النكت على مقدمة ابن الصلاح

النَّوْع الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

281 - (قَوْله) فَتقبل رِوَايَة من تحمل قبل الْإِسْلَام وروى بعده (3 4 5 هِرقل (4) ويلتحق بِهِ من تحمل فِي

(3/459)


حَالَة الْفسق ثمَّ روى بعد الْعَدَالَة بل أولى
وَمن الْغَرِيب والعجيب رِوَايَة أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وجدت بِخَط) (3 4 مَنْصُور بن عبد الله الخالدي ثَنَا أَبُو أَحْمد إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عَليّ

(3/460)


الْكُوفِي (1) ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْعقيلِيّ (2) ثَنَا جَعْفَر بن أبان (3) ثَنَا حسن بن عَليّ الموافقي (4) عَن يُونُس بن إِبْرَاهِيم (5) عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة (6) عَن عُرْوَة بن عَمْرو الثَّقَفِيّ (7) سَمِعت أَبَا طَالب قَالَ سَمِعت ابْن أخي الْأمين يَقُول اشكر ترزق وَلَا تكفر فتعذب (8)
282 - (قَوْله) وَكَذَا رِوَايَة من سمع قبل الْبلُوغ وروى بعده وَمنع من ذَلِك قوم فأخطأوا انْتهى

(3/461)


وَهَذَا الْمَنْع هُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة وَلَهُم (1) وَجه أَنه يجوز رِوَايَة الصَّبِي قبل بُلُوغه وَالْمَشْهُور الأول وَيدل لما قَالَه المُصَنّف سَماع صبيان الصَّحَابَة ثمَّ روايتهم بعد الْبلُوغ وَقبلت بالاجماع وَقد سلمت أم أنس أنسا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبيا للْخدمَة فخدمه عشر سِنِين وَكَذَلِكَ كثرت رِوَايَته عَنهُ
وَأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بنت تسع وروت عَنهُ الْكثير
وَشرط الأصوليون كَونه عِنْد التَّحَمُّل مُمَيّزا (2) وَإِلَّا لم تصح رِوَايَته بعد الْبلُوغ قَالَ ابْن الْقشيرِي وَحكي فِيهِ الْإِجْمَاع
283 - (قَوْله) وَقيل لمُوسَى بن إِسْحَاق كَيفَ لم تكْتب عَن أبي نعيم (8 بن دُكَيْن الْكُوفِي مر بِأبي جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ

(3/462)


الملقب بمطين (1) صَغِيرا يلْعَب مَعَ الصّبيان وَقد تلطخ بالطين وَكَانَ بَينه وَبَين أَبِيه مَوَدَّة فَنظر إِلَيْهِ وَقَالَ يَا مطين قد آن لَك أَن تحضر مجْلِس السماع ذكره الْحَاكِم فِي النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ (أ 160) من كِتَابه (2)
وَهَذَا لَا يرد فَلَعَلَّهُ رأى فِيهِ من النجابة مَا يسْتَحق ذَلِك وَلِأَن فِيهِ الْأَمر بِحُضُور مجَالِس الحَدِيث لَا الرحلة إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالة فَإِن ذَلِك يَسْتَدْعِي مزِيد فهم وَقُوَّة وَقد قَالَ أَبُو الْحسن سعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ (3) فِي كتاب شرف الحَدِيث كَانَ الْأَمر المواظب عَلَيْهِ فِي عصر التَّابِعين وقريبا مِنْهُم لَا يكْتب الحَدِيث إِلَّا من جَاوز حد الْبلُوغ وَصَارَ فِي عداد من يصلح لمجالسة الْعلمَاء ومذاكرتهم وَقد قيل إِن أهل الْكُوفَة لم يكن الْوَاحِد مِنْهُم يسمع الحَدِيث إِلَّا بعد استكمال عشْرين سنة (4)
284 - (قَوْله) الثَّالِث اخْتلفُوا فِي أول زمَان يَصح فِيهِ سَماع الصَّغِير (10 إِلَى آخِره

(3/463)


وَحَاصِله حِكَايَة أَرْبَعَة أَقْوَال إِذا ميز أدنى تَمْيِيز وَإِذا عقل وَضبط وَإِذا بلغ خمْسا وَإِذا بلغ الْبلُوغ الشَّرْعِيّ
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر وَهُوَ التَّفْصِيل بَين الْعَرَبِيّ والعجمي وَهُوَ الْمَذْكُور فِي كتاب الْوَجِيز فِي ذكر الْمجَاز والمجيز لِلْحَافِظِ أبي الطَّاهِر السلَفِي فَقَالَ إِن الْأَكْثَرين على أَن الْعَرَبِيّ يَصح سَمَاعه إِذا بلغ سنتَيْن لحَدِيث مَحْمُود (1) وَأَن العجمي يَصح إِذا بلغ سبع سِنِين (6 7 8 9 10 بن يزِيد والمسور (2) بن مخرمَة وروى مسلمة بن مخلد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(3/464)


وَكَانَ لَهُ حِين قبض عشر سِنِين وَقيل ارْبَعْ عشرَة وَتزَوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة وَهِي بنت سِتّ وَبنى بهَا وَهِي بنت تسع وروت عَنهُ مَا حفظت فِي ذَلِك الْوَقْت وروى عمر بن أبي سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (1) لَهُ يَا غُلَام سم الله وكل مِمَّا يليك (2) (3)
قَالَ وَالْمُعْتَبر فِيهِ الْحَرَكَة والتيقظ والضبط عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث
وَحكي عَن بعض أهل الْعلم أَن السماع يَصح بِحُصُول التَّمْيِيز والإصغاء فَحسب (4) وَلِهَذَا بَكرُوا بالأطفال فِي السماع من الشُّيُوخ الَّذين علا إسنادهم قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ مَاتَ عبد الرَّزَّاق وللدبري (5) (6) سِتّ (7) سِنِين (8) أَو سبع وَقد

(3/465)


روى الدبرِي عَن عبد الرَّزَّاق عَامَّة (1) كتبه ونقلها النَّاس عَنهُ وسمعوها مِنْهُ قَالَ وَسمع القَاضِي أَبُو عمر الْقَاسِم (2) بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي (3) كتاب سنَن أبي دَاوُد من اللؤْلُؤِي وَله خمس سِنِين واعتد النَّاس بذلك السماع وَنقل عَنهُ الْكتاب عَامَّة أهل الْعلم من حفاظ الحَدِيث وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم (4) انْتهى
وَمَا ذكره المُصَنّف عَن القَاضِي عِيَاض أَن أهل الصَّنْعَة حدوه بِخمْس أهمل مِنْهُ قَول القَاضِي وليعلم إِنَّمَا أَرَادوا أَن هَذَا السن أقل مَا يحصل بِهِ الضَّبْط وعقل مَا يسمع وَحفظه وَإِلَّا فمرجوع ذَلِك للعادات فَرب (5) بليد الطَّبْع غبي (6) الْفطْرَة (7) لَا يضْبط شَيْئا فَوق هَذَا السن قَالَ وَرِوَايَة مَحْمُود بن الرّبيع فِي الْخمس ذكرهَا البُخَارِيّ من طَرِيق أبي مسْهر (8) وَتَابعه ابْن الْمُصَفّى وَغَيره وَخَالفهُم غَيرهم فَقَالُوا أَربع سِنِين (9) قلت وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى تَعْلِيل الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ (10)

(3/466)


(أ 161) وَقد يستشهد لرِوَايَة الْأَرْبَع بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي الْفَضَائِل من ضبط ابْن الزبير وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَقَوله كنت يَوْم الخَنْدَق أَنا وَعمر بن أبي سَلمَة مَعَ النسْوَة فِي أَطَم حسان نَنْظُر فَكنت أعرف أبي إِذا مر على فرسه فِي السِّلَاح إِلَى بني قُرَيْظَة (1) بل روى أَحْمد فِي الْمسند عَن أبي الجوزاء (2) قلت لِلْحسنِ بن عَليّ مَا تذكر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أذكر أَنِّي أخذت تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فجعلتها فِي فِي فنزعها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلعابها فَجَعلهَا فِي التَّمْر (3)
وروى مثله عَن الْحُسَيْن أَيْضا (4) وَفِي رِوَايَة غَيره فَقَالَ كخ كخ وَمثل

(3/467)


ذَلِك لَا يُقَال إِلَّا للطفل الْمُرْضع أَو قريب مِنْهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث مصرحة بِمَا دون الْخمس فَكيف يَجْعَل الْخمس تحديدا
285 - (قَوْله) وَيَنْبَغِي اعْتِبَار كل بِحَسب عقله وفهمه (4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 وفوض إِلَه اخْتِيَار أَحدهمَا

(3/468)


وَإِنَّمَا قدر - بذلك لسن (1) التَّمْيِيز لِأَنَّهَا السن الَّتِي يفهم فِيهَا الْوَلَد حَال أَبَوَيْهِ ثمَّ قدرهَا أَصْحَاب الشَّافِعِي بِسبع لِأَنَّهَا السن الَّتِي أَمر فِيهَا بِالصَّلَاةِ لفهم الْخطاب على الْجُمْلَة
قَالَ وَأما حَدِيث مَحْمُود بن الرّبيع فَلَعَلَّ تَمْيِيزه فِي هَذَا السن وإدراكه فِيهَا ببركة رُؤْيَته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبركة المَاء الَّذِي مجه فِي وَجهه وَأصَاب بَشرته من فَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يبعد أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصد بذلك إِصَابَة بركته فَإِن وجد صبي على الندور إِدْرَاكه (2) مثل إِدْرَاك (3) مَحْمُود بن الرّبيع فِي سنه صَحَّ سَمَاعه حالتئذ انْتهى
وَكَذَا قَالَ غَيره (4) لَيْسَ فِي حَدِيث مَحْمُود مَا يدل على التَّحْدِيد بِهَذَا لكل أحد إِذْ لَيْسَ تَمْيِيز كل أحد كتمييز مَحْمُود بل قد ينقص عَنهُ وَقد يزِيد وَلَا يلْزم مِنْهُ أَلا يعقل قبل ذَلِك وسنه أقل من ذَلِك وَلَا يلْزم من عقل المجة أَن يعقل غير ذَلِك (5) على أَن الْمَنْصُوص للشَّافِعِيّ اعْتِبَار السَّبع فروى الْحَافِظ السلَفِي بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ كنت عِنْد الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقد أَتَاهُ رجل يطْلب الْإِجَازَة لِابْنِهِ فَقَالَ كم لابنك فَقَالَ سِتّ سِنِين فَقَالَ لَا يجوز الْإِجَازَة لمثله حَتَّى يتم (6) لَهُ سبع سِنِين (7) انْتهى

(3/469)


وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْإِجَازَة فَفِي السماع بطرِيق الأولى وَهَذَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي كِتَابه أدب (أ 162) [الْمُحدث] (1) فَإِنَّهُ صدر الْبَاب بِحَدِيث مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع (2) وَبِحَدِيث عبد الله بن الزبير أَنه جِيءَ بِهِ ليبايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن سبع فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بَايعه (3)
وَحكى قَول الْمُزنِيّ قلت للشَّافِعِيّ قد سمع ابْن الزبير من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم وَحفظ عَنهُ وَكَانَ يَوْم سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن سبع سِنِين (4) وَقَول عَمْرو بن سَلمَة أممت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن سبع أَو سِتّ (5)
286 - (قَوْله) وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي أَنه قَالَ رَأَيْت صَبيا ابْن ارْبَعْ سِنِين إِلَى آخِره

(3/470)


هَذِه الْحِكَايَة رَوَاهَا الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة (1) بِإِسْنَادِهِ وَطعن بَعضهم (2) فِي صِحَّتهَا بِأَن فِي سندها أَحْمد بن كَامِل القَاضِي (3) وَكَانَ يعْتَمد على حفظه فيهم (4) وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ متساهلا
قلت قد ذكر صَاحب الْمِيزَان أَن [غير] (5) الدَّارَقُطْنِيّ مَشاهُ وَكَانَ من أوعية الْعلم (6)
287 - (قَوْله) الأول السماع من لفظ الشَّيْخ وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى إملاء وتحديث إِلَى قَوْله وَهَذَا الْقسم أرفع الْأَقْسَام

(3/471)


قَضيته مُسَاوَاة الْإِمْلَاء والتحديث فِي أَنَّهُمَا أَعلَى الْأَقْسَام [وَذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي أدب الْإِمْلَاء والاستملاء أَن أَعلَى (1) الْأَقْسَام (2) أَن يملي عَلَيْك وتكتب من لَفظه لِأَنَّك إِذا قَرَأت عَلَيْهِ رُبمَا يغْفل أَو لَا يسمع وَإِن قَرَأَ عَلَيْك رُبمَا تشتغل (د 93) بِشَيْء عَن سَمَاعه وَإِن قرئَ عَلَيْهِ ويحضر (3) سَمَاعه فَكَذَلِك
ثمَّ أسْند عَن إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع (4) أَنه قَالَ لَا أعد الْقِرَاءَة شَيْئا بَعْدَمَا رَأَيْت مَالِكًا يقْرَأ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْعس (5) قَالَ وَقد روى عَن يحيى بن يحيى قَرِيبا من هَذَا ثمَّ أسْند إِلَى أبي عَليّ الزنجاني (6) قَالَ قَرَأَ (7) يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي (8) الْحَافِظ كتاب الْمُوَطَّأ على مَالك فَلَمَّا فرغ مِنْهُ [قَالَ لمَالِك مَا سكن قلبِي إِلَى هَذَا السماع قَالَ وَلم قَالَ لِأَنِّي خشيت أَنه سقط مِنْهُ] (9) شَيْء (10) فَقَرَأَ مَالك فَلَمَّا فرغ قَالَ مَا سكن قلبِي إِلَى هَذَا السماع لِأَنِّي خشيت أَنه سقط من أُذُنِي [شَيْء] (11) قَالَ اقرؤه أَنا ثَانِيًا فتسمعه فقرأه وَتمّ لَهُ السماع ثَلَاث مَرَّات (12)

(3/472)


288 - (قَوْله) نقلا عَن القَاضِي عِيَاض أَنه لَا خلاف فِيمَا نَسْمَعهُ أَن نقُول حَدثنَا (3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 رَاوِي الْكتاب أَنه

(3/473)


قَالَ يُقَال إِن هَذَا الرجل الْخضر (1) وَلَا يبعد أَن يكون الْخضر تلقى ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن الْمواق وَلَا أَقُول إِن حَدثنَا صَرِيح فِي السماع بل ظَاهر قوي حَتَّى يعلم خِلَافه (2) (أ 163)
289 - (قَوْله) مُعْتَرضًا على مَا نَقله عَن عِيَاض - فِيهِ نظر (5 6 7 8 9 10 11 1)

(3/474)


هَذَا فِيهِ مُوَافقَة لما قُلْنَاهُ عَن ابْن الْقطَّان آنِفا وَرَأَيْت فِي كتاب أصُول الْفِقْه لأبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان من قدماء أَصْحَابنَا ذَلِك أَيْضا فَقَالَ سَمِعت آكِد من حَدثنَا لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون ثَنَا أَي حدث قَومنَا لقَوْل الْحسن خَطَبنَا ابْن عَبَّاس انْتهى
وينازع فِيهِ قَول المُصَنّف بعد ذَلِك أَن ثَنَا وَأَنا أرفع من سَمِعت من وَجه آخر وَهُوَ أَن قَوْله حَدثنَا وَأخْبرنَا فِيهِ على مخاطبته لَهُ بِهِ وَأَنه رَوَاهُ لَهُ
وَذكر عبد الْغَنِيّ فِي أدب الْمُحدث عَن الْأَصْمَعِي (1) قَالَ سَمِعت مُعْتَمر بن سُلَيْمَان (2) يَقُول سَمِعت أسهل عَليّ من حَدثنَا وَأخْبرنَا وحَدثني واخبرني لِأَن الرجل قد يسمع وَلَا يحدث (3)

(3/475)


وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن الْقُسْطَلَانِيّ (1) فِي كِتَابه الْمنْهَج الْأَحْسَن التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الْمجْلس محصورا لإسماع قوم مُعينين وَلم يكن فيهم وسَمعه يَقُول فَقَالَ سَمِعت فَهُوَ دون ثَنَا إِذْ لم يَقْصِدهُ بِالتَّحْدِيثِ فَإِن (4 5 6) إِلَى أَخّرهُ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَهَذَا إِذا لم يقم دَلِيل قَاطع على أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة لم يجز أَن يُصَار إِلَيْهِ (2)
قلت قَالَ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من قَالَ عَن الْحسن حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة فقد أَخطَأ (3) يُشِير إِلَى أَنه لم يسمع مِنْهُ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور مِنْهُم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيُونُس بن عبيد (4) (5)

(3/476)


وَزِيَاد الأعلم (1) وَأَيوب بن أبي تَمِيمَة وَابْن جدعَان (2) والبرديجي وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ - زَاد يُونُس مَا رَآهُ قطّ - وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَالْبَزَّار فِي مُسْنده (3)
وَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ عَن الْفضل بن عِيسَى الرقاشِي (4) عَن الْحسن قَالَ خَطَبنَا أَبُو هُرَيْرَة فَذكره (5)
وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده ثَنَا عباد بن رَاشد (6) ثَنَا الْحسن ثَنَا أَبُو هُرَيْرَة - وَنحن إِذْ ذَاك بِالْمَدِينَةِ - قَالَ يَجِيء الْإِسْلَام يَوْم الْقِيَامَة (7) الحَدِيث

(3/477)


وَهُوَ على رسم الشَّيْخَيْنِ (1) وَفِيه دلَالَة على أَنه سمع مِنْهُ قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الصَّغِير فِي بَاب المحمدين وَقد اخْرُج حَدِيثا عَن الْحسن قَالَ خَطَبنَا أَبُو هُرَيْرَة على منبره (2) فَذكر حَدِيثا ثمَّ قَالَ وَهَذَا الحَدِيث يُؤَيّد قَول من قَالَ إِن الْحسن قد سمع من أبي هُرَيْرَة بِالْمَدِينَةِ وَقد رأى الْحسن عُثْمَان بن عَفَّان يخْطب على الْمِنْبَر (3) (أ 164)
292 - (قَوْله) وَسَأَلَ الْخَطِيب شَيْخه (4) البرقاني (6 7 8 9 فَلذَلِك تورع وتحرى

(3/478)


293 - (قَوْله) وَأما قَوْله قَالَ لنا فلَان (2 3 4 5 6 7 8 الْجَوَاز وَحكى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن البُخَارِيّ أَنه كَانَ حكى عَن

(3/479)


أبي سعيد الْحداد (1) أَنه قَالَ عِنْدِي خبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقِرَاءَة على الْعَالم فَقيل لَهُ فَقَالَ قصَّة ضمام بن ثَعْلَبَة آللَّهُ أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم (2) (3)
295 - (قَوْله) فَنقل عَن أبي حنيفَة وَغَيره تَرْجِيح الْقِرَاءَة على الشَّيْخ على السماع من لَفظه (4 5 6 قلبا وشغل الْقلب وتوزع الْفِكر إِلَى الْقَارئ أسْرع فَلذَلِك رجح (4)

(3/480)


296 - (قَوْله) وَرُوِيَ عَن مَالك وَغَيره أَنَّهُمَا سَوَاء (2 3 4 5 6 7 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قراءتك على الْعَالم وَقِرَاءَة الْعَالم عَلَيْك سَوَاء (8)

(3/481)


297 - (قَوْله) وَالصَّحِيح تَرْجِيح السماع (2 3 4) إِلَى آخِره
لم يستثنوا مِمَّا يجوز فِي الْقسم الأول إِلَّا لَفْظَة سَمِعت فَلم يجوزوها فِي الْعرض وَقد صرح بذلك أَحْمد بن صَالح فَقَالَ لَا يجوز أَن يَقُول سَمِعت
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب إِنَّه الصَّحِيح قَالَ وَقَالَ بَعضهم يجوز قَالَ القَاضِي عِيَاض وَهُوَ قَول رُوِيَ عَن مَالك وَالثَّوْري (1)
وَالصَّحِيح مَا تقدم وَقَالَ ابْن أبي الدَّم طرد الْخلاف هُنَا فِي قَوْله سَمِعت بعيد جدا فَلَا يَنْبَغِي أَن يجوز للراوي أَن يَقُول (أ 165) سَمِعت إِذا لم يسمع لَفظه قولا وَاحِدًا لِأَنَّهَا صَرِيحَة فِي سَماع اللَّفْظ من الشَّيْخ وَلم يصطلح الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ على إِطْلَاقهَا على التحديث وَالرِّوَايَة من غير السماع (2)
299 - (قَوْله) وَأما إِطْلَاقه حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الْقِرَاءَة على

(3/482)


الشَّيْخ (2 3 4 5 6)
هَذَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي جَامعه عَن أَكثر أهل الْعلم (3) وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره إِنَّه الصَّحِيح وَنقل عَن الْحَاكِم أَنه مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة (4) وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن مَالك وَأبي حنيفَة وَحَكَاهُ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي أدب الْمُحدث عَن مَالك قَالَ وَسمعت إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد القَاضِي (5) يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي (6) - وَسَأَلَهُ رجل مَا الْفرق بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا -

(3/483)


فَقَالَ سَوَاء الْخلق (1) (2)
وَاحْتج عبد الْغَنِيّ على التَّسْوِيَة بَينهمَا بقوله تَعَالَى {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} (3) قَالَ فَجمع بَينهمَا
وَقَالَ ابْن فَارس فِي كتاب مآخذ الْعلم ذهب أَكثر عُلَمَائِنَا إِلَى أَنه لَا فرق بَين قَول الْمُحدث حَدثنَا وَأخْبرنَا وَقَالَ آخَرُونَ حَدثنَا دَال على أَنه سَمعه لفظا وَأخْبرنَا دَال على سمع قِرَاءَة عَلَيْهِ وَهَذَا عندنَا بَاب من التعمق وَالْأَمر فِي ذَلِك كُله وَاحِد وَلَا فرق بَينهمَا عِنْد الْعَرَب ثمَّ اسْتشْهد على ذَلِك بأشعارهم (4)
وَكَذَلِكَ صنف أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ جُزْءا فِي إِثْبَات التَّسْوِيَة بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا وَاحْتج بقوله تَعَالَى {تحدث أَخْبَارهَا} (5) وَقَوله تَعَالَى {قد نبأنا الله من أخباركم} (6) و {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} (7) قَالَ فَسمى بَعْضهَا خَبرا وَبَعضهَا حَدِيثا

(3/484)


وَفِي الحَدِيث أخبروني عَن شَجَرَة مثلهَا مثل الْمُؤمن (1) فَهُوَ فِي معنى حَدثُونِي وَقَالَ حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل (2) فَسمى مَا يذكر عَنْهُم حَدِيثا لَا أَخْبَارًا وَذكر نَحْو ذَلِك مِمَّا اسْتعْمل فِيهِ الْأَخْبَار بِمَعْنى التحديث وَعَكسه
وَاحْتج غَيره بقوله تَعَالَى {وَإِذ أسر} النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ) (4) فَاسْتعْمل التحديث والإنباء بِمَعْنى وَاحِد
وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ فِي المسالك (5) أَن بَعضهم قَالَ حَدثنَا أبلغ من أخبرنَا لِأَن أخبرنَا قد تكون صفة للموصوف والمخبر من لَهُ الْخَبَر
301 - (قَوْله) وَالْمذهب الثَّالِث الْفرق إِلَى آخِره

(3/485)


مَا ذكر (1) أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْجَامِع عَن الرّبيع قَالَ قَالَ الشَّافِعِي إِذا قَرَأَ عَلَيْك الْمُحدث فَقل (2) حَدثنَا وَإِذا قَرَأت عَلَيْهِ فَقل أخبرنَا (3)
قَالَ الْخَطِيب وَهَذَا الَّذِي قَالَه الشَّافِعِي مَذْهَب جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ وَابْن جريج وَكَانَ حَمَّاد بن سَلمَة وهشيم بن بشير وَابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَيزِيد بن هَارُون وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَغَيرهم يَقُولُونَ فِي غَالب حَدِيثهمْ الَّذِي يَرْوُونَهُ (4) أخبرنَا وَلَا يكادون يَقُولُونَ حَدثنَا (5)
302 - (قَوْله) وَمن أحسن مَا يحْكى عَمَّن ذهب هَذَا الْمَذْهَب (8 9 حبيب بن أبي ثَابت (أ 166) على مَحَله من الْعلم لَا تقوم

(3/486)


بحَديثه حجَّة لأمر (1) كَانَ يذهب إِلَيْهِ وَكَانَ (2) مذْهبه مَا قَالَ إِذا حَدثنِي رجل عَنْك بِحَدِيث ثمَّ حدثت بِهِ عَنْك كنت صَادِقا (3) فَانْظُر إِلَى حِكَايَة أبي حَاتِم الْهَرَوِيّ (4) وتشديده (5) وحكاية حبيب وتساهله وَمَعَ ذَلِك فقد خرج لحبيب فِي الصَّحِيح فَكَأَن هَذِه الْحِكَايَة لم تصح (6)
303 - (قَوْله) وَإِن كَانَ الشَّيْخ لَا يحفظ مَا يقرا عَلَيْهِ فَرَأى بعض أَئِمَّة الْأُصُول أَن هَذَا السماع غير صَحِيح (6 إِمَام الْحَرَمَيْنِ (7) والمازري فِي

(3/487)


شرح الْبُرْهَان وَالْعجب من المُصَنّف فِي عزوه ذَلِك لبَعض الْأُصُولِيِّينَ وَقد نَقله الْحَاكِم عَن مَالك وَأبي حنيفَة (1) وَأخرج فِي مُسْتَدْركه عَن أبي مُوسَى الغافقي (2) قَالَ آخر مَا عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ عَلَيْكُم بِكِتَاب (3) الله وسترجعون إِلَى قوم يحبونَ الحَدِيث عني - أَو كلمة تشبهها - فَمن حفظ [عني] (4) شَيْئا فليحدث بِهِ قَالَ وَقد جمع هَذَا الحَدِيث لفظتين غريبتين إِحْدَاهمَا يحبونَ الحَدِيث وَثَانِيهمَا قَوْله فَمن حفظ عني شَيْئا فليحدث بِهِ
وَقد ذهب جمَاعَة من أَئِمَّة الْإِسْلَام إِلَى أَنه لَيْسَ للمحدث أَن يحدث بِمَا لم يحفظ (5) انْتهى
وَابْن الصّلاح أَخذ (6) ذَلِك من كَلَام القَاضِي عِيَاض فَإِنَّهُ حكى ذَلِك (7) عَن القَاضِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَط ثمَّ قَالَ وَاخْتَارَهُ (8) بَعضهم وَصَححهُ وَبِه عمل كَافَّة الشُّيُوخ وَأهل الحَدِيث (9) وَفِي كتاب السلَفِي الَّذِي سَمَّاهُ شَرط الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ هَل على التلميذ أَن يري (10) الشَّيْخ صُورَة سَمَاعه فِي الْجُزْء أَو يقْتَصر

(3/488)


على إِعْلَامه قَالَ أَبُو الطَّاهِر هما سيان على هَذَا عهدنا علماءنا عَن آخِرهم وَلم يزل الْحفاظ قَدِيما وحديثا يخرجُون للشيوخ من الْأُصُول فَتَصِير تِلْكَ الْفُرُوع بعد الْمُقَابلَة أصولا وَهل كَانَت الْأُصُول أَولا إِلَّا فروعا (1) انْتهى
304 - (قَوْله) قَالَ أَبُو نصر لَيْسَ لَهُ أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي (5 6 7 8 9 نقُول فِي الْأَدَاء حَدثنِي وَلَا أَخْبرنِي وَلَا سَمِعت (5) وَفِيه نظر

(3/489)


305 - (قَوْله) الثَّالِث فِيمَا نرويه عَن الْحَاكِم (2 3) فسوى بَين مَسْأَلَتَيْنِ التحديث وَالْأَخْبَار وَهُوَ الْقيَاس (3)
وَمثل ذَلِك مَا حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْوَلِيد بن بكر (4) فِي كتاب الوجازة فِي صِحَة القَوْل بِالْإِجَازَةِ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا حَدثَك الْعَالم وَحدك فَقل حَدثنِي وَإِذا حَدثَك فِي ملإ فَقل حَدثنَا وَإِذا قَرَأت عَلَيْهِ فَقل قَرَأت عَلَيْهِ وَإِذا قرئَ عَلَيْهِ فَقل قرئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع (5) قَالَ أَبُو عبد الله ابْن الْحَاج (6) وَأَنا اسْتحْسنَ مَا قَالَه ابْن حَنْبَل لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّحَرِّي

(3/490)


قَالَ حفيد القَاضِي (1) فِي كتاب أدب (2) الرِّوَايَة إِذا حدث الحَدِيث عَن الرَّاوِي سَمَاعا من لَفظه إِن كنت مُفردا أَو فِي جمَاعَة فَقل حَدثنَا (أ / 167) وَإِن حَدثَك وَحدك فَقل حَدثنِي فقولك حَدثنَا أَعم وَجَاز لفظ الْجَمَاعَة تجوزا
306 - (قَوْله) فَإِن شكّ فِي شَيْء عِنْده أَنه من قبيل حَدثنَا أَو أخبرنَا (5 6 7 8 9 10 11 12 على فلَان (7) وَهَذَا

(3/491)


حسن فَإِن إِفْرَاد الضَّمِير يَقْتَضِي قِرَاءَته وَجمعه يُمكن حمله على قِرَاءَة بعض من حضر
307 - (قَوْله) ثمَّ إِن هَذَا التَّفْصِيل من أَصله مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب حَكَاهُ الْخَطِيب عَن أهل الْعلم كَافَّة (4 5 6 7 8 9 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَحَادِيثه بِالْمَعْنَى فَأولى أَن

(3/492)


يجوز إِبْدَال لفظ حَدثنَا وَأخْبرنَا وعَلى الْعَكْس وَلَكِن فِيمَا إِذا علم أَن الشَّيْخ لَا يفرق بَين اللَّفْظَيْنِ وَأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد كَنَظِيرِهِ فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى فَإِن علم من الشَّيْخ أَنه لم يفرق أَو لَا يرى هَذَا حصل الْفرق بَينه وَبَين الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى (1) وَمَا حمل ابْن الصّلاح كَلَام الْخَطِيب عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ فِي الاقتراح إِنَّه ضَعِيف قَالَ [وَأَقل مَا فِيهِ] (2) أَنه يَقْتَضِي تَجْوِيز هَذَا فِيمَا ينْقل من المصنفات الْمُتَقَدّمَة إِلَى أجزائنا وتخاريجنا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِير التصنيف الْمُتَقَدّم
قَالَ وَلَيْسَ هَذَا جَارِيا على الِاصْطِلَاح بل الِاصْطِلَاح أَلا تَتَغَيَّر (3) الْأَلْفَاظ بعد الِانْتِهَاء إِلَى الْكتب المُصَنّف فَسَوَاء رويناها فِيهَا أَو نقلناها مِنْهَا (4)
وَفِي كَلَام بَعضهم مَا يدل على امْتِنَاعه وَفِيه ضعف لم يُخبرهُ (5) قَالَ وَبَعض الْمُحدثين لَا يلْتَزم عدم الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَيزِيد تَارِيخ السماع وَتَعْيِين الْقَارئ والمخرج وَلَا يجْرِي ذَلِك على قانون (6) الأَصْل (7)
وَقبل الِانْتِهَاء إِلَيْهَا يَنْبَغِي أَن يتحفظ فِي أَسمَاء رواتها إِذا تصرف فِيهَا بِشَرْط الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَلَا يزِيد فِي تَعْرِيف الرَّاوِي مَا لَو عرض عَلَيْهِ (8)

(3/493)


309 - (قَوْله) الْخَامِس حَاصله حِكَايَة خلاف فِي جَوَاز السماع وَقت النّسخ (2 3 4 5 6 7 8 9 10 رَاكِبًا إِلَى الْجَبَل وَحَوله اثْنَان وَثَلَاثَة يقرؤون عَلَيْهِ دفْعَة

(3/494)


وَاحِدَة فِي أَمَاكِن مُخْتَلفَة من الْقُرْآن وَيرد على الْجَمِيع (1) قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه معرفَة الْقُرَّاء مَا أعلم أحدا من المقرئين ترخص فِي إقراء آيَتَيْنِ فَصَاعِدا إِلَّا الشَّيْخ علم الدّين وَفِي النَّفس من صِحَة تحمل الرِّوَايَة على هَذَا الْفِعْل شَيْء قَالَ الله تَعَالَى {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} وَلَا ريب فِي أَن ذَلِك ايضا خلاف السّنة لِأَن الله تَعَالَى يقو ل {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن} فَاسْتَمعُوا [لَهُ] (3) وأنصتوا] ) (4) وَإِذا كَانَ هَذَا يقْرَأ فِي سُورَة وَهَذَا فِي سُورَة فِي آن وَاحِد فَفِيهِ مفاسد
أَحدهَا زَوَال بهجة الْقُرْآن عِنْد السامعين
وَثَانِيها أَن كل وَاحِد يشوش على الاخر مَعَ كَونه مَأْمُورا بالإنصات
وَثَالِثهَا أَن الْقَارئ مِنْهُم لَا يجوز لَهُ أَن يَقُول قَرَأت الْقُرْآن كُله على الشَّيْخ وَهُوَ يسمع ويعي مَا أتلو عَلَيْهِ كَمَا لَا يسوغ للشَّيْخ أَن يَقُول لكل فَرد مِنْهُم قَرَأَ [عَليّ] (5) الْقُرْآن جَمِيعه وَأَنا أسمع قِرَاءَته وَمَا هَذَا فِي قُوَّة الْبشر بل فِي قُوَّة الربوبية قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا سُبْحَانَ من وسع سَمعه الْأَصْوَات (6) وَإِنَّمَا يَصح

(3/495)


فِي التَّحَمُّل إجَازَة الشَّيْخ التلميذ وَلَكِن تصير الرِّوَايَة بِالْقِرَاءَةِ إجَازَة لَا سَمَاعا من كل وَجه (1) هَذَا كَلَامه
310 - (قَوْله) مَا روينَا عَن الْحَافِظ الدَّارَقُطْنِيّ (3 4 5 6 7 8 لَا

(3/496)


تعرف بعض حُرُوفه فيجيزه بعض أَصْحَابه قَالَ إِن كَانَ يعلم أَنه كَمَا فِي (د / 96) الْكتاب فَلَا بَأْس بِهِ كَذَا قَالَ انْتهى
وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ كَانَ شَيخنَا ابْن أبي الْفَتْح (1) يسْرع فِي الْقِرَاءَة ويعرب لكنه يدغم بعض أَلْفَاظه وَمثله ابْن أبي حبيب وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس (2) يسْرع وَلَا يدغم إِلَّا نَادرا وَكَانَ الْمزي يسْرع وَيبين وَرُبمَا يتمتم يَسِيرا (3)
312 - (قَوْله) يسْتَحبّ للشَّيْخ أَن يُجِيز لجَمِيع السامعين جَمِيع الْجُزْء (6 7 8 9 10 السماع بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَله أَن يعرف أَن جَمِيع الْكتاب قِرَاءَة عَلَيْهِ (5)

(3/497)


الثَّانِي وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لكاتب السماع أَن يكْتب إجَازَة الشَّيْخ عقب كِتَابَة السماع (أ / 169) وَيُقَال إِن أول من كتب الْإِجَازَة فِي طباق السماع [أَبُو الطَّاهِر] (1) إِسْمَاعِيل بن عبد المحسن الْأنمَاطِي (2) وَمَا نَقله عَن ابْن عتاب (3) ذكره الْحَافِظ أَبُو عمر بن عَاتٍ (4) فِي (5) كِتَابه رَيْحَانَة النَّفس (6) فِي شُيُوخ أهل

(3/498)


الأندلس (1) عَن الْحَافِظ أبي عَليّ الغساني قَالَ قَالَ لنا مُحَمَّد بن عتاب الَّذِي أَقُول إِنَّه لَا غنى لطَالب الْعلم عَن الْإِجَازَة وَلَو سمع الحَدِيث أَو الدِّيوَان قِرَاءَة من الْمُحدث أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ لجَوَاز السَّهْو أَو الْغَفْلَة أَو التَّشْبِيه عَلَيْهِمَا أَو على أَحدهمَا
313 - (قَوْله) يَصح السماع من وَرَاء حجاب (5 6 7 8 9 10 11 1 (2)

(3/499)


314 - (قَوْله) من سمع من شيخ حَدِيثا ثمَّ قَالَ لَهُ لَا تروه عني (1) غير مُبْطل لسماعه
هَذَا ذكره الْأَئِمَّة مِنْهُم ابْن خَلاد فِي كتاب الْفَاصِل (2) وَقَالَ القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَقْتَضِي النّظر سواهُ لِأَن مَنعه أَلا يحدث بِمَا حَدثهُ [بِهِ] (3) لَا لعِلَّة وَلَا لريبة فِي الحَدِيث لَا تُؤثر لِأَنَّهُ قد حَدثهُ فَهُوَ شَيْء لَا يرجع فِيهِ قَالَ وَلَا أعلم من قَالَ بِخِلَاف هَذَا إِلَّا أَن صَاحب طَبَقَات عُلَمَاء إفريقية (4) [روى] (5) عَن شيخ من جلة شيوخها أَنه أشهد بِالرُّجُوعِ عَمَّا حَدثهُ لبَعض أَصْحَابه [لأمر نقمه عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فعل الْفَقِيه الْمُحدث أَبُو بكر ابْن عَطِيَّة (6) فَإِنَّهُ أشهد

(3/500)


بِالرُّجُوعِ عَمَّا حدث بِهِ بعض أَصْحَابه] (1) لهوى ظهر لَهُ مِنْهُ وَلَعَلَّ هَذَا صدر مِنْهُم تأديبا لَا لأَنهم اعتقدوا صِحَة تَأْثِيره وَقِيَاس من قَاس الْإِذْن فِي الحَدِيث (2) وَعَدَمه على الْإِذْن فِي الشَّهَادَة وَعدمهَا غير صَحِيح لِأَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة لَا تصح إِلَّا مَعَ الْإِشْهَاد وَالْإِذْن فِي الحَدِيث لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى ذَلِك بِاتِّفَاق (3)

(3/501)


الْإِجَازَة

هِيَ فِي الأَصْل مصدر أجَاز ووزنها فعالة وَأَصلهَا إجوازة تحركت الْوَاو فَتوهم انفتاح مَا قبلهَا فإنقلبت الْفَا فَبَقيت (1) الْألف الزَّائِدَة الَّتِي بعْدهَا فحذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَت إجَازَة وَفِي الْمَحْذُوف من الْأَلفَيْنِ الزَّائِدَة أَو الْأَصْلِيَّة قَولَانِ
وَالْأول قَول سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي قَول الْأَخْفَش وَيُقَال أجزت لفُلَان كَذَا وأجزت فلَانا كَذَا فَمن عداهُ بِحرف الْجَرّ فَهُوَ بِمَعْنى سوغت لَهُ وأبحت وَمن عداهُ بِنَفسِهِ فَهُوَ بِمَعْنى أجزته مَاء أَي أسقيته مَاء لأرضه أَو لماشيته وَالْأول أظهر وَأشهر (2) وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَنَّهُ يحْكى عَن بعض الْمُحدثين أَنه سُئِلَ حَال إِجَازَته عَن وزن إجَازَة فتوقف وَتردد
315 - (قَوْله) وَزَاد الْبَاجِيّ فَادّعى الْإِجْمَاع على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ وَهُوَ بَاطِل فقد خَالف فِيهَا جماعات وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي

(3/502)


قلت سبق الْبَاجِيّ إِلَى نقل ذَلِك القَاضِي أَبُو بكر وَدَعوى المُصَنّف بُطْلَانه فِيهِ (أ / 170) نظر فَإِن الْخَطِيب وَغَيره من الْمُحَقِّقين حملُوا كَلَام المانعين على الْكَرَاهَة فَإِن الرِّوَايَة عَن الشَّافِعِي هِيَ أَن الرّبيع قَالَ فَاتَنِي من الْبيُوع من كتاب الشَّافِعِي ثَلَاث وَرَقَات فَقلت لَهُ أجزها لي فَقَالَ فاقرأ (1) عَليّ كَمَا قرئَ عَليّ ورددها (2) عَليّ غير مرّة حَتَّى أذن الله فِي جُلُوسه فَجَلَسَ فقرئ عَلَيْهِ قَالَ الْخَطِيب وَهَذَا من الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُول على الْكَرَاهَة للاتكال على الْإِجَازَة بَدَلا من السماع لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن الشَّافِعِي الْإِجَازَة (3) ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى دَاوُد بن عَليّ (4) قَالَ لي حُسَيْن الْكَرَابِيسِي لما كَانَت قدمة الشَّافِعِي الثَّانِيَة - يَعْنِي إِلَى بَغْدَاد - أَتَيْته فَقلت لَهُ فَأذن لي أَن اقْرَأ عَلَيْك الْكتب فَأبى وَقَالَ خُذ كتب الزَّعْفَرَانِي فانسخها فقد أجزتها لَك فأخذتها إجَازَة (5) انْتهى لَكِن الْكَرَابِيسِي من رُوَاة الْقَدِيم والمعمول بِهِ عِنْدهم إِنَّمَا هُوَ على قَوْله الْجَدِيد وَالربيع من رُوَاة الْقَدِيم والمعمول بِهِ عِنْدهم (6)
نعم قد سبق عَن الرّبيع أَنه روى عَن الشَّافِعِي الْإِجَازَة لمن بلغ سبع سِنِين وَفِي الْمعرفَة للبيهقي مَا نَصه وَأما الْإِجَازَة فقد حكينا عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان فِي حِكَايَة ذكرهَا عَن الشَّافِعِي وَقَالَ فِي آخرهَا يَعْنِي أَنه كره الْإِجَازَة قَالَ وروينا عَن ابْن وهب أَنه ذكر لمَالِك الْإِجَازَة فَقَالَ تُرِيدُ أَن تَأْخُذ الْعلم فِي ايام يسيرَة (7) انْتهى

(3/503)


قَالَ الْخَطِيب وَكَذَلِكَ المحكي عَن مَالك وَقد ثَبت عَنهُ الحكم بِصِحَّة الرِّوَايَة بِأَحَادِيث الْإِجَازَة قَالَ على أَن مَنعه إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْكَرَاهَة أَن يُجِيز الْعلم لمن لَيْسَ [من] (1) أَهله وَلَا خدمه (2) وَإِنَّمَا المحكي عَن شُعْبَة وَابْن الْمُبَارك وأضرابهما قَوْلهم (3) لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة فَقيل فِي مَعْنَاهُ إِنَّهَا لَا تقوم مقَام السماع والمشافهة فِي النَّقْل وَأَن ذَلِك أبعد من التَّصْحِيف والتحريف أَو أَن الْإِسْنَاد إِلَيْهَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الرحلة فخافوا على الطلاب ترك السماع والرحلة
وَقَول المُصَنّف وَمِمَّنْ أبطلها من أهل الحَدِيث إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ (4) فَهَذَا رَوَاهُ عَن الْخَطِيب من جِهَة أبي أَيُّوب سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الْجلاب (5) أَنه قَالَ سَمِعت

(3/504)


إِبْرَاهِيم يَقُول الْإِجَازَة والمناولة لَا تجوز وَلَيْسَ بِشَيْء (1) لكنه روى بعد بأوراق عَن سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الْجلاب هَذَا قَالَ سَأَلت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ قلت سَمِعت كتاب الْكَلْبِيّ وَقد تقطع عَليّ [وَالَّذِي] (2) هُوَ عِنْده يُرِيد الْخُرُوج فَكيف ترى أَن أستجيزه أَو أسأله أَن يكْتب بِهِ إِلَيّ قَالَ لَا قل (3) لَهُ يكْتب (أ / 97) [بِهِ] (4) إِلَيْك فَتَقول كتب إِلَيّ فلَان وَالْإِجَازَة لَيْسَ هِيَ بِشَيْء
قَالَ الْخَطِيب قد ذكرنَا فِيمَا تقدم الرِّوَايَة عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه كَانَ لَا يعد الْإِجَازَة والمناولة شَيْئا وَهَا هُنَا قد اخْتَار الْمُكَاتبَة على إجَازَة (5) المشافهة والمناولة أرفع من الْمُكَاتبَة لِأَن المناولة إِذن مشافهة فِي رِوَايَة الْمعِين وَالْمُكَاتبَة مراسلة بذلك قَالَ فأحسب إِبْرَاهِيم رَجَعَ عَن القَوْل الَّذِي أسلفناه عَنهُ إِلَى مَا ذكره هُنَا من تَصْحِيح الْمُكَاتبَة وَأما اخْتِيَاره لَهَا على إجَازَة المشافهة فَإِنَّهُ قصد بذلك إِذا لم يكن للمستجيز بِمَا استجازه نُسْخَة منقولة من أصل الْمُجِيز وَلَا مُقَابلَة بِهِ وَهَذَا القَوْل فِي معنى مَا ذكره لي البرقاني (6) ونرى أَن إِبْرَاهِيم ذهب إِلَى أَن الْإِجَازَة لمن لم يكن [لَهُ] (7) نُسْخَة منقولة من الأَصْل أَو مُقَابلَة بِهِ لَيست شَيْئا لِأَن تَصْحِيح ذَلِك سَمَاعا للراوي ومقابلا بِأَصْل كِتَابه وَرُبمَا كَانَ فِي غير الْبَلَد الَّذِي الطَّالِب فِيهِ مُتَعَذر (أ / 171) إِلَّا

(3/505)


بعد الْمَشَقَّة وَالْمُكَاتبَة بِمَا يروي وإنفاده (1) إِلَى الطَّالِب أقرب إِلَى السَّلامَة (2) وأجدر بِالصِّحَّةِ (3)
316 - (قَوْله) قَالَ أَبُو نصر سَمِعت عَامَّة من أهل الْعلم يَقُولُونَ قَول الْمُحدث قد أجزت لَك (4) ان تروي عني تَقْدِيره أجزت لَك مَا لَا يجوز فِي الشَّرْع لِأَن الشَّرْع لَا يُبِيح رِوَايَة مَا لَا يسمع (18 19 20 21) انْتهى

(3/506)


وَهَذَا القَوْل فِيهِ نظر لِأَن للإجازة (1) وَالرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ شُرُوطًا من تَصْحِيح (2) الْخَبَر من الْمُجِيز بِحَيْثُ يُوجد فِي أصل صَحِيح سَمَاعه عَلَيْهِ الموجز سَمَاعا مِنْهُ من الشُّيُوخ مَعَ رِعَايَة جَمِيع شُرُوط الرِّوَايَة وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِجَازَةِ الرِّوَايَة عَنهُ مُطلقًا سوى عرف (3) رِوَايَة الْخَبَر عَن الْمُجِيز بِهِ (4) لَا بل لَا تجوز الرِّوَايَة عَن الْمُجِيز إِلَّا بعد مَحْض سَمَاعه أَو إِمَّا يُوصي لَهُ بِهَذَا الْجُزْء وَحفظه فَلَا تكون الرِّوَايَة عَنهُ إِذْنا فِي الْكَذِب عَلَيْهِ
318 - (قَوْله) ثمَّ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل وَقَالَ بِهِ جَمَاهِير أهل الْعلم تَجْوِيز الْإِجَازَة (7 8 9 10 11 12 13 الْغَائِب (6) وَلم يشْتَرط فِيهِ سَمَاعا وَلَا إجَازَة

(3/507)


وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مَنْدَه فِي كتاب الْوَصِيَّة إِنَّه ذكر عِنْد الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل لَو صحت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة فَقَالَ لَو بطلت الْإِجَازَة لذهب الْعلم وضاعت (1) الْكتب الْمنزلَة وَغير الْمنزلَة خَاصَّة هَذَا الَّذِي فِيهِ {وَمن بلغ} (2) و {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله ثَنَا مَحْمُود (4) بن غيلَان (5) أَنا وَكِيع عَن عمرَان بن حدير (6) عَن أبي مجلز (7)

(3/508)


عَن بشير (1) قَالَ كتبت كتابا عَن أبي هُرَيْرَة فَقلت أرويه عَنْك قَالَ نعم (2) وَأخرج مثله عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة (3)
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي كتاب الْوَجِيز الْإِجَازَة ضَرُورِيَّة لِأَنَّهُ قد يَمُوت الروَاة ويفقد الْحفاظ الوعاة فَيحْتَاج إِلَى إبْقَاء الْإِسْنَاد وَلَا طَرِيق إِلَّا الْإِجَازَة فالإجازة فِيهَا نفع عَظِيم ورفد (4) جسيم إِذا الْمَقْصُود إحكام السّنَن المروية فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وإحياء الْآثَار سَوَاء كَانَ بِالسَّمَاعِ أَو الْقِرَاءَة أَو المناولة أَو الْإِجَازَة قَالَ وسومح بِالْإِجَازَةِ لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} (5) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت بالحنيفية السمحة (6)

(3/509)


قَالَ وَمن مَنَافِعهَا أَنه لَيْسَ طَالب علم يقدر على رحْلَة وسفر إِمَّا لعِلَّة توجب عدم الرحلة أَو بعد الشَّيْخ الَّذِي يَقْصِدهُ فالكتابة حِينَئِذٍ بِهِ أرْفق (أ / 172) وَفِي حَقه أوفق فَيكْتب من بأقصى (1) الْمغرب إِلَى من بأقصى الْمشرق وَيَأْذَن لَهُ فِي رِوَايَة مَا يَصح عَنهُ وَيكون ذَلِك الْمَرْوِيّ حجَّة كَمَا فعله سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد صَحَّ عَنهُ أَنه كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر (2) وَغَيرهمَا مَعَ رسله فَمن قبل مِنْهُم فَهُوَ حجَّة لَهُ وَمن لم يقبل مِنْهُم فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ (3)
وتوسط أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي كِتَابه مآخذ الْعلم قَالَ بلغنَا أَن نَاسا يكْرهُونَ الْإِجَازَة وَيَقُولُونَ لَو اقْتصر عَلَيْهَا بطلت الرحلة وَقعد النَّاس عَن طلب الْعلم وَنحن فلسنا نقُول إِن طَالب الْعلم يقْتَصر على الْإِجَازَة فَقَط ثمَّ لَا يسْعَى وَلَا يرحل لَكِن نقُول الْإِجَازَة لمن كَانَ لَهُ فِي الْقعُود عَن الطّلب عذر من قُصُور نَفَقَة أَو بعد مَسَافَة أَو صعوبة مَسْلَك فَأَما أَصْحَاب الحَدِيث (4) فَمَا زَالُوا يتجشمون المصاعب ويركبون الْأَهْوَال أخذا بِمَا حث عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (5) وَيخرج من كَلَام بَعضهم مَذْهَب آخر وَهُوَ أَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا عِنْد عدم إِمْكَان السماع

(3/510)


319 - (قَوْله) محتجا على الْإِجَازَة لِأَنَّهُ إِذا جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ مروياته فقد أخبرهُ بهَا جملَة كَمَا لَو أخبرهُ تَفْصِيلًا (3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 فحسبك (6) بِمَا هَذِه صفته (7) انْتهى

(3/511)


وَكَلَامه إِن كَانَ فِي الْإِجَازَة المقرونة بالمناولة فَقَوله إِنَّه لم يقل (د / 98) بِهِ أحد من التَّابِعين مَرْدُود فَسَيَأْتِي نقلهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم بل جَاءَ عَن أنس مَا يشْعر بهَا فَفِي مُعْجم الصَّحَابَة لِلْبَغوِيِّ عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ كُنَّا إِذا أكثرنا على أنس ابْن مَالك أَتَانَا بمخال (1) (2) لَهُ فألقاها إِلَيْنَا وَقَالَ هَذِه أَحَادِيث سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكتبتها وعرضتها (3) وَأسْندَ الرامَهُرْمُزِي إِلَى الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا بِأَن يدْفع الْمُحدث كِتَابه وَيَقُول ارو عني جَمِيع مَا فِيهِ ويسعه (4) أَن يَقُول حَدثنِي فلَان عَن فلَان (5)
وَإِن كَانَ كَلَام ابْن حزم فِي الْإِجَازَة الخالية عَن المناولة فَلَا يُنَاسب تَعْلِيله وَإِطْلَاق من جوزها يَشْمَل ذَلِك وَمَا نَقله المُصَنّف عَمَّن قَالَ من الظَّاهِرِيَّة إِن الْعَمَل بِالْإِجَازَةِ لَا يجب وَيجْرِي مجْرى الْمُرْسل يَقْتَضِي ذَلِك منع الْعَمَل دون التحديث وَقد نقل عَن الْأَوْزَاعِيّ عكس ذَلِك فَفِي كتاب الرامَهُرْمُزِي قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي كتاب (6) الْأَمَانَة يَعْنِي المناولة (أ / 173) يعْمل بِهِ وَلَا يحدث بِهِ وَعَن الْأَوْزَاعِيّ فِي ذَلِك رِوَايَات ذكرهَا الرامَهُرْمُزِي (7)
وَكَأن معنى قَوْله لَا يحدث بِهِ أَي بِصِيغَة التحديث وَإِلَّا فَلَا معنى للْعَمَل

(3/512)


بِهِ مَعَ نَفْيه التحديث وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم (1) فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكيفية نقل الشَّرِيعَة فقد يَقْتَضِي منع الْإِجَازَة
وَسكت المُصَنّف عَن ذكر الْخلاف فِي رُتْبَة الْإِجَازَة وَقد تعرض لذَلِك فِي المناولة وَقد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك فَالْمَشْهُور أَنَّهَا دون السماع وَقيل كالسماع وَحَكَاهُ ابْن عَاتٍ (2) فِي كتاب رَيْحَانَة النَّفس (3) عَن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد ابْن بَقِي بن مخلد (4) قَالَ كَانَ يَقُول الْإِجَازَة عِنْدِي وَعند ابي وجدي كالسماع
وَالثَّالِث أَنَّهَا أقوى من السماع وَهُوَ اخْتِيَار عبد الرَّحْمَن بن مَنْدَه وَعَلِيهِ بنى كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ بِالْوَصِيَّةِ وَقَالَ فِيهِ مَا حدثت بِحرف مُنْذُ سَمِعت الحَدِيث وكتبته إِلَّا على سَبِيل الْإِجَازَة لِئَلَّا أوبق فَأدْخل فِي الصَّحِيح لأهل الْبدع والمحتجين [بِهِ] (5)

(3/513)


وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ وَأبْعد النَّاس من الْكَذِب الَّذِي لَا يحدث النَّاس إِلَّا بِالْإِجَازَةِ ليخلص النَّاس من التُّهْمَة وَسُوء الظَّن ويخلص نَفسه من الرِّيَاء وَالْعجب وَقد رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ نجم الدّين الطوفي (1) فِي بعض تعاليقه رَأَيْت محدثي الْعَصْر يتهافتون (2) ويتنافسون فِي تَرْجِيح رِوَايَة الحَدِيث سَمَاعا على رِوَايَته إجَازَة وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء ألقوه وتلقوه عَمَّن قبلهم وغفلوا عَن الْأَشْيَاء تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة وَالْحق التَّفْصِيل وَهُوَ الْفرق بَينهمَا فِي عصر السّلف فَأَما مُنْذُ دونت الدَّوَاوِين وَجمع السّنَن واشتهرت فَلَا فرق بَينهمَا
وَالْفرق بَين الزمانين أَن السّلف رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانُوا يجمعُونَ الحَدِيث من صحف النَّاس وصدور الرِّجَال فدعَتْ الْحَاجة إِلَى السماع خوفًا من التَّدْلِيس والتلبيس وَلِهَذَا كَانَ شُعْبَة يَقُول إِنِّي لأنظر إِلَى فَم قَتَادَة فَإِن قَالَ سَمِعت كتبت وَإِن قَالَ عَن فلَان لم أكتب (3) وَذَلِكَ لأَنهم (4) رُبمَا كتبُوا ودلسوا بالعنعنة فَإِذا روى ذَلِك الْكتاب إجَازَة توهم الرَّاوِي عَنهُ أَن العنعنة سَماع وَلَا أسمع مِنْهُ الحَدِيث لحرى (5) فَبين أَو سُئِلَ فالجيء إِلَى التَّبْيِين وَهَذَا بِخِلَاف مَا بعد تدوين الْكتب فِي علم الْمَتْن والسند فَإِن فَائِدَة الرِّوَايَة إِذا إِنَّمَا هِيَ اتِّصَال سلسلة الْإِسْنَاد بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبركا وتيمنا وَإِلَّا فالحجة تقوم بِمَا فِي السّنَن وَنَحْوهَا وَيعرف الْقوي والضعيف والنقلة من كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَلما ذكرته من الْفرق بَين العصرين كَانَ المتقدمون لَا يروون حَدِيثا إِلَّا مُسْندًا ويسمون مَا لَيْسَ بِمُسْنَد تَعْلِيقا

(3/514)


وَصَارَ الْمُتَأَخّرُونَ يصيغون كتب الْأَحْكَام وَنَحْوهَا محذوفة الْأَسَانِيد إِحَالَة على مَا قَرَّرَهُ الْأَولونَ واتفاقا فَإِن هَؤُلَاءِ الْمُحدثين (1) يصححون السماع على عَامي لَا يعرف معنى مَا يسمع خُصُوصا إِذا عمر وَبعد عَهده بِسَمَاع مَا سمع فَإِنَّهُ قد ينسى وَلَا يعرف [أَنه] (2) قد سَمعه إِلَّا بِوُجُود اسْمه فِي الطَّبَقَة فَأَي فرق بَين السماع على مثل هَذَا وَبَين أَن يَقُول أجزت لَك أَن تروي عني الْكتاب
وَإِذ قد بَان مَا ذكرته أَن فَائِدَة الرِّوَايَة بعد تدوين السّنَن إِنَّمَا هُوَ اتِّصَال السَّنَد وسلسلة الرِّوَايَة وَذَلِكَ حَاصِل بِالْإِجَازَةِ فَوَجَبَ أَلا يكون بَين الْإِجَازَة و [بَين] (3) السماع فرق نعم لَو أتفق شيخ حاذق بِعلم الحَدِيث وفوائده كَانَت الرِّوَايَة (أ / 174) سَمَاعا أولى لما يُسْتَفَاد مِنْهُ وَقت السماع لَا لقُوَّة رِوَايَة السماع على الْإِجَازَة لِأَن تِلْكَ الْفَائِدَة تنفك عَن الرِّوَايَة بِدَلِيل مَا لَو قرئَ عَلَيْهِ الحَدِيث بحثا تفقها لَا رِوَايَة وَالله أعلم (4) انْتهى
وَنَحْوه مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن ميسر الْمَالِكِي (5) من أَن الْإِجَازَة على وَجههَا خير وَأقوى من السماع الرَّدِيء حَكَاهُ الْوَلِيد بن بكر فِي كتاب الوجازة
321 - (قَوْله) فِي الْإِجَازَة الْعَامَّة ورتبهم عَن جمَاعَة كثيرين

(3/515)


وَفَاته أَن أَبَا جَعْفَر بن الْبَدْر الْكَاتِب (1) جمع جُزْءا فِيمَن أجَاز هَذِه الْإِجَازَة الْعَامَّة ورتبهم على حُرُوف المعجم لكثرتهم وَمِمَّنْ أجازها أَحْمد بن الْحُسَيْن بن خيرون الْبَغْدَادِيّ (2) وَأَبُو الْوَلِيد بن رشد الْمَالِكِي (3) وَرجحه أبن الْحَاجِب (4) وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي زيادات الرَّوْضَة إِنَّه الصَّحِيح (5) وَاحْتج بَعضهم عَلَيْهَا بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغو عني الحَدِيث (6)

(3/516)


وَبِمَا رَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات حَدثنَا عَفَّان (1) ثَنَا حَمَّاد (2) ثَنَا عَليّ بن زيد بن جدعَان (3) عَن أبي رَافع (4) أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما احْتضرَ قَالَ من أدْرك زماني من سبي الْعَرَب فَهُوَ حر من مَال الله (5)
322 - (قَوْله) وأنبأني من سَأَلَ الْحَازِمِي (5 6 فَأجَاب هَذَا مِمَّا وَقع فِي كَلَام الْمُتَأَخِّرين وَلم أر فِي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين من ذَلِك

(3/517)


شَيْئا غير أَن نَفرا من الْمُتَأَخِّرين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ وَلم يرَوا بهَا باسا وَرَأَوا أَن التَّخْصِيص والتعميم فِي هَذَا سَوَاء وَقَالَ مَتى عدم السماع الَّذِي هُوَ مضاه للشَّهَادَة فَلَا معنى للتعيين قَالَ وَمن أدْركْت من الْحفاظ نَحْو أبي الْعَلَاء (1) وَغَيره كَانُوا يميملون إِلَى الْجَوَاز وَفِيمَا كتب إِلَيْنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي من الْإسْكَنْدَريَّة فِي بعض مكاتباته أجَاز لأهل بلدان عدَّة مِنْهَا بَغْدَاد وواسط وهمدان وأصبهان وزنجان وعَلى الْجُمْلَة فالتوسع فِي هَذَا الشَّأْن غير مَحْمُود فمهما أمكن الْعُدُول عَنهُ إِلَى غير هَذَا الِاصْطِلَاح أَو تهَيَّأ تأكيده بمتابع لَهُ سَمَاعا أَو إجَازَة خَاصَّة كَانَ ذَلِك أَحْرَى وَإِن ألحت الضَّرُورَة من يُرِيد تَخْرِيج حَدِيث فِي بَاب لم يجد مسلكا سواهُ استخار الله تَعَالَى وَجوز أَلْفَاظه نَحْو أَن يَقُول أَخْبرنِي فلَان إجَازَة عَامَّة أَو فِيمَا أجَاز لمن أدْرك حَيَاته أَو يَحْكِي لفظ الْمُجِيز فِي الرِّوَايَة فيتخلص من غوائل (د / 99) التَّدْلِيس والتشبع بِمَا لم يُعْط وَيكون مقتديا وَلَا يعد مقترفا هَذَا كَلَام الْحَازِمِي
323 - (قَوْله) قَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (13 14 الرِّوَايَة بهَا وَهَذَا يَقْتَضِي تصحيحها وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة لَهَا (2)

(3/518)


يُرِيد أَن فَائِدَة الْإِجَازَة الرِّوَايَة بهَا فَإِذا لم تسْتَعْمل فَأَي فَائِدَة لجوازها لَكِن هَذَا لَا يتنافى مَعَ كَلَام ابْن الصّلاح لِأَنَّهُ لم يدع عدم الْجَوَاز بل ذكر أَنه لم يسمع وُقُوع ذَلِك وَحجَّة الْجَوَاز على مَا ذكره النَّوَوِيّ لَا يسْتَلْزم الْوُقُوع وَقد وَقعت وَلم يبلغ ابْن الصّلاح ويساعد مَا قَالَه مَا رَأَيْته فِي أجوبة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَهُوَ بِخَط الْحَافِظ فَقَالَ وسئلت عَن الْإِجَازَة الْعَامَّة وَالرِّوَايَة بهَا فقد روى بهَا غير وَاحِد من الْحفاظ (أ / 175) وجوزوها وَلست أرى الرِّوَايَة بهَا وَلَا التعريج عَلَيْهَا انْتهى
وَقد حكى ابْن دحْيَة أَن الْحَافِظ السلَفِي حدث عَن ابْن خيرون بهَا وَابْن دحْيَة حدث بهَا فِي تصانيفه عَن أبي الْوَقْت (1) والسلفي وَأَبُو الْحسن الشَّيْبَانِيّ القفطي (2)

(3/519)


حدث فِي كتاب تَارِيخ النُّحَاة (1) عَن السلَفِي بهَا وَعَن الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ أَنه دَعَا النَّاس إِلَى قِرَاءَة البُخَارِيّ على أبي الْعَبَّاس ابْن (2) بِالْإِجَازَةِ فَسَمعهُ عَلَيْهِ خلق كثير وَكَذَا الْحَافِظ الدمياطي حدث بإجازته الْعَامَّة من الْمُؤَيد الطوسي (3) وَسمع بهَا الْحفاظ الْمزي والذهبي والبرزالي على الرُّكْن الطاووسي (4) بإجازته الْعَامَّة من أبي جَعْفَر الصيدلاني (5) وَغَيره
324 - (قَوْله) أَو يَقُول أجزت لفُلَان أَن يروي عني (6) كتاب الْمسند وَهُوَ يروي جمَاعَة من كتب (7) الْمسند الْمَعْرُوفَة بذلك ثمَّ لَا يعين هَذِه إجَازَة

(3/520)


فَاسِدَة (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبل وَإِن شَاءَ لم يقبل لتوقف تَمام البيع على

(3/521)


قبُوله وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الْإِجَازَة فَإِنَّهَا لَا تتَوَقَّف على الْقبُول فَلَا يكون قَوْله أجزت لمن شَاءَ الرِّوَايَة تَعْلِيقا لِأَن قبل مَشِيئَة الرِّوَايَة لَا يكون مجَازًا أَو بعد مشيئتها يكون وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيق وتجهيل (1) وَذَلِكَ مُبْطل وَنَظِيره من الْوكَالَة وكلته فِي بيع هَذِه الْعين لمن شَاءَ أَن يقبلهَا (2) وَإِذا بَطل فِي الْوَصِيَّة مَعَ احتمالها مَالا يحْتَمل فِي غَيرهَا فَلِأَن يبطل فِي هَذِه أولى نعم نَظِير فرع البيع أَن يَقُول أجزتك إِن شِئْت على معنى أَن تروي إِذا شِئْت وَذَلِكَ صَحِيح لما بَيناهُ
326 - (قَوْله) أما إِذا قَالَ أجزت لفُلَان كَذَا إِن شَاءَ أَو لَك إِن شِئْت فَالْأَظْهر جَوَازه (9 10 11 12) إِلَى آخِره

(3/522)


وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا فالشافعي نَفسه أجَازه وَنَصّ عَلَيْهِ فِي وَصيته (أ / 176) المكتتبة فِي الْأُم فأوصى فِيهَا أوصياء على أَوْلَاده الْمَوْجُودين وَمن يحدثه الله تَعَالَى لَهُ من الْأَوْلَاد
328 - (قَوْله) قَالَ الْخَطِيب سَأَلت القَاضِي أَبَا الطّيب عَن الْإِجَازَة للطفل الصَّغِير هَل يعْتَبر فِي صِحَّتهَا سنه أَو تَمْيِيزه إِلَى آخِره
وَهَذِه المسالة منصوصة للشَّافِعِيّ فِيمَا سبق عَن الْحَافِظ السلَفِي بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع أَن الشَّافِعِي أَتَاهُ رجل يطْلب الْإِجَازَة [لِابْنِهِ فَقَالَ كم لابنك قَالَ سِتّ سِنِين قَالَ لَا يجوز الْإِجَازَة] (1) لَهُ حَتَّى [يبلغ] (2) لَهُ سبع سِنِين (3)
قَالَ ابْن زبر (4) وَهُوَ مَذْهَب فِي الْإِجَازَة قَالَ السلَفِي وَالَّذِي أدركنا (5) عَلَيْهِ الشُّيُوخ فِي الْبِلَاد والحفاظ أَن الْإِجَازَة تصح لمن يجاز لَهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا
329 - (قَوْله) فِي السَّادِس يَنْبَغِي بِنَاؤُه على أَن الْإِجَازَة فِي حكم الْإِخْبَار بالمجاز جملَة أَو هِيَ إِذن إِلَى آخِره
وَفِيه أَمْرَانِ
أَحدهمَا مَا صَححهُ من بطلَان هَذِه الْإِجَازَة قَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه

(3/523)


الصَّوَاب (1)
الثَّانِي تنظيره بِبيع الَّذِي سيملكه (2) لَيْسَ بجيد (3) بل نَظِيره أَن يُوكل فِي بيع مَا ملكه وَمَا سيجري فِي ملكه وَحِينَئِذٍ تقرب الصِّحَّة فِي الْإِجَازَة على قِيَاس مَا سبق فِي الْوَقْف وَالْوَصِيَّة وَقد خرجها ابْن أبي الدَّم على مَسْأَلَة الْوكَالَة فِي البيع وَفِيمَا إِذا وَكله فِي عتقه إِذا اشْتَرَاهُ وَفِي طَلَاق زَوجته الَّتِي يُرِيد أَن يَتَزَوَّجهَا وَالْخلاف فِي الْكل مَوْجُود
330 - (قَوْله) وَأما إِذا قَالَ أجزت لَك مَا صَحَّ وَيصِح عنْدك من مسموعاتي (7 8 9 10 11 12 13 لِأَن الْغَرَض من العبارتين تَجْوِيز رِوَايَة مَا جَازَ رِوَايَته عِنْد الْأَدَاء وَلَا يُقَال

(3/524)


هَذَا تَوْكِيل بِمَا لم يملك لِأَن الرِّوَايَة غير التَّوْكِيل فَإِنَّهَا فِي الْحَقِيقَة إِذن بالإخبار عَن الْمُجِيز بِمَا صَحَّ رِوَايَة (3 4 5) انْتهى
وَأَشَارَ بِهِ [إِلَى] (1) عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي (2) أحد شُيُوخ ابْن الْجَوْزِيّ فَكَانَ لَا يجوزها (3) وَجمع [فِي] (4) ذَلِك جُزْءا وَكَانَ من خِيَار أهل (د / 100) الحَدِيث وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة ضَعِيفَة فيقوى الضَّعِيف باجتماع (5) الإجازتين وَيَنْبَغِي أَن يكون الْخلاف عِنْد الِاسْتِقْلَال أما لَو جعله تَابعا للمسموع فَلَا يَأْتِي الْخلاف كَمَا سبق نَظِيره فِي الْإِجَازَة للْحَمْل وَنَحْوه

(3/525)


وَبَقِي من الْأَنْوَاع الَّتِي لم يذكرهَا المُصَنّف الْإِذْن فِي الْإِجَازَة مثل أَن يَقُول لَهُ أَذِنت لَك أَن تجيز عني من شِئْت وَقد وَقع ذَلِك فِي عصرنا وَالظَّاهِر فِيهِ الصِّحَّة (3) كَمَا لَو قَالَ وكل عني وَيكون مجَازًا من جِهَة الْإِذْن وينعزل الْمَأْذُون لَهُ (أ / 177) فِي أَن يُجِيز بِمَوْت الْآذِن قبل الْإِجَازَة كَمَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بِمَوْت الْمُوكل وَإِذا قَالَ أجزت لَك أَن تجيز عني فلَانا كَانَ أولى بِالْجَوَازِ من أَذِنت أَن تجيز عني من شِئْت وَقد ذكر ابْن الصّلاح نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة فِي قسم (2) الْكِتَابَة وَسَتَأْتِي
وَمِنْهَا الْإِجَازَة لمن لَيْسَ لَهَا أَهلا إِذْ ذَاك وَهُوَ يَشْمَل صورا مِنْهَا الصَّبِي فِي آخر الْمَعْدُوم وَمِنْهَا الْمَجْنُون وَهِي صَحِيحَة ذكرهَا الْخَطِيب (4)
وَمِنْهَا الْإِجَازَة للْحَمْل وَلم أر من ذكرهَا غير أَن الْخَطِيب قَالَ لم نرهم أَجَازُوا لمن لم يكن مولودا فِي الْحَال (5) وَلم يتَعَرَّض لكَونه إِذا وَقع يَصح أم لَا وَلَا شكّ أَنه أولى بِالصِّحَّةِ من الْمَعْدُوم (6) وَيشْهد لَهُ تصحيحهم الْوَصِيَّة للْحَمْل وَإِيجَاب النَّفَقَة على الْأَب لأمه الْمُطلقَة تَنْزِيلا لَهَا منزلَة الْمَوْجُود وَيحْتَمل بِنَاؤُه على أَن الْحمل يعلم أم لَا فَإِن قُلْنَا يعلم صحت الْإِجَازَة لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا يعلم فَهُوَ كالإجازة للْمَجْهُول يجْرِي فِيهِ الْخلاف لَكِن قد يفرق بَان الْمَجْهُول مَوْجُود قطعا

(3/526)


أما الْإِجَازَة لَهُ تبعا لِأَبَوَيْهِ فَلَا شكّ فِيهِ
وَمِنْهَا الْكَافِر وَقد سبق أَن تحمله صَحِيح وَلم يتَعَرَّضُوا لحكم الْإِجَازَة لَهُ وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة زمن الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي وَذَلِكَ أَن شخصا من الْأَطِبَّاء يُقَال لَهُ ابْن عبد السَّيِّد سمع الحَدِيث فِي حَال يَهُودِيَّته على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الصُّورِي (1) وَكتب اسْمه فِي طبقَة سَماع السامعين وَأَجَازَ ابْن عبد الْمُؤمن لمن سمعهم وَهُوَ من جُمْلَتهمْ وَكَانَ السماع وَالْإِجَازَة بِحُضُور الْمزي وَبَعض السماع بقرَاءَته وَلَوْلَا أَنه رأى الْجَوَاز لأنكره ثمَّ هدى الله ابْن عبد السَّيِّد الْمَذْكُور لِلْإِسْلَامِ ثمَّ حدث
وَمِنْهَا الْإِجَازَة لِلْفَاسِقِ والمبتدع وَالظَّاهِر جَوَازهَا وَأولى من الْكَافِر (2)
332 - (قَوْله) روينَا عَن أبي الْحُسَيْن ابْن فَارس (9 10 عبد الله مُحَمَّد بن سعيد (3) بن الْحجَّاج (4) فِي جُزْء الْإِجَازَة

(3/527)


معنى ثَالِثا غير مَا حاوله المُصَنّف فَقَالَ هِيَ مصدر أجزت أُجِيز إجَازَة واشتقاقها من الْمجَاز فَكَأَن الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع هُوَ فِي الْحَقِيقَة فِي بَاب الرِّوَايَة وَمَا عداهُ مجَاز وَالْأَصْل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز عمل (1) عَلَيْهِ (2)
فَائِدَة جرت عَادَتهم فِي الاستجازة أَن يَقُولُوا (3) المسموع (4) من الْعَام الْمَشَايِخ (5) أَن يجيزوا لفُلَان وَفُلَان مَا صَحَّ عِنْدهم من مسموعاتهم فَالضَّمِير فِي عِنْدهم مُتَرَدّد بَين أَنه للمشايخ أَو للْجَمَاعَة المستجيزين وَهُوَ لَهُم دون الْمَشَايِخ لِأَن الْمَشَايِخ قد صَحَّ عِنْدهم مَا أجازوه وَإِنَّمَا المُرَاد مَا صَحَّ عِنْد المستجيزين أَنه رِوَايَة الْمَشَايِخ جَازَ لَهُم أَن يرووه
فَائِدَة أُخْرَى كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد لَا يُجِيز رِوَايَة مسموعاته كلهَا بل يُقَيِّدهُ بِمَا حدث بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يشك فِي بعض مسموعاته فَلم يحدث بِهِ وَلم يجزه وَهُوَ سَمَاعه على ابْن المقير (6) فَمن حدث عَنهُ بإجازته غير مَا

(3/528)


حدث بِهِ من مسموعاته فَهُوَ غير صَحِيح (1)
333 - (قَوْله) إِنَّمَا تستحسن الْإِجَازَة إِذا كَانَ الْمُجِيز عَالما (3 4 5 6 7 8 9 10 11 لهَذَا (6) انْتهى

(3/529)


وَفِي هَذَا الشَّرْط نوع تضييق منَاف لما جوز لَهُ الْإِجَازَة وَهُوَ التَّوسعَة وَبَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد على أَن هَذَا الشَّرْط لَا معنى لَهُ فَإِن الْمجَاز لَهُ لَا يروي إِلَّا عَن أصل سَوَاء كَانَ الْمُجِيز إِسْنَاده مُشكلا أم لَا وَقَرِيب مِنْهُ مَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة قَالَ مَذْهَب أَحْمد بن صَالح أَنه إِذا قَالَ للطَّالِب أجزت لَك أَن تروي عني مَا شِئْت من حَدِيثي لَا يَصح ذَلِك دون أَن يدْفع إِلَيْهِ أُصُوله أَو فروعا كتبت مِنْهَا وَنظر فِيهَا وصححها (1) انْتهى
وَقد توَسط القَاضِي أَو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَقَالَ - فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن الطرطوشي (2) عَنهُ - الْإِجَازَة على قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يَسْتَدْعِي الْمُجِيز الْإِجَازَة للْعَمَل وَالثَّانِي أَن يستدعيها للرواية
فَإِن كَانَ إِنَّمَا تطلب الْإِجَازَة ليعْمَل بِمَا يكْتب بِهِ إِلَيْهِ فَيجب أَن يكون من أهل الْعلم بذلك والفهم بِاللِّسَانِ وَإِلَّا لم يحل لَهُ الْأَخْذ بِهِ وَإِن كَانَ إِنَّمَا تطلب الْإِجَازَة للرواية خَاصَّة فَيجب أَن يكون من أهل الْمعرفَة بِالنَّقْلِ وَالْوُقُوف على أَلْفَاظ مَا أُجِيز لَهُ ليسلم من التَّصْحِيف والتحريف وَمن لم يكن عَارِفًا بِشَيْء من ذَلِك وَإِنَّمَا يُرِيد علو الْإِسْنَاد بِالْإِجَازَةِ فَفِي الْإِجَازَة ضعف (3) انْتهى
وَقد سُئِلَ الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي عَن الشَّيْخ إِذا كَانَ خَالِيا من الْعلم وَلَا يعرف شُرُوط الْإِجَازَة هَل تصح الْإِجَازَة أم لَا فَأجَاب أصل الْإِجَازَة مُخْتَلف فِيهِ وَمن أجازها فَهِيَ قَاصِرَة عَن رُتْبَة السماع وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَلا تجوز من كل

(3/530)


[من] (1) يجوز مِنْهُ السماع وَإِن يترخص مترخص وجوزها من كل من يجوز مِنْهُ السماع فَأَقل مَرَاتِب الْمُجِيز أَن يكون عَالما بِمَعْنى الْإِجَازَة الْعلم الإجمالي من أَنه روى شَيْئا وَأَن معنى إِجَازَته لغيره إِذْنه لذَلِك الْغَيْر فِي رِوَايَة ذَلِك الشَّيْء عَنهُ بطرِيق الْإِجَازَة الْمَعْهُودَة من أهل هَذَا الشَّأْن لَا الْعلم التفصيلي بِمَا روى وَبِمَا يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْإِجَازَة وَهَذَا الْعلم الإجمالي حَاصِل بِمَا رَأَيْنَاهُ من عوام الروَاة فَإِن انحط راو فِي الْفَهم عَن هَذِه الدرجَة وَلَا أخال أحدا ينحط عَن إِدْرَاك هَذَا إِذا عرف بِهِ فَلَا أَحْسبهُ أَهلا لِأَن يتَحَمَّل عَنهُ بِإِجَازَة وَلَا سَماع قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ من التَّوَسُّع فِي الْإِجَازَة هُوَ طَرِيق الْجُمْهُور وَقد رأى بعض النَّاس الْأَمر فِيهَا أضيق من ذَلِك وَقَالَ لَا بُد فِي الْمُجِيز أَن يكون عَالما بِمَا يُجِيز وَحكى مَا سبق عَن مَالك وَابْن عبد الْبر
334 - (قَوْله) (أ / 179) (د / 101) يَنْبَغِي للمجيز إِذا كتب (11 12)

(3/531)


قد أنكر بعض الْأُصُولِيِّينَ إِفْرَاد المناولة عَن الْإِجَازَة وَقَالَ هِيَ رَاجِعَة إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن سعيد (1) هِيَ [فِي] (2) مَعْنَاهَا لَكِن يفترقان فِي أَن المناولة تفْتَقر إِلَى مشافهة الْمُجِيز للمجاز لَهُ وحضوره قَالَ وَمِمَّنْ رأى اسْتِعْمَالهَا مَالك وَغَيره وَقد اسْتدلَّ الْحَاكِم على صِحَة المناولة بِغَيْر قِرَاءَة بِمَا أسْندهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى مَعَ عبد الله بن حذافة وَأمره أَن يَدْفَعهُ (3) إِلَى عَظِيم الْبَحْرين ويدفعه عَظِيم الْبَحْرين إِلَى كسْرَى (4)
336 - (قَوْله) وَهِي أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة (7 8 فَقَالَ الظَّاهِر أَنَّهَا أَخفض من الْإِجَازَة

(3/532)


لِأَن أقل درجاتها أَنَّهَا إجَازَة مَخْصُوصَة فِي كتاب بِعَيْنِه بِخِلَاف الْإِجَازَة (1)
337 - (قَوْله) مِنْهَا أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه أَو فرعا مُقَابلا بِهِ (3 4 5 6 7 8 للسماع لَكِن فِي الْقنية (4) من كتب الْحَنَفِيَّة إِذا أعطَاهُ الْمُحدث الْكتاب وَأَجَازَ لَهُ مَا

(3/533)


فِيهِ وَلم يسمع ذَلِك مِنْهُ وَلَا يعرفهُ فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا تجوز رِوَايَته (1)
الثَّانِي مَا نَقله عَن الْحَاكِم عَن الْمُتَقَدِّمين من تنزيلها منزلَة السماع معَارض بِمَا أسْند الرامَهُرْمُزِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس (2) قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَن أصح السماع فَقَالَ قراءتك على الْعَالم - أَو قَالَ الْمُحدث - ثمَّ قِرَاءَة الْمُحدث عَلَيْك ثمَّ أَن يدْفع إِلَيْك كِتَابه فَيَقُول أرو هَذَا عني (3) انْتهى وَهَذَا تَصْرِيح من مَالك بانحطاط دَرَجَة المناولة عَن الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَقِرَاءَة الشَّيْخ على الطَّالِب
وعمدة الْحَاكِم فِي ذَلِك مَا أسْندهُ عَن ابْن أبي أويس قَالَ سُئِلَ مَالك عَن حَدِيث أسماع هُوَ فَقَالَ مِنْهُ سَماع وَمِنْه عرض وَلَيْسَ الْعرض عندنَا بِأولى من السماع (4) وَهَذَا يُمكن حمله على عرض القرءة وَفِي رِوَايَة الرمهرمزي مَا يَقْتَضِي (5) تَسْمِيَة عرض المناولة سَمَاعا لِأَن التَّرْتِيب جَوَاب عَن أصح

(3/534)


السماع وَكَأن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المحكي عَنْهُم جوزوا الرِّوَايَة بهَا إِلَّا أَنهم نزلوها منزلَة السماع فِي كل شَيْء (1)
339 - (قَوْله) وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْعرض (3 4 5 6 7 8 الْمسند وَلأبي طَالب مناولة (7)

(3/535)


وَقَالَ أَبُو الْيَمَان (1) جَاءَنِي أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ كَيفَ تحدث عَن شُعَيْب (2) فَقلت بَعْضهَا قِرَاءَة وَبَعضهَا أخبرنَا (3) وَبَعضهَا مناولة فَقَالَ قل فِي كل أخبرنَا وَمِمَّا احْتج بِهِ الْحَاكِم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى من سَمعهَا (4)

(3/536)


وَقَوله تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم (1)
وَهَذَا لَا يَقْتَضِي امْتنَاع تَنْزِيل المناولة على مَا تقدم منزلَة السماع فِي الْقُوَّة
340 - (قَوْله) وَقد صَار غير وَاحِد من الْفُقَهَاء الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا لَا أثر لَهَا (4 5 6 7 8 9 آخِره هَذَا اسْتِدْرَاك

(3/537)


حسن وَقد روى الْخَطِيب عَن الزُّهْرِيّ مَا يساعده وَمَا عداهُ (1) (2) قد أسْندهُ الْخَطِيب إِلَى مَالك رَضِي الله عَنهُ (3)
341 - (قَوْله) الثَّانِي المناولة الْمُجَرَّدَة عَن الْإِجَازَة إِلَى قَوْله وعابها غير وَاحِد من الْفُقَهَاء والأصوليين من الْمُحدثين (1 2 3 4 5 من الْأُصُولِيِّينَ وَقد

(3/538)


خالفهم كثير من الْأَصْحَاب مِنْهُم ابْن الصّباغ وَلذَلِك لم يشْتَرط الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول الْإِذْن بل وَلَا المناولة فَقَالَ إِذا أَشَارَ الشَّيْخ إِلَى كتاب فَقَالَ هَذَا سَمَاعي من فلَان جَازَ لمن سَمعه أَن يرويهِ عَنهُ سَوَاء نَاوَلَهُ أم لَا خلافًا لبَعض الْمُحدثين وَسَوَاء قَالَ لَهُ اروه عني أم لَا (1) وَقد قَالَ ابْن الصّلاح بعد هَذَا إِن الرِّوَايَة بهَا ترجح على الرِّوَايَة بِمُجَرَّد إِعْلَام الشَّيْخ لما فِيهِ من المناولة فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو من إِشْعَار بِالْإِذْنِ فِي الرِّوَايَة (2) قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين هَذَا السنح (3) من المناولة قريب من السماع من الشَّيْخ بِقِرَاءَة غير الشَّيْخ مَعَ عدم الْإِذْن بالرواية لِأَن هَذِه المناولة مُشَاركَة مَعَ ذَلِك السماع فو كَونهمَا من مسموعات الشَّيْخ الَّذِي يجوز لَهُ رِوَايَة ذَلِك الحَدِيث وَإِذا صَحَّ عِنْد الرَّاوِي بِأَن هَذَا من مسموعات فلَان فَيَقُول أروي عَن فلَان فَإِنَّهُ يروي عَن نُسْخَة فلَان إِلَى منتهاه
342 - (قَوْله) حكى قوم أَنهم جوزوا إِطْلَاق حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الرِّوَايَة بالمناولة وَالْإِجَازَة (12 13 14 15 الشرق إِظْهَار السماع

(3/539)


وَالْإِجَازَة وتمييز أَحدهمَا عَن الآخر بِلَفْظ لَا إِشْكَال فِيهِ وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول الأَصْل التَّاسِع وَالسِّتِّينَ والمائتين يجوز إِطْلَاق أَخْبرنِي وحَدثني فِي الْإِجَازَة وَالْمُكَاتبَة وَيدل لَهُ قَوْله تَعَالَى (د / 102) {من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} (1) وَإِنَّمَا صَار نبأ وخبرا لوصول علم ذَلِك إِلَيْهِ فَكَذَلِك يجوز لَهُ أَن يَقُول حَدثنِي لِأَنَّهُ قد أحدث إِلَيْهِ الْخَبَر سَوَاء حدث شفاها أَو بِكِتَاب أَو بمناولة قَالَ وَلَيْسَ للممتنع أَن يمْتَنع من هَذَا تورعا ويتفقد الْأَلْفَاظ مستقصيا فِي تحري الصدْق قَوْله حَدثنِي وَأَخْبرنِي وَيَزْعُم أَنه يمْتَنع من ذَلِك حَتَّى يحدث شفاها فَيقْرَأ رجل قَلِيل الْمعرفَة باللغة يتَوَهَّم أَن أَخْبرنِي وحَدثني يَقْتَضِي الشفاه وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مَدْلُول التحديث لُغَة إِلْقَاء الْمعَانِي إِلَيْك سَوَاء أَلْقَاهُ لفظا أَو كتابا وَقد سمى الله تَعَالَى الْقُرْآن حَدِيثا (2) حدث بِهِ الْعباد وخاطبهم وكل مُحدث أحدث إِلَيْك شفاها أَو بِكِتَاب فقد حَدثَك بِهِ وَأَنت صَادِق فِي قَوْلك حَدثنِي وسمى الَّذِي يحدث فِي الْمَنَام حَدِيثا وَقَالَ تَعَالَى {ولنعلمه من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} (3) انْتهى (4)
343 - (قَوْله) وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو نعيم يُطلق حَدثنَا فِيمَا يرويهِ فِي الْإِجَازَة (14 الضُّعَفَاء أَبَا نعيم وَحكى عَن أبي بكر

(3/540)


الْخَطِيب فِيمَا حَكَاهُ ابْن طَاهِر رَأَيْت لأبي نعيم أَشْيَاء يتساهل فِيهَا مثل أَن يَقُول فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير أَن يُبينهُ (1) قَالَ ابْن دحْيَة سخم (2) الله وَجه من يذكر مثل أبي نعيم الإِمَام عَالم الدُّنْيَا وَقد صَحَّ عَن ابْن وهب أَنه قَالَ كنت عِنْد مَالك

(3/541)


ابْن أنس فَجَاءَهُ رجل يحمل موطأه [فِي] (1) كسائه فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَذَا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لي [فَقَالَ قد فعلت] (2) قَالَ فَكيف أَقُول حَدثنَا أَو أخبرنَا فَقَالَ لَهُ مَالك قل أَيهمَا شِئْت (3) انْتهى وَحكى الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان كَلَام الْخَطِيب ثمَّ قَالَ هَذَا مَذْهَب رَوَاهُ أَبُو نعيم وَغَيره وَهُوَ ضرب من التَّدْلِيس (4) انْتهى على أَنه قد نوزع من ادّعى على أبي نعيم ذَلِك بِأَنَّهُ (5) إِنَّمَا يَفْعَله نَادرا فَإِنَّهُ كثيرا مَا يَقُول كتب إِلَيّ جَعْفَر الْخُلْدِيِّ (6) وَكتب إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس

(3/542)


الْأَصَم (1) وَأخْبرنَا أَبُو الميمون بن رَاشد (2) فِي كِتَابه وَلكنه يَقُول أخبرنَا عبد الله ابْن جَعْفَر (3) فِيمَا قرئَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَن هَذَا إجَازَة وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ هَذَا لَا ينقصهُ شَيْئا إِذْ أَبُو نعيم يَقُول فِي مُعظم تصانيفه أخبرنَا فلَان إجَازَة وعَلى تَقْدِير أَنَّهَا تطلق فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير تعْيين فَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْعلمَاء كَابْن جريج وَغَيره وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأهل الْمَدِينَة فَلَا يبعد أَن يكون مذهبا لَهُ أَيْضا (4)
344 - (قَوْله) وروينا عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ الَّذِي أختاره إِلَى آخِره
وَفِيه إِبْهَام (7 8 9)

(3/543)


قلت يُشِير إِلَى قَول الْوَلِيد بن بكر فِي كتاب الْإِجَازَة بَلغنِي عَن الْخطابِيّ أَنه قَالَ حكم الْإِجَازَة أَن يَقُول فِيهَا أخبرنَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ كَأَنَّهُ جعل دُخُول أَن دَلِيلا على الْإِجَازَة فِي مَفْهُوم اللُّغَة وَغَابَ عني إِذا اخْتِيَار الْخطابِيّ أَنه حَكَاهُ عَن غَيره وَقد تأملته فَلم أجد لَهُ وَجها صَحِيحا لِأَن أَن الْمَفْتُوحَة الَّتِي اشترطها الْخطابِيّ أَصْلهَا التَّأْكِيد وَمعنى أخبرنَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ أَي بِأَن فلَانا حَدثهُ فدخول الْبَاء أَيْضا للتَّأْكِيد وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا صَارَت اسْما فَإِن صَحَّ عَنهُ هَذَا الْمَذْهَب كَانَت الْإِجَازَة أقوى من السماع لِأَنَّهُ خبر قارنه التَّأْكِيد وَهَذَا لَا يَقُوله أحد (1) انْتهى
قلت قد سبقت حكايته عَن قوم وعَلى أَن مَا حَكَاهُ عَن الْخطابِيّ قيل إِن القَاضِي عِيَاض حَكَاهُ عَن اخْتِيَار أبي حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ وَأنْكرهُ بَعضهم وَحقه أَن يُنكر فَلَا معنى لَهُ يتفهم مِنْهُ المُرَاد وَلَا اُعْتِيدَ هَذَا الْوَضع فِي الْمَسْأَلَة لُغَة وَلَا عرفا وَلَا اصْطِلَاحا (2)
346 - (قَوْله) فِي الْمُكَاتبَة أجَاز الرِّوَايَة بهَا غير وَاحِد من الشافعيين

(3/544)


قلت مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني والمحاملي وَصَاحب الْمَحْصُول (1)
347 - (قَوْله) وأبى ذَلِك آخَرُونَ
قلت مِنْهُم الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى (2) وَقَالَ السَّيْف الْآمِدِيّ لَا يرويهِ إِلَّا بتسليط من الشَّيْخ كَقَوْلِه فاروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته (3)
وَذهب ابْن الْقطَّان إِلَى انْقِطَاع الرِّوَايَة بالمكاتبة قَالَه عقب حَدِيث جَابر بن سَمُرَة الْمَذْكُور فِي مُسلم (4) ورد عَلَيْهِ أَبُو عبد الله (5) ابْن الْمواق (6) فِي كِتَابه بغية النقاد (7)

(3/545)


وَوَقع فِي صَحِيح مُسلم أَحَادِيث رويت كِتَابَة فَوق الْعشْرَة وَاخْتلف الْعلمَاء أَيْضا فِي اتِّصَال ذَلِك قَالَ القَاضِي عِيَاض وَالْجُمْهُور على الْعَمَل بذلك وعدوه مُتَّصِلا وَذَلِكَ بعد ثُبُوت صِحَّتهَا عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ خطّ الْكَاتِب كاتبها (1)
348 - (قَوْله) ثمَّ يَكْفِي فِي ذَلِك أَن يعرف الْمَكْتُوب إِلَيْهِ خطّ الْكَاتِب (5 6 7 8 9 10 11 12 13 انتفعتم بجلدها (5) يَعْنِي

(3/546)


الشَّاة الْميتَة فَقَالَ إِسْحَاق حَدِيث ابْن عكيم (1) كتب إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِشَهْر لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب (2) أشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة (أ / 183) لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا كتاب وَذَاكَ سَماع فَقَالَ

(3/547)


إِسْحَاق إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَكَانَ حجَّة عَلَيْهِم فَسكت الشَّافِعِي (1)
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي كَانَ وَالِدي رَحمَه الله يَحْكِي عَن شَيْخه الْحَافِظ أبي الْحسن الْمَقْدِسِي الْمَالِكِي (2) أَنه كَانَ يرى أَن حجَّة الشَّافِعِي بَاقِيَة يُرِيد لِأَن الْكَلَام فِي التَّرْجِيح بِالسَّمَاعِ وَالْكتاب وَلَا فِي إبِْطَال الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب يَعْنِي فَلم يكن لقَوْل إِسْحَاق [إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب] (3) إِلَى آخِره معنى لِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَام فِيهِ (4)

(3/548)


349 - (قَوْله) وَقطع بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الطوسي (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 إِذْ لَيْسَ هُوَ نَظِير

(3/549)


الرِّوَايَة لِأَن الرِّوَايَة لَا تتَوَقَّف فِي مجْلِس الحكم فَإِنَّهَا شرع عَام وَإِنَّمَا يَصح التنظير إِذا سَمعه فِي مجْلِس الحكم فَإِن الشَّهَادَة حِينَئِذٍ مُؤثرَة وَذَلِكَ نَظِير قَول الرَّاوِي أرويه عَن فلَان فَإِنَّهُ مُؤثر فِي إِيجَاب الْعَمَل مَعَ الثِّقَة وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصح الاستشهاد لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط إِذن الأَصْل فِي هَذِه الْحَالة فَظهر أَن إِلْحَاق الرِّوَايَة بِالشَّهَادَةِ فِي هَذِه الصُّورَة يَقْتَضِي جَوَاز الرِّوَايَة بهَا من غير إِذن عكس مَقْصُود المُصَنّف وَأَيْضًا فَالْفرق بَينهمَا وَاضح فَإِن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة نِيَابَة (1) فَاعْتبر فِيهَا الْإِذْن وَلِهَذَا لَو قَالَ بعد التَّحَمُّل لَا تُؤَد عني امْتنع عَلَيْهِ الْأَدَاء بِخِلَاف الرِّوَايَة
وَقد احْتج الْخَطِيب وَغَيره للْجُوَاز بِالْقِيَاسِ على الشَّهَادَة فِيمَا إِذا سمع الْمقر (2) يقر بِشَيْء لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهِ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَهَذَا أصح من قِيَاس المُصَنّف وَحصل بذلك أَن الْمُعْتَمد الْجَوَاز (3)
350 - (قَوْله) فِي السَّابِع وتجويزه بعيد جدا (11 12 أَو متأول إِلَى آخِره فَالرِّوَايَة بطرِيق الوجادة لم

(3/550)


يخْتَلف إِلَّا فِي أَنه لَا يجوز الرِّوَايَة بهَا وَقد نقلنا الْخلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّة بالكتب مؤول على إِرَادَة الرِّوَايَة بالوجادة مَعَ كَونه لَا يَقُول بِصِحَّة الرِّوَايَة غلط ظَاهر (4 5 6 7 8 9) إِلَى آخِره

(3/551)


اعْلَم أَنه (1) لوجد (2) مصدران آخرَانِ لم يذكرهما وهما جدة فِي الْغَضَب وَفِي الْغنى وإجدان بِكَسْر الْهمزَة حَكَاهُمَا ابْن الْأَعرَابِي وَلَيْسَ لنا شَيْء مِنْهَا لَيْسَ لَهُ مصدر وَاحِد إِلَّا الْحبّ فَإِن مصدره وجد بِالْفَتْح لَا غير قَالَه ابْن سَيّده (3) وَكَذَلِكَ هُوَ مصدر وجد بِمَعْنى حزن قَالَه الْجَوْهَرِي (4) وَأما فِي الْمَطْلُوب فَلهُ مصدران وجود ووجدان حَكَاهُمَا صَاحب الْمَشَارِق فَقَالَ الوجادة إِلَى آخِره (5)
كَذَا فسروا الوجادة بوجدان سَماع الْغَيْر وَهِي فِي الْحَقِيقَة هَذَا الْقسم ووجدان سَماع نَفسه بِخَطِّهِ وبخط غَيره المروية [فِي] (6) السَّادِس وَالْعِشْرين أَنه يجوز (عِنْد رَأَيْته فِي حَقه) (7)
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِم (8) الْبَلْخِي (9) إِن المجوزين فِي هَذَا الْقسم أَن يَقُول

(3/552)


أخبرنَا فلَان عَن فلَان احْتَجُّوا بِأَنَّهُ إِذا وجد سَمَاعه بِخَط موثوف بِهِ كَانَ [لَهُ أَن] (1) يَقُول أخبرنَا فلَان فها هُنَا كَذَلِك (2)
352 - (قَوْله) فَلهُ أَن يَقُول وجدت بِخَط فلَان (4 5 6 7 8 9 10 يُقَال بل عده من التَّعْلِيق أولى من الْمُرْسل والمنقطع

(3/553)


354 - (قَوْله) فروينا عَن بعض الْمَالِكِيَّة أَن الْمُعظم على أَنه لَا يعْمل بهَا (3 4 5 6 7 قَالَ قوم يأْتونَ بعدكم يَجدونَ صحفا يُؤمنُونَ بِمَا فِيهَا (4) وَهُوَ استنباط حسن

(3/554)


قَالَ وَلم يبْق فِي زَمَاننَا إِلَّا مُجَرّد وجادات

(3/555)