تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ط الكتب الحديثة

ج / 2 ص -4-     النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه: تقبل رواية المسلم البالغ ما تحمله قبلهما ومنع الثاني قوم فأخطؤا .
---------------------------
الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه: تقبل رواية المسلم البالغ ما تحمله قبلهما في حال الكفر والصبا ومنع الثاني أي قبول رواية ما تحمله في الصبا قوم فأخطؤا لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن والحسين وعبد الله بن الزبير وابن عباس والنعمان بن بشير والسائب بن يزيد والمسور بن مخرمة وغيرهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده .
وكذلك كان أهل العلم يحضرون الصبيان مجالس الحديث ويعتدون بروايتهم بعد البلوغ.
ومن أمثلة ما تحمل في حالة الكفر: حديث جبير بن مطعم المتفق عليه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وكان جاء في فداء اسرى بدر قبل أن يسلم. وفي رواية للبخاري: "   وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ".
ولم يجر الخلاف السابق هنا كأنه لأن الصبي لايضبط غالبا ما تحمله في صباه بخلاف الكافر نعم رأيت القطب القسطلاني في كتابه:" المنهج في علوم الحديث " أجرى الخلاف فيه وفي الفاسق أيضا.

 

ج / 2 ص -5-     قال جماعة من العلماء: يستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة وقيل بعد عشرين والصواب في هذه الأزمان التبكير به من حين يصح سماعه وبكتبه وتقييده حين يتأهل له ويختلف باختلاف الأشخاص.
ونقل القاضي عياض رحمه الله: أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع بخمس سنين وعلى هذا
---------------------------
قال جماعة من العلماء: يستحب أن يبتد ئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة وعليه أهل الشام وقيل: بعد عشرين سنة وعليه أهل الكوفة.
قيل لموسى بن إسحاق: كيف لم تكتب عن أبي نعيم ؟ فقال: كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة وقال سفيان الثوري: كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة. وقال أبو عبد الله الزبيري من الشافعية: يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل. قال: وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض أي الفقة.
والصواب في هذه الأزمان بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد التبكير به أي بالسماع من حين يصح سماعه أي الصغير وبكتبه أي الحديث وتقييده وضبطه حين يتأهل له ويستعد و ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ولا ينحصر في سن مخصوص.
ونقل القاضي عياض أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع للصغير بخمس سنين ونسبه غيره للجمهور. وقال ابن الصلاح: وعلى هذا

 

ج / 2 ص -6-     استقر العمل.
والصواب اعتبار التمييز، فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزاً صحيح السماع، وإلا فلا، وروي نحو هذا عن موسى بن هارون، وأحمد بن حنبل.
-------------------------
استقر العمل) بين أهل الحديث،فيكتبون لابن الخمس فصاعداً "سمع "وإن لم يبلغ خمساً "حضر أو أحضر "،وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري وغيره من حديث محمودبن الربيع قال:عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجه من دلو وأنا ابن خمس سنين،بوب عليه البخاري: متى يصح سماع الصغير؟
قال المصنف كابن الصلاح: والصواب اعتبار التمييز فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزا صحيح السماع وإن لم يبلغ خمس وإلا فلا وإن كان ابن خمس فأكثر، ولا يلزم من عقل محمود المجة في هذا السن أن تمييز غيره مثل تمييزه، بل قد ينقص عنه وقد يزيد، ولا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك وسنه أقل من ذلك، ولا يلزم من عقل المجة عقل غيرها مما يسمعه.
وقال القسطلاني في كتاب"المنهج": مااختاره ابن الصلاح هو التحقيق والمذهب الصحيح.
وروى نحو هذا وهو اعتبار التمييز عن موسى ابن هرون الحمال أحد الحفاظ وأحمد بن حنبل أما موسى فإنه سئل متى يسمع الصبي الحديث؟ فقال: إذا فرق بين البقرة والحمار.
وأما أحمد فإنه سئل عن ذلك فقال: إذا عقل وضبط، فذكر له عن رجل

 

ج / 2 ص -7-     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------------------
أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد البراء وابن عمر أستصغرهما يوم بدر، فأنكر قوله هذا فقال: بئس القول، فكيف يصنع بسفيان ووكيع ونحوهما، أسندهما الخطيب في الكفاية.فالقولان راجعان إلى اعتبار التمييز، وليسا بقولين في أصل المسألة، خلافا للعراقي حيث فهم ذلك فحكى فيه أربعة أقوال، وكأنه أراد حكاية القول المذكور لأحمد، وهو خمس عشرة سنة، وقد حكاه الخطيب في الكفاية عن قوم منهم يحيى بن معين، حكى عن آخرين منهم يزيد بن هرون ثلاث عشرة.ومما قيل في ضابط التمييز: أن يحسن العدد من واحد إلى عشرين، حكاه ابن الملقن، وفرق السلفي بين العربي والعجمي فقال: أكثرهم على أن العربي يصح سماعه إذا بلغ أربع سنين لحديث محمود، والعجمي إذا بلغ ست سنين.
ومما يدل على أن المرجع إلى التمييز ما ذكره الخطيب قال: سمعت القاضي أبا محمد الأصبهاني يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، وأحضرت عند أبي بكر المقري ولي أربع سنين، فأرادوا أن يسمعوا لي فيما حضرت قراءته،فقال بعضهم: إنه يصغر عن السماع، فقال لي ابن المقري:إقرأ سورة الكافرين فقرأتها، فقال: إقرأ سورة التكوير، فقرأتها فقال لي غيره إقرأ سورة المرسلات،فقرأتها ولم أغلط فيها، فقال ابن المقري: إسمعوا له والعهدة علي.

 

ج / 2 ص -8-     بيان أقسام طرق تحمل الحديث. ومجامعها ثمانية أقسام:
الأول: سماع لفظ الشيخ وهو املاء وغيره من حفظ ومن كتاب وهو ارفع الاقسام عند الجماهير.
قال القاضي عياض: لا خلاف انه يجوز في هذا للسامع ان يقول في روايته حدثنا واخبرنا وانبأنا وسمعت فلانا وقال لنا وذكر لنا قال الخطيب: أرفعها سمعت
----------------------
بيان أقسام طرق تحمل الحديث هي ترجمة ومجامعها ثمانية أقسام:
الأول: سماع لفظ الشيخ وهو املاء وغيره اي تحديث من غير املاء. وكل منهما يكون من حفظ للشيخ ومن كتاب له وهو ارفع الاقسام اي اعلى طرق التحمل عند الجماهير وسيأتي مقابله في القسم الاتي والاملاء أعلى من غيره وان استويا في اصل الرتبة قال القاضي عياض أسنده اليه ليبرأ من عهدته لا خلاف انه يجوز في هذا للسامع من الشيخ ان يقول في روايته عنه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان قال ابن الصلاح وفي هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الالفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ ان لا يطلق فيما سمع من لفظه لما فيه من الايهام والإلباس.
وقال العراقي: ما ذكره عياض وحكى عليه الاجماع متجه ولا شك انه لا يجب على السامع ان يبين هل كان السماع املاء او عرضا قال نعم اطلاق أنبأنا بعد أن اشتهر استعمالها في الاجازة يؤدي الى ان نظن بما اداه بها انه اجازة فيسقطه من لا يحتج بها فينبغي ان لا يستعمل في السماع لما حدث من ا صطلاح قال الخطيب أرفعها اي العبارات في ذلك سمعت في الاجازة

 

ج / 2 ص -9-     ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا وهو كثير في الاستعمال
--------------------------
ثم حدثنا وحدثني فانه لا يكاد احد يقول سمعت في الاجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه بخلاف حدثنا فان بعض أهل العلم كان يستعملها في الاجازة.
وروى عن الحسن أنه قال: حدثنا ابو هريرة وتأول حدث أهل المدينة والحسن بها الا انه لم يسمع منه شيئا. قال ابن الصلاح: ومنهم من اثبت له سماعا منه.
قال ابن دقيق العيد: وهذا اذا لم يقم دليل قاطع على ان الحسن لم يسمع منه لم يجز أن يصار إليه قال العراقي: قال أبو زرعة وأبو حاتم: من قال عن الحسن البصري حدثنا أبو هريرة فقد أخطأ، قال: والذي عليه العمل انه لم يسمع منه قاله غيرهما أيوب وبهز بن أسد ويونس بن عبيد والنسائي والخطيب وغيرهم.
وقال ابن القطان: ليست حدثنا بنص في أن قائلها سمع ففي صحيح مسلم في حديث الذي يقتله الدجال فيقول: أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومعلوم ان ذلك الرجل متأخر الميقات أي فيكون المراد حدث أمته وهو منهم لكن قال معمر: إنه الخضر فحينئذ لا مانع من سماعه قال الخطيب: ثم يتلو حدثنا أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتى ان جماعة لا يكادون يستعملون فينا سمو من لفظ الشيخ غيرها منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق ويزيد ابن هرون وعمرو بن عوف ويحيى بن يحيى التميمي واسحاق بن راهويه وأبو مسعود احمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم.
وقال أحمد: أخبرنا أسهل من حدثنا حدثنا شديد قال بن الصلاح:

 

ج / 2 ص -10-    وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَشِيع تَخْصِيصُ أَخْبَرَنَا بالقَرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخ. قَالَ: ثم أنْبأَنَا وَنَبأَنَا وَهُوَ قَليلٌ في الاسْتِعْمَالِ. قَالَ الشَّيخُ: حَدَّثنَا وأَخْبرَنَا أرْفَعُ مِنْ سَمِعْتُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، إذْ لَيْسَ في سَمِعْتُ دَلالَة عَلَى أَنَ الشَّيْخَ رَوَّاهُ إيَاهْ بِخَلافِهمَا.
---------------------------
وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ قال الخطيب: ثم بعد أخبرنا أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال. قال الشيخ ابن الصلاح: حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى إذ ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ وّاه بالتشديد إياه وخاطبه به بخلافهما فإن فيهما دلالة على ذلك، وقد سأل الخطيب شيخه الحافظ أبا بكر البرقاني عن السر في كونه يقول لهم فيما رواه عن أبي القاسم الأنبَدوني سمعت، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا، فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسراً في الرواية، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم، ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل، فلذلك يقول: سمعت، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا، لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده.
قال الزركشي: والصحيح التفصيل، وهو أن حدثنا أرفع إن حدثه على العموم، وسمعت إن حدثه على الخصوص، وكذا قال القسطلاني في المنهج

 

ج / 2 ص -11-   وَأَمَّا قَالَ لَنَا فُلاَنُ أَوْ ذَكَرَ لَنَا، فَكَحَدَّثَنَا. غَيْرَ أَنَهُ لائقٌ بِسَمَاعِ المُذَاكَرَةِ وَهُوَ بِهِ أَشْبَهُ مِنْ حَدثَنَا. وَأَوْضَعُ الْعِبَارَاتِ: قَالَ أَوْ ذَكَرَ مِنْ غَيْرِ لِي، أَوْ لَنَا، وَهُوَ أَيْضاً محْمُولٌ عَلَى السَّماعِ إذا عُرِفَ اللِّقَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ في نَوْعِ المُعْضَلِ، لا سيما إنْ عُرِفَ أَنَّهُ لا يَقُولَ قَالَ إلاّ فِيمَا سَمعَهُ مِنْهُ، وَخَصّ الْخَطِيبُ حَمْلَهُ عَلَى السَّمَاعِ بِهِ وَالمْعرُوفُ أَنَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
---------------------------
وأما قال لنا فلان أو قال لي أو ذكر لنا أو ذكر لي فكحدثنا في أنه متصل غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا. وأوضع العبارات قال أو ذكر من غير لي أو لنا وهو مع ذلك أيضاً محمول على السماع إذا عرف اللقاء) وسلم من التدليس على ما تقدم في نوع المعضل في الكلام على العنعنة لا سيما إن عرف من حاله أنه لا يقول: قال إلا فيما سمعه منه كحجاج بن محمد الأعور روى كتب ابن جريج عنه بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها وخص الخطيب حمله على السماع به أي من عرف منه ذلك بخلاف من لا يعرف منه ذلك فلا يحمله على السماع والمعروف أنه ليس بشرط وافرط ابن منده فقال: حيث قال البخاري: قال لنا فهو إجازة، وحيث قال: قال فلان فهو تدليس.
ورد العلماء عليه ذلك ولم يقبلوه.

 

ج / 2 ص -12-   القسم الثاني: القراءة على الشيخ ويسميها أكثر المحدثين عرضا سواء قرأت أو غيرك وأنت تسمع من كتاب أو حفظ حفظ الشيخ أم لا إذا أمسك أصله هو أو ثفة وهي رواية صحيحة
-------------------------
القسم الثاني من أقسام التحمل القراءة على الشيخ ويسميها أكثر المحدثين عرضا من حيث أن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ لكن قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: بين القراءة والعرض عموم وخصوص لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره ولا يقع العرض إلا بالقراءة لأن العرض عبارة عما يعرف به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة. انتهى.
سواء قرأت عليه بنفسك أو قرأ غيرك عليه وأنت تسمع وسواء كانت القراءة منك أو من غيرك من كتاب أو حفظ وسواء في الصور الأربع حفظ الشيخ ما قرىء عليه أم لا إذا أمسك أصله هو أو ثقة غيره كما سيأتي قال العراقي وكذا إن كان ثقة من السامعين يحفظ ما قرئ وهومستمع غير غافل فذلك كاف أيضا. قال: ولم يذكر ابن الصلاح هذه المسألة والحكم فيها متجه ولا فرق بين إمساك الثقة لأصل الشيخ وبين حفظ الثقة لما يقرأ وقد رأيت غير واحد من أهل الحديث وغيرهم اكتفى بذلك. انتهى.
وقال شيخ الإسلام: ينبغي ترجيح الإمساك في الصور كلها على الحفظ لأنه خوان وشرط الإمام أحمد في القارئ أن يكون ممن يعرف ويفهم وشرط إمام الحرمين في الشيخ أن يكون بحيث لو فرض من القارئ تحريف أو تصحيف لرده وإلا فلا يصح التحمل بها وهي أي الرواية بالقراءة بشرطها رواية صحيحة

 

ج / 2 ص -13-   بلا خلاف في جميع ذلك إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد به،
---------------------------
بلا خلاف في جميع ذلك إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد به إن ثبت عنه وهو أبو عاصم النبيل رواه الرامهرمزي عنه وروى الخطيب عن وكيع قال ما أخذت حديثا قط عرضا وعن محمد بن سلام انه أدرك مالكا والناس يقرؤون عليه فلم يسمع منه لذلك وكذلك عبد الرحمن بن سلام الجمحي لم يكتف بذلك فقال مالك أخرجوه عني وممن قال بصحتها من الصحابة فيما رواه البيهقي في المدخل أنس وابن عباس وأبو هريرة ومن التابعين ابن المسيب وأبو سلمة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وابن هرمز وعطاء ونافع وعروة والشعبي والزهري ومكحول والحسن ومنصور وأيوب ومن الأئمة ابن جريج والثوري وابن أبي ذئب وشعبة والأئمة الأربعة وابن مهدي وشريك والليث وأبو عبيد والبخاري في خلق لا يحصون كثرة.
وروى الخطيب عن إبراهيم بن سعد أنه قال: لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق العرض مثل السماع.
واستدل الحميدي عند البخاري على ذلك بحديث ضمام بن ثعلبة: لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إني سائلك فمشدد عليك ثم قال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك. الحديث في سؤاله عن شرائع الدين فلما فرغ قال: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي فلما رجع إلى قومه اجتمعوا إليه فأبلغهم فأجازوه أي قبلوه منه وأسلموا وأسند البيهقي في المدخل عن البخاري قال: قال أبو سعيد الحذاء: وعندي خبر عن النبي صلى الله

 

ج / 2 ص -14-   وَاخْتَلَفُوا في مُسَاوَاتِهَا لِلسَّمَاعِ مِنْ لَفظِ الشَّيْخِ وَرُجْحَانِهِ عَلَيْهَا وَرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ، فَحُكِيَ الأوّلُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَشْيَاخِهِ وَمُعْظَم عُلَمَاءِ الحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِم.
---------------------------
 عليه وسلم في القراءة على فقيل له: قال قصة ضمام آلله أمرك بهذا ؟ قال: نعم.
واختلفوا في مساواتها للسماع من لفظ الشيخ في المرتبة رجحانه عليها ورجحانها عليه على ثلاثة مذاهب فَحُكِيَ الأول وهو المساواة عن مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري وغيرهم وحكاه الرامهرمزي عن علي بن أبي طالب وابن عباس، ثم روى عن عليّ القراءة على العالم بمنزلة السماع منه. وعن ابن عباس قال:
« اقرأوا عليّ فإن قراءتكم عليّ كقراءتي عليكم »، رواه البيهقي في المدخل ، وحكاه أبو بكر الصيرفي عن الشافعي، قلت: وعندي أن هؤلاء إنما ذكروا المساواة في صحة الأخذ بها ردًّا على من كان أنكرها لا في اتحاد المرتبة. أسند الخطيب في الكفاية من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكاً وسئل عن الكتب التي تعرض عليه، أيقول الرجل حدثني ؟ قال: نعم، كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول: أقرأني فلان. وأسند الحاكم في علوم الحديث عن مطرف قال: سمعت مالكاً يأبى أشد الإِباء على من يقول: لا يجزيه إلا السماع من لفظ الشيخ، ويقول: كيف لا يجزئك هذا في الحديث ويجزئك في القرآن والقرآن أعظم،

 

ج / 2 ص -15-   وَالثَّانِي: عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ المَشْرِقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّالِثُ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَرِوَايةٌ عَنْ مَالِك،
---------------------------
و حكي الثاني وهو ترجيح السماع عليها عن جمهور أهل المشرق وهو الصحيح، و حكى الثالث وهو ترجيحها عليه (عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما و هو رواية عن مالك حكاها عنه الدارقطني وابن فارس والخطيب، وحكاه الدارقطني أيضاً عن الليث بن سعد، وشعبة، وابن لهَيعة، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن عبد اللّه بنُ بكَير، والعباس بن الوليد بن يزيد، وأبى الوليد موسى بن داود الضبي، وأبي عبيد، وأبي حاتم. وحكاه ابن فارس عن ابن جريج، والحسن بن عمارة.
وروى البيهقي في « المدخل » عن مكي بن إِبراهيم قال: كان ابن جريج، وعثمان ابن الأسود، وحنظلة بن أبي سفيان، وطلحة بن عمرو، ومالك، ومحمد بن إسحاق، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، وهشام، وابن أبي ذئب، وسعيد بن أبي عروبة، والمثنى بن الصَبَاح يقولون: قراءتك على العالم خير من قراءة العالم عليك، واعتلُّوا بأن الشيخ لو غلط لم يتهيأ للطالب الرد عليه. وعن أبي عبيد: القراءة عليّ أثبت من أن أتولى القراءة أنا.
وقال صاحب البديع بعد اختياره التسوية: محل الخلاف ما إذا قرأ الشيخ في كتابه لأنه قد يسهو، فلا فرق بينه وبين القراءة عليه، أما إذا قرأ الشيخ من حفظه فهو أعلى بالاتفاق.
واختار شيخ الإِسلام أن محل ترجيح السماع ما إذا استوى الشيخ
والطالب، أو كان الطالب أعلم، لأنه أوعى لما يسمع، فإن كان مفضولاً فقراءته أولى،

 

ج / 2 ص -16-   والأحوط في الرواية بها قرأت على فلان أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به ثم عبارات السماع مقيدة كحدثنا أو أخبرنا قراءة عليه وأنشدنا في الشعر قراءة عليه ومنع إطلاق حدثنا وأخبرنا ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم وجوزها طائفة قيل إنه مذهب الزهري ومالك وابن عيينه ويحيى القطان والبخاري وجماعات من المحدثين ومعظم الحجازيين والكوفيين
---------------------------
لأنها أضبط له قال ولهذا كان السماع من لفظه في الإملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه تحرير الشيخ والطالب وصرح كثيرون بأن القراءة بنفسه أعلى مرتبة من السماع بقراءة غيره وقال الزركشي القارئ والمستمع سواء.
والأحوط الأجود في الرواية بها أن يقول: قرأت على فلان إن قرأ بنفسه أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به ثم يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة لا مطلقة كحدثنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع أو أخبرنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع أو أنبأنا أو نبأنا أو قال لنا: كذلك وأنشدنا في الشعر قراءة عليه ومنع إطلاق حدثنا وأخبرنا هنا عبد الله ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم.
قال الخطيب: وهو مذهب خلق كثير من اصحاب الحديث وجوزها طائفة قيل: إنه مذهب الزهري ومالك وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان والبخاري وجماعات من المحدثين ومعظم الحجازيين والكوفيين كالثوري وأبي حنيفة وصاحبيه والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وأبي عاصم النبيل ووهب بن جرير وثعلب والطحاوي وألف فيه جزء

 

ج / 2 ص -17-   ومنهم من أجاز فيها سمعت ومنعت طائفة حدثنا وأجازت أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق وقيل إنه مذهب أكثر المحدثين وروى عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب وروي عن النسائي أيضا وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث.
---------------------------
وأبي نعيم الأصبهاني وحكاه عياض عن الأكثرين وهو رواية عن أحمد ومنهم من أجاز فيها سمعت أيضا وروي عن مالك والسفيانين والصحيح لا يجوز وممن صححه أحمد بن صالح والقاضي أبو بكر الباقلاني وغيرهما ويقع في عبارة السلفي في كتابه التسميع سمعت بقراءتي وهو إما تسامح في الكتابة لا يستعمل في الرواية أو رأي مفصل بين التقييد والإطلاق.
ومنعت طائفة إطلاق حدثنا وأجازت إطلاق أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق وقيل: إنه مذهب أكثر المحدثين عزاه لهم محمد بن الحسن التميمي الجوهري في كتاب الإنصاف قال: فإن أخبرنا علم يقوم مقام قائله أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي وروي عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب.
قال ابن الصلاح وقيل: إنه أول من أحدث الفرق بين اللفظين بمصر وهذا يدفعه النقل عن ابن جريج والأوزاعي إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر وروي عن النسائي أيضا حكاه الجوهري المذكور.
قال ابن الصلاح: وصار الفرق بينهما هو الشائع الغالب على أهل الحديث وهو اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين والاحتجاج له من حيث اللغة فيه عناد وتكلف.

 

ج / 2 ص -18-   . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
قال: ومن أحسن ما حكي عمن ذهب هذا المذهب ما حكاه البرقاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤساء الحديث بخراسان أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري صحيح البخاري وكان يقول له في كل حديث: حدثكم الفربري فلما فرغ الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه فأعاد قراءة الكتاب كله وقال في جميعه أخبركم الفربري قال العراقي وكأنه كان يرى إعادة السند في كل حديث وهو تشديد والصحيح أنه لا يحتاج إليه كما سيأتي.
فائدة:
قول الراوي أخبرنا سماعا أو قراءة: هو من باب قولهم أتيته سعيا وكلمته مشافهة. وللنحاة فيه مذاهب:
أحدها وهو رأي سيبويه: أنها مصادر وقعت موقع فاعل حالا كما وقع المصدر موقعه نعتا في زيد عدل وانه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا يقاس فعلى هذا استعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع لعدم نطق العرب بذلك.
الثاني: وهو للمبرد أنها ليست أحوالا بل مفعولات لفعل مضمر من لفظها وذلك المضمر هو الحال وأنه يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم وعلى هذا تخرج الصيغة المذكورة بل كلام أبي حيان في تذكر يقتضي أن أخبرنا سماعا مسموع وأخبرنا قراءة لم يسمع وأنه يقاس على الأول على هذا القول.

 

ج / 2 ص -19-   فروع:
الأول: إذا كان أصل الشيخ حال القراءة بيد موثوق به مراع لما يقرأ أهل له فإن حفظ الشيخ ما يقرأ فهو كإمساكه أصله وأولى وإن لم يحفظ فقيل لا يصح السماع والصحيح المختار الذي عليه العمل أنه صحيح فإن كان بيد القارئ الموثوق بدينه ومعرفته فأولى بالتصحيح ومتى كان الأصل بيد غير موثوق به لم يصح السماع إن لم يحفظه الشيخ .
---------------------------
الثالث: وهو للزجاج قال يقول سيبويه فلا يضمر لكنه مقيس.
الرابع: وهو للسيرافي قال هو من باب جلست قعودا منصوب بالظاهر مصدرا معنويا.
فروع: الأول: إذا كان أصل الشيخ حال القراءة عليه بيد شخص موثوق به غير الشيخ مراع لما يقرأ أهل له فإن حفظ الشيخ ما يقرأ عليه فهو كإمساكه أصله بيده وأولى لتعاضد ذهني شخصين عليه وإن لم يحفظ الشيخ ما يقرأ عليه فقيل لا يصح السماع حكاه القاضي عياض عن الباقلاني وإمام الحرمين والصحيح المختار الذي عليه العمل بين الشيوخ وأهل الحديث كافة أنه صحيح.
قال السلفي: على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم فإن كان أصل الشيخ بيد القارئ الموثوق بدينه ومعرفته يقرأ فيه والشيخ لا يحفظه فأولى بالتصحيح خلافا لبعض أهل التشديد ومتى كان الأصل بيد غير موثوق به القارئ أو غيره ولا يؤمن إهماله لم يصح السماع إن لم يحفظه الشيخ.

 

ج / 2 ص -20-   الثاني: إذ قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر صح السماع وجازت الرواية به ولا يشترط نطق الشيخ على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض الشافعيين والظاهر يبين نطقه وقال ابن الصباغ الشافعي ليس له أن يقول حدثني وله أن يعمل به وأن يرويه قائلا قرئ عليه وهو يسمع.
الثالث: قال الحاكم الذي اختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما سمعه من لفظ الشيخ: حدثني
-----------------------
الثاني: إذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكرولا مقر لفظا صح السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون الحديث والفقه والأصول وشرط بعض الشافعيين كالشيخ أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ وسليم الرازي و بعض الظاهريين المقلدين لداود الظاهري نطقه به وقال ابن الصباغ الشافعي من المشترطين ليس له إذا رواه عنه أن يقول حدثني ولا أخبرني وله أن يعمل به أي بما قرئ عليه وأن يرويه قائلا قرأت عليه أو قرئ عليه وهو يسمع وصححه الغزالي والآمدي وحكاه عن المتكلمين وحكى تجويز ذلك عن الفقهاء والمحدثين وحكاه الحاكم عن الأئمة الأربعة وصححه ابن الحاجب.
وقال الزركشي: يشترط أن يكون سكوته لا عن غفلة أو إكراه وفيه نظر ولو أشار الشيخ برأسه أو أصبعه للإقرار ولم يتلفظ فجزم في المحصول بأنه لا يقول حدثني ولا أخبرني قال العراقي: وفيه نظر.
الثالث: قال الحاكم الذي أختاره أنا في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول الراوي فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ حدثني بالإفراد

 

ج / 2 ص -21-   ومع غيره حدثنا. وما قرأ عليه أخبرني. وما قرئ بحضرته أخبرنا وروى نحوه عن ابن وهب وهو حسن فإن شك فالأظهر أن يقول حدثني او يقول أخبرني لا حدثنا وأخبرنا
--------------------------
و فيما سمعه منه مع غيره حدثنا بالجمع وما قرأ عليه بنفسه أخبرني وما قرئ على المحدث بحضرته أخبرنا وروى نحوه عن عبد الله بن وهب صاحب مالك روى الترمذي عنه في العلل قال: ما قلت: حدثنا فهو ما سمعت مع الناس وما قلت: حدثني هو ما سمعت وحدي وما قلت: أخبرنا فهو ما قرئ على العالم وأنا شاهد وما قلت: أخبرني فهو ما قرأت على العالم ورواه البيهقي في المدخل عن سعيد بن أبي مريم وقال: عليه أدركت مشايخنا وهو قول الشافعي وأحمد، قال ابن الصلاح: وهو حسن رائق قال العراقي: وفي كلامهما أن القارئ يقول أخبرني سواء سمعه معه غيره أم لا وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح إن كان معه غيره قال أخبرنا فسوى بين مسألتي التحديث والإخبار قلت الأول أولى ليتميز ما قرأه بنفسه وما سمعه بقراءة غيره فإن شك الراوي هل كان وحده حالة التحمل فالأظهر أن يقول: حدثني أو يقول: أخبرني لا حدثنا وأخبرنا لان الأصل عدم غيره أما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقراءة غيره قال العراقي: قد جمعهما ابن الصلاح مع المسألة الأولى وأنه يقول أخبرني لأن عدم غيره هو الأصل وفيه نظر لأنه يحقق سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه والأصل أنه لم يقرأ وقد حكى الخطيب في الكفاية عن البرقاني أنه كان يشك في ذلك فيقول: قرأنا على فلان قال: وهذا حسن لأن ذلك يستعمل فيما قرأه غيره أيضا كما قاله أحمد بن صالح والنفيلي وقد اختار يحيى بن سعيد القطان في شبه المسألة الأولى الإتيان بحدثنا وذلك إذا شك في لفظ شيخه هل قال: حدثني

 

ج / 2 ص -22-   وكل هذا مستحب باتفاق العلماء ولا يجوز إبدال حدثنا بأخبرنا أو عكسه في الكتب المؤلفة وما سمعته من لفظ المحدث فهو على الخلاف في الرواية بالمعنى إن كان قائله يجوز إطلاق كليهما وإلا فلا يجوز
--------------------------
أو حدثنا ووجهه أن حدثني أكمل مرتبة فيقتصر في حالة الشك على الناقص ومقتضاه قول ذلك أيضا في المسألة الأولى إلا أن البيهقي اختار في مسألة القطان أن يوحد وكل هذا مستحب باتفاق العلماء لا واجب ولا يجوز إبدال حدثنا بأخبرنا أو عكسه في الكتب المؤلفة وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف لا في نفس ذلك التصنيف بأن يغير ولا فيما ينقل منه إلى الأجزاء والتخاريج وما سمعته من لفظ المحدث فهو أي إبداله على الخلاف في الرواية بالمعنى فإن جوزناها جاز الإبدال إن كان قائله يرى التسوية بينهما و يجوز إطلاق كليهما بمعنى وإلا فلا يجوز إبدال ما وقع منه ومنع ابن حنبل الإبدال جزما.
فائدة:
عقد الرامهرمزي أبوابا في تنويع الألفاظ السابقة منها الإتيان بلفظ الشهادة كقول أبي سعيد أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الجر أن ينتبذ فيه وقول عبد الله بن طاوس اشهد على والدي أنه قال اشهد على جابر ابن عبد الله أنه قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرت أن أقاتل الناس الحديث وقول ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر الحديث في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح ومنها تقديم الاسم فيقول فلان حدثنا أو أخبرنا ومنها سمعت فلانا يأثر عن فلان ومنها قلت:

 

ج / 2 ص -23-   الرابع: إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة فقال إبراهيم الحربي وابن عدي والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الشافعي لا يصح السماع وصححه الحافظ موسى بن هارون الحمال وآخرون وقال أبو بكر الصبغي الشافعي:
---------------------------
لفلان أحدثك فلان أو اكتتبت عن فلان ؟ ومنها زعم لنا فلان عن فلان ومنها حدثني فلان ورد ذلك إلى فلان ومنها دلني فلان على ما دل عليه فلان ومنها سألت فلانا فألجأ الحديث إلى فلان ومنها خذ عني كما أخذته عن فلان وساق لكل لفظة من هذه أمثلة.
الرابع: إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة فقال إبراهيم بن إسحق ابن بشير الحربي الشافعي و الحافظ أبو أحمد ابن عدي والأستاذ أبو إسحق الأسفرايني الشافعي وغير واجد من الأئمة: لا يصح السماع مطلقا نقله الخطيب في الكفاية عنه وزاد عن أبي الحسن بن سمعون وصححه أي السماع الحافظ موسى ابن هرون الحمال وآخرون مطلقا وقد كتب أبو حاتم حالة السماع عند عارم وكتب عبد الله ابن المبارك وهو يقرأ عليه وقال أبو بكر أحمد بن إسحق الصبغي الشافعي

 

ج / 2 ص -24-   يقول: حضرت ولا يقول: أخبرنا والصحيح التفصيل فإن فهم المقروء صح وإلا لم يصح. ويجري هذا الخلاف فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أو أفرط القارئ في الإسراع.
-------------------------
يقول في الأداء حضرت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا والصحيح التفصيل فإن فهم الناسخ المقروء صح السماع وإلا أي وإن لم يفهمه لم يصح وقد حضر الدارقطني بمجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزأ كان معه وإسماعيل يملي فقال له: بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال: فهمي للإملاء خلاف فهمك ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن فقال لا فقال الدارقطني أملى ثمانية عشر حديثا فعدت الأحاديث فوجدت كما قال ثم قال الحديث الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها فعجب الناس منه قلت ويشبه هذا ما روي عنه أيضا أنه كان يصلي والقارئ يقرأ عليه فمر حديث فيه نسير بن ذعلوق فقال القارئ بسير فسبح فقال يسير فتلا الدارقطني ن والقلم وقال حمزة بن محمد بن طاهر كنت عند الدارقطني وهو قائم يتنفل فقرأ عليه القارئ عمرو بن شعيب فقال عمرو بن سعيد فسبح الدارقطني فأعاده ووقف فتلا الدارقطني
{يا شعيب أصلواتك تأمرك} ويجري هذا الخلاف والتفصيل فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أو أفرط القارئ في الإسراع

 

ج / 2 ص -25-   أو هينم القارئ أو بعد بحيث لا يفهم والظاهر أنه يعفى عن نحو الكلمتين ويستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية ذلك الكتاب وإن كتب لأحدهم كتب سمعه مني وأجزت له روايته كذا فعل بعضهم ولو عظم مجلس المملي فبلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي
-------------------------
بحيث يخفي بعض الكلام أو هينم القارئ أي أخفى صوته أو بعد السامع بحيث لا يفهم المقروء والظاهر أنه يعفى في ذلك عن القدر اليسير الذي لا يخل عدم سماعه بفهم الباقي نحو الكلمة و الكلمتين ويستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية ذلك الكتاب أو الجزء الذي سمعوه وإن شمله السماع لاحتمال وقوع شيء مما تقدم من الحديث والعجلة والهينمة فينجبر بذلك وإن كتب الشيخ لأحدهم كتب سمعه مني وأجزت له روايته كذا فعل بعضهم قال ابن عتاب الأندلسي لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو السامعون فينجبر ذلك بالإجازة.
وينبغي لكاتب الطباق أن يكتب إجازة الشيخ عقب كتابة السماع قال العراقي: ويقال: إن أول من فعل ذلك أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي فجزاه الله خيرا في سنة ذلك لأهل الحديث فلقد حصل به نفع كبير ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصال بعض الكتب في بعض البلاد بسبب كون بعضهم كان له فوت ولم يذكر في طبقة السماع إجازة الشيخ لهم فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع بعض ذلك الكتاب فتعذر قراءة جميع الكتاب عليه كأبي الحسن بن الصواف الشاطبي راوي غالب النسائي عن ابن باقا ولو عظم مجلس المملي فبلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي فعن ابن عيينة أنه قال له أبو مسلم المستملي:

 

ج / 2 ص -26-   والصواب الذي قاله المحققون أنه لا يجوز ذلك.
وقال أحمد في الحرف يدغمه الشيخ فلا يفهم وهو معروف: أرجو أن لا تضيق روايته عنه وقال في الكلمة تستفهم من المستملي إن كانت مجتمعا عليها فلا بأس وعن خلف بن سالم
-----------------------
إن الناس كثير لا يسمعون قال: أسمعهم أنت وقال الأعمش: كنا نجلس إلى إبراهيم النحعي مع الحلقة فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه فيسأل بعضهم بعضا عما قال. ثم يروونه وما سمعوه منه.
وعن حماد بن زيد أنه قال لمن استفهمه كيف قلت ؟ قال: استفهم من يليك قال ابن الصلاح: وهذا تساهل ممن فعله والصواب الذي قاله المحققون أنه لا يجوز ذلك، وقال العراقي: الأول هو الذي عليه العمل لأن المستملي في حكم من يقرأ على الشيخ ويعرض حديثه عليه ولكن يشترط أن يسمع الشيخ المملي لفظ المستملي كالقارئ عليه والأحوط أن يبين حالة الأداء أن سماعه لذلك أو لبعض الألفاظ من المستملي كما فعله ابن خزيمة وغيره بأن يقول أنا بتبليغ فلان.
وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن سمرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "
يكون اثنا عشر أميرا" فقال كلمة لم أسمعها فسألت أبي فقال كلهم من قريش وقد أخرجه مسلم عنه كاملا من غير أن يفصل جابر الكلمة التي استفهمها من أبيه.
وقال أحمد بن حنبل في الحرف الذي يدغمه الشيخ فلا يفهم عنه وهو معروف: أرجو أن لا تضيق روايته عنه وقال في الكلمة تستفهم من المستملى إن كانت مجتمعا عليها فلا بأس بروايتها عنه وعن خلف بن سالم

 

ج / 2 ص -27-   منع ذلك.
الخامس: يصح السماع من وراء حجاب إذا عرف صوته إن حدث بلفظه أو حضوره بمسمع منه إن قرئ عليه ويكفي في المعرفة خبر ثقة وشرط شعبة رؤيته وهو خلاف الصواب وقول الجمهور.
-----------------------
المخرمي منع ذلك فإنه قال سمعت ابن عيينة يقول نا عمرو بن دينار يريد حدثنا فإذا قيل له قل حدثنا قال لا أقول لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزحام وهي ح د ث.
وقال خلف بن تميم: سمعت من الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة فقال لا تحدث منها إلا بما حفظ قلبك وسمع أذنك فألقيتها.
الخامس: يصح السماع ممن هو وراء حجاب إذا عرف صوته إن حدث بلفظه أو عرف حضوره بمسمع أي مكان يسمع منه إن قرئ عليه ويكفي في المعرفة بذلك خبر ثقة من أهل الخبرة بالشيخ وشرط شعبة رؤيته وقال إذا حدثك المحدث فلم تره فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا وهو خلاف الصواب وقول الجمهور فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتماد على سماع صوت ابن أم مكتوم

 

ج / 2 ص -28-   السادس:  إذا قال المسمع عند السماع لا ترو عني أو رجعت عن إخبارك ونحو ذلك غير مسند ذلك إلى خطأ أو شك ونحوه لم تمتنع روايته ولو خص بالسماع قوما فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه ولو قال أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضر قاله الأستاذ أبو إسحاق
-------------------------
المؤذن في حديث إن بلالا يؤذن بليل الحديث مع غيبة شخصه عمن يسمعه وكان السلف يسمعون من عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين وهن يحدثن من وراء حجاب.
السادس: إذا قال المسمع بعد السماع لا ترو عني أو رجعت عن إخبارك أو ما اذنت لك في روايته عني ونحو ذلك غير مسند ذلك إلى خطأ منه فيما حدث به أو شك فيه ونحوه لم تمتنع روايته فإن أسنده إلى نحو ما ذكر امتنعت ولو خص بالسماع قوما فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه ولو قال: أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضر ذلك فلانا في صحة سماعه قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني جوابا لسؤال الحافظ أبي سعيد النيسابوري عن ذلك.
فائدة:
قال الماوردي: يشترط كون المتحمل بالسماع سميعا ويجوز أن يقرأ الأصم بنفسه

 

ج / 2 ص -29-   القسم الثالث: الإجازة وهي أضرب ، الأول: أن يجيز معينا لمعين كأجزتك البخاري أو ما اشتملت عليه فهرستي وهذا أعلى أضربها المجردة عن المناولة فالصحيح الذي قاله الجمهور من الطوائف واستقر عليه العمل جواز الرواية والعمل بها.
--------------------------
القسم الثالث: من أقسام التحمل الإجازة وهي أضرب تسعة وذكرها المصنف كابن الصلاح سبعة الأول: أن يجيز معينا لمعين: كأجزتك أو أجزتكم أو أجزت فلانا الفلاني البخاري أو ما اشتملت عليه فهرستي أي جملة عدد مروياتي.
قال صاحب تثقيف اللسان: الصواب أنها - بالمثناة الفوقية وقوفا وإدماجا - وربما وقف عليها بعضهم بالهاء وهو خطأ قال: ومعناها جملة العدد للكتب: لفظة فارسية وهذا أعلى أضربها أي الإجازة المجردة عن المناولة والصحيح الذي قاله الجمهور من الطوائف أهل الحديث وغيرهم واستقر عليه العمل جواز الرواية والعمل بها وادعى أبو الوليد الباجي وعياض الإجماع عليها وقصر أبو مروان الطبني الصحة عليها.

 

ج / 2 ص -30-   وأبطلها جماعات من الطوائف وهو إحدى الروايتين عن الشافعي وقال بعض الظاهرية ومتابعيهم: لا يعمل بها كالمرسل وهذا باطل.
-------------------------
وأبطلها جماعات من الطوائف من المحدثين كشعبة قال: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة وإبراهيم الحربي وأبو نصر الوائلي وابي الشيخ الأصبهاني والفقهاء كالقاضي حسين والماوردي وأبي بكر الخجندي الشافعي وأبي طاهر الدباس الحنفي وعنهم أن من قال لغيره: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه قال أجزت لك أن تكذب علي لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع.
وهو إحدى الروايتين عن الشافعي وحكاه الآمدي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك وقال ابن حزم إنها غير جائزة وقيل إن كان المجيز والمجاز عالمين بالكتاب جاز وإلا فلا واختاره أبو بكر الرازي من الحنفية.
وقال بعض الظاهرية ومتابعيهم: لا يعمل بها أي بالمروي بها كالمرسل مع جواز التحديث بها وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة بها وعن الأوزاعي عكس ذلك وهو العمل بها دون التحديث.
قال ابن الصلاح: وفي الاحتجاج لتجويزها غموض ويتجه أن يقال إذا جاز له أن يروي عنه مروياته فقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره بها تفصيلا،

 

ج / 2 ص -31-   . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------
وإخباره متوقف على التصريح قطعا كما في القراءة وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك حاصل بالإجازة المفهمة.
وقال الخطيب في الكفاية: احتج بعض أهل العلم لجوازها بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب سورة براءة في صحيفة ودفعها لأبي بكر ثم بعث علي بن أبي طالب فأخذها منه ولم يقرأها عليه ولا هو أيضا حتى وصل إلى مكة ففتحها وقرأها على الناس.
وقد اسند الرامهرمزي عن الشافعي أن الكرابيسي اراد أن يقرأ عليه كتبه فأبى وقال خذ كتب الزعفراني فانسخها فقد أجزت لك فأخذها إجازة أما الإجازة المقترنة بالمناولة فستأتي في القسم الرابع.
تنبيه:
إذا قلنا بصحة الإجازة فالمتبادر إلى الأذهان أنها دون العرض وهو الحق وحكى الزركشي في ذلك مذاهب.
ثانيها: - ونسبه لأحمد بن ميسرة المالكي - : أنها على وجهها خير من السماع الرديء قال واختار بعض المحققين تفضيل الإجازة على السماع مطلقا.
ثالثها: أنهما سواء. حكى ابن عات في ريحانة التنفس عن عبد الرحمن بن أحمد بن بقي بن مخلد أنه كان يقول الإجازة عندي وعند أبي وجدي كالسماع.
وقال الطوفي: الحق التفصيل ففي عصر السلف السماع أولى وأما بعد أن دونت الدواوين وجمعت السنن واشتهرت فلا فرق بينهما.

 

ج / 2 ص -32-   الضرب الثاني: يجيز معينا غيره كأجزتك مسموعاتي فالخلاف فيه أقوى وأكثر والجمهور من الطوائف جوزوا الرواية وأوجبوا العمل بها.
الثالث: يجيز غير معين بوصف العموم كأجزت المسلمين أو كل أحد أو أهل زماني وفيه خلاف للمتأخرين فإن قيدها بوصف حاصر فأقرب إلى الجواز ومن المجوزين القاضي أبو الطيب والخطيب وأبو عبد الله بن منده وابن عتاب والحافظ أبو العلاء.
--------------------
الضرب الثاني: يجيز معينا غيره معين كأجزتك أو أخبرتكم جميع مسموعاتي أو مروياتي فالخلاف فيه أي في جوازها أقوى وأكثر من الضرب الأول والجمهور من الطوائف جوزوا الرواية بها فأوجبوا العمل بما روى بها بشرطه.
الثالث: يجيز غير معين بوصف العموم كأجزت جميع المسلمين أو كل أحد أو أهل زماني وفيه خلاف للمتأخرين فإن قيدها أي الإجازة العامة بوصف حاصر كأجزت طلبة العلم ببلد كذا أو من قرأ علي قبل هذا فأقرب إلى الجواز المقيدة بذلك بل قال القاضي عياض: ما أظنهم اختلفوا في جواز ذلك ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان واحترز بقوله حاصر ما لا حصر فيه كأهل بلد كذا فهو كالعامة المطلقة وافرد القسطلاني هذه بنوع مستقل ومثله بأهل بلد معين أو إقليم أو مذهب معين.
ومن المجوزين للعامة المطلقة القاضي أبو الطيب الطبري والخطيب البغدادي وأبو عبد الله بن منده و أبو عبد الله ابن عتاب والحافظ أبو العلاء

 

ج / 2 ص -33-   وآخرون.
قال الشيخ: لم يسمع عن أحد يقتدي به الرواية بهذه.
قلت: الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا يقتضي صحتها وأي فائدة لها غير الرواية بها.
-----------------------
الحسن بن أحمد العطار الهمداني وآخرون كأبي الفضل بن خيرون وأبي الوليد ابن رشد والسلفي وخلائق جمعهم بعضهم في مجلد ورتبهم على حروف المعجم لكثرتهم.
قال الشيخ ابن الصلاح ميلا إلى المنع: ولم يسمع عن أحد يقتدى به الرواية بهذه قال والإجازة في اصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا.
قال المصنف: قلت: الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا يقتضي صحتها وأي فائدة الرواية بها وكذا صرح في الروضة بتصحيح صحتها قال العراقي وقد روى بها من المتقدمين الحافظ أبو بكر بن خبر ومن المتأخرين الشرف الدمياطي وغيره وصححها أيضا ابن الحاجب قال: وبالجملة ففي النفس من الرواية بها شيء والأحوط ترك الرواية بها قال: إلا المقيدة بنوع حصر فإن الصحيح جوازها. انتهى.
وكذا قال شيخ الإسلام في العامة المطلقة قال: إلا أن الرواية بها في الجملة أولى من إيراد الحديث معضلا.
قال البلقيني: وما قيل من أن أصل الإجازة العامة ما ذكره ابن سعد في الطبقات ثنا عفان ثنا حماد ثنا علي بن زيد عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال: من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر،

 

ج / 2 ص -34-   الرابع: إجازة بمجهول أو له كأجزتك كتاب السنن وهو يروي كتبا
-----------------------
ليس فيه دلالة لأن العتق النافذ لا يحتاج إلى ضبط وتحديث وعمل بخلاف الإجازة ففيها تحديث وعمل وضبط فلا يصح أن يكون ذلك دليلا لهذا ولو جعل دليله ما صح من قول النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني الحديث لكان له وجه قوي. انتهى.
فائدة:
قال شيخ الإسلام في معجمه: كان محمد بن أحمد بن عرام الإسكندري يقول: إذا سمعت الحديث من شيخ وأجازنيه شيخ آخر سمعه من شيخ رواه الأول عنه بالإجازة فشيخ السماع يروي عن شيخ بالإجازة وشيخ الإجازة يرويه عن ذلك الشيخ بعينه بالسماع كان ذلك في حكم السماع على السماع انتهى.
وشيخ الإسلام يصنع ذلك كثيرا في أماليه وتخاريجه .
قلت: فظهر لي من هذا أن يقال: إذا رويت عن شيخ بالإجازة الخاصة عن شيخ بالإجازة العامة وعن آخر بالإجازة العامة عن ذلك الشيخ بعينه بالإجازة الخاصة كان ذلك في حكم الإجازة الخاصة عن الإجازة الخاصة مثال ذلك أن أروي عن شيخنا أبي عبد الله محمد بن محمد التنكزي وقد سمعت عليه وأجاز لي خاصة عن الشيخ جمال الدين الأسنوي فإنه أدرك حياته خاصة واروي عن الشيخ أبي الفتح المراغي بالإجازة العامة عن الأسنوي بالخاصة.
الرابع: إجازة لمعين بمجهول من الكتب أو إجازة بمعين من الكتب له أي لمجهول من الناس كأجزتك كتاب السنن وهو يروي كتبا

 

ج / 2 ص -35-   في السنن أو أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم فهي باطلة فإن أجاز لجماعة مسمين في الإجازة أو غيرها ولم يعرفهم بأعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم ولا تصفحهم صحت الإجازة كسماعهم منه في مجلسه في هذا الحال وأما أجزت لمن يشاء فلان أو نحو هذا ففيه جهالة وتعليق فالأظهر بطلانه وبه قطع القاضى أبو الطيب الشافعي وصححه ابن الفراء الحنبلي وابن عمروس المالكي
------------------------
في السنن أو أجزتك بعض مسموعاتي أو أجزت محمد بن خالد الدمشقي وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم ولا يتضح مراده في فاذا فهي باطلة فإن اتضح بقرينة فصحيحة فإن أجاز لجماعة مسمين في الإجازة أو غيرها لم يعرفهم بأعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم ولا تصفحهم وكذا إذا سمي المسئول له ولم يعرف عينه صحت الإجازة كسماعهم منه في مجلسه في هذا الحال أي وهو لا يعرف أعيانهم ولا أسماءهم ولا عددهم وأما أجزت لمن يشاء فلان أو نحو هذا ففيه جهالة وتعليق بشرط ولذلك أدخل في ضرب الإجازة المجهولة والعراقي أفرده كالقسطلاني بضرب مستقل لأن الإجازة المعلقة قد لا يكون فيها جهالة كما سيأتي فالأظهر بطلانه للجهل كقوله أجزت لبعض الناس وبه قطع القاضي أبو الطيب الشافعي قال الخطيب وحجتهم القياس على تعليق الوكالة وصححه أي هذا الضرب من الإجازة أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي و أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن عمروس: المالكي وقال :إن الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة ويتعين المجاز له عندها، قال الخطيب: وسمعت ابن الفراء يحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: لما أمر زيدا على غزوة مؤتة: فإن قتل زيد فجعفر فإن قتل جعفر فابن رواحة فعلق التأمير. قال: وسمعت أبا عبد الله الدامغاني

 

ج / 2 ص -36-   ولو قال: أجزت لمن يشاء الإجازة فهو كأجزت لمن يشاء فلان وأكثر جهالة ولو قال أجزت لمن يشاء الرواية عني فأولى بالجواز لأنه تصريح بمقتضى الحال ولو قال: أجزت لفلان كذا إن شاء روايته عني أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر جوازه
------------------------
يفرق بينها وبين الوكالة بأن الوكيل ينعزل بعزل الموكل له بخلاف المجاز.
قال العراقي: وقد استعمل ذلك من المتقدمين الحافظ أبو بكر بن أبي خيثمة وصاحب التاريخ وحفيد يعقوب بن شيبة. فإن علقت بمشيئة مبهم بطلت قطعا ولو قال: أجزت لمن يشاء الإجازة فهو كأجزت لمن يشاء فلان في البطلان بل وأكثر جهالة وانتشارا من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم ولو قال: أجزت لمن يشاء الرواية عنى فأولى بالجواز لأنه تصريح بمقتضى الحال من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له لا تعليق في الإجازة وقاسه ابن الصلاح على: بعنك إن شئت.
قال العراقي: لكن الفرق بينهما تعيين المبتاع بخلافه في الإجازة فإنه مبهم، قال: والصحيح فيه عدم الصحة قال: نعم وزانه هنا أجزت لك أن تروي عني إن شئت الرواية عني قال والأظهر الأقوى هنا الجواز لانتفاء الجهالة وحقيقة التعليق انتهى.
وكذا قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: وأيد البطلان في المسألة الأولى ببطلان الوصية والوكالة فيما لو قال وصيت بهذه لمن يشاء أو وكلت في بيعها من شاء أن يبيعها، قال: وإذا بطل في الوصية مع احتمالها ما لا يحتمله غيرها فهنا أولى ولو قال: أجزت لفلان كذا إن شاء روايته عني أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر جوازه كما تقدم.

 

ج / 2 ص -37-   الخامس: الإجازة للمعدوم كأجزت لمن يولد لفلان. واختلف المتأخرون في صحتها فإن عطفه على موجود كأجزت لفلان ومن يولد له أو لك ولعقبك ما تناسلوا فأولى بالجواز وفعل الثاني من المحدثين أبو بكر بن ابي داود وأجاز الخطيب الأول وحكاه عن ابن الفراء وابن عمروس وأبطلها القاضي أبو الطيب وابن الصباغ الشافعيان وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره،
------------------------
الخامس: الإجازة للمعدوم كأجزت لمن يولد لفلان، واختلف المتأخرون في صحتها فإن عطفه على موجود كأجزت لفلان ومن يولد له أو لك ولولدك ولعقبك ما تناسلوا فأولى بالجواز مما إذا أفرده بالإجازة قياسا على الوقف وفعل الثاني من المحدثين الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال: وقد سئل الإجازة قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة يعني الذين لم يولدوا بعد قال البلقيني: ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة وصرح بتصحيح هذا القسم القسطلاني في المنهج وأجاز الخطيب الأول أيضا وألف فيها جزءا وقال: إن أصحاب مالك وأبي حنيفة أجازوا الوقف على المعدوم وإن لم يكن أصله موجودا قال وإن قيل كيف يصح أن يقول أجازني فلان ومولده بعد موته يقال كما يصح أن يقول وقف على فلان ومولده بعد موته قال ولأن بعد أحد الزمانين من الآخر كبعد أحد الوطنين من الآخر وحكاه أي الصحة فيما ذكر عن ابن الفراء الحنبلي وابن عمروس المالكي ونسبه عياض لمعظم الشيوخ وأبطلها القاضي أبو الطيب وابن الصباغ الشافعيان وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له أما إجازة من يوجد

 

ج / 2 ص -38-   وأما الإجازة للطفل الذي لا يميز فصحيحة على الصحيح الذي قطع به القاضي أبو الطيب والخطيب خلافا لبعضهم.
------------------
مطلقا فلا يجوز إجماعا وأما الإجازة للطفل الذي لا يميز فصحيحة على الصحيح الذي قطع به القاضي أبو الطيب والخطيب ولا يعتبر فيه سن ولا غيره خلافا لبعضهم حيث قال لا يصح كما لا يصح سماعه ولما ذكر ذلك لأبي الطيب قال يصح أن يجيزللغائب ولا يصح سماعه قال الخطيب وعلى الجواز كافة شيوخنا واحتج له بأنها إباحة المجيز للمجاز له أن يروى عنه والإباحة تصح للعاقل ولغيره قال ابن الصلاح كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع ليؤدي به بعد حصول الأهلية لبقاء الإسناد وأما المميز فلا خلاف في صحة الإجازة له.
تنبيه:
أدمج المصنف كابن الصلاح مسألة الطفل في ضرب الإجازة للمعدوم وأفردها القسطلاني بنوع وكذا العراقي وضم إليها الإجازة للمجنون والكافر والحمل فأما المجنون فالإجازة له صحيحة وقد تقدم ذلك في كلام الخطيب.
وأما الكافر فقال: لم أجد فيه نقلا وقد تقدم أن سماعه صحيح قال ولم أجد عن أحد من المتقدمين والمتأخرين الإجازة للكافر إلا أن شخصا من الأطباء يقال له محمد بن عبد السيد سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله الصوري وكتب اسمه في الطبقة مع السامعين وأجاز الصوري لهم وهو من جملتهم وكان ذلك بحضور المزي فلولا انه يرى جواز ذلك ما أقر عليه ثم هدى الله هذا اليهودي إلى الإسلام وحدث وسمع منه أصحابنا. قال: والفاسق والمبتدع أولى بالإجازة من الكافر ويؤديان إذا زال المانع قال: وأما الحمل فلم أجد

 

ج / 2 ص -39-   السادس: إجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه ليرويه المجاز إذا تحمله المجيز قال القاضي عياض لم أر من تكلم فيه ورأيت بعض المتأخرين يصنعونه ثم حكى عن قاضي قرطبة أبي الوليد منع ذلك قال عياض وهو الصحيح
------------------------
فيه نقلا إلا أن الخطيب قال: لم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال ولم يتعرض لكونه إذا وقع يصح أولا، قال: ولا شك أنه أولى بالصحة من المعدوم، قال: وقد رأيت شيخنا العلائي سئل لحمل مع أبويه فأجاز واحترز أبو الثناء المنبجي فكتب أجزت للمسلمين فيه قال: ومن عمم الإجازة للحمل وغيره أعلى وأحفظ وأتقن إلا أنه قد يقال: لعله ما تصفح أسماء الاستدعاء حتى يعلم هل فيه حمل أم لا إلا أن الغالب أن أهل الحديث لا يجيزون إلا بعد تصفحهم.
قال: وينبغي بناء الحكم فيه على الخلاف في أن الحمل هل يعلم أو لا فإن قلنا يعلم وهو الأصح صحت الإجازة للمعدوم انتهى وذكر ولده الحافظ ولي الدين أبو زرعة في فتاويه المكية وهي أجوبة اسئلة سأله عنها شيخنا الحافظ أبو الفضل الهاشمي أن الجواز فيما بعد نفخ الروح أولى وأنها قبل نفخ الروح مرتبة متوسطة بينها وبين الإجازة للمعدوم فهي أولى بالمنع من الأولى وبالجواز من الثانية.
السادس: إجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه من سماع أو إجازة ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز قال القاضي عياض في كتابه الإلماع هذا لم أر من تكلم فيه من المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ثم حكى عن قاضي قرطبة أبي الوليد يونس بن مغيث منع ذلك لما سئله وقال: يعطيك ما لم يأخذ هذا محال قال عياض: و هذا هو الصحيح فإنه يجيز ما لا خبر عنده

 

ج / 2 ص -40-   وهذا هو الصواب فعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أن هذا مما تحمله شيخه قبل الإجازة وأما قوله أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي فصحيح تجوز الرواية به لما صح عنده سماعه له قبل الإجازة وفعله الدارقطني وغيره.
السابع: إجازة المجاز: كأجزتك مجازاتي فمنعه بعض من لا يعتد به
-------------------
منه ويأذن له بالتحديث بما لم يحدث به ويبيح ما لم يعلم هل يصح له الإذن فيه قال المصنف: وهذا هو الصواب.
قال ابن الصلاح: وسواء قلنا إن الإجازة في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو إذن إذ لا يجيز بما لا خبر عنده منه ولا يؤذن فيما لم يملكه الآذن بعد كالإذن في بيع ما لم يملكه. وكذا قال القسطلاني الأصح البطلان، فإن ما رواه داخل في دائرة حصر العلم بأصله بخلاف ما لم يروه فإنه لم ينحصر..
قال المصنف كابن الصلاح: فعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أن هذا مما تحمله شيخه قبل الإجازة له وأما قوله: أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي فصحيح تجوز الرواية به لما صح عنده بعد الإجازة سماعه له قبل الإجازة وفعله الدارقطني وغيره قال العراقي: وكذا لو لم يقل ويصح فإن المراد بقوله ما صح حال الرواية لا الإجازة.
السابع: إجازة المجاز كأجزتك مجازاتي أو جميع ما أجيز روايته فمنعه بعض من لا يعتد به وهو الحافظ أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي شيخ ابن الجوزي وصنف في ذلك جزءا لأن الإجازة ضعيفة فيقوى الضعف باجتماع

 

ج / 2 ص -41-   والصحيح الذي عليه العمل جوازه وبه قطع الحفاظ الدارقطني وابن عقدة وأبو نعيم وأبو الفتح نصر المقدسي.
وكان أبو الفتح يروي بالإجازة عن الإجازة وربما والى بين ثلاث وينبغي للراوي بها تأملها لئلا يروي ما لم يدخل تحتها فإن كانت إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى سماع شيخ شيخه فليس له روايته عن شيخه عنه حتى يعرف أنه صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه.
-----------------------
إجازتين والصحيح الذي عليه العمل جوازه وبه قطع الحفاظ أبو الحسن الدارقطني و أبو العباس ابن عقدة وأبو نعيم الأصبهاني وأبو الفتح نصر المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة وربما والى بين ثلاث إجازات، وكذلك الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس وإلى بين ثلاث إجازات ووالى الرافعي في أماليه بين أربع أجائز والحافظ قطب الدين الحلبي بين خمس أجائز في تاريخ مصر وشيخ الإسلام في أماليه بين ست وينبغي للراوي بها أي بالإجازة عن الإجازة تأملها أي تأمل كيفية إجازة شيخ شيخه لشيخه ومقتضاها لئلا يروي بها مالم يدخل تحتها فربما قيدها بعضهم بما صح عند المجاز له أو بما سمعه المجيز ونحو ذلك.
فإن كانت إجازة شيخ شيخه: أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى سماع شيخ شيخه فليس له روايته عن شيخه عنه حتى يعرف أنه صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه وكذا إن

 

ج / 2 ص -42-   فرع:
قال أبو الحسين بن فارس: الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث يقال: استجزته فأجازني إذا أسقاك ماء لماشيتك وأرضك كذا طالب العلم يستجيز العالم علمه فيجيزه فعلى هذا يجوز أن يقال أجزت فلانا مسموعاتي ومن جعل الإجازة إذنا وهو المعروف يقول: أجزت له رواية مسموعاتي، ومتى قال:
--------------------
قيدها بما سمعه لم يعتد إلى مجازاته وقد زل غير واحد من الأئمة بسبب ذلك قال العراقي: وكان ابن دقيق العيد لا يجيز رواية سماعه كله بل يقيده بما حدث به من مسموعاته هكذا رأيته بخطه ولم أر له إجازة تشمل مسموعه وذلك أنه كان شك في بعض سماعاته فلم يحدث به ولم يجزه وهو سماعه على ابن المقير فمن حدث عنه بإجازته منه بشيء مما حدث به من مسموعاته فهو غيرصحيح قلت لكنه كان يجيز مع ذلك جميع ما أجيز له كما رأيته بخط أبي حيان في النضار فعلى هذا لا تتقيد الرواية عنه بما حدث به من مسموعاته فقط إذ يدخل البافي فيما أجيز له.
فرع:
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: الإجازة في كلام العرب مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث يقال منه استجزته فأجازني إذا أسقاك ماء لماشيتك وأرضك قال: كذا لك طالب العلم يستجيز العالم أي يسأله أن يجيزه علمه فيجيزه إياه.
قال ابن الصلاح: فعلى هذا يجوز أن يقال أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي متعديا بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية ومن جعل الإجازة إذنا وإباحة وتسويغا وهو المعروف يقول أجزت له رواية مسموعاتي ومتى قال:

 

ج / 2 ص -43-   أجزت له مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره، قالوا: إنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيز وكان المجاز من أهل العلم واشترطه بعضهم وحكى عن مالك.
وقال ابن عبد البر: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في معين لا يشكل إسناده وينبغي للمجيز كتابة أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت .
---------------
أجزت له مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره وعبارة القسطلاني في المنهج: الإجازة مشتقة من التجوز وهو التعدي فكأنه عدى روايته حتى أوصلها للراوي عنه قالوا: إنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيزه وكان المجاز له من أهل العلم أيضا لأنها توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها.
قال عيسى بن مسكين: الإجازة رأس مال كبير واشترطه بعضهم في صحتها فبالغ وحكى عن مالك حكاه عنه الوليد بن بكر من أصحابه.
وقال ابن عبد البر: الصحيح انها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في شيء معين لا يشكل إسناده وينبغي للمجيز كتابة أى بالكتابة أن يتلفظ بها أى بالإجازة أيضا فأن أقتصر على الكتابة ولم يتلفظ مع قصد الإجازة صحت لأن الكتابة كناية وتكون حينئذ دون الملفوظ بها في الرتبة وإن لم يقصد الإجازة.
قال العراقي: فالظاهر عدم الصحة. قال ابن الصلاح: وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية التي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنه لم يتلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بذلك.
تنبيه:
لا يشترط القبول في الإجازة كما صرح به البلقيني قلت: فلو رد فالذي ينقدح

 

ج / 2 ص -44-   القسم الرابع: المناولة
-------------------
في النفس الصحة وكذا لو رجع الشيخ عن الإجازة ويحتمل أن يقال إن قلنا الإجازة إخبار لم يضر الرد ولا الرجوع وإن قلنا إذن وإباحة ضرا كالوقف والوكالة ولكن الأول هو الظاهر ولم أر من تعرض لذلك.
فائدة:
قال شيخنا الإمام الشمني: الإجازة في الاصطلاح إذن في الرواية لفظا أو خطا يفيد الإخبار الإجمالي عرفا وأركانها أربعة المجيز والمجاز له والمجاز به ولفظ الإجازة.
القسم الرابع من أفسام التحمل: المناولة والأصل فيها ما علقه البخاري في العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا وقال: " لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا " فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وصله البيهقي والطبراني بسند حسن.
قال السهيلي: احتج به البخاري على صحة المناولة فكذلك العالم إذا ناول التلميذ كتابا جاز له أن يروى عنه ما فيه قال: وهو فقه صحيح.
قال البلقيني: وأحسن ما يستدل به عليها ما استدل به الحاكم من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع

 

ج / 2 ص -45-   هي ضربان مقرونة بالإجازة ومجردة فالمقرونة أعلى أنواع الإجازة مطلقا ومن صورها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو مقابلا به ويقول هذا سماعي أو راويتي عن فلان فاروه أو أجزت لك روايته عني ثم يبقيه معه تمليكا أو لينسخه أو نحوه
-----------------
عبد الله بن حذافة وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى وفي معجم البغوي عن يزيد الرقاشي قال كنا إذا أكثرنا على أنس بن مالك أتانا بمجال له فألقاها إلينا، وقال: هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتها وعرضتها هي ضربان مقرونة بالإجازة ومجردة عنها فالمقرونة بالإجازة أعلى أنواع الإجازة مطلقا ونقل عياض الاتفاق على صحتها ومن صورها وهو أعلاها كما صرح به عياض وغيره أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول له هذا سماعي أو روايتي عن فلان أو لا يسميه ولكن اسمه مذكور في الكتاب المناول فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم يبقيه معه تمليكا أو لينسخه ويقابل به ويرده أو نحوه

 

ج / 2 ص -46-   ومنها أن يدفع إليه الطالب سماعه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول: هو حديثي أو روايتي فاروه عني أو أجزت لك روايته وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا وقد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضا فليسم هذا عرض المناولة وذاك عرض القراءة وهذه المناولة كالسماع في القوةعند الزهري وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري ومجاهد والشعبي وعلقمة وإبراهيم وأبي العالية وأبي الزبير وأبي المتوكل ومالك وابن وهب وابن القاسم وجماعات آخرين ،
-------------------
ومنها أن يدفع إليه أي إلى الشيخ الطالب سماعه أي سماع الشيخ أصلا أو مقابلا به فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه أي يناوله للطالب ويقول له: هو حديثي أو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته وهذا سماه غيرواحد من أئمة الحديث عرضا.
وقد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضا فليسم هذا عرض المناولة وذلك عرض القراءة وهذه المناولة كالسماع في القوة والرتبة عند الزهري وربيعة ويحيى ابن سعيد الأنصاري من المدنيين ومجاهد المكي والشعبي وعلقمة وإبراهيم النخعيان من الكوفيين وأبي العالية البصري وأبي الزبير المكي وأبي المتوكل البصري ومالك من أهل المدينة وابن وهب وابن القاسم وأشهب من أهل مصر وجماعات آخرين من الشاميين والحراسانيين وحكاه الحاكم عن طائفة من مشايخه.
قال البلقيني: وأرفع من حكى عنه من المدنيين ذلك أبو بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة وعكرمة مولى ابن عباس. ومن دونه العلاء بن عبد الرحمن

 

ج / 2 ص -47-   والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة وهو قول الثوري والأوزاعي وابن المبارك وأبي حنيفة والشافعي والبويطي والمزني وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى.
----------------------
وهشام بن عروة ومحمد بن عمرو بن علقمة. ومن دونهم عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد.
ومن أهل مكة عبد الله بن عثمان بن خيثم وابن عيينة ونافع الجمحي وداود العطار ومسلم الزنجي.
ومن أهل الكوفة أبو بردة الأشعري وعلي بن ربيعة الأسدي ومنصور بن المعتمروإسرائيل والحسن ابن صالح وزهير وجابر الجعفي.
ومن أهل البصرة قتادة وحميد الطويل وسعيد بن أبي عروبة وكهمس وزياد بن فيروز وعلي بن زيد بن جدعان وداود بن أبي هند وجرير بن حازم وسليمان بن المغيرة.
ومن المصريين عبد الله بن الحكم وسعيد بن عفير ويحيى بن بكير ويوسف بن عمرو.
ونقل ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول أن بعض أصحاب الحديث جعلها أرفع من السماع لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي وابن المبارك وأبي حنيفة والشافعي والبويطي والمزني وأحمد وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأسنده الرامهرمزي عن مالك.

 

ج / 2 ص -48-   قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب.
ومن صورها: أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له ثم يمسكه الشيخ وهذا دون ما سبق وتجوز روايته إذا وجد الكتاب أو مقابلا به موثوقا بموافقته ما تناولته الإجازة كما يعتبر في الإجازة المجردة ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزية على الإجازة المجردة في معين.
----------------------
قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب قال العراقي: وقد اعترض ذكر ابي حنيفة مع هؤلاء بأن صاحب القنية من اصحابه نقل عنه وعن محمد أن المحدث إذا أعطاه الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمعه ولم يعرفه لم يجز.
قال: والجواب أن البطلان عندهما لا للمناولة والإجازة بل لعدم المعرفة فإن الضمير في قوله ولم يعرفه إن كان للمجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر فمقتضاه أنه إذا عرف ما أجيز له صح وإن كان للشيخ فسيأتي أن ذلك لا يجوز إلا إن كان الطالب موثوقا بخبره.
قلت: ومما يعترض به في ذكر الأوزاعي أن البيهقي روى عنه في المدخل قال: في العرض يقول: قرأت وقرئ وفي المناولة يتدين به ولا يحدث.
ومن صورها: أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يبقيه عند الطالب وهذا دون ما سبق لعدم احتواء الطالب على ما يحمله وغيبته عنه وتجوز روايته عنه إذا وجد ذلك الكتاب المناول له مع غلبة ظنه بسلامته مع التغيير أو وجد فرعا مقابلا به موثوقا بموافقته ما تناولته الإجازة كما يعتبر ذلك في الإجازة المجردة ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزية على الإجازة المجردة عنها في معين من الكتب.

 

ج / 2 ص -49-   وقال جماعة من أصحاب الفقه والأصول: لا فائدة فيها وشيوخ الحديث قديماوحديثا يرون لها مزية معتبرة ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إليه من غير نظر فيه وتحقق لروايته فهذا باطل وإن وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده وصحت الإجازة كما يعتمده في القراءة فلو قال: حدث عني بما فيه إن كان من حديثي مع براءتي
-----------------------
و قد قال جماعة من أصحاب الفقه والأصول: لا فائدة فيها وعبارة القاضي عياض منهم: وعلى التحقيق فليس لها شيء زائد على الإجازة للشيء المعين من التصانيف.
ولا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر إذ المقصود تعيين ما أجازه و لكن شيوخ الحديث قديما وحديثا يرون لها مزية معتبرة على الإجازة المعينة ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول له هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إليه اعتمادا عليه من غيرنظر فيه و لا تحقق لروايته له فهذا باطل فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته وهو بحيث يعتمد مثله اعتمده وصحت الإجازة والمناولة كما يعتمد في القراءة عليه من أصله إذا وثق بدينه ومعرفته.
قال العراقي: فإن فعل ذلك والطالب غير موثوق به ثم تبين بعد ذلك بخبر من يعتمد عليه أن ذلك كان من مروياته فهل يحكم بصحة الإجازة والمناولة السابقين لم أر من تعرض لذلك والظاهر نعم لزوال ما كنا نخشاه من عدم ثقة المجيز.انتهى.
فلو قال: حدث عني بما فيه إن كان من حديثي مع براءتي

 

ج / 2 ص -50-   من الغلط كان جائزا حسنا.
الضرب الثاني: المجردة بأن يناوله مقتصرا على: هذا سماعي فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول وعابوا المحدثين المجوزين.
-------------------------
من الغلط والوهم كان ذلك جائزا حسنا الضرب الثاني المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم مقتصرا على قوله هذا سماعي أو من حديثي ولا يقول له اروه عني ولا أجزت لك روايته ونحو ذلك فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول وعابوا المحدثين المجوزين لها.
قال العراقي: ما ذكره النووي مخالف لكلام ابن الصلاح فإنه إنما قال فهذه مناولة مختلفة لا تجوز الرواية بها وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها.
وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها. ومخالف أيضا لما قاله جماعة من أهل الأصول منهم الرازي فإنه لم يشترط الإذن بل ولا المناولة بل إذا أشار إلى كتاب وقال: هذا سماعي من فلان جاز لمن سمعه أن يرويه عنه سواء ناوله أم لا وسواء قال له اروه عني أم لا.
وقال ابن الصلاح: إن الرواية بها تترجح على الرواية بمجرد إعلام الشيخ لما فيه من المناولة فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية.
قلت: والحديث والأثر السابقان أول القسم يدلان على ذلك فإنه ليس فيهما تصريح بالإذن نعم الحديث الذي علقه البخاري فيه ذلك حيث قال: لا تقرأه

 

ج / 2 ص -51-   فرع:
جوز الزهري ومالك وغيرهما إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة وهو مقتضى قول من جعلها سماعا وحكى عن أبي نعيم الأصبهاني وغيره جوازه في الإجازة المجردة.
---------------------------
حتى تبلغ مكان كذا. فمفهومه الأمر بالقراءة عند بلوغ المكان، وعندي أن يقال: إن كانت المناولة جوابا لسؤال كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنك فناوله ولم يصرح بالإذن صحت وجاز له أن يرويه كما تقدم في الإجازة بالخط بل هذا أبلغ.
وكذا إذا قال له: حدثني بما سمعت من فلان فقال: هذا سماعي من فلان كما وقع من أنس فتصح أيضا وما عدا ذلك فلا فإن ناوله الكتاب ولم يخبره أنه سماعه لم تجز الرواية به بالاتفاق قاله الزركشي.
فرع"
في ألفاظ الأداء لمن تحمل الإجازة والمناولة جوز الزهري ومالك وغيرهما كالحسن البصري إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة، وهي مقتضى قول من جعلها سماعا.
وحكي عن أبي نعيم الأصبهاني وغيره كأبي عبد الله المرزباني جوازه أي إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة المجردة أيضا وقد عيبا بذلك، لكن حكاه القاضي عياض عن ابن جريج وحكاه الوليد بن بكر عن مالك وأهل المدينة وصححه إمام الحرمين ولا مانع منه ومن اصطلاح أبي نعيم أن يقول أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه ويريد بذلك أنه أخبره إجازة وأن ذلك قرئ عليه لأنه لم يقل: وأنا أسمع بدليل أنه قد يصرح بأنه سمعه بواسطة عنه وتارة يضم إليه وأذن لي فيه وهذا اصطلاح له موهم

 

ج / 2 ص -52-   والصحيح الذي عليه الجمهور وأهل التحري المنع وتخصيصها بعبارة مشعرة بها: كحدثنا وأخبرنا إجازة أو مناولة وإجازة أو إذنا أو في إذنه أو فيما اذن لي فيه أوفيما أطلق لي روايته أو أجازني أو لي أو ناولني أو شبه ذلك وعن الأوزاعي تخصيصها بخبرنا والقراءة بأخبرنا واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة واختاره صاحب كتاب الوجازة.
-----------------------
قال المصنف كابن الصلاح: والصحيح الذي عليه الجمهور وأهل التحري والورع المنع من إطلاق ذلك وتخصيصها بعبارة مشعرة بها تبين الواقع كحدثنا إجازة أو مناولة و إجازة وأخبرنا إجازة أو مناولة وإجازة أو إذنا أو في إذنه أو فيما أذن لي فيه. أو فيما أطلق لي روايته أو أجازني أو أجاز لي أو ناولني أو شبه ذلك كسوغ لي أن أروي عنه وأباح لي وعن الأوزاعي تخصيصها أي الإجازة بخبرنا بالتشديد و تخصيص القراءة بأخبرنا بالهمزة.
قال العراقي: ولم يخل من النزاع لأن خبر وأخبر بمعنى واحد لغة واصطلاحا واختار ابن دقيق العيد أنه لا يجوز في الإجازة أخبرنا لا مطلقا ولا مقيدا لبعد دلالة لفظ الإجازة على الإخبار إذ معناه في الوضع الإذن في الرواية.
قال: ولو سمع الإسناد من الشيخ وناوله الكتاب جاز له إطلاق أخبرنا لأنه صدق عليه أنه أخبره بالكتاب وإن كان إخبارا جمليا فلا فرق بينه وبين التفصيلي.
واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة واختاره أبو العباس الوليد بن بكر المعمري صاحب كتاب الوجازة في تجويز

 

ج / 2 ص -53-   وكان البيهقي يقول: أنبأني إجازة.
وقال الحاكم: الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجازه شفاها أنبأني وفيما كتب إليه كتب إلي ،
---------------
الإجازة وعليه عمل الناس الآن والمعروف عند المتقدمين أنها بمنزلة أخبرنا وحكى عياض عن شعبة أنه قال في الإجازة مرة أنبأنا ومرة أخبرنا.
قال العراقي: وهو بعيد عنه فإنه كان ممن لا يرى الإجازة وكان البيهقي يقول: أنبأني وأنبأنا إجازة وفيه التصريح بالإجازة مع رعاية اصطلاح المتأخرين.
وقال الحاكم: الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول: فيما عرض على المحدث فأجازه شفاها أنبأني وفيما كتب إليه كتب إلي واستعمل قوم من المتأخرين في الإجازة باللفظ شافهني وأنا مشافهة وفي الإجازة بالكتابة كتب إلي وأنا كتابة أو في كتابة.
قال ابن الصلاح: ولا يسلم من الإيهام وطرف من التدليس أما المشافهة فتوهم مشافهته بالتحديث وأما الكتابة فتوهم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه كما كان يفعله المتقدمون.
وقد نص الحافظ أبو المظفر الهمداني على المنع من ذلك للإيهام المذكور قلت: بعد أن صار الآن ذلك اصطلاحا عري من ذلك.
وقد قال القسطلاني بعد نقله كلام ابن الصلاح: إلا أن العرف الخاص من كثرة الاستعمال يرفع ما يتوقع من الإشكال.

 

ج / 2 ص -54-   وقد قال أبو جعفر بن حمدان: كل قول البخاري قال لي فلان عرض ومناولة وعبر قوم عن الإجازة بأخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره واختاره الخطابي وحكاه وهو ضعيف.
واستعمل المتأخرون في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ حرف عن فيقول من سمع شيخا بإجازته عن شيخ قرأت على فلان عن فلان.
--------------------
وقد قال أبو جعفر أحمد بن حمدان النيسابوري: كل قول البخاري قالي لي فلان عرض ومناولة وتقدم أنها محمولة على السماع، وأنها غالبا في المذاكرة، وأن بعضهم جعلها تعليقا، وابن منده إجازة وعبر قوم في الرواية بالسماع عن الإجازة بأخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره فاستعملوا لفظ أن في الإجازة واختاره الخطابي وحكاه وهو ضعيف بعيد عن الإشعار بالإجازة.
وحكاه عياض عن اختيار أبي حاتم قال وأنكر بعضهم هذا وحقه أن ينكر فلا معنى له يفهم المراد منه ولا اعتيد هذا الوضع في المسألة لغة ولا عرفا.
قال ابن الصلاح: وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فقط وأجاز له ما رواه قريب فإن فيها إشعارا بوجود أصل الأخبار وإن أجمل المخبر به ولم يذكره تفصيلا.
قلت: واستعمالها الآن في الإجازة شائع كما تقدم في العنعنة.
واستعمل المتأخرون في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ حرف عن فيقول فيمن سمع شيخا بإجازته عن شيخ قرأت على فلان عن فلان كما

 

ج / 2 ص -55-   ثم إن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا لا يزول بإباحة المجيز ذلك.
القسم الخامس: الكتابة. وهي أن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر أو غائب بخطه أو بأمره.
وهي ضربان مجردة عن الإجازة ومقرونة بأجزتك كما كتبت لك أو إليك ونحوه من عبارة الإجازة وهذا في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة وأما المجردة فمنع الرواية بها قوم منهم القاضي الماوردي الشافعي.
----------------------
تقدم في العنعنة.
قال ابن مالك: ومعنى عن في نحو رويت عن فلان وأنبأتك عن فلان المجاوزة: لأن المروى والمنبأ به مجاوز لمن أخذ عنه ثم إن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة والمناولة لا يزول بإباحة المجيز ذلك كما اعتاده قوم من المشايخ في إجازاتهم لمن يجيزون إن شاء قال حدثنا وإن شاء قال أخبرنا لأن إباحة الشيخ لا يغير بها الممنوع في المصطلح.
القسم الخامس: من أقسام التحمل الكتابة وعبارة ابن الصلاح وغيره المكاتبة وهي أن يكتب الشيخ مسموعه أو شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه سواء كتب بخطه أو كتب عنه بأمره.
وهي ضربان: مجردة عن الإجازة، ومقرونة بأجزتك ما كتبت لك أو كتبت إليك أو ما كتبت به إليك ونحوه من عبارة الإجازة وهذا في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة.
وأما الكتابة المجردة عن الإجازة فمنع الرواية بها قوم منهم القاضي أبو الحسن الماوردي الشافعي في الحاوي والآمدي وابن القطان.

 

ج / 2 ص -56-   وأجازها كثيرون من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور والليث وغير واحد من الشافعيين وأصحاب الأصول.
وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث ويوجد في مصنفاتهم كتب إلي فلان قال حدثنا فلان والمراد به هذا وهو معمول به عندهم معدود في الموصول لإشعاره بمعنى الإجازة.
وزاد السمعاني فقال هي أقوى من الإجازة،
----------------------
وأجازها كثيرون من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور والليث وابن سعد وابن أبي سبرة.
ورواه البيهقي في المدخل عنهم، وقال: في الباب آثار كثيرة عن التابعين فمن بعدهم وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعماله بالأحكام شاهدة لقولهم وغير واحد من الشافعيين منهم أبو المظفر السمعاني وأصحاب الأصول منهم الرازي وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث ويوجد في مصنفاتهم كثيرا كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان والمراد به هذا وهو معمول به عندهم معدود في الموصول من الحديث دون المنقطع لإشعاره بمعنى الإجازة وزاد السمعاني فقال: هي أقوى من الإجازة.
قلت: وهو المختار بل وأقوى من أكثر صور المناولة وفي صحيح البخاري في الأيمان والنذور وكتب إلى محمد بن بشار وليس فيه بالمكاتبة عن شيوخه غيره وفيه وفي صحيح مسلم أحاديث كثيرة بالمكاتبة في أثناء السند.
منها: ما أخرجاه عن داود قال :كتب معاوية إلى المغيرة أن أكتب إلى

 

ج / 2 ص -57-   ثم يكفي معرفته خط الكاتب ومنهم من شرط البينة وهو ضعيف ثم الصحيح أنه يقول في الرواية بها كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان أو أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة ونحوه.
-----------------------
ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه الحديث في القول عقب الصلاة وأخرجا عن ابن عون قال: كتب إلي نافع فكتب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق. الحديث .
وأخرجا عن سالم أبي النضر عن كتاب رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمر بن عبيد الله حين سار إلى الحرورية يخبره بحديث: " لا تتمنوا لقاء العدو ".
وأخرجا عن هشام قال: كتب إلى يحيى بن أبي كثير عن عبد الله ابن أبي قتادة عن أبيه مرفوعا إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني وعند مسلم حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتب إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي فذكر الحديث ثم يكفي في الرواية بالكتابة معرفته أي المكتوب له خط الكاتب وأن لم تقم البينة عليه.
ومنهم من شرط البينة عليه لأن الخط يشبه الخط فلا يجوز الاعتماد على ذلك وهو ضعيف.
قال ابن الصلاح: لأن ذلك نادر والظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلباس وإن كان الكاتب غير الشيخ فلا بد من ثبوت كونه ثقة كما تقدمت الإشارة إليه في نوع المعلل ثم الصحيح أنه يقول في الرواية بها كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان أو أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة أو نحوه وكذا حدثنا

 

ج / 2 ص -58-   ولا يجوز إطلاق حدثنا وأخبرنا وجوزه الليث ومنصور وغير واحد من علماء المحدثين وكبارهم.
القسم السادس: إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه مقتصرا عليه فجوز الرواية به كثير من أصحاب الحديث والفقه والأصول والظاهر منهم ابن جريج وابن الصباغ الشافعي وأبو العباس الغمري بالمعجمة المالكي.
-----------------------
مقيدا بذلك ولا يجوز إطلاقي حدثنا أو أخبرنا وجوزه الليث ومنصور وغير واحد من علماء المحدثين وكبارهم وجوز آخرون أخبرنا دون حدثنا:
روى البيهقي في المدخل عن أبي عصمة سعد بن معاذ قال: كنت في مجلس أبي سليمان الجوزقاني فجرى ذكر حدثنا وأخبرنا فقلت إن كلاهما سواء ، فقال: بينهما فرق.
ألا ترى محمد بن الحسين قال: رجل لعبده إن أخبرتني بكذا فأنت حر فكتب إليه بذلك صار حرا وإن قال: إن حدثتني بكذا فأنت حر فكتب إليه بذلك لا يعتق.
القسم السادس: من أقسام التحمل: إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه من فلان مقتصرا عليه دون أن يأذن في روايته عنه فجوز الرواية به كثير من أصحاب الحديث والفقه والأصول والظاهر منهم ابن جريج وابن الصباغ الشافعي وأبو العباس الوليد بن بكر الغمري بالمعجمة نسبة إلى بني الغمر بطن من غافق المالكي ونصره في كتابه الوجازة وحكاه

 

ج / 2 ص -59-   قال بعض الظاهرية: لو قال هذه روايتي لا تروها كان له روايتها عنه والصحيح ما واحد من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به لكن يجب العمل به إن صح سنده.
القسم السابع: الوصية هي أن يوصي عند
------------------------
عياض عن الكثير واختاره الرامهرمزي وهو مذهب عبد الملك بن حبيب المالكي وجزم به صاحب المحصول وأتباعه بل قال بعض الظاهرية لو قال هذه روايتي إليه أن قال لا تروها عني أو لا أجيزها لك كان له مع ذلك روايتها عنه وكذا قال الرامهرمزي أيضا قال عياض وهذا صحيح لا يقتضي النظر سواه لأن منعه أن يحدث لا لعلة ولا ريبة لا يؤثر لأنه قد حدثه فهو شيء لا مرجع فيه.
قال المصنف كابن الصلاح: والصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به وبه قطع الغزالي في المستصفى قال لأنه قد لا يجوز روايته مع كونه سماعه لخلل يعرفه فيه وقاس ابن الصلاح وغيره ذلك على مسألة استرعاء الشاهد إن تحمل الشهادة فإنه لا يكفي إعلامه بل لا بد أن يأذن له أن يشهد على شهادته.
قال القاضي عياض: وهذا القياس غير صحيح لأن للشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإذن في كل حال والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق وأيضا فالشهادة تفترق من الرواية في أكثر الوجوه وعلى المنع قال المصنف كابن الصلاح لكن يجب العمل به أي بما أخبره الشيخ أنه سمعه إن صح سنده وادعى عياض الاتفاق على ذلك.
القسم السابع: من أقسام التحمل الوصية: وهي أن يوصي الشيخ عند

 

ج / 2 ص -60-   موته أو سفره بكتاب يرويه فجوز بعض السلف للموصى له روايته عنه وهو غلط والصواب أنه لا يجوز.
القسم الثامن: الوجادة ، وهي مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب.
-----------------
موته أو سفره لشخص بكتاب يرويه ذلك الشيخ فجوز بعض السلف وهو محمد بن سيرين وأبو قلابة للموصى له روايته عنه بتلك الوصية.
قال القاضي عياض: لأن في دفعها له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة، قال: وهو قريب من الإعلام وهو غلط عبارة ابن الصلاح وهذا بعيد جدا وهو إمازلة عالم أو متأول على أنه اراد الرواية على سبيل الوجادة ولا يصح تشبيهه بقسم الإعلام والمناولة والصواب أنه لا يجوز وقد أنكر ابن أبي الدم على ابن الصلاح وقال: الوصية أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف وهي معمول بها عند الشافعي وغيره فهذا أولى.
القسم الثامن: من أقسام التحمل الوجادة: وهي بكسر الواو مصدر لوجد مولد غيرمسموع من العرب قال المعافى بن زكريا النهرواني: فرع المولدون قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة.
قال ابن الصلاح: يعني قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجد

 

ج / 2 ص -61-   وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواجد فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن أو قرأت بخط فلان عن فلان هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع وفيه شوب اتصال وجازف بعضهم فأطلق فيها حدثنا وأخبرنا وأنكر عليه.
------------------
وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها غير المعاصر له أو المعاصر ولم يسمع منه أو سمع منه ولكن لا يرويها أي تلك الأحاديث الخاصة الواجد عنه بسماع ولا إجازة فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن أو قرأت بخط فلان عن فلان هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وفي مسند أحمد كثير من ذلك من رواية ابنه عنه بالوجادة وهو من باب المنقطع و لكن فيه شوب اتصال بقوله وجدت بخط فلان وقد تسهل بعضهم فأتى فيها بلفظ [عن] فقال:
قال ابن الصلاح: وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه وجازف بعضهم فأطلق فيها حدثنا وأخبرنا وأنكر عليه ولم يجوز ذلك أحد يعتمد عليه.
تنبيهات:
وقع في صحيح مسلم أحاديث مروية بالوجادة وانتقدت بأنها من باب المقطوع كقوله في الفضائل: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: أين أنا اليوم الحديث وروي أيضا بهذا السند حديث: قال لي رسول

 

ج / 2 ص -62-   وإذا وجد حديثا في تاليف شخص قال: ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان وهذا منقطع لا شوب فيه وهذا كله إذا وثق بأنه خطه أو كتابه وإلا فليقل: بلغني عن فلان أو وجدت عنه ونحوه أو قرأت في كتاب: أخبرني فلان أنه بخط فلان أو ظننت أنه خط فلان أو ذكر كاتبه أنه فلان أو تصنيف فلان أو قيل بخط أو تصنيف فلان.
وإذا نقل من تصنيف فلا يقل: قال فلان إلا إذ وثق بصحة النسخة
-----------------------
الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم إذا كنت عني راضية وحديث تزوجني لست سنين وأجاب الرشيد العطار بأنه روى الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصوله إلى هشام وإلى أبي أسامة.
قلت: وجواب آخر وهو: أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه لا في كتابه عن شيخه فتأمل.
وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه قال: ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان وهذا منقطع لا شوب من الاتصال فيه وهذا كله إذا وثق بأنه خطه أو كتابه وإلا فليقل: بلغني عن فلان أو وجدت عنه ونحوه أو قرأت في كتاب أخبرني فلان أنه بخط فلان أو ظننت أنه بخط فلان أو قيل بخط فلان أو قيل إنه تصنيف فلان ونحو ذلك من العبارات المفصحة بالمستند وقد تستعمل الوجادة مع الإجازة فيقال وجدت بخط فلان وأجازه لي.
وإذا نقل شيئا من تصنيف فلا يقل فيه قال فلان أو ذكر بصيغة الجزم إلا إذا وثق بصحة النسخة بمقابلته على أصل مصنفه

 

ج / 2 ص -63-   بمقابلته أو ثقة لها فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل بلغني عن فلان أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه وتسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر.
والصواب ما ذكرناه فإن كان المطالع متقنا لا يخفى عليه غالبا الساقط أو المغير رجونا الجزم له وإلى هذا استرح كثير من المصنفين في نقلهم.
أما العمل بالوجادة فنقل عن معظم المحدثين المالكين وغيرهم أنه لا يجوز وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه هذه الأزمان غيره.
------------------------
أو مقابلة ثقة بها فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل: بلغني عن فلان أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه وتسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا: قال فلان أو ذكر فلان كذا والصواب ما ذكرناه فإن كان المطالع عالما فطنا متقنا بحيث لا يخفى عليه الساقط أو المغير رجونا جواز الجزم له فيما يحكيه وإلى هذا استروح كثير من المصنفين في نقلهم من كتب الناس.
وأما العمل بالوجادة فنقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكيين وغيرهم أنه لا يجوز وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره.

 

ج / 2 ص -64-   . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------
قال ابن الصلاح: فانه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شروطها.
قال البلقيني: واحتج بعضهم للعمل بالوجادة بحديث:
" أي الخلق أعجب إيمانا ؟ قالوا: الملائكة قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ قالوا: الأنبياء قال: وكيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي، قالوا: نحن قال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ، قالوا: فمن يا رسول الله ؟ قال: قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " .
قال البلقيني: وهذا استنباط حسن.
قلت: المحتج بذلك هو الحافظ عماد الدين بن كثير ذكر ذلك في أوائل تفسيره.
والحديث رواه الحسن بن عرفة في جزئه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وله طرق كثيرة أوردتها في الأمالي وفي بعض ألفاظه:
" بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا " أخرجه أحمد والدارمي والحاكم من حديث أبي جمعة الأنصاري وفي لفظ للحاكم من حديث عمر: يجدون الورق المعلم فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا.