توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار مسألة: 15 [في بيان شرط النسائي]
"شرط النسائي" هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي1 في
القاموس أن نسا بلدة وبلدة بسرخس ذكره في المعتل ولم يذكره في
المهموز "واعلم أن من الناس من يفضل كتاب النسائي في القوة
والصحة على سنن أبي داود" وقد أطلق الصحة عليه أو على
النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدارقطني وابن منده وعبد الغني
بن سعيد قال ابن الصلاح: وقد أطلق الخطيب السلفى الصحة على
كتاب النسائي انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: أطلق الحاكم الصحة عليه وعلى كتاب أبي
داود والترمذي وقال أبو عبد الله بن منده الذي خرجوا الصحيح
أربعة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأشار إلى ذلك أبو على
بن السكن "وقد روى أن له شرطا أعز من شرط البخاري" قال الحافظ
الذهبي في التذكرة إنه قال ابن طاهر سألت سعد بن علي الزنجاني
عن رجل فوثقه فقل قد ضعفه النسائي فقال يا بني إن لأبي عبد
الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم "ولكنه لم يصح
عنه دعوى ذلك ولا ذكر ذلك الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث
ولا الحافظ زين الدين بن العراقي في التبصرة بل نقل زين الدين
في التذكرة عن ابن منده أن شرط النسائي أن يخرج حديث من لم
يجمع على تركه" قد قدمنا أن هذا قاله الحافظ المنذري نقلا عن
أبي داود في خطبة مختصر السنن ولكنه قال الحافظ ابن حجر إنما
أراد بذلك إجماعا خاصا وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا
تخلوا عن متشددة ومتوسطة فمن
__________
1 أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي القاضي الإمام الحافظ.
قال الذهبي: هو أحفظ من مسلم بن الحجاج وقال الحاكم: كان أفقه
مشايخ مصر في عصره مات سنة 303. له ترجمة في: البداية والنهاية
11/123.وشذرات الذهب 2/239. والعبر 2/123.
(1/197)
الأولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه
من الثانية يحيى بن القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد من
عبد الرحمن ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد
من أحمد ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من
البخاري فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على
تركه.
ثم قال ابن حجر فإذا تقرر ذلك ظهر أن ما يبادر إلى الذهن من أن
مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له
أبو داود والترمذي يجتنب النسائي إخراج حديثه. انتهى.
"قال زين الدين: هذا مذهب متسع" قد عرفت مما نقلناه عن ابن حجر
ما لا يتم معه هذا "ذكر ذلك الذهبي في تذكرته" أي تذكرة الحفاظ
"في ترجمة النسائي عن ابن طاهر عن سعد بن علي الزجاني قوله
والله أعلم" قد عرفته مما نقلناه من التذكرة عن ابن طاهر عن
الزنجاني وأن دعواه أن شرط النسائي أشد من شرط البخاري ومسلم
وظاهر كلام المصنف أن الذي في ترجمة النسائي. من التذكرة هو
هذا المنقول عن ابن منده ولم أجده في التذكرة في ترجمة
النسائي.
"وقال" الذهبي "في النبلاء في ترجمة النسائي إن ذلك صحيح" أي
ما قاله سعد الزنجاني "وقال في النسائي هو أحذق بالحديث وعلله
ورجاله من مسلم والترمذي وأبي داود وهو جار في مضمار البخاري
وأبي زرعة" هذا كلام الذهبي وهو ينافي ما تقدم من أنه لم يصح
عن النسائي دعوى ذلك إلا أن يقال أن النسائي لم يدع ذلك لكن
الأئمة الحفاظ تتبعوا كتابه فوجدوه بهذه المثابة فحكموا له
بهذا الحكم كما قلناه في شرط الشيخين.
"وقد تكلم الحافظ سراج الدين" أي ابن النحوي "في أول البدر
المنير على شرطه واستقصى كلام الحفاظ فيه وروى أبو السعادات
ابن الأثير في مقدمة جامعه" يعني جامع الأصول "أن النسائي سئل
قال" ابن الأثير إنه سأله عنه بعض الأمراء أي "عن حديث سننه
الكبرى أصحيح هو فقال لا فقيل له اختصر لنا الصحيح منه وحده
فصنف كتاب المجتبي واقتصر فيه على ذكر الصحيح مما في السنن
انتهى".
قال ابن الأثير: إن ترك كل حديث مما تكلم في إسناده بالتعليل
انتهى.
"قلت: والمجتبي هو السنن الصغرى ولهذا يقول المحدثون رواه
النسائي في سننه الكبرى وهذا يقوي أنه لا يجوز العمل بحديث
السنن الكبرى من غير بحث" لا يخفى
(1/198)
أنه قال أئمة هذا الشأن في سنن النسائي
الكبرى بقولين الأول أن شرطه فيها أشد من شرط الشيخين الثاني:
أن شرطه فيها شرط سنن أبي داود وهو إخراج حديث من لم يجمع على
تركه.
والمصنف قد أجاز العمل بما سكت عليه أبو داود بما طول فيه
الكلام فليجعل سنن النسائي مثله "وأما السنن الصغرى المسماة
بكتاب المجتبي فيجوز" أي العمل بما فيها من غير بحث "ولعلها هي
التي فصلت" أي التي قيل إن رجالها شرط النسائي فيهم أشد من شرط
البخاري.
"لكن قال الذهبي في ترجمة النسائي في النبلاء إن هذه الرواية
لم تصح" أي التي ذكرها ابن الأثير "بل المجتبي اختصار ابن
السني تلميذ النسائي" وقال في ترجمة ابن السني في تذكرة الحفاظ
إ ابن السني صاحب كتاب عمل يوم وليلة وراوي سنن النسائي كان
دينا خيرا صدوقا إلى أن قال واختصر السنن وسماه المجتبي انتهى
بلفظه ولم يذكر في ترجمة النسائي أنه اختصر السنن.
"قال" أي الذهبي "وهذا هو الذي وقع لنا من سننه سمعته ملفقا من
جماعة سمعوه من ابن باقا" ضبط بالقلم بالموحدة فألف فقاف
"برواية عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه إجازة لفوت له محدد"
أي معروف حده "في الأصل" متعلق بمحدد "قال أخبرنا أبو محمد عبد
الرحمن بن حميد الدروي ثنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار أنا
ابن السني عنه قال" الذهبي "وكتاب خصائص علي" ابن أبي طالب رضي
الله عنه الذي ألفه النسائي بسبب دخوله دمشق فإنه قال دخلت
دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن
يهديهم الله ذكره الذهبي في ترجمته في التذكرة "داخل في سننه
الكبرى وكتاب عمل يوم وليلة من جملته في بعض النسخ" أي نسخ سنن
النسائي الكبرى وكأنه منه أخذ ابن السني كتابه عمل يوم وليلة
زاد فيه ما ليس من السنن "فمن أحب البحث عن حديثه والكشف عن
رجاله استعان بمطالعة أطراف المزي وميزان الذهبي كما تقدمت
الإشارة إلى ذلك في سنن أبي داود" وتقدم تحقيقه.
(1/199)
مسألة: 16 [في بيان شرط ابن ماجه]
"شرط ابن ماجه" قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمته الحافظ
الكبير المفسر هو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني1 هو صاحب
السنن والتفسير والتاريخ لقزوين "وأما سنن ابن ماجه فإنه دون
هذين الجامعين" يعني كتاب أبي داود وكتاب النسائي " والبحث عن
أحاديثها لازم وفيها حديث موضوع في أحاديث الفضائل وقد ذكر
الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن ماجه ثقة كبير متفق عليه محتج
به له معرفة وحفظ" هذا الكلام نقله الذهبي في التذكرة عن أبي
يعلي الخليلي لا من كلامه نفسه "إلى أن قال وسنن أبي عبد الله
كتاب حسن لولا ما كدره بأحاديث واهية ليست بالكثيرة انتهى كلام
الحافظ الذهبي" ونقل الذهبي عن ابن ماجه أنه قال عرضت هذه
السنن على أبى زرعة فنظر فيه وقال أظن إن وقع هذا في أيدي
الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ثم قال لا يكون فيه تمام
ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف.
وأقر هذا الكلام في التذكرة "و" لكنه "قال" الذهبي "في ترجمته
في النبلاء وقول أبي زرعة لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا
مما في سنده ضعف أو نحو ذلك إن صح كأنما عنى بثلاثين حديثا
الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة
فكثيرة لعلها نحو الألف وقال فيه" في النبلاء "كان حافظا ناقدا
صادقا واسع العلم وإنما غض" بالغين والضاد المعجمتين يقال غض
منه نقص ووضع من قدره كما في القاموس "من رتبة سننه ما فيها من
المناكير وقليل من الموضوعات وإنما أراد الذهبي" بقوله قليل
"تقليل الأحاديث الباطلة" ولذا قال من الموضوعات "وأما
الأحاديث
__________
1 أبو عبد الله بن محمد بن يزيد القز ويني سمع بخراسان والعراق
والحجاز ومصر والشام وغيرها. قال الخليلي: ثقة كبير متفق عليه
مجمع به مات سنة 283. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/52.
وشذرات الذهب 2/164. ووفيات الأعيان 1/484.
(1/200)
الضعيفة في عرف أهل الحديث ففيه قدر ألف
حديث منها كما ذكر في النبلاء في ترجمة ابن ماجه وقدر" بتشديد
المهملة أي الذهبي "الباطلة بعشرين حديثا فيحرر من النبلاء".
قال الذهبي في التذكرة وعدد كتب سننه اثنان وثلاثون كتابا قال
أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجه في السنن ألف وخمسمائة باب
وجملة ما فيها أربعة آلاف حديث. انتهى.
وقال ابن حجر في الفهرسة إنه قال الحافظ المزي إن الغالب فيما
انفرد به ابن ماجه الضعف ولذا جرى كثير من القدماء على إضافة
الموطأ أو غيره إلى الخمسة قال الحافظ أول من أضاف ابن ماجه
إلى الخمسة أبو الفضل بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف وكذا
في شروط الأئمة الستة ثم الحافظ عبد الغني في كتابه في أسماء
الرجال الذي هذا به الحافظ المزي وسبب تقديم هؤلاء له على
الموطأ كثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ وممن اعتنى
بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثم المزي مع رجالها.
* * *
(1/201)
|