تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ط الكتب الحديثة

ج / 1 ص -211-     النوع الحادي عشر: المعضل هو بفتح الضاد يقولون أعضله فهو معضل وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر ويسمى منقطعا ويسمى مرسلا عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم وقيل إن قول الراوي:
---------------------------
النوع الحادي عشر: المعضل هو بفتح الضاد وأهل الحديث يقولون أعضله فهو معضل قال ابن الصلاح: وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة أي لأن معضلا بفتح العين لا يكون إلا من ثلاثي لازم عدى بالهمزة وهذا لازم معها قال: وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد وفعيل بمعنى فاعل يدل على الثلاثي فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرا وأعضل متعديا كما قالوا: ظلم الليل وأظلم وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر بشرط التوالي أما إذا لم يتوال فهو منقطع من موضعين.
قال العراقي: ولم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه ويسمى المعضل منقطعا أيضا ويسمى مرسلا عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم في نوع المرسل وقيل: إن قول الراوي

 

ج / 1 ص -212-     بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للملوك طعامه وكسوته يسمى معضلا عند أصحاب الحديث
--------------------------
بلغني كقول مالك في الموطأ بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق يسمى معضلا عند أصحاب الحديث نقله ابن الصلاح عن الحافظ أبي نصر السجزي.
قال العراقي: وقد استشكل لجواز أن يكون الساقط واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبي هريرة كسعيد المقبري ونعيم المجمر ومحمد ابن المنكدر.
والجواب: أن مالكا وصله خارج الموطأ عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة فعرفنا بذلك سقوط اثنين منه قلت بل ذكر النسائي في التمييز أن محمد بن عجلان لم يسمعه من أبيه بل رواه عن بكير عن عجلان قال ابن الصلاح: وقول المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا من قبيل المعضل.
فائدة:
صنف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل قال: وجميع ما فيه من قوله بلغني ومن قوله عن الثقة عنده مما لم يسنده أحد وستون حديثا كلها مسندة من غير طريق مالك إلا أربعة لا تعرف:
أحدها: إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن.
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله تعالى من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته.

 

ج / 1 ص -213-     وإذا روى تابع التابعي عن تابعي حديثا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل
-------------------------
والثالث: قول معاذ آخر ما اوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضعت رجلي في الغرز أن قال حسن خلقك للناس والرابع إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة.
وإذا روى تابع التابعي عن تابعي حديثا وقفه عليه وهو ثم ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل نقله ابن الصلاح عن الحاكم ومثله بما روى عن الأعمش عن الشعبي قال: يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه الحديث أعضله الأعمش ووصله فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث. قال ابن الصلاح: وهذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى اهـ قال ابن جماعة وفيه نظر أي لأن مثل ذلك لا يقال من قبيل الرأي فحكمه حكم المرسل وذلك ظاهر لا شك فيه.

 

ج / 1 ص -214-     فروع:
أحدها:
الإسناد المعنعن وهو فلان عن فلان قيل إنه مرسل والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل
---------------------------
ثم رأيت عن شيخ الإسلام أن لما ذكره ابن الصلاح شرطين أحدهما أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فمرسل الثاني أن يروي مسندا من طريق ذلك الذي وقف عليه فإن لم يكن فموقوف لا معضل لاحتمال أنه قاله من طريق عنده فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين.
فائدتان:
الأولى: قال شيخنا الإمام الشمني خص التبريزي المنقطع والمعضل بما ليس في أول الإسناد وأما ما كان في أوله فمعلق وكلام ابن الصلاح أعم.
الثانية: من مظان المعضل والمنقطع والمرسل كتاب السنن لسعيد بن منصور ومؤلفات ابن أبي الدنيا.
فروع:
أحدها: الإسناد المعنعن وهو قول الراوي: فلان عن فلان بلفظ عن من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع قيل: إنه مرسل حتى يتبين اتصاله والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل.
قال ابن الصلاح: ولذلك أودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم وادعى

 

ج / 1 ص -215-     بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف منهم من لم يشترط شيئا من ذلك وهو مذهب مسلم بن الحجاج وادعى الإجماع فيه.
-------------------------
أبو عمرو الداني إجماع أهل النقل عليه وكان ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث عليه قال العراقي: بل صرح بادعائه في مقدمة التمهيد بشرط أن لا يكون المعنعن بكسر العين مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا أي لقاء المعنعن من روى عنه بلفظ عن فحينئذ يحكم بالاتصال إلا أن يتبين خلاف ذلك وفي اشتراط ثبوت اللقاء وعدم الاكتفاء بإمكانه وطول الصحبة وعدم الاكتفاء بثبوت اللقاء ومعرفته بالرواية عنه وعدم الاكتفاء بالصحبة خلاف منهم من لم يشترط شيئا من ذلك واكتفى بإمكان اللقاء وعبر عنه بالمعاصرة وهو مذهب مسلم بن الحجاج وادعى الإجماع فيه في خطبة صحيحه وقال إن اشتراط ثبوت اللقاء قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها.
قال ابن الصلاح: وفيما قاله مسلم نظر، قال: ولا أرى هذا الحكم يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان أو قال فلان، أي فليس له حكم الاتصال ما لم يكن له من شيخه إجازة

 

ج / 1 ص -216-     ومنهم من شرط اللقاء وحده وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين ومنهم من شرط طول الصحبة ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فمراده انه رواه عنه بالإجازة.
--------------------------
ومنهم من شرط اللقاء وحده وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين من أئمة هذا العلم قيل: إلا أن البخاري لا يشترط ذلك في أصل الصحة بل التزمه في جامعه وابن المديني يشترطه فيهما ونص على ذلك الشافعي في الرسالة ومنهم من شرط طول الصحبة بينهما ولم يكتف بثبوت اللقاء وهو أبو المظفر السمعاني ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه وهو أبو عمرو الداني واشترط ابو الحسن القابسي ان يدركه إدراكا بينا حكاه ابن الصلاح قال العراقي: وهذا داخل فيما تقدم من الشروط فلذلك أسقطه المصنف.
قال شيخ الإسلام: من حكم بالانقطاع مطلقا شدد ويليه من شرط طول الصحبة ومن اكتفى بالمعاصرة سهل والوسط الذي ليس بعده إلا التعنت مذهب البخاري ومن وافقه وما أورده مسلم عليهم من لزوم رد المعنعن دائما لاحتمال عدم السماع ليس بوارد لأن المسألة مفروضة في غير المدلس ومن عنعن ما لم يسمعه فهو مدلس.
قال: وقد وجدت في بعض الأخبار ورود عن فيما لم يكن سماعه من الشيخ وإن كان الراوي سمع منه الكثير كما رواه أبو إسحق السبيعي عن عبد الله بن خباب بن الأرت أنه خرج عليه الحرورية فقتلوه حتى جرى دمه في النهر فهذا لا يمكن أن يكون أبو إسحق سمعه من ابن خباب كما هو ظاهر العبارة لأنه هو المقتول قلت السماع إنما يكون معتبرا في القول وأما الفعل فالمعتبر فيه المشاهدة وهذا واضح وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم مثلا قرأت على فلان عن فلان فمراده أنه رواه عنه بالإجازة وذلك لا يخرجه عن الاتصال.

 

ج / 1 ص -217-     الثاني: إذا قال حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا أو قال قال ابن المسيب كذا أو فعل كذا أو كان ابن المسيب يفعل وشبه ذلك فقال أحمد بن حنبل وجماعة لا تلتحق أن وشبهها بعن بل يكون منقطعا حتى يتبين السماع وقال الجمهور أن كعن ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم.
--------------------------
الثاني إذا قال الراوي كمالك مثلا: حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا أو قال الزهري قال ابن المسيب كذا أو فعل كذا أو قال كان ابن المسيب يفعل وشبه ذلك فقال أحمد بن حنبل وجماعة منهم فيما حكاه ابن عبد البر عن البرديجي: لا تلتحق أن وشبهها بعن في الاتصال بل يكون منقطعا حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى وقال الجمهور: فيما حكاه عنهم ابن عبد البر منهم مالك ان كعن في الاتصال ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم من اللقاء والبراءة من التدليس قال ابن عبد البر: ولا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو اللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة قال ولا معنى لاشتراط تبين السماع لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء أتى فيه بعن أو بأن أو بقال أو بسمعت فكله متصل قال العراقي: ولقائل أن يفرق بأن للصحابي مزية حيث يعمل بإرساله بخلاف غيره قال ابن الصلاح: ووجدت مثل ما حكى عن البرديجي للحافظ يعقوب بن أبي شيبة في مسنده فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن محمد بن الحنفية عن عمار قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام وجعله مسندا

 

ج / 1 ص -218-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
موصولا وذكر رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فجعله مرسلا من حيث كونه قال: إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار انتهى.
قال العراقي: ولم يقع على مقصود يعقوب وبيان ذلك أن ما فعله يعقوب هو صواب من العمل وهو الذي عليه عمل الناس وهو لم يجعله مرسلا من حيث لفظ أن بل من حيث إنه لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال: إن عمارا قال: مررت لما جعله مرسلا فلما أتى بلفظ أن عمارا مر كان محمد هو الحاكي لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا قال: والقاعدة أن الراوي إذا روى حديثا في قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض الصحابة والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة فهي محكوم لها بالاتصال وإن لم يعلم أنه شاهدها وإن لم يدرك تلك الواقعة فهو مرسل صحابي وإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها فمتصل وكذا إن لم يدرك وقوعها ولكن اسندها له وإلا فمنقطعة قال: وقد حكى اتفاق أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك ابن المواق قال: وما حكاه ابن الصلاح قيل: عن أحمد بن حنبل من أن عن وان ليسا سواء منزل أيضا على هذه القاعدة فإن الخطيب رواه في الكفاية بسنده إلى أبي داود قال: سمعت أحمد قيل له: إن رجلا قال: قال عروة: إن عائشة قالت: يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال: كيف هذا سواء ليس هذا بسواء فإنما فرق أحمد بين اللفظين لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة فكانت مرسلة وأما اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة فكانت متصلة انتهى.

 

ج / 1 ص -219-     الثالث: التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ابن عباس أو عطاء أو غيره كذا وهذا التعليق له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح
--------------------------
تنبيه:
كثر استعمال أن أيضا في هذه الأعصار في الإجازة وهذا وما تقدم في عن في المشارقة أما المغاربة فيستعملونها في السماع والإجازة معا وهذان الفرعان حقهما أن يفردا بنوع يسمى المعنعن كما صنع ابن جماعة وغيره.
الثالث: التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره من المغاربة في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر على التوالي بصيغة الجزم ويعزى الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته وبينه وبين المعضل عموم وخصوص من وجه فيجامعه في حذف اثنين فصاعدا ويفارقه في حذف واحد وفي اختصاصه بأول السند وكأنه من تعليق الجدار لقطع الاتصال فيهما واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ابن عباس أو عطاء أو غيره كذا وإن لم يذكره اصحاب الأطراف لأن موضوع كتبهم بيان ما في الأسانيد من اختلاف أو غيره وهذا التعليق له حكم الصحيح إذا وقع في كتاب التزمت صحته كما تقدم في المسألة الرابعة من نوع الصحيح

 

ج / 1 ص -220-     ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروي عن فلان كذا أو يقال عنه ويذكر ويحكى وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم كقال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده
---------------------------
ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروي عن فلان كذا أو يقال عنه ويذكر ويحكى وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم كقال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى كذا قال ابن الصلاح.
قال العراقي: وقد استعمله غير واحد من المتأخرين في غير المجزوم به منهم الحافظ أبو الحجاج المزي حيث أورد في الأطراف ما في البخاري من ذلك معلما عليه علامة التعليق بل المصنف نفسه أورد في الرياض حديث عائشة أمرنا أن ننزل الناس منازلهم وقال ذكره مسلم في صحيحه تعليقا.
فقال: وذكر عن عائشة ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده لأن له اسما يخصه من الانقطاع والإرسال والإعضال.
أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة قال فلان وزاد فلان ونحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس كذا جزم به ابن الصلاح قال: وبلغني عن بعض المتأخرين من المغاربة انه جعله قسما من التعليق ثانيا واضاف إليه قول البخاري وقال لي فلان وزادنا فلان فوسم كل ذلك بالتعليق.
قال العراقي: وما جزم به ابن الصلاح ههنا هو الصواب وقد خالف ذلك في نوع الصحيح فجعل من أمثلة التعليق قول البخاري: قال عفان كذا

 

ج / 1 ص -221-     الرابع: إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلا وبعضهم متصلا أو بعضهم موقوفا وبعضهم مرفوعا أو وصله هو أو رفعه في وقت أو أرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن
---------------------------
وقال القعنبي كذا وهما من شيوخ البخاري والذي عليه واحد عمل غير واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد والمزي أن لذلك حكم العنعنة.
قال ابن الصلاح: هنا وقد قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري وهو أعرف بالبخاري: كل ما قال البخاري: قال لي فلان أو قال لنا فهو عرض ومناولة وقال غيره: المعتمد في ذلك ما حققه الخطيب من أن قال ليست كعن فإن الاصطلاح فيها مختلف فبعضهم يستعملها في السماع دائما كحجاج بن موسى المصيصي الأعور وبعضهم بالعكس لا يستعملها إلا فيما لم يستعمله دائما وبعضهم تارة كذا وتارة كذا كالبخاري فلا يحكم عليها بحكم مطرد ومثل قال ذكر استعملها أبو قرة في سننه في السماع لم يذكر سواها فيما سمعه من شيوخه في جميع الكتاب.
تنبيه:
فرق ابن الصلاح والمصنف أحكام المعلق فذكرا بعضه هنا وهو حقيقته وبعضه في نوع الصحيح وهو حكمه وأحسن من صنيعهما صنيع العراقي حيث جمعهما في مكان واحد في نوع الصحيح وأحسن من ذلك صنيع ابن حماعة حيث أفرده منكراع مستقل هنا.
الرابع: إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلا وبعضهم متصلا أو بعضهم موقوفا وبعضهم مرفوعا أو وصله هو أو رفعه في وقت أو أرسله ووقفه في وقت آخر فالصحيح ثم أهل الحديث والفقه والأصول أن

 

ج / 1 ص -222-     الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة ومنهم من قال الحكم لمن أرسله،
------------------------
الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله في الحفظ والإتقان أو أكثر منه لأن ذلك أي الرفع والوصل زيادة ثقة وهي مقبولة على ما سيأتي وقد سئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي وهو حديث اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي فرواه شعبة والثوري عنه عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ورواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن موسى متصلا فحكم البخاري لمن وصله وقال الزيادة: من الثقة مقبولة هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان في الحفظ والإتقان وقيل: لم يحكم البخاري بذلك لمجرد الزيادة بل لأن لحذاق المحدثين نظرا آخر وهو الرجوع في ذلك إلى القرائن دون الحكم بحكم مطرد وإنما حكم البخاري لهذا الحديث بالوصل لأن الذي وصله عن أبي إسحاق سبعة منهم إسرائيل حفيده وهو أثبت الناس في حديثه لكثرة ممارسته له ولأن شعبة وسفيان سمعاه في مجلس واحد بدليل رواية الطيالسي في مسنده قال: حدثنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يقول لأبي إسحاق أحدثك أبو بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فرجعا كأنهما واحد فإن شعبة إنما رواه بالسماع على أبي إسحاق بقراءة سفيان وحكم الترمذي في جامعه بأن رواية الذين وصلوه أصح.
قال: لأن سماعهم منه في روينا مختلفة وشعبة وسفيان سمعاه في مجلس واحد وأيضا فسفيان لم يقل له: ولم يحدثك به أبو بردة إلا مرسلا وكان سفيان قال له أسمعت الحديث منه فقصده إنما هو السؤال عن سماعه له لا كيفية روايته له ومنهم من قال :الحكم لمن أرسله

 

ج / 1 ص -223-     أو وقفه قال الخطيب وهو قول أكثر المحدثين وعند بعضهم الحكم للأكثر وبعضهم للأحفظ وعلى هذا لو أرسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة راويه وقيل يقدح فيه وصله ما أرسله الحفاظ
---------------------------
أو وقفه قال الخطيب وهو قول أكثر المحدثين وعن بعضهم الحكم للأكثر و عن بعضهم الحكم للأحفظ وعلى هذا القول لو أرسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة راويه ومسنده من الحديث غير الذي أرسله وقيل يقدح فيه وصله ما أرسله أو رفعه ما وقفه الحفاظ وصحح الأصوليون في تعارض ذلك من واحد في أوقات أن الحكم لما وقع منه أكثر فإن كان الوصل أو الرفع أكثر قدم أو ضدهما فكذلك قلت بقي عليهم ما إذا استويا بأن وقع كل منهما في وقت فقط أو وقتين فقط قال الماوردي لا تعارض بين ما ورد مرفوعا مرة وموقوفا على الصحابي أخرى لأنه يكون قد رواه وأفتى به.

النوع الثاني عشر: التدليس: وهو قسمان، الأول: تدليس الإسناد بأن يروى عمن عاصره
---------------------------
النوع الثاني عشر: التدليس: وهو قسمان، بل ثلاثة أو أكثر، كما سيأتي الأول تدليس الإسناد بأن يروى عمن عاصره زاد ابن الصلاح أو لقيه

 

ج / 1 ص -224-     ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائلا قال فلان أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه أو أسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث
--------------------------
ما لم يسمعه منه بل سمعه من رجل عنه موهما سماعه حيث أورده بلفظ يوهم الاتصال ولا يقتضيه قائلا قال فلان أو عن فلان ونحوه كأن فلانا فإن لم يكن عاصره فليس الرواية عنه بذلك تدليسا على المشهور وقال قوم إنه تدليس فحدوه بأن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع قال ابن عبد البر وعلى هذا فما سلم أحد من التدليس لا مالك ولا غيره وقال الحافظ أبو بكر البزار وأبو الحسن بن القطان هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غيرأن يذكر أنه سمعه منه قال والفرق بينه وبين الإرسال أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه.
قال العراقي: والقول الأول هو المشهور وقيده شيخ الإسلام بقسم اللقاء وجعل قسم المعاصرة إرسالا خفيا ومثل قال وعن وأن ما لو أسقط أداة الرواية وسمى الشيخ فقط فيقول فلان قال علي بن خشرم: كنا عند ابن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لا ولا ممن سمعه من الزهري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لكن سمى شيخ الإسلام هذا تدليس القطع وربما لم يسقط شيخه أو أسقط غيره أي شيخ شيخه أو أعلى منه لكونه ضعيفا وشيخه ثقة أو صغيرا وأتى فيه بلفظ محتمل عن الثقة الثاني تحسينا للحديث وهذا من زوائد المصنف على ابن الصلاح وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية سماه بذلك ابن القطان وهو شر أقسامه لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له

 

ج / 1 ص -225-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------
بالصحة وفيه غرور شديد وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد قال ابن أبي حاتم في العلل: سمعت أبي بكر وذكر الحديث الذي رواه إسحق بن راهويه عن بقية حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر حديث لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه فقال أبي: هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر وعبيد الله كنيته أبو وهب وهو أسدي فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد كي لا يفطن له حتى إذا ترك إسحاق لا يهتدى له قال وكان بقية من أفعل الناس لهذا وممن عرف به أيضا الوليد بن مسلم.
قال أبو مسهر: كان يحدث بأحاديث الأوزاعي من الكذابين ثم يدلسها عنهم، وقال صالح جزره سمعت الهيثم بن خارجة يقول: قلت للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي قال: كيف ؟ قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بن مرة قال: أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء قلت: فإذا روى هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث منا كير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي قال الخطيب وكان الأعمش

 

ج / 1 ص -226-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا قال العلائي: وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها.
قال العراقي: وهو قادح فيمن تعمد فعله.
وقال شيخ الإسلام: لا شك أنه جرح وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما قال ثم ابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس فيقول سواه فلان وهذه تسوية والقدماء يسمونه تجويدا فيقولون جوده فلان أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم قال: والتحقيق أن يقال متى قيل: تدليس التسوية فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث وإن قيل: تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل مالك فإنه لم يقع في التدليس أصلا ووقع في هذا فإنه يروى عن ثور عن ابن عباس وثور لم يلقه وإنما روى عن عكرمة عنه فاسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفا فهو منقطع خاص ثم زاد شيخ الإسلام تدليس العطف ومثله بما فعل هشيم فيما نقل الحاكم والخطيب ان أصحابه قالوا له نريد أن تحدثنا اليوم شيئا لا يكون فيه تدليس فقال: خذوا ثم أملى عليهم مجلسا يقول في كل حديث منه حدثنا

 

ج / 1 ص -227-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
فلان وفلان ثم يسرق السند والمتن فلما فرغ قال هل دلست لكم اليوم شيئا قالوا لا قال بلى كل ما قلت فيه وفلان فإني لم أسمعه منه.
قال شيخ الإسلام: وهذه الأقسام كلها يشملها تدليس الإسناد فاللائق ما فعله ابن الصلاح من تقسيمه قسمين فقط قلت: ومن أقسامه أيضا ما ذكر محمد بن سعيد عن أبي حفص عمر بن علي المقدمي أنه كان يدلس تدليسا شديدا يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة الأعمش وقال أحمد بن حنبل كان يقول حجاج سمعته يعني حدثنا آخر وقال جماعة كان أبو إسحاق يقول ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه فقوله عبد الرحمن تدليس يوهم أنه سمعه منه وقسمه الحاكم إلى ستة أقسام الأول قوم لم يميزوا بين ما سمعوه وما لم يسمعوه.
الثاني: قوم يدلسون فإذا وقع لهم من ينقر عنهم ويلح في سماعاتهم ذكروا له ومثله بما حكى ابن خشرم عن ابن عيينة.
الثالث: قوم دلسوا عن مجهولين لا يدري من هم ومثله بما روى عن ابن المديني قال: حدثني حسين الأشقر حدثنا شعيب بن عبد الله عن أبي عبد الله عن نوف قال بت عند علي فذكر كلاما قال ابن المديني فقلت لحسين: ممن سمعت هذا ؟ فقال: حدثنيه شعيب عن أبي عبد الله عن نوف فقلت لشعيب من حدثك بهذا ؟ فقال: أبو عبد الله الجصاص، فقلت: عمن ؟ قال: عن حماد

 

ج / 1 ص -228-     الثاني: تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف أما الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء ،
------------------------
القصار فلقيت حمادا فقلت له من حدثك بهذا قال بلغني عن فرقد السبخي عن نوف فإذا هو قد دلس عن ثلاثة وأبو عبد الله مجهول وحماد لا يدري من هو وبلغه عن فرقد وفرقد لم يدرك نوفا.
الرابع: قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه.
الخامس: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم فيقولون قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم سماع قال البلقيني وهذه الخمسة كلها داخلة تحت تدليس الإسناد وذكر السادس وهو تدليس الشيوخ الآتي القسم الثاني تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف.
قال شيخ الإسلام: ويدخل أيضا في هذا القسم التسوية بأن يصف شيخ شيخه بذلك أما القسم الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء وبالغ شعبة في ذمه فقال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس وقال: التدليس أخو

 

ج / 1 ص -229-     ثم قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحا مردود الرواية وإن بين السماع والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل وما بينه فيه:
---------------------------
الكذب قال ابن الصلاح: وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير ثم قال فريق منهم من أهل الحديث والفقهاء من عرف به صار مجروحا مردود الرواية مطلقا وأن بين السماع وقال الجمهور من يقبل المرسل يقبل مطلقا حكاه الخطيب.
ونقل المصنف في شرح المهذب الاتفاق على رد ما عنعنه تبعا للبيهقي وابن عبد البر محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل لكن حكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائها ورجحه ابن حبان قال: وهذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد له خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقه مثل ثقته ثم مثل ذلك بمراسيل كبار التابعين فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي وسبقه إلى ذلك أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي وعبارة البزار من كان يدلس عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا وفي الدلائل لأبي بكر الصيرفي من ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت فعلى هذا هو قول ثالث مفصل غير التفصيل الآتي.
قال المصنف كابن الصلاح: وعزى للاكثرين منهم الشافعي وابن المديني وابن معين وآخرون والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل لا يقبل وما بين فيه

 

ج / 1 ص -230-     كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير كقتادة والسفيانين وغيرهم وهذا الحكم جار فيمن دلس مرة وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى وأما الثاني فكراهته أخف وسببها توعير طريق معرفته وتختلف الحال في كراهته بحسب غرضه لكون المغير اسمه ضعيفا
---------------------------
كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول يحتج به وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير كقتادة والسفيانين وغيرهم كعبد الرزاق والوليد بن مسلم لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام وهذا الحكم جار كما نص عليه الشافعي فيمن دلس مرة واحدة وما كان في الصحيحين وشبههما من الكتب الصحيحة عن المدلسين بعن فمحمول على ثبوت السماع له من جهة أخرى وإنما اختار صاحب الصحيح طريق العنعنة على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطه دون تلك وفصل بعضهم تفصيلا آخر فقال إن كان الحامل له على التدليس تغطية الضعيف فجرح لأن ذلك حرام وغش وإلا فلا وأما القسم الثاني فكراهته أخف من الأول وسببها توعير طريق معرفته على السامع كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن ابي عبد الله يريد ابا بكر بن ابي داود السجستاني وفيه تضييع للمروي عنه والمروي أيضا لأنه قد لا يفطن له فيحكم عليه بالجهالة وتختلف الحال في كراهته بحسب غرضه فإن كان لكون المغير اسمه ضعيفا فيدلسه حتى لا يظهر روايته عن الضعفاء فهو شر هذا القسم والأصح أنه ليس بجرح وجزم ابن الصباغ في العدة بأن من فعل ذلك لكون شيخه غير ثقة عند الناس

 

ج / 1 ص -231-     أو صغيرا أو متأخر الوفاة أو سمع منه كثيرا فامتنع من تكراره على صورة ويسمح الخطيب وغيره بهذا.
---------------------------
فغيره ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة لجواز أن يعرف غيره من جرحه مالا يعرفه هو وقال الآمدي: إن فعله لضعفه فجرح أو لضعف نسبه أو لاختلافهم في قبول روايته فلا وقال ابن السمعاني: إن كان بحيث لو سئل عنه لم يبينه فجرح وإلا فلا ومنع بعضهم إطلاق اسم التدليس على هذا روى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع قال: قلت لأبي عامر: كان الثوري يدلس قال لا قلت أليس إذا دخل كورة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل قال: حدثني رجل وإذا عرف الرجل بالاسم كناه وإذا عرف بالكنية سماه. قال: هذا تزيين ليس بتدليس أو لكونه صغيرا في السن أو متأخر الوفاة حتى شاركه من هو دونه فالأمر فيه سهل أو سمع منه كثيرا فامتنع من تكراره على صورة واحدة إبهاما لكثرة الشيوخ أو تفننا في العبارة فسهل أيضا و قد يسمح الخطيب وغيره من الرواة المصنفين بهذا.
تنبيه:
من أقسام التدليس ما هو عكس هذا وهو إعطاء شخص اسم آخر مشهور تشبيها ذكره ابن السبكي في جمع الجوامع قال: كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ يعني الذهبي تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك يعني به الحاكم وكذا إبهام اللقى والرحلة كحدثنا من وراء النهر يوهم أنه جيحون ويريد نهر عيسى ببغداد أو الجيزة بمصر وليس ذلك بجرح قطعا لأن ذلك من المعاريض لا من الكذب قاله الآمدي في الأحكام وابن دقيق العيد في الاقتراح

 

ج / 1 ص -232-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
فائدة:
قال الحاكم: أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي وخراسان والجبال وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان وما وراء النهر: لا نعلم أحدا من أئمتهم دلسوا، قال: وأكثر المحدثين تدليسا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة، قال: وأما أهل بغداد فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي فهو أول من أحدث التدليس بها ومن دلس من أهلها إنما تبعه في ذلك وقد افرد الخطيب كتابا في أسماء المدلسين ثم ابن عساكر.
فائدة: استدل على أن التدليس غير حرام بما أخرجه ابن عدي عن البراء قال لم يكن فينا فارس يوم بدر إلا المقداد قال ابن عساكر قوله فينا يعني المسلمين لأن البراء لم يشهد بدرا.

النوع الثالث عشر: الشاذ: هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز: ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره قال الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث.
--------------------------
النوع الثالث عشر: الشاذ وهو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي الثقة ما لا يروي غيره هو من تتمه كلام الشافعي قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: والذي عليه حفاظ الحديث

 

ج / 1 ص -233-     أن الشاذ ما ليس له إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به وقال الحاكم: هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع.
--------------------------
أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان منه عن غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به فجعل الشاذ مطلق التفرد لا مع اعتبار المخالفة وقال الحاكم هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة قال: ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك فجعل الشاذ تفرد الثقة فهو أخص من قول الخليلي.
قال شيخ الإسلام: وبقي من كلام الحاكم: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على هذا، قال: وهذا القيد لا بد منه، قال: وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة قال: وهذا على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة قلت: ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في المستدرك من طريق عبيد بن غنام النخعي عن علي بن حكيم عن شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى وقال صحيح الإسناد ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال: إسناده صحيح ولكنه شاذ بمرة.

 

ج / 1 ص -234-     وما ذكرناه مشكل بإفراد العدل الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح فالصحيح التفصيل فإن كان بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط،
---------------------------
قال المصنف: كابن الصلاح وما ذكرناه أي الخليلي والحاكم مشكل فإنه ينتقض بأفراد العدل الضابط الحافظ كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم علقمة عنه ثم محمد ابن إبراهيم عن علقمة ثم عنه عن يحيى بن سعيد و كحديث النهي عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر وغير ذلك من الأحاديث الافراد مما أخرج في الصحيح كحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري فكل هذه مخرجة في الصحيح مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وقد قال مسلم للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد.
قال ابن الصلاح: فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه وحينئذ فالصحيح التفصيل فإن كان الثقة بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط عبارة ابن الصلاح: لما

 

ج / 1 ص -235-     كان شاذا مردودا وإن لم يخالف الراوي فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا،
---------------------------
رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وعبارة شيخ الإسلام لمن هو أرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات كان ما انفرد به شاذا مردودا.
قال شيخ الإسلام: ومقاب يقال له: المحفوظ، قال: مثاله: ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه الحديث وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس. قال أبو حاتم المحفوظ: حديث ابن عيينة.
قال شيخ الإسلام: فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه قال: وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه قال: وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح ومن أمثلته في المتن ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن ابي صالح عن أبي هريرة مرفوعا إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه قال البيهقي: خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا فإن الناس إنما رووه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ وإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرا لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا

 

ج / 1 ص -236-     وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا والحاصل أن الشاذ المردود هو الفرد المخالف الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده.
------------------------
وإن لم يوثق بضبطه و لكن لم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا وإن بعد من ذلك كان شاذا منكرا مردودا والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده وهو بهذا التفسير يجامع المنكر وسيأتي ما فيه.
تنبيه:
ما تقدم من الاعتراض على الخليلي والحاكم بإفراد الصحيح أورد عليه أمران:
أحدهما: أنهما إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الضابط الحافظ لما بينهما من الفرق وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فشمل الحافظ وغيره.
والثاني: أن حديث النية لم ينفرد به عمر بل رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري كما ذكره الدارقطني وغيره بل ذكر أبو القاسم بن منده أنه رواه سبعة عشر أخر من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعتبة بن عبد السلمى وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعتبة بن عامر وأبو ذر الغفاري وعتبة بن الندر وعتبة بن مسلم وزاد غيره أبا الدرداء وسهل بن سعد والنواس بن سمعان وأبا موسى الأشعري وصهيب بن سنان وأبا أمامة الباهلي وزيد بن ثابت

 

ج / 1 ص -237-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
ورافع بن خديج وصفوان بن أمية وغزية بن الحرث أو الحرث بن غزية وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيي وذكر ابن منده انه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد وعن محمد غير يحيى وأن حديث النهي عن بيع الولاء رواه غير ابن دينار فأخرجه الترمذي في العلل المفرد حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وأخرجه ابن عدي في الكامل حدثنا عصمة البخاري حدثنا إبراهيم بن فهد ثنا مسلم عن محمد بن دينار عن يونس يعني ابن عبيد عن نافع عن ابن عمر وأجيب بأن حديث الأعمال لم يصح له طريق غيرحديث عمر ولم يرد بلفظ حديث عمر إلا من حديث أبي سعيد وعلي وأنس وأبي هريرة فأما حديث أبي سعيد فقد صرحوا بتغليط ابن أبي راود الذي رواه عن مالك وممن وهمه فيه الدارقطني وغيره وحديث علي في أربعين علوية بإسناد من أهل البيت فيه من لا يعرف وحديث أنس ورواه ابن عساكر في أول أماليه من رواية يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أنس وقال غريب جدا والمحفوظ حديث عمر وحديث أبي هريرة رواه الرشيد العطار في جزء له بسند ضعيف وسائر أحاديث الصحابة المذكورين إنما هي في مطلق النية كحديث يبعثون على نياتهم وحديث ليس له من غزاته إلا ما نوى ونحو ذلك وهكذا يفعل الترمذي في الجامع حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب.
قال العراقي: وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن

 

ج / 1 ص -238-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
من سمي من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه وليس كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ولم يصح من طريق غير عمر إلا الطريق المتقدمه، قال البزار في مسنده: لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث محمد ولا عن محمد إلا من حديث يحيى وأما حديث النهي فقال الترمذي في الجامع والعلل: أخطأ فيه يحيى بن سليم وعبد الله بن دينار تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر وقال ابن عدي عقب ما أورده: لم أسمعه إلا من عصمة عن إبراهيم بن فهد وإبراهيم مظلم الأمر له مناكير نعم حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه عن الزهري ابن أخي الزهري رواها البزار في مسنده وأبو أويس بن أبي عامر رواها ابن عدي في الكامل وابن سعد في الطبقات ومعمر رواها ابن عدي والأوزاعي نبه عليها المزي في الأطراف وعن ابن العربي أن له ثلاثة عشر طريق غير طريق مالك.
وقال شيخ الإسلام: قد جمعت الإشارة طرقه فوصلت إلى سبعة عشر.