تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ط الكتب الحديثة

النوع الثالث والعشرون: صفة من تقبل روايته وما يتعلق به،
---------------------------
النوع الثالث والعشرون: صفة من تقبل روايته ومن ترد وما يتعلق به

 

ج / 1 ص -300-     وفيه مسائل:
إحداها: أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه أنه يشترط فيه أن يكون عدلا ضابطا بأن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من اسباب الفسق وخوارم المروءة
------------------------
من الجرح والتعديل وفيه مسائل: إحداها: أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيه أي من يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه وفسر العدل بأن يكون مسلما بالغا عاقلا فلا يقبل كافر ومجنون مطبق بالإجماع ومن تقطع جنونه وأثر في زمن إفاقته وإن لم يؤثر قبل قاله ابن السمعاني ولا صغير على الأصح وقيل يقبل المميز إن لم يجرب عليه الكذب سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة على ما حرر في الشهادات من كتب الفقه وتخالفها في عدم اشتراط الحرية والذكورة ، قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وقال: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وفي الحديث: "لا تأخذوا العلم إلا ممن تقبلون شهادته ". رواه البيهقي في المدخل من حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا.
وروى أيضا من طريق الشعبي عن ابن عمر عن عمر قال: " كان يأمرنا أن لا نأخذ إلا عن ثقة ".
وروى الشافعي وغيره عن يحيى بن سعيد قال: سألت ابنا لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئا. فقيل له: إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمامي هدى تسأل عن أمر ليس عندك فيه علم. فقال: أعظم والله من ذلك عند الله وعند عن عرف الله وعند من عقل عن الله أن أقول بما ليس لي فيه علم أو خبر عن غير ثقة.

 

 

ج / 1 ص -301-     متيقظا حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث منه عالما بما يحيل المعنى إن روى به.
الثانية: تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بها كفى فيها كمالك والسفيانين والأوزاعي والشافعي وأحمد وأشباههم
------------------------
قال الشافعي: وقال سعيد بن إبراهيم: لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات. أسنده مسلم في مقدمة الصحيح. وأسند عن ابن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم وروى البيهقي عن النخعي قال: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله ثم يأخذون عنه وفسر الضبط بأن يكون متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه من التبديل والتغيير إن حدث منه ويشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعنى إن روى به.
الثانية: تثبت العدالة للراوي بتنصيص عالمين عليها وعبارة ابن الصلاح معدلين وعدل عنه لما سيأتي: أن التعديل إنما يقبل من عالم أو بالاستفاضة والشهرة فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من أهل الحديث أو غيرهم وشاع الثناء عليه بها كفى فيها أي في عدالته ولا يحتاج مع ذلك إلى معدل ينص عليها كمالك والسفيانين والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأشباههم.
قال ابن الصلاح: هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في أصول الفقه وممن ذكره من أهل الحديث و الخطيب. ومثله بمن ذكر وضم

 

ج / 1 ص -302-     وتوسع ابن عبد البر فيه فقال كل حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه وقوله هذا غير مرضي.
--------------------------
إليهم الليث وشعبة وابن المبارك ووكيعا وابن معين وابن المديني ومن جرى مجرآهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره وقد سئل ابن حنبل عن إسحق بن رآهويه فقال مثل إسحق يسأل عنه وسئل ابن معين عن أبي عبيد فقال مثلى يسأل عن أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضى وكان أمرهما مشكلا ملتبسا ومجوزا فيهما العدالة وغيرها قال: والدليل على ذلك أن العلم بظهور سيرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة وتوسع الحافظ أبو عمر ابن عبد البر فيه فقال: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه ووافقه على ذلك ابن المواق من المتأخرين لقوله صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " رواه من طريق العقيلي من رواية معان بن رفاعة السلامي عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرفوعا.
وقوله: هذا غير مرضي والحديث من الطريق الذي أورده مرسل أو معضل وإبراهيم هو الذي أرسله قال فيه ابن القطان: لا نعرفه

 

ج / 1 ص -303-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
البتة ومعان أيضا ضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن حبان وابن عدي والجوزجاني نعم وثقة ابن المديني وأحمد وفي كتاب العلل للخلال أن أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له: كأنه موضوع فقال: لا، هو صحيح، فقيل له: ممن سمعته ؟ فقال: من غير واحد قيل: من هم ؟ قال: حدثني به مسكين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن ومعان لا بأس به. انتهى .
قال ابن القطان: وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره قال العراقي وقد ورد هذا الحديث متصلا من رواية علي وابن عمر وابن عمرو وجابر بن سمرة وأبي امامة وأبي هريرة وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء وليس فيها شيء يقوي المرسل .
قال ابن عدي: ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن إبراهيم العذري ثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة فلم يبق له محمل إلا على الأمر ومعناه أنه أمر للثقات بحمل العلم لأن العلم إنما يقبل عنهم والدليل على ذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم ليحمل هذا العلم بلام الأمر.
وذكر ابن الصلاح في فوائد رحلته أن بعضهم ضبطه بضم الياء وفتح الميم مبنيا للمفعول ورفع العلم وفتح العين واللام من عدوله وآخره تاء فوقية فعولة بمعنى فاعل أي كامل في عدالته أي إن الخلف هو العدولة والمعنى

 

ج / 1 ص -304-     الثالثة: يعرف ضبطه بموافقته الثقات المتقنين غالبا ولا تضر مخالفته النادرة وإن كثرت اختل ضبطه ولم يحتج به.
----------------------
إن هذا العلم يحمل اي يؤخذ عن كل خلف عدل فهو أمر بأخذ العلم عن العدول والمعروف في ضبطه فتح ياء يحمل مبنيا للفاعل ونصب العلم مفعوله والفاعل عدوله جمع عدل.
الثالثة: يعرف ضبطه أي الراوي بموافقة الثقات المتقنين الضابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم فإن وافقهم في روايتهم غالبا ولو من حيث المعنى فضابط ولا تضر مخالفته لهم النادرة فإن كثرت مخالفته لهم وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج به في حديثه.
فائدة:
ذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في الأطراف أن الوهم تارة يكون في الحفظ وتارة يكون في القول وتارة في الكتابة، قال: وقد روى مسلم حديث لا تسبوا أصحابي عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وأبي كريب ثلاثتهم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ووهم عليهم في ذلك إنما رووه عن أبي معاوية عن الأعمش عن ابي صالح عن أبي سعيد كذلك

 

ج / 1 ص -305-     الرابعة: يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور ولا يقبل الجرح إلا مبين السبب.
-----------------------
رواه عنهم الناس كما رواه ابن ماجه عن أبي كريب أحد شيوخ مسلم فيه قال والدليل على أن ذلك وقع منه في حال كتابته لا في حفظه أنه ذكر أولا حديث أبي معاوية ثم ثنى بحديث جرير وذكر المتن وبقية الإسناد ثم ثلث بحديث وكيع ثم ربع بحديث شعبة ولم يذكر المتن ولا بقية الإسناد عنهما بل قال عن الأعمش بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثهما فلولا أن إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما جمعهما في الحوالة عليهما.
الرابعة: يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور، لأن أسبابه كثيرة فيثقل ويشق ذكرها لأن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول لم يفعل كذا لم يرتكب كذا فعل كذا وكذا فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه وذلك شاق جدا ولا يقبل الجرح إلا مبين السبب لأنه يحصل بأمر واحد ولا يشق ذكره و لأن الناس مختلفون في أسباب الجرح فيطلق أحدهم الجرح بناء على ما اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر فلا بد من بيان سببه لينظر هل هو قادح أو لا ؟
قال ابن الصلاح: وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله وذكر الخطيب أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث كالشيخين وغيرهما.
ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة وعمرو ابن مرزوق واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم.
وهكذا فعل أبو داود وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه ويدل على ذلك أيضا أنه ربما استفسر الجارح فذكر

 

ج / 1 ص -306-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
ما ليس بجرح وقد عقد الخطيب لذلك بابا روى فيه عن محمد بن جعفر المدائني قال: قيل لشعبة: لم تركت حديث فلان ؟ قال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه. وروى مسلم بن إبراهيم أنه سئل عن حديث صالح المري فقال: وما تصنع بصالح ؟ ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد.
وروي عن وهيب بن جرير قال: قال شعبة: أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت صوت الطنبور فرجعت فقيل له: فهلا سألت عنه إذ لا يعلم هو ؟.
وروينا عن شعبة قال: قلت للحكم بن عتيبة: لم لم ترو عن زاذان ؟ قال: كان كثير الكلام وأشباه ذلك.
قال الصيرفي: وكذا إذا قالوا: فلان كذاب لا بد من بيانه لأن الكذب يحتمل الغلط كقوله: كذب أبو محمد ولما صحح ابن الصلاح هذا القول أورد على نفسه سؤالا فقال: ولقائل أن يقول: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء وهذا حديث ضعيف أو حديث غير ثابت ونحو ذلك واشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.

 

ج / 1 ص -307-     وأما كتب الجرح والتعديل التي لا يذكر فيها سبب الجرح ففائدتها التوقف فيمن جرحوه فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة
--------------------------
ثم أجاب عن ذلك بما ذكره المصنف في قوله وأما كتب الجرح والتعديل التي لا يذكر فيها سبب الجرح فإنا وإن لم نعتمدها في إثبات الجرح والحكم به ففائدتها التوقف فيمن جرحوه عن قبول حديثه لما أوقع ذلك عندنا من الريبة القوية فيهم فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة كما تقدمت الإشارة إليه.
ومقابل الصحيح أقوال:
أحدها: قبول الجرح غير مفسر ولا يقبل التعديل إلا بذكر سببه لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها فيبنى المعدل على الظاهر نقله إمام الحرمين والغزالي والرازي في المحصول.
الثاني: لا يقبلان إلا مفسرين حكاه الخطيب والأصوليون لأنه كما قد يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك يوثق المعدل بما لا يقتضي العدالة كما روى يعقوب الفسوي في تاريخه قال: سمعت إنسانا يقول لأحمد ابن يونس: عبد الله العمري ضعيف قال: إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته وهيئته لعرفت أنه ثقة فاستدل على ثقته بما ليس بحجة لأن الحسن الهيئة يشترك فيه العدل وغيره.

 

ج / 1 ص -308-     الخامسة: الصحيح أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد وقيل لا بد من اثنين.
---------------------------
الثالث: لا يجب ذكر السيب في واحد منهما إذا كان الجارح والمعدل عالمين بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك بصيرا مرضيا في اعتقاده وأفعاله وهذا اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازي والخطيب وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي والبلقيني في محاسن الاصطلاح.
واختار شيخ الإسلام تفصيلا حسنا فإن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان إلا مفسرا لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي. وهم أيقظ الناس فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح. وإن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف. لأنه إذا لم يعدل فهو حيز المجهول وإعمال قول المجرح فيه أولى من إهماله.
وقال الذهبي - وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال - :لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة انتهى ولهذا كان مذهب النسائي. أن لا يترك حديث الرجل حتى يجمعوا على تركه.
الخامسة: الصحيح أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر. فلم يشترط في جرح راويه وتعديله لأن التزكية بمنزلة الحكم وهو أيضا لا يشترط فيه العدد وقيل لا بد من اثنين كما في الشهادة. وقد

 

ج / 1 ص -309-     وإذا اجتمع فيه جرح وتعديل فالجرح مقدم
-------------------
تقدم الفرق قال شيخ الإسلام ولو قيل يفصل بين ما إذا كانت التزكية مسندة من المزكى إلى اجتهاده أو إلى النقل عن غيره لكان متجها لأنه إن كان الأول فلا يشترط العدد أصلا لأنه بمنزلة الحكم وإن كان الثاني فيجري فيه الخلاف ويتبين أيضا أنه لا يشترط العدد لأن اصل النقل لا يشترط فيه فكذا ما تفرع منه انتهى.
وليس لهذا التفصيل الذي ذكره فائدة إلا نفي الخلاف في القسم الأول وشمل الواحد العبد والمرأة وسيذكره المصنف من زوائده.
وإذا اجتمع فيه أي الراوي جرح مفسر وتعديل فالجرح مقدم ولو زاد عدد المعدل هذا هو الأصح عند الفقهاء والأصوليين ونقله الخطيب عن جمهور العلماء لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عنه وقيد الفقهاء ذلك بما إذا لم يقل المعدل عرفت السبب الذي ذكره الجارح ولكنه تاب وحسنت حاله فإنه حينئذ يقدم المعدل.
قال البلقيني: ويأتي ذلك أيضا هنا إلا في الكذب كما سيأتي وقيده ابن دقيق العيد بأن يبنى على أمر مجزوم به لا بطريق اجتهادي كما اصطلح عليه أهل الحديث في الاعتماد في الجرح على اعتبار حديث الراوي بحديث غيره والنظر إلى كثرة الموافقة والمخالفة ورد بأن أهل الحديث لم يعتمدوا ذلك في معرفة

 

ج / 1 ص -310-     وقيل: إن زاد المعدلون قدم التعديل وإذا قال حدثني الثقة أو نحوه لم يكتف به على الصحيح
----------------------
الضبط والنقل، واستثنى أيضا ما إذا عين سببا فنفاه المعدل بطريق معتبر كأن قال قتل غلاما ظلما يوم كذا فقال المعدل رأيته حيا بعد ذلك أو كان القاتل في ذلك الوقت عندي فإنهما يتعارضان وتقييد الجرح بكونه مفسرا جار على ما صححه المصنف وغيره كما صرح به ابن دقيق العيد وغيره.
وقيل: إن زاد المعدلون في العدد على المجرحين قدم التعديل لأن كثرتهم تقوي حالهم وتوجب العمل بخبرهم وقلة المجرحين تضعف خبرهم قال الخطيب: وهذا خطأ وبعد ممن توهمه لأن المعدلين وإن كثروا لم يخبروا عن عدم ما أخبر به الجارحون ولو أخبروا بذلك لكانت شهادة باطلة على نفي وقيل يرجح بالأحفظ حكاه البلقيني في محاسن الاصطلاح وقيل يتعارضان فلا يترجح أحدهما إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب وغير عن ابن شعبان من المالكية.
قال العراقي: وكلام الخطيب يقتضي نفي هذا القول فإنه قال اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى ففي هذه الصورة حكاية الإجماع على تقديم الجرح خلاف ما حكاه ابن الحاجب.
وإذا قال: حدثني الثقة، أو نحوه من غير أن يسميه لم يكتف به في التعديل على الصحيح حتى يسمية لأنه وإن كان ثقة عنده فربما لو سماه

 

ج / 1 ص -311-     وقيل: يكتفي فإن كان القائل عالما كفي في حق موافقه في المذهب عند بعض المحققين
----------------------
لكان ممن جرحه بجرح قادح بل إضرابه عن تسميته ريبة توقع ترددا في القلب بل زاد الخطيب أنه لو صرح بأن كل شيوخه ثقات ثم روى عمن لم يسمه لم يعمل بتزكيته لجواز أن يعرف إذا ذكره بغير العدالة.
وقيل: يكتفي بذلك مطلقا كما لو عينه لأنه مأمون في الحالتين معا فإن كان القائل عالما أي مجتهدا كمالك والشافعي وكثيرا ما يفعلان ذلك كفى في حق مواقفه في المذهب لا غيره عند بعض المحققين.
قال ابن الصباغ: لأنه لم يورد ذلك احتجاجا بالخبر على غيره بل يذكر لأصحابه قيام الحجة عنده على الحكم وقد عرف هو من روى عنه ذلك، واختاره إمام الحرمين ورجحه الرافعي في شرح المسند وفرضه في صدور ذلك من أهل التعديل، وقيل: لا يكفي أيضا حتى يقول كل من أروى لكم عنه ولم أسمه فهو عدل.
قال الخطيب: وقد يوجد في بعض من أتهموه الضعف لخفاء حاله كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق.
فائدتان:
الأولى:
لو قال نحو الشافعي أخبرني من لا أتهم فهو كقوله أخبرني الثقة وقال الذهبي ليس بتوثيق لأنه نفي للتهمة وليس فيه تعرض لإتقانه ولا لأنه حجة.

 

ج / 1 ص -312-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
قال ابن السبكي: وهذا صحيح غير أن هذا إذا وقع من الشافعي على مسألة دينية فهي والتوثيق سواء في أصل الحجة وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الذهبي فمن ثم خالفناه في مثل الشافعي أما من ليس مثله فالأمر كما قال. انتهى.
قال الزركشي: والعجب من اقتصاره على نقله عن الذهبي مع أن طوائف من فحول أصحابنا صرحوا به منهم السيرافي والماوردي والروياني.
الثانية: قال ابن عبد البر: إذا قال مالك عن الثقة عن بكير بن عبد الله الأشج، فالثقة مخرمة بن بكير وإذا قال عن الثقة عن عمرو بن شعيب فهو عبد الله بن وهب وقيل الزهري، وقال النسائي: الذي يقول مالك في كتابه الثقة عن بكير يشبه أن يكون عمرو بن الحارث وقال غيره: قال ابن وهب: كل ما في كتاب مالك أخبرني من لا أتهم من أهل العلم فهو الليث بن سعد.
وقال أبو الحسن الآبري: سمعت بعض أهل الحديث يقول: إذا قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذؤيب فهو ابن أبي فديك وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير فهو أبو أسامة وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الأوزاعي فهو عمرو ابن أبي سلمة وإذا قال: أخبرنا الثقة عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد وإذا قال: أخبرنا الثقة عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن يحيى. انتهى.
ونقله غيره عن أبي حاتم الرازي.

 

ج / 1 ص -313-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
وقال شيخ الإسلام ابن حجر في رجال الأربعة: إذا قال مالك: عن الثقة عن عمرو ابن شعيب فقيل: هو عمرو بن الحارث أو ابن لهيعة وعن الثقة عن بكير بن الأشج قيل: هو مخرمة بن بكير وعن الثقة عن ابن عمر هو نافع كما في موطأ ابن القاسم وإذا قال الشافعي: عن الثقة عن ليث بن سعد قال الربيع: هو يحيى ابن حسان وعن الثقة عن أسامة بن زيد هو إبراهيم بن يحيى وعن الثقة عن حميد هو ابن علية وعن الثقة عن معمر هو مطرف بن مازن وعن الثقة عن الوليد بن كثير هو أبو أسامة وعن الثقة عن يحيى بن أبي كثير لعله ابنه عبد الله ابن يحيى وعن الثقة عن يونس بن عبيد عن الحسن هو ابن علية وعن الثقة عن الزهري هو سفيان بن عيينة. انتهى.
وروينا في مسند الشافعي عن الأصم قال: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي إذا قال: أخبرني من لا أتهم يريد به إبراهيم بن يحيى وإذا قال: أخبرني الثقة يريد به يحيى بن حسان وقد روى الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله بن الحرث عن مالك بن أنس عن يزيد بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة قال: الحافظ أبو الفضل الفلكي الرجل الذي لم يسم الشافعي هو أحمد بن حنبل وفي تاريخ ابن عساكر قال عبد الله بن أحمد: كل شيء في كتاب

 

ج / 1 ص -314-     وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين وهو الصحيح وقيل هو تعديل.
------------------------
الشافعي أخبرنا الثقة عن أبي.
وقال شيخ الإسلام: يوجد في كلام الشافعي أخبرني الثقة عن يحيى بن أبي كثير والشافعي لم يأخذ عن أحد ممن ادرك يحيى بن أبي كثير فيحتمل أنه أراد بسنده عن يحيى قال وذكر عبد الله بن أحمد أن الشافعي إذا قال أخبرنا الثقة وذكر أحدا من العراقيين فهو يعني أباه.
وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين من أهل الحديث وغيرهم وهو الصحيح لجواز رواية العدل عن غير العدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله وقد روينا عن الشعبي أنه قال حدثنا الحرث وأشهد بالله أنه كان كذابا.
وروى الحاكم وغيره عن أحمد بن حنبل أنه رأى يحيى بن معين وهو يكتب صحيفة معمر عن ابان عن أنس فإذا اطلع عليه إنسان كتمه فقال له أحمد تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة ؟ فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه ؟ فقال: يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة فأحفظها كلها وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس فأقول له: كذبت إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت وقيل: هو تعديل إذ لو علم فيه جرحا لذكره ولو لم يذكره لكان غاشا في الدين قال الصيرفي: وهذا خطأ لأن الرواية تعريف له والعدالة بالخبرة وأجاب الخطيب بأنه قد لا يعرف عدالته ولا جرحه وقيل: إن كان العدل

 

ج / 1 ص -315-     وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته ولا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته .
---------------------------
الذي روى عنه لا يروي إلا عن عدل كانت روايته تعديلا وإلا فلا واختاره الأصوليون كالآمدي وابن الحاجب وغيرهما.
وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما منه بصحته ولا بتعديل رواته لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر وصحح الآمدي وغيره من الأصوليين أنه حكم بذلك.
وقال إمام الحرمين: إن لم يكن في مسالك الاحتياط وفرق ابن تيمية بين أن يعمل به في الترغيب وغيره ولا مخالفته له قدح منه في صحته ولا في رواته لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره وقد روى مالك حديث الخيار ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه ولم يكن ذلك قدحا في نافع راويه.
وقال ابن كثير: في القسم الأول نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث وتعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه أو استشهد به عند العمل بمقتضاه.
قال العراقي: والجواب أنه يلزم من كون ذلك الباب ليس في غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس أو إجماع ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر

 

ج / 1 ص -316-     السادسة: رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا لا تقبل عند الجماهير ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن يحتج بها بعض من رد الأول وهو قول بعض الشافعيين قال الشيخ:
--------------------------
جميع أدلته بل ولا بعضها ولعل له دليلا آخر وأستأنس بالحديث الوارد في الباب وربما كان يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم.
تنبيه:
مما لا يدل على صحة الحديث أيضا كما ذكره أهل الأصول موافقة الإجماع له على الأصح لجواز أن يكون المستند غيره وقيل يدل وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله، وقال الزيدية: يدل وافتراق العلماء بين متأول للحديث ومحتج به قال ابن السمعاني وقوم يدل لتضمنه تلقيهم له بالقبول وأجيب باحتمال أنه تأوله على تقدير صحته فرضا لا على ثبوتها عنده.
السادسة: رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه لا تقبل عند الجماهير وقيل: تقبل مطلقا وقيل: إن كان من روى عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل وإلا فلا ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن أي مجهول العدالة باطنا يحتج بها بعض من رد الأول وهو قول بعض الشافعيين كسليم الرازي، قال: لأن الإخبار مبني على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر بخلاف الشهادة فإنها تكون عند الحكام فلا يتعذر عليهم ذلك قال الشيخ:

 

ج / 1 ص -317-    
يشبهه أن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذرت خبرتهم باطنا وأما مجهول العين فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة ثم من روى عنه عدلان عيناه ارتفعت جهالة عينه قال الخطيب المجهول ثم أهل الحديث من العلماء ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد وأقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين.
-----------------------
ابن الصلاح ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذرت خبرتهم باطنا وكذا صححه المصنف في شرح المهذب.
وأما مجهول العين وهو القسم الثالث من أقسام المجهول: فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة ورده هو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم وقيل: يقبل مطلقا وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيدا على الإسلام وقيل: إن تفرد بالرواية عنه من لا يروى إلا عن عدل كابن مهدي ويحيى بن سعيد واكتفينا في التعديل بواحد قبل وإلا فلا.
وقيل: إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد أو النجدة قبل وإلا فلا واختاره ابن عبد البر. وقيل: إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا واختاره أبو الحسن بن القطان وصححه شيخ الإسلام ثم من روى عنه عدلان عيناه ارتفعت جهالة عينه قال الخطيب: في الكفاية وغيرها المجهول عند أهل الحديث من لم تعرفه العلماء ولم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد وأقل ما يرفع الجهالة عنه رواية اثنين مشهورين فأكثر

 

ج / 1 ص -318-     ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث ونحوه قال الشيخ ردا على الخطيب: وقد روى البخاري عن مرداس الأسلمي ومسلم عن ربيعة ابن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد والخلاف في ذلك متجه كالاكتفاء بتعديل واحد والصواب نقل الخطيب ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهوران والصحابة كلهم عدول.
---------------------------
عنه وإن لم يثبت له بذلك حكم العدالة ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث نحوه ولفظه كما نقله ابن الصلاح في النوع السابع والأربعين: كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار مالك بن دينار بالزهد وعمرو بن معد يكرب بالنجدة قال الشيخ ابن الصلاح ردا على الخطيب في ذلك وقد روى البخاري في صحيحه عن مرداس بن مالك الأسلمي و مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد وهو قيس بن أبي حازم عن الأول وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن الثاني وذلك مصير منهما إلى أن الراوي يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه قال والخلاف في ذلك متجه كالاكتفاء بتعديل واحد قال المصنف ردا على ابن الصلاح والصواب نقل الخطيب وقد نقله أيضا أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي وغيره ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهوران والصحابة كلهم عدول فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعدد الرواة قال العراقي هذا الذي قاله النووي متجه إذا ثبتت الصحبة ولكن بقي الكلام في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أو لا تثبت إلا برواية اثنين عنه وهو محل نظر واختلاف

 

ج / 1 ص -319-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
بين أهل العلم والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو في من وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد ومرداس من أهل الشجرة أن وربيعة من أهل الصفة فلا يضرهما انفراد راو واحد عن كل منهما على ذلك ليس بصواب بالنسبة إلى ربيعة فقد روى عنه أيضا نعيم المجمر وحنظلة بن علي وأبو عمران الجوني قال: وذكر المزي والذهبي أن مرداسا روى عنه أيضا زياد بن علاقة وهو وهم إنما ذاك مرداس بن عروة صحابي آخر كما ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان وابن منده وابن عبد البر والطبراني وابن قانع وغيرهم ولا أعلم في خلافا.
تنبيه:
قال العراقي: إذا مشينا على ما قاله النووي أن هذا لا يؤثر في الصحابة ورد عليه من خرج له البخاري أو مسلم من غيرهم ولم يرو عنهم إلا واحد قال: وقد جمعتهم في جزء منفرد منهم عند البخاري جويرية بن قدامة تفرد عنه أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي وزيد بن رباح المدني تفرد عنه مالك والوليد ابن عبد الرحمن الجارودي تفرد عنه ابن المنذر وعند مسلم جابر بن إسماعيل الحضرمي تفرد عنه عامر بن سعد.
قال شيخ الإسلام: أما جويرية فالأرجح أنه جارية عم الأحنف صرح بذلك بن أبي شيبة في مصنفه وجارية بن قدامة صحابي شهير روى عنه الأحنف ابن قيس والحسن البصري وأما زيد بن رباح فقال فيه أبو حاتم: ما أرى

 

ج / 1 ص -320-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
بحديثه بأسا وقال الدارقطني وغيره ثقة وقال ابن عبد البر ثقة مأمون وذكره ابن حبان في الثقات فانتفت عنه الجهالة بتوثيق هؤلاء وأما الوليد فوثقه أيضا الدارقطني وابن حبان وأما جابر فوثقه ابن حبان وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه وقال إنه ممن يحتج به وأما خباب فذكره جماعة في الصحابة.
فائدتان:
الأولى: جهل جماعة من الحفاظ قوما من الرواة لعدم علمهم بهم وهم معروفون بالعدالة عند غيرهم وأنا أسرد ما في الصحيحين: من ذلك أحمد ابن عاصم البلخي جهله أبو حاتم لأنه لم يخبر بحاله ووثقه ابن حبان وقال روى عنه أهل بلده. إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي جهله ابن القطان وعرفه غيره فوثقه ابن حبان وروى عنه جماعة أسامة بن حفص المدني جهله الساجي وأبو القاسم اللالكائي.
قال الذهبي: ليس بمجهول روى عنه أربعة أسباط أبو اليسع جهله أبو حاتم وعرفه البخاري بيان بن عمر وجهله أبو حاتم ووثقه ابن المديني وابن حبان وابن عدي وروى عنه البخاري وأبو زرعة وعبد الله ابن واصل الحسين بن الحسن بن يسار جهله أبو حاتم ووثقه أحمد وغيره الحكم ابن عبد الله البصري جهله أبو حاتم ووثقه الذهلي وروى عنه اربعة ثقات عباس بن الحسين القنطري جهله أبو حاتم ووثقه أحمد وابنه وروى عنه البخاري والحسن بن علي المعمري وموسى بن هرون الحمال وغيرهم محمد بن الحكم المروزي جهله أبو حاتم ووثقه ابن حبان وروى عنه البخاري.

 

ج / 1 ص -321-     فرع:
يقبل تعديل العبد والمرأة العارفين ومن عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه احتج به .
------------------------
الثانية: قال الذهبي في الميزان: ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها وجميع من ضعف منهن إنما هو للجهالة.
فرع:
في مسائل زادها المصنف على ابن الصلاح يقبل تعديل العبد والمرأة العارفين لقبول خبرهما وبذلك جزم الخطيب في الكفاية والرازي والقاضي أبو بكر بعد أن حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه لا يقبل في التعديل النساء لا في الرواية ولا في الشهادة واستدل الخطيب على القبول بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم بريرة عن عائشة في قصة الإفك قال بخلاف الصبي المرآهق فلا يقبل تعديله إجماعا ومن عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه ونسبه احتج به وفي الصحيحين من ذلك كثير كقولهم ابن فلان أو والد فلان وقد جزم بذلك الخطيب في الكفاية ونقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني وعلله بأن الجهل باسمه لا يخل بالعلم بعدالته. ومثله بحديث ثمامة بن حزن القشيري سألت عائشة عن النبيذ فقالت: هذه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجارية حبشية فسلها الحديث

 

ج / 1 ص -322-     وإذا قال أخبرني فلان أو فلان وهما عدلان احتج به فإن جهل عدالة أحدهما أو قال فلان أو غيره لم يحتج به.
---------------------------
وإذا قال أخبرني فلان أو فلان على الشك وهما عدلان احتج به لأنه قد عينهما وتحقق سماعه بذلك الحديث من أحدهما وكلاهما مقبول قاله الخطيب ومثله بحديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الزغراء أو عن زيد بن وهب أن سويد بن غفلة دخل علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين إني مررت بقوم يذكرون أبا بكر وعمر الحديث فإن جهل عدالة أحدهما أو قال فلان أو غيره ولم يسمه لم يحتج به لاحتمال أن يكون المخبر المجهول.
فائدة:
وقع في صحيح مسلم أحاديث أبهم بعض رجالها كقوله في كتاب الصلاة حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكريا عن الأعمش وهذا في رواية ابن ماهان أما رواية الجلودي ففيها حدثنا محمد بن بكار حدثنا إسماعيل وفيه أيضا وحدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب فذكر حديث أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن سهل بن عسكر عن يحيى بن حسان ومحمد بن سهل من شيوخ مسلم في صحيحه ورواه البزار عن أبي الحسن بن مسكين وهو ثقة عن يحيى بن حسان وفي الجنائز حدثني من سمع حجاجا الأعور بحديث خروجه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وقد رواه عن واحد منهم الإمام أحمد بن يوسف بن سعيد المصيصي وعنه أخرجه النسائي ووثقه وفي الجوائح واحد من أصحابنا قالوا حدثنا إسماعيل بن أبي أويس بحديث عائشة في الصوم وقد رواه

 

ج / 1 ص -323-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-----------------------
البخاري عن إسماعيل فهو أحد شيوخ مسلم فيه وفي الاحتكار: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون ثنا خالد بن عبد الله وقد أخرجه أبو داود عن وهب ابن بقية عن خالد ووهب من شيوخ مسلم في صحيحه وفي المناقب: حدثت عن أبي أسامة وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أسامة بحديث أبي موسى: " إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها " الحديث وقد رواه عن إبراهيم الجوهري عن أبي أسامة جماعة منهم أبو بكر البزار ومحمد ابن المسيب الأرغياني وأحمد بن فيل البالسي ورواه عن الأرغياني ابن خزيمة وإبراهيم المزكي وأبو أحمد الجلودي وغيرهم وفي القدر: حدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم بحديث أبي سعيد لتركبن سنن من قبلكم وقد وصله إبراهيم بن سفيان عن محمد بن يحيى عن ابن أبي مريم وأخرج في الجنائز حديث الزهري: حدثني رجال عن أبي هريرة بمثل حديث من شهد الجنازة وقد وصله قبل ذلك من حديث الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة ومن حديثه عن سعيد بن المسيب عنه وأخرج في الجهاد حديث الزهري قال: بلغني عن ابن عمر: نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وقد وصله قبل ذلك عن الزهري عن سالم عن أبيه ومن طريق نافع عن ابن عمر وأخرج فيه حديث هشام عن أبيه قال أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 

ج / 1 ص -324-    
السابعة: من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق ومن لم يكفر قيل لا يحتج به مطلقا
--------------------------
لقد حكمت فيهم بحكم الله وقد وصله من رواية أبي سعيد وأخرج في الصلاة حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة في السهو وفي آخره قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال وسلم والقائل ذلك ابن سيرين عن أبي هريرة كما رجحه الدارقطني وقد وصل لفظ السلام من طرق أبي المهلب عن عمران في حديث آخر وأخرج في اللعان حديث ابن شهاب: بلغنا أن أبا هريرة كان يحدث الحديث إن امرأتي ولدت غلاما أسود وهو متصل عنده من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعنده وعند البخاري من حديث ابن المسيب عنه فهذا ما وقع فيه من هذا النوع وقد تبين اتصاله.
السابعة: من كفر ببدعته وهو كما في شرح المهذب للمصنف: المجسم ومنكر علم الجزئيات قيل: وقائل خلق القرآن فقد نص عليه الشافعي واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص القرد لما أفتى بضرب عنقه وهذا راد للتأويل لم يحتج به بالاتفاق قيل دعوى الاتفاق ممنوعة فقد قيل: إنه يقبل مطلقا، وقيل: يقبل إن اعتقد حرمة الكذب وصححه صاحب المحصول.
وقال شيخ الإسلام: التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفتها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف والمعتمد أن الذي ترد بدعته روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه وأما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله ومن لم يكفر فيه خلاف قيل لا يحتج به مطلقا ونسبه الخطيب لمالك لأن في

 

ج / 1 ص -325-     وقيل: يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه وحكى عن الشافعي وقيل يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إن كان داعية وهذا هو الأظهر الأعدل وقول الكثير أو الأكثر وضعف الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة .
--------------------------
الرواية عنه ترويجا لأمره وتنويها لذكره ولأنه فاسق ببدعته وإن كان متأولا يرد كالفاسق بلا تأويل كما استوى الكافر المتأول وغيره وقيل يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية أم لا ولا يقبل إن استحل ذلك وحكى هذا القول عن الشافعي حكاه عنه الخطيب في الكفاية لأنه قال: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم قال: وحكى هذا أيضا عن ابن أبي ليلى والثوري والقاضي أبي يوسف وقيل يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إن كان داعيته إليها لأن تزيين بدعته قد تحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه وهذا القول هو الأظهر الأعدل وقول الكثير أو الأكثر من العلماء وضعف القول الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة كعمران بن حطان وداود بن الحصين.
قال الحاكم: وكتاب مسلم ملآن من الشيعة وقد ادعى ابن حبان الاتفاق على رد الداعية وقبول غيره بلا تفصيل.
تنبيهات:
الأول:
قيد جماعة قبول الداعية بما إذا لم يرو وما يقوي بدعته. صرح بذلك الحافظ أبو إسحق الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي. فقال: في كتابه معرفة

 

ج / 1 ص -326-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
الرجال: ومنهم زائغ عن الحق أي عن السنة صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته وبه جزم شيخ الإسلام في النخبة وقال في شرحها ما قاله الجوزجاني متجه لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان الظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية.
الثاني: قال العراقي اعترض عليه بأن الشيخين أيضا احتجا بالدعاة فاحتج البخاري بعمران بن حطان وهو من الدعاة واحتجا بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية إلى الإرجاء وأجاب بأن أبا داود قال ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج قال: ولم يحتج مسلم بعبد الحميد بل أخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين.
الثالث: الصواب أنه لا يقبل رواية الرافضة وسباب السلف كما ذكره المصنف في الروضة في باب القضاء في مسائل الإفتاء وإن سكت في باب الشهادات عن التصريح باستثنائهم إحالة على ما تقدم لأن سباب المسلم فسوق فالصحابة والسلف من باب أولى وقد صرح بذلك الذهبي في الميزان فقال البدعة على ضربين صغرى كالتشيع بلا غلو أو بغلو كمن تكلم في حق من حارب عليا فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والغلو فيه والحط على أبي بكر

 

ج / 1 ص -327-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
وعمر والدعاء إلى ذلك ن فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة وأيضا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم انتهى وهذا الذي قاله هو الصواب الذي لا يحل لمسلم أن يعتقد خلافه وقال في موضع آخر اختلف الناس في الاحتجاج برواية الرافضة على ثلاثة أقوال: المنع مطلقا والترخص مطلقا إلا من يكذب ويضع والثالث: التفصيل بين العارف بما يحدث وغيره، وقال أشهب: سئل مالك عن الرافضة فقال: لا تكلموهم ولا ترووا عنهم. وقال الشافعي: لم أر أشهد بالزور من الرافضة. وقال يزيد بن هارون: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة وقال شريك احمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة وقال ابن المبارك: لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف.
الرابع: من الملحق بالمبتدع من دأبه الاشتغال بعلوم الأوائل كالفلسفة والمنطق صرح بذلك السلفي في معجم السفر والحافظ أبو عبد الله بن رشيد في رحلته فإن انضم إلى ذلك اعتقاده بما في علم الفلسفة من قدم العالم ونحوه فكافر أو لما فيها مما ورد الشرع بخلافه وأقام الدليل الفاسد على طريقتهم فلا نأمن ميله إليهم وقد صرح بالحط على من ذكر وعدم قبول روايتهم وأقوالهم ابن الصلاح في فتاويه والمصنف في طبقاته وخلائق من الشافعية وابن عبد البر وغيره من المالكية خصوصا أهل المغرب والحافظ سراج الدين القزويني وغيره من الحنفية وابن تيمية وغيره من الحنابلة والذهبي لهج بذلك في جميع تصانيفه.

 

ج / 1 ص -328-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
فائدة:
أردت أن أسرد هنا من رمي ببدعته ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما وهم: إبراهيم بن هطمان أيوب بن عائذ الطائي ذر بن عبد الله المرهبي شبابة بن سوار عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواد عثمان بن غياث البصري عمر بن ذر عمر بن مرة محمد بن حازم أبو معاوية الضرير ورقاء بن عمر اليشكري يحيى بن صالح الوحاظي يونس بن بكير هؤلاء رموا بالإرجاء وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار إسحق بن سويد العدوي بهز بن أسد حريز بن عثمان حصين بن نمير الواسطي خالد بن سلمة الفأفاء عبد الله بن سالم الأشعري قيس بن أبي حازم هؤلاء رموا بالنصب وهو بغض علي رضي الله عنه وتقديم غيره عليه إسماعيل بن إبان إسماعيل بن زكريا الخلقاني جرير ابن عبد الحميد أبان بن تغلب الكوفي خالد بن مخلد الفطواني سعيد بن فيروز ابو البختري سعيد بن أشوع سعيد بن عفير عباد بن العوام عباد بن يعقوب عبد الله بن عيسى ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى عبد الرزاق بن همام عبد الملك بن أعين عبيد الله بن موسى العبسي عدي بن ثابت الأنصاري على بن الجعد علي بن هاشم بن البريد الفضل بن دكين فضيل بن مرزوق الكوفي فطر بن خليفة محمد بن جحادة الكوفي محمد ابن فضيل بن غزوان مالك بن إسماعيل أبو غسان يحيى بن الخراز هؤلاء رموا بالتشيع وهو تقديم علي على الصحابة ثور بن زيد المدني ثور بن يزيد الحمصي حسان بن عطية المحاربي الحسن بن ذكوان داود بن الحصين زكريا بن إسحق سالم بن عجلان سلام بن مسكين سيف بن

 

ج / 1 ص -329-     الثامنة: تقبل رواية التائب من الفسق إلا الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقبل أبدا وإن حسنت طريقته كذا قاله أحمد بن حنبل والحميدي شيخ البخاري والصيرفي الشافعي قال الصيرفي
---------------------------
سليمان المكي شبل بن عباد شريك بن أبي نمر صالح بن كيسان عبد الله بن عمرو أبو معمر عبد الله بن أبي لبيد عبد الله بن أبي نجيح عبد الأعلى بن عبد الأعلى عبد الرحمن بن إسحق المدني عبد الوارث بن سعيد الثوري عطاء بن أبي ميمونة العلاء بن الحارث عمرو بن زائدة عمران بن مسلم القصير عمير بن هانئ عوف الأعرابي كهمس بن المنهال محمد بن سواء البصري هرون بن موسى الأعور النحوي هشام الدستوائي وهب بن منبه يحيى بن حمزة الحضرمي هؤلاء رموا بالقدر وهو زعم أن الشر من خلق العبد بشر بن السرى رمى برأي أبي جهم وهو نفي صفات الله تعالى والقول بخلق القرآن عكرمة مولى ابن عباس الوليد بن كثير هؤلاء الحرورية وهم الخوارج الذين أنكروا على علي التحكيم وتبرؤا منه ومن عثمان وذويه وقاتلوهم علي بن هشام رمي بالوقف وهو أن لا يقول القرآن مخلوق مخلوق عمران بن حطان من القعدية الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك فهؤلاء المبتدعة ممن أخرج لهم الشيخان أو أحدهما.
الثامنة: تقبل رواية التائب من الفسق ومن الكذب في غير الحديث النبوي كشهادته للآيات والأحاديث الدالة على ذلك إلا الكذب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقبل رواية التائب منه أبدا وإن حسنت طريقته كذا قاله أحمد بن حنبل و أبو بكر الحميدي شيخ البخاري و أبو بكر الصيرفي الشافعي بل قال الصيرفي: زيادة على ذلك في شرح الرسالة

 

ج / 1 ص -330-     كل من أسقطنا خبره بكذب لم نعد لقبوله بتوبة ومن ضعفناه لم نقوه بعده بخلاف الشهادة وقال السمعاني من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه قلت هذا كله مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا ولا نقوي الفرق بينه وبين الشهادة .
---------------------------
كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفناه لم نقوه بعده بخلاف الشهادة قال المصنف: ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا عليه وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة وقال أبو المظفر السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه قال ابن الصلاح: وهذا يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي قال المصنف قلت: هذا كله مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا ولا نقوى الفرق بينه وبين الشهادة وكذا قال في شرح مسلم: المختار القطع بصحة توبته وقبول روايته كشهادته كالكافر إذا أسلم وأنا أقول إن كانت الإشارة في قوله هذا كله لقول أحمد والصيرفي والسمعاني فلا والله ما هو بمخالف ولا بعيد والحق ما قاله الإمام أحمد تغليظا وزجرا وإن كانت لقول الصيرفي بناء على أن قوله يكذب عام في الكذب في الحديث وغيره فقد أجاب عنه العراقي بأن مراد الصيرفي ما قاله أحمد أي في الحديث لا مطلقا بدليل قوله من أهل النقل وتقييده بالمحدث في قوله أيضا في شرح الرسالة وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول ولا يقبل خبره يعد ذلك. انتهى.

 

ج / 1 ص -331-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
وقوله ومن ضعفناه أي بالكذب فانتظم مع قول أحمد وقد وجدت في الفقه فرعين يشهدان لما قاله الصيرفي والسمعاني فذكروا في باب اللعان أن الزاني إذا تاب وحسنت توبته لا يعود محصنا ولا يحد قاذفه بعد ذلك لبقاء ثلمة عرضه فهذا نظير أن الكاذب لا يقبل خبره أبدا وذكروا أنه لو قذف ثم زنى بعد القذف قبل أن يحد القاذف لم يحد لأن الله تعالى أجرى العادة أنه لا يفضح أحدا من أول مرة فالظاهر تقدم زناه قبل ذلك فلم يحد له القاذف وكذلك نقول فيمن تبين كذبه الظاهر تكرر ذلك منه حتى ظهر لنا ولم يتعين لنا ذلك فيما روى من حديثه فوجب إسقاط الكل وهذا واضح بلا شك ولم ار أحدا لما حررته ولله الحمد.
فائدة:
من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية والشهادة وقد خاض فيه المتأخرون وغاية ما فرقوا به الاختلاف في بعض الأحكام كاشتراط العدد وغيره وذلك لا يوجب تخالفا في الحقيقة.
قال القرافي: أقمت مدة أطلب الفرق بينهما حتى ظفرت به في كلام المازري فقال الرواية: هي الإخبار عن عام

 

ج / 1 ص -332-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
لا ترافع فيه إلى الحكام وخلافه الشهادة وأما الأحكام التي يفترقان فيها فكثيرة لم أر من تعرض لجمعها وأنا أذكر منها ما تيسر:.
الأول: العدد: لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة وقذ ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك أمورا أحدها أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف شهادة الزور الثاني أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد الثالث أن بين كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم.
الثاني: لا تشترط الذكورية فيها مطلقا بخلاف الشهادة في بعض المواضع.
الثالث: لا تشترط الحرية فيها بخلاف الشهادة مطلقا.
الرابع: لا يشترط فيها البلوغ في قول.
الخامس: تقبل شهادة المبتدع إلا الخطابية ولو كان داعية ولا تقبل رواية الداعية ولا غيره إن روى موافقه.
السادس: تقبل شهادة التائب من الكذب دون روايته.
السابع: من كذب في حديث واحد رد جميع حديثه السابق بخلاف من تبين شهادته للزور في مرة لا ينقض ما شهد به قبل ذلك.

 

ج / 1 ص -333-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
الثامن: لا تقبل شهادة من جرت شهادته إلى نفسه نفعا أو دفعت عنه ضررا وتقبل ممن روى ذلك.
التاسع: لا تقبل الشهادة لأصل وفرع ورقيق بخلاف الرواية.
العاشر والحادي عشر والثاني عشر: الشهادة إنما تصح بدعوى سابقة وطلب لها وعند حاكم بخلاف الرواية في الكل.
الثالث عشر: للعالم الحكم بعلمه في التعديل والتجريح قطعا مطلقا بخلاف الشهادة فإن فيها ثلاثة أقوال: أصحها التفصيل بين حدود الله تعالى وغيرها.
الرابع عشر: يثبت الجرح والتعديل في الرواية بواحد دون الشهادة على الأصح.
الخامس عشر: الأصح في الرواية قبول الجرح والتعديل غير مفسر من العالم ولا يقبل الجرح في الشهادة إلا مفسرا.
السادس عشر: يجوز أخذ الأجرة على الرواية بخلاف أداء الشهادة إلا إذا احتاج إلى مركوب.
السابع عشر: الحكم بالشهادة تعديل بل قال الغزالي اقوى منه بالقول بخلاف عمل العالم أو فتياه بموافقة المروي على الأصح.
الثامن عشر: لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا عند تعسر الأصل بموت أو غيبة أو نحوها بخلاف الرواية.
التاسع عشر: إذا روى شيئا ثم رجع عنه سقط ولا يعمل به بخلاف الرجوع عن الشهادة بعد الحكم.

 

ج / 1 ص -334-     التاسعة: إذا روى حديثا ثم نفاه المسمع فالمختار أنه إن كان جازما بنفيه بأن قال ما رويته ونحوه وجب رده ولا يقدح في باقي روايات الراوي عنه.
------------------------
العشرون: إذا شهدا بموجب قتل ثم رجعا وقالا تعمدنا لزمهما القصاص ولو اشكلت حادثة على حاكم فتوقف فروى شخص خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها وقتل الحاكم به رجلا ثم رجع الرواي وقال كذبت وتعمدت ففي فتاوى البغوي ينبغي أن يجب القصاص كالشاهد إذا رجع قال الرافعي: والذي ذكره القفال في الفتاوى والإمام أنه لا قصاص بخلاف الشهادة فإنها تتعلق بالحادثة والخبر لا يختص بها.
الحادي والعشرون: إذا شهد دون أربعة بالزنا حدوا للقذف في الأظهر ولا تقبل شهادتهم قبل التوبة وفي قبول روايتهم وجهان المشهور منهما القبول ذكره الماوردي في الحاوي ونقله عنه ابن الرفعة في الكفاية والأسنوي في الألغاز.
التاسعة: إذا روى ثقة عن ثقة حديثا ثم نفاه المسمع لما روجع فيه فالمختار ثم المتأخرين انه إن كان جازما بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب علي ونحوه وجب رده لتعارض قولهما مع أن الجاحد هو الأصل و لكن لا يقدح ذلك في باقي روايات الراوي عنه ولا يثبت به جرحه لأنه أيضا مكذب لشيخه في نفيه لذلك وليس قبول جرح كل منهما أولى من الآخر فتساقطا فإن عاد الأصل وحدث به أو حدث فرع آخر ثقة عنه ولم يكذبه فهو مقبول صرح به القاضي أبو بكر والخطيب وغيرهما ومقابل المختار في الأول عدم رد المروي واختاره السمعاني وعزاه الشاشي للشافعي وحكى الهندي

 

ج / 1 ص -335-     فإن قال: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحوه لم يقدح فيه ومن روى حديثا ثم نسيه جاز العمل به على الصحيح وهو قول الجمهور من الطوائف خلافا لبعض الحنفية
-------------------------
الإجماع عليه وجزم الماوردي والروياني بأن ذلك لا يقدح في صحة الحديث إلا أنه لا يجوز للفرع أن يرويه عن الأصل فحصل ثلاثة أقوال.
وثم قول رابع: أنهما يتعارضان ويرجح أحدهما بطريقه وصار إليه إمام الحرمين.
ومن شواهد القبول ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير قال عمرو بن دينار: ثم ذكرته لأبي معبد فقال لم أحدثك قال عمرو قد حدثتنيه قال الشافعي كأنه نسيه بعد ما حدثه إياه والحديث أخرجه البخاري من حديث ابن عيينة.
فإن قال: الأصل لا أعرفه أو لا أذكره أو نحوه مما يقتضي جواز نسيانه لم يقدح فيه ولا يرد بذلك ومن روى حديثا ثم نسيه جاز العمل به على الصحيح وهو قول الجمهور من الطوائف أهل الحديث والفقه والكلام خلافا لبعض الحنفية في قولهم بإسقاطه بذلك ومنكرا عليه رد حديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه.

 

ج / 1 ص -336-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
قال عبد العزيز: وقد كان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه ورواه أبو داود أيضا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة قال سليمان فلقيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فقال ما أعرفه فقلت له إن ربيعة أخبرني به عنك قال فإن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني.
فإن قيل: إن كان الراوي معرضا للسهو والنسيان فالفرع أيضا كذلك فينبغي أن يسقطا.
أجيب بأن الراوي ليس بناف وقوعه ذاكر والفرع جازم مثبت فقدم عليه.
قال ابن الصلاح: وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا بها وكان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان بكذا وصنف في ذلك الخطيب أخبار من حدث ونسي وكذلك الدارقطني من ذلك: ما رواه الخطيب من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن أنس قال: حدثني ابناي عني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره أن يجعل فص الخاتم مما سواه وروى من طريق بشر بن الوليد ثنا محمد بن طلحة حدثني روح أني حدثته بحديث عن زبيد عن مرة عن عبد الله أنه قال: إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم ومن طريق الترمذي صاحب الجامع حدثنا محمد بن حميد حدثنا جرير قال حدثنيه علي بن مجاهد عني وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن ومن طريق إبراهيم بن بشار ثنا سفيان بن عيينة حدثني وكيع أني حدثته عن

 

ج / 1 ص -337-     ولا يخالف هذا كرآهة الشافعي وغيره الرواية عن الأحياء.
العاشرة: من أخذ على التحديث أجرا لا تقبل روايته عند أحمد وإسحاق وأبي حاتم وتقبل عند ابي نعيم الفضل وعلي بن عبد العزيز وآخرين وأفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي بجوازها لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التحديث.
--------------------------
عمرو بن دينار عن عكرمة من صياصيهم قال: من حصونهم ولا يخالف هذا كرآهية الشافعي وغيره كشعبة ومعمر الرواية عن الأحياء لأنهم إنما كرهوا ذلك لأن الإنسان معرض للنسيان فيبادر إلى جحود ما روي عنه وتكذيب الراوي له وقيل إنما كره ذلك لاحتمال أن يغير المروى عنه عن الثقة والعدالة بطارئ يطرأ عليه يقتضي رد حديثه المتقدم.
قال العراقي: وهذا حدس وظن غير موافق لما اراده الشافعي وقد بين الشافعي مراده بذلك كما رواه البيهقي في المدخل بإسناده إليه أنه قال: لا تحدث عن حي فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان قاله لابن عبد الحكم حين روى الشافعي حكاية فأنكرها ثم ذكرها.
العاشرة: من أخذ على التحديث أجرا لا تقبل عند أحمد بن حنبل وإسحاق بن رآهويه وأبي حاتم الرازي وتقبل عند أبي نعيم الفضل ابن دكين شيخ البخاري وعلي بن عبد العزيز البغوي وآخرين ترخصا وأفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أبا الحسين بن النقور بجوازها لأنه من امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التحديث ويشهد له جواز أخذ

 

ج / 1 ص -338-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
الوصي الأجرة من مال اليتيم إذا كان فقيرا أو اشتغل بحفظه عن الكسب من غير رجوع عليه لظاهر القرآن.
فائدة:
هذا أول موضع وقع فيه ذكر إسحاق بن رآهويه وقد سئل لم قيل له ابن راهويه ؟ فقال: إن أبي ولد في الطريق فقالت المراوزة: راهويه: يعني أنه ولد في الطريق وفي فوائد رحلة ابن رشيد: مذهب النحاة في هذا وفي نظائره فتح الواو وما قبلها وسكون الياء ثم هاء والمحدثون ينحون به نحو الفارسية فيقولون: هو بضم ما قبل الواو وسكونها وفتح الياء وإسكان الهاء فهي هاء على كل حال والتاء خطأ قال: وكان الحافظ أبو العلاء العطار يقول أهل الحديث لا يحبون ويه اهـ.
قال شيخ الإسلام: ولهم في ذلك سلف رويناه في كتاب معاشرة الأهلين عن أبي عمرو عن إبراهيم النخعي أن ويه اسم شيطان.
قلت: ذكر ياقوت في معجم الأدباء نحو ما ذكره ابن رشيد وقال قد صيره ابن بسام بسكون الواو وفتح الياء فقال في نفطويه:

رأيت في النوم أبي آدما        صلى عليه الله ذو الفضل

فقال أبلغ ولدي كلهم       من كان في حزن وفي سهل

 

ج / 1 ص -339-     الحادية عشرة: لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو إسماعه كمن لا يبالي بالنوم في السماع أو يحدث لا من أصل مصحح أو عرف بقبول التلقين في الحديث أو كثرة السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل أو كثرة الشواذ والمناكير في حديثه قال ابن المبارك وأحمد والحميدي وغيرهم من غلط في حديث فبين له فأصر
------------------------

بأن حواء أمهم طالق       إن كان نفطوية من نسلي

وقال المصنف في تهذيبه في ترجمة أبي عبيد بن حربويه - هو بفتح الباء الموحدة والواو وسكون الياء ثم هاء ويقال بضم الباء مع إسكان الواو وفتح الياء - ويجري هذان الوجهان في نظائره كسيبويه ونفطويه وراهويه وعمرويه فالأول مذهب النحويين وأهل الأدب والثاني مذهب المحدثين. انتهى.
الحادية عشرة: لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو إسماعه كمن لا يبالي بالنوم في السماع منه أو عليه أو يحدث لا من أصل صحيح مقابل على أصله أو أصل شيخه أو عرف بقبول التلقين في الحديث بأن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه كما وقع لموسى بن دينار ونحوه أو كثرة السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل صحيح بخلاف ما إذا حدث منه فلا عبرة بكثرة سهوه لأن الاعتماد حينئذ على الأصل لا على حفظه أو كثرة الشواذ والمناكير في حديثه قال شعبة: لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ وقيل له: من الذي تترك الرواية عنه ؟ قال: من أكثر عن المعروف من الرواية ما لا يعرف.
وأكثر الغلط قال عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهم من غلط في حديث فبين له غلطه فأصر

 

ج / 1 ص -340-     على روايته سقطت رواياته وهذا صحيح إن ظهر أنه أصر عنادا أو نحوه.
الثانية عشرة: أعرض الناس هذه الأزمان عن اعتبار مجموع الشروط المذكورة لكون المقصود إبقاء سلسلة الإسناد المختص بالأمة فليعتبر ما يليق بالمقصود وهو كون الشيخ مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بفسق أو سخف ويضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق.
--------------------------
على روايته لذلك الحديث ولم يرجع سقطت رواياته كلها ولم يكتب عنه قال ابن الصلاح وفي هذا نظر قال وهذا صحيح إن ظهر أنه أصر عنادا أو نحوه وكذا قال ابن حبان: قال ابن مهدي لشعبة: من الذي تترك الرواية عنه ؟ قال: إذا تمارى في غلط مجمع عليه ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه قال العراقي: وقيد ذلك بعض المتأخرين بأن يكون المبين عالما عند المبين له وإلا فلا حرج إذا .
الثانية عشرة: أعرض الناس في هذه الأزمان المتأخرة عن اعتبار مجموع هذه الشروط المذكورة في رواية الحديث ومشايخه لتعذر الوفاء بها على ما شرط لكون المقصود الآن صار إبقاء سلسلة الإسناد المختص بالأمة المحمدية والمحاذرة من انقطاع سلسلتها فليعتبر من الشروط ما يليق بالمقصود المذكور على تجرده وليكتف بما يذكر وهو كون الشيخ مسلما بالغا غير متظاهر بفسق أو سخف يخل بمروءته لتحقق عدالته و يكتفي بضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط ثقة غير متهم وبروايته من أصل صحيح موافق

 

ج / 1 ص -341-     لأصل شيخه. وقد قال نحو ما ذكرناه الحافظ أبو بكر البيهقي.
الثالثة عشرة: في ألفاظ الجرح والتعديل وقد رتبها ابن أبي حاتم
--------------------------
لأصل شيخه وقد قال نحو ما ذكرناه الحافظ أبو بكر البيهقي وعبارته: توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كسبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث.
قال: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم وكذا قال السلفي في جزء له في شرط القراءة، وقال الذهبي في الميزان: ليس العمدة في زماننا على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين قال ثم من المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره.اهـ.
وفي هذا المعنى قال ابن معوذ:

تروى الأحاديث عن كل مسامحة         وإنهما لمعانيها معانيها

الثالثة عشرة: في ألفاظ الجرح والتعديل وقد رتبها ابن أبي حاتم في مقدمة

ج / 1 ص -342-     فأحسن. فألفاظ التعديل مراتب: أعلاها: ثقة أو متقن أو ثبت أو حجة أو عدل حافظ أو ضابط
-------------------------
كتابه الجرح والتعديل وفصل طبقات ألفاظهم فيها فأحسن وأجاد فألفاظ التعديل مراتب ذكرها المصنف كابن الصلاح تبعا لابن أبي حاتم أربعة وجعلها الذهبي والعراقي خمسة وشيخ الإسلام ستة أعلاها بحسب ما ذكره المصنف ثقة أو متقن أو ثبت أو حجة أو عدل حافظ أو عدل ضابط.
وأما المرتبة التي زادها الذهبي والعراقي فإنها أعلى من هذه وهو: ما كرر فيه أحد هذه الألفاظ المذكورة إما بعينه كثقة ثقة أو لا كثقة ثبت أو ثقة حجة أو ثقة حافظ والرتبة التي زادها شيخ الإسلام أعلى

 

ج / 1 ص -343-     الثانية: صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به قال ابن أبي حاتم هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية وهو كما قال لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط فيعتبر حديثه على ما تقدم وعن يحيى بن معين
--------------------------
من مرتبة التكرير. وهي: الوصف بأفعل كأوثق الناس وأثبت الناس أو نحوه كإليه المنتهى في التثبت قلت ومنه لا أحد أثبت منه ومن مثل فلان وفلان لا يسأل عنه ولم أر من ذكر هذه الثلاثة وهي في ألفاظهم فالمرتبة التي ذكرها المصنف أعلى هي ثالثة في الحقيقة الثانية من المراتب وهي رابعة بحسب ما ذكرناه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به زاد العراقي: أو مأمون أو خيار أو ليس به بأس قال ابن أبي حاتم من قيل فيه ذلك هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية قال ابن الصلاح وهو كما قال لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط فيعتبر حديثه بموافقة الضابطين على ما تقدم في أوائل هذا النوع وعن يحيى بن معين أنه قال:

 

ج / 1 ص -344-     إذا قلت لا بأس به فهو ثقة ولا يقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن .
---------------------------
لأبي خيثمة وقد قال له إنك تقول فلان ليس به بأس فلان ضعيف إذا قلت لك لا بأس به فهو ثقة وإذا قلت لك هو ضعيف فليس هو ثقة لا يكتب حديثه فأشعر باستواء اللفظين.
قال ابن الصلاح: وهذا ليس في حكاية عن غيره من أهل الحديث بل نسبه إلى نفسه خاصة ولا يقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن.
قال العراقي: ولم يقل ابن معين إن قولي ليس به بأس كقولي ثقة حتى يلزم منه التسوية إنما قال إن من قال فيه هذا فهو ثقة وللثقة مراتب فالتعبير بثقة أرفع بلا بأس به وإن اشتركا في مطلق الثقة ويدل على ذلك أن ابن مهدي قال حدثنا أبو خلدة فقيل له: أكان ثقة ؟ فقال: كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا الثقة شعبة وسفيان وحكى المرزوي قال: سألت ابن حنبل عبد الوهاب بن عطاء ثقة ؟ قال لا تدري ما الثقة إنما الثقة يحيى بن سعيد القطان.
تنبيه:
جعل الذهبي قولهم محله الصدق مؤخرا عن قولهم صدوق إلى المرتبة التي

 

ج / 1 ص -345-     الثالثة: شيخ فيكتب وينظر.
الرابعة: صالح الحديث يكتب للاعتبار وأما ألفاظ الجرح فمراتب.
-------------------------
العراقي لأن صدوقا مبالغة في الصدق بخلاف محله الصدق فإنه دال على أن صاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق.
الثالثة: من المراتب وهي خامسة بحسب ما ذكرنا شيخ قال ابن أبي حاتم فيكتب حديثه وينظر فيه وزاد العراقي في هذه المرتبة مع قولهم محله الصدق إلى الصدق ما هو شيخ وسط مكرر جيد الحديث حسن الحديث وزاد شيخ الإسلام صدوق سيء الحفظ صدوق يهم صدوق له أوهام صدوق تغيير بآخره قال: ويلحق بذلك من رمي بنوع بدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم.
الرابعة: وهي سادسة بحسب ما ذكرنا صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار وينظر فيه وزاد العراقي فيها صدوق إن شاء الله أرجو أن لا بأس به صويلح وزاد شيخ الإسلام مقبول.
وأما ألفاظ الجرح فمراتب أيضا: أدناها ما قرب من التعديل فإذا قالوا: لين الحديث كتب

 

ج / 1 ص -346-     فإذا قالوا: لين الحديث كتب حديثه وينظر اعتبارا وقال الدارقطني إذا قلت لين الحديث لم يكن ساقطا ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة.
وقولهم: ليس بقوي يكتب حديثه. وهو دون لين وإذا قالوا: ضعيف الحديث فدون ليس بقوي ولا يطرح بل يعتبر به. وإذا قالوا: متروك الحديث أو واهيه أو كذاب فهو ساقط لا يكتب حديثه،
-------------------------
حديثه وينظر فيه اعتبارا وقال الدارقطني لما قال له حمزة بن يوسف السهمي إذا قلت فلان لين أيش تريد إذا قلت لين الحديث لم يكن ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة ومن هذه المرتبة ما ذكره العراقي: فيه لين فيه مقال ضعف تعرف وتنكر وليس بذاك ليس بالمتين ليس بحجة ليس بعمدة ليس بمرضى للضعف ما هو فيه خلف تكلموا فيه مطعون فيه سيء الحفظ .
وقولهم: ليس بقوي يكتب أيضا حديثه للاعتبار وهو دون لين فهي أشد في الضعف وإذا قالوا ضعيف الحديث فدون ليس بقوي ولا يطرح بل يعتبر به أيضا وهذه مرتبة ثالثة ومن هذه المرتبة فيما ذكره العراقي ضعيف فقط منكر الحديث حديثه منكر واه ضعفوه وإذا قالوا: متروك الحديث أو واهية أو كذاب فهو ساقط لا يكتب حديثه ولا يعتبر به

 

ج / 1 ص -347-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
ولا يستشهد إلا أن هاتين مرتبتان وقبلهما مرتبة أخرى لا يعتبر بحديثها أيضا وقد أوضح ذلك العراقي فالمرتبة التي قبل وهي الرابعة رد حديثه ردوا حديثه مردود الحديث ضعيف جدا واه بمرة طرحوا حديثه مطرح مطرح الحديث ارم به ليس بشيء لا يساوي شيئا ويليها متروك الحديث متروك تركوه ذاهب ذاهب الحديث ساقط هالك فيه نظر سكتوا عنه لا يعتبر به لا يعتبر بحديثه ليس بالثقة ليس بثقة غير ثقة ولا ومأمون متهم بالكذب أو بالوضع ويليها كذاب يكذب دجال وضاع يضع وضع حديثا.

 

ج / 1 ص -348-     ومن ألفاظهم: فلان روى عنه الناس وسط مقارب الحديث مضطرب لا يحتج به مجهول لا شيء ليس بذاك ليس بذاك القوي فيه أو في حديثه ضعف ما أعلم به بأسا ويستدل على معانيها بما تقدم .
-------------------------
ومن ألفاظهم في الجرح والتعديل فلان روى عنه الناس وسط مقارب الحديث وهذه الألفاظ الثلاثة من المرتبة التي يذكر فيها شيخ وهي الثالثة من مراتب التعديل فيما ذكره المصنف مضطرب لا يحتج به مجهول وهذه الألفاظ الثلاثة في المرتبة التي فيها: ضعيف الحديث وهي الثالثة من مراتب التجريح لا شيء هذه من مرتبة رد حديثه التي أهملها المصنف وهي الرابعة ليس بذلك ليس بذاك القوي فيه ضعف أو في حديثه ضعف هذه من مرتبة لين الحديث وهي الأولى ما أعلم به بأسا هذه أيضا منها أو من آخر مراتب التعديل كأرجو أن لا بأس به.
قال العراقي: وهذه أرفع في التعديل لأنه لا يلزم من عدم العلم بالبأس حصول الرجاء بذلك.
قلت: وإليه يشير صنيع المصنف ويستدل على معانيها ومراتبها بما تقدم وقد تبين ذلك

 

ج / 1 ص -349-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
تنبيهات:
الأول: البخاري يطلق فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه.
الثاني: ما تقدم من المراتب مصرح بأن العدالة تتجزا لكنه باعتبار الضبط وهل تتجزأ باعتبار الدين وجهان في الفقه ونظيره الخلاف في تجزيء لاجتهاد وهو الأصح فيه وقياسه تجزؤ الحفظ في الحديث فيكون حافظا في نوع دون نوع من الحديث وفيه نظر.
الثالث: قولهم مقارب الحديث. قال العراقي: ضبط في الأصول الصحيحة بكسر الراء وقيل: إن ابن السيد حكى فيه الفتح والكسر وأن الكسر من ألفاظ التعديل والفتح من ألفاظ التجريح قال: وليس ذلك بصحيح بل الفتح والكسر معروفان حكاهما ابن العربي في شرح الترمذي وهما على كل حال من ألفاظ التعديل وممن ذكر ذلك الذهبي قال وكأن قائل ذلك فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء وهذا من كلام العوام وليس معروفا في اللغة وإنما هو على الوجهين من قوله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا فمن كسر قال: إن معناه حديثه مقارب لحديث غيره ومن فتح قال: معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره ومادة فاعل تقتضي المشاركة انتهى وممن جزم بأن الفتح تجريح البلقيني في محاسن الاصطلاح وقال: حكى ثعلب تبر مقارب أي رديء انتهى وقولهم إلى الصدق ما هو وللضعف ما هو

 

ج / 1 ص -350-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
------------------------
معناه قريب من الصدق والضعف فحرف الجر يتعلق بقريب مقدرا وما زائدة في الكلام كما قال عياض والمصنف في حديث الجساسة عند مسلم:
" من قبل المشرق ما هو " المراد إثبات أنه في جهة المشرق ، وقولهم: واه بمرة أي قولا واحدا لا تردد فيه بالحق الباء زائدة وقولهم: تعرف وتنكر أي يأتي مرة بالمناكير ومرة بالمشاهير .