اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر

المُرَاد من شَرطهمَا وَتَقْدِيم مَا وَافق شَرطهمَا على غَيره

ثمَّ يقدم فِي الأرجحية من حَيْثُ الأصحية مَا وَافق شَرطهمَا لِأَن

(1/377)


المُرَاد بِهِ رواتهما أَي رجال إسناديهما كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ.
فَهَذَا هُوَ المُرَاد بشرطهما، إِذْ لَا شَرط لَهما مَذْكُور فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا فِي غَيره، وَأما قَول ابْن طَاهِر: شَرطهمَا أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور من غير اخْتِلَاف بَين الثِّقَات الْأَثْبَات. فَرده الْعِرَاقِيّ، بِأَن النَّسَائِيّ ضعف جمَاعَة أخرجَا لَهما.
مَعَ بَقِيَّة شُرُوط الصَّحِيح احْتِرَازًا عَن انْقِطَاع وَنَحْوه.
عَدَالَة رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وتقدمهم على غَيرهم

ورواتهم قد حصل الِاتِّفَاق على القَوْل بتعديلهم بطرِيق اللُّزُوم. أَي من الحكم بِالصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا عِنْد التفرد لَا تُوجد بِدُونِ الْعَدَالَة.
وَلم يفرقُوا فِي تلقيهم لَهَا بِالْقبُولِ - وَالْحكم بِصِحَّة غير مَا علل من

(1/378)


أحاديثهما - بَين مَا تفرد / بِهِ الرَّاوِي وَغَيره فهم أَي رواتهما مقدمون على غَيرهم فِي رواياتهم وَهَذَا أصل لَا يخرج عَنهُ إِلَّا بِدَلِيل، فَإِن كَانَ الْخَبَر على شَرطهمَا مَعًا كَانَ دون مَا أخرجه مُسلم أَو مثله.
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر أَن مَا كَانَ على شَرطهمَا وَلَيْسَ لَهُ عِلّة مقدم على مَا أخرجه مُسلم وَحده، لِأَن قُوَّة الحَدِيث إِنَّمَا هِيَ النّظر إِلَى رِجَاله لَا بِالنّظرِ إِلَى كَونه فِي كتاب كَذَا، فَمَا ذكره المُصَنّف شَأْن الْمُقَلّد فِي الصِّنَاعَة لَا شَأْن الْعَالم بهَا فَتدبر.
قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا قلت: أَو مثله، لِأَن الحَدِيث الَّذِي يرْوى وَلَيْسَ عِنْدهمَا جِهَة تَرْجِيح على مَا كَانَ عِنْد مُسلم، وَمَا كَانَ عِنْد مُسلم جِهَة تَرْجِيح من حَيْثُ أَنه فِي الْكتاب الْمَذْكُور فتعادلا، فَلذَلِك قلت: أَو مثله.
وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا مبْنى على مَا تقدم من أَن كَون

(1/379)


الحَدِيث فِي كتاب فلَان يَقْتَضِي تَرْجِيحه على مَا رُوِيَ بِرِجَالِهِ - وَقد تقدم مَا فِيهِ -. اه.
قَالَ: فَالَّذِي يَنْبَغِي القَوْل بِهِ أرجحية مَا على شَرطهمَا لما لم يُخرجهُ أَحدهمَا، إِذْ لَا تَرْجِيح بِكَوْنِهِ فِي الصَّحِيح، وَزعم أَن مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يتلَقَّى بِالْقبُولِ فرجح لذَلِك فِي حيّز التهافت، وَمن شَرط فِي الأصحية التلقي الْقبُول؟ فَمَا معنى هَذَا التلقي؟ وَمن هُوَ الَّذِي تلقى ذَلِك؟ .
بَقِيَّة مَرَاتِب الصَّحِيح وَمَا أورد عَلَيْهِ مِنْهَا

وَإِن كَانَ على شَرط أَحدهمَا فَيقدم شَرط البُخَارِيّ وَحده على شَرط مُسلم وَحده تبعا لأصل كل مِنْهُمَا، فَخرج لنا من هَذَا سِتَّة أَقسَام تَتَفَاوَت درجاتها فِي / الصِّحَّة، وَبَقِي قسم سَابِع وَهُوَ مَا لَيْسَ على شَرطهمَا اجتماعا وانفراداً.

(1/380)


قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَقد يُقَال: بَقِي ثامن وَهُوَ الْحسن عِنْد من يعده صَحِيحا فَإِنَّهُ دون مَا ذكر من الْأَقْسَام.
وَأورد عَلَيْهِ - أَيْضا - أَقسَام أُخْرَى:
1 - أَحدهمَا: الْمُتَوَاتر.
ورد بِأَنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ عَدَالَة، وَالْكَلَام فِي الصَّحِيح بالتعريف الْمُتَقَدّم.
2 - الثَّانِي: الْمَشْهُور.
قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ وَارِد قطعا. قَالَ: وَأَنا مُتَوَقف فِي رتبته، هَل هِيَ قبل الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَو بعده؟
3 - الثَّالِث: مَا أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة.

(1/381)


وَأجِيب: بِأَن من لم يشرط الصَّحِيح فِي كِتَابه لَا يزِيد بتخريجه للْحَدِيث قُوَّة، قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: لَكِن مَا اتّفق السِّتَّة على تَوْثِيق رُوَاته أولى بِالصِّحَّةِ مِمَّا اخْتلفُوا فِيهِ، وَإِن اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ.
4 - الرَّابِع: مَا فقد شرطا (كالاتصال) عِنْد من يُسَمِّيه صَحِيحا.
5 - (الْخَامِس: مَا فقد تَمام الضَّبْط وَنَحْوه مِمَّا ينزل إِلَى رُتْبَة الْحسن عِنْد من يُسَمِّيه صَحِيحا) .
6 - قَالَ الْمُؤلف: وَمَا أخرجه السِّتَّة إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم.
7 - وَكَذَا مَا أخرجه الْأَئِمَّة الَّذين التزموا الصِّحَّة.
وَنَحْو هَذَا إِلَى أَن تَنْتَشِر الْأَقْسَام فتكثر حَتَّى يعسر حصرها.

(1/382)


وَهَذَا التَّفَاوُت إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة أَي من حَيْثُ تفَاوت الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للتصحيح أما لَو رجح قسم على مَا هُوَ فَوْقه بِأُمُور أُخْرَى تَقْتَضِي التَّرْجِيح فَإِنَّهُ يقدم على مَا فَوْقه، إِذْ قد يعرض للمفوق مَا يَجعله فائقاً. كَمَا مر مرَارًا وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ الحَدِيث عَن مُسلم مثلا وَهُوَ مَشْهُور قَاصِر عَن دَرَجَة التَّوَاتُر لَكِن حَفَّتْهُ قرينَة / صَار بهَا يُفِيد الْعلم، فَإِنَّهُ يقدم على الحَدِيث الَّذِي يُخرجهُ البُخَارِيّ إِذا كَانَ فَردا مُطلقًا. اعْترض بِأَن الْكَلَام فِي المقبول من الْآحَاد.
وكما لَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي لم يخرجَاهُ أَي الشَّيْخَانِ من تَرْجَمَة وصنفت بِكَوْنِهَا أصح الْأَسَانِيد من التراجم الْمُتَقَدّمَة كمالك أَي كَحَدِيث رَوَاهُ مَالك بن أنس عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن ابْن عمر

(1/383)


ابْن الْخطاب - (رَضِي الله عَنْهُم) فَإِنَّهُ يقدم على مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا مثلا لِأَنَّهُ شَارك مَا أَخْرجَاهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاتِّفَاق على الْقبُول فحصلت الْمُسَاوَاة، وَالْمَقْصُود الأرجحية وَتحصل بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحدهمَا لَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال يَعْنِي وَإِن كَانَ عَنهُ جَوَاب، لِأَن من تكلم فِيهِ لَيْسَ كمن لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا كَمَا هُوَ ظَاهر. ذكره الشَّيْخ قَاسم.
فَائِدَة بَيَان مَرَاتِب الصَّحِيح

وَفَائِدَة التَّقْسِيم الْمُقَرّر تظهر عِنْد التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح.
وَهَذَا كُله اصْطِلَاح الْمُحدثين، أما الْفُقَهَاء فَإِنَّهُم قد يرجحون بِمَا لَا دخل لَهُ فِي ذَلِك كَمَا صرح بِهِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيره.

(1/384)


تَنْبِيهَات
:
1 - الأول: ذكرُوا أَن أصح مَا صنف فِي الصَّحِيح بعد الشَّيْخَيْنِ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان، وَأَبُو عوَانَة، (وَالْحَاكِم، وَأَن صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) أصح من صَحِيح ابْن حبَان، وصحيح ابْن حبَان وَأبي عوَانَة) أصح من مُسْتَدْرك الْحَاكِم لتفاوتهم فِي الِاحْتِيَاط وَتوسع الْحَاكِم وتساهله. وَلَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُم لاحقاً بالصحيحين إِلَّا فِي مُجَرّد التَّسْمِيَة لوُجُود غير الصَّحِيح فِيهَا. وَقَالَ بعض الْحفاظ: يَنْبَغِي أَن يُقَال: أَصَحهَا بعد مُسلم مَا اتّفق / عَلَيْهِ الثَّلَاثَة ثمَّ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان أَو الْحَاكِم، ثمَّ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، ثمَّ ابْن خُزَيْمَة فَقَط، ثمَّ ابْن حبَان فَقَط، ثمَّ الْحَاكِم فَقَط إِن لم يكن الحَدِيث على شَرط أحد الشَّيْخَيْنِ.
2 - الثَّانِي: قد يعرض للمفوق مَا يصيره فائقاً - كَمَا مر - وَذَلِكَ كَأَن يتَّفقَا على إِخْرَاج حَدِيث غَرِيب، وَيخرج مُسلم حَدِيثا مَشْهُورا، أَو مِمَّا وصفت تَرْجَمته بِكَوْنِهَا أصح الْأَسَانِيد، وَلَا يقْدَح ذَلِك فِيمَا مر

(1/385)


لِأَن ذَلِك بِاعْتِبَار الْإِجْمَال ذكره الزَّرْكَشِيّ ثمَّ قَالَ:
وَمِنْه يعلم أَن تَرْجِيح كتاب البُخَارِيّ إِنَّمَا المُرَاد بِهِ تَرْجِيح الْجُمْلَة على الْجُمْلَة لَا كل فَرد من أَحَادِيثه على كل فَرد من أَحَادِيث الآخر. انْتهى.
التَّصْحِيح والتضعيف فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة

3 - الثَّالِث: الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَجل الْمُحدثين جَوَاز النّظر فِي الْأَسَانِيد والمتون للعارف بهَا، وَالْحكم عَلَيْهَا بِمَا يظْهر لَهُ من صِحَة وتحسين وَغَيرهمَا حَيْثُ قويت مَعْرفَته وتمكنه.
وَذهب ابْن الصّلاح إِلَى الْمَنْع، محتجاً بِعَدَمِ إِمْكَانه فِي الْأَزْمِنَة الْمُتَأَخِّرَة، لتحري الْمُتَقَدِّمين وَشدَّة فحصهم إِذْ لَا يكْتَفى بِمُجَرَّد صِحَة السَّنَد مَعَ ظن أَنه لَو صَحَّ لما أهملوه، لِأَن كل إِسْنَاد فِيهِ من اعْتمد على كِتَابه وَلم يُلَاحظ ضبطاً وَلَا إتقاناً فالاعتماد فِي معرفَة الصَّحِيح وَالْحسن على مَا فِي تصانيف الْأَئِمَّة الْمَشْهُورَة الَّتِي سلمت من التَّغْيِير والتحريف.

(1/386)


وَتعقبه الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ: بِأَن مَنعه لم يتَحَصَّل مِنْهُ على شَيْء، وَكَيف يَتَأَتَّى القَوْل بِالْمَنْعِ من / الحكم بِالصِّحَّةِ إِذا وجد عَالم (فِي كتاب) كسنن أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من التصانيف الْمَشْهُورَة المحفوظة من التَّغْيِير والتحريف حَدِيثا بِإِسْنَاد لَا غُبَار عَلَيْهِ كقتيبة عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، فَإِن إِسْنَاده من فَوق وَاضح الْأَمر، وَمن أَسْفَل لَا يحْتَاج لبَيَان عِنْده لاكتفائه بشهرة التصنيف. انْتهى.
وَقد أَخذه المُصَنّف وَنسبه لنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ الْكتاب الْغَنِيّ بشهرته عَن اعتبارنا لإسناده لمسنده كسنن النَّسَائِيّ لَا يحْتَاج فِي صَحَّ نسبته لاعْتِبَار رجال الْإِسْنَاد، فَإِذا روى حَدِيثا وَلم يعلله وَجمع إِسْنَاده

(1/387)


شُرُوط الصِّحَّة وَلم يطلع الْمُحدث الْعَارِف على عِلّة فِيهِ فَلَا مَانع من الحكم بِصِحَّتِهِ و (إِن) لم ينص عَلَيْهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين، مَعَ أَن أَكثر رُوَاته رَوَاهُ الصَّحِيح. انْتهى.
وَاعْتَرضهُ السخاوي: بِأَنَّهُ كَيفَ يسوغ الرَّد على ابْن الصّلاح بِمَا هُوَ مُصَرح باعتماده وَهُوَ عين كَلَامه.
الحَدِيث الْحسن بنوعيه

فَإِن خف الضَّبْط - أَي قل - يُقَال: خف الْقَوْم خفوفاً أَي قلوا، وَالْمرَاد انه خف لَكِن مَعَ وجود بَقِيَّة الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فِي حد الصَّحِيح أَي مَعَ وجود بَاقِي الشُّرُوط كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله بعد ذَلِك وَخرج بِاشْتِرَاط بَاقِي الْأَوْصَاف إِلَى آخِره فَهُوَ الْحسن لذاته لَا لشَيْء خَارج عَن ذَاته.
وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا ذكره لَا يحصل بِهِ تَمْيِيز الْحسن عَن غَيره، لِأَن الخفة الْمَذْكُورَة غير منضبطة وَهُوَ أَي الْحسن لأمر خَارج / هُوَ الَّذِي يكون حسنه حسب الاعتضاد أَي بِحَسب اعتضاده بمتابعة أَو بِمَا لَهُ من الشواهد نَحْو حَدِيث المستور.
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: وَأحسن مَا يحد بِهِ الْحسن أَن يُقَال: هُوَ خبر الصَّادِق أَو المستور المعتضد.

(1/388)


قَالَ المُصَنّف: الرَّاوِي إِذا لم يسم كَرجل يُسمى مُبْهما، وَإِن ذكر من عدم تَمْيِيز فَهُوَ المهمل، وَإِن ميز وَلم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فمجهول وَإِلَّا فمستور. انْتهى.
وَقَالَ غَيره: المستور هُوَ الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته وَلَيْسَ مغفلاً كثير الْخَطَأ، وَلَا مُتَّهمًا بفسق، إِذا تعدّدت طرقه أَو وجد لَهُ شَاهد وَهُوَ وُرُود حَدِيث آخر نَحوه، فَيخرج بذلك عَن كَونه شاذاً أَو مُنْكرا.
وَخرج بِاشْتِرَاط بَاقِي الْأَوْصَاف الضَّعِيف كَمَا يَأْتِي، هَذَا مَا لخصه الْمُؤلف وحرره من أقاويل متعارضة، وحدود مُعْتَرضَة، وَحَاصِله أَنه شرك بَين الْحسن لذاته وَبَين الصَّحِيح فِي الشُّرُوط إِلَّا تَمام الضَّبْط

(1/389)


وَنَحْوه قَول الْجَزرِي: الْحسن لذاته مَا حصل بِنَقْل عدل مُتَّصِل السَّنَد سالما من الشذوذ والإعلال. وَهَذَا أحسن مَا قيل، وَقد كثر الِاضْطِرَاب فِي هَذَا الْمقَام، واستقصى تحريره على كثير من الأفهام.
قَالَ ابْن كثير والبلقيني: وَسَببه أَن الْحسن لما توَسط بَين الصَّحِيح والضعيف كَأَن شَيْئا ينقدح فِي نفس الْحَافِظ قد تقصر عِبَارَته كَمَا قيل الِاسْتِحْسَان، فَلذَلِك صَعب تَعْرِيفه.
وَهَذَا الْقسم من الْحسن / مشارك للصحيح فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة، وَلِهَذَا أدرجه الْحَاكِم وَابْن خُزَيْمَة (وَابْن حبَان فِي نوع

(1/390)


الصَّحِيح) مَعَ قَوْلهم أَنه دونه لَكِن قَالَ فِي " الاقتراح ": مَا ذكر من أَن الْحسن يحْتَج بِهِ مُشكل، لِأَن ثمَّ أَوْصَاف يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت فَإِن كَانَ هَذَا الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا وجدت فِيهِ على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول فَصَحِيح، وَإِن لم تُوجد لم يجز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا، إِلَّا أَن يُرِيد الْأَمر الاصطلاحي بِأَن يُقَال: إِن هَذِه الصِّفَات لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها يُسمى صَحِيحا وَأَدْنَاهَا يُسمى حسنا، وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر إِلَى الِاصْطِلَاح وَيكون الْكل صَحِيحا. انْتهى.
وَقَضِيَّة كَلَام الْمُؤلف كَمَا قَالَه بعض الْمُحَقِّقين أَن الْحسن لخارج لَا يحْتَج بِهِ، لَكِن يُخَالِفهُ إِطْلَاق (التَّقْرِيب) كَأَصْلِهِ حَيْثُ قَالَ:

(1/391)


الْحسن كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ إِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة. وَلَا بدع فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ، وَلَو انْفَرد كل مِنْهُمَا لم يكن حجَّة كَمَا فِي مُرْسل ورد من وَجه آخر مُسْندًا، أَو وَافقه مُرْسل آخر بِشَرْطِهِ كَمَا ذكره ابْن الصّلاح.
ومشابه لَهُ فِي الانقسام إِلَى مَرَاتِب بَعْضهَا فَوق بعض فأعلى مراتبه كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ: بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، وَابْن إِسْحَق عَن التَّيْمِيّ

(1/392)


وأمثال ذَلِك مِمَّا قيل أَنه صَحِيح، وَهُوَ من أدنى مَرَاتِب الصَّحِيح.
ثمَّ من بعد ذَلِك مَا اخْتلف فِي حسنه وَضَعفه كَحَدِيث الْحَارِث ابْن عبد الله، وَعَاصِم بن ضَمرَة، وحجاج بن / أَرْطَاة ... ... ...
وبكثرة طرقه أَي الْحسن لذاته يصحح قَالَ الْمُؤلف فِي (تَقْرِيره) : يشْتَرط فِي التَّابِع أَن يكون أقوى أَو مساوي حَتَّى لَو كَانَ الْحسن لذاته يرْوى من وَجه آخر حسن لغيره لم يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ.
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهَذَا معنى قَوْله الْآتِي: تطلق الصِّحَّة على

(1/393)


الْإِسْنَاد الَّذِي يكون حسنا لذاته لَو انْفَرد فَقَوله لذاته احْتِرَازًا عَمَّا ذكره وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ من وَجه آخر حسن لغيره.
وَإِنَّمَا يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ عِنْد تعدد الطّرق بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَن للصورة الْمَجْمُوعَة قُوَّة تجبر الْقدر الَّذِي قصر بِهِ ضبط رَاوِي الْحسن عَن رَاوِي الصَّحِيح كالحبل الْمُؤلف من شَعرَات وَمن ثمَّ أَي وَمن هُنَا يُطلق الصِّحَّة على الْإِسْنَاد الَّذِي يكون حسنا لذاته لَو تفرد إِذا تعدد فَخرج بقوله لذاته الْحسن لغيره فَلَا يجْبر كَمَا تقرر.
مِثَال ذَلِك حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة

(1/394)


مَرْفُوعا: " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ".
فمحمد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة مَشْهُور بِالصّدقِ والصيانة، لَكِن لم يكن متقناً حَتَّى ضعفه بَعضهم من جِهَة سوء حفظه، وَوَثَّقَهُ بَعضهم لصدقه وجلالته، فَحَدِيثه من هَذِه الْجِهَة حسن، فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك كَونه روى من وَجه آخر حكم بِصِحَّتِهِ.
وكحديث البُخَارِيّ عَن أبي بن الْعَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه

(1/395)


عَن جده فِي ذكر خيل الْمُصْطَفى.
فَإِن أَبَيَا هَذَا ضَعِيف لسوء حفظه، فَحَدِيثه حسن لَكِن تَابعه عَلَيْهِ أَخُوهُ عبد الْمُهَيْمِن، فارتقى إل دَرَجَة الصِّحَّة. /
وَهَذَا حَيْثُ ينْفَرد الْوَصْف، فَإِن جمعا - أَي الْحسن وَالصَّحِيح - فِي وصف حَدِيث وَاحِد كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَغَيره كيعقوب بن شيبَة، وَابْن

(1/396)


الْمَدِينِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَقد جمع هَؤُلَاءِ بَين الصِّحَّة وَالْحسن والغرابة فِي مَوَاضِع من كتبهمْ، وَكَذَا أَبُو على الطوسي جمع بَين الصِّحَّة وَالْحسن (فِي مَوَاضِع) من كِتَابه الْمُسَمّى ب " الإحكام ".
وَقد أَشَارَ الْمُؤلف إِلَى ذَلِك بقوله (وَغَيره) ردا إِلَى مَا اشْتهر بَين أهل الْفَنّ من أَن ذَلِك خَاص بالترمذي.
فللتردد الْحَاصِل من الْمُجْتَهد فِي هَذَا الْفَنّ كالترمذي فِي النَّاقِل، هَل اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الصِّحَّة أَو قصر عَنْهَا (بِأَن يَقُول فِيهِ بَعضهم صَدُوق مثلا، وَبَعْضهمْ يَقُول ثِقَة وَلَا يتَرَجَّح عِنْد النقاد وَاحِد مِنْهُمَا. أَو يتَرَجَّح لكنه يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى كَلَام النَّاس فِيهِ) .
وَهَذَا (حَيْثُ) يحصل مِنْهُ التفرد بِتِلْكَ الرِّوَايَة قَالَ الشَّيْخ

(1/397)


قَاسم: يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ الْمُنْفَرد جمع شُرُوط الصِّحَّة عِنْدهم.
وَعرف بِهَذَا جَوَاب من اسْتشْكل كَابْن الصّلاح الْجمع بَين الوصفين فِي حَدِيث وَاحِد / فَقَالَ: الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح فَفِي الْجمع بَينهمَا إِثْبَات لذَلِك الْقُصُور ونفيه قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِيره لذَلِك حِين قرىء عَلَيْهِ الشَّرْح: اسْتشْكل الْجمع بَين الصِّحَّة وَالْحسن، فَأُجِيب: بِأَنَّهُ بِحَسب إسنادين.
فأورد (عَلَيْهِ) : إِنَّه يَقُول حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
فَأُجِيب: بِمَا ذكر، وَمِنْهُم من أجَاب بالترادف فِي الْمَعْنى.
قيل: يرد بِأَصْل الْقِسْمَة.

(1/398)


قَالَ الشَّيْخ / قَاسم: وَلَيْسَ بِشَيْء، بل إِنَّه خلاف الْمُتَعَارف، وَهَذَا الْجَواب عَن قَول من وفْق بِأَن الْحسن فِي اللَّفْظ، وَالصِّحَّة للسند، لَا مَا قيل: إِنَّه يدْخل فِيهِ الضَّعِيف. اه.
ومحصل الْجَواب إِن تردد أَئِمَّة الحَدِيث فِي حَال ناقله بِأَن قَالَ بَعضهم صَدُوق مثلا، وَبَعْضهمْ يَقُول ثِقَة اقْتضى للمجتهد أَن لَا يصفه بِأحد الوصفين (لكَونه لم يتَرَجَّح عِنْده وَاحِد مِنْهُمَا، أَو ترجح لكنه يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى كَلَام النَّاس فِيهِ) .
فَيُقَال فِيهِ حسن بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم (لِأَن رَاوِيه عِنْدهم صَدُوق) صَحِيح بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم آخَرين لِأَن رَاوِيه عِنْدهم ثِقَة،

(1/399)


(فَهَؤُلَاءِ غير مترددين فِي صِحَّته وَأُولَئِكَ مترددين فِيهَا) ، وَهَذَا نَظِير قَول الْفُقَهَاء: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ، أَو وَجْهَان.
أَو يكون ذَلِك بِحَسب تردد الْمُجْتَهد بِعَيْنِه فِي الرَّاوِي فَتَارَة يُؤَدِّيه اجْتِهَاده بِاعْتِبَار حَدِيثه وَعرضه على حَدِيث الْحَافِظ - وَنَحْو ذَلِك - إِلَى قُصُور ضَبطه، وَتارَة إِلَى تَمَامه.
ثمَّ إِن مَا ذكره الْمُؤلف اعْتَرَضَهُ الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ الرَّاوِي جَامعا لشروط بِاتِّفَاق، أَو لم يتَرَدَّد فِيهِ.
وَقَالَ غَيره: قد جزم الْجَزرِي بِأَن هَذَا أَعلَى رتبه مِمَّا قيل فِيهِ حسن، قَالَ هَكَذَا سَمِعت مَعْنَاهُ من شَيخنَا ابْن كثير. وَغَايَة مَا فِيهِ

(1/400)


أَنه حذف مِنْهُ حرف التَّرَدُّد ... ... لِأَن حَقه أَن يَقُول حسن أَو صَحِيح وَمثل ذَلِك سَائِغ شَائِع فِي كَلَامهم.
وَهَذَا كَمَا حذف الْعَطف من الَّذِي بعده كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي حَدِيث عدي بن حَاتِم - رَفعه - " تصدق رجل (من درهمه) ، من ديناره، من صَاع تمره ... " إِلَى آخِره.
وكما فِي أثر عمر فِي الصَّحِيح: صلى فِي قَمِيص وَإِزَار،

(1/401)


فِي تبان، فِي رِدَاء، فِي كَذَا.
وكما فِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة - رَفعه - " اللَّهُمَّ إِنِّي / أَتَّخِذ عنْدك عهدا فَأَي مُسلم أذيته شتمته لعنته جلدته ... " الحَدِيث.
وعَلى هَذَا: فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح دون مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط لِأَن هَذَا غير مُتَرَدّد فِي صِحَّته وَذَاكَ مُتَرَدّد فِيهَا والجزم أقوى من التَّرَدُّد وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُؤلف للْجمع بِهِ تبعا لجمع وَنقض ذَلِك: بِأَن التِّرْمِذِيّ يجمع بَينهمَا فِي الحَدِيث الَّذِي لَا خلاف فِي رُوَاته.

(1/402)


قَالَ ابْن الْجَزرِي - تبعا لِابْنِ كثير - وَالظَّاهِر أَن مُرَاده اسْتِوَاء الصَّحِيح وَالْحسن فِي الحكم حَيْثُ اجْتمعَا فِي متن فَيلْزم من الحكم بِالصِّحَّةِ الْحسن لدُخُوله تبعا. انْتهى.
وَجرى على ذَلِك - أَيْضا - بَعضهم حَيْثُ قَالَ: يرد عَلَيْهِ أَن التِّرْمِذِيّ يجمع بَينهمَا فِي الحَدِيث الَّذِي لَا خلاف فِي رُوَاته.
وَهَذَا (من) حَيْثُ (يحصل) التفرد وَإِلَّا أَي إِن لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين مَعًا على الحَدِيث يكون بِاعْتِبَار إسنادين (أَو أَسَانِيد) أَحدهمَا صَحِيح وَالْآخر حسن فَكَأَنَّهُ قيل: حَدِيث حسن بِالْإِسْنَادِ الْفُلَانِيّ، صَحِيح بِالْإِسْنَادِ الْفُلَانِيّ.
وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ كلا الإسنادين

(1/403)


على شَرط الصَّحِيح. قَالَ: وَمن تتبع وجد صدق مَا قلت فيهمَا.
وَوَافَقَهُ (على ذَلِك) غَيره فَقَالَ: يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ الإسنادان على شَرط الصَّحِيح، أَو كَانَ الْمُنْفَرد جَامعا لشروط الصِّحَّة.
وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَوق مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط إِذا كَانَ فَردا لِأَن كَثْرَة الطّرق تقوى.
لَكِن ضعف بقَوْلهمْ: الحكم على الإٍ سناد بِالصِّحَّةِ لَا يقْضِي بِهِ على الْمَتْن / إِذْ قد يَصح الْإِسْنَاد لثقة رِجَاله وَلَا يَصح الْمَتْن لشذوذ أَو عِلّة، وَقد ضعف غير وَاحِد من الْمُحدثين أَحَادِيث مَعَ حكمهم على إسانيدها بِالصِّحَّةِ.
فَإِن قيل: قد صرح التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه، فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه؟ فَالْجَوَاب: إِن التِّرْمِذِيّ لم يعرف

(1/404)


الْحسن مُطلقًا وَإِنَّمَا عرفه بِنَوْع خَاص مِنْهُ وَقع فِي كِتَابه وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى. ثمَّ أَخذ فِي بَيَان الْمُدعى - وَهُوَ أَكثر عرف نوعا مِنْهُ بقوله: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: حسن، وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح وَفِي بَعْضهَا: غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: حسن صَحِيح، وَفِي بَعْضهَا: حسن غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: حسن صَحِيح غَرِيب.
وتعريفه إِنَّمَا وَقع على الأول فَقَط، وَعبارَته ترشد إِلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي آخر كِتَابه " الْجَامِع " وَمَا قُلْنَا فِي كتَابنَا: حَدِيث (حسن) فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا.
قَالَ المُصَنّف: فَفِي هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ حسن الْإِسْنَاد

(1/405)


فَانْتفى أَن يُرِيد حسن اللَّفْظ الَّذِي ادَّعَاهُ بَعضهم وَحمل كَلَامه عَلَيْهِ. انْتهى.
(وأتى بنُون العظمة لإِظْهَار بلزومها الَّذِي هُوَ نعْمَة من تَعْظِيم الله تَعَالَى لَهُ بتأهيله للْعلم امتثالا لقَوْله: (وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث) .
فَكل حَدِيث يرْوى وَلَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب، ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك، وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن. فَعرف بِهَذَا أَنه إِنَّمَا عرف الَّذِي يَقُول فِيهِ حسن فَقَط، أما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح، أَو حسن غَرِيب، أَو حسن (صَحِيح) غَرِيب، فَلم يعرج على تَعْرِيفه / كَمَا لم يعرج على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح فَقَط، أَو غَرِيب فَقَط.
قَالَ: ويوضح ذَلِك مَا ذكره فِي الْفِتَن من حَدِيث خَالِد الْحذاء

(1/406)


عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: " من أَشَارَ على أَخِيه بحديدة ... ... " الحَدِيث قَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، فاستغربه من حَدِيث خَالِد لَا مُطلقًا.
وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك اسْتغْنَاء بشهرته عِنْد أهل الْفَنّ، وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ فِي كِتَابه: حسن فَقَط، إِمَّا لغموضه، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح جَدِيد وَلذَلِك قَيده بقوله عندنَا وَلم ينْسبهُ لأهل الحَدِيث كَمَا فعل الْخطابِيّ، وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع كثير من الإيرادات الَّتِي طَال الْبَحْث فِيهَا وَلم يسفر وَجه توجيهها وَللَّه الْحَمد على مَا ألهم وَعلم.
وَهَذَا كُله مركب من أجوبة ثَلَاثَة: لِابْنِ الصّلاح، وَابْن دَقِيق

(1/407)


الْعِيد، وَابْن كثير، وَلَيْسَ للمؤلف (من ذَلِك) إِلَّا الْجمع والتركيب وَالتَّلْخِيص.
وَأما الْجَواب بِأَن المُرَاد بالْحسنِ: اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي كَمَا وَقع لِابْنِ عبد الْبر حَيْثُ روى حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا: " تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله خشيَة ... ... " الحَدِيث ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن جدا لَكِن لَيْسَ إِسْنَاده قوي. فَأَرَادَ بالْحسنِ حسن اللَّفْظ فَقَط لِأَنَّهُ من رِوَايَة الْبُلْقَاوِيُّ وَهُوَ كَذَّاب.
فَرد بِأَنَّهُ يُطلق على الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَهَذَا لَا يَقُوله أحد.

(1/408)


تَنْبِيهَات

1 - الأول: قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح /: كتاب التِّرْمِذِيّ أصل فِي معرفَة الْحسن، وَهُوَ الَّذِي شهره وَأكْثر من ذكره. وَمن مظانه - أَيْضا - سنَن أبي دَاوُد، وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ نَص على كثير مِنْهُ.
2 - الثَّانِي: إِذا روى الحَدِيث من وُجُوه ضَعِيفَة لَا يلْزم أَن يحصل من مجمعها أَنه حسن، بل مَا كَانَ ضعفه لضعف حفظ رَاوِيه الصدوق الْأمين زَالَ لمجيئه من وَجه آخر وَصَارَ حسنا، وَكَذَا لَو كَانَ ضعفه لإرسال أَو تَدْلِيس أَو جَهَالَة حَال زَالَ بوروده من طَرِيق آخر.
وَأما الضَّعِيف لفسق الراوى فَلَا يُؤثر فِيهِ مُوَافقَة غَيره.
3 - الثَّالِث: لم يذكر الْمُؤلف الصَّالح الَّذِي هُوَ بَين الضَّعِيف وَالْحسن،

(1/409)


ذَهَابًا مِنْهُ إِلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر من دُخُوله فِي الْحسن لغيره فمصدقهما وَاحِد.
وَخَالفهُ فِي ذَلِك أَبُو دَاوُد فَجعله قسما بِرَأْسِهِ، وَيُؤَيِّدهُ قَول يَعْقُوب ابْن شيبَة: الصَّالح مَا فِي إِسْنَاده من لَيْسَ بالثبت، وَإِذا عرف بِأَنَّهُ مَا فِي سَنَده الْمُتَّصِل مَسْتُور خَال عَن قادحة كَانَ من الْحسن.
قَالَ أَبُو دَاوُد: مَا فِي كتابي إِذا اشْتَدَّ وهنه بَينته وَإِن سكت فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض - أَي لتَفَاوت مرتبته فِي الصلاحية - ذكريات فِيهِ الصَّحِيح، وَمَا يشبه ويقاربه - أَي الْحسن.