابْن المطوس

(1/362)


عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان (لم يقْض عَنهُ) صِيَام الدَّهْر
وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا - وَقد سَأَلَهُ عَنهُ - لَا أعرف أَبَا المطوس وَلَا ابْن المطوس

(1/363)


وَمِنْهَا أَنه روى حَدِيث لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَرْوذِيّ لم يُصَحِّحهُ أَبُو عبد الله فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ [شَيْء] يثبت
وَمِنْهَا روى حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا كَانَ [النّصْف من شعْبَان فأمسكوا] هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم

(1/364)


يحدث الْعَلَاء بِحَدِيث أنكر من هَذَا وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي لَا يحدث بِهِ وَقد ذكرت فِي غير هَذَا الْموضع من هَذَا كثيرا
93 - (قَوْله) وَأما مَا يتَعَلَّق بعدده
فَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه فِيهِ أَرْبَعُونَ ألف حَدِيث إِلَّا أَرْبَعِينَ أَو ثَلَاثِينَ قَالَ أَبُو عبد الله الْأَسدي هَكَذَا سمعته من الْقطيعِي لما سمعته مِنْهُ وَعَن ابْن الْمُنَادِي أَن فِيهِ ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث

(1/365)


وَلَعَلَّه أَرَادَ بِإِسْقَاط المكرر أَو خَالِيا عَن زِيَادَة ابْنه وَقد ذكر ابْن دحْيَة فِي كَلَامه على أَحَادِيث الْمِعْرَاج أَن فِيهِ (54 / أ) أَرْبَعِينَ ألفا بِزِيَادَات ابْنه عبد الله وَهُوَ يجمع الْأَقْوَال
94 - (قَوْله) ومسند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه
جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ خرجت عَن كل صَاحِبي أمثل مَا ورد عَنهُ ذكره أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ
95 - (قَوْله) ومسند الْبَزَّار
هُوَ يبين فِيهِ الْكَلَام على علل الْأَحَادِيث والمتابعات والتفردات قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لكنه قد يخطيء
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ هُوَ كَالَّذي قبله فِي عدم الِاحْتِجَاج مِنْهُ

(1/366)


96 - (قَوْله) السَّابِع قَوْلهم [هَذَا حَدِيث] صَحِيح الْإِسْنَاد [إِلَى آخِره
دَعْوَاهُ أَن قَوْلهم صَحِيح الْإِسْنَاد] يحْتَمل أَن يكون شاذا أَو مُعَللا قد يمْنَع فَإِن صِحَة الْإِسْنَاد مستلزمة لصِحَّة الْمَتْن وَالْحكم بِصِحَّة الْإِسْنَاد مَعَ احْتِمَال عدم صِحَّته بعيد وَهَذَا فِيهِ نظر وَقد تقدم فِي كَلَام المُصَنّف أَنهم إِذا قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح فمرادهم اتِّصَال سَنَده لَا أَنه مَقْطُوع بِهِ فِي نفس الْأَمر وَقد تكَرر

(1/367)


فِي كَلَام الْمزي والذهبي وَغَيرهمَا من الْمُتَأَخِّرين إِسْنَاده صَالح والمتن مُنكر
97 - (قَوْله) الثَّامِن فِي قَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره
يَعْنِي كالبخاري قَالَ المُصَنّف وجدت فِي أصل الْحَافِظ أبي حَازِم العبدوي بِكِتَاب التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث معَاذ فيمَ يخْتَصم الْمَلأ ألأعلى

(1/368)


سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح انْتهى
وَحَاصِل مَا ذكره فِي الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال وَجْهَان
الأول مِنْهُمَا أَن تعدد الصّفة بِاعْتِبَار تعدد الْإِسْنَاد قد رد بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا ذكره ابْن أبي الدَّم لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن يكون الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يكون الْمَتْن صَحِيحا لكَونه شاذا أَو مُعَللا فوصف الْإِسْنَاد بِالصِّحَّةِ أَو الْحسن غير وصف الحَدِيث نَفسه بِالصَّحِيحِ أَو الْحسن فَلَا يحسن أَن يُقَال إِن مُرَاده بقوله حَدِيث حسن صَحِيح - بعد التَّصْرِيح بِوَصْف الحَدِيث بهما بِأَنَّهُ رَاجع إِلَى وصف إِسْنَاده فَإِن الحَدِيث شَيْء وَإسْنَاد الحَدِيث شَيْء آخر وَإِنَّمَا لَا يبعد أَن يكون المُرَاد بقوله هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح أَن الصَّحِيح هُوَ الَّذِي نَقله الْعدْل عَن الْعدْل بِشَرْط الضَّبْط كَمَا تقدم وَالْحسن هُوَ الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ بشرى للمكلف وتسهيل عَلَيْهِ وتيسير مَأْخُوذ مِمَّا تميل إِلَيْهِ النَّفس (36 / د) وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي الْجَواب الثَّانِي انْتهى

(1/369)


والاعتراض الثَّانِي ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد أَنه ينْتَقض بقول التِّرْمِذِيّ فِي كثير من الْمَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه يُصَرح بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مخرج وَاحِد وَقد يُجَاب عَن هَذَا بأمرين
أَحدهمَا أَن الصُّورَة الَّتِي ذكرهَا ابْن الصّلاح مُطلقَة لَيست مُقَيّدَة بِهَذَا الْقَيْد وَكَلَامه مَحْمُول عِنْد الْإِطْلَاق وَيكون المُرَاد هُوَ الْأَعَمّ الْأَغْلَب فَإِن هَذَا الْقَيْد الَّذِي ذكره التِّرْمِذِيّ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مطلقه
الثَّانِي سلمنَا ذَلِك لَكِن يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث بعض الروَاة لَا أَن الْمَتْن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه أَي انْفِرَاد الرَّاوِي بِهِ عَن راو آخر لَا أَن الْمَتْن مُنْفَرد بِهِ وَيدل لهَذَا أَنه أخرج فِي كتاب الْفِتَن حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة من أَشَارَ إِلَى أَخِيه بحديدة

(1/370)


حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه يستغرب من حَدِيث خَالِد فاستغربه من حَدِيث خَالِد لَا مُطلقًا
وَأما الْجَواب الثَّانِي وَهُوَ تَجْوِيز أَن يُرَاد بالْحسنِ الْمَعْنى اللّغَوِيّ اعْترض عَلَيْهِ أَيْضا بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا ذكره صَاحب الاقتراح وَهُوَ استلزام إِطْلَاق الْحسن على الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ وَلم يقلهُ أحد
وَفِيه نظر لِأَن الْحسن الَّذِي ذكره ابْن الصّلاح إِنَّمَا هُوَ قرين (55 / أ) الصَّحِيح وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الْحسن الْمُطلق
الثَّانِي أَن التِّرْمِذِيّ يَقُول ذَلِك فِي أَحَادِيث مروية فِي صفة جَهَنَّم وَالْحُدُود [و] الْقصاص وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُوَافق الْقلب إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه حسن بِاعْتِبَار مَا [فِيهِ] من الزّجر عَن الْقَبِيح
وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي

(1/371)


الَّذِي أقوله فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصِّحَّة وَإِنَّمَا يجيؤه الْقُصُور وَيفهم ذَلِك مِنْهُ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن والقصور ثَابت من حَيْثُ الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته [فَإِذا جمع بَينهمَا فَلَا قُصُور حِينَئِذٍ] وَبَيَان ذَلِك أَن هَا هُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول روايتهم وَتلك الصِّفَات مُتَفَاوِتَة بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا [فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا] لَا يُنَافِي وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان وَكَذَلِكَ إِذا وجدت الدرجَة الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا [كالحفظ] مَعَ الصدْق فصح أَن يُقَال حسن بِاعْتِبَار الصّفة [الدُّنْيَا] صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَيلْزم على ذَلِك أَن يكون كل صَحِيح حسنا ويلتزمه وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَول الْمُتَقَدِّمين هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة انْتهى

(1/372)


وَحَاصِله أَن الصَّحِيح يرجع إِلَى زِيَادَة الْحِفْظ والإتقان وَالْحسن يرجع إِلَى الصدْق وَمُطلق الْحِفْظ وَقد يَجْتَمِعَانِ وَيشكل عَلَيْهِ مَا تقدم من إِطْلَاق الصَّحِيح عِنْد شهرة الرَّاوِي بِالصّدقِ مَعَ قُصُور ضَبطه وَأورد عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ السَّنَد قد اتّفق على عَدَالَة رُوَاته وَجَوَابه بندرة ذَلِك
نعم مَا ادَّعَاهُ من أَن كل صَحِيح حسن مَمْنُوع فَإِن الصَّحِيح الَّذِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كَمَا سَيَأْتِي لَيْسَ بِحسن لِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه كَمَا تقدم
[نعم] لَو قيل بَينهمَا عُمُوم وخصوص لَكَانَ متجها إِذْ بعض الْحسن لَيْسَ بِصَحِيح أَيْضا لكَون رِجَاله لَيْسُوا من الضَّبْط والإتقان والشهرة بِذَاكَ وَإِن كَانَ مَعْرُوف الْمخْرج وَرُوِيَ من غير وَجه فَحَيْثُ عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وهم بمَكَان من الضَّبْط والإتقان وَرُوِيَ من غير وَجه فَحسن وصحيح وَحَيْثُ رُوِيَ من وَجه آخر لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد فِي كل دَرَجَة وَهُوَ ضَابِط متقن عدل ثِقَة فَصَحِيح وَلَيْسَ بِحسن وَحَيْثُ لَهُ مخرج مشتهر وَأخرج من غير وَجه فَحسن وصحيح وَحَيْثُ رُوِيَ من وَجه
وَقَالَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير - رَحمَه الله - أصل هَذَا السُّؤَال غير مُتَّجه لِأَن الْجمع بَين الْحسن وَالصِّحَّة رُتْبَة متوسطة فَالصَّحِيح أَعْلَاهَا ويليه الْمَنْسُوب من

(1/373)


كل مِنْهُمَا وَهُوَ الصِّحَّة وَالْحسن ويليه الْحسن وَمَا كَانَ فِيهِ شبه من شَيْئَيْنِ اخْتصَّ باسم وَصَارَ كالمستقل كَقَوْلِهِم هَذَا حُلْو حامض أَي مز انْتهى
وَيلْزم على هَذَا أَلا يكون فِي كتاب التِّرْمِذِيّ صَحِيح إِلَّا قَلِيلا لقلَّة اقْتِصَاره على قَوْله هَذَا صَحِيح مَعَ أَن الَّذِي يعبر فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَالْحسن أَكْثَره مَوْجُود فِي الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ هُوَ يَقْتَضِي إِثْبَات قسم آخر وَهُوَ خرق لإجماعهم
فَإِن قلت فَمَا عنْدك فِي دفع هَذَا الْإِشْكَال قلت يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله حسن صَحِيح فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة الترادف وَاسْتعْمل هَذَا قَلِيلا تَنْبِيها على جَوَازه كَمَا اسْتَعْملهُ بَعضهم حَيْثُ وصف الْحسن بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي قسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما فِي إِسْنَاد وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين وزمانين فَيجوز أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث من رجل مرّة فِي حَال كَونه مَسْتُورا أَو مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة ثمَّ ترقى ذَلِك الرجل المسمع وارتفع حَاله إِلَى دَرَجَة الْعَدَالَة فَسَمعهُ مِنْهُ التِّرْمِذِيّ أَو غَيره مرّة أُخْرَى فَأخْبر بالوصفين (56 / أ) وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد أَنه سمع الحَدِيث الْوَاحِد على الشَّيْخ الْوَاحِد غير مرّة وَهُوَ قَلِيل
وَهَذَا الِاحْتِمَال - وَإِن كَانَ بَعيدا - فَهُوَ أشبه مَا يُقَال وَهُوَ رَاجع لما ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد

(1/374)


وَيحْتَمل أَن يكون التِّرْمِذِيّ أدّى اجْتِهَاده إِلَى حسنه أَو بِالْعَكْسِ أَو أَن الحَدِيث فِي أَعلَى دَرَجَات الْحسن وَأول دَرَجَات الصَّحِيح فَجمع لَهُ بِاعْتِبَار مذهبين كَمَا تقدم فِي حَدِيث الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وكحديث جَابر فِي (السَّلَام على من يَبُول) سكت عَنهُ عبد الْحق سكُوت مصحح لَهُ وَحسنه ابْن الْقطَّان للِاخْتِلَاف فِي رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل فَيُقَال أَشَارَ بقوله حسن

(1/375)


صَحِيح [للتّنْبِيه على أَنه باعتبارين فَحسن على وَجه مضعف وصحيح] على عدم الِاعْتِدَاد بِهِ
وَيُقَوِّي هَذَا قَول التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة فِي (الْغسْل بمجاوزة الْخِتَان) حسن صَحِيح مَعَ نَقله عَن البُخَارِيّ فِي كتاب الْعِلَل أَن إِسْنَاده خطأ وَأَنت إِذا تَأَمَّلت تصرف التِّرْمِذِيّ لَعَلَّك تسكن إِلَى قَصده هَذَا وَالله أعلم

(1/376)


وَاعْلَم أَن هَذَا السُّؤَال يرد بِعَيْنِه فِي قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لِأَن من شَرط الْحسن أَن يكون مَعْرُوفا من غير وَجه والغريب مَا انْفَرد أحد رُوَاته بِهِ وَبَينهمَا تناف
وَجَوَابه أَن الْغَرِيب يُطلق على أَقسَام غَرِيب من جِهَة الْمَتْن وغريب من جِهَة الْإِسْنَاد وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي دون الأول لِأَن هَذَا الْغَرِيب مَعْرُوف عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَكِن تفرد بَعضهم بروايته عَن صَحَابِيّ فبحسب الْمَتْن حسن لِأَنَّهُ عرف مخرجه واشتهر فَوجدَ شَرطه الْحسن وبحسب الْإِسْنَاد غَرِيب لِأَنَّهُ لم يروه عَن تِلْكَ الْجَمَاعَة إِلَّا وَاحِد وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَرِيب بِهَذَا (37 / د) الْمَعْنى وَبَين الْحسن بِخِلَاف سَائِر الغرائب فَإِنَّهَا تنَافِي الْحسن وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عبد المحسن الغرافي فِي كِتَابه مُعْتَمد [قَاصد] التَّنْبِيه قَول أبي عِيسَى هَذَا

(1/377)


حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَهَذَا حَدِيث [حسن] غَرِيب إِنَّمَا يُرِيد بِهِ ضيق الْمخْرج أَنه لم يخرج إِلَّا من جِهَة وَاحِدَة وَلم يَتَعَدَّد خُرُوجه من طرق إِلَّا إِن [كَانَ] الرَّاوِي ثِقَة فَلَا يضر ذَلِك فيستغربه هُوَ لقلَّة الْمُتَابَعَة وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة شروطهم عَجِيبَة وَقد يخرج الشَّيْخَانِ أَحَادِيث تقع إِلَى أبي عِيسَى فَيَقُول فِيهَا هَذَا حَدِيث حسن وَتارَة حسن غَرِيب كَمَا قَالَ فِي حَدِيث أبي بكر قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث حسن

(1/378)


98 - (قَوْله) التَّاسِع من أهل الحَدِيث من لَا يفرد نوع الْحسن ويجعله مندرجا فِي الصَّحِيح انْتهى
قد سبق النَّقْل عَن بعض الْمُتَأَخِّرين حِكَايَة هَذَا عَن جَمِيع أهل الحَدِيث خلا التِّرْمِذِيّ وَمِنْهُم من يَجعله مندرجا فِي الضَّعِيف
ثمَّ تَسْمِيَة هَذِه الْكتب صحاحا إِمَّا هُوَ بِاعْتِبَار الْأَغْلَب لِأَن غالبها الصِّحَاح والحسان وَهِي مُلْحقَة بالصحاح والضعيف مِنْهَا رُبمَا الْتحق بالْحسنِ بِإِطْلَاق الصِّحَّة عَلَيْهَا فِي بَاب التغليب
والكتب السِّتَّة الصحيحان وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ

(1/379)


وَابْن مَاجَه
وَعند المغاربة موطأ مَالك عوضا عَن سنَن ابْن مَاجَه قبل أَن يقفوا عَلَيْهِ
99 - (قَوْله) ذكر الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي الْكتب الْخَمْسَة إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
أَحدهَا أَن هَذَا ذكره السلَفِي فِي كِتَابه مُقَدّمَة السّنَن فَقَالَ وَأما السّنَن فكتاب لَهُ صيت فِي الْآفَاق وَلَا يرى مثله على الْإِطْلَاق وَهُوَ كَمَا ذكرت فِيمَا تقدم أحد الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا عُلَمَاء الشرق والغرب والمخالفون لَهُم كالمتخلفين عَنْهُم بدار الْحَرْب فَكل من رد مَا صَحَّ من قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يتلقه بِالْقبُولِ قد ضل وغوى إِذْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا ينْطق عَن الْهوى وَإِنَّمَا ذكرته لِأَنِّي وجدت شَيخنَا (57 / أ) عَلَاء الدّين مغلطاي أنكر على ابْن الصّلاح هَذَا النَّقْل عَن السلَفِي حَيْثُ لم يقف على هَذَا الْموضع وَإِنَّمَا وقف على قَوْله قبل هَذَا بِنَحْوِ ورقتين وَكتاب أبي دَاوُد فَهُوَ أحد الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق أهل الْحل وَالْعقد من الْفُقَهَاء وحفاظ الحَدِيث على قبُولهَا وَالْحكم بِصِحَّة أُصُولهَا قَالَ فَإِنَّمَا نقل الِاتِّفَاق على صِحَة أُصُولهَا لَا مُطلقًا والعبارة السَّابِقَة هِيَ عبارَة

(1/380)


المُصَنّف وَلَا تنَافِي هَذِه الْعبارَة
الثَّانِي مَا اعْترض بِهِ على المُصَنّف قد أجَاب عَنهُ النَّوَوِيّ بِأَن مُرَاده مُعظم الْكتب الثَّلَاثَة سوى الصَّحِيحَيْنِ يحْتَج بِهِ
لَكِن فِي هَذَا نظر إِذْ لَيْسَ كل صَحِيح يحْتَج بِهِ فالمنسوخ صَحِيح وَلَا يحْتَج بِهِ فمراده السَّالِم عَن الْمعَارض وَهَذَا وَاضح
الثَّالِث السلَفِي - بِكَسْر الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَبعدهَا فَاء مَكْسُورَة - مَنْسُوب إِلَى جد لَهُ يُقَال سلفه كَانَ هَذَا الْجد مشقوق الشّفة فلقب بِالْفَارِسِيَّةِ شلفة - بِكَسْر (الشين الْمُعْجَمَة) وَفتح اللَّام - أَي ذِي ثَلَاث شفَاه ثمَّ عرب فَقيل سلفة هَكَذَا ذكره النَّوَوِيّ فِي كِتَابه بُسْتَان العارفين
وَرَأَيْت فِي فهرست القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن حوط الله أَنه مَنْسُوب إِلَى سلفة قَرْيَة من قرى أَصْبَهَان وَالصَّوَاب الأول فقد رَأَيْت فِي تَعْلِيق كتبه

(1/381)


بِخَط السلَفِي مَا نَصه بَنو سلفة سلفي أبي وَعمي وجدي وجد أبي [مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَخُو فَاطِمَة بنت شُعَيْب العالمة قدمت الصوفيات بأصبهان وَعم أبي الْفضل - رَحِمهم الله - يذكر مَعَ سلفة بن دَاوُد فِي نسب طَلْحَة بن مصرف انْتهى
ونقلت من خطّ الْحَافِظ أبي المظفر مَنْصُور بن سليم الإسكندري فِي تَارِيخ الْإسْكَنْدَريَّة أصل سلفة أَنه كَانَت إِحْدَى شَفَتَيْه عريضة مفروقة فَكَانَت لَهُ ثَلَاث شفَاه فَقيل لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شي لفه أَي ذُو ثَلَاث شفَاه ثمَّ عرب فَقيل سلفة ثمَّ نسب نَفسه بعد قدومه مصر فَقيل السلَفِي لِئَلَّا يشْتَبه بالسلفي
فَائِدَة

وَقع فِي عبارَة بَعضهم الْجيد كالترمذي فِي الطِّبّ من جَامعه وَمرَاده الصَّحِيح
وَقَالَ إِسْحَاق بن بشر

(1/382)


قَالَ ابْن الْمُبَارك لَيْسَ جودة الحَدِيث قرب الْإِسْنَاد [بل] جودة الحَدِيث صِحَة الرِّجَال ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء
وَيَقَع فِي عبارتهم الثَّابِت وَيكثر ذَلِك فِي كَلَام ابْن الْمُنْذر وَهل يسْتَلْزم ذَلِك الحكم بِالصِّحَّةِ يحْتَمل أَن يتَخَرَّج فِيهِ خلاف من خلاف الْفُقَهَاء أَن القَاضِي لَو قَالَ ثَبت عِنْدِي بِالْبَيِّنَةِ العادلة كَذَا هَل يكون حكما مِنْهُ وَجْهَان أقربهما نعم لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن تَحْقِيق الشَّيْء جزما وأصحهما لَا لِأَن الحكم هُوَ الْإِلْزَام والثبوت لَيْسَ بإلزام وَالْأَقْرَب أَنه لَا يتَخَرَّج لأَنهم أجروا هَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ صَحَّ عِنْدِي كَذَا هَل يكون حكما وَقد كَانَ الحافظان قطب الدّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَفتح الدّين بن سيد النَّاس يَقُولَانِ إِن الثَّابِت يخْتَص بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح دون الْحسن ونازعهم مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ اللَّخْمِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الصَّيْرَفِي

(1/383)


وصنف فِي ذَلِك جُزْءا وقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ وَقَالَ لَا يخْتَص بِهِ بل يَشْمَل الْحسن أَيْضا لِأَن الْحسن يحْتَج بِهِ كَمَا يحْتَج بِالصَّحِيحِ وَإِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة وَاعْترض على نَفسه بِأَن الْحفاظ قد استعملوا فِي مصنفاتهم الثَّابِت الصَّحِيح وَالصَّحِيح الثَّابِت فَقَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت وَهَذَا حَدِيث ثَابت صَحِيح وَلم يجْعَلُوا الصَّحِيح تَأْكِيدًا لِلْحسنِ وَلَا الْحسن تَأْكِيدًا للثبوت فَلم يَقُولُوا هَذَا حَدِيث حسن ثَابت أَو ثَابت حسن وَأجَاب أَنه لَا يلْزم من عدم استعمالهم أَلا يجوز وَلَا شكّ أَن الثُّبُوت يَشْمَل الصِّحَّة وَالْحسن لِأَن اللَّفْظ يحتملهما وَقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (58 / أ) فِي سنَنه فِي حَدِيث شَهَادَة الْأَعرَابِي بِهِلَال رَمَضَان إِسْنَاده حسن ثَابت
وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي حَدِيث ابْن عمر فِي (رُؤْيَة الْهلَال) أخرجه أَبُو دَاوُد وَهُوَ ثَابت وَقَالَ فِي (حَدِيث الْقلَّتَيْنِ) وَفِي حَدِيث (الْوضُوء من مس

(1/384)


الذّكر) حسن ثَابت

(1/385)


وَقد اسْتعْمل ابْن الْمُنْذر فِي الإشراف هَذِه الْعبارَة كثيرا فِي أول الْأَبْوَاب فَيَقُول ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَذَا وَأمر بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا استعملها فِي أَحَادِيث كَثِيرَة حسنها التِّرْمِذِيّ وَلم يُخرجهَا البُخَارِيّ وَلَا مُسلم كَقَوْلِه ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعُثْمَان (38 د) بن أبي الْعَاصِ وَاتخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على أَذَانه أجرا قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ حسن وَقَالَ ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وَقد

(1/386)


حسنه التِّرْمِذِيّ
قَالَ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَسْمِيَة الثُّبُوت لِلْحسنِ يَنْبَنِي على اتِّحَاد حكم الصَّحِيح وَالْحسن فِي وجوب الْعَمَل بهَا فِي الْأَحْكَام فَمن نظر إِلَى حكم الْحسن جَازَ أَن يُسَمِّيه صَحِيحا مجَازًا اعْتِبَارا بِحكمِهِ كَمَا فعل غير وَاحِد من الْأَئِمَّة وَمن لم يسمه صَحِيحا وهم الْأَكْثَرُونَ نظرُوا إِلَى حَقِيقَة إِسْنَاد الْحسن فعلى هَذَا الْإِشْكَال فِي جَوَاز تَسْمِيَة الْحسن بالثابت اعْتِبَارا بِحكمِهِ وَهل يُسمى الْحسن ثَابتا اعْتِبَارا بِإِسْنَادِهِ على مَذْهَب الْجُمْهُور فَإِن دَرَجَته متوسطة بَين الصَّحِيح والضعيف فِيهِ ثَلَاثَة احتمالات ثَالِثهَا التَّفْصِيل بَين ذَا ومستور لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته وَلَيْسَ مغفلا كثير الْخَطَأ وَلَا ظهر مِنْهُ سَبَب مفسق وَيكون متن حَدِيثه مَعْرُوفا فَلَا يُسمى حَدِيثه ثَابتا لعدم تَحْقِيق الْأَهْلِيَّة وَبَين راو اشْتهر بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَهُوَ مُرْتَفع عَن حَال من يعد تفرده مُنْكرا فيسمى حَدِيثه ثَابتا لوُجُود الثَّنَاء عَلَيْهِ وشهرته فَإِن دَرَجَات الْحسن مُتَفَاوِتَة كَمَا أَن دَرَجَات الصَّحِيح والضعيف تَتَفَاوَت
فَإِن قلت قَوْلهم حَيْثُ حسن ثَابت يَقْتَضِي إسنادين حسن والاخر

(1/387)


ثَابت كَمَا اقْتضى قَوْلهم [حَدِيث] حسن صَحِيح
قلت لَا يتَّجه ذَلِك لجَوَاز أَن يكون الثُّبُوت أُرِيد بِهِ تَأْكِيد الْحسن وَهُوَ الْمَطْلُوب أَو الصِّحَّة فَهُوَ مُحْتَمل لَهما فَلَا يحكم بِالصِّحَّةِ فِي لفظ الثُّبُوت إِلَّا بِأَمْر صَرِيح وَلَيْسَ فِي الثُّبُوت صَرَاحَة فِي الصِّحَّة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي غير حَدِيث هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح كَمَا يَقُول حسن صَحِيح
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه إِسْنَاد صَحِيح حسن وَقَالَ أَيْضا هَذَا إِسْنَاد صَحِيح ثَابت

(1/388)