النكت على مقدمة ابن الصلاح النَّوْع الثَّالِث وَالْعشْرُونَ معرفَة
من تقبل رِوَايَته
234 - (قَوْله) وخوارم الْمُرُوءَة (3 4 5 6 بِهِ أَمْثَاله
وَهِي لَا تقدح فِي الْعَدَالَة كَمَا لَا يقْدَح فِيهَا وجود
التُّهْمَة بل إِنَّمَا يقْدَح
(3/325)
فِي الشَّهَادَة ((وَقد أطلق
الْعِرَاقِيُّونَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن من وجد فِيهِ
بعض مَا هُوَ خلاف الْمُرُوءَة قبلت شَهَادَته إِلَّا أَن يكون
الْأَغْلَب عَلَيْهِ ذَلِك فَيرد
وَحكى شُرَيْح الرَّوْيَانِيّ فِي رَوْضَة الْحُكَّام
وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يشْتَرط الْمُرُوءَة فِي الشَّهَادَة
وجريانها فِي الرِّوَايَة أولى
الثَّانِي لم يبين المُرَاد بالمروءة المشترطة وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب
الشَّهَادَات الْمُرُوءَة على ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا أَن يكون
شرطا فِي الْعَدَالَة بمجانبة مَا يستخف من الْكَلَام المؤذي
والضحك وَترك مَا قبح من الْفِعْل الَّذِي يلهو بِهِ ويستقبح
بمعرته فمجانبة ذَلِك شَرط فِي الْعَدَالَة وارتكابه مفض إِلَى
الْفسق (2) وَمِنْه نتف اللِّحْيَة وخضابها يَعْنِي
بِالسَّوَادِ
وَالثَّانِي مَا لَيْسَ بِشَرْط كالإفضال بِالْمَاءِ
وَالطَّعَام والمساعدة بِالنَّفسِ والجاه
الثَّالِث (3) مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ نَوْعَانِ عادات وصنائع
ثمَّ حكى فِي مُخَالفَة الْعَادة أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا لَا
تقدح مُطلقًا وَالثَّانِي تقدح مُطلقًا وَالثَّالِث إِن كَانَ
قد نَشأ عَلَيْهَا فِي صغره لم تقدح فِي عَدَالَته وَإِن
استحدثها فِي كبره قدحت لِأَنَّهُ يصير مطبوعا بهَا
وَالرَّابِع إِن اخْتصّت بِالدّينِ قدحت كالبول قَائِما (4)
وَفِي المَاء الراكد وكشف الْعَوْرَة إِذا خلا وَأَن يتحدث
بمساوئ [النَّاس] (5) وَإِن
(3/326)
اخْتصّت بالدنيا لم تقدح كَالْأَكْلِ فِي
الطَّرِيق وكشف الرَّأْس بَين النَّاس وَالْمَشْي حافيا لِأَن
مُرُوءَة الدّين مَشْرُوعَة ومروءة الدُّنْيَا مُسْتَحبَّة
الْقسم الثَّانِي الصَّنَائِع الدِّينِيَّة وفيهَا أوجه
ثَالِثهَا يرد مَا استرذل فِي الدّين كمباشرة الأنجاس (أ 131)
من (1) الكناس والحجام والزبال ومشاهدة العورات كالقيم والمزين
وَنَحْوهمَا (2)
الثَّالِث لم يذكر من شُرُوطهَا الْحُرِّيَّة وَإِن ذكره
الْفُقَهَاء فِي الشَّهَادَات لِأَن العَبْد (3) مَقْبُول
الرِّوَايَة ب (4) [الشُّرُوط الْمَذْكُورَة] (5) إِجْمَاعًا
كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيب (6) وَلَا يشْتَرط الذُّكُورَة خلافًا
لما نَقله الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة قَالَ
وَاسْتثنى أَخْبَار عَائِشَة وَأم سَلمَة وَلَا يشْتَرط
الْبَصَر وَلَا الْعدَد وَلَا الْعلم بالفقه أَو الْغَرِيب أَو
معنى الحَدِيث وَشرط أَبُو حنيفَة فقه (7) الرَّاوِي إِن خَالف
الْقيَاس (8)
235 - (قَوْله) عَدَالَة الرَّاوِي تثبت بتنصيص عَدْلَيْنِ على
عَدَالَته وَتارَة بالاستفاضة
فِيهِ أَمْرَانِ
(3/327)
أَحدهمَا ظَاهره الْحصْر فِي ذَلِك فَيخرج
بِهِ مَا لَو عمل بحَديثه (1) فَلَا يَقْتَضِي تعديله وَهُوَ
الْمُخْتَار عِنْده كَمَا سَيَأْتِي
وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعَدَالَة تثبت بِرِوَايَة جمَاعَة
من الجلة عَن الشَّخْص وَهَذِه طَريقَة الْبَزَّار فِي مُسْنده
وجنح إِلَيْهَا ابْن الْقطَّان أَيْضا فِي الْكَلَام على
حَدِيث قطع السدر (2) فِي كِتَابه الْوَهم وَالْإِيهَام (3)
الثَّانِي مَا ذكره من اشْتِرَاط ذَلِك هُوَ الْمَشْهُور وَنقل
فِي طبقاته عَن ابْن
(3/328)
عَبْدَانِ (1) أَنه حكى فِي كتاب شَرَائِط
الْأَحْكَام عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه لم يعْتَبر فِي ناقل
الْخَبَر مَا يعْتَبر فِي الدِّمَاء والفروج من التَّزْكِيَة
بل إِذا كَانَ ظَاهره الدّين والصدق قبل خَبره ثمَّ استغربه
الشَّيْخ وَهُوَ كَذَلِك (2) وَهُوَ قريب من توسع ابْن عبد
الْبر الْآتِي
وَاعْلَم أَنه يجوز تَقْلِيد الْأَئِمَّة (د 79) فِي
التَّعْدِيل لَا سِيمَا فِي مثل هَذِه الْأَعْصَار قَالَ ابْن
الْأَنْبَارِي فِي شرح الْبُرْهَان فِي بَاب الِاجْتِهَاد
وَصَارَ بعض الْأُصُولِيِّينَ إِلَى جَوَاز الِاكْتِفَاء
بتعديل الْأَئِمَّة كَمَا ثَبت عِنْد الكافة الانقياد إِلَى
تَعْدِيل من روى عَنهُ (3) البُخَارِيّ وَمُسلم فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَإِن كَانَ الروَاة عِنْد أهل الْعَصْر
مستورين وَهَذَا اخْتَارَهُ الْغَزالِيّ (4) وَأَشَارَ
إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (5) أَيْضا
قَالَ وَيبعد فِي حق الرَّاوِي أَن يعرف حَاله كل من روى لَهُ
خَبرا فيكتفي بتعديل الْأَئِمَّة بعد أَن يعرف مَذْهَبهم (6)
فِي التَّعْدِيل مَذْهَب مُسْتَقِيم فَإِن النَّاس قد
اخْتلفُوا فِيمَا يعدل بِهِ ويجرح قَالَ الْأَنْبَارِي
وَالصَّحِيح عندنَا خلاف ذَلِك وَهَذَا تَقْلِيد مَحْض وَلَا
يكون الْمُحدث على بَصِيرَة من هَذَا الْحَال
وَرَأَيْت فِي جملَة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا الْحَافِظ عبد
الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي أَنه إِذا ورد تَعْدِيل وَاحِد من
الْحفاظ وتجريحه كيحيى بن معِين وَغَيره فَإِن كَانَ الرجل من
أهل النَّقْد
(3/329)
والمعرفة فَعَلَيهِ أَن ينظر فِيهِ ويتأمله
بعده ويختار من أَقْوَال النَّاس وَمن (1) لم يكن من هَذِه
الْمنزلَة فَلهُ تَقْلِيد يحيى وَغَيره
236 - (قَوْله) وَتوسع ابْن عبد الْبر فَقَالَ كل حَامِل علم
إِلَى آخِره (4 5 6 7 8 9 10 النَّاس لست ارى مَا قَالَه أَبُو
عمر إِلَّا مرضيا
(3/330)
قَالَ وَقد جعل ذَلِك إِسْمَاعِيل بن
إِسْحَاق القَاضِي (1) تعديلا جَائِزا فِي قبُول الشَّهَادَة
وَهِي أضيق من الْخَبَر (أ 132) وَاكْتفى فِي قبُول
الشَّهَادَة بِطَلَبِهِ الْعلم مَعَ السَّلامَة من الْجرْح
ثمَّ سَاق ذَلِك بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ من عدله رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى مِمَّن عدلته قَالَ
الشَّيْخ وَلَو أَن مستوري الْحَال فِي دينهما تَعَارضا فِي
نقل خبر وَأَحَدهمَا مَعْرُوف بِطَلَب الحَدِيث وكتابته
وَالْآخر لَيْسَ كَذَلِك لكَانَتْ النَّفس إِلَى قبُول خبر
الطَّالِب اميل وَلَا معنى لهَذِهِ الْمعرفَة إِلَّا مزية طلبا
لعلم انْتهى
وَقد يتَوَقَّف فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على مَا
قَصده ابْن عبد الْبر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن قَوْله يحمل
وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْخَبَر إِلَّا أَن مَعْنَاهُ الْأَمر
وَلَا يجوز أَن يكون خَبرا مَحْضا وَإِلَّا لتطرق إِلَيْهِ
الْخلف وَهُوَ مُخَالف لِأَنَّهُ قد يحملهُ غير عدل فِي
الْوَاقِع وَلِأَن كثيرا من الْعُدُول لَا يحملونه وَحِينَئِذٍ
فَلَا حجَّة فِيهِ لَا سِيمَا على الرِّوَايَة الَّتِي سيحكيها
عَن كتاب الرحلة للْمُصَنف
الثَّانِي أَن ابْن عبد الْبر نَفسه قَالَ فِي كتاب جَامع
بَيَان الْعلم إِن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن أُسَامَة وَأبي
هُرَيْرَة بأسانيد كلهَا مضطربة غير مُسْتَقِيمَة (2) هَذَا
لَفظه وَكَذَا
(3/331)
قَالَ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة
وَلَو اعْترض بِهِ على الشَّيْخ لَكَانَ أولى
الثَّانِي أَن هَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ مَرْفُوعا من من
حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود
وَعبد الله بن عَمْرو وَابْن عمر وَأبي أُمَامَة وَجَابِر بن
سَمُرَة وَأُسَامَة بن زيد وأسانيدها ضَعِيفَة وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ لَا يَصح مَرْفُوعا إِنَّمَا هُوَ عَن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري (1) عَن (2) النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ابْن عدي رَوَاهُ الثِّقَات
عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن
العذري قَالَ ثَنَا الثِّقَة من أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَذكره (3)
وَأوردهُ الْعقيلِيّ (4) فِي الضفعاء فِي تَرْجَمَة معَان بن
رِفَاعَة (5) وَقَالَ لَا يعرف إِلَّا بِهِ (6) انْتهى وَهُوَ
مُرْسل أَو معضل (7) ضَعِيف وَإِبْرَاهِيم الَّذِي أرْسلهُ
قَالَ فِيهِ
(3/332)
ابْن الْقطَّان لَا نعرفه الْبَتَّةَ فِي
شَيْء من الْعلم غير هَذَا وَلم يضعوا اسْمه فِي تواريخهم
قلت ذكره الْحسن بن عَرَفَة (1) فِي الصَّحَابَة حَكَاهُ عَنهُ
أَبُو نعيم لكنه قَالَ لم يُتَابع عَلَيْهِ (2)
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي صحبته نظر
وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين (3) فَحصل أَنه
إِمَّا تَابِعِيّ ثِقَة (أم) (4) مَشْكُوك فِي صحبته بل فِي
كتاب الْعِلَل للخلال أَن أَحْمد بن حَنْبَل سُئِلَ عَن هَذَا
الحَدِيث فَقيل لَهُ كَأَنَّهُ كَلَام مَوْضُوع فَقَالَ لَا
هُوَ صَحِيح فَقيل لَهُ مِمَّن سمعته فَقَالَ من غير وَاحِد
فَقيل من هم فَقَالَ حَدثنِي بِهِ مِسْكين إِلَّا أَنه يَقُول
عَن معَان عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ أَحْمد
وَمَعَان لَا بَأْس بِهِ ووثقة ابْن الْمَدِينِيّ (5)
قَالَ ابْن الْقطَّان وخفي على أَحْمد من أمره مَا علمه غَيره
ثمَّ ذكر تَضْعِيفه عَن
(3/333)
ابْن معِين وَابْن أبي حَاتِم وَالسَّعْدِي
وَابْن عدي وَابْن حبَان وَقَالَ عبد الْحق حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أحسن من عبد الله بن عَمْرو ونازعه ابْن الْقطَّان
فِي ذَلِك وَفِيمَا صَار إِلَى من تَضْعِيفه نظر فَإِنَّهُ
يتقوى بِتَعَدُّد طرقه وَمن شواهده كتاب عمر إِلَيّ أبي مُوسَى
الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلودا فِي حد أَو
مجربا عَلَيْهِ شَهَادَة زور (1) أَو ظنينا فِي وَلَاء أَو نسب
(2)
الثَّالِث الْمَشْهُور فِي لفظ هَذَا الحَدِيث يحمل بِفَتْح
الْفَاء وَضم الْعين من عدوله على أَنه جمع عدل وَرَأَيْت فِي
رحْلَة ابْن الصّلاح [بِخَطِّهِ] (3) مِمَّا نَقله
(3/334)
من كتاب مَنَاقِب مُحَمَّد بن كرام جمع
مُحَمَّد الهيصم وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ سَمِعت أَبَا
جَعْفَر بن أَحْمد بن جَعْفَر (1) يَقُول سَمِعت أَبَا عَمْرو
مُحَمَّد (2) بن أَحْمد التَّمِيمِي (3) يروي هَذَا الحَدِيث
بِإِسْنَادِهِ فيضم الْيَاء من قَوْله يحمل على أَنه فعل لم
يسم فَاعله وَيرْفَع الْمِيم من الْعلم وَيَقُول عدولة وبالتاء
(4) وَمَعْنَاهُ أَن الْخلف هُوَ العدولة بِمَعْنى أَنه عَادل
كَمَا نقُول شكور بِمَعْنى شَاكر وَتَكون الْهَاء
للْمُبَالَغَة (أ 133) وَالْمعْنَى أَن الْعلم يحمل عَن (5) كل
خلف كَامِل فِي عَدَالَته وَأما أَبُو بكر الْمُفِيد (6)
فَقَالَ حفظت عَنهُ يحمل بِفَتْح الْيَاء من كل خلف عدوله
بِضَم الْعين وَاللَّام وَذكر أَنه رِوَايَة انْتهى
وَأما قَوْله خلف فِي الرِّوَايَة بتحريك اللَّام وَيسْتَعْمل
فِي الْخَيْر يُقَال فلَان خلف صدق وَأما فِي الشَّرّ فَيُقَال
خلف (7) قَالَ لبيد (وَبقيت فِي خلف كَجلْد الأجرب (8)
(3/335)
قَالَ الْخطابِيّ وَمن روى الحَدِيث
بِسُكُون اللَّام فقد أحَال (1) 237 - (قَوْله) الثَّانِيَة
يعرف كَون الرَّاوِي ضابطا إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 8 عَن
أَكثر الصَّحَابَة لتعذر
(3/336)
هَذَا الْمَعْنى قَالَ (1) وَهَذَا
الشَّرْط وَإِن كَانَ على مَا بَينا فَإِن أَصْحَاب الحَدِيث
قل مَا يعتبرونه فِي حق الطِّفْل دون الْمُغَفَّل فَإِنَّهُ
مَتى صَحَّ عِنْدهم سَماع الطِّفْل أَو حُضُوره أَجَازُوا
رِوَايَته وَالْأول أحوط اللدين وَأولى (2)
238 - (قَوْله) التَّعْدِيل مَقْبُول من غير ذكر سَببه إِلَى
آخِره (5 6 7 سَببهَا للمعنيين السَّابِقين
(3/337)
وَثَالِثهَا لَا يجب فيهمَا لِأَن
الْمُزَكي إِن كَانَ بَصيرًا قبل جرحه وتعديله وَإِلَّا فَلَا
وَهُوَ قَول القَاضِي أبي بكر وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ
إِن كَانَ الْمُزَكي عَالما بِأَسْبَاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل
اكتفينا بِإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا (1) وَالْمُخْتَار مَا
قَالَه الْغَزالِيّ أَنه ينظر فِي مَذَاهِب الجارحين والمزكين
فَإِن كَانَت مُخْتَلفَة توقفنا عَن قبُول الْجرْح حَتَّى
يتَبَيَّن وَجهه وَمَا كَانَ مُطلقًا أَو غير مُقَيّد فَلَا
يجرح بِهِ وَمَا يَنْبَغِي فِي الْجَارِح والمعدل أَن يكون
عَالما باخْتلَاف الْمذَاهب فِي ذَلِك فيجرح عِنْد كل حَاكم
بِمَا يرَاهُ ذَلِك الْحَاكِم جرحا فيجرح عِنْد الْمَالِكِي
بِشرب النَّبِيذ متأولا لِأَنَّهُ يرَاهُ قادحا دون غَيره
وَإِذ لَو لم يعْتَبر ذَلِك لَكَانَ الْجَارِح أَو الْمعدل
عَار لبَعض الْحُكَّام حَتَّى يحكم بقول من لَا يرى قبُول
قَوْله وَهُوَ نوع من الْغِشّ محرم (2)
239 - (قَوْله) وَلذَلِك احْتج البُخَارِيّ بِجَمَاعَة إِلَى
آخِره
مَا ذكره من أَن احتجاجه بهؤلاء لِأَنَّهُ لم يُفَسر جرحهم
مَرْدُود بل الصَّوَاب أَن يُقَال إِنَّمَا احْتج بهم
لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده الْجرْح وَإِن فسر لِأَنَّهُ قد
جَاءَ التَّفْسِير فيهم (أ 134) أما عِكْرِمَة فَقَالَ ابْن
عمر لنافع لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على ابْن
عَبَّاس (3)
(3/338)
وَفِي الْأَنْسَاب لمصعب الزبيرِي أَن
سَبَب ذَلِك فِي عِكْرِمَة أَنه (1)
إِلَى ابْن عَبَّاس فَقيل ذَلِك (2)
وَأما عَاصِم (3) فَقَالَ ابْن معِين كَذَّاب كَذَّاب وَقَالَ
مُسلم كثير الْمَنَاكِير وَقَالَ ابْن سعد لَيْسَ
بِالْمَعْرُوفِ كثير الْخَطَأ فِي حَدِيثه (4)
وَأما عَمْرو بن مَرْزُوق فنسبه أَبُو الْوَلِيد (5)
الطَّيَالِسِيّ إِلَى الْكَذِب (6)
(3/339)
وَأما ابْن سعيد (1) فمعروف بالتلقين
وَقَالَ ابْن معِين كَذَّاب سَاقِط (2)
وَأما إِسْمَاعِيل (3) فَيُقَال إِنَّه أقرّ على نَفسه
بِالْوَضْعِ كَمَا حَكَاهُ النَّسَائِيّ عَن
(3/340)
سَلمَة بن شبيب عَنهُ وَقَالَ النَّضر بن
سَلمَة كَذَّاب (1)
إِلَى غير ذَلِك من كَلَام الْأَئِمَّة فِي الرِّجَال
الْوَاقِعَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالَّذِي يزيح الْإِشْكَال
مَا قدمْنَاهُ من أَنه لم يثبت عِنْده الْجرْح (2) وَلِهَذَا
قَالَ إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع (3) سَأَلت مَالك بن أنس قلت
أبلغك أَن ابْن عمر قَالَ لنافع لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب
عِكْرِمَة على ابْن عَبَّاس قَالَ لَا وَلَكِن بَلغنِي أَن
سعيد بن الْمسيب قَالَ ذَلِك لبرد مَوْلَاهُ (4) وعَلى
تَقْدِير ثُبُوت التَّفْسِير فَلَا شكّ أَن فِي الْجرْح
وَالتَّعْدِيل ضَرْبَيْنِ (5) من الِاجْتِهَاد وأئمة النَّقْل
يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَكْثَر فبعضهم يوثق الرجل إِلَى
(3/341)
الْغَايَة وَبَعْضهمْ يوهنه إِلَى
الْغَايَة وهما إمامان إِلَيْهِمَا الْمرجع فِي هَذَا الشَّأْن
قَالَ التِّرْمِذِيّ اخْتلف الْأَئِمَّة من أهل الْعلم فِي
تَضْعِيف الرِّجَال كَمَا اخْتلفُوا فِيمَا سوى ذَلِك من
الْعلم فَذكر عَن شُعْبَة أَنه ضعف أَبَا (1) الزبير
الْمَكِّيّ (2) وَعبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان (3) وَحَكِيم
بن جُبَير (4) وَترك الرِّوَايَة عَنْهُم ثمَّ حدث شُعْبَة
عَمَّن هُوَ
(3/342)
دونهم فِي الْحِفْظ وَالْعَدَالَة كجابر
(1) الْجعْفِيّ (2) وَإِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري (3)
وَمُحَمّد بن عبيد ال (4) لَهُ الْعَرْزَمِي (5)
(3/343)
وَحِينَئِذٍ (1) فَلَا يكون إِمَام مِنْهُم
حجَّة على الآخر فِي قبُول رِوَايَة راو أوردهُ (2) فَهَذَا
[مُحَمَّد بن] (3) إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي قَالَ فِيهِ أَحْمد
بن حَنْبَل يروي مَنَاكِير (ذكر) (4) ذَلِك الْبَاجِيّ فِي
رجال البُخَارِيّ (5) وَكَذَا الْعقيلِيّ (6) وَقَالَ فِيهِ
ابْن
(3/344)
الْحذاء تكلم فِيهِ أهل الحَدِيث وَمَعَ
هَذَا فاتفق أَئِمَّة الْإِسْلَام كمالك وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَغَيرهم على الرِّوَايَة عَنهُ (1) وَحَدِيث إِنَّمَا
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ إِنَّمَا مَدَاره عَلَيْهِ وَقد
تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ لموافقته الْأُصُول فَلَا
يَجْعَل قَول أَحْمد - وَإِن كَانَ إِمَام هَذَا الشَّأْن -
حجَّة على مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهم من
الْأَئِمَّة (2) كَمَا لَا يكون قَول بعض الْأَئِمَّة حجَّة
على بعض فِي الْمسَائِل الاجتهادية وَلَو ذهب الْعلمَاء إِلَى
ترك كل من تكلم فِيهِ لم يبْق بأيدي أهل هَذَا (3) الشَّأْن من
الحَدِيث إِلَّا
(3/345)
الْيَسِير بل لم يبْق شَيْء وَمن الَّذِي
ينجو من النَّاس سالما وَلِلنَّاسِ قَالَ بالظنون وَقيل (1)
وَأَيْضًا فللبخاري أَن يَقُول إِنَّمَا شرطي صِحَة الحَدِيث
للاتفاق على عَدَالَة الروَاة فقد يكون الحَدِيث لَهُ طرق
بَعْضهَا أرفع من بعض فيعدل عَن الطَّرِيق الْأَصَح لنزوله (2)
أَو لقصد تكْرَار الطّرق أَو غَيرهَا وَقد صرح مُسلم بِنَحْوِ
ذَلِك فَقَالَ أَبُو عُثْمَان سعيد بن عَمْرو (3) سَمِعت (4)
أَبَا زرْعَة الرَّازِيّ - وَقد ذكر لَهُ كتاب الصَّحِيح
الَّذِي أَلفه مُسلم - فَقَالَ هَؤُلَاءِ قوم أَرَادوا
التَّقَدُّم قبل أَوَانه فعملوا فِيهِ شيئايتشرفون بِهِ وألفوا
كتبا لم يسْبقُوا إِلَيْهَا ليقيموا لأَنْفُسِهِمْ رئاسة قبل
وَقتهَا وَأَتَاهُ ذَات (أ 135) يَوْم وَأَنا شَاهد رجل
بِكِتَاب الصَّحِيح رِوَايَة مُسلم فَجعل ينظر فِيهِ فَإِذا
هُوَ قد حدث عَن أَسْبَاط بن نصر (5) فَقَالَ أَبُو زرْعَة مَا
أبعد (6) هَذَا من
(3/346)
الصَّحِيح يدْخل فِي كِتَابه أَسْبَاط بن
نصر ثمَّ رأى فِيهِ قطن بن نسير (1) فَقَالَ لي هَذَا أَطَم
(2) من الأول قطن بن نسير وصل أَحَادِيث عَن ثَابت (3) جعلهَا
عَن أنس ثمَّ نظر وَقَالَ يروي عَن أَحْمد بن عِيسَى (4) فِي
كتاب الصَّحِيح قَالَ لي أَبُو زرْعَة مَا رَأَيْت أهل مصر
يَشكونَ فِي أَن أَحْمد بن عِيسَى وَأَشَارَ أَبُو زرْعَة
إِلَى لِسَانه - كَأَنَّهُ يَقُول الْكَذِب ثمَّ قَالَ لي يحدث
عَن هَؤُلَاءِ وَيتْرك مُحَمَّد بن عجلَان ونظراءه
قَالَ ورأيته يذم من وضع هَذَا الْكتاب فَلَمَّا رجعت (5)
إِلَى نيسابور فِي الْمرة الثَّانِيَة ذكرت لمُسلم بن
الْحجَّاج إِنْكَار أبي زرْعَة عَلَيْهِ فَقَالَ لي مُسلم
إِنَّمَا قلت صَحِيح وَإِنَّمَا أدخلت من حَدِيث اسباط بن نصر
وقطن بن نسير وَأحمد مَا قد رَوَاهُ الثِّقَات عَن شيوخهم
إِلَّا أَنه رُبمَا وَقع إِلَيّ عَنْهُم بارتفاع وَيكون
عِنْدِي من رِوَايَة من هُوَ أوثق مِنْهُم بنزول فأقتصر على
الأول (6) وَاصل الحَدِيث مَعْرُوف من رِوَايَة
(3/347)
الثِّقَات (1) انْتهى
وَهَذِه فَائِدَة جليلة أزالت الْإِشْكَال وَعرف بهَا عذر
الرجل بالتنصيص لَا بالتخرص وَعلم أَن إِلْزَام من ألزمهما
تَخْرِيج (2) أَحَادِيث تركاها من رِوَايَة رجال رووا عَنْهُم
وَقع فيهم الْكَلَام غير لَازم لما ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ قد
لَا يصحبها (3) من أصل الصِّحَّة مَا صَحَّ (4) ب مَا
أَخْرجَاهُ من حَدِيث أُولَئِكَ الرِّجَال
وَهَا هُنَا فَائِدَة جليلة وَهُوَ مَا جرت بِهِ عَادَة كثير
من الْمُتَأَخِّرين فِي الرجل إِذا روى لَهُ البُخَارِيّ
وَمُسلم وَقد تكلم فِيهِ أَن يعتمدوه ويقولوا قد جَازَ القنطرة
قَالَ الشَّيْخ وَهَكَذَا نعتقده (5) وَبِه نقُول وَجرى على
ذَلِك الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج (د 81) الْمزي والذهبي
وَغَيرهم مِمَّا يظْهر من تصرفهم
وَنَازع فِي ذَلِك الإِمَام النَّاقِد شمس الدّين مُحَمَّد بن
عبد الْهَادِي (6) وَقَالَ
(3/348)
الْحق أَن هَذَا القَوْل غير مَقْبُول على
الْإِطْلَاق بل الْكَلَام فِي الرجل من رجال الصَّحِيح تَارَة
لَا يكون مؤثرا فِيهِ ككلام النَّسَائِيّ فِي أَحْمد بن صَالح
الْمصْرِيّ (1) وَتارَة يكون مؤثرا كيحيى بن أَيُّوب
الْمصْرِيّ (2) ونعيم بن حَمَّاد (3) وسُويد بن
(3/349)
سعيد (1) وَغَيرهم فَإِذا انْفَرد وَاحِد
مِنْهُم واشتهر الْكَلَام فِيهِ أَو ضعفه أَكثر الْأَئِمَّة
(3/350)
بِحَدِيث فِي الْحَلَال وَالْحرَام لم
يحْتَج بِهِ وَأَصْحَاب الصَّحِيح إِذا رووا لمن تكلم فِيهِ
وَضعف فَإِنَّهُم يثبتون من حَدِيثه مَا لم ينْفَرد بِهِ بل
وَافق فِيهِ الثِّقَات وَقَامَت شَوَاهِد صدقه قَالَ وَفِي
هَذَا الْموضع يعرض الْغَلَط لطائفتين من النَّاس إِحْدَاهمَا
(1) يرَوْنَ الرجل قد أخرج لَهُ فِي الصَّحِيح فيحكمون
بِصِحَّة كل مَا رَوَاهُ حَيْثُ رَأَوْهُ (2) فِي حَدِيث
قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط الصَّحِيح
وَهُوَ غلط فَإِن ذَلِك الحَدِيث قد يكون مِمَّا أنكر عَلَيْهِ
من حَدِيثه أَو يكون شاذا أَو مُعَللا فَلَا يكون من شَرط
أَصْحَاب الصَّحِيح بل وَلَا يكون حسنا وَقد أخرج البُخَارِيّ
حَدِيث جمَاعَة ونكب (3) على بضعهَا خَارج الصَّحِيح
وَالثَّانيَِة يرَوْنَ الرجل قد تكلم فِيهِ وَقد ضعف فيجعلون
مَا قيل فِيهِ من كَلَام الْحفاظ مُوجبا لترك جَمِيع مَا
رَوَاهُ ويضعفون مَا صَحَّ من حَدِيثه لطعن من طعن فِيهِ كَمَا
يَقُول ابْن حزم ذَلِك فِي إِسْرَائِيل (4) (أ 136) وَغَيره من
الثِّقَات وَكَذَلِكَ ابْن
(3/351)
الْقطَّان يتَكَلَّم فِي أَحَادِيث
كَثِيرَة قد أخرجت فِي الصَّحِيح لطعن من طعن فِي رواتها
وَهَذِه طَريقَة ضَعِيفَة وسالكها قَاصِر فِي معرفَة الحَدِيث
وذوقه عَن معرفَة
(3/352)
الْأَئِمَّة وذوقهم انْتهى
وَيشْهد لَهُ الْحِكَايَة الَّتِي أوردناها عَن مُسلم - رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ (1)
ويلتحق بذلك أَمر ثَالِث وَهُوَ أَن يرَوْنَ الرجل ترك
الشَّيْخَانِ حَدِيثه فيجعلون ذَلِك قدحا فِيهِ وَهَذَا ظَاهر
تصرف الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه السّنَن والمعرفة كثيرا مَا
يُعلل الْأَحَادِيث بِأَن رواتها لم يخرج لَهُم الشَّيْخَانِ
وَالْحق أَنه لَا يدل على ذَلِك كَمَا لَا يدل تَركهمَا مَا لم
يخرجَا من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة على ضعفها وَبِه صرح
الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل وَقَالَ تَركه الرِّوَايَة عَن
حَمَّاد بن سَلمَة وَنَحْوه كتركه كثيرا من الْأَحَادِيث
الصَّحِيحَة على شَرطه لَا لِضعْفِهَا وإسقاطها وَقَالَ
الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه الْمدْخل
أَيْضا وعَلى مصنفاتهم فِي الْعِلَل وسؤالاتهم يعْتَمد فِي
الْجرْح وَالتَّعْدِيل لَا على كتاب بنوا فِيهِ على أصل وشرطوا
لأَنْفُسِهِمْ فِيهِ شُرُوطًا انْتهى
240 - (قَوْله) فَقَالَ مَا يصنع بِصَالح (11 هَكَذَا فِي اصل
موثوق بِهِ فِيهِ سَماع الْخَطِيب (2)
(3/353)
241 - (قَوْله) وَلقَائِل أَن يَقُول إِلَى
آخِره (2 3 4 5 6 7 8 9 10 ذَلِك بِنَاء على أَنه فِي نفس
الْأَمر قَادِح على مَا عرف
(3/354)
242 - (قَوْله) فَمنهمْ من قَالَ لَا يثبت
ذَلِك إِلَّا بِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَات (3 4 5 6 7
أُمُور
(3/355)
أَحدهَا مَا جزم بِهِ من تَقْدِيم الْجرْح
يَقْتَضِي تَخْصِيص الْقطع بِمَا إِذا اسْتَوَى الْجَارِح
والمعدل بِدَلِيل قَوْله بعد فَإِن كَانَ عدد المعدلين أَكثر
فقد قيل إِلَى آخِره فَدلَّ على أَن الأول لَا خلاف فِيهِ
وَكَذَا ذكره ابْن عَسَاكِر (1) أَيْضا فَقَالَ فِي حَدِيث
الأطيط (2) أجمع أهل الْعلم على تَقْدِيم قَول من جرح رَاوِيا
على قَول
(3/356)
من عدله انْتهى
(3/357)
وَيَنْبَغِي تَنْزِيل كَلَام ابْن عَسَاكِر
على ذَلِك (1)
(3/358)
الثَّانِي فَاتَهُ من (أ 137) الْخلاف
حِكَايَة قَول أَنه إِذا لم يزدْ يتعارضان وَلَا يرجح أَحدهمَا
إِلَّا بمرجح حَكَاهُ ابْن الْحَاجِب (1) وَقيل يرجح بالأحفظ
الثَّالِث أَن تَقْدِيم الْجَارِح مَشْرُوط عِنْد الْفُقَهَاء
بِأَن يُطلق القَوْل فَإِن قَالَ الْمعدل عرفت السَّبَب
الَّذِي ذكره الْجَارِح لكنه تَابَ وَحسنت حَالَته (2)
فَإِنَّهُ يقدم الْمعدل وَكَذَلِكَ لَو عين (3) الْجَارِح
سَببا فنفاه الْمعدل بطرِيق مُعْتَبر كَمَا إِذا قَالَ قتل
فلَانا ظلما وَقت كَذَا فَقَالَ الْمعدل رَأَيْته حَيا بعد
ذَلِك أَو كَانَ الْقَتِيل فِي ذَلِك الْوَقْت عِنْدِي لَكِن
هُنَا يتعارضان فيتساقطا وَيبقى أصل الْعَدَالَة ثَابتا
وَيحْتَمل أَن يُقَال بِتَقْدِيم قَول الْمعدل لِأَن السَّبَب
الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ الْجَارِح قد تبين بُطْلَانه
فَكَأَنَّهُ لم يكن وَيبقى التَّعْدِيل (مُسْتقِلّا وَالْحكم)
(4) وَاحِدًا غير (5) أَن على هَذَا الِاحْتِمَال يكون ثُبُوت
عَدَالَته بِالْأَصَالَةِ وَذكر ابْن الرّفْعَة (6) مَسْأَلَة
أُخْرَى وَهِي مَا لَو شَهدا بجرحه بِبَلَد ثمَّ انْتقل إِلَى
غَيره فعدله آخرَانِ فها هُنَا يقدم التَّعْدِيل كَذَا أطلقهُ
وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَ بَين انْتِقَاله من
الأول إِلَى الثَّانِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَإِلَّا فَلَا
يقدم
الرَّابِع هَذَا كُله إِذا فسر الْجرْح فَأَما لَو تعَارض
الْجرْح وَالتَّعْدِيل غير مفسرين فالمقدم التَّعْدِيل قَالَه
الْحَافِظ الْمزي وَغَيره (7)
(3/359)
الْخَامِس أَن تَقْدِيم الْجرْح مَحَله -
كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن الخزرجي (1) فِي كتاب تقريب المدارك
- إِذا كَانَ الْجَارِح قد علم مَا لم يعلم الْمعدل قَالَ
فَأَما إِذا اخْتلفُوا فِيمَا ينْسب إِلَى الرَّاوِي كَقَوْل
النَّسَائِيّ فِي سماك (2) إِنَّه يقبل التَّلْقِين وَقَالَ
غَيره قد عرضت حَدِيثه على رِوَايَة غَيره من الثِّقَات
فوافقها فَلَا يكون أَحدهمَا حجَّة على الآخر بل هَذَا الَّذِي
عرض حَدِيثه وَنظر فِيهِ قد علم مَا لم يعلم المجرح وَقَالَ
وَلِهَذَا احْتج مُسلم بسماك فَلَا يكون النَّسَائِيّ حجَّة
عَلَيْهِ (3) قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا اخْتلفُوا فِيمَا يظْهر من
الرَّاوِي هَل هُوَ جرح أم لَا لَا يقدم أَحدهمَا على الاخر
(3/360)
السَّادِس هَذَا فِيمَا إِذا تَعَارضا (1)
من قائلين فَأَما إِذا تَعَارضا من قَائِل وَاحِد فَلم أر من
تعرض لَهُ وَهَذَا يتَّفق ليحيى بن معِين وَغَيره يرْوى عَنهُ
تَضْعِيف الرجل مرّة وتوثيقه أُخْرَى وَكَذَا ابْن حبَان
يذكرهُ فِي الثِّقَات مرّة ويدخله فِي الضُّعَفَاء (أُخْرَى)
(2) (3)
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل
وَهَذَا لِأَنَّهُ قد يخْطر على قلب المسؤول (د / 82) عَن
الرجل من حَاله فِي الحَدِيث وقتا مَا يُنكره قلبه فَيخرج
جَوَابه على حسب الفكرة الَّتِي فِي قلبه ويخطر لَهُ مَا
يُخَالِفهُ فِي وَقت آخر فيجيب عَمَّا يعرفهُ فِي الْوَقْت
مِنْهُ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِك بتناقض وَلَا إِحَالَة وَلكنه صدر
عَن حَالين مُخْتَلفين عرض أَحدهمَا فِي وَقت والاخر فِي غَيره
قلت وَالظَّاهِر فِي هَذِه الْحَالة أَنه إِن ثَبت تَأَخّر أحد
الْقَوْلَيْنِ عَن الْأُخَر فَهُوَ الْمَعْمُول (بِهِ) (4)
وَإِلَّا وَجب التَّوَقُّف كَمَا سبق (5)
244 - (قَوْله) فَإِن كَانَ عدد المعدلين أَكثر فقد قيل
التَّعْدِيل (6) أولى (11 وَاجِب كَمَا فِي تعَارض
(3/361)
الْحَدِيثين والأمارتين (أ 138)
وَالصَّحِيح تَقْدِيم الْجرْح لما ذكرنَا يَعْنِي لِأَن
تَقْدِيم الْجرْح إِنَّمَا هُوَ لتَضَمّنه زِيَادَة خفيت على
الْمعدل وَذَلِكَ مَوْجُود مَعَ زِيَادَة عدد الْمعدل ونقصه
ومساواته فَلَو جرحه وَاحِد وعدله (1) مائَة قدم قَول
الْوَاحِد لذَلِك (2)
245 - (قَوْله) فِي السَّادِسَة إِذا قَالَ حَدثنِي الثِّقَة
لم يكتف (5 6 بالِاتِّفَاقِ عِنْد الشَّافِعِي وَأَصْحَابه
فَإِذا قَالَ
(3/362)
شَاهد الْفَرْع أشهدني شَاهد أصل أشهد
بعدالته وثقته أَنه شهد بِكَذَا لم يسمع ذَلِك وفَاقا حَتَّى
يُعينهُ الْحَاكِم ثمَّ الْحَاكِم إِن علم عَدَالَة شَاهد
الأَصْل عمل بِمُوجب الشَّهَادَة وَإِن جهل حَاله اشْتَركَا
(1) (2)
346 - (قَوْله) فَإِن كَانَ الْقَائِل لذَلِك عَالما أَجْزَأَ
ذَلِك فِي حق من يُوَافقهُ فِي مذْهبه على مَا اخْتَارَهُ بعض
الْمُحَقِّقين (5 6 7 بن أبي يحيى (4) (5)
(3/363)
وبمن لَا يتهم يحيى (1) بن حسان (2)
(3/364)
فَصَارَت (1) الْكِنَايَة كالتسمية قَالَ
وَقيل إِن الشَّافِعِي قَالَ ذَلِك احتجاجا لنَفسِهِ وَلم
يقلهُ احتجاجا على خَصمه وَله فِي حق نَفسه أَن يعْمل بِمَا
يَثِق بِصِحَّتِهِ هَذَا كَلَامه فِي القواطع (2) وَالصَّوَاب
الْقبُول إِن كَانَ من عَادَته لَا يروي إِلَّا عَن عدل
وَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا - شهد
عِنْدِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر (3) وَنَظِيره قَول
مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه حَدثنَا غير وَاحِد وَإِنَّمَا
قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ بلغ عِنْده مبلغ الاشتهار الَّذِي لَا
يحْتَاج مَعَه إِلَى تعْيين الْوَاسِطَة
وَهنا فَائِدَة ذكرهَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن
الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن عَاصِم الآبري السجْزِي (4) فِي
مَنَاقِب الشَّافِعِي سَمِعت بعض أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ
يَقُول إِذا
(3/365)
قَالَ الشَّافِعِي فِي كتبه أخبرنَا
الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب (1) فَهُوَ ابْن أبي فديك (2)
وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن اللَّيْث بن سعد [فَهُوَ
يحيى بن حسان] (3) وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن
الْوَلِيد بن كثير (4) فَهُوَ ابو أُسَامَة (5) وَإِذا قَالَ
أخبرنَا الثِّقَة عَن الْأَوْزَاعِيّ [فَهُوَ عَمْرو بن أبي
سَلمَة] (6) (7)
وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة
(8) فَهُوَ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى (5) انْتهى
(3/366)
وَذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي
أَمَالِيهِ عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ مَا
حدث بِهِ الشَّافِعِي فِي كِتَابه فَقَالَ حَدثنِي الثِّقَة
فَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ أبي قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا فِي
الْكتب الْقَدِيمَة أَكثر (1) انْتهى
وَسُئِلَ يحيى بن معِين إِن مَالِكًا يَقُول حَدثنِي الثِّقَة
فَمن هُوَ قَالَ مخرمَة ابْن بكير (2) قيل لَهُ لم قل حَدِيث
مَالك
قَالَ لِكَثْرَة تَمْيِيزه (3)
247 - (قَوْله) (أ 139) السَّابِعَة إِذا روى الْعدْل عَن رجل
وَسَماهُ لم تجْعَل رِوَايَته عَنهُ تَعْدِيل مِنْهُ (7 8 9 10
11 وَهُوَ الصَّحِيح
(3/367)
عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (1) وَجمع من
أَئِمَّة الحَدِيث (2) وَقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن
معِين لَا نبالي أَلا نسْأَل عَن رجل حدث عَنهُ مَالك حَكَاهُ
الخليلي (3)
وَيخرج من كَلَام أبي حَاتِم الرَّازِيّ مَذْهَب آخر فَإِنَّهُ
سَأَلَ أَبَاهُ عَن رِوَايَة الثِّقَات عَن رجل غير ثِقَة
مِمَّا يقويه فَقَالَ إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالضعف لم يقوه
رِوَايَته عَنهُ وَإِذا كَانَ مَجْهُولا لَا تَنْفَعهُ
رِوَايَة الثِّقَة عَنهُ ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم سَأَلت
أَبَا زرْعَة عَن رِوَايَة الثِّقَات عَن الرجل مِمَّا يُقَوي
حَدِيثه قَالَ إِي لعمري قلت الْكَلْبِيّ روى عَنهُ الثَّوْريّ
قَالَ إِنَّمَا ذَاك إِذا لم يتَكَلَّم فِيهِ الْعلمَاء
وَكَانَ الْكَلْبِيّ يتَكَلَّم فِيهِ قَالَ أَبُو زرْعَة
أخبرنَا (4) أَبُو نعيم (5) أَنا سُفْيَان أَنا مُحَمَّد بن
السَّائِب هُوَ الْكَلْبِيّ وَتَبَسم الثَّوْريّ قَالَ ابْن
أبي حَاتِم قلت لأبي مَا معنى رِوَايَة الثَّوْريّ عَن
الْكَلْبِيّ وَهُوَ غير ثِقَة عِنْده قَالَ كَانَ الثَّوْريّ
يذكر الرِّوَايَة عَن الرجل على الْإِنْكَار والتعجب فيعلقون
عَنهُ رِوَايَته وَلم تكن رِوَايَته عَن
(3/368)
الْكَلْبِيّ قبُوله لَهُ (1) انْتهى
وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا هُوَ الْمَذْهَب فِي رِوَايَة
الثِّقَات عَن الشَّخْص لَا فِي رِوَايَة الثِّقَة الْوَاحِد
الَّتِي هِيَ مَسْأَلَتنَا وَهَذِه الطَّرِيقَة يستعملها
الْبَزَّار فِي مُسْنده كثيرا فِي التَّعْدِيل فَيَقُول تفرد
بِهِ فلَان وَقد روى عَنهُ النَّاس
[تَنْبِيه]
هَل مَحل هَذَا الْخلاف الَّذِي حَكَاهُ المُصَنّف فِي
مَجْهُول الْعَدَالَة أَو فِي الْمَعْرُوف عينه وَقد جرحه قوم
وروى عَنهُ ثِقَة فِيهِ نظر (2) وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر
(3) بن خلفون (4) اخْتلف الْأَئِمَّة فِي رِوَايَة الثِّقَة
عَن الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف حَاله إِلَّا بِظَاهِر
الْإِسْلَام فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن رِوَايَة الثِّقَة
عَنهُ تعديلا وَذهب بَعضهم إِلَى أَن رِوَايَة الرجلَيْن عَنهُ
يُخرجهُ عَن حد الْجَهَالَة (5) وَإِن لم يعرف حَاله وَذهب
بَعضهم إِلَى أَن الْجَهَالَة لَا ترْتَفع عَنهُ بروايتهما
عَنهُ حَتَّى يعرف حَاله وتتحقق عَدَالَته وَهَذَا القَوْل
أولى عندنَا بِالصَّوَابِ انْتهى
(3/369)
[فَائِدَة]
الَّذِي عَادَته لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة ثَلَاثَة يحيى بن
سعيد وَشعْبَة وَمَالك قَالَه ابْن عبد الْبر (1) وَغَيره
وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ أحد بعد التَّابِعين آمن على
الحَدِيث (أ 140) من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَلَا أقل رِوَايَة
عَن الضُّعَفَاء مِنْهُم (2) وَلم يحدث مَالك عَن مَتْرُوك
إِلَّا عَن عبد الْكَرِيم أبي (3) أُميَّة روى (4) عَنهُ
حديثين وَعَن يحيى بن سعيد عَن عبد الْغفار بن الْقَاسِم (5)
(3/370)
وَعبد الْغفار مَتْرُوك وَعَاصِم بن عبيد
الله (1) وَعَمْرو بن أبي عَمْرو وَلم يرو عَنْهُمَا من
الْأَحْكَام شَيْئا وكل من روى عَنهُ مَالك سوى هَؤُلَاءِ
فَهُوَ فيهم حجَّة (3)
(3/371)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (فِي الْمدْخل
انْفَرد (1) من الْأَئِمَّة عَن الرِّوَايَة عَن الضُّعَفَاء
كمالك بن أبي مَرْيَم (2) وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد
الرَّحْمَن بن مهْدي وَغَيرهم وَقد يُوجد فِي رِوَايَة بَعضهم
الرِّوَايَة) (3) عَن بعض الضُّعَفَاء بخفائها عَلَيْهِ وظهوره
لغيره كَرِوَايَة مَالك عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق
(4) وَهُوَ عِنْد غَيره ضَعِيف (انْتهى)
وَحكى الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي عَن تَارِيخ قرطبة أَن
بَقِي بن مخلد قَالَ كل من رويت عَنهُ فَهُوَ ثِقَة وَمن
تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول إِذا
حدث الشّعبِيّ عَن رجل فَسَماهُ فَهُوَ ثِقَة (5) يحْتَج
بحَديثه
248 - (قَوْله) وَهَكَذَا نقُول إِن عمل الْعَالم (6) أَو
فتياه على وفْق حَدِيث لَيْسَ حكما مِنْهُ بِصِحَّة ذَلِك
الحَدِيث (9 (د 83) أَو لدَلِيل آخر وَافق ذَلِك
(3/372)
الحَدِيث وَقَضيته طرد الْخلاف السَّابِق
فِيهِ وَبِه صرح إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان فَحكى
قَوْلَيْنِ فِي أَنه تَعْدِيل لَهُ أَولا ثمَّ اخْتَار توسطا
وَهُوَ أَنه إِن ظهر مُسْتَند فعله مَا رَوَاهُ وَلم يكن ذَلِك
من مسالك الِاحْتِيَاط فَهُوَ تَعْدِيل وَإِلَّا فل (1) اوأطلق
فِي الْمَحْصُول أَنه تَزْكِيَة إِلَّا أَن يُمكن حمله على
الِاحْتِيَاط أَو الْعَمَل بِدَلِيل آخر وَافق الْخَبَر (2)
وَاعْلَم أَن شَيخنَا ابْن كثير استدرك على كَلَام ابْن
الصّلاح فَقَالَ وَفِي هَذَا نظر إِذا لم يكن فِي الْبَاب (3)
غير ذَلِك الحَدِيث إِذا تعرض للاحتجاج بِهِ فِي فتياه إِن
حكمه وَاسْتشْهدَ بِهِ عِنْد الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ (4)
وَهَذَا مِنْهُ عَجِيب لِأَن ذَلِك لم يلاق كَلَام ابْن
الصّلاح فإ كَلَامه مَفْرُوض فِي غير هَذِه الْحَالة وَانْظُر
قَوْله عمل الْعَالم على وفْق حَدِيث لَيْسَ حكما بِصِحَّة
ذَلِك الحَدِيث فَعلم أَن كَلَامه فِيمَا إِذا لم يظْهر أَن
ذَلِك مُسْتَنده وَنَظِير ذَلِك الْخلاف الأصولي فِي
الْإِجْمَاع الْمُوَافق لخَبر هَل يجب أَن يكون عَنهُ
(3/373)
249 - (قَوْله) أَحدهمَا الْمَجْهُول
للعدالة من حَيْثُ الظَّاهِر وَالْبَاطِن جَمِيعًا وَرِوَايَته
غير مَقْبُولَة عِنْد الجماهير (3 4 5 6 7 ابْن الصّلاح
بِالْخِلَافِ فِي هَذَا الْقسم كَمَا يَنْبَغِي وَذكر إِمَام
الْحَرَمَيْنِ أَن الْمُحدثين ترددوا
(3/374)
فِي (1) رِوَايَته وَأَن الَّذِي صَار
إِلَيْهِ المعتبرون من الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا لَا تقبل
قَالَ وَهَذَا الْمَقْطُوع بِهِ عندنَا وَمَا ذَكرْنَاهُ من
إِطْلَاق الْعَمَل فِي كثير من كتب الحَدِيث لَا بُد فِيهِ من
قيد وَهُوَ أَن يروي عَنهُ راويان فَأكْثر وَإِلَّا فَهُوَ
مَجْهُول الْعين وَكَأَنَّهُ اسْتغنى عَن ذَلِك بِأَنَّهُ
لَيْسَ الْكَلَام فِي مَجْهُول الْعين (2)
وَمَا أَشَارَ إِلَى تَصْحِيحه صرح بِتَصْحِيحِهِ الْمُحب
الطَّبَرِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة شرح مُسلم
احْتج بِهَذَا الْقسم (أ 141) وَالَّذِي بعده كثير من
الْمُحَقِّقين (3) وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب
الْحَنَفِيَّة قَالَ المارودي وَالرُّويَانِيّ إِذا كَانَت
عَدَالَة الرَّاوِي شرطا فِي الْحجَّة فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال
أَحدهمَا أَن يعلم عَدَالَته فَيحكم بِصِحَّة الحَدِيث
وَثَانِيها أَن يعلم جرحه فَلَا يحكم بِصِحَّتِهِ
وَثَالِثهَا أَن يجهل حَاله فَعِنْدَ أبي حنيفَة يقبل مَا لم
يعلم الْجرْح وَعند الشَّافِعِي لَا يقبل مالم تعلم
الْعَدَالَة
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن الْمواق (4) المجاهيل على
ضَرْبَيْنِ لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد مَجْهُول روى عَنهُ
اثْنَان فَصَاعِدا وَرُبمَا قيل فِي الْأَخير مَجْهُول الْحَال
فَالْأول لَا خلاف أعلمهُ بَين أَئِمَّة الحَدِيث فِي رد (5)
رواياتهم (6) وَإِنَّمَا يحْكى فِي ذَلِك خلاف الْحَنَفِيَّة
فَإِنَّهُم لم يفصلوا بَين من روى عَنهُ وَاحِد وَبَين من روى
عَنهُ أَكثر من وَاحِد بل قبلوا رِوَايَة الْمَجْهُول على
الْإِطْلَاق
(3/375)
وَالثَّانِي اخْتلفت فيهم أهل الحَدِيث
وَالْفُقَهَاء فَذهب أَكثر أهل الحَدِيث إِلَى قبُول رواياتهم
والاحتجاج بهَا مِنْهُم الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ فنص
الْبَزَّار فِي كتاب الْأَشْرِبَة لَهُ وَفِي فَوَائده وَفِي
غير مَوضِع على أَن من روى عَنهُ ثقتان فقد ارْتَفَعت جهالته
وَثبتت عَدَالَته وَنَحْو ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي الدِّيات
من سنَنه لما تكلم على حَدِيث خشف بن مَالك (1) عَن ابْن
مَسْعُود فِي الدِّيَة (2)
(3/376)
وَذهب الْمُحَقِّقُونَ من أهل الحَدِيث
وَغَيرهم إِلَى التَّوَقُّف عَن الِاحْتِجَاج بِهَذَا الضَّرْب
(1) حَتَّى تثبت عدالتهم مِمَّن ذهب إِلَى ذَلِك أَبُو حَاتِم
الرَّازِيّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ أما أَبُو حَاتِم
فَإِنَّهُ كثيرا مَا يذكر الرَّاوِي الْوَاحِد من الروَاة
ويعرفه بِرِوَايَة جمَاعَة من الثِّقَات عَنهُ ثمَّ يسْأَل
عَنهُ فَيَقُول مَجْهُول وَقد قَالَ فِي زِيَاد بن جَارِيَة
(2) التَّمِيمِي (3) روى عَنهُ مَكْحُول وَيُونُس بن ميسرَة
(4) شيخ مَجْهُول (5)
(3/377)
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي آخر كِتَابه قد
روى عَن أبان بن أبي عَيَّاش (1) (2) غير وَاحِد من
الْأَئِمَّة وَإِن كَانَ فِيهِ من الضعْف والغفلة مَا وَصفه
أَبُو عوَانَة وَغَيره فَلَا يغتر بِرِوَايَة الثِّقَات عَن
النَّاس (3) فَهَذَا مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ الَّذِي
اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ من الْأُصُولِيِّينَ
تَنْبِيه
اعْترض الشَّيْخ تَاج الدّين التبريزي على كَلَام المُصَنّف
هُنَا وَقَالَ إِنَّه غير ظَاهر فِي الْمَقْصُود لِأَنَّهُ إِن
كَانَ المُرَاد بِظَاهِر الْعَدَالَة من شهد عَدْلَانِ على
عَدَالَته فَلَا نزاع فِي قبُول شَهَادَته وَرِوَايَته فِي
ظَاهر الشَّرْع وَإِن كَانَ بَاطِنه بِخِلَاف الظَّاهِر وَإِن
كَانَ المُرَاد مَا اشْتهر بِالْعَدَالَةِ بَين النَّاس فَلَا
نزاع فِيهِ وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك فَلَا نسلم أَنه
يُقَال لَهُ ظَاهره الْعَدَالَة
وَأما قَوْله بِخِلَاف الشَّهَادَة فَإِنَّهُ اعْتبر فِيهِ
الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا فَفِيهِ بحث فَإِن المعدلين إِذا
غلب على ظنهما صَلَاح رجل بعد الِاعْتِبَار والصحبة وشهدا
بعدالته يعْتَبر تعديلهما قطعا وَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَة
الرجل الْمعدل وَإِن كَانَ فِي الْبَاطِن غير عدل
قلت مُرَاده بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة الْعلم بِعَدَمِ
الْفسق وَأما الْبَاطِنَة فَهِيَ الَّتِي يرجع فِيهَا إِلَى
أَقْوَال المزكين وَقد صرح بذلك الْأَصْحَاب فِي كتاب الصّيام
وَحِينَئِذٍ لَا يَصح الِاعْتِرَاض فَإِنَّهُ لم يرد بالباطنة
مَا فِي نفس الْأَمر بل مَا يثبت عِنْد الْحَاكِم
(3/378)
وَإِنَّمَا جرى فِيهِ خلاف من جِهَة أَن
شَرط قبُول الرِّوَايَة هَل هُوَ الْعلم بِالْعَدَالَةِ أَو
عدم الْعلم بِالْفِسْقِ فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ لم يقبل
المستور وَإِلَّا قبلناه وَهَذَا مُتَوَقف على ثُبُوت
الْوَاسِطَة بَين الْعَدَالَة وَالْفِسْق وَذَلِكَ بِاعْتِبَار
مَا يظْهر من تزكيته وَعدمهَا وَلِهَذَا فرق المحدثون بَين
الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف فَالصَّحِيح رِوَايَة الْعدْل
وَالْحسن رِوَايَة المستور (1) والضعيف رِوَايَة الْمَجْرُوح
وَاعْلَم أَنه لَا يشكل على من لم يقبل رِوَايَة المستور
تَصْحِيح النِّكَاح بِحَضْرَة شَاهِدين مستوري الْعَدَالَة
لِأَن ذَلِك عِنْد (2) المتحمل وَلِهَذَا لَو رفع العقد بهما
إِلَى حَاكم لم يحكم بِصِحَّة العقد كَمَا نَقله فِي
الرَّوْضَة (3) عَن الشَّيْخ أبي حَامِد (4) وَغَيره
251 - (قَوْله) الْمَجْهُول الْعين إِلَى آخِره (9 وَاحِد
وَهَذَا اصْطِلَاح وَإِلَّا (5) فالمجهول على
(3/379)
الْحَقِيقَة نَحْو شيخ وَرجل (1) مِمَّن
لَا تعرف عينه وَلَا اسْمه وَهَذَا لَا يخْتَلف فِي رد
رِوَايَته وَقد اسْتشْكل بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من
الرِّوَايَة عَن جمَاعَة نسبوا للْجَهَالَة فَفِي
الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيق شُعْبَة عَن عُثْمَان بن عبد الله بن
موهب (2) وَابْنه مُحَمَّد (3) كِلَاهُمَا عَن مُوسَى بن
طَلْحَة (4) عَن أبي أَيُّوب حَدِيث السَّائِل أَخْبرنِي
بِعَمَل يدخلني الْجنَّة (5)
(3/380)
وَقد قَالُوا مُحَمَّد بن عُثْمَان
مَجْهُول (1)
وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم عَن أبي يحيى مولى آل (2) جعدة (3) (4)
عَن أبي هُرَيْرَة مَا عَابَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم طَعَاما قطّ (5) وَأَبُو يحيى مَجْهُول الْعين
(3/381)
وَالْجَوَاب أَنه لم يَقع الِاحْتِجَاج
بِرِوَايَة من ذكر على الِاسْتِقْلَال أما مُحَمَّد بن
عُثْمَان فَلم يخرج لَهُ إِلَّا مَقْرُونا بِأَبِيهِ عُثْمَان
وَأَبوهُ هُوَ الْعُمْدَة فِي الِاحْتِجَاج وَكَذَلِكَ أَبُو
يحيى إِنَّمَا أخرج مُسلم حَدِيثه مُتَابعَة كَحَدِيث ثِقَة
مَشْهُور فَإِن مُسلما رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش
عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة فَصَارَ حَدِيث أبي يحيى (1)
مُتَابعَة
252 - (وَقَوله) وَمن روى عَنهُ عَدْلَانِ وَعَيناهُ فقد
ارْتَفَعت عَنهُ هَذِه الْجَهَالَة وَذكر أَبُو بكر الْخَطِيب
فِي أجوبة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا أَن الْمَجْهُول (د 84)
عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث كل من لم يعرفهُ الْعلمَاء وَمن لم
يعرف حَدِيثه إِلَّا من
(3/382)
جِهَة راو وَاحِد مثل عَمْرو ذِي مر (1)
إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 عَنهُ غير الْوَلِيد بن مُسلم (8)
(3/383)
وَقَالَ فِي (أ 143) مَوضِع آخر سَأَلت
أَبَا دَاوُد عَن عبيد الله بن عَمْرو بن غَانِم (1) فَقَالَ
أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة مَا أعلم حدث عَنهُ غير الشّعبِيّ
لقِيه بالأندلس (2) وَهَذَا ظَاهر تصرف ابْن حبَان فِي كتاب
الثِّقَات أَعنِي الِاكْتِفَاء فِي الْعَدَالَة بِرِوَايَة
الْوَاحِد الثِّقَة وَنقل ذَلِك بَعضهم عَن النَّسَائِيّ
أَيْضا وَبِه صرح ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم
وَالْإِيهَام وَنَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي وَأهل
الْأُصُول كَمَا سَيَأْتِي
وَقَالَ أَبُو بكر (3) مُحَمَّد بن خلفون فِي كتاب الْمُنْتَقى
اخْتلف الْأَئِمَّة فِي رِوَايَة الثِّقَة عَن الْمَجْهُول
الَّذِي لَا يعرف حَاله فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه تَعْدِيل
لَهُ وتقوية وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن رِوَايَة الرجلَيْن
عَنهُ يرفع عَنهُ الْجَهَالَة وَإِن لم تعرف حَاله وَذهب
بَعضهم إِلَى أَن الْجَهَالَة لَا ترْتَفع بروايتهما عَنهُ
حَتَّى يعرف حَاله وتتحقق عَدَالَته وَإِن جهل نسبه وَقَالَ
وَهَذَا أولى عندنَا بِالصَّوَابِ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ (4) الْحق أَنه مَتى
عرف عَدَالَة الرَّاوِي قبل خَبره سَوَاء روى عَنهُ وَاحِد أَو
أَكثر وعَلى هَذَا كَانَ الْحَال فِي الْعَصْر الأول من
الصَّحَابَة وتابعيهم إِلَى أَن تنطع المحدثون انْتهى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رسَالَته للجويني الَّذِي عندنَا من
مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَنَّهُمَا شرطا
أَن يكون للصحابي الَّذِي يرْوى عَنهُ الحَدِيث راويان فَأكْثر
ليخرج بذلك عَن حد الْجَهَالَة وَهَكَذَا من دونه ثمَّ إِن
انْفَرد أحد الراويين (5) عَنهُ بِحَدِيث
(3/384)
وَانْفَرَدَ الاخر بِحَدِيث آخر قبلاه
وَإِنَّمَا يتوقفان فِي رِوَايَة صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ لَا
يكون لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كصفوان بن عَسَّال (1) لم يرو
عَنهُ من الثِّقَات إِلَّا الشّعبِيّ قَالَ وَهَذَا عِنْد
الشَّافِعِي وَغَيره من الْأُصُولِيِّينَ حجَّة إِذا كَانَ
الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة (2) انْتهى
وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الاستذكار فِي الْكَلَام على
حَدِيث حَكِيم بن حزَام لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك (3)
(3/385)
لَا أعلم لعبد الله بن عصمَة (1) جرحة
إِلَّا من لم يرو عَنهُ إِلَّا رجل وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول
عِنْدهم إِلَّا أَنِّي أَقُول إِن كَانَ مَعْرُوفا [بالثقة]
وَالْأَمَانَة وَالْعَدَالَة فَلَا يضرّهُ إِذا لم يرو عَنهُ
إِلَّا وَاحِد (3) انْتهى
وَقَالَ الإِمَام أثير الدّين أَبُو حَيَّان (4) فِي بعض
أَمَالِيهِ قد زعم بعض من عاصرناه أَنه لَا تَنْتفِي
الْجَهَالَة عَن الشَّخْص وَإِن روى عَنهُ اثْنَان وَهَذَا
مُخَالف لقَوْل الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن (5) قَالَ والجهالة
أَمر نسبي رب شخص يكون مَجْهُولا عِنْد شخص يكون غير مَجْهُول
عِنْد آخر هَذَا أَبُو حَاتِم صَاحب الْجرْح وَالتَّعْدِيل
سَأَلَهُ
(3/386)
ابْنه عَن أبان بن حَاتِم (1) الَّذِي روى
عَنهُ هِشَام بن عبد الْملك الفخذمي فَقَالَ مَجْهُول (3)
وَلَيْسَ بِمَجْهُول فقد روى [عَنهُ] (4) مُحَمَّد بن
الْمُصَفّى ذكر ذَلِك الإِمَام أَبُو عبد الرَّحْمَن بَقِي بن
مخلد فِي مُسْنده فَقَالَ أَنا مُحَمَّد بن الْمُصَفّى (5) (6)
أَنا أبان بن حَاتِم أَبُو سَلمَة الْحِمصِي
فَهَذَا أبان قد روى [عَنهُ] (8) الفخذمي وَابْن الْمُصَفّى
(7) وَخرج بذلك عَن الْجَهَالَة
وَهَذَا أَيْضا أَبُو مُحَمَّد بن حزم أسْند فِي حجَّة
الْوَدَاع حَدِيثا فِي سَنَده عبيد الله [بن] (9)
(3/387)
مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن حبابة (1) وَعبد
الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ (2) [وَقَالَ]
(3) مَجْهُولَانِ هَذَا وهما من الشُّهْرَة فِي الدُّنْيَا
وَكَثْرَة الروَاة عَنْهُمَا بِالْمحل الَّذِي يعرفهُ أهل
الحَدِيث وَمَعَ ذَلِك فقد جهلهما ابْن حزم على سَعَة
مَعْرفَته قلت وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كتاب الإيصال أَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيّ مَجْهُول (4)
(3/388)
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن رشيد
قَول من قَالَ لَا يخرج عَن الْجَهَالَة إِلَّا بِرِوَايَة
عَدْلَيْنِ إِن أَرَادَ الْخُرُوج عَن جَهَالَة الْعين فَلَا
شكّ أَن رِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة تخرجه عَن ذَلِك إِذا
سَمَّاهُ وَنسبه وَإِن أَرَادَ جَهَالَة الْحَال فالحال كَمَا
لَا يعلم من رِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة عَنهُ مَا لم يُصَرح
بهما كَذَلِك لَا يعلم من رِوَايَة الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَن
يُصَرح أَو يكون مِمَّن يعلم أَنه لَا يروي (أ 144) إِلَّا عَن
ثِقَة فَلَا فرق بَين الْوَاحِد والاثنين نعم كَثْرَة
رِوَايَات الثِّقَات عَن الشَّخْص تقَوِّي حسن الظَّن بِهِ
وَظَاهر (1) كَلَام بَعضهم أَنهم جَهَالَة الْحَال لَا
جَهَالَة الْعين (2)
253 - (قَوْله) (3) رادا على الْخَطِيب قد روى عَن الهزهاز
الثَّوْريّ أَيْضا (9 10 أبي حَاتِم (7) وَهُوَ أَصْغَر من
الثَّوْريّ وَتَأَخر بعده مُدَّة فَلَعَلَّ الهزهاز [تَأَخّر
بعد
(3/389)
الشّعبِيّ وسمى ابْن أبي حَاتِم أَبَا
الهزهاز] (1) مَازِن بِالْألف لَا بِالْيَاءِ (2) كَمَا وَقع
فِي المُصَنّف وَلَعَلَّ بَعضهم أماله فَكَتبهُ [بِالْيَاءِ]
(3) (4)
254 - (قَوْله) إِلَّا أَنه لَا يثبت لَهُ حكم الْعَدَالَة
بروايتهما عَنهُ (4 5 6 7 8 9 10 من الصَّحَابَة كَذَلِك وَلَا
شكّ أَن مرداسا (7)
(3/390)
وَرَبِيعَة (1) صحابيان مشهوران فمرداس من
أهل الشَّجَرَة وَرَبِيعَة من أهل الصّفة وَالصَّحَابَة كلهم
عدُول فَلَا تضر الْجَهَالَة بأعيانهم لَو ثبتَتْ وَقَالَ
الْحَاكِم إِن الصَّحَابِيّ الْمَعْرُوف إِذا [لم نجد لَهُ
رَاوِيا غير التَّابِعِيّ الْوَاحِد الْمَعْرُوف] (2) احتججنا
بِهِ وصححنا حَدِيثه إِذْ هُوَ على شَرطهمَا جَمِيعًا (3)
الثَّانِي سلمنَا ذَلِك لَكِن قد روى عَنْهُمَا أَكثر من
وَاحِد أما مرداس فقد روى عَنهُ أَيْضا زِيَاد بن علاقَة (4)
وَأما ربيعَة فروى عَنهُ أَيْضا نعيم المجمر (5) وحَنْظَلَة بن
عَليّ (6)
(3/391)
قيل مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء (1)
وَأَبُو عمرَان الْجونِي (2)
قَالَ النَّوَوِيّ وَلِأَن الْخَطِيب شَرط فِي الْمَجْهُول أَن
لَا يعرفهُ الْعلمَاء وَهَذَانِ معروفان عِنْدهم مشهوران قَالَ
وَالصَّوَاب مَا ذكره الْخَطِيب وَهُوَ لم يقلهُ عَن اجْتِهَاد
بل نَقله عَن أهل الحَدِيث قَالَ وَحصل مِمَّا ذَكرْنَاهُ من
اشتهار مرداس وَرَبِيعَة أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا لم يخالفا
نقل الْخَطِيب عَن اهل الحَدِيث قَالَ وَقد حكى الشَّيْخ فِي
النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ (3) عَن ابْن عبد الْبر
أَن من لم يرو عَنهُ غير راو وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم
إِلَّا أَن يكون رجلا مَشْهُورا فِي غير تحمل الْعلم كاشتهار
مَالك بن دِينَار (4)
(3/392)
فِي الزّهْد وَعَمْرو (1) بن معدي كرب (2)
بالنجدة انْتهى (3)
وَفِي أَمْرَانِ
أَحدهمَا (أ 85) يرد على إِطْلَاق [الْخَطِيب] (4) الْوَلِيد
بن عبد الرَّحْمَن الجارودي (5) لم يرو عَنهُ إِلَّا وَلَده
الْمُنْذر (6) وَقد خرج الشَّيْخَانِ حَدِيثه (7) عَن أَبِيه
وَكَذَلِكَ حُصَيْن بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ (8) احتجا بِهِ
وَلم يرو عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ
(3/393)
وَاحْتج البُخَارِيّ بجويرية بن قدامَة (1)
وَلم يرو عَنهُ إِلَّا أَبُو جَمْرَة الضبعِي (2) وَبِعَبْد
الله ابْن وَدِيعَة الْأنْصَارِيّ (3) وَلم يرو عَنهُ سوى أبي
سعيد المَقْبُري (4) وبعمر بن [مُحَمَّد ابْن] (5) جُبَير بن
مطعم (6) لم يرو عَنهُ سوى بكير بن عبد الله الْأَشَج (7)
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام (8) وَمَا
روى عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ
(3/394)
وَهَؤُلَاء كلهم موثقون لَهُم تراجم مسطورة
وَيَكْفِي تَخْرِيج أحد الشَّيْخَيْنِ لَهُم لِأَنَّهُ لَوْلَا
معرفتهم لما خرج لَهُم وَلَا سِيمَا من روى عَنهُ إِمَام جليل
كالزهري (1) (أ 145)
الثَّانِي مُوَافَقَته الْخَطِيب على أَن ذَلِك قَول أهل
الحَدِيث فِيهِ نظر لما سبق بَيَانه قَرِيبا وَأَن مدَار
كَلَامهم على الْمعرفَة بِالرجلِ الثِّقَة سَوَاء روى عَنهُ
الْوَاحِد أَو الِاثْنَان وَقد ذكر البرديجي الْحَافِظ فِي
كتاب الْمُتَّصِل والمنقطع حَدِيثا لَا تصاب (2) عِنْد الرجل
الْوَاحِد لم يضر أَلا يرويهِ غَيره إِذا كَانَ متن الحَدِيث
مَعْرُوفا وَلَا يكون مُنْكرا وَلَا معلولا
256 - (قَوْله) وَذَلِكَ مِنْهُمَا مصير إِلَى أَن الرَّاوِي
قد يخرج عَن كَونه مَجْهُولا بِرِوَايَة وَاحِد عَنهُ (9 10 11
1)
يَعْنِي أَن أصل الرِّوَايَة يثبت بِوَاحِد وَالتَّعْدِيل
فِيهَا يَكْفِي بِوَاحِد فَيَنْبَغِي أَن
(3/395)
يكون الْجَهَالَة فِيهَا ترْتَفع
بِالْوَاحِدِ
258 - (قَوْله) التَّاسِعَة اخْتلفُوا فِي قبُول رِوَايَة
المبتدع إِذا لم يكفر ببدعته (3 4 5 6 عَن
(3/396)
الْجَانِب (1) الاخر وَقد نقل ابْن حبَان
أَيْضا فِيهِ الِاتِّفَاق على الْقبُول قَالَ فِي تَارِيخ
الثِّقَات فِي تَرْجَمَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي (2)
لَيْسَ بَين أهل الحَدِيث من أَئِمَّتنَا خلاف فِي أَن الصدوق
المتقن (3) إِذا كَانَ فِيهِ بِدعَة [وَلم يكن يَدْعُو
إِلَيْهَا أَن الِاحْتِجَاج بأخباره جَائِز فَإِن دَعَا إِلَى]
(4) بدعته سقط (5) الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ (6) (7) انْتهى
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد قلت لأبي رويت عَن أبي مُعَاوِيَة
الضَّرِير (8) - وَكَانَ مرجئا - وَلم ترو عَن شَبابَة بن سوار
(9) - وَكَانَ قدريا - قَالَ لِأَن أَبَا مُعَاوِيَة لم يكن
يَدْعُو إِلَى الإرجاء وشبابه كَانَ يَدْعُو إِلَى الْقدر (10)
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول رَابِع لم يحكه المُصَنّف أَنه تقبل
أخباره مُطلقًا وَإِن كَانُوا كفَّارًا
(3/397)
أَو فساقا بالتأويل (1) حَكَاهُ الْخَطِيب
(2) وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان الْبِدْعَة على
ضَرْبَيْنِ صغرى كغلو التَّشَيُّع [أَو كالتشيع] (3) بِلَا غلو
فَهَذَا كثير فِي التَّابِعين وتابعيهم مَعَ الدّين والورع
والصدق فَلَو رد حَدِيث هَؤُلَاءِ لذهبت جملَة من الْآثَار
النَّبَوِيَّة ثمَّ بِدعَة كبرى كالرفض الْكَامِل والحط على
الشَّيْخَيْنِ وَالدُّعَاء إِلَى ذَلِك فَهَذَا النَّوْع لَا
يحْتَج بهم وَلَا كَرَامَة قَالَ وَأَيْضًا فَمَا أستحضر الْآن
من هَذَا الضَّرْب رجلا صَادِقا وَلَا ملعونا بل الْكَذِب
شعارهم والنفاق دثارهم فَكيف يقبل نقل من هَذَا حَاله حاشا
وكلا قَالَ والشيعي الغالي فِي زمن السّلف وعرفهم هُوَ من
يتَكَلَّم (4) فِي (5) عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة
[وَمُعَاوِيَة] (6) وَطَائِفَة مِمَّن حَارب عليا - رَضِي الله
عَنهُ - وَتعرض لسبهم
والغالي فِي زَمَاننَا وعرفنا الَّذِي يكفر هَؤُلَاءِ السَّادة
فَهَذَا ضال معثر (7)
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر اخْتلف النَّاس فِي الِاحْتِجَاج
بِحَدِيث الرافضة على ثَلَاثَة اقوال أَحدهمَا الْمَنْع
مُطلقًا وَالثَّانِي الترخيص مُطلقًا إِلَّا فِيمَن يكذب
وَيَضَع
وَالثَّالِث التَّفْصِيل فَتقبل رِوَايَة الرافضي الصدوق
الْعَارِف بِمَا يحدث وَترد رِوَايَة الداعية وَلَو كَانَ
صَدُوقًا (8)
(3/398)
قَالَ أَشهب سُئِلَ مَالك عَن الرافضة
قَالَ لَا نكلمهم وَلَا نروي عَنْهُم فَإِنَّهُم يكذبُون (1)
وَقَالَ حَرْمَلَة (2) سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول لم أر (3)
أشهد بالزور من الرافضة (4) وَقَالَ يزِيد بن هَارُون يكْتب
عَن كل صَاحب بِدعَة (أ 164) إِذا لم يكن دَاعِيَة إِلَّا
الرافضة فَإِنَّهُم يكذبُون (5)
رَابِعهَا أَن مَا عزاهُ أَولا للشَّافِعِيّ قَالَ فَخر الدّين
فِي الْمَحْصُول إِنَّه الْحق (6) وَحَكَاهُ الْحَاكِم فِي
الْمدْخل عَن أَكثر أَئِمَّة الحَدِيث (7) وَرجحه الشَّيْخ
أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَقَالَ الَّذِي تقرر عندنَا أَنه
لَا يعْتَبر الْمَذْهَب (8) فِي الرِّوَايَة إِذْ لَا يكفر أحد
من أهل الْقبْلَة إِلَّا بإنكار قَطْعِيّ (9) من الشَّرِيعَة
فَإِذا اعْتبرنَا (10) ذَلِك وانضم إِلَيْهِ التَّقْوَى والورع
فقد حصل مُعْتَمد الرِّوَايَة وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي
حَيْثُ يقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء (11) قَالَ وأعراض
الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف على
(3/399)
شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون
والحكام (1)
قلت وَنقل الخليلي فِي الْإِرْشَاد أَن الشَّافِعِي كَانَ
يَقُول فِي إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى حَدثنَا الثِّقَة فِي
حَدِيثه الْمُتَّهم فِي دينه لِأَنَّهُ كَانَ يرى الْقدر (2)
وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمدْخل كَانَ مُحَمَّد بن خُزَيْمَة
(3) يَقُول حَدثنَا الصَّادِق فِي رِوَايَته الْمُتَّهم فِي
دينه عباد بن يَعْقُوب (4) (5)
خَامِسهَا علل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عدم قبُول الداعية
بإهانته وَبنى عَلَيْهِ قبُول رِوَايَته فِيمَا لم يروه
[غَيره] (6) كتقديم مصلحَة الحَدِيث على إهانته ورد مَا وَافق
بدعته من رد الشَّهَادَة بالتهمة (7)
259 - (قَوْله) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الرِّوَايَة عَن المبتدعة
غير الدعاة (8 مِنْهُم عمرَان بن حطَّان الْخَارِجِي (8) مادح
عبد الرَّحْمَن بن
(3/400)
ملجم قَاتل عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ - وَهَذَا من أكبر الدعْوَة إِلَى
الْبِدْعَة خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَزعم جمَاعَة أَنه من دعاة
الشراة (1)
وَمِنْهُم عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن (2) أخرج لَهُ
الشَّيْخَانِ وَقَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي كَانَ
دَاعِيَة إِلَى الإرجاء وَغير ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه لَا فرق
(3) وَلذَلِك
(3/401)
أطلق الشَّافِعِي النَّص الْمَشْهُور عَنهُ
وَهُوَ قَوْله أقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية
(1)
وَقَالَ فِي الْأُم ذهب النَّاس فِي تَأْوِيل الْقُرْآن
وَالسّنة إِلَى أُمُور تباينوا فِيهَا تباينا شَدِيدا
وَاخْتلفُوا اخْتِلَافا بَعيدا (2) فَلم نر أحدا مِنْهُم رد
شَهَادَة أحد بِتَأْوِيل وَإِن خطأه (3) وضلله وَرَآهُ
اسْتحلَّ مَا حرم الله (4) انْتهى
وَمِمَّا يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ
فِي النِّهَايَة فِي كتاب الشَّهَادَات كَانَ البُخَارِيّ يؤلف
الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة بَين الْقَبْر والمنبر قَالَ فرويت
عَن مُحَمَّد بن محيريز فغلبتني عَيْنَايَ فَرَأَيْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ تروي عَن ابْن محيريز
وَهُوَ
(3/402)
يطعن فِي اصحابي وَكَانَ خارجيا قَالَ
مُحَمَّد فَقلت يَا رَسُول الله لكنه ثِقَة فَقَالَ (1)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه ثِقَة فارو عَنهُ
قَالَ فَكنت أروي عَنهُ بعد ذَلِك لأمر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (2) انْتهى
وَهَذِه الْحِكَايَة لَا يعرف لَهَا إِسْنَاد إِلَى
البُخَارِيّ وَفِي صِحَّتهَا نظر وَلَيْسَ فِي رجال
البُخَارِيّ من اسْمه مُحَمَّد بن محيريز لَكِن فِي
التَّابِعين من اسْمه مُحَمَّد بن محيريز (د 86) وَهُوَ من
سَادَات أهل الشَّام لَهُ تَرْجَمَة عَظِيمَة فِي تَارِيخ دمشق
(3)
وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ حريز بن عُثْمَان (4) أَوله حاء
مُهْملَة وَآخره زَاي مُعْجمَة فَإِنَّهُ ينْسب إِلَى أنحراف
عَن عُثْمَان - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقيل لم يَصح
عَنهُ وَقيل رَجَعَ عَن ذَلِك الرَّأْي وَالَّذِي (5) عوتب فِي
الْمَنَام عَن الرِّوَايَة عَنهُ هُوَ يزِيد بن هَارُون وَقد
أوضح ذَلِك الْحَافِظ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي فِي تَرْجَمَة
حريز من تَارِيخ دمشق وَهَذِه الْحِكَايَة لَيست بصحيحة وَقد
كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ على جلالته فِي
(3/403)
الْعلم فِي الْأُمُور النقلية [و] (1) فِي
كتاب (أ 147) النِّهَايَة (2) من ذَلِك عدَّة أَوْهَام
كَالَّذي ذكره فِي حَدِيث الْبَسْمَلَة (3) وَعمرَة
الْجِعِرَّانَة (4) وَغسل أَسمَاء بنت عُمَيْس للْإِحْرَام (5)
وَغير ذَلِك (6)
260 - (قَوْله) الْعَاشِرَة التائب من الْكَذِب فِي حَدِيث
النَّاس وَغَيره إِلَى آخِره
فِيهِ أُمُور
(3/404)
أَحدهمَا مَا نَقله عَن هَؤُلَاءِ
وَاخْتَارَهُ من عدم قبُول التائب من الْكَذِب عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَقله الْحَازِمِي فِي كِتَابه
الشُّرُوط عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَرَافِع
بن الأشرس (1) وَأبي نعيم (2) وَغَيرهم من السّلف وَاخْتَارَهُ
(3) وَلم يُوَافق على ذَلِك النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي مُخْتَصره
هَذَا مُخَالف لقاعدة مَذْهَبنَا وَمذهب غَيرنَا وَلَا يُقَوي
الْفرق بَينه وَبَين الشَّهَادَة (4) أَي فَإِن الشَّاهِد لَو
كذب على (5) ثمَّ تَابَ لقبلت شَهَادَته فَهَذَا نقبل
رِوَايَته
وَقَالَ فِي شرح مُسلم هَذَا القَوْل ضَعِيف وَالْمُخْتَار
الْقطع بِصِحَّة (6) تَوْبَته فِي هَذَا وَقبُول رواياته
بعْدهَا إِذا صحت تَوْبَته بشروطها وَقد أَجمعُوا على صِحَة
رِوَايَة من كَانَ كَافِرًا وَأسلم كَمَا تقبل شَهَادَته
فَقَالَ وَحجَّة من ردهَا أبدا وَإِن حسنت حَالَته (7)
التَّغْلِيظ وتعظيم الْعقُوبَة فِيمَا وَقع فِيهِ
وَالْمُبَالغَة فِي الزّجر عَنهُ كَمَا قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على غَيْرِي (8)
انْتهى (9)
قلت وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الشَّيْخ من أَنه مُخَالف
لمذهبنا مَمْنُوع فَإِن جُمْهُور الْأَصْحَاب عَلَيْهِ مِنْهُم
الطَّبَرِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ كَمَا نَقله ابْن الصّلاح
وَقد حَكَاهُ
(3/405)
عَن الصَّيْرَفِي القَاضِي أَبُو الطّيب
وَلم يُخَالِفهُ وَمِنْهُم الْقفال (1) الْمروزِي (2) فِيمَا
حَكَاهُ صَاحب الْبَحْر فِي بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة
فَقَالَ قَالَ الْقفال إِذا أقرّ الْمُحدث بِالْكَذِبِ لم يقبل
حَدِيثه أبدا وَحكى ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب عِنْد
الْكَلَام فِيمَا إِذا بَان فسق الشَّاهِد عَن الْمَاوَرْدِيّ
إِن الرَّاوِي إِذا كذب فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ردَّتْ جَمِيع أَحَادِيثه السالفة وَوَجَب نقض مَا حكم
بِهِ مِنْهَا وَإِن لم ينْقض (3) الحكم بِشَهَادَة من حدث فسقه
بِأَن الحَدِيث حجَّة لَازِمَة لجَمِيع (4) الْمُسلمين وَفِي
جَمِيع الْأَمْصَار وَكَانَ (5) حكمه أغْلظ وَلم يتعقبه ابْن
الرّفْعَة بنكير
وَحَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة عَن الْحميدِي وَقَالَ
إِنَّه الْحق (6)
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن الدَّلِيل يعضده وَهُوَ قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد
وَلِهَذَا حكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن وَالِده أَن من تعمد
الْكَذِب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكفر (7)
(3/406)
وَقد فرق أَصْحَابنَا بَين الرِّوَايَة
وَالشَّهَادَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَلَا بدع أَن (1) هَذَا
مِنْهَا نعم قَالَ القَاضِي أَبُو بكر الشَّامي (2) من
أَصْحَابنَا وَهُوَ فِي طبقَة القَاضِي أبي الطّيب لايقبل
فِيمَا رد وَيقبل فِي غَيره اعْتِبَارا بِالشَّهَادَةِ حَكَاهُ
القَاضِي من الْحَنَابِلَة عَنهُ أَنه أَجَابَهُ بذلك لما
سَأَلَهُ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة (3)
فَحصل فِيهَا وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا وأصحهما لَا تقبل
وَأما قَوْله إِنَّه مُخَالف لمَذْهَب غَيرنَا فَمَمْنُوع فقد
حكى الْخَطِيب عَن عبيد الله بن أَحْمد الْحلَبِي (4) قَالَ
سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن مُحدث كذب فِي حَدِيث وَاحِد
ثمَّ تَابَ وَرجع قَالَ تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله عز
وَجل وَلَا يكْتب عَنهُ حَدِيث أبدا (5)
(3/407)
لَكِن القَاضِي من الْحَنَابِلَة حكى أَنه
سَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ (1)
فَقَالَ يقبل حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره بِخِلَاف شَهَادَته
إِذا ردَّتْ ثمَّ تَابَ لَا تقبل تِلْكَ خَاصَّة قَالَ لِأَن
هُنَاكَ حكما من حَاكم بردهَا (2) فَلَا تقبل (3) ورد الْخَبَر
مِمَّن روى لَهُ لَيْسَ بِحكم (4)
وَهَذَا توسع مفرط وَحصل فِي الْمَسْأَلَة مَذَاهِب
أَصَحهَا لَا يقبل مُطلقًا (أ 148) وَعَلِيهِ أهل الحَدِيث
وَجُمْهُور الْعلمَاء
وَثَانِيها يقبل مُطلقًا حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره وَهُوَ
أضعفها
وَالثَّالِث لَا يقبل الْمَرْدُود وَيقبل فِي غَيره وَهُوَ
أوسطها وَهَذَا كُله فِي الْمُعْتَمد (5) بِلَا تَأْوِيل
فَأَما من كذب فِي فَضَائِل الْأَعْمَال مُعْتَقدًا (6) أَن
هَذَا لَا يضر ثمَّ عرف ضَرَره فَتَابَ فَالظَّاهِر قبُول
رِوَايَته (7) وَكَذَا [من كذب] (8) دفعا لضَرَر يلْحق
(3/408)
من الْعَدو وَتَابَ عَنهُ
الْأَمر الثَّانِي مَا نَقله عَن الصَّيْرَفِي من الْإِطْلَاق
يَقْتَضِي أَنه لم يفرق فِي الرَّد بَين حَدِيث النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا مُطلقًا كَذَا حَكَاهُ عَنهُ القَاضِي
أَبُو الطّيب فِي شرح الْكِفَايَة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله هُنَا
من أهل النَّقْل وتقييده بالمحدث فِي كِتَابه الْمُسَمّى
بالدلائل والإعلام فِي اصول الْفِقْه فَقَالَ وَلَيْسَ يطعن
على الْمُحدث إِلَّا أَن يَقُول تَعَمّدت الْكَذِب فَهُوَ
كَاذِب فِي الأول وَلَا يقبل خَبره بعد ذَلِك انْتهى
نعم كَلَام ابْن حزم فِي كِتَابه الإحكام يَقْتَضِيهِ
فَإِنَّهُ قَالَ من أسقطنا حَدِيثه لم نعد لقبوله أبدا وَمن
احتججنا بِهِ لم نسقط رِوَايَته أبدا (1) وَكَذَا قَالَه أَبُو
حَاتِم بن حبَان (2)
الْأَمر الثَّالِث احْتَرز بقوله مُتَعَمدا عَمَّا (3) إِذا
قَالَ كنت أَخْطَأت وَلم أتعمد الْكَذِب فَإِن ذَلِك يقبل
مِنْهُ قَالَه الصَّيْرَفِي وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب
وَعَلِيهِ جرى الْخَطِيب (4) وَغَيره
الْأَمر الرَّابِع مَا نَقله عَن السَّمْعَانِيّ الرَّد بكذبة
وَاحِدَة هُوَ مَا سبق نَقله عَن أَحْمد لَكِن حُكيَ عَن
أَحْمد أَيْضا أَن الكذبة الْوَاحِدَة لَا ترد بهَا
الشَّهَادَة فَكَذَا الرِّوَايَة لَا جرم [و] (5) حكى ابْن
عقيل من أَصْحَابه عَنهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ
عدم الْقبُول (6)
(3/409)
فرع
الْقَاذِف إِذا تَابَ هَل تقبل رِوَايَته قَالَ الرَّوْيَانِيّ
فِي الْبَحْر - فِي بَاب شَهَادَة (1) الْقَاذِف إِن قذف
بِلَفْظ الشَّهَادَة وَلم يثبت قبلت رِوَايَته وَإِن لم تقبل
شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا لِأَن أَبَا بكرَة (2) ردوا
شَهَادَته وَلم يردوا خَبره (3) لِأَن هَذَا التفسيق بالتأويل
وَإِن قذف لَا [فِي] (4) معرض الشَّهَادَة لم تقبل رِوَايَته
مَا لم (يتب) (5) فَإِن التفسيق بِقَذْف النّسَب نَص وبقذف
الشَّهَادَة اجْتِهَاد وَبِهَذَا التَّفْصِيل جزم
(3/410)
الرَّافِعِيّ وَغَيره
261 - (قَوْله) الْحَادِيَة عشر (1) إِذا أنكر الأَصْل
رِوَايَة الْفَرْع فالمختار إِن كَانَ جَازِمًا بنفيه فقد
تَعَارضا فَلَا يقبل إِلَى آخِره (3 4 5 6 ابْن السَّمْعَانِيّ
فِي القواطع لأَصْحَاب الشَّافِعِي (4) وَبَالغ الْهِنْدِيّ
(5) فِي النِّهَايَة
(3/411)
فَحكى فِيهِ الْإِجْمَاع وَلَيْسَ كَذَلِك
فقد جزم جمَاعَة من أَئِمَّتنَا بِعَدَمِ الرَّد مِنْهُم
الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَجزم بالتفصيل كَمَا ذكره
ابْن الْأَثِير صَاحب جَامع الْأُصُول فِي مقدمته (1)
الثَّانِي مَا تمسك بِهِ فِي الرَّد من التَّعَارُض قد يُعَارض
بِأَن الْمُثبت مقدم على النَّافِي لَكِن لما كَانَ النَّافِي
[هُنَا نفى] (2) مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي أَمر يقرب من المحصور
بِمُقْتَضى الْغَالِب اقْتضى أَن يرجح النَّافِي (3)
وَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة كَالْقَاضِي إِذا
شهد عَلَيْهِ الشُّهُود بِحكم (د 87) فَأنْكر حكمه خلافًا
لمَالِك وَمُحَمّد بن الْحسن وَغَيرهمَا فِي صُورَة القَاضِي
(أ 149) وَهُوَ الْأَقْرَب لتَعلق حق الْغَيْر لَا سِيمَا مَعَ
الانتشار وَكَثْرَة الْأَحْكَام
262 - (قَوْله) وَلَا يكون ذَلِك جرحا لَهُ (9 جرح (6) للفرع
وَالْفرق (7) غلظ بَاب الشَّهَادَة وضيقه
(3/412)
263 - (قَوْله) أما إِذا قَالَ الْمَرْوِيّ
عَنهُ لَا أعرفهُ إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 8 9 الظَّاهِر لَا
على النَّادِر وحنئذ فللشيخ
(3/413)
أَن يَقُول حَدثنِي فلَان عني أَنِّي حدثته
(1)
تَنْبِيه
هَذَا كُله إِذا أنكرهُ [قولا] (2) (وَفِي إِنْكَاره فعلا) (3)
حالتان
إِحْدَاهمَا أَن يُنكره فعلا بِأَن يعْمل بِخِلَاف الْخَبَر
فَإِن كَانَ قبل الرِّوَايَة فَلَا يكون تَكْذِيبًا لِأَن
الظَّاهِر أَنه تَركه لما بلغه الْخَبَر وَكَذَا إِذا لم يعلم
التَّارِيخ وَإِن [كَانَ] (4) بعد الرِّوَايَة فَإِن كَانَ
الْخَبَر يحْتَمل مَا عمل بِهِ بِتَأْوِيل لم يكن تَكْذِيبًا
وَإِلَّا فَالْخَبَر مَرْدُود
الثَّانِيَة أَن يُنكره تركا وَإِذا امْتنع الشَّيْخ من
الْعَمَل بِالْحَدِيثِ دلّ على أَنه لَو عرف صِحَّته لما
امْتنع من الْعَمَل بِهِ وَله حكم مَا قبله ذكره ابْن
الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول (5)
264 - (قَوْله) خلافًا لقوم من أَصْحَاب أبي حنيفَة [انْتهى (9
10 أَخذ من ردهم هَذَا الحَدِيث
(3/414)
265 - (قَوْله) فِي الأمثله كَحَدِيث
الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره (2 3 4 5 6)
قلت وَقَبله الدَّارَقُطْنِيّ وضع فِيهِ جُزْءا وَاعْلَم أَن
نَظِير هَذِه الْحَالة الثَّانِيَة أَلا يُنكر الْحَاكِم حكمه
بل يتَوَقَّف فَفِي قبُول شَهَادَة الشُّهُود بِحكمِهِ
وَجْهَان أوفقهما لكَلَام (5) الْأَكْثَرين قبُول الشَّهَادَة
بِحكمِهِ وأجراهما بعض الْمُتَأَخِّرين
(3/415)
فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِذا ظهر
توقف الأَصْل
267 - (قَوْله) وَلأَجل ذَلِك كره الْعلمَاء الرِّوَايَة عَن
الْأَحْيَاء مِنْهُم الشَّافِعِي قَالَ لِابْنِ عبد الحكم (1)
إياك وَالرِّوَايَة عَن الْأَحْيَاء (4 5 6 7 8 طَرِيق آخر غير
طَرِيق الْحَيّ فَإِن لم يكن لَهُ سواهَا
(3/416)
وَحدثت وَاقعَة فَلَا معنى للكراهة لما فِي
الْإِمْسَاك من كتم الْعلم وَقد يَمُوت الرَّاوِي قبل موت
الْمَرْوِيّ عَنهُ فيضيع
268 - (قَوْله) قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم (1) فِي
الْمُحدث يحدث بِالْأَجْرِ (2) فَقَالَ لَا يكْتب عَنهُ وَعَن
أَحْمد بن حَنْبَل وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ نَحوه (4 5 6 7 8
فاستقى المَاء وَقعد
(3/417)
وَدخلت الْبَيْت فَلَمَّا أردْت أَن أناوله
نظر إِلَيّ فَقَالَ أَأَنْت هُوَ قلت نعم قَالَ ردُّوهُ وأبى
أَن يشرب وَقَامَ وَمضى (1)
وَذكر أَبُو الْفرج النهرواني فِي الجليس الصَّالح أَن الرشيد
دخل الْكُوفَة وَمَعَهُ ولداه الْأمين والمأمون يسمعا الحَدِيث
من عبد الله بن إِدْرِيس (2) وَعِيسَى بن يُونُس (3) فَأمر
لَهما بِمَال جزيل فَلم يقبلا [قَالَ] (4) لَهُ عِيسَى بن
يُونُس لَا وَلَا أهليلجة (5) وَلَا شربة مَاء على حَدِيث
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو مَلَأت لي هَذَا
الْمَسْجِد ذَهَبا إِلَى السّقف (6)
269 - (قَوْله) وَرخّص فِيهِ أَبُو نعيم (7) وَعلي بن عبد
الْعَزِيز الْمَكِّيّ وَآخَرُونَ
قلت قَالَ عَليّ بن جَعْفَر (8) كُنَّا نَخْتَلِف إِلَى أبي
نعيم الْفضل بن دُكَيْن نكتب
(3/418)
عَنهُ الحَدِيث فَكَانَ يَأْخُذ منا
الدَّرَاهِم الصِّحَاح فَإِذا (1) كَانَ مَعنا دَرَاهِم مكسرة
أَخذ عَلَيْهَا صرفا (2)
وَالْمرَاد بعلي بن عبد الْعَزِيز هُوَ أَبُو الْحسن
الْبَغَوِيّ شيخ الْحرم ومصنف الْمسند أُنْثَى عَلَيْهِ
النَّاس (3) وَكَانَ النَّسَائِيّ يمقته لأجل أَخذه الْأُجْرَة
على التحديث (4)
وَمِمَّنْ كَانَ يفعل ذَلِك أَيْضا أَبُو شُعَيْب الْحَرَّانِي
الإِمَام (5) وَقد بلغنَا أَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس قدم
على طَاوس فَحَمله على نجيب (6) ثمنه سِتُّونَ دِينَارا
وَقَالَ أَلا أَشْتَرِي علم هَذَا العَبْد بستين دِينَارا (7)
(3/419)
وَكَانَ مُجَاهِد إِذا أَتَاهُ الَّذِي
يتَعَلَّم مِنْهُ قَالَ اذْهَبْ اعْمَلْ لي كَذَا ثمَّ تعال
أحَدثك (1)
وَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم (2)
ثَنَا إِسْمَاعِيل (3) عَن يحيى بن عَتيق (4) عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ
يغْتَسل مِنْهُ (5 6 7 قَالَ ابْعَثْ معي ابْنك يحملهُ وَفِي
لفظ قَالَ عَازِب لَا حَتَّى تحدثنا
(3/420)
كَيفَ لَيْلَة سريت مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر أسرينا ليلتنا الحَدِيث (1)
قَالَ أَبُو الْفرج فِي مشكله (2) كَانَ بعض الْمُتَأَخِّرين
من شُيُوخ الْمُحدثين الَّذين لم يَذُوقُوا (3) طعم الْعلم
يحْتَج بِهَذَا على جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على التحديث وَلَا
يبعد من ناقل لَا يفهم مَا نقل أَن يكون مبلغ علمه
الِاحْتِجَاج بِمثل هَذَا فَأَما من اطلع على سير الْقَوْم فهم
أَنه لم يكن هَذَا بَينهم على وَجه الْأُجْرَة فَإِن أَبَا بكر
لم يكن ليبخل على عَازِب بِالْحَدِيثِ وَلَا هُوَ مِمَّن يبخل
عَلَيْهِ بِحمْل الرحل (د 88) وَإِنَّمَا هُوَ انبساط الصّديق
إِلَى صديقه فَإِنَّهُ رُبمَا قَالَ لَا أَقْْضِي حَاجَتك
حَتَّى تَأْكُل (أ 151) معي ويحقق هَذَا أَن عازبا من
الْأَنْصَار وهم قد آثروا (4) الْمُهَاجِرين بِأَمْوَالِهِمْ
وأسكنوهم فِي دِيَارهمْ طلبا للثَّواب فَكيف يبخل على أبي بكر
بِقَضَاء حَاجَة (5)
قَالَ والمهم من هَذَا الْكَلَام فِي هَذَا أَن نقُول قد علم
أَن حرص الطّلبَة للْعلم قد فتر لَا بل قد بَطل فَيَنْبَغِي
للْعُلَمَاء أَن يحببوا لَهُم الْعلم فَإِذا رأى طَالب الْأَثر
أَن الْإِسْنَاد يُبَاع وَالْغَالِب على الطّلبَة الْفقر ترك
الطّلب فَكَانَ هَذَا سَببا لمَوْت السّنة وَيدخل هَؤُلَاءِ
فِي معنى الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله وَقد رَأينَا من كَانَ
على
(3/421)
مأثور السّلف فِي نشر الْعلم فبورك لَهُ
فِي حَيَاته وَبعد مماته وَأما من كَانَ على السِّيرَة الَّتِي
ذممناها فَلم يُبَارك لَهُ على غزارة علمه نسْأَل الله عز وَجل
الْإِخْلَاص فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال انْتهى (1)
وَمَا نَقله الْمُؤلف عَن فَتْوَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق
مَحْمُول على من لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ وَكَانَ يَنْقَطِع عَن
كَسبه وَقِيَاس الشَّاهِد أَنه لَا يجوز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة
على أَدَاء الشَّهَادَة لِأَنَّهُ فرض (2) عَلَيْهِ أَن يكون
هُنَا مثله
مَسْأَلَة
قبُول (3) الْهَدِيَّة (4) من المستفتي (5) وَلَا يخفي الْوَرع
(6)
وَقد حكى أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن عبد الله بن زبر (7)
فِي أخباره أَن أَصْحَاب الحَدِيث أهدوا لَهُ هَدِيَّة (8)
فَلَمَّا اجْتَمعُوا قَالَ لَهُم أَنْتُم بِالْخِيَارِ إِن
شِئْتُم قبلت
(3/422)
هديتكم وَلم أحدثكُم وَإِن شِئْتُم
رَددتهَا عَلَيْكُم وحدثتكم فَاخْتَارُوا ردهَا فردوها
وَحَدَّثَهُمْ (1)
وحكاية (2) حَمْزَة - أحد الْأَئِمَّة السَّبْعَة - فِي
امْتِنَاعه من شرب المَاء لما اشْتَدَّ بِهِ الْعَطش (3) فِي
يَوْم حَار من بَيت مر بِهِ فَخرج [بِهِ] (4) شَاب (5) فَعرفهُ
بِوَجْهِهِ وَقَالَ أَأَنْت الَّذِي تحضرنا فِي الْحلقَة
فَقَالَ نعم فَرده عَلَيْهِ وَلم يشرب (6)
270 - (قَوْله) الثَّالِثَة عشر لَا تقبل رِوَايَة من عرف
بالتساهل فِي سَماع الحَدِيث وإسماعه كم لَا يُبَالِي
بِالنَّوْمِ فِي مجْلِس السماع (7 8 9 أَو يزل فيتيقظ الشَّيْخ
وَيرد عَلَيْهِ
(3/423)
سَرِيعا وَكَانَ بَعضهم إِذا كتب طبقَة
السماع كتب وَفُلَان وَهُوَ يَنْعس وَفُلَان وَهُوَ يكْتب 271
- (قَوْله) وَمن هَذَا الْقَبِيل من عرف بِقبُول التَّلْقِين
فِي الحَدِيث (2 3 4 5 6 7 8 9 10 فَأجَاب الملقن بِمَا عرف
(3/424)
بُطْلَانه كَانَ دَلِيلا على مجازفته لَا
على تَعَمّده الْكَذِب فالكذب مِنْهُ يَقِينا يتَوَقَّف على
أَن يثبت أَنه لقن الْبَاطِل الَّذِي عرف بُطْلَانه فَأجَاب
بِهِ وَأما الْإِجَابَة بِمَا يلقن بِهِ من غير تحقق إِفَادَة
فَإِنَّمَا يَجعله قدحا بطرِيق التُّهْمَة أَو بِقَرِينَة شهرت
بالمجازفة وَعدم التثبت (1)
272 - (قَوْله) وَلَا تقبل رِوَايَة من عرف بِكَثْرَة السَّهْو
فِي رِوَايَته إِذا لم يحدث من أصل صَحِيح (6 7 8 9 10] (4)
ثَابتا وَلَعَلَّه روى عَنْهُم فِي عنفوان شبابه فَثَبت حفظه
(5)
(3/425)
الثَّانِي ظَاهره إِذا حدث من أصل صَحِيح
فَلَا مبالاة بِكَثْرَة سَهْوه (1) لِأَن الِاعْتِمَاد
حِينَئِذٍ على الأَصْل لَا على حفظه وَهُوَ ظَاهر كَلَام
الشَّافِعِي فِي الرسَالَة أَيْضا فَإِنَّهُ قَالَ وَمن كثر
غلطه من الْمُحدثين وَلم يكن لَهُ أصل كتاب صَحِيح لم يقبل
حَدِيثه كَمَا يكون من أَكثر الْغَلَط فِي الشَّهَادَة (2) لم
نقبل شَهَادَته (3)
273 - (قَوْله) وَورد عَن ابْن الْمُبَارك (6 7 8 9 10 11 ضم
إِلَى جَهله
(3/426)
إِنْكَاره (1) الْحق (2)
274 - (قَوْله) الرَّابِعَة عشر أعرض النَّاس فِي هَذِه
الْأَعْصَار (3 4 5 6 7 8 9 يكن فِي قديم الْأَمر هَكَذَا روى
الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد (3) عَن أبي بكر الْحِيرِي (4)
(3/427)
(أ 153) عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم (1)
قَالَ كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ حَدِيث فَقَالَ أروي نصفه وَلَا
أروي نصفه الآخر فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ قَرَأت نصفه على
الشَّيْخ ثمَّ هُوَ حمَار فَلَا أَدْرِي سَمعه الشَّيْخ أم لَا
فشككت فِيهِ فتركته وَكَانَ النَّاس هَكَذَا انْتهى
وَقد ذكر ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول توسع
النَّاس فِي هَذِه الْأَعْصَار والإخلال بالضبط وَالْعلم بِمَا
سمع وَقَالَ إِن ذَلِك خلاف الِاحْتِيَاط للدّين (2)
وَقد سبق فِي أول الْكتاب كَلَام الشَّيْخ أثير الدّين أبي
حَيَّان فِي هَذَا الْمَعْنى أَيْضا (3) نعم مَا نَقله ابْن
الصّلاح من التَّوَسُّع فِي هَذَا (د 89) قد ذكره الْأُسْتَاذ
أَبُو نصر بن الْقشيرِي (4) فِي كِتَابه فِي الْأُصُول فَقَالَ
- بعد أَن حكى عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ اشْتِرَاط علم
(3/428)
الشَّيْخ بِمَا يَقْرَؤُهُ الْقَارئ وَلَو
مر (1) [بِهِ] (2) تَحْرِيف أَو تَصْحِيف لرده عَلَيْهِ -
قَالَ ابْن الْقشيرِي وَقد صرح القَاضِي أَبُو بكر بِأَنَّهُ
تصح رِوَايَة الحَدِيث عَمَّن لم يعلم مَعْنَاهُ قَالَ وَهَذَا
فِيمَا أَظن إِجْمَاع من أَئِمَّة (3) وَفِي الْخَبَر رب
حَامِل فقه غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه
مِنْهُ (4) وَلَو شرطنا علم الرَّاوِي بِمَعْنى الحَدِيث
لشرطنا معرفَة جَمِيع وجوهه وينسد بذلك بَاب التحديث قَالَ
وَبِالْجُمْلَةِ فرواة الْأَخْبَار على غَلَبَة الظَّن فَإِذا
قرئَ بَين يَدي الصَّبِي والأمي أَخْبَار
(3/429)
عَن (1) شَيْخه فتحملها هَذَا السَّامع
وقرئت عَلَيْهِ فتحملت عَنهُ اكْتفي بذلك وَاشْتِرَاط (2)
النّظر فِي النُّسْخَة ودراية الْمَعْنى تضييق النطاق فِي
الرِّوَايَة انْتهى
وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي جُزْء
لَهُ جمعه فِي شَرط الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ إِن الشُّيُوخ
الَّذين لَا يعْرفُونَ حَدِيثهمْ الِاعْتِمَاد فِي روايتهم على
الثِّقَة الْمُقَيد عَنْهُم لَا عَلَيْهِم وَإِن هَذَا كُله
توسل من الْحفاظ إِلَى حفظ الْأَسَانِيد إِذْ لَيْسُوا من شَرط
الصَّحِيح إِلَّا على وَجه الْمُتَابَعَة وَلَوْلَا رخصَة
الْعلمَاء لما جَازَت الْكِتَابَة عَنْهُم وَلَا الرِّوَايَة
إِلَّا على قوم مِنْهُم دون آخَرين انْتهى
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فيمَ مُقَدّمَة الْمِيزَان الْعُمْدَة فِي
زَمَاننَا لَيْسَ على الروَاة بل على الْمُحدثين والمقيدين (3)
الَّذين عرفت عدالتهم وَصدقهمْ فِي ضبط أَسمَاء السامعين قَالَ
ثمَّ من الْمَعْلُوم أَنه لَا بُد من صون الرَّاوِي وستره (4)
275 - (قَوْله) أما الفاظ التَّعْدِيل فعلى مَرَاتِب (11 دعاهم
إِلَيْهَا الِاخْتِصَار كَمَا قَالَه ابْن
(3/430)
الْقطَّان فِي أَوَائِل الْوَهم
وَالْإِيهَام قَالَ فَكَمَا كَانَ يحصل لنا من نقل الْعدْل
إِذا قَالَ إِن فلَانا كَانَ ورعا حَافِظًا ضابطا (1) علمنَا
(2) أَن فلَانا الْمَذْكُور مَقْبُول الرِّوَايَة يرجح (3)
جَانب صدقه على جَانب كذبه فَكَذَلِك يحصل لنا ذَلِك إِذا
قَالَ لنا لفظا من الْأَلْفَاظ المصطلح عَلَيْهَا (4)
276 - (قَوْله) الأولى ثِقَة (5) (5 6 7 8 9
وَيَنْبَغِي أَن يكون أَعلَى مِنْهَا قَوْلهم فلَان لَا يسْأَل
عَن مثله وَنَحْوه (7)
(3/431)
277 - (قَوْله) قلت وَكَذَا إِذا قيل ثَبت
أَو حجَّة (2 3 4 5 6 7
(3/432)
صَدُوق لَيْسَ بِحجَّة (1) ] حَكَاهُ عَنهُ
عَبَّاس الدوري (2)
278 - (قَوْله) ورد عَن ابْن أبي خَيْثَمَة أَنه قَالَ [قلت]
ليحيى (3) بن معِين (3 4 الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم
(5) مَا تَقول فِي عَليّ بن
(3/433)
حَوْشَب الْفَزارِيّ (1) فَقَالَ لَا بَأْس
بِهِ قلت وَلم لَا تَقول ثِقَة وَلَا نعلم إِلَّا خيرا قَالَ
قد قلت لَك إِنَّه ثِقَة
الثَّانِي مَا ذكره من أَنه مُخَالف لما تقدم فِيهِ نظر لِأَن
ابْن معِين لم يقل إِن قولي لَا بَأْس بِهِ مسَاوٍ للثقة بل
قَالَ إِن مَا قلت فِيهِ هَذَا فَهُوَ ثِقَة وللثقة مَرَاتِب
وَالتَّعْبِير عَنهُ بقَوْلهمْ ثِقَة أرفع من التَّعْبِير
عَنهُ بِأَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ وَإِن اشْتَركَا فِي مُطلق
الثِّقَة (2) وَيدل على أَن التَّعْبِير بالثقة أرفع حِكَايَة
المُصَنّف عَن عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي (3) وَحكى
الْمَرْوذِيّ نَحْوهَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل (4)
279 - (قَوْله) الثَّالِثَة إِذا قيل شيخ (8 9 10 اتّفقت لَهُ
رِوَايَة الحَدِيث أَو أَحَادِيث أخذت عَنهُ
(3/434)
280 - (قَوْله) مقارب الحَدِيث (2 3 4 5 6
7 8 9 وَلَا الْجَلالَة وَكَلَام الْجَوْهَرِي فِي (4)
الصِّحَاح (5) يَقْتَضِي الْكسر
(3/435)
وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي مرج الْبَحْرين
يُقَال شَيْء مقارب بِكَسْر الرَّاء قَالَه ابْن الْأَعرَابِي
وَقَالَ ثَابت فِي الدَّلَائِل جَمِيع أهل اللُّغَة يخالفوه
فيقولونه بِالْفَتْح انْتهى
وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ للكسر لِأَن هَذَا يُقَال مدحا لَا
ذما ثمَّ ذكر ابْن دحْيَة فِي قَوْلهم فلَان مقارب الحَدِيث
بِالْفَتْح وَالْكَسْر على الْمَعْنيين السَّابِقين (1)
وَمِمَّا أجمله ابْن الصّلاح قَوْلهم روى أَحَادِيث مَنَاكِير
قَالَ الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام لَا يَقْتَضِي
بِمُجَرَّدِهِ ترك (2) رِوَايَته حَتَّى تكْثر الْمَنَاكِير
فِي رِوَايَته وَيَنْتَهِي إِلَى أَن يُقَال فِيهِ مُنكر
الحَدِيث فليتنبه للْفرق بَين قَوْلهم مُنكر الحَدِيث وروى
مَنَاكِير
وَقَالَ فِي الْإِلْمَام من يُقَال فِيهِ مُنكر الحَدِيث
لَيْسَ كمن يُقَال فِيهِ روى أَحَادِيث مُنكرَة لِأَن مُنكر
الحَدِيث وصف فِي الرجل يسْتَحق بِهِ التّرْك لحديثه والعبارة
الْأُخْرَى تَقْتَضِي أَنه وَقع لَهُ فِي حِين لَا دَائِما
وَقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ يروي أَحَادِيث مُنكرَة وَقد اتّفق عَلَيْهِ
الشَّيْخَانِ وَإِلَيْهِ الْمرجع فِي حَدِيث إِنَّمَا
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ (3) انْتهى
وَقَوْلهمْ لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا بِالْحَافِظِ يحْتَمل أَن
يُرَاد بِهِ انحطاطه عَن الدرجَة الْعَالِيَة وَكَذَا قَوْلهم
[لَا يحمدونه وَلَا ينزلونه منزلَة الْكِبَار فِي الْحِفْظ
(3/436)
وَقَوْلهمْ] (1) صُوَيْلِح وَقَول يحيى فِي
زَائِدَة (2) (3) هُوَ دون شُعْبَة وسُفْيَان (4) وَقَالَ يحيى
بن سعيد لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مثل إِسْمَاعِيل وَهَذَا يدل على
نَقصه بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره لَا نَقصه مُطلقًا وَقَول
البُخَارِيّ فِي الرجل كثيرا فِيهِ نظر قَالَ الحافظان الْمزي
والذهبي هُوَ نَظِير (د 90) قَوْلنَا مَتْرُوك أَو مطروح
وَقَول الشَّافِعِي فِي الرِّوَايَة عَن حرَام بن عُثْمَان (5)
حرَام (6) وَمن روى عَن [أبي] (7) جَابر البياضي (8) بيض الله
عَيْنَيْهِ ومأمون بن أَحْمد (9) غير مَأْمُون (10)
(3/437)
فصل نَافِع فِي مَرَاتِب الْمُتَكَلِّمين
فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
ذكره الذَّهَبِيّ فِي جُزْء مُفْرد (1) وقسمهم إِلَى ثَلَاثَة
أَقسَام
قسم مِنْهُم متعنت فِي الْجرْح (2) متثبت فِي التَّعْدِيل يغمز
(3) الرَّاوِي فِي الغلطتين وَالثَّلَاث فَهَذَا إِذا وثق شخصا
فعض على قَوْله بنواجذك وَتمسك بتوثيقه وَإِذا ضعف رجلا
فَانْظُر هَل وَافقه غَيره على تَضْعِيفه فَإِن وَافقه وَلم
يوثق ذَلِك أحد من الحذاق فَهُوَ ضَعِيف وَإِن وَثَّقَهُ آخر
فَهُوَ الَّذِي قَالُوا لَا يقبل فِيهِ الْجرْح إِلَّا
مُفَسرًا يَعْنِي لَا يَكْفِي فِيهِ قَول ابْن معِين مثلا هُوَ
ضَعِيف وَلم يبين (4) سَبَب ضعفه ثمَّ يَجِيء (5) البُخَارِيّ
وَغَيره يوثقه وَمثل هَذَا يخْتَلف فِي تَصْحِيح حَدِيثه
وتضعيفه (6)
وَقسم مِنْهُم يتسمح كالترمذي وَالْحَاكِم
وَقسم مِنْهُم معتدل كأحمد بن حَنْبَل وَالدَّارَقُطْنِيّ (7)
وَابْن عدي
(3/438)
فَأول من زكى وجرح من التَّابِعين وَإِن
كَانَ (أ 156) قد وَقع ذَلِك قبلهم الشّعبِيّ (1) وَابْن
سِيرِين حفظ عَنْهُمَا تَوْثِيق أنَاس وتضعيف آخَرين وَسبب
قلَّة ذَلِك فِي التَّابِعين قلَّة متبوعيهم من الضُّعَفَاء
إِذْ أَكثر المتبوعين صحابة عدُول وَأكْثر المتبوعين من غير
الصَّحَابَة ثِقَات وَلَا يكَاد يُوجد فِي الْقرن الأول
الَّذِي انقرض فِيهِ الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين ضَعِيف
إِلَّا الْوَاحِد بعد الْوَاحِد كالحارث الْأَعْوَر
وَالْمُخْتَار (2) الْكذَّاب فَلَمَّا مضى الْقرن الأول وَدخل
الثَّانِي كَانَ فِي أَوَائِله من أوساط التَّابِعين جمَاعَة
من الضُّعَفَاء الَّذين ضعفوا غَالِبا من قبل تحملهم وضبطهم
للْحَدِيث [فتراهم يرفعون الْمَوْقُوف ويرسلون كثيرا وَلَهُم
غلط] (3) كَأبي هَارُون الْعَبْدي (4) فَلَمَّا كَانَ عِنْد
آخر عصر التَّابِعين وَهُوَ حُدُود الْخمسين وَمِائَة تكلم فِي
التوثيق والتضعيف طَائِفَة من الْأَئِمَّة فَقَالَ أَبُو
حنيفَة مَا رَأَيْت أكذب من جَابر الْجعْفِيّ وَضعف الْأَعْمَش
جمَاعَة ووثق آخَرين
وَنظر (5) فِي الرِّجَال شُعْبَة بن الْحجَّاج وَكَانَ متثبتا
[لَا يكَاد يروي إِلَّا عَن
(3/439)
ثِقَة] (1) وَكَذَا كَانَ مَالك بن أنس
وَمِمَّنْ إِذا قَالَ فِي هَذَا الْعَصْر قبل قَوْله معمر بن
رَاشد وَهِشَام الدستوَائي (2) وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري
وَابْن الْمَاجشون وَحَمَّاد بن سَلمَة وَاللَّيْث بن سعد
وَغَيرهم (3)
ثمَّ طبقَة أُخْرَى بعد هَؤُلَاءِ كَعبد الله بن الْمُبَارك
وهشيم (4) بن بشير وَأبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ والمعافى بن
عمرَان الْموصِلِي وَبشير بن الْمفضل وَابْن عُيَيْنَة (5)
وَغَيرهم
ثمَّ طبقَة أُخْرَى فِي زمانهم كَابْن علية وَابْن وهب ووكيع
(6) ثمَّ انتدب (7) فِي زمانهم أَيْضا لنقد الرِّجَال الحافظان
الحجتان يحيى بن سعيد الْقطَّان (8) وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي
فَمن جرحاه لَا يكَاد يندمل جرحه (9) وَمن وثقاه فَهُوَ
المقبول وَمن اخْتلفَا فِيهِ [وَذَلِكَ قَلِيل] (10) اجْتهد
فِي أمره (11)
(3/440)
ثمَّ كَانَ بعدهمْ مِمَّن إِذا قَالَ سمع
مِنْهُ يزِيد بن هَارُون (1) وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل
(2)
وبعدهم طبقَة أُخْرَى كالحميدي (3) والقعنبي (4) وَأبي عبيد
(5) وَيحيى بن يحيى (6) وَأبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ (7)
ثمَّ صنفت الْكتب ودونت فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل [والعلل]
(8) وَبَين من [هُوَ] (9) فِي الثِّقَة والتثبت كالسارية وَمن
هُوَ فِي الثِّقَة كالشاب الصَّحِيح الْجِسْم وَمن هُوَ لين
كمن يوجعه رَأسه وَهُوَ متماسك يعد من أهل الْعَافِيَة وَمن
صفته كمحموم يرجح (10) إِلَى السَّلامَة وَمن صفته كمريض شبعان
من الْمَرَض وَآخر كمن سقط قواه وأشرف على التّلف وَهُوَ
الَّذِي يسْقط حَدِيثه (11)
(3/441)
وَولَايَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل بعد من
ذكرنَا ليحيى بن معِين وَقد سَأَلَهُ عَن الرِّجَال غير وَاحِد
من الْحفاظ وَمن ثمَّ اخْتلفت آراؤه وعباراته فِي بعض
الرِّجَال كَمَا أختلفت اجتهادات الْفُقَهَاء وَصَارَت لَهُم
الْأَقْوَال وَالْوُجُوه فاجتهدوا فِي الْمسَائِل كَمَا اجْتهد
ابْن معِين فِي الرِّجَال
وَمن طبقته أَحْمد بن حَنْبَل سَأَلَهُ جمَاعَة من تلامذته عَن
الرِّجَال وَكَلَامه فيهم باعتدال وإنصاف وأدب وورع
وَكَذَا تكلم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مُحَمَّد بن سعد كَاتب
الْوَاقِدِيّ فِي طبقاته بِكَلَام جيد مَقْبُول
وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب لَهُ كَلَام كثير رَوَاهُ
عَنهُ ابْنه أَحْمد وَغَيره وَأَبُو جَعْفَر عبد (1) الله بن
مُحَمَّد النُّفَيْلِي (2) حَافظ (3) (أ 157) الجزيرة (4)
الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد لم ار أحفظ مِنْهُ
وَعلي بن عبد الله الْمَدِينِيّ وَله التصانيف الْكَثِيرَة فِي
الْعِلَل وَالرِّجَال
وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد
هُوَ درة الْعرَاق
وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة [الْعَبْسِي صَاحب الْمسند وَكَانَ
آيَة فِي الْحِفْظ شبه] 5
(3/442)
بِأَحْمَد بن حَنْبَل فِي الْمعرفَة
وَعبيد الله بن عمر القواريري (1) الَّذِي قَالَ فِيهِ صَالح
جزرة هُوَ (2) أعلم من رَأَيْت بِحَدِيث أهل الْبَصْرَة
وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه إِمَام خُرَاسَان
وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي
الْحَافِظ (3) وَله كَلَام جيد فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ حَافظ مصر وَكَانَ قَلِيل الْمثل
(4)
وَهَارُون بن عبد الله الْحمال (5) وَكَانَ من أَئِمَّة
الْجرْح وَالتَّعْدِيل (6) ثمَّ خَلفهم
(3/443)
طبقَة (1) أُخْرَى مُتَّصِلَة بهم مِنْهُم
إِسْحَاق (2) الكوسج (3) والدارمي (4) والذهلي وَالْبُخَارِيّ
وَالْعجلِي الْحَافِظ نزيل الْمغرب
ثمَّ من بعدهمْ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَمُسلم
بن الْحجَّاج وابو إِسْحَاق الْجوزجَاني (5) وَهُوَ مِمَّن
يُبَالغ فِي الْجرْح
وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَبَقِي بن مخلد وَأَبُو زرْعَة
الدِّمَشْقِي (6) وَغَيرهم
ثمَّ من بعدهمْ (7) عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن خرَاش
الْبَغْدَادِيّ (8) لَهُ مُصَنف
(3/444)
فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل قوي النَّفس
كَأبي حَاتِم وَإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ (1)
وَمُحَمّد بن وضاح الأندلسي (2) حَافظ قرطبة وَأَبُو بكر بن
أبي عَاصِم (3) وَعبد الله بن أَحْمد وَصَالح جزرة وَأَبُو بكر
الْبَزَّار
وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة (4) وَهُوَ
ضَعِيف لكنه من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن
(3/445)
وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي (1)
ثمَّ من بعدهمْ (2) أَبُو بكر الْفرْيَابِيّ والبرديجي
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى الْموصِلِي وَالْحسن بن سُفْيَان
(3) وَابْن خُزَيْمَة (4)
وَابْن جرير الطَّبَرِيّ والدولابي وَأَبُو عرُوبَة
الْحَرَّانِي (6) وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن عُمَيْر بن جوصا
(7)
(3/446)
وَأَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ (1)
ثمَّ طبقَة (2) أُخْرَى مِنْهُم ابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو طَالب أَحْمد بن نصر الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ شيخ (3)
الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عقدَة وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع (4)
ثمَّ من بعدهمْ (5) أَبُو سعيد بن يُونُس (6) وَابْن حبَان
البستي وَأَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي
الْجِرْجَانِيّ ومصنفه فِي الرِّجَال إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي
الْجرْح
ثمَّ من بعدهمْ (7) أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد
الماسرجسي النَّيْسَابُورِي وَله
(3/447)
مُسْند مُعَلل فِي ألف وثلاثمائة جُزْء (1)
وَأَبُو مُحَمَّد بن حَيَّان (2) وَأَبُو بكر
الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم (3)
وَالدَّارَقُطْنِيّ (4) بِهِ ختم معرفَة الْعِلَل
ثمَّ من بعدهمْ (5) أَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَأَبُو عبد
الله الْحَاكِم وَأَبُو نصر الكلاباذي (6)
(3/448)
وَأَبُو الْمطرف (1) عبد الرَّحْمَن بن
فطيس (2) قَاضِي قرطبة (3) وَله دَلَائِل السّنة فِي خمس
مجلدات وفضائل الصَّحَابَة فِي مِائَتَيْنِ وَخمسين جُزْءا
وَعبد الْغَنِيّ بن سعيد وَأَبُو بكر بن (د 91) مرْدَوَيْه
الْأَصْبَهَانِيّ (4) وَتَمام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ (5)
ثمَّ من بعدهمْ (6)
أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن أبي الفوارس (7) وَأَبُو بكر
البرقاني وَأَبُو حَازِم
(3/449)
العبدوي (1) وَقد كتب عَنهُ عشرَة أنفس
عشرَة آلَاف جُزْء وَخلف بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ (2) (3)
وَأَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي (4) وَأَبُو الْفضل الفلكي (5)
وَله كتاب الطَّبَقَات (أ 158) فِي ألف جُزْء
وَأَبُو الْقَاسِم حَمْزَة السَّهْمِي (6) وَأَبُو يَعْقُوب
القراب الْهَرَوِيّ (7) وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ
ثمَّ من بعدهمْ (8)
(3/450)
أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال
الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو عبد الله الصُّورِي (2) وَأَبُو سعد
السمان (3) وَأَبُو يعلى الخليلي
ثمَّ من بعدهمْ (4) ابْن عبد الْبر وَابْن حزم الأندلسيان
وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب
ثمَّ أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ الزنجاني (5) وَشَيخ
الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ (6) وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن (7)
(3/451)
وَابْن مَاكُولَا (1) وَأَبُو الْوَلِيد
(2) الْبَاجِيّ (3) وَقد صنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وَكَانَ عَلامَة حجَّة
وَأَبُو عبد الله الْحميدِي (4) وَابْن مفوز الْمعَافِرِي
الشاطبي (5) ثمَّ أَبُو الْفضل بن
(3/452)
طَاهِر الْمَقْدِسِي (1) وشجاع بن فَارس
الذهلي (2) والمؤتمن بن أَحْمد بن عَليّ السَّاجِي (3)
وشيرويه بن شهردار (4) الديلمي الهراسي (5) صنف تَارِيخ هراة
وَأَبُو عَليّ الغساني (6)
ثمَّ بعدهمْ (7) أَبُو الْفضل بن نَاصِر السلَامِي (8)
وَالْقَاضِي عِيَاض وَأَبُو طَاهِر
(3/453)
السلَفِي وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ
وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن بشكوال (1)
ثمَّ بعدهمْ (2) عبد الْحق الإشبيلي وَابْن الْجَوْزِيّ
وَأَبُو عبد الله بن الفخار (3) وَعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي
(4) والرهاوي وَابْن مفضل الْمَقْدِسِي (5)
ثمَّ بعدهمْ (6) أَبُو الْحسن بن الْقطَّان وَابْن الْأنمَاطِي
(7) وَابْن نقطة وَابْن
(3/454)
الدبيثي (1) وَابْن خَلِيل الدِّمَشْقِي
(2) وَأَبُو بكر بن خلفون الْأَزْدِيّ الأوسي وَابْن النجار
(3)
ثمَّ (4) الزكي الْمُنْذِرِيّ والبرزالي (5) والصريفيني
والرشيد الْعَطَّار وَابْن الصّلاح وَابْن الْأَبَّار (6)
وَابْن العديم (7) وَأَبُو شامة وَأَبُو الْبَقَاء خَالِد بن
يُوسُف النابلسي (8)
(3/455)
وَابْن الصَّابُونِي (1)
ثمَّ من بعدهمْ (2) الدمياطي وَابْن الظَّاهِرِيّ (3)
والميدومي (4) وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن فَرح (5) وَعبيد
الأسعردي (6)
ثمَّ من بعدهمْ (7) سعد الدّين الْحَارِثِيّ والمزي وَابْن
تَيْمِية وصفي الدّين الْقَرَافِيّ (8)
(3/456)
وَعلم الدّين البرزالي (1) وقطب الدّين
الْحلَبِي (2) وَفتح الدّين بن سيد النَّاس
وَهَذَا فصل نَافِع يوقفك على طَبَقَات الْمُحدثين ومراتبهم
فَائِدَة
إِنَّمَا يجوز الْقدح فِي الرجل إِذا احْتِيجَ إِلَى
الرِّوَايَة عَنهُ وَقد شغف الْمُتَأَخّرُونَ فِي التراجم
بِذكر معايب الشَّخْص وَإِن لم يكن من أهل الرِّوَايَة وَقد
وجدت بِخَط الإِمَام ابي الْفَتْح الْقشيرِي وَقد ذكر عَن ابْن
السَّمْعَانِيّ تَرْجَمَة شَاعِر قدح فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخ
قلت إِذا لم يضْطَر إِلَى الْقدح فِيهِ الرِّوَايَة لم يجز
انْتهى
وَقد ذكر الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان اقواما من هَذَا الْجِنْس
وقدح فيهم وَالله يغْفر لنا وَلَهُم (3)
ثمَّ إِنَّهُم يذكرُونَ أنواعا كَثِيرَة من القوادح وَقد قَالَ
الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد لَا
يجوز للشَّاهِد أَن يدسن (4) مهما أمكن الِاكْتِفَاء
بِأَحَدِهِمَا فَإِن
(3/457)
الْقدح إِنَّمَا يجوز للضَّرُورَة فليقدر
بِقَدرِهَا وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْقَرَافِيّ وَغَيره
فَائِدَة
فِي الْجمع بَين أَقْوَال الْأَئِمَّة الْمَنْقُول عَنْهُم
صِيغَة التمريض والتقوية وَقد جمع بَينهمَا القَاضِي أَبُو
الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَقَالَ فِي كِتَابه فرق الْفُقَهَاء (أ
159) إِن الرجل مِنْهُم قد يسْأَل عَن الشَّيْخ الَّذِي لَيْسَ
بذلك فِي جملَة الضُّعَفَاء فَيَقُول لَا باس بِهِ هُوَ صَدُوق
هُوَ ثِقَة يَعْنِي أَنه لَيْسَ من هَذِه الطَّبَقَة وَيسْأل
عَنهُ فِي مجْلِس آخر فِي جملَة الْأَئِمَّة فَيَقُول ذَاك
ضَعِيف لين الحَدِيث عِنْده مَنَاكِير (1) لَيْسَ بِمَعْرُوف
على حسب حَاله وَقد كَانَ يحيى بن معِين يسْأَل عَن رجل روى
حَدِيثا فيضعفه وَيسْأل عَنهُ فِي رِوَايَة حَدِيث آخر فيوثقه
(2) وَإِنَّمَا ذَلِك بِحَسب مَا يحْتَملهُ حَاله من الحَدِيث
وَيقبل فِيهِ على انْفِرَاده وَرِوَايَته فَلَا يقبل على هَذَا
وَلَا يفهمهُ إِلَّا من عرف الصِّنَاعَة وَعلم أسرارها
ومقاصدها وأغراض الْأَئِمَّة المجرحين والمعدلين وَلَيْسَ كل
أحد من الثِّقَات يحْتَمل تفرده
(3/458)
|