اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والمقطوع
وَالْقسم الأول - مِمَّا تقدم ذكره - من الْأَقْسَام
الثَّلَاثَة وَهُوَ: مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ غَايَة
الْإِسْنَاد، إِلَى النَّبِي.
كَذَا عبر الْمُؤلف، وَتعقبه الْكَمَال ابْن أبي الشريف: كَأَن
حق الْعبارَة أَن يَقُول: وَالْقسم الأول وَهُوَ مَا يَنْتَهِي
فِيهِ غَايَة الْإِسْنَاد إِلَى النَّبِي.
وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: قَوْله غَايَة زايد مُفسد كَمَا مر.
هُوَ الْمَرْفُوع سَوَاء كَانَ ذَلِك الِانْتِهَاء بِإِسْنَاد
مُتَّصِل أم لَا
وَالثَّانِي: الْمَوْقُوف وَهُوَ: مَا انْتهى إِلَى
الصَّحَابِيّ.
وَالثَّالِث: الْمَقْطُوع وَهُوَ: مَا يَنْتَهِي إِلَى
التَّابِعِيّ قولا وفعلا.
(2/224)
وَمن دون التَّابِعِيّ كَذَلِك من أَتبَاع
التَّابِعين فَمن بعدهمْ / فِيهِ - أَي التَّسْمِيَة - مثله -
أَي (مثل) مَا يَنْتَهِي إِلَى التَّابِعِيّ.
قَالَ بَعضهم فِيهِ: جعل من دون التَّابِعِيّ مثل قَول
التَّابِعِيّ فِي تَسْمِيَة جَمِيع ذَلِك مَقْطُوعًا. كَذَا
شَرحه الْمُؤلف.
وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن فِيهِ صرف الضَّمِير إِلَى خلاف
من هُوَ لَهُ، فَإِنَّهُ فِي قَوْله فِيهِ للمقطوع، وَفِي مثله
للتابعي لَا للمقطوع، فعلى ظَاهره يصير التَّابِعِيّ مثل
الْمَقْطُوع وَلَا يخفى مَا فِيهِ فَكَانَ الأولى أَن يَقُول
فِيهِ - أَي فِي الْمَقْطُوع - مثله - أَي مثل التَّابِعِيّ -
فِي أَن مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ يُسمى مَقْطُوعًا. اه.
وَإِن شِئْت قلت: مَوْقُوف على فلَان فحصلت التَّفْرِقَة فِي
الِاصْطِلَاح. أَي اصْطِلَاح الْمُحدثين بَين الْمَقْطُوع
والمنقطع فالمنقطع عِنْدهم من مبَاحث الْإِسْنَاد كَمَا تقدم،
(والمقطوع) من مبَاحث الْمَتْن. وَقد أطلق بَعضهم هَذَا فِي
مَوضِع هَذَا وَبِالْعَكْسِ تجوزا عَن الِاصْطِلَاح الَّذِي
أصلوه وقرروه إِلَى غَيره.
(2/225)
وَيُقَال للآخرين: الْأَثر. أَي
الْمَوْقُوف والمقطوع. وَمِمَّنْ اسْتعْمل الْمَقْطُوع فِي
الْمُنْقَطع الَّذِي لم يتَّصل إِسْنَاده الشَّافِعِي رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَالطَّبَرَانِيّ، والْحميدِي،
وَالدَّارَقُطْنِيّ. لَكِن الإِمَام الشَّافِعِي اسْتعْمل
ذَلِك قبل الإستقرار الاصطلاحي كَمَا قَالَ فِي بعض
الْأَحَادِيث: حسن وَهُوَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
فَائِدَة:
جمع الْموصِلِي كتابا سَمَّاهُ " معرفَة الْوُقُوف على
الْمَوْقُوف " أورد فِيهِ مَا أوردهُ أَصْحَاب الموضوعات / فِي
كتبهمْ وَهُوَ صَحِيح عَن غير
(2/226)
الْمُصْطَفى: إِمَّا عَن صَحَابِيّ، أَو
تَابِعِيّ فَمن بعده. وَقَالَ: إِن إِيرَاده فِي الموضوعات غلط
وَبِذَلِك يبطل كثير مِمَّا أوردوه، فَبين الْمَوْضُوع
وَالْمَوْقُوف فرق.
وَمن مظان الْمَوْقُوف والمقطوع: مُصَنف ابْن أبي شيبَة، وَعبد
الرَّزَّاق، وَتَفْسِير ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَابْن
الْمُنْذر وَغَيرهم.
(2/227)
الْمسند
والمسند بِفَتْح النُّون
فِي قَول أهل الحَدِيث: هَذَا حَدِيث مُسْند. هَذَا احْتِرَاز
عَن الْمسند: بِمَعْنى الْإِسْنَاد: " كمسند الشهَاب " و "
مُسْند الفردوس " أَي إِسْنَاد حَدِيثهمَا.
وَعَن الْمسند بِمَعْنى الْكتاب الَّذِي جمع فِيهِ مَا أسْندهُ
الصَّحَابَة أَي رَوَوْهُ.
وَهُوَ مَرْفُوع صَحَابِيّ بِسَنَد ظَاهره الِاتِّصَال. كَذَا
ذكره المُصَنّف. قَالَ بَعضهم: وَلَا حَاجَة إِلَى التَّعَرُّض
للصحابي مَعَ التَّعَرُّض للاتصال.
فَقولِي: مَرْفُوع كالجنس، وَقَوْلِي: صَاحِبي كالفصل يخرج مَا
رَفعه التَّابِعِيّ فَإِنَّهُ مُرْسل، أَو من دونه فَإِنَّهُ
معضل أَو مُعَلّق. وَقَوْلِي ظَاهره الِاتِّصَال يخرج مَا
ظَاهره الِانْقِطَاع، وَيدخل مَا فِيهِ الِاحْتِمَال، وَمَا
يُوجد فِيهِ حَقِيقَة الِاتِّصَال الِاتِّصَال من بَاب أولى.
وَيفهم من التَّقْيِيد بالظهور أَن
(2/228)
الِانْقِطَاع الْخَفي كعنعنة المدلس،
والمعاصر الَّذِي لم يثبت لقِيه لَا يخرج الحَدِيث عَن كَونه
مُسْندًا، لإطباق الْأَئِمَّة الَّذين خَرجُوا / المسانيد على
ذَلِك. وَهَذَا التَّعْرِيف مُوَافق لقَوْل أبي عبد الله
الْحَاكِم وَمن تبعه الْمسند هُوَ مَا رَوَاهُ الْمُحدث عَن
شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ، وَكَذَا شَيْخه عَن شَيْخه
مُتَّصِلا إِلَى صَحَابِيّ إِلَى رَسُول الله.
فَأصل التَّعْرِيف للْحَاكِم - وَأَتْبَاعه - فَالْمُسْنَدُ
عِنْد الْحَاكِم أخص من الْمَرْفُوع، قَالَ: وَمن شَرط الْمسند
أَن لَا يكون فِي إِسْنَاده أخْبرت عَن فلَان وَلَا حدثت عَن
فلَان وَلَا بَلغنِي عَن فلَان وَلَا أَظُنهُ مَرْفُوعا وَلَا
رَفعه فلَان.
وَأما الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فَقَالَ: فِي كِتَابه "
الْكِفَايَة " وَتَبعهُ ابْن الصّباغ فِي " الْعدة ": الْمسند
هُوَ الْمُتَّصِل. فَشَمَلَ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف
والمقطوع إِذا ورد بِسَنَد مُتَّصِل كَمَا قَالَ.
فعلى هَذَا أَي على كَلَام الْبَغْدَادِيّ الْمَوْقُوف إِذا
جَاءَ بِسَنَد مُتَّصِل يُسمى عِنْده مُسْندًا، لَكِن قَالَ:
أَن ذَلِك قد يَأْتِي لَكِن بقلة. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُؤلف.
(2/229)
ورده الشَّيْخ قَاسم من وَجْهَيْن:
1 - الأول: أَن الْخَطِيب لم يذكر للمسند تعريفا من قبل
بِنَفسِهِ ليلزمه مَا ذكره الْمُؤلف.
2 - الثَّانِي: أَن قَوْله لَكِن قَالَ: أَن ذَلِك قد يَأْتِي
بقلة لَيْسَ بِظَاهِر المُرَاد، فَإِن الظَّاهِر أَن ترجع
الْإِشَارَة إِلَى مجئ الْمَوْقُوف بِسَنَد مُتَّصِل وَلَيْسَ
بِمُرَاد، إِنَّمَا المُرَاد استعمالهم الْمسند فِي كل مَا
اتَّصل إِسْنَاده مَوْقُوفا أَو مَرْفُوعا وَبَيَانه / أَن لفظ
الْخَطِيب: وَصفهم الحَدِيث بِأَنَّهُ مُسْند يُرِيدُونَ بِهِ
أَن إِسْنَاده مُتَّصِل بَين رَاوِيه وَبَين من أسْند عَنهُ
إِلَّا أَن أَكثر استعمالهم هَذِه الْعبارَة فِيمَا اسند عَن
النَّبِي خَاصَّة. وَأبْعد ابْن عبد الْبر حَيْثُ قَالَ فِي
كتاب " التَّمْهِيد ": الْمسند الْمَرْفُوع مُتَّصِلا كمالك
عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر عَن النَّبِي
(2/230)
أَو مُنْقَطِعًا كمالك عَن الزُّهْرِيّ عَن
ابْن عَبَّاس عَن الْمُصْطَفى. قَالَ: فَهَذَا مُسْند
لِأَنَّهُ أسْند إِلَى الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ
مُنْقَطع لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمع من ابْن عَبَّاس.
ورده الْمُؤلف بِمَا تضمنه قَوْله: وَلم يتَعَرَّض للإسناد
فَإِنَّهُ يصدق على الْمُرْسل والمعضل والمنقطع إِذا كَانَ
الْمَتْن مَرْفُوعا وَلَا قَائِل بِهِ وَتَبعهُ على ذَلِك
غَيره.
(2/231)
الْإِسْنَاد العالي وأقسامه
فَإِن قل عدده - أَي عدد رجال الْمسند - من غير نقص فإمَّا أَن
يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي بذلك الْعدَد الْقَلِيل
بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَنَد آخر يرد بِهِ ذَلِك الحَدِيث
بِعَيْنِه بِعَدَد كثير، أَو يَنْتَهِي إِلَى إِمَام من
أَئِمَّة الحَدِيث ذِي صفة عَلَيْهِ كالحفظ، وَالْفِقْه،
والضبط والتصنيف، وَغير ذَلِك من الصِّفَات الْمُقْتَضِيَة
للترجيح كشعبة، وَالْأَعْمَش، وَمَالك، وَالثَّوْري،
وَالْإِمَام الشَّافِعِي، وَالْبُخَارِيّ، وَمُسلم وَنَحْوهم
فَالْأول الْمعول عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي إِلَى
النَّبِي / وَهُوَ الْعُلُوّ الْمُطلق وَهُوَ الْقرب من رَسُول
فَإِن اتّفق أَن يكون سَنَده صَحِيحا كَانَ الْغَايَة القصوى
فِي الْعُلُوّ وَإِلَّا فَإِن لم يتَّفق ذَلِك فِيهِ فصورة
الْعُلُوّ فِيهِ مَوْجُودَة لَا حَقِيقَة مَا لم يكن مَوْضُوعا
فَهُوَ كَالْعدمِ وَقَوْلنَا: من غير نقص احْتِرَازًا عَن
السَّنَد الَّذِي قل عدد رِجَاله لوُقُوع نقص فِيهِ فَإِنَّهُ
لَا يُطلق عَلَيْهِ الْعُلُوّ.
وَالثَّانِي: الْعُلُوّ النسبي، وَهُوَ مَا يقل الْعدَد فِيهِ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك
(2/232)
الإِمَام وَلَو كَانَ الْعدَد من ذَلِك
الإِمَام إِلَى منتهاه كثيرا. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُؤلف: من
اشْتِرَاط قلَّة الْعدَد، وَكَونه غير ذِي صفة عَلَيْهِ، وَأَن
مَا كثر عدده عَن حَافظ ضَابِط فَقِيه، أَو قل عدده عَن ذِي
صفة لَا يُطلق عَلَيْهِ الْعُلُوّ، وَهُوَ غير مرضِي.
فقد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ - وَأقرهُ السخاوي -: الْعُلُوّ
بِالنِّسْبَةِ لغير الضَّابِط المتقن صوري، وَلِذِي الإتقان
والضبط وَإِن (كثر) الْعدَد معنوي. اه. فَإِن تَعَارضا فَمَا
فضل بالإتقان والضبط أَعلَى.
وَاعْلَم أَن طلب الْعُلُوّ فِي الْإِسْنَاد سنة، وَلذَلِك
اسْتحبَّ الرحلة، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل طلب
الْإِسْنَاد العالي سنة عَمَّن سلف. وَقَالَ الطوسي: قرب
الْإِسْنَاد قرب أَو قربَة إِلَى الله. قيل لِابْنِ معِين
(2/233)
- فِي مرض مَوته: مَا تشْتَهي؟ قَالَ: /
بَيت خَال، وَسَنَد عَال. وَمحله فِيمَن جمع مَعَ قلَّة
الْعدَد وَكَمَال الضَّبْط والإتقان مَعَ توفر بَقِيَّة صِفَات
التَّرْجِيح فَلَا عِبْرَة بِمُجَرَّد الْقرب (قَالَ وَكِيع
لأَصْحَابه: الْأَعْمَش. . عَن أبي وَائِل عَن عبد الله: أحب
إِلَيْكُم أم سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَلْقَمَة عَن عبد الله؟ .
قَالُوا: الْأَعْمَش عَن أَبى وَائِل أقرب.
قَالَ: الْأَعْمَش شيخ، وسُفْيَان عَمَّن ذكر فَقِيه عَن
فَقِيه. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: لَيْسَ جودة الحَدِيث قرب
الْإِسْنَاد بل صِحَة الرِّجَال) .
وَقد عظمت رَغْبَة الْمُتَأَخِّرين فِيهِ، حَتَّى غلب ذَلِك
على كثير مِنْهُم بِحَيْثُ أهملوا الِاشْتِغَال بِمَا هُوَ
أهم. وَاشْتَغلُوا بِهِ لما يَقع لَهُم فِي ذَلِك
(2/234)
من: الْمُوَافقَة، وَالْبدل، والمساواة،
والمصافحة.
وَإِنَّمَا كَانَ الْعُلُوّ مرغوبا فِيهِ لكَونه أقرب إِلَى
الصِّحَّة، وَقلة الْخَطَأ، لِأَنَّهُ مَا من راو من رجال
الْإِسْنَاد إِلَّا وَالْخَطَأ جَائِز عَلَيْهِ عقلا فَكلما
كثرت الوسائط وَطَالَ السَّنَد كثرت مظان التجويز للخطأ،
وَكلما قلت قلت.
قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: النُّزُول شُؤْم. وَقَالَ ابْن
معِين: الْإِسْنَاد النَّازِل قرحَة فِي الْوَجْه.
فَإِن كَانَ فِي النُّزُول مزية لَيست فِي الْعُلُوّ كَأَن
يكون رِجَاله أوثق مِنْهُ، أَو أحفظ، أَو أفقه. والاتصال فِيهِ
أظهر فَلَا تردد فِي أَن النُّزُول حِينَئِذٍ أولى. لِأَنَّهُ
ترجح بِأَمْر معنوي فَكَانَ أولى.
(2/235)
ذكره الشَّيْخ قَاسم. لَا سِيمَا إِذْ
كَانَ فِيهِ بعض الْكَذَّابين مِمَّن ادّعى سَمَاعا من
الصَّحَابَة كَأبي هدبة وخراش. قَالَ الذَّهَبِيّ: مَتى
رَأَيْت الْمُحدث يفرح بعوالي هَؤُلَاءِ فَاعْلَم أَنه عَامي.
قَالَ الشمني: وأقسام الْعُلُوّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير
المتقن الضَّابِط: علوها صوري / أما بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَوي
الإتقان والضبط فَعَلُوهَا - وَلَو كَانَ الْعدَد أَكثر معنوي،
فَلَو تَعَارضا فضل علو الإتقان والضبط كَمَا رُوِيَ عَن
وَكِيع أَنه قَالَ: الْأَعْمَش أحب إِلَيْكُم عَن أَبى وَائِل
عَن أَو سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة
عَن عبد الله؟ .
(2/236)
فَقُلْنَا: الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل
أقرب.
فَقَالَ: الْأَعْمَش شيخ وَأَبُو وَائِل شيخ وسُفْيَان عَن
مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة فَقِيه عَن فَقِيه عَن
فَقِيه عَن فَقِيه.
وَنَحْوه عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ: لَيْسَ جودة
الحَدِيث قرب الْإِسْنَاد بل جودة الحَدِيث صِحَة الْإِسْنَاد.
وَمَا أحسن قَول الْحَافِظ السلَفِي:
(لَيْسَ حسن الحَدِيث قرب رجال ... عِنْد أَرْبَاب علم النقاد)
(بل علو الحَدِيث بَين أولي الْحِفْظ ... والإتقان صِحَة
الْإِسْنَاد)
(وَإِذا مَا اجْتمعَا فِي حَدِيث ... فاغتنمه فَذَاك أقْصَى
المُرَاد)
(2/237)
وَقَول أبي الْحسن بن الْمفضل الْحَافِظ:
(إِن الرِّوَايَة بالنزول ... عَن الثِّقَات الأعدلين)
(خير من العالي ... عَن الْجُهَّال وَالْمُسْتَضْعَفِينَ)
أما من رجح النُّزُول مُطلقًا من أهل النّظر وَاحْتج بِأَن
كَثْرَة الْبَحْث (عَن رُوَاة الحَدِيث) تَقْتَضِي الْمَشَقَّة
فيعظم الْأَمر، فَذَلِك تَرْجِيح بإمر أَجْنَبِي يتَعَلَّق
بالتصحيح والتضعيف. هَذَا أَخذه الْمُؤلف من كَلَام ابْن
دَقِيق الْعِيد فَإِنَّهُ / قَالَ: التَّرْجِيح الْمَذْكُور
مَرْدُود بِأَن كَثْرَة الْمَشَقَّة الْمَذْكُورَة غير
مَطْلُوبَة لنَفسهَا، ورعاية الْمَعْنى الْمَقْصُود من
الرِّوَايَة وَهُوَ الصِّحَّة أقرب إِلَى الصَّوَاب. على أَن
ذَلِك تَرْجِيح بِأَمْر أَجْنَبِي عَمَّا يتَعَلَّق بالتصحيح
والتضعيف. انْتهى.
(2/238)
وَأعلم أَن الْإِسْنَاد من خَصَائِص هَذِه
الْأمة، قَالَ ابْن حزم: نقل الثِّقَة عَن الثِّقَة يبلغ بِهِ
الْمُصْطَفى مَعَ الِاتِّصَال مَخْصُوص بِالْمُسْلِمين دون
جَمِيع الْملَل، أما مَعَ الْإِرْسَال والإعضال فيوجد فِي
الْيَهُود لَكِن لَا يقربون بِهِ من مُوسَى قربنا من نَبينَا
بل يقفون حَيْثُ يكون بَينهم وَبَينه أَكثر من ثَلَاثِينَ
نفسا، وَإِنَّمَا يبلغون بِهِ إِلَى نوح وشمعون، وَأما
النَّصَارَى فَلَيْسَ عِنْدهم من صفة هَذَا النَّقْل إِلَّا
تَحْرِيم الطَّلَاق ... ...
(2/239)
الْمُوَافقَة
وَفِيه - أَي الْعُلُوّ النسبي - الْمُوَافقَة وَهِي الْوُصُول
أَي وُصُول راو فِي الحَدِيث إِلَى شيخ أحد المصنفين وَإِن لم
يكن من أهل الْكتب السِّتَّة كَمَا وَقع لبَعض الْأَئِمَّة فِي
مُسْند أَحْمد إِلَّا أَن الْغَالِب الِاقْتِصَار فِي
اسْتِعْمَال المخرجين على السِّتَّة. من غير طَرِيقه - أَي
الطَّرِيق الَّتِي توصل إِلَى ذَلِك المُصَنّف الْمعِين.
كَرِوَايَة الشَّيْخَيْنِ وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة،
فَإِنَّهُ إِذا رُوِيَ من طريقهم كَانَ أنزل.
مِثَاله: روى البُخَارِيّ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك حَدِيثا،
فَلَو روينَاهُ من طَرِيقه أَي البُخَارِيّ كَانَ بَيْننَا
وَبَين قُتَيْبَة ثَمَانِيَة وَلَو روينَا ذَلِك الحَدِيث
بِعَيْنِه أَي إِسْنَادًا ومتنا من طَرِيق أبي الْعَبَّاس
السراج عَن قُتَيْبَة
(2/240)
- مثلا - لَكَانَ بَيْننَا وَبَين
قُتَيْبَة فِيهِ سَبْعَة، فقد حصل لنا الْمُوَافقَة مَعَ
البُخَارِيّ فِي شَيْخه بِعَيْنِه مَعَ علو الْإِسْنَاد على
الْإِسْنَاد إِلَيْهِ.
(2/241)
الْبَدَل
وَفِيه - الْعُلُوّ النسبي - الْبَدَل أَيْضا وَهُوَ الْوُصُول
أَي وُصُول الرَّاوِي فِي حَدِيث إِلَى شيخ شَيْخه كَذَلِك.
أَي من غير طَرِيق ذَلِك المُصَنّف الْمعِين من طَرِيق آخر أقل
عددا من طَرِيقه. ذكره الشَّيْخ قَاسم كَأَن يَقع لنا ذَلِك
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قَالَ بَعضهم: صَوَاب (الْعبارَة) :
ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه. من طَرِيق أُخْرَى إِلَى القعْنبِي
عَن مَالك، فَيكون القعْنبِي بَدَلا فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
قَالَ المُصَنّف: واستخرجت قسما يجْتَمع فِيهِ الْبَدَل
والموافقة مِثَاله: حَدِيث يرويهِ البُخَارِيّ عَن قُتَيْبَة
عَن مَالك، وَيُوجد من طَرِيق آخر فيوافق فِي قُتَيْبَة،
وَيَرْوِيه قُتَيْبَة عَن الثَّوْريّ.
وَأكْثر مَا يعتبرون الْمُوَافقَة وَالْبدل إِذا قَارنا
الْعُلُوّ والا فاسم الْمُوَافقَة وَالْبدل وَاقع بِدُونِهِ.
أَي فَلَيْسَ قيد الْوَاحِد مِنْهُمَا، وقيدهما ابْن
(2/242)
الصّلاح: بعلو الطَّرِيق الَّذِي رَوَاهُ
عَنهُ على طَرِيق ذَلِك المُصَنّف، وَعبارَته: وَلَو لم يكن
ذَلِك عَالِيا فَهُوَ - أَيْضا - مُوَافقَة / وَبدل لَكِن لَا
يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمُوَافقَة وَالْبدل لعدم الِالْتِفَات
إِلَيْهِ. انْتهى.
قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَفِي كَلَام غَيره من المخرجين إِطْلَاق
اسْم الْمُوَافقَة وَالْبدل مَعَ عدم الْعُلُوّ، فَإِن علا
قَالُوا: مُوَافقَة عالية أَو بَدَلا عَالِيا.
وَوَقع فِي كَلَام الظَّاهِرِيّ والذهبي: فوافقناه بنزول
فسمياه مَعَ النُّزُول مُوَافقَة. وَقَالَ الْجلَال
السُّيُوطِيّ: وَقد تطلق الْمُوَافقَة وَالْبدل مَعَ عدم
الْعُلُوّ بل وَمَعَ النُّزُول - أَيْضا - وَوَقع فِي كَلَام
الذَّهَبِيّ وَغَيره.
(2/243)
الْمُسَاوَاة
وَفِيه - أَي الْعُلُوّ النسبي - أَيْضا - الْمُسَاوَاة كَذَا
وَقع للْمُصَنف. وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ تقدم:
أَن الْعُلُوّ النسبي أَن يَنْتَهِي الْإِسْنَاد إِلَى إِمَام
ذِي صفة عَلَيْهِ. وَهَذِه الْمُسَاوَاة لَيست كَذَلِك، بل
إِنَّمَا تَنْتَهِي إِلَى النَّبِي فحقها أَن تكون من أَفْرَاد
الْعُلُوّ الْمُطلق اه. لَا النسبي.
وَهِي اسْتِوَاء عدد رجال الْإِسْنَاد من الرَّاوِي إِلَى
آخِره - أَي الْإِسْنَاد - مَعَ إِسْنَاد أحد المصنفين، بِأَن
يكون الْعدَد الَّذِي بَين ذَلِك الرَّاوِي وَبَين النَّبِي
عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مثل الْعدَد بَين ذَلِك
المُصَنّف وَبَين النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة
وَالسَّلَام.
كَأَن يرْوى النَّسَائِيّ - مثلا - حَدِيثا يَقع بَينه وَبَين
النَّبِي أحد عشر نفسا فَيَقَع لنا ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه
بِإِسْنَاد آخر إِلَى النَّبِي، يَقع بَيْننَا فِيهِ وَبَين
النَّبِي أحد عشر نفسا فنساوي النَّسَائِيّ فِيهِ من حَيْثُ /
الْعدَد مَعَ قطع النّظر عَن
(2/244)
مُلَاحظَة ذَلِك الْإِسْنَاد الْخَاص.
وَلَا يحصل ذَلِك - كَمَا قَالَه السخاوي - بِالنِّسْبَةِ
لأَصْحَاب الْكتب السِّتَّة، وطبقتهم أما من بعدهمْ كالبيهقي
وَالْبَغوِيّ فقد تقع الْمُسَاوَاة، وَعبارَته: والمساواة
مَعْدُومَة فِي هَذِه الْأَزْمَان وَمَا قاربها بِالنِّسْبَةِ
لأَصْحَاب الْكتب السِّتَّة وَمن فِي طبقتهم، نعم يَقع لنا
ذَلِك فِيمَن بعدهمْ كالبيهقي وَالْبَغوِيّ فِي " شرح السّنة "
وَنَحْوهمَا. انْتهى.
كَذَا قَالَ، وَقَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا كَانَ يُوجد قَدِيما
وَأما الْآن فَلَا يُوجد فِي حَدِيث بِعَيْنِه، بل الْمَوْجُود
مُطلق الْعدَد.
(2/245)
المصافحة
وَفِيه - أَي الْعُلُوّ النسبي أَيْضا - المصافحة كَذَا عبر
الْمُؤلف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ إِذا كَانَت
المصافحة مَا ذكره فَلم تدخل فِي تَعْرِيف الْعُلُوّ النسبي
كَمَا مر فِي الْمُسَاوَاة. انْتهى.
وَهِي الاسْتوَاء مَعَ تلميذ ذَلِك المُصَنّف على الْوَجْه
المشروح أَولا. يعْنى فِي الْمُسَاوَاة فِي الْعدَد مَعَ
ملاحظته الْإِسْنَاد الْخَاص.
وَسميت مصافحة: لِأَن الْعَادة جرت فِي الْغَالِب بالمصافحة
بَين من تلاقيا، وَنحن فِي هَذِه الصُّورَة كأنا لَقينَا
النَّسَائِيّ، فكأنا صافحناه، وأخذنا عَنهُ.
فَإِن كَانَت الْمُسَاوَاة لشيخ شيخك كَانَت المصافحة لشيخك
وَإِن كَانَت.
(2/246)
لشيخ (شيخ) شيخك (كَانَت المصافحة لشيخ. .
شيخك وَهَكَذَا، قَالَ / السخاوي: وَهِي الْآن مفقودة.
(2/247)
|