اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر الْإِسْنَاد النَّازِل
ويقابل الْعُلُوّ بأقسامه الْمَذْكُورَة النُّزُول، فَيكون كل
قسم من أَقسَام الْعُلُوّ يُقَابله قسم من أَقسَام النُّزُول،
خلافًا لمن زعم أَن الْعُلُوّ قد يَقع غير تَابع للنزول.
فلولا نزُول النَّسَائِيّ لم يحصل الْعُلُوّ، وَمرَاده
بالمخالف الزين الْعِرَاقِيّ فَإِنَّهُ نَازع فِي ذَلِك ابْن
الصّلاح كَمَا ذكره فِي " شرح ألفيته ".
(2/248)
رِوَايَة الأقران وأقسامها
فَإِن تشارك الرَّاوِي وَمن روى عَنهُ فِي أَمر من الْأُمُور
الْمُتَعَلّقَة بالرواية مثل السن بِأَن يكون مولده قَرِيبا من
مولد شَيْخه، أَو فِي اللقي - وَهُوَ الْأَخْذ عَن الْمَشَايِخ
بِأَن يكون أَخذ عَن غَالب من أَخذ عَنهُ شَيْخه، فَإِذا روى
أحد القرينين عَن الآخر من غير أَن يروي الآخر عَنهُ قَالَ بعض
مَشَايِخنَا: رَأَيْت بِخَط ابْن حسان على نُسْخَة من نسخ
هَذَا الْكتاب مَا صورته: وَكَانَ فِي الأَصْل: وَهُوَ ثمَّ
أَمر المُصَنّف بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ، وإبقاء الْوَاو فَقَط،
لَكِن رَأَيْتهَا بَاقِيَة فِي نُسْخَة الْمُؤلف.
فَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ: رِوَايَة الأقران أَي
يروي أَحدهمَا عَن الآخر، وَهَكَذَا القَوْل فِيمَا بعده.
وَهَذَا (التَّرْكِيب) فِيهِ تَغْيِير لإعراب الْمَتْن، لِأَن
الْمَتْن فَهُوَ الإقران وَمَا بَينهمَا شرح، فَلَو قَالَ:
فَهُوَ الإقران أَي النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ رِوَايَة
الأفران، لسلم.
(2/249)
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون رَاوِيا عَن
قرينَة وَقد صنف فِيهِ: أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ.
لَطِيفَة:
قد يجْتَمع جمَاعَة من الأقران فِي حَدِيث، كَمَا روى أَحْمد
بن حَنْبَل عَن أبي خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب عَن يحيى بن
معِين عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن عبيد الله بن معَاذ عَن
أَبِيه عَن شُعْبَة عَن أبي بكر بن حَفْص عَن أبي سَلمَة عَن
عَائِشَة: كن أَزوَاج النَّبِي يَأْخُذن عَن شعورهن حَتَّى
تكون كالوفرة.
(2/250)
فَأَحْمَد وَالْأَرْبَعَة فَوْقه خمستهم
أَقْرَان.
وَمن فَوَائِد هَذَا النَّوْع أَن لَا تظن الزِّيَادَة فِي
الْإِسْنَاد أَو إِبْدَال عَن بِالْوَاو. والقرينان هما
المتقاربان فِي السن - كَمَا تقرر - والإسناد. وَرُبمَا اكْتفى
الْحَاكِم بِالْإِسْنَادِ - أَي بالتقارب فِيهِ - وَإِن لم
يتقاربا فِي السن.
المدبج
وَأَن روى كل مِنْهُمَا - أَي القرينين - عَن الآخر كعائشة عَن
أبي هُرَيْرَة وَأبي هُرَيْرَة عَنْهَا فَهُوَ المدبج أَي
فَهُوَ النَّوْع الْمُسَمّى بالمدبج بِضَم الْمِيم وَفتح
الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة وَآخره جِيم من
دبجت بِمَعْنى زينت.
(2/251)
وَهُوَ أخص من الأول فَكل مدبج أَقْرَان
وَلَا عكس، وَقد صنف الدَّارَقُطْنِيّ فِي ذَلِك وَهُوَ أول من
سَمَّاهُ بذلك (وصنف أَبُو الشَّيْخ الْأَصْفَهَانِي فِي
الَّذِي قبله) .
مِثَاله فِي الصَّحَابَة: رِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة
وَرِوَايَة عَائِشَة عَنهُ. وَفِي التَّابِعين: رِوَايَة
الزُّهْرِيّ عَن أبي الزبير وَرِوَايَة أبي الزبير عَنهُ.
وَفِي أَتبَاع التَّابِعين: مَالك عَن الْأَوْزَاعِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ عَن مَالك. وَفِي أَتبَاع أَتبَاع
التَّابِعين: أَحْمد عَن ابْن الْمَدِينِيّ وَرِوَايَة ابْن
الْمَدِينِيّ عَنهُ.
(2/252)
قَالَ الزين الْعِرَاقِيّ: وَسمي / هَذَا
النَّوْع مدبجا لحسنه، لِأَنَّهُ لُغَة: المزين وَالرِّوَايَة
كَذَلِك إِنَّمَا تقع لنكتة يعدل فِيهَا عَن الْعُلُوّ إِلَى
الْمُسَاوَاة أَو النُّزُول فَيحصل للإسناد بذلك تَحْسِين
وتزيين.
وَإِذا روى الشَّيْخ عَن تِلْمِيذه صدق أَن كلا مِنْهُمَا يروي
عَن الآخر، فَهَل يُسمى مدبجا؟ فِيهِ مَبْحَث. وَالظَّاهِر لَا
لِأَنَّهُ من رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر. والتدبيج مَأْخُوذ
من ديباجة الْوَجْه وهما الخدان فَيَقْتَضِي أَن يكون ذَلِك
مستويا من الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَجِيء فِيهِ هَذَا.
وعَلى هَذَا فالمدبج مُخْتَصّ بالقرينين، وَبِه صرح ابْن
(2/253)
الصّلاح - كالحاكم - أما رِوَايَة القرين
عَن قرينه من غير أَن تعلم رِوَايَة الآخر عَنهُ فَلَا يُسمى
مدبجا كَرِوَايَة زَائِدَة بن قدامَة عَن زُهَيْر ابْن
مُعَاوِيَة وَلَا يعلم لزهير رِوَايَة عَنهُ.
(2/254)
رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر
وَإِن روى الرَّاوِي عَمَّن هُوَ دونه فِي السن أَو فِي
الْمِقْدَار فَهَذَا النَّوْع هُوَ رِوَايَة الأكابر سنا، أَو
قدرا عَن الأصاغر أَي هَذَا النَّوْع الْمُسَمّى بذلك،
وَالْأَصْل فِيهِ رِوَايَة الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل
الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن تَمِيم الدَّارِيّ حَدِيث
الْجَسَّاسَة، وَهُوَ عِنْد مُسلم.
(2/255)
رِوَايَة الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء
وَنَحْوهَا
وَمِنْه - أَي من جملَة هَذَا النَّوْع - خلافًا لِابْنِ
الصّلاح وَمن تبعه حَيْثُ جَعَلُوهُ قسما مُفردا وَهُوَ أخص من
مطلقه رِوَايَة الْآبَاء عَن الأنباء (وَفِي عَكسه)
وَالصَّحَابَة عَن التَّابِعين. كَرِوَايَة العبادلة
الْأَرْبَعَة وَأبي هُرَيْرَة وَمُعَاوِيَة وَأنس عَن كَعْب
الْأَحْبَار وَالشَّيْخ عَن تِلْمِيذه وَنَحْو ذَلِك.
وكرواية الْعَبَّاس عَن ابْنه الْفضل عَن الْمُصْطَفى عَلَيْهِ
أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَنه جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ
بِمُزْدَلِفَة. وَرِوَايَة وَائِل بن دَاوُد عَن ابْنه بكر بن
وَائِل عَن الزُّهْرِيّ عَن
(2/256)
أنس أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة
وَالسَّلَام: أولم على صَفِيَّة بسويق وَسمن. وَفِي عَكسه أَي
وَفِي رِوَايَة الْأَبْنَاء عَن الْآبَاء كَثْرَة وَمِنْه: من
روى عَن أَبِيه عَن جده لِأَنَّهُ هُوَ الجادة المسلوكة
الْغَالِبَة قَالَ الشَّيْخ قَاسم: كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِير
قَوْله وَمِنْه من روى عَن أَبِيه عَن جده عَن قَوْله
لِأَنَّهُ إِلَى آخِره.
وَفَائِدَة معرفَة ذَلِك أَي هَذَا النَّوْع التَّمْيِيز بَين
مَرَاتِبهمْ وتنزيل النَّاس مَنَازِلهمْ، لِئَلَّا يتَوَهَّم
أَن الْمَرْوِيّ عَنهُ أفضل، أَو أكبر من الرَّاوِي لكَونه
أغلب، وَهُوَ أَقسَام:
1 - أَحدهمَا: أسن وأقدم طبقَة من الْمَرْوِيّ عَنهُ كالزهري
عَن
(2/257)
مَالك، وكالأزهري عَن تِلْمِيذه الْخَطِيب.
2 - وَالثَّانِي: أكبر قدرا لَا سنا كمالك عَن عبد الله بن
دِينَار وَأحمد بن حَنْبَل عَن عبيد الله بن مُوسَى
الْعَبْسِي.
3 - الثَّالِث: أكبر من الْوَجْهَيْنِ مَعًا، كالحافظ عبد
الْغَنِيّ عَن تِلْمِيذه الصُّورِي، وكالبرقاني عَن الْخَطِيب،
والخطيب عَن ابْن مَاكُولَا.
وَقد صنف الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي رِوَايَة الْآبَاء عَن
الْأَبْنَاء تصنيفا حافلا جَامعا وأفرد جُزْءا لطيفا فِي
رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين على
(2/258)
اخْتِلَاف طبقاتهم.
وَجمع الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي بِالْفَتْح
وَالتَّخْفِيف نِسْبَة إِلَى سكَّة الْعلَا ببخاري، وَقيل
إِلَى الْجد / مجلدا كَبِيرا فِي معرفَة من روى عَن أَبِيه عَن
جده عَن النَّبِي، وقسمه أقساما:
1 - فَمِنْهُ: مَا يعود الضَّمِير فِي قَوْله عَن جده على
الرواي.
2 - وَمِنْه: مَا يعود الضَّمِير فِيهِ على أَبِيه أَي أبي
الرَّاوِي فَيكون جد أَبِيه لَا جده هُوَ أعنى الراوية. ذكره
الشَّيْخ قَاسم.
وَبَين ذَلِك بَيَانا شافيا وحققه تَحْقِيقا كَافِيا وافيا
وَخرج فِي كل تَرْجَمَة مِنْهُ حَدِيثا من مرويه عَن الْأَب
عَن الْجد وَقد لخصت كِتَابه الْمَذْكُور وزدت عَلَيْهِ تراجم
كَثِيرَة فَاتَتْهُ.
(2/259)
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: طالعت التَّلْخِيص
الْمَذْكُور من خطّ الْمُؤلف، وأظهرت فِيهِ سِتّ تراجم لَا
وجود لَهَا فِي الْوُجُود وَهِي:
1 - حَمَّاد بن عِيسَى الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن جده
عُبَيْدَة بن صَيْفِي.
2 - وَعبد الله بن عبد الحكم عَن أمه أُمَيْمَة عَن أمهَا
رقيقَة.
3 - وَعَن عبد الله بن معَاذ بن عبد الله بن جَعْفَر عَن
أَبِيه عَن جده.
4 - وَبشير بن النُّعْمَان بن بشير بن النُّعْمَان بن بشير عَن
أَبِيه عَن جده.
5 - وخَالِد بن مُوسَى بن زِيَاد بن جهور عَن أَبِيه عَن جده
جهور.
وَلما رَأَيْت هَذَا وضعت كتابا فِي هَذَا النَّوْع، وبينت
فِيهِ مَا كَانَ مُتَّصِلا بِالْآبَاءِ مِمَّا فِيهِ انْقِطَاع
الْآبَاء، وفصلت كل قسم على حِدة، وَخرجت فِي كل تَرْجَمَة
حَدِيثا إِلَّا مَا كَانَ فِي أحد الْكتب السِّتَّة، وَمَا فِي
(2/260)
بعض الْكتب الَّتِي لم تكن بحضرتي إِذْ
ذَاك فنسبته إِلَيْهَا. انْتهى
وَأكْثر مَا وَقع فِيهِ مَا تسلسلت فِيهِ الرِّوَايَة عَن
الْآبَاء أَرْبَعَة عشر أَبَا. وَلم يتَّفق وُقُوع أَكثر من
ذَلِك بالاستقراء التَّام.
فَائِدَة:
يلْتَحق بِرِوَايَة الرجل عَن أَبِيه عَن جده: رِوَايَة
الْمَرْأَة عَن أمهَا عَن جدَّتهَا وَهُوَ عَزِيز جدا. وَمن
ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن بنْدَار حَدثنَا عبد
الحميد بن عبد الْوَاحِد حَدَّثتنِي أم جنوب بنت نميلَة عَن
أمهَا سويدة بنت جَابر عَن أمهَا عقيلة بنت أسمر بن مُضرس عَن
أببها أسمر قَالَ:
(2/261)
أتيت النَّبِي فَبَايَعته فَقَالَ: من سبق
إِلَى مَا لم يسْبق إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ لَهُ. .
(2/262)
معرفَة السَّابِق واللاحق
وَإِن اشْترك اثْنَان فِي الْأَخْذ عَن شيخ فِي آن وَاحِد
وَتقدم موت أَحدهمَا على موت الآخر فَهُوَ من أَقسَام
الْعُلُوّ الْمُسَمّى السَّابِق واللاحق وَهُوَ الْعُلُوّ
بتقدم الْوَفَاة - أَي وَفَاة الرَّاوِي - سَوَاء كَانَ
سَمَاعه مَعَ الْمُتَأَخر الْوَفَاة فِي آن وَاحِد أَو قبله،
وَكَذَا إِذا كَانَ بعده (- فِيمَا يظْهر من إِطْلَاقهم -)
لكَون الْمُتَقَدّم الْوَفَاة نقل الروَاة عَنهُ فيرغب فِي
تَحْصِيل مروية. قَالَه السخاوي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
-. وَفِي كَلَام الْمُؤلف شُمُول لما تقدم موت أَحدهمَا على
الآخر بِزَمن قَلِيل، أَو كَانَ مَوْتهمَا فِي حَيَاة شيخهما،
وَلَا يخفى أَنه لَا يُطلق على ذَلِك مثله. كَمَا ذكره بعض
الْمُتَأَخِّرين.
وَأكْثر مَا وقفنا عَلَيْهِ من ذَلِك (مَا بَين)
الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ
(2/263)
فِي الْوَفَاة مائَة وَخَمْسُونَ سنة، وَلم
يُوجد أَكثر من ذَلِك بالاستقراء وَذَلِكَ أَن الْحَافِظ
السلَفِي سمع مِنْهُ أَبُو عَليّ / البرداني بِالتَّحْرِيكِ
أحد مشايخه أَي السلَفِي حَدِيثا وَرَوَاهُ عَنهُ وَمَات على
رَأس الْخَمْسمِائَةِ ثمَّ كَانَ آخر أَصْحَاب السلَفِي موتا
سبطه أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي ووفاته سنة خمسين
وسِتمِائَة فبينهما مائَة وَخَمْسُونَ سنة.
(2/264)
وَمن قديم ذَلِك أَن البُخَارِيّ حدث عَن
شَيْخه أبي الْعَبَّاس السراج بِالتَّشْدِيدِ أَشْيَاء فِي
التَّارِيخ وَغَيره، وَمَات سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
وَآخر من حدث عَن السراج بِالسَّمَاعِ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد
بن مُحَمَّد الْخفاف النَّيْسَابُورِي وَمَات سنة ثَلَاث
وَتِسْعين وثلاثمائة فَبين وفاتيهما مائَة وَسبع وَثَلَاثُونَ
سنة.
(2/265)
وَقد سمع الذَّهَبِيّ من أبي إِسْحَق
التنوخي وَحدث عَنهُ كَمَا ذكره الْمُؤلف فِي " تَارِيخه "
وَمَات سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة، وَآخر من مَاتَ من
أَصْحَاب التنوخي الشهَاب الساوي مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ
وَثَمَانمِائَة.
وغالب مَا يَقع من ذَلِك أَن المسموع مِنْهُ يتَأَخَّر بعد
أَخذ الرَّاوِي عَنهُ زَمَانا حَتَّى يسمع مِنْهُ بعض
الْأَحْدَاث، ويعيش بعد السماع مِنْهُ دهرا طَويلا، فَيحصل من
مَجْمُوع ذَلِك نَحْو هَذِه الْمدَّة.
وَمن فَوَائِد هَذَا النَّوْع: حلاوة علو الْإِسْنَاد فِي
الْقُلُوب وَإِن لَا يظنّ سُقُوط شَيْء من الْإِسْنَاد.
وَقد ألف فِيهِ الْخَطِيب كتابا.
(2/266)
المهمل
وَإِن روى الرَّاوِي عَن اثْنَيْنِ متفقي الِاسْم فَقَط، أَو
والكنية أَو مَعَ اسْم الْأَب، أَو مَعَ اسْم / الْجد، أَو
مَعَ نسبته وَلم يتميزا بِمَا يخص كلا مِنْهُمَا.
كَذَا عبر المُصَنّف، وَاعْترض بإنما قد يتميزا بِمَا يخص
أَحدهمَا فَقَط.
فَإِن كَانَا ثقتين لم يضر فهم مِنْهُ أَنَّهُمَا إِذا كَانَا
غير ثقتين أَنه يضر، قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهُوَ الصَّحِيح،
وَالْفرق بَين الْمُبْهم والمهمل أَن الْمُبْهم لم يذكر لَهُ
اسْم، والمهمل ذكر اسْمه مَعَ الِاشْتِبَاه.
وَمن ذَلِك مَا (وَقع) فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَته عَن
أَحْمد غير مَنْسُوب عَن ابْن وهب، فَإِنَّهُ: إِمَّا أَحْمد
بن صَالح، أَو أَحْمد بن
(2/267)
عِيسَى. أَو عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب عَن
أهل الْعرَاق، فَإِنَّهُ: إِمَّا مُحَمَّد ابْن سَلام
(بِالتَّشْدِيدِ) أَو مُحَمَّد بن يحيى الذهلي (بِضَم الذَّال
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء، نِسْبَة إِلَى قَبيلَة ذهل بن
ثَعْلَبَة أَو غَيرهَا) .
وَقد استوعبت ذَلِك فِي مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ، وَمن
أَرَادَ لذَلِك ضابطا كليا يمتاز بِهِ أَحدهمَا عَن الآخر
فباختصاصه - أَي الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ - كَذَا فِي نسخ،
وَفِي نُسْخَة أَي الرَّاوِي وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.
بِأَحَدِهِمَا يتَبَيَّن المهمل أَي الَّذِي روى عَنهُ المهمل
إِن كَانَ شَيخا
(2/268)
لوَاحِد من المهملين فَقَط يعرف بِهِ،
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهَذَا الضَّمِير رَاجع إِلَى غير
مَذْكُور، وَتقدم ذكر الرَّاوِي فيتوهم عوده عَلَيْهِ فَصَارَ
الْمحل قلقا، فَكَانَ حَقه أَن يَقُول: فباختصاص أَحدهمَا
بالمروي عَنهُ يتَبَيَّن المهمل. انْتهى.
وَقَالَ بعض تلامذة المُصَنّف: فِيهِ اخْتِلَاف عود الضمائر
فِي الْمَتْن بِلَا قرينَة، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بالمروي
الرَّاوِي عَن الِاثْنَيْنِ لِأَن الحَدِيث مَرْوِيّ عَنهُ،
وَيكون المُرَاد بالاختصاص كَثْرَة الْمُلَازمَة، فَإِذا أطلق
اسْما وَله شَيْخَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِك الِاسْم يحمل
على من عرفت ملازمته / لَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا خلاف فِي عود
الضَّمِير كَذَا قَرَّرَهُ، وَنَقله عَن المُصَنّف.
ثمَّ وقفت على نُسْخَة الْكَمَال ابْن أبي شرِيف الَّتِي
قَرَأَهَا على الْمُؤلف، وَبلغ لَهُ عَلَيْهَا بِخَطِّهِ فِي
كل ورقة غَالِبا، فَوجدت فِيهَا:
(2/269)
فباختصاصه - أَي الشَّيْخ الْمَرْوِيّ
عَنهُ - ثمَّ ضرب الْكَمَال على قَوْله الشَّيْخ الْمَرْوِيّ
عَنهُ وَكتب على الْهَامِش بِخَطِّهِ - أَي الرَّاوِي - وَصحح
عَلَيْهِ.
وَمَتى لم يتَبَيَّن ذَلِك، أَو كَانَ مُخْتَصًّا بهما مَعًا
فإشكاله شَدِيد، فَيرجع فِيهِ إِلَى الْقَرَائِن أَو الظَّن
الْغَالِب.
(2/270)
|