اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر

الحَدِيث المقلوب

أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بِتَقْدِيم وَتَأْخِير - أَي - فِي الْأَسْمَاء: كمرة بن كَعْب وَكَعب بن مرّة، لِأَن اسْم أَحدهمَا اسْم أبي الآخر فَهَذَا هُوَ المقلوب.
قَالَ بعض من لقيناه: وسيحيء قَرِيبا مَا يُشِير إِلَى أنِشرطه أَن يَقع غَلطا. ثمَّ إِن هَذَا مَا ذكره الْمُؤلف هُنَا. وَقَالَ فِي كتاب آخر: المقلوب أَن تخْتَلف الروَاة فِي اسْم وَاحِد فيرويه بَعضهم على الصَّوَاب، ويهم بَعضهم فَيَجْعَلهُ إباه وَيجْعَل إباه هُوَ، كمرة بن كَعْب فَجعله بَعضهم: كَعْب بن مرّة، بِخِلَاف المشتبه، فَإِنَّهُ يكون راويان أَحدهمَا / اسْم أبي الآخر. انْتهى.
وللخطيب الْبَغْدَادِيّ فِيهِ أَي المقلوب مؤلف مُفْرد وَهُوَ كتاب " رَافع

(2/86)


الارتياب فِي المقلوب من الْأَسْمَاء والأنساب ".
وَقد يَقع الْقلب فِي الْمَتْن - أَيْضا - كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم فِي صَحِيحَة فِي السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله فِي ظلّ عَرْشه يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله فَفِيهِ: وَرجل تصدق بصدقه أخفاها حَتَّى لَا تعلم يَمِينه مَا تنْفق شِمَاله. فَهَذَا مِمَّا انْقَلب على أحد الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ " حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.

(2/87)


وَمثل لَهُ شَيْخه البُلْقِينِيّ - أَيْضا - بِمَا رَوَاهُ حبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته أنيسَة مَرْفُوعا: إِذا أذن ابْن أم مَكْتُوم فَكُلُوا وَاشْرَبُوا، وَإِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تشْربُوا. . الحَدِيث. رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَالْمَشْهُور من حَدِيث ابْن عمر وَعَائِشَة: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم. فَالرِّوَايَة بِخِلَاف ذَلِك مَقْلُوبَة. وَيُمكن أَن يُسمى ذَلِك بالمعكوس، ويفرد بِنَوْع مُسْتَقل. اه.

(2/88)


وَمثل لَهُ السُّيُوطِيّ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوهُ، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شئ فَاجْتَنبُوهُ مَا اسْتَطَعْتُم. فَإِن الْمَعْرُوف مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ وَمَا أَمرتكُم بِهِ فافعلوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم.
وَجعل النَّوَوِيّ كَابْن / الصّلاح الْقلب فِي الْإِسْنَاد قسمَيْنِ:
1 - الأول: أَن يكون الحَدِيث مَشْهُورا براو فَيجْعَل مَكَانَهُ آخر فِي طبقته، نَحْو حَدِيث مَشْهُور عَن سَالم جعل عَن نَافِع ليرغب فِيهِ لغرابته. اه وَعَن مَالك جعل عَن عبيد الله بن عمر قَالَ

(2/89)


ابْن دَقِيق الْعِيد: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُطلق على رَاوِيه: أَنه يسرق الحَدِيث. 2 - الثَّانِي: أَن يُؤْخَذ إِسْنَاد متن فَيجْعَل على متن آخر وَبِالْعَكْسِ، وَهَذَا قد يقْصد بِهِ الإغراب فَيكون كالوضع، وَقد يفعل اختبارا لحفظ الْمُحدث، أَو لقبوله التَّلْقِين. اه. وَقد يَقع الْقلب غَلطا لَا قصدا كَحَدِيث رَوَاهُ جرير بن حَازِم عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا: إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني.

(2/90)


فَهَذَا حَدِيث انْقَلب إِسْنَاده على جرير وَهُوَ مَشْهُور ليحيى بن أبي كثير عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه عَن الْمُصْطَفى.

(2/91)


الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد

وَإِن كَانَت الْمُخَالفَة بِزِيَادَة راو فِي أثْنَاء الْإِسْنَاد وَمن لم يزدها أتقن مِمَّن زَادهَا فَهَذَا هُوَ الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد.
ومثاله: مَا روى ابْن الْمُبَارك قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد حَدثنِي بسر بن عبيد الله سَمِعت أَبَا إِدْرِيس الْخَولَانِيّ سَمِعت وَاثِلَة يَقُول: سَمِعت أَبَا مرْثَد يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: لَا تجلسوا على الْقُبُور وَلَا تصلوا إِلَيْهَا. فَذكر سُفْيَان وَأبي إِدْرِيس فِي هَذَا الْإِسْنَاد زِيَادَة وَوهم، فالوهم فِي سُفْيَان مِمَّن

(2/92)


دون ابْن الْمُبَارك، لِأَن الثِّقَات رَوَوْهُ عَن ابْن الْمُبَارك (عَن ابْن جَابر نَفسه من غير ذكر سُفْيَان) ، وَمِنْهُم من صرح فِيهِ بالإخبار. وَالوهم فِي أبي إِدْرِيس من ابْن الْمُبَارك، فَإِن الثِّقَات رَوَوْهُ عَن ابْن. يزِيد فَلم يذكرُوا أَبَا إِدْرِيس (بَين بسر وواثلة، وَمِنْهُم من صرح بِسَمَاع بسر من وَاثِلَة) . وَقد حكم الْأَئِمَّة - البُخَارِيّ وَغَيره - على ابْن الْمُبَارك بالوهم فِيهِ. اه
وَقد صنف الْخَطِيب فِي هَذَا النَّوْع كتابا سَمَّاهُ: (تَمْيِيز الْمَزِيد فِي مُتَّصِل

(2/93)


الْأَسَانِيد) فِي كثير مِنْهُ نظر.
قَالَ الْمُؤلف - كَغَيْرِهِ - وَشَرطه أَي هَذَا النَّوْع أَن يَقع التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ (فِي مَوضِع الزِّيَادَة وَإِلَّا أَي وَإِن لم يَقع التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ) فِي موضعهَا فَمَتَى كَانَ مُعَنْعنًا مثلا كَأَن كَانَ بِحرف عَن أَو نَحْوهَا مِمَّا لَا يَقْتَضِي الِاتِّصَال ترجحت الزِّيَادَة، لِأَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة.

(2/94)


الحَدِيث المضطرب

أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بإبداله - أَي الرَّاوِي - أَي بإبدال الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ، كَأَن يروي اثْنَان حَدِيثا فيرويه أَحدهمَا عَن شيخ، وَالْآخر عَن آخر، ويتفقان فِيمَا بعد ذَلِك الشَّيْخ، قَالَ (بَعضهم) : وَلَو قَالَ الْمُؤلف: أَي بإبدال راو كَانَ أولى.
وَلَا مُرَجّح لأحد الرِّوَايَتَيْنِ على الْأُخْرَى لحفظ، أَو كَثْرَة صُحْبَة على من خَالفه وَلَا بِمن خَالفه عَلَيْهِ فَهُوَ المضطرب أَي النَّوْع / الْمُسَمّى بِالِاضْطِرَابِ.
وَيكون ذَلِك غَالِبا فِي الْإِسْنَاد، كَحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن

(2/95)


حُرَيْث عَن جده حُرَيْث عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: إِذا صلى أحدكُم فليجعل شَيْئا تِلْقَاء وَجهه. . الحَدِيث فقد اخْتلف فِيهِ على إِسْمَاعِيل، فَرَوَاهُ بشر بن الْمفضل - وَغَيره - هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَنهُ عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ غير الْمَذْكُورين على هَيْئَة أُخْرَى. أما إِذا كَانَت لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ - أَو الرِّوَايَات - مُرَجّح كحفظ رواتها، أَو كَثْرَة (صُحْبَة) الْمَرْوِيّ عَنهُ، أَو غير ذَلِك من وُجُوه المرجحات،

(2/96)


فَالْحكم للراجحة وَلَا (يكون الحَدِيث مضطرباً لَا الرِّوَايَة الراجحة وَلَا) المرجوحة بل هِيَ شَاذَّة أَو مُنكرَة على مَا مر.
وَاعْلَم أَن الْعِرَاقِيّ فِي " الفيتة " قد جعل جَمِيع ذَلِك من أَقسَام المقلوب.
وَهُوَ أَي الِاضْطِرَاب الْمشَار إِلَيْهِ بالمضطرب يَقع فِي الْإِسْنَاد - غَالِبا - كَمَا مثلنَا. وَقد يَقع فِي الْمَتْن كَحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس قَالَت: سَأَلت - أَو سُئِلَ - النَّبِي عَن الزَّكَاة؟ فَقَالَ: إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة. وحديثها - أَيْضا -: لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة، روى الأول التِّرْمِذِيّ، وَالثَّانِي ابْن مَاجَه.

(2/97)


وَهَذَا الِاضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل. اه قَالَ الْحَافِظ: لَكِن قل أَن يحكم الْمُحدث على الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاخْتِلَاف / فِي الْمَتْن دون الْإِسْنَاد، لِأَن تِلْكَ وَظِيفَة الْمُجْتَهد فِي الحكم.
وَأعلم أَن الِاضْطِرَاب يُوجب ضعف الحَدِيث لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، الَّذِي هُوَ شَرط الصِّحَّة وَالْحسن. كَذَا أطلقهُ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح - لَكِن قَالَ المُصَنّف: إِن الِاضْطِرَاب قد يُجَامع الصِّحَّة، وَذَلِكَ بِأَن يَقع الِاخْتِلَاف فِي اسْم رجل وَاحِد وَأَبِيهِ وَنسبه وَنَحْو ذَلِك،

(2/98)


وَيكون ثِقَة فَيحكم للْحَدِيث بِالصِّحَّةِ وَلَا يضر الِاخْتِلَاف فِيمَا ذكر مَعَ تَسْمِيَته مضطربا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة بِهَذِهِ المثابة.
وَسَبقه لذَلِك الزَّرْكَشِيّ فِي " مُخْتَصره " فَقَالَ: قد يدْخل الْقلب، والشذوذ، وَالِاضْطِرَاب فِي قسم الصَّحِيح وَالْحسن.
وَقد يَقع الْإِبْدَال عمدا لمن يُرَاد اختبار حفظه امتحانا من فَاعله كَمَا وَقع للْبُخَارِيّ والعقيلي (بِضَم الْعين وَفتح الْقَاف) وَغَيرهمَا كشعبة، وَحَمَّاد بن سَلمَة. وَذَلِكَ أَن البُخَارِيّ لما دخل بَغْدَاد قلب عَلَيْهِ

(2/99)


أَهلهَا مائَة حَدِيث امتحانا لَهُ، فَردهَا على وجوهها فأذعنوا لَهُ لفضله.
قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: وَفِي جَوَاز هَذَا الْفِعْل نظر.
لَكِن إِذا فعله لَا يسْتَمر حَدِيثا. فَلهَذَا قَالَ الْمُؤلف: وَشَرطه أَي شَرط جَوَازه أَن لَا يسْتَمر عَلَيْهِ أَي على الْمُبدل بل يَنْتَهِي بانتهاء الْحَاجة يَعْنِي لَا يبْقى الْمُبدل على صورته لِئَلَّا يظنّ أَنه ورد كَذَلِك عَن رَسُول الله ذكره الشَّيْخ قَاسم.
فلوا وَقع الْإِبْدَال عمدا لَا لمصْلحَة بل للإغراب مثلا فَهُوَ من / أَقسَام الْمَوْضُوع يقْدَح فِي فَاعله وَيُوجب رد حَدِيثه وَلَو وَقع غَلطا فَهُوَ من المقلوب أَو الْمُعَلل.

(2/100)


مِثَاله للغلط: مَا رَوَاهُ يعلى بن عبيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَاق النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مائَة بَدَنَة فِيهَا جمل لأبي جهل. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ؟ فَقَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، وَالْخَطَأ فِيهِ من يعلى بن عبيد.
ومثاله لقصد الإغراب: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: إِذا لَقِيتُم الْمُشْركين فِي طَرِيق فَلَا تبدوهم بِالسَّلَامِ. رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة شُعْبَة وَالثَّوْري وَجَرِير بن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي كلهم عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح

(2/101)


عَن أبي هُرَيْرَة ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ.
وَقد يَقع الْإِبْدَال فِي الْمَتْن: كَحَدِيث ابْن خُزَيْمَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله قَالَ: إِن ابْن أم مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال، وَكَانَ بِلَال لَا يُؤذن حَتَّى يرى الْفجْر. قَالَ السراج البُلْقِينِيّ: هَذَا مقلوب، وَالصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم / مَكْتُوم. وَكَانَ رجلا أعمى لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت، أَصبَحت. قَالَ: وَمَا تَأَوَّلَه ابْن خُزَيْمَة من أَنه يجوز أَن يكون النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل الْأَذَان نوبا بَين بِلَال وَبَين ابْن أم مَكْتُوم بعيد.

(2/102)


وَأبْعد مِنْهُ جزم ابْن حبَان بذلك. ذكره الشمني.
المؤلفات فِي المضطرب: -
وَقد ألف المُصَنّف فِي هَذَا النَّوْع كتابا جيدا سَمَّاهُ " المقترب فِي المضطرب ".

(2/103)


الْمُصحف والمحرف

أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بتغيير حرف أَو حُرُوف مَعَ بَقَاء صُورَة الْخط أَي صُورَة الْحُرُوف الخطية فِي السِّيَاق، فَإِن كَانَ ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى النقط فالمصحف.
وَإِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشكل يَعْنِي حَرَكَة الْحُرُوف مَعَ بَقَاء الْحُرُوف فالمحرف كتحريف سليم. . بسليم أَو عَكسه.
تَنْبِيه:
اعْترض الشَّيْخ قَاسم صَنِيع الْمُؤلف فَقَالَ: لَا يظْهر لهَذَا السِّيَاق كثير معنى وَيخرج من الشَّرْح، نظر فِي الْمَتْن لِأَن صَرِيح الشَّرْح أَن المحرف مَا وَقع التَّغْيِير فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَرَكَة الْحُرُوف، وصريح الْمَتْن أَن يكون بتغيير الْحُرُوف وَلَيْسَ كَذَلِك، فالباء بَاء، سَوَاء كَانَت مَضْمُومَة

(2/104)


أَو مَفْتُوحَة أَو مَكْسُورَة. , إِن كَانَ المُرَاد أَعم من تَغْيِير الذَّات والهيئة فَمَا وَجهه؟ .
وَمَعْرِفَة هَذَا النَّوْع أَي الْمُصحف والمحرف مُهِمّ وَكَانَ الأولى أَن يَقُول مهمة، وَإِنَّمَا تحَققه حذاق الْحفاظ (وأجود كتاب فِيهِ كتاب) الدَّارَقُطْنِيّ (وَقد صنف فِيهِ) العسكري (وَالدَّارَقُطْنِيّ) / وَأكْثر مَا يَقع التَّصْحِيف والتحريف فِي الْمُتُون وَقد يَقع فِي الْأَسْمَاء الَّتِي فِي الْأَسَانِيد

(2/105)


وَمِنْه الْعَوام بن مواجم بِالْوَاو وَالْجِيم، صحفه ابْن معِين فَقَالَ: مُزَاحم - بالزاي والحاء الْمُهْملَة - وَعتبَة بن الندر بنُون مَضْمُومَة ومهملة مُشَدّدَة مَفْتُوحَة صحفه ابْن جرير بِالْمُوَحَّدَةِ ومعجمة.
وَمن الأول: حَدِيث زيد بن ثَابت أَن الْمُصْطَفى احتجر فِي الْمَسْجِد - وَهُوَ بالراء - أَي اتخذ حجرَة من نَحْو حَصِير يصلى عَلَيْهَا

(2/106)


صحفه ابْن لَهِيعَة فَقَالَ: احْتجم - بِالْمِيم -.
وَحَدِيث من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال - بسين مُهْملَة، ومثناة فوقية -، صحفه الصولي فَقَالَ: شَيْئا - بِالْمُعْجَمَةِ والتحتية -.
وَحَدِيث مُعَاوِيَة: لعن رَسُول الله الَّذين

(2/107)


يشققون الْخطب - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة المضمومة - صحفه وَكِيع بِفَتْح الْمُهْملَة، وَكَذَا صحفه ابْن شاهين فَقَالَ بعض الفلاحين - وَقد سَمعه: فَكيف يَا قوم وَالْحَاجة ماسة.
وَحَدِيث زر غبا تَزْدَدْ حبا (صحفه بَعضهم فَقَالَ: زرعنا تردد حنا) .
ثمَّ فسره بِأَن قوما كَانُوا لَا يؤدون زَكَاة زرعهم فَصَارَت كلهَا حناء.
فَائِدَة:
أورد الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب " التَّصْحِيف " كل تَصْحِيف وَقع للْعُلَمَاء

(2/108)


حَتَّى فِي القرءان، وَمِنْه مَا رَوَاهُ أَن عُثْمَان بن أبي شيبَة قَرَأَ على أَصْحَابه فِي التَّفْسِير جعل السَّفِينَة فِي رجل أَخِيه فَقيل لَهُ إِنَّمَا هُوَ جعل السِّقَايَة فِي رَحل أَخِيه: فَقَالَ أَنا وَأخي / أَبُو بكر لَا نَقْرَأ لعاصم. وَقَرَأَ عَلَيْهِم فِي التَّفْسِير: ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل فَقَالَهَا ألم يَعْنِي كأول الْبَقَرَة.
وَلَا يجوز تعمد تَغْيِير صُورَة الْمَتْن مُطلقًا عَن التَّقْيِيد أَي سَوَاء كَانَ فِي الْمُفْردَات، أَو فِي المركبات. ذكره الشَّيْخ قَاسم.

(2/109)


وَلَا الِاخْتِصَار مِنْهُ بِالنَّقْصِ. أَي بِحَذْف بعضه وَلَا إِبْدَال اللَّفْظ المرادف لَهُ إِلَّا لعالم أَي عَارِف، (وَلَو عبر بِهِ كَانَ أولى) بمدلالولات الْأَلْفَاظ (وَذَلِكَ) لتمكنه تَمْيِيز الْمَحْذُوف من الْمُثبت وَتَحْقِيق ذَلِك. وَبِمَا يحِيل الْمَعْنى على الصَّحِيح فيهمَا.
فَيجوز للعارف مُطلقًا حَتَّى عِنْد من لم يجوز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى.

(2/110)


اخْتِصَار الحَدِيث

أما اخْتِصَار الحَدِيث فالأكثرون على جَوَازه بِشَرْط أَن يكون الَّذِي يختصره أَي يحذف مِنْهُ بعض اللَّفْظ عَالما أَي عَارِفًا، فَلَا يحذف مَا يتَعَلَّق بِمَا يبقيه، فَإِن حذفه غير جَائِز اتِّفَاقًا، فَلذَلِك قَالَ: لِأَن الْعَالم لَا ينقص من الحَدِيث إِلَّا مَا لَا تعلق لَهُ بِمَا يبقيه مِنْهُ بِحَيْثُ لَا تخْتَلف الدّلَالَة. أَي دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى قبل الْحَذف وَبعده. وَلَا يخْتل الْبَيَان حَتَّى يكون الْمَذْكُور والمحذوف بِمَنْزِلَة خبرين مستقلين لَا تعلق لأَحَدهمَا بِالْآخرِ وَمَا ذكره يدل على مَا حذفه أَو يتضمنه، وَهَذَا إِشَارَة إِلَى مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ فِي الْأَطْرَاف. بِخِلَاف الْجَاهِل فَإِنَّهُ قد ينقص مَا لَهُ تعلق كالاستثناء نَحْو حَدِيث مُسلم لَا تَبِيعُوا

(2/111)


الذَّهَب بِالذَّهَب / وَلَا الْوَرق بالورق إِلَّا هَاء وهاء.
وكالغاية (نَحْو حَدِيث) الشَّيْخَيْنِ نهى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا.
أما مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ فَيجوز حذفه لِأَنَّهُ كَخَبَر مُسْتَقل، وَقيل لَا يجوز لاحْتِمَال أَن يكون للضم فَائِدَة تفوت بِالتَّفْرِيقِ، وَكَلَامه شَامِل لما إِذا كَانَ الرَّاوِي الْمُخْتَصر روى الحَدِيث أَولا تَاما. وَقد صرح بَعضهم بِخِلَافِهِ فَقَالَ: إِذا رَوَاهُ تَاما ثمَّ خَافَ من رِوَايَته مُخْتَصرا أَن يتهم بِالزِّيَادَةِ أَو النَّقْص، (أَو بالغفلة وَقلة الضَّبْط) ، فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع عَلَيْهِ.

(2/112)


الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى
وَأما الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَالْخِلَاف فِيهَا شهير، وَالْأَكْثَر على الْجَوَاز - أَيْضا -. وَعَلِيهِ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَأكْثر السّلف وَالْخلف من الْفُقَهَاء والأصوليين والمحدثين لَكِن الْعَارِف بمدلولات الْأَلْفَاظ، ومقاصدها، وَمَا يحِيل مَعَانِيهَا وَمَا لَا، مواقع الْكَلَام بِأَن يَأْتِي بِلَفْظ بدل آخر مسَاوٍ لَهُ فِي المُرَاد مِنْهُ وفهمه بِأَن يَأْتِي بِلَفْظ مسَاوٍ لَهُ فِي الْفَهم أَي فهم الْمَعْنى مِنْهُ - بِأَن يكون مثله فِي الْجلاء والخفاء، فَلَا يُبدل لفظا ظَاهرا لدلَالَة على معنى بِلَفْظ خَفِي الدّلَالَة على ذَلِك الْمَعْنى، وَلَا الْعَكْس، لِأَنَّهُ ينشأ عَن ذَلِك تَقْدِيم مَا رتبته التَّأَخُّر أَو الْعَكْس، لوُجُوب تَقْدِيم أحد الْخَبَرَيْنِ المتعارضين على مُخَالفَة.

(2/113)


قَالَ بعض مَشَايِخنَا: فعلى هَذَا إِذا رَوَاهُ غَيره مِمَّن تقوم بِهِ الْحجَّة امْتنعت عَلَيْهِ الرِّوَايَة، وَالْمَقْصُود / الْمَعْنى وَاللَّفْظ آلَة لَهُ.
وَأما غير الْعَارِف فَلَا يجوز لَهُ ذَلِك قطعا إِجْمَاعًا، ويشمل قَوْلهم: الْجَاهِل بالنحو لِأَن اللّحن يُغير الْمَعْنى، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد من كَونه نحويا. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الْأَصْمَعِي: أخوف مَا إخاف على الطَّالِب العاري من النَّحْو دُخُوله فِي قَول الْمُصْطَفى من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار. والمصطفى مَحْفُوظ من اللّحن، فَمن روى عَنهُ ولحن فقد كذب عَلَيْهِ، واللاحن يحملهُ لحنه أَن يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيخرج مِنْهُ

(2/114)


مَا هُوَ فِيهِ.
وَلذَلِك قَالَ ابْن الصّلاح: فَحق على طَالب الحَدِيث أَن يتَعَلَّم من النَّحْو واللغة مَا يخلصه من شَيْئَيْنِ: اللّحن والتحريف.
وَالْوَاجِب فهم مُقَدّمَة فِيهِ أصُول مَقَاصِد النَّحْو بِحَيْثُ يُمَيّز بهَا حركات الْأَلْفَاظ وَالْإِعْرَاب، بِحَيْثُ لَا يلتبس عَلَيْهِ فَاعل بمفعول، وَلَا خبر بِأَمْر.
قَالَ المُصَنّف: وَأَقل مَا يَكْفِي مُرِيد الحَدِيث من الْعَرَبيَّة حفظه من اللّحن ويستأنس لَهُ بِمَا روينَاهُ: كُنَّا نؤمر - أَو كَانُوا يؤمرون - أَن نتعلم القرءان، ثمَّ السّنة ثمَّ الْفَرَائِض، ثمَّ الْعَرَبيَّة، ثمَّ الْحُرُوف الثَّلَاثَة: الْجَرّ وَالرَّفْع وَالنّصب. وَأما التوغل فِيهِ فمنهي عَنهُ لتعطيله على الْإِحَاطَة بِهَذَا الْفَنّ الَّذِي لَا يقبل شركَة فِي غَيره مَعَه.
وَكَذَلِكَ لم يكترث بعض الْأَئِمَّة بالنحو خوفًا على ضيَاع: الرِّوَايَة / كَأبي دَاوُد، وَالطَّيَالِسِي، وهشيم وَغَيرهم.

(2/115)


وَكَانَ فِي الروَاة قوم لَا يكترثون بِالْعَرَبِيَّةِ، وَاحْتج بروايتهم فِي الصِّحَاح. وَقَرَأَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ على الذهلي كتابا قَالَ لَهُ: قرأته عَلَيْك كَمَا قرأته أَنْت؟ قَالَ نعم إِلَّا اللحنة بعد اللحنة. فَقَالَ لَهُ: أَيهَا القَاضِي أسمعته معربا؟ قَالَ: لَا. قلت: هَذِه بِهَذِهِ.
وَمَا ورد من ذمّ طلب الحَدِيث إِن لم يبصر الْعَرَبيَّة فَمَحْمُول على الْمُحدث من لم يقف على شَيْء مِنْهُ كَمَا مر. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وعَلى الْمُحدث تعلم شَيْء من التصريف لتوقف معرفَة أَحْوَال أبنية الْكَلم الَّتِي لَيست بإعراب عَلَيْهِ.
وَأول من تكلم فِيهِ الْمعَانِي، إِذْ مَعْرفَته مُلَازمَة لمعْرِفَة النَّحْو لَا يفترقان، وَتعلم شَيْء من اللُّغَة لِأَنَّهُ لَا بُد مِنْهَا فِي معرفَة أَلْفَاظ الحَدِيث، ومشتبه الْأَسْمَاء واللغات والكنى والأنساب وَهُوَ ظَاهر فِي وُجُوبه، وَقد صرح ابْن الصّلاح بذلك فِي اللُّغَة، وَجزم المُصَنّف

(2/116)


بترجيح من عرف مُشكل الْأَسْمَاء والمتون على من عرف الْعَرَبيَّة. انْتهى.
وَمن أقوى حججهم الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف بِهِ، فَإِذا جَازَ الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى فجوازه باللغة الْعَرَبيَّة أولى.
قَالَ بعض من لقيناه: قد يُقَال: إِنَّمَا جَازَ هُنَاكَ للضَّرُورَة فَلَا دلَالَة فِيهِ هُنَا.
وَقيل: إِنَّمَا يجوز فِي الْمُفْردَات دون المركبات. وَقيل: إِنَّمَا يجوز لمن / يستحضر اللَّفْظ ليتَمَكَّن من التَّصَرُّف وَقيل: إِنَّمَا يجوز لمن كَانَ يحفظ الحَدِيث فينسى لَفظه وَبَقِي مَعْنَاهُ مرتسما فِي ذهنه، فَلهُ أَن يرويهِ بِالْمَعْنَى لمصْلحَة تَحْصِيل الحكم مِنْهُ. (قَالَ بعض مَشَايِخنَا: فعلى هَذَا إِذا رَوَاهُ غَيره مِمَّن تقوم بِهِ الْحجَّة امْتنعت عَلَيْهِ الرِّوَايَة) . بِخِلَاف من كَانَ مستحضرا للفظة. وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل الْمَاوَرْدِيّ. قَالَ: فَإِن لم ينسه فَلَا، لفَوَات الفصاحة فِي كَلَام النَّبِي أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام.

(2/117)


وَقيل: يجوز إِن كَانَ مُوجبه - أَي الحَدِيث - علما - أَي اعتقادا -، فَإِن كَانَ مُوجبه عملا فَلَا يجوز فِي بعض، كَحَدِيث أبي دَاوُد - وَغَيره -: مِفْتَاح الصَّلَوَات الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم.
وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ: خمس من الدَّوَابّ كُلهنَّ فَاسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم: الْغُرَاب، والحدأة، وَالْعَقْرَب، والفأرة، وَالْكَلب الْعَقُور.
وَيجوز فِي بعض. انْتهى وَقَوْلهمْ فِي بعض لم يذكرُوا للْبَعْض ضابطا، وَيُمكن أَن يضْبط بِأَنَّهُ مَا كَانَ فِي إِيرَاده بِاللَّفْظِ مزية تفوت بإيراده

(2/118)


بِالْمَعْنَى كفوات الرُّتْبَة الْعليا من البلاغة فِي إِفَادَة الحكم الشَّرْعِيّ، فَإِن إِفَادَة اشْتِرَاط الطَّهَارَة وتقدمها على الصَّلَاة، وإفادة انْعِقَاد الصَّلَاة بالتكبيرة الأولى وانقضائها بِالسَّلَامِ لَو حصلت بِغَيْر الْأَلْفَاظ الْمشَار إِلَيْهَا لفاتت الْمرتبَة الْعليا من البلاغة.
وَقيل: يجوز / بِلَفْظ مرادف، وَاخْتَارَهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِأَن يُؤْتى بِلَفْظ بدل مرادفه مَعَ بَقَاء التَّرْكِيب وموقع الْكَلَام على حَاله، بِخِلَاف مَا إِذا لم يُؤْتى بِلَفْظ مرادف فَلَا يجوز، لِأَن النَّبِي أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أُوتى جَوَامِع الْكَلم، وَأما غَيره فقد لَا يُوفي بِالْمَقْصُودِ.
وَأما من ذهب إِلَى منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى مُطلقًا كَابْن سِيرِين، وثعلب وَأَبُو بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة لما فِيهِ من إِضَافَة

(2/119)


لفظ للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لم يقلهُ، وحذرا من التَّفَاوُت. وَإِن ظن النَّاقِل عَدمه فَإِن الْعلمَاء كثيرا مَا يَخْتَلِفُونَ فِي معنى الحَدِيث المُرَاد.
فَرد بِأَن الْكَلَام فِي الْمَعْنى الظَّاهِر لَا فِيمَا يخْتَلف فِيهِ، كَمَا أَنه لَيْسَ الْخلاف فِيمَا تعبد بِلَفْظِهِ من الْأَذْكَار: كالأذان، وَالتَّشَهُّد، وَالتَّكْبِير، وَالتَّسْلِيم فَلَا يجوز نَقله بِالْمَعْنَى قطعا، وَلَا فِيمَا هُوَ من جَوَامِع الْكَلم (الَّتِي أوتيها الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَا يجوز نقلهَا بِغَيْر الفاظها نَحْو: الْخراج بِالضَّمَانِ الْبَيِّنَة على

(2/120)


الْمُدَّعِي، العجماء جَبَّار، لَا ضَرَر وَلَا ضرار، الْآن حمي الْوَطِيس.

(2/121)


وَلَا فِي الْمُتَشَابه فَلَا تجوز رِوَايَته بِالْمَعْنَى، بل ينْقل بِلَفْظِهِ ليَقَع الْإِيمَان بِلَفْظِهِ من غير تَأْوِيل، أَو بِتَأْوِيل على المذهبين السلَفِي والخلفي) .
وَجَمِيع مَا تقدم يتَعَلَّق بِالْجَوَازِ وَعَدَمه، وَلَا شكّ أَن الأولى إِيرَاد الحَدِيث بألفاظه المضبوطة عَن ناقليه وبتمامه دون التَّصَرُّف فِيهِ نعم كتب الْأَطْرَاف يَكْتَفِي فِيهَا بِبَعْض الحَدِيث مُطلقًا وَإِن لم يفد، وتقطيع الحَدِيث فِي الْأَبْوَاب كَمَا فعله البُخَارِيّ قَالَ ابْن الصّلاح: لَا يَخْلُو عَن كَرَاهَة. قَالَ النَّوَوِيّ: وَمَا أَظُنهُ يُوَافق عَلَيْهِ.

(2/122)


قَالَ القَاضِي عِيَاض: يَنْبَغِي سد بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى مُطلقًا لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن مِمَّن يظنّ / أَنه يحسن. أَي يرى نَفسه أَنه يحسن وَلَيْسَ كَذَلِك. ذكره الشَّيْخ قَاسم. كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا.
تَنْبِيهَانِ:
1 - الأول: قَالَ البُلْقِينِيّ: يجوز حذف زِيَادَة مَشْكُوك فِيهَا بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة، وَكَانَ مَالك - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - يَفْعَله تورعا. وَمحله فِي زِيَادَة لَا تعلق لَهَا بالمذكور، فَإِن تعلق ذكرهَا مَعَ الشَّك كَحَدِيث الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق، أَو دون خَمْسَة أوسق. اه. امْتنع.

(2/123)


الثَّانِي: ذهب المُصَنّف تبعا لجمع إِلَى جَوَاز النَّقْل من الْكتب والدفاتر وَإِن لم يكن حَدِيثه بِالْمَعْنَى، للعارف إِن قرنه بِمَا دلّ عَلَيْهِ كنحوه. وَأما مَا جرى عَلَيْهِ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ - كَابْن الصّلاح - من الْمَنْع مُطلقًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا سومح بذلك فِي الرِّوَايَة لما ضبط الْأَلْفَاظ والجمود عَلَيْهَا من الْحَرج، وَهُوَ مَفْقُود فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ الْكتب. قَالَا: فَلَا يجوز أَن يُغير لفظ من كتاب مُصَنف بِلَفْظ آخر بِمَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ إِن ملك تَغْيِير اللَّفْظ فَلَيْسَ يملك تَغْيِير تصنيف غَيره اه.
فَرده ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ إِذا لم يؤد إِلَى تَغْيِير ذَلِك التصنيف فَلَا مَانع من الْجَوَاز إِذا نَقَلْنَاهُ إِلَى أجزائنا وتصانيفنا.

(2/124)