توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار مسألة5 [في انحصار الصحيح]
"عدم انحصار الصحيح في كتب الحديث قال زين الدين: عبد الرحيم
بن الحسين العراقي الشافعي" كان الأحسن ذكر اسمه ونسبه في أول
ما نقل عنه المصنف حيث قال قال ابن الصلاح:1 وزين الدين
فالصحيح ما اتصل سنده إلخ "لم يستوعب البخاري ومسلم كل الصحيح
في كتابيهما" فعلى هذا كان الأحسن في الترجمة أن يقول المصنف
عدم انحصار الصحيح في كتابي البخاري ومسلم ليوافق ما قاله
الزين وكما يأتي من الكلام الدال على أن الخوض فيهما لا غير
وعبارة زين الدين في نظمه ولم يعماه إلخ أي لم يعم البخاري
ومسلم كل الصحيح يريد لم يستوعباه في كتابيهما وعبارة ابن
الصلاح2 لم يستوعبا الصحيح في صحيحيها ولا التزما ذلك ثم ذكر
كلام البخاري ومسلم الآتي "ولم يلتزما ذلك" أي استيعاب الحديث
الصريح "وإلزام الدارقطني" هو أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني
إمام كبير وحافظ شهير3 ذكرنا بعضا من أحواله في التنوير شرح
الجامع الصغير "وغيره" هو أبو ذر الهروي كما في شرح صحيح مسلم
"إياهما" أي الشيخين "بأحاديث" صحيحة لم يخرجاها ولا أحدهما
ذكر الدارقطني وغيره أحاديث من طرق صحاح لا مطعن في ناقليها
ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا فيلزمها إخراجها على مذهبهما "ليس
بلازم" لهما "لعدم التزامهما" الاستيعاب.
"قال الحاكم" أبو عبد الله "في خطبة المستدرك" 4 بصيغة اسم
المفعول هذا الجاري
__________
1 علوم الحديث ص "26".
2 علوم الحديث ص "26".
3 سبقت ترجمته.
4 "3/41".
(1/53)
على الألسنة ويصح على اسم الفاعل من باب
عيشة راضية "ولم يحكما" أي الشيخين "ولا واحد منهما أنه لم يصح
من الحديث غير ما أخرجه انتهى" كلام الحاكم ساقه الزين
كالاستدلال على ما ادعاه من عدم استيعابهما ولكن لما كان
الحاكم لي بناقل عنهما فهو كالدعوى أيضا يحتاج إلى بينة.
قال الزين مستدلا لدعواه ودعوى الحاكم "قال البخاري: ما أدخلت
في كتابي الجامع" أي من الأحاديث "إلا ما صح وتركت من الصحاح
لحال الطول" فدلت عبارته أنه لم يستوعب الصحيح وأن أحاديث
جامعة صحيحة "وقال مسلم: ليس كل صحيح وضعته هنا" أي في كتابه
"إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه" لفظ ابن الصلاح1 قال مسلم ليس
كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعته
هاهنا ما أجمعوا عليه إلى هنا عبارة مسلم كما نقلها ابن الصلاح
ثم قال ابن الصلاح: مفسرا لقول مسلم ما أجمعوا عليه "يريد ما
وجد عنده فيه شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يوجد اجتماعها"
أي شرائط الصحيح "في بعض أحاديث كتابه عند بعضهم" أي لم يوجد
عند بعض المجمعين من أئمة الحديث ولا يخفي أن كلام مسلم لا
يفيد ما قاله ابن الصلاح من قوله وإن لم يوجد اجتماعها إلخ بل
كلام مسلم أفاد أن جميع أحاديث كتابه مجمع على اجتماع شرائط
الصحيح فيها فالأحسن أن يقال يريد ما وجد عنده فيه شرائط
الصحيح المجمع عليه بحسب نظره واطلاعه وإن خالفه البعض في
بعضها "قاله" أي هذا التأويل لكلام مسلم "ابن الصلاح" أي لا ما
سلف من قول المصنف قال زين الدين: عبد الرحيم إلى هنا فإنه
كلام ابن الصلاح.
تنبيه: إن قيل ما وجه التعرض لكون الشيخين لم يستوعبا الصحيح
في كتابيهما ومن ادعى ذلك حتى يفتقر إلى نفيه.
قلت: ادعاه الدارقطني عليهما وغيره كما عرفت وكأنه فهم هو ومن
تابعه من التسمية بالصحيح أنه جميع ما صح وما عبداه حسن أو
ضعيف فيفيد أنهما قد حصرا الصحيح وهو من باب مفهوم اللقب بعد
التسمية به وإن كان قبلها من باب مفهوم الصفة وفهم ذلك الحافظ
أبو زرعة فإنه ذكر النووي عنه أنه قال طرق يريد مسلما-
__________
1 علوم الحديث ص "26".
(1/54)
لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا
إذا احتج عليهم بحديث ليس هذا في الصحيح قال سعيد بن عمرو راوي
ذلك عن أبي زرعة فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم إنكار أبي
زرعة فقال مسلم إنما قلت: هو صحيح قال سعيد وقدم مسلم بعد ذلك
الري فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن واره
فجاءه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قال أبو زرعة إن
هذا يطرق لأهل البدع فاعتذر مسلم فقال إنما قلت: هو صحيح ولم
أقل إن ما لم أخرجه من الحديث فهو ضعيف ذكر هذا النووي في شرح
مقدمة مسلم مفرقا.
قلت: قد اتفق ما حدسه أبو زرعة من ذلك التطريق فإنه ذكر الحاكم
أبو عبد الله في خطبة المستدرك ما لفظه1: إنه صنف الشيخان في
صحيح الأخبار كتابين مهذبين انتشر ذكرهما في الأقطار ولم يحكما
ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه وقد نبغ في
عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يسمون برواة الآثار بأن جميع ما
صح عندهم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه المسانيد
المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أكثر كلها سقيمة أو غير
صحيحة فهذا هو الذي حدسه أبو زرعة وغيره قد وقع وفي قوله عشرة
آلاف إشعار بعدة أحاديث الصحيحين فكأن هذا هو من الحوامل لأهل
الحديث على التعرض لذكر أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح في
كتابيهما أما البخاري فقوله "أحفظ مائة ألف حديث صحيح"2 وكون
الذي أخرجه في كتابه لا يبلغ عشر ما ذكره صريح في أنه لم
يستوعب الصحيح.
إن قلت: قول الحاكم في مواضع من المستدرك في الحديث على شرطهما
ولم يخرجاه يشعر بخلاف ما نقله عنه في الخطبة وإلا فلا فائدة
لقوله ولم يخرجاه.
قلت: لعله لم يسق قوله ولم يخرجاه مساق الاعتراض عليهما بأنهما
لم يخرجاه بل ذكر ذلك إخبارا بأنهما لم يخرجا كل ما كان على
شرطهما فهو كالاستدلال لما قاله في خطبته من أنهما لم يستوعبا
الصحيح ولا التزما ذلك.
وقد جرأ على هذا الوهم أعني أنهما حصرا الصحيح السيد على بن
محمد بن أبي القاسم في ترسله على المصنف بالرسالة التي رد
عليها بالعواصم فإنه قال وقد تعرضوا لحصر الصحيح فما لم يذكره
غير صحيح عندهم ولكنه زعم أنهم قالوا إنما
__________
1 "1/41".
2 علوم الحديث ص "16"، وسير أعلام النبلاء "12/415".
(1/55)
الصحيح محصور في الكتب الستة فزاد إلى
الوهم الأصلي وهمين طارئين وقد بين المصنف الرد عليه في
العواصم بما يفيده ما ذكرناه.
"وقال النووي في شرح مسلم ما معناه إنه وقع اختلاف بين الحافظ
في بعض أحاديث البخاري ومسلم فهي مستثناة من دعوى الإجماع على
صحة حديثهما" كأن المصنف نقل كلام النووي إيضاحا لكلام ابن
الصلاح حيث قال وإن لم يوجد اجتماعها في بعض أحاديث كتابه عند
بعضهم.
ومن هنا تعلم أنه كان ينبغي للزين أن يزيد فيما سلف في آخر
المسألة الأولى حيث قال والمراد ما أسنداه دون التعاليق
والتراجم قيدا وهو دون الأحاديث التي اختلف فيها وهذا الذي
نسبه المصنف إلى النووي نقله النووي عن ابن الصلاح فإنه قال في
أثناء كلام نقله عنه فإذا علم هذا فما أخذ البخاري ومسلم وقدح
فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على
تلقيه بالقبول وما ذاك إلا في مواضع قليلة سننبه على ما وقع في
هذا الكتاب منها إن شاء الله تعالى هذا آخر ما ذكره الشيخ أبو
عمرو فالكلام لابن الصلاح نقله النووي.
واعلم أن هذا كلام كان يحسن تأخيره إلى مسألة حكم الصحيحين
وذكر تلقي الأمة بالقبول لهما فإن هذا الاستثناء إنما هو مما
تلقته الأمة بالقبول والإجماع ولم يسبق له هنا ذكر سوى قوله
وكتاباهما أصح كتب الحديث وسيأتي مستوفى أن شاء الله تعالى عند
ذكر المصنف له.
"وقد ذكر" أي النووي "الجواب على من خالف في صحة تلك الأحاديث
النادرة" قال النووي وقد أحببت عن كل ذلك أو أكثره وستراه في
مواضعه إن شاء الله تعالى ذكره في شرح مسلم بعد ذكره للأحاديث
التي انتقدها الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي على الشيخين وسيأتي
ذلك إن شاء الله تعالى عند كلام المصنف على حكم الصحيحين.
"قال زين الدين: وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن
الأخرم" بالخاء المعجمة والراء المهملة الشيباني المعروف أبوه
بابن الكرماني ويقال له أيضا الأخرم إجراء للقب أبيه عليه كان
صدر أهل الحديث بنيسابور قال لعبد الغفار الفارسي هو الفاضل في
الحفظ والفهم صنف على الكتابين البخاري ومسلم وكان ابن خزيمة
يراجعه في مهمة توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة "شيخ الحاكم
كلاما معناه قلما
(1/56)
يفوت البخاري ومسلما ما ثبت من الحديث قال
ابن الصلاح" بعد نقله لكلام ابن الأخرم "يعني" ابن الأخرم "في
كتابيهما" لكنه قال ابن الصلاح: بعد هذا ولقائل أن يقول ليس
ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله
كتاب كبير يشتمل على شيء كثير وإن يكن في بعضه مقال فإنه يصفو
له منه صحيح كثير.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي من كلامه أعني ابن الأخرم
أنه غير مريد للكاتبين وإنما أراد مدح الرجلين بكثرة الاطلاع
والمعرفة لكن لما كان غير لائق يوصف أحد من الأمة بأنه جمع
الحديث جميعه حفظا وإتقانا حتى ذكر عن الشافعي أنه قال: "من
قال إن السنة كلها اجتمعت عند رجل واحد فسق ومن قال إن شيئا
منها فات الأمة فسق" فحينئذ عبر عما أراده من المدح بقوله فلما
يفوتهما منه أي قل حديث يفوت البخاري ومسلما معرفة أو نقول
سلمنا أن المراد الكتابان لكن المراد من قوله مما ثبت من
الحديث الثبوت على شرطهما لا مطلقا.
"قال النووي في التقريب والتيسير1: والصواب أنه لم يفت الأصول
الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي
والنسائي" وقد ألحق بها عوضا عنه سنن ابن ماجة وعلى هذا بني
الحافظ المزي2 في تهذيب الكمال ومن تبعه من مختصري كتابه
كالحافظ ابن حجر الخزرجي.
"قال زين الدين العراقي: وفي كلام النووي ما فيه لقول البخاري
أحفظ مائة ألف حديث صحيح" تمام حكاية البخاري ومائتي ألف حديث
غير صحيح فإنه دال على كثرة ما فات الكتابين من الصحيح كما
ستعرفه من عدد أحاديثهما فيما يأتي قريبا فلا يتم لابن الأخرم
ما ادعاه وعلى كثرة ما فات غيرهما من الثلاثة أيضا فلا يتم ما
ادعاه النووي أيضا.
__________
1 "1/99" مع شرحه "تدريب الراوي".
2 المزّي هو: الإمام العالم الحبر محدث الشام جمال الدين أبو
الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الشافعي.
رحل وسمع الكثير، وهو حامل لواء معرفة الرجال، لم تر العيون
مثله. مات سنة "742". له ترجمة في: تذكرة الحفاظ "4/1498"،
وشذرات الذهب "6/136"، والنجوم الزاهرة "10/76".
(1/57)
قال الحافظ ابن حجر: مراده أي النووي من
أحاديث الأحكام خاصة أما غير الأحكام فليس بقليل.
قلت: فلا يرد ما أورده عليه الزين.
"قال النووي: ولعل البخاري أراد" بقوله "مائة ألف حديث صحيح"،
"والأحاديث المكررة الأسانيد يعني المختلفة" أي التي اختلفت
أسانيدها واتحد متنها كما سنعرف قريبا "والموقوفات على
الصحابة" والتابعين فإنه قد يطلق عليه لفظ الحديث كما يدل له
قوله "وقال ابن الصلاح بعد حكاية كلام البخاري إلا أن هذه
العبارة" يعني قوله مائة ألف حديث صحيح "قد يتدرج تحتها عندهم"
أي عند أئمة هذا الشأن "آثار الصحابة والتابعين" قال ابن
الصلاح1: "وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين"
باعتبار إسناديه.
__________
1 علوم الحديث ص "27".
(1/58)
مسألة 6 [في عدد أحاديث الصحيحين]
"عدد أحاديث البخاري ومسلم" كأن الباعث على ذكر عدة أحاديث
الكتابين ما سبق ذكره عن الحافظ ابن الأخرم وما نقل عن عدد ما
يحفظه البخاري.
"قال الشيخ زين الدين بن العراقي1: عدد أحاديث البخاري بإسقاط
المكرر" أي من المتون "أربعة آلاف حديث على ما قيل" هكذا نقله
ابن الصلاح بصيغة التمريض "وعدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف
ومائتان وخمسة وسبعون حديثا وكذا جزم ابن الصلاح" لكن قد عرفت
أنه جعل عادة ما ليس مكرر رواية على غيره بصيغة التمريض فيحمل
كلام الزين على جزم ابن الصلاح بالعدد الذي فهي المكرر فإنه
جزم به ولم ينسبه لأحد وذكر المصنف في العواصم أن صحيحه يعني
البخاري لا يشتمل إلا على قدر أربعة آلاف حديث من غير المكرر
وكأنه يريد في عبارة العواصم أن عدة ذلك بالمكرر وإن خالف ما
سلف من أن عدده سبعة آلاف وكسور.
قال الزين: "وهو" أي ما قاله ابن الصلاح في عدة أحاديث البخاري
"مسلم" أي في عدته بالمكرر أو في عدته بغير المكرر يحتمل "في
رواية الفريري" 2 فرير كسبحل قرية ببخارى كذا في القاموس وهو
محمد بن يوسف أحد رواة صحيح البخاري بل عمدتهم "وأما رواية
حماد بن شاكر فهي دونها" أي دون رواية الفريري "بمائتي حديث
ودون هذه" أي رواية حماد بن شاكر "بمائة حديث رواية ابراهيم بن
معقل" بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف ونقل المصنف هذا
الكلام الذي ذكره زين الدين في
__________
1 فتح المغيث "1/18".
2 الفربري: بفتح الفاء والراء وسكون الباء الموحدة وبعدها راء
أخرى. وهي بلدة على طرف "جيحون" مما يلي بخارى. "الأنساب"،
"4/359".
(1/59)
"الروض الباسم" بلفظه وظاهر عبارته أن
رواية ابراهيم بن معقل تنقص عن رواية الفريري ثلثمائة حديث
وظاهره أيضا أن هذا نقص في روايتهما ونسخهما.
قال الحافظ ابن حجر، بعد نقله لكلام شيخة زين الدين ما لفظه:
وظاهر هذا أن النقص في هاتين الروايتين وقع من أصل التصنيف أو
مفرقا من أسانيد فإنه اعترض على ابن الصلاح في إطلاقه هذه
المدة من غير تمييز قاعدة وليس كذلك بل كتاب البخاري في جميع
روايات الثلاثة في العدد سواء وإنما حصل الاشتباه من جهة أن
حماة بن شاكر وابراهيم بن معقل لما سمعا الصحيح على البخاري
فإنهما من أواخر الكتاب شيء فروياه بالإجازة عنه وقدينه على
ذلك أبو نصر ابن طاهر وكذا نبه الحافظ أبو على الجياني في كتاب
المهمل على ما يتعلق بابراهيم بن معقل فروي بسند إليه قال وأما
من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فأجازه لي البخاري قال أبو
على الخياني وكذا فإنه من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة
الإفك في باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ
اللَّهِ} [الفتح: 15] ... إلى آخر الباب وأما حماد بن شاكر
ففاته من أثناء كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب.
فتبين أن النقص في رواية حماد بن شاكر وابراهيم بن معقل إنما
حصل من طريان القوت لا من أصل التصنيف وظهر أن العدة في
الروايات كلها سواء وغايته أن الكتاب جميعه عند الفريري
بالسماع وعند هذين بعضه بسماع وبعضه بإجازة والعدة عند الجميع
في أصل التصنيف سواء فلا اعتراض على ابن الصلاح في شيء مما
أطلقه. انتهى بلفظه.
ثم قال زين الدين: "ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم" هذا
كلام الزين في شرح ألفيته وقال فيما كتبه إلى ابن الصلاح ما
لفظه ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث كتاب مسلم بالمكرر وهو
يزيد على عدة كتاب البخاري بكثرة طرقه انتهى1.
"وقال النووي" قي التقريب والتيسير "إنه نحو أربعة آلاف بإسقاط
المكرر" قال الحافظ ابن حجر ذكر الشيخ في شرح الألفية من أحمد
بن سلمة أن عدة كتاب مسلم بالمكرر اثنا عشرة ألف حديث وعن
الشيخ محي الدين النووي أن عدته بغير المكرر نحو أربعة آلاف2.
اهـ.
__________
1 التقييد والإيضاح ص "27".
2 التقييد والإيضاح ص "27"، وتدريب الراوي "1/104".
(1/60)
قلت: لم نجد في شرح الألفية الرواية التي
ذكرها الحافظ عن أحمد بن سلمة وليس فيه إلا كلام النووي الذي
ذكره المصنف رحمه الله تعالى ولعله في الشرح الكبير.
ثم قال الحافظ: وعندي في هذا نظر وإنما لم يتعرض المؤلف يريد
ابن الصلاح لذلك أي لعدة ما في صحيح مسلم لأنه لم يقصد ذكر عدة
ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم بل السبب
لذكر المؤلف عدة ما في أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح
الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلاف لقول ابن الأخرم لأن
المؤلف رتب بحثه على مقدمتين إحداهما أن البخاري قال أحفظ مائة
ألف حديث صحيح والأخرى أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف
حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا فينتج أن الذي لم يخرجه
البخاري من الصحيح أكثر من الذي خرجه. انتهى.
قلت: لا يخفى أن ابن الأخرم جعل دعواه متعلقة بالصحيحين معا
وأنه لم يفت مؤلفيهما إلا القليل مما ثبت من الحديث والجواب أن
دعواه لا تتم إلا ببيان عدة أحاديث الكتابين ونسبة تلك العدة
إلى الأحاديث الصحيحة مطلقا ليتبين أن ما فاتهما أكثر مما جعله
فلا يتم دعواه وأما الاقتصار في الجواب عليه بأن عدة البخاري
كذا والذي يحفظه البخاري كذا فيتم في البخاري ولكنه يقول
الدعوى أنه لم يفت الكتابين إلا القليل واقتصرتم في الجواب على
أحدهما دون الآخر فلابد من ذكر عدة أحاديث مسلم ليتم الجواب
فنظر الزين وأراد على ابن الصلاح ودفع الحافظ غير واف بالمراد.
نعم لك أن تقول إنما لم يذكر عدة مسلم لأنه ليس إلا رد قول ابن
الأخرم إن الفائت مما جمعه الشيخان من الصحيح قليل فإنه إذا
كان البخاري يحفظه منه مائة ألف حديث صحيح وكتابه حوى سبعة
آلاف وكسورا وهب أن مسلما حوى عشرين ألف حديث ولم يحوها قطعا
فالفائت من الصحيح على الصحيحين زيادة على سبعين ألف حديث فكيف
إذا انضم إلى الصحيح ما يحفظه مسلم مما لم يحوه كتابه وبهذا
يتحصل عدم صحة ما قاله ابن الأخرم.
"وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري أنه ترك
التقليد في عدة أحاديث البخاري" أي ترك التقليد للقائلين إن
عدته ما ذكر ولا يخفي أن قبول رواية
(1/61)
المذكورين لعدة أحاديث البخاري ليس من باب
التقليد بل من باب قبول رواية العدل وليس من التقليد كما عرف
في الأصول ويأتي للمصنف ذلك فالأولى أن يقول إنه اختبر ما قاله
لما دون فوجدهم واهمين فإن الوهم جائز على العدل كما علمت ونقل
عنه البقاعي أنه قال يعني ابن حجر أنه لما شرع في مقدمة شرح
البخاري قلد الحموي1 يريد في عدة أحاديث البخاري إلى كتاب
السلم فوجدته قال إن فيه ثلاثين حديثا أو نحو الشك مني قال
فاستكثرتها بالنسبة إلى الباب فعددتها فوجدتها قد نقصت كثيرا
فرجعت عن تقليده وعددت محررا بحسب طاقتي فبلغت أحاديث بالمكرر
سوى المعلقات سبعة آلاف وثلثمائة وسبعة وتسعين حديثا إلى آخر
ما قاله المصنف "وحرز ذلك بنفسه فزاد على ما ذكروه مائة حديث
واثنان وعشرون حديثا والجملة عنده بالمكرر من غير المعلقات
والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثا".
واعلم أن معرفة عدة أحاديث الصحيحين ليست من علوم الحديث
وقواعده ولكن دعا إلى ذكرها ما عرفته من كلام ابن الأخرم وزاد
الحافظ عدد المعلقات "قال: وجملة ما فيه من التعاليق ألف
ثلثمائة وأحج وأربعون حديثا أكثرها مكرر مخرج في صحيح البخاري
يعني في مواضع أخر" لفظ ابن حجر في المقدمة مخرج في الكتاب
أصول متونه فتسمية ما ذكره تعليقا بالنسبة إلى ذكره له غير
مخرج لا بالنسبة إلى ما ذكره له غير مخرج لا بالنسبة إلى ما
ذكره له مخرجا فإن المخرج منها وهو الموصول داخل في عدة
أحاديثه المخرجة.
"قال" ابن حجر "وليس فيه" أي في المعلق أو في البخاري "من
المتون" المعلقة "التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلا
مائة وستون حديثا" فهذه في الحقيقة هي المعلقات لا غير لعدم
تخريج البخاري لها.
"قال" ابن حجر "وقد أفردتها في كتاب لطيف" هو المسمى بتغليق
التعليق "متصلة الأسانيد إلى من علقت عنه" فعلى هذا لم يبق في
البخاري حديث معلق في نفيس الأمر بل كلها متصلة ثم قال ابن حجر
وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات
ثلثمائة وأربعة وأربعون حديثا فجميع ما في الكتاب على هذا
بالمكرر سبعة آلاف حديث واثنان وثمانون حديثا وهذه العدة خارجة
عن الموقوفات على
__________
1 كذا بالأصل "الحموي"، وهو تصحيف، وصوابه "الحمويي".
(1/62)
الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم،
وقد استوعبت أصل جميع ذلك في كتابي تغليق التعليق. انتهى.
"قال" ابن حجر "وهذا تحرير بالغ لم أسبق إليه" فإنه لم يتعرض
من تقدم لعد المعلقات ولا لعد ما لم يخرج منها قال: "وأنا مقر
بعدم العصمة من السهو والخطأ".
وأما عدة طرق الصحيحين فذكر الحافظ ابن حجر عن الحافظ الجوزقي
أنه قال في كتابه المسمى بالمتفق أنه استخرج على جميع ما في
الصحيحين حديثا حديثا فكان مجموع ذلك خمسة وعشرون ألف طريق
وأربعمائة وثمانين طريقا وأما ما اتفق الشيخان على إخراجه من
المتون فذكر الجوزقي أن حملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من
المتون في كتابيهما ألفان وثلثمائة وستة وعشرون حديثا.
تنبيه: قال الزركشي إن عدة أحاديث أبي داود أربعة آلاف
وثمانمائة حديث قال ابن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم: خمسمائة ألف حديث انتخبت منها هذه السنن
فيها أربعة آلاف وثمانمائة المراسيل نحو ستمائة حديث قال أبو
داود لم أصنف فيه كتب الزهد ولا فضائل الأعمال وهي أحاديث صحاح
كثيرة وعنه ما في كتاب السنن حديث إلا وقد عرضته على أحمد بن
حنبل ويحيى بن معين.
وأما كتاب ابن ماجه فقال أبو الحسن بن القطان صاحبه عدته أربعة
آلاف حديث.
وأما أحاديث الترمذي والنسائي فلم أر من عدهما.
وأما الموطأ فقال أبو بكر الأبهري جملة ما فيه من الآثار عن
النبي صلى الله عليه وسلم: وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة
وعشرون حديثا المسند منها ستمائة حديث والمرسل مائتان واثنان
وعشرون حديثا والموقوف ستمائة وثلاث عشر حديث ومن قول التابعين
مائتان وخمسة وثمانون وذكر الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول
أن موطأ مالك كان اشتمل على تسعة آلاف حديث ثم لم يزال ينتفي
حتى رجع إلى سبعمائة.
فائدة: ذكرها الحافظ ابن حجر عن أبي جعفر محمد بن الحسين
البغدادي أنه قال يف كتاب التمييز له عن النووي وشعبة ويحيى بن
سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل أن جملة الأحاديث المسندة
عن النبي صلى الله عليه وسلم: يعني الصحيحة بلا تكرر أربعة
(1/63)
آلاف وأربعمائة حديث وعن اسحق بن راهوية
أنه سبعة آلاف ونيف وقال أحمد بن حنبل وسمعت ابن مهدي يقول
الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة وكذا قال اسحق بن راهويه عن
يحيى بن سعيد وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أن الذي في
الصحيحين من أحاديث الأحكام نحو ألفي حديث وقال أبو بكر
السختياني عن ابن المارك تسعمائة وقال الحافظ ومرادهم بهذه
العدة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أقواله الصريحة
في الحلال والحرام وقال كل منهم بحسب ما وصل أليه ولهذا
اختلفوا. والله أعلم.
(1/64)
|