توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار

مسألة:21 [في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن]
"جمع الحديث بين الصحة والحسن" أي جمع بعض الأئمة لوصف الحديث بالأمرين "استشكل الجمع بين الحسن والصحة في حديث واحد كقول الترمذي" في جامعه "حديث حسن صحيح" وقد يزيد غريب ولم يذكره المصنف لأن الغرابة لا تنافي الصحة والحسن ومثله وقع للبخاري على ما ذكره السخاوي ويعقوب بن شيبة فإنه جمع بين الصحة والحسن والغرابة في مواضع من كتابه وكأبي على الطوسي فإنه جمع بين الصحة والحسن في مواضع من كتابه المسمى بـ الأحكام وكذا في شرح النخبة لملا علي قاري وإنما استشكل "لأن الحسن قاصر على الصحيح" بخفة ضبط رواته "كما سبق" في تعريفه "فكيف يجمع إثبات القصور" بوصفه الحسن "ونفيه" أي القصور بوصفه بالصحيح "في حديث واحد" وهل هذا إلا تناقض؟!.
"قال زين الدين: وقد أجاب ابن الصلاح بجوابين ثم جوز جوابا آخر" لفظ زين الدين: وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثم جوز جوابا آخر. انتهى. ولفظ ابن الصلاح وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روى الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أي أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من أراد ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده انتهى بلفظه فعرفت أنه جواب بجواب واحد وجوز جوابا آخر جعله علاوة للأول فكأن ما في نسخ التنقيح من قوله جوابين وجوز جوابا آخر سبق فلم أو غلط من النساخ.
"وضعف الجوابين الشيخ تقي الدين فمزجت" بالزاي والجيم من المزج وهو الخلط "الجوابين" أي جوابي ابن الصلاح "بردهما" للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد أفاد

(1/213)


ذلك قوله "قال ابن الصلاح: غير مستنكر أن يراد بالحسن معناه اللغوي دون الاصطلاحي" قد قدمناه تفسير ابن الصلاح اللغوي.
"قال الشيخ تقي الدين" ردا عليه "يلزم عليه الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن" إذ قد تميل إليه النفس ولا يأباه القلب مع انه لا يطلق عليه الحسن عندهم فلو أرادوا المعنى اللغوي لأطلقوا الحسن على الموضوع قال الحافظ ابن حجر هذا الإلزام عجيب لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح فحكمه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.
"قال ابن الصلاح: وهو جوابه الأول" كما عرفته مما سقناه من كلامه أو يريد أي الترمذي ونحوه بالحسن "لما اختلف سنده فهو صحيح بالنظر إلى إسناد حسن بالنظر إلى إسناد آخر قال الشيخ تقي الدين" رادا عليه "ويرد عليه الأحاديث التي قيل فيها حسن صحيح وليس لها إلا مخرج واحد" أي سند واحد فلا يتم الجواب قال الشيخ تقي الدين "وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه" فهو تصريح بأنه لا يعرف له إلا طريق واحد فكيف يتم الاتصاف بالأمرين لإسناد واحد؟ وذلك "كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا قال فيه الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ" وحينئذ فلا يتم ما أجاب به ابن الصلاح.
"قلت: يمكن الجواب على الشيخ تقي الدين في هذا الاعتراض" أي على مجرد ما مثل به وغيره بأجوبة:
الأول: "بأن الترمذي أراد انه لا يعرف الحديث بذلك اللفظ كما قيد به في هذا المثال, و" أراد أنه "قد ورد معناه بإسناد آخر" أخذا من مفهوم قوله على هذا اللفظ.
والثاني: قوله: "أو يريد" أي الترمذي بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه "من ذلك الوجه كما يصرح به في غير حديث" أي لا نعرفه حسنا صحيحا إلا من هذا الوجه ونعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا الأمن هذا الوجه وتعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة "مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا من حديث أبي هريرة أو من حديث تابعي أو من دونه" فيقول لا نعرفه أي صحيحا غريبا إلا من هذا الوجه "ويكون صحيحا" أي حديث التابعي أو غيره "مشهورا من غير تلك الطريق" ولا تنافي بين الصحة والغرابة بهذا الاعتبار.
والثالث: قوله: "أو يردوا انه لا يعرف الحديث عن ذلك الصحابي الذي رواه عنه

(1/214)


إلا بذلك الإسناد" فقوله لا يعرف إلا من هذا الوجه أي عن ذلك الصاحبي "وله إسناد آخر عن صحابي آخر" يصح به وصفه بالصحة والحسن "وهذا" أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر يصحبه وصفه الصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر "هو المسمى بالشاهد" فإنه شاهد لهذا الحديث الذي تفرد بروايته صحابي بإسناد له "وإنما عدم التابع وهو روايته" أي ذلك الحديث بعينه "عن ذلك الصحابي" من طريق أخرى فالفرق بين الشاهد والتابع انه في الأول يختلف الصحابي والطريق والثاني تختلف الطريق ويتحد الصحابي وسيأتي تحقيقهما.
"وقد عرف من طريقة المحدثين تسمية الحديث المروي عن صحابيين بحديثين وان كان لفظه أو معناه واحدا فلما اصطلحوا على ذلك رأي الترمذي أن ذلك الشاهد حديث آخر ليس هو هذا الحديث" وان اتحد لفظا أو معنى "إذ لا دليل على أن الصحابيين" اللذين روياه "سمعاه مرة واحدة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم" بل يجوز انه صلى الله عليه وسلم كرره في مجالس فسمع كل في مجلس غير مجلس الآخر فعدوه حديثين باعتبار تكرره منه صلى الله عليه وسلم ولا يخفي انه لا دليل على انهما سمعاه كل واحد في مجلس بل هو محتمل لاتحاد المجلس ولتعدده فالحكم له بأحدهما تحكم.
"ثم أجاب الشيخ تقي الدين في الاقتراح بعد رد الجوابين" اللذين أجاب بهما ابن الصلاح "المذكورين" فيما تقدم تقريبا "بجواب" على الإشكال في جمع الترمذي مثلا بين الوصفين "حاصله أن الحسن لا يشترط فيه القصور من الصحة" وهذا دفع لعلة الإشكال لأنه قال المصنف والزين ويغرهما أن وجه إشكال وصف الحديث بالحسن والصحة معا هو قصور الحسن عن الصحيح فمنع الشيخ تقي الدين كون العلة القصور لا مطلقا ولذا قال "إلا حيث انفرد الحسن فإن بالحسن حينئذ" أي حين إذ يفرد الحسن عن الصحة في صفة الحديث "المعنى الاصطلاحي" في الحسن وهو الذي يلزمه القصور عن رتبة الصحيح "وأما أن ارتفع" أي الحديث "إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة" لوجود صفاته في ضمن صفاتها "لأن وجود الدرجة العليا" وهي الصحة التي هي عبارة عما ذكره بقوله "وهي الحفظ والإتقان لا تنافي وجود الدرجة الدنيا" التي هي صفة الحسن التي هي "كالصدق" وخفة الضبط وإذا لم تنافه "فيلزم أن يقال" في صفة الحديث "حسن باعتبار الصفة الدنيا" ويقال فيه "صحيح باعتبار الصفة العليا" ولا يخفي أن معنى كونه حسنا اصطلاحا أن رواته ممن خف ضبطهم وكونه

(1/215)


صحيحا أيضا أن رجاله مناهل الضبط التام ومعلوم انه لا يقال صحيح إلا وهم من آهل الضبط التام فكيف تلاحظ خفة الضبط؟.
وحاصله أن لازم الحسن خفة ضبط رواته ولازم الصحيح تمام ضبط رواته أي عجم خفته فما معنى وجود لازم الحسن فيمن تم ضبطه وإتقانه فإن أريد هذا اللازم للحسن غير مراد هنا كما يفيده قوله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة فهو عائد إلى أن المراد بالحسن الصحيح وان قوله حسن صحيح بمثابة قوله صحيح ولكنه لا يناسبه قول الشيخ تقي الدين لان وجود الدرجة العليا لا تنافي وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ما عديمه إلا الدرجة العليا لتنافى وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ماعدتمة إلا الدرجة العليا ويؤيد كون هذا الأخير مراده قوله "قال ويلزم على هذا" أي على عدم اشتراط قصور الحسن عن الصحة "أن يكون كل صحيح عنده" أي عند الترمذي "حسنا" فعلى هذا الحسن عندهم ثلاثة أطلا قات تارة يطلق على ما يطلق عليه الصحيح ويشترط فيه شرائط وتارة ما خف ضبط رواته وهو الحسن لذاته وتارة على ما حسنه بالقياس إلى غيره.
قلت: وهذا خلاف ما تقرر فيما سلف أن الترمذي ربما أتى في كتابه بالحسن لغيره كما صرح به كلامه المنقول عنه فيما سلف.
"ويؤيده" أي يقوي إطلاق الحسن على الصحيح "قولهم حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى" كلام ابن دقيق العيد الذي نقله عنه الزين في شرح ألفيته.
"وقد وافقه" أي الشيخ تقي الدين "على هذا" الذي زعمه من أن كل صحيح عند الترمذي حسن الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر "ابن المواق" بتشديد الواو وآخره قاف "فإنه قال: وكل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا قلت: تلخيص هذا أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول النوع تحت الجنس كالإنسان تحت الحيوان" قلت: لا يذهب عنك أنه قد تقدم في كلام الشيخ تقي الدين أن الصحيح أخص من الحسن قال الشيخ تاج الدين التبريزي ودخول الخاص في حد العام أمر ضروري.
وقال زين الدين: أنه اعتراض متجه ونظره المصنف بما تقدم له ورددناه وهنا قال المصنف أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول الإنسان تحت الحيوان فجعل الحسن

(1/216)


خاصا والصحيح عاما والذي تقدم خلاف هذا هو أن الصحيح أخص لأنه الحسن وزيادة كالإنسان فإنه الحيوان وزيادة وعبارتهم هنا قاضية بأخصية الصحيح فإنه قال أن كل صحيح حسن كما تقول كل إنسان حيوان فكان المتعين أن يقول المصنف أن الحسن يدخل تحته الصحيح بالضمير في تحته فيستقيم الكلام ويدل له قوله "وقد تقدم فيه نظر" يشير إلى ما تقدم له من قوله ردا على الزين لما قال أن اعتراض تاج الدين متجه.
قلت: بل هو اعتراض غير متجه لأن العموم والخصوص إنما نقع على الحقيقة في الحدود إلى آخر كلامه وتقدم ما تعقبناه به "وهو غير وارد هنا لأنه" أي الذي مضى "إشكال على صحة هذا" أي هذا القوم بالعموم والخصوص في رسوم هذه الأقسام "لا على صحة التسمية" التي هي المراد هنا "ممن اعتقد صحة هذا" أي العموم والخصوص في هذه الرسوم كأنه يريد أن هذه التسمية تفرعت عن اعتقاد العموم والخصوص في رسوم هذه الأشياء فلا يرد الإشكال على الفرع على من اعتقد صحة الأصل "وهذا لطيف" جدا "فتأمله وأورد" أبو الفتح اليعمري هو "ابن سيد الناس" على ابن المواق كما صرح به زين الدين والمصنف قال "على هذا" وهو ما سلف عن ابن دقيق العيد وابن المواق "أن الترمذي شرط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا انتهى".
قال الحافظ ابن حجر وهو تعقب وارد ورد واضح على من زعم التداخل بين النوعين.
قلت: تقدم للمصنف الرد على ابن المواق بأن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن إلى آخر كلامه فأفاد أنه لا يقول الترمذي كل صحيح حسن.
"قال زين الدين: فعلى هذا" أي على كون كل صحيح حسن "الأفراد الصحيحة" أي التي لم ترو إلا من وجه واحد "ليست حسنة عند الترمذي" لأنها لم ترو من وجه آخر وهو شرط الحسن عند الترمذي وذلك "كحديث الأعمال بالنيات" فإنه فرد بالنسبة إلى أول رتبة منه وما بعدها من رتبة فإنه تفرد به عنه صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ثم تفرد به عم عمر علقمة واستمر التفرد إلى يحيى بن سعيد "و" حديث "السفر قطعة من العذاب" فإنه تفرد به مالك "و" حديث "نهى عن بيع الولاء وعن هبته" فإنه تفرد به

(1/217)


عبد الله بن دينار.
"قال" أي زين الدين "وجواب ما اعترض به" أي ابن سيد الناس "أن الترمذي إنما يشترط ذلك في الحسن" أي مجيء الحسن من وجه آخر "إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح فإن بلغها لم يشترط ذلك" فليس شرطه ذلك في الحسن مطلقا "بدليل قوله" أي الترمذي "في مواضع" من جامعه "هذا حديث حسن صحيح غريب فلما ارتفع إلى" رتبة "الصحة اثبت" له "الغرابة باعتبار فرديته" انتهى كلام الزين فهذا صريح في أنه يصف الحديث بأنه حسن إذا بلغ رتبة الصحيح وأن لم يأت إلا من وجه واحد قال المصنف "وعندي جواب آخر" يوجه به جمع الترمذي بين الحسن والصحة في صفة حديث واحد "وهو أن يريد الترمذي أن الحديث صحيح في إسناده ومتنه" مبتدأ خبره "حسن في الاحتجاج به على ما قصد الاحتجاج به فيه ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي دون الاصطلاحي".
تقدم تفسير الحسن اللغوي بأنه ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب وهو صفة اللفظ وليس مدلولها الاحتجاج به ولا يرد على هذا ما أورده الشيخ تقي الدين على ابن الصلاح حيث حمل الحسن على اللغوي وهو "من لزوم تحسين الموضوع لأن الموضوع" وأن كان قد يكون حسنا لغة لكنه "لا يحسن الاحتجاج به لأن ابن الصلاح أطلق الحسن اللغوي" وقد قيده المصنف به لإخراج الموضوع "ولم يقيده" ابن الصلاح "بحسن الاحتجاج فورد على إطلاقه والله أعلم".
قلت: إلا أنه لا يخفى أن زيادة قيد حسن الاحتجاج ليس من مدلول الحسن اللغوي كما أشرنا إليه فهذا معنى للحسن آخر ليس لغويا ولا هو الاصطلاحي المعروف وقال الحافظ ابن حجر نقلا عن غيره وقيل يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم فيريد حسن باعتبار إسناده صحيح باعتبار كونه من قبيل المقبول وكل مقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة. انتهى.
"وهذا الجواب عندي أرجحها لأنه لا يرد عليه شيء من الإشكالات" إلا ما عرفته من أنه ليس مدلوله ذلك لغة وكذلك يرد عليه أنه كان الحديث صحيح الإسناد ولامتن فالاحتجاج به معلوم لا يفتقر إلى ذكره ولأنه لم يأتي في اصطلاحهم وصف الحديث بالحسن مرادا به حسن الاحتجاج به ولا يحمل كلامهم إلا على اصطلاحهم,

(1/218)


ولأنه قد يكون الحديث صحيح الإسناد والمتن ويخلو عن الحسن اللغوي بأن يكون لفظه غريبا فإن الغريب لا تميل إليه النفس ثم أنه كان الأولى على تقدير إرادة ما ذكره المصنف أن يقال صحيح حسن لا حسن صحيح لأن الاحتجاج فرع عن صحته.
"فإن قيل: يرد عليه" أي على هذا الجواب "أنه يلزم منه أن يقول" أي الترمذي "في الحديث الحسن هذا حديث حسن حسن مرتين أحدهما يعني بها الحسن الاصطلاحي والأخرى يعني بها الحسن اللغوي" قد عرفت مما سلف أن الإشكال وارد على جمع الوصف للحديث بين صفتي الحسن والصحة وأنه أجاب المصنف بأن المراد بالحسن الاحتجاج به وبالصحة صحة إسناده لو متنه حسن للاحتجاج به وهذا السؤال وارد على انفراد بصفة الحسن أو ليس فيه إشكال ومعلوم أنه لا يريد أن السؤال هذا وارد على محل الإشكال وأنه يريد أنه يلزم أن يقال حديث حسن صحيح واحتمال إرادته هذا تكلف.
"فالجواب أنه يجوز أن يريدهما" أي الحسن اللغوي والاصطلاحي "بلفظ واحد كما لو صرح بذلك فقال هذا حديث إسناده والاحتجاج به" قد عرفت أن الاحتجاج به ليس معناه اللغوي "لأن الحسن الاصطلاحي بعض أنواع الحسن اللغوي" قد ينازع في هذا ويقال بينهما عموم وخصوص من وجه لوجود الحسن اللغوي في الموضوع ووجود الحسن الاصطلاحي فيما كان في لفظه غرابة واجتماعها فيما حسن إسناده وفيما تميل النفس إليه ولا يأباه القلب "وليس الحسن مشتركا بينهما مع أن كثيرا من العلماء أجازوا في المشترك" لو فرضناه مشتركا بينهما "أن يعبر به عن كلا معنييه وهو اختيار الأصحاب" يريد الزيدية وعبر ذلك هنا وفيما سلف وقدمنا رأيه في هذا "في لفظة مولي في حديث من كنت مولاه فعلى مولاه" أخرجه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس عن بريدة وأحمد وابن ماجه عن البراء والطبراني وابن جرير وأبو نعيم عن جندع الأنصاري وابن قانع عن حبشي بن جنادة وأخرجه أئمة لا يأتي علهم العد عن جماعة من الصحابة وقد عده أئمة من المتواتر "وهذا بحث أصولي" أي كون المشترك يطلق على معنييه أولا فإنه من مسائل الخلاف في الأصول الفقهية لكن لا يخفى أن هذا يتوقف على معرفة رأي الترمذي في اللفظ المشترك.

(1/219)


واعلم أنه قد أجاب الحافظ ابن حجر جوابا حسنا عن جمع الترمذي بين صفتي الحسن والصحيح للحديث فقال في النخبة وشرحها فإن جمعا فالمتردد في الناقل هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها وهذا حيث التفرد بتلك الرواية وألا يحصل التفرد فباعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح قال وعلى هذا فما قيل حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقوي أي تقوي الحديث من رتبة الصحيح إلى رتبة الأصح.
"ثم أني بعد" أي بعد ما ذكرت ما سلف فحذف المضاف إليه وبنيت بعد على الضم "وقفت على كلام جيد يتعين المصير إليه" إلا أنه كلام في وصف الترمذي للحديث بالحسن وليس له إلا طريق واحد مع قول الترمذي في الحسن إنه الذي يروي من غير وجه مع سائر ما ذكر من شروطه مع أنه يقول في بعض الأحاديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه لا أنه كلام في إشكال جمعه بين الحسن والصحيح الذي هو الإشكال الأصلي وقد أجاب عنه ابن حجر بأجوبة آخر وما تعقبها ثم قال وفي الجملة أقوى الأجوبة جواب ابن دقيق العيد "ذكره" أي الكلام الجيد "حافظ العصر" أي عصره وعصر المصنف فإنهما كانا في عصر واحد وتوفي المصنف قبله فإنه توفي في اليوم الرابع والعشرين من شهر محرم غرة سنة أربعين وثمانمائة وتوفي الحافظ في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة "العلامة الشهير بابن حجر في شرح مختصره" يريد شرج النخبة "في علم الحديث فقال ما لفظه فإن قيل قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروي من غير وجه فكيف يقول في بعض الأحاديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" فإن هذا ينقضي بأن هذا الحسن لم يرد إلا من طريق واحد كما هو شرط الغريب.
"فالجواب أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا" بما نقله عنه المصنف قريبا ناسبا له إلى ابن حجر "وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى" مضمومة إليه من صحيح وغريب فلا يرد ما أورده ابن سيد الناس اليعمري من إيراده الذي سلف قريبا "وذلك فإنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب إلى آخر الأقسام" اختصر المصنف عبارة ابن حجر وعبارته هكذا وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب "وتعريفه" أي الترمذي "إنما

(1/220)


وقع على الأول" وهو حيث يفرد الحسن هذا كلامه ثم قال "وعبارته" أي الترمذي "ترشد إلى ذلك حيث قال في آخر كتابه وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أرادنا بأن حسن إسناده عندنا وكل" استئناف وهو هكذا في الترمذي وفي شرح النخبة نفلا عن الترمذي لأن كل إلى آخره "حديث" يروى "ولا يكون راويه متهما بكذب" لفظ الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي إلى آخره فوقع تقديم وتأخير وإبدال فيما نقل من عبارته كأنه نقل بالمعنى "ويروى من غير وجه" أي بل من اوجه كثيرة والمراد فوق الواحد "نحو ذلك ولا يكون شاذا" تمامه فهو عندنا حديث حسن وما كان يحسن حذف المصنف له لأنه خبر قوله كل حديث.
ثم قال الحافظ بعد هذا فعرف بهذا أنه إنما عرف الذي يقول فيه حسن فقط أما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه صحيح فقط أو غريب فقط وكأنه ترك ذلك استغناء به لشهرته عند أهل هذا الفن واقتصر على تعريف ما يقول في كتابه حسن فقط لغموضه وأما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله عندنا ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي.
وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها انتهى كلام الحافظ وهو حسن إلا أنه مبني على أنه لم يقل الترمذي حسن فقط إلا في حديث يرويه من وجوه فليطالع الترمذي وقد تتبعت مواضع فوجدت كلام الحافظ في إفراده الحسن صحيحا ولم استوف ذلك.
* * *

(1/221)


مسألة: 22 [في بيان القسم الثالث: وهو الحديث الضعيف]
"القسم الثالث" من الثلاثة الأقسام وقد تقدم الصحيح والحسن وهذا القسم "في الضعيف قال ابن الصلاح: ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف قال زين الدين" تعقبا له "ذكر الصحيح غير محتاج إليه في بيان الضعيف لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الصحيح أقصر" وأجاب عن ذلك بعض من عاصر الحافظ ابن حجر فقال مقام التعريف يقتضي ذلك إذا لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين قال ونظيره قول النحويين إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل فالحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل انتهى.
وأقول: النظير غير مطابق لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوما وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف.
والحق أن كلام المصنف يعني ابن الصلاح معترض وذلك أن كلامه يقتضي أن الحديث حيث تنعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع ويسمى الحديث الذي اجتمعت في الصفات سواء حسنا ولا ضعيفا وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا ولو عبر بقوله حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان اسلم من الاعتراض وأخصر انتهى.
"وإن كان بعضهم يقول أن الفرد الصحيح لا يسمى حسنا على رأي الترمذي فقد تقدم رده" هذا من كلام زين الدين دفعا لما يقال لو اقتصر ابن الصلاح على قوله ما لم يبلغ صفات الحسن للزم أن يدخل الفرد الصحيح في رسم الضعيف لأنه لم يبلغ

(1/222)


صفات الحسن فلذا لم يسم حسنا فأجاب زين الدين بأنه قد تقدم رد هذا وأنه يسمى الفرد الصحيح حسنا.
"قلت: لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلزمه أن يحد الضعيف على رأي غيره وإنما كان يرى أن كل صحيح حسن أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملتزما لكل مكلف أن يسميه بذلك" قد عرفت أن زين الدين قال في اعتراضه أن ذكر دعم بلوغ الحديث رتبة الحسن يفيد أنه لم يبلغ درجة الصحيح لأن الصحيح أخص من الحسن وإذا انتفي الأعم انتفى الأخص ضرورة انتفاء الأخص عند انتفاء الأعم والمصنف اعترضه بأنه لا يرد على ابن الصلاح ما أورده إلا بأحد الأمرين الأول أن يكون رأي ابن الصلاح أن كل صحيح حسن أو بأن يقوم على ذلك دليل قاطع ولم يوجد الأمرين كما أفاده قوله "وليس كذلك" أي ليس واحد من الأمرين موجودا "وإنما هذا الكلام في اصطلاح أهل الأثر ولم يصطلحوا كلهم على أن كل صحيح حسن" هذا كلام جيد إلا أن الذي تفيده عبارة ابن الصلاح أنه يقول بأن الصحيح أخص من الحسن فإنه قد تقدم عنه انه قسم الحسن إلى قسمين وأفاد فيما ذكره أخصية الصحيح ثم قال في آخر كلامه ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهذا مع ما فصله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأيه رأي من يقول بأن كل صحيح حسن فيتم الاعتراض عليه على أنه وان سلم أنه يقول أن الصحيح والحسن متحدان فالاعتراض وارد عليه لا غناء ذكر أحدهما عن الآخر.
"فهذا كلام جملي في تعريف الضعيف وأما التفضيلي فتقول شروط الصحيح والحسن ستة" وهي الضبط والعدالة والاتصال وفقد الشذوذ وفقد العلة وعدم العاضد عند الاحتياج كذا عدها البقاعي وهي شروط القبول وشروطه شروط الحسن والصحيح "فإذا اختل شرط منها فأكثر ضعف الحديث".
فلت يشكل هذا بما إذا قدم تمام الضبط فإنه من شروط الصحيح وإذا فقد بأن خف صار الحديث حسنا وعبارة الزين أقسام الضعيف ما فقد فيه شط من شروط القبول قسم وشروط القبول هي شروط الصحيح والحسن انتهى فلا إشكال في عبارته ولا يرد عليه ما ذكرنا لأنه إذا خف الضبط فالحديث مقبول لأنه حسن فلا يكون الحديث ضعيفا على هذا الكلام إلا إذا فقد فيه شروط الصحيح وشروط

(1/223)


الحسن ولا يشكل.
"فالضعيف باعتبار اختلال شرط من شروطهما ستة أسباب:
أحدها: عدم الاتصال" الذي هو أول شروط الصحيح زاد الزين حيث لم يتميز المرسل بما يؤكده وكأن المصنف اكتفى عن هذا الشرط بقوله "على الخلاف كما سيأتي" في بحث المرسل.
"وثانيها: عدم عدالة الرجال" وهو ثاني شروط الصحيح قلت: وهذه عبارة الزين وكان الأحسن أن يقال الرواة ليشمل النساء تغليبا ولا يتأنى ذلك في لفظ الرجال.
"وثالثها: عدم سلامتهم من كثرة الخطأ وكثرة الغفلة" وهذه عبارة الزين وقال الحافظ ابن حجر بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى انتهى قلت: وجهه أنه يوافق ما سلف في رسم الصحيح من قولهم نقل عدل ضابط.
"ورابعها: عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما بالكذب" عبارة الزين وليس متهما بالغلط.
قال الحافظ ابن حجر وكذا إذا كان فيه ضعف بسبب سوء الحفظ أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي أو كان مرسلا كما قررنا ذلك في الكلام الحسن المجبور.
"وخامسها: الشذوذ".
"وسادسها: العلة" وسيأتي بيان معنى الشذوذ والعلة.
"والضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة" قال الحافظ ابن حجر تلخيص التقسيم المطلوب أن قيد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه وبيانه في كلام المصنف "لأن عدم الاتصال" أي اتصال الحديث بالراوي "يدخل تحت قسمان: المرسل" زاد زين الدين الذي لم يجبر "والمنقطع على الخلاف فيهما كما سيأتي" بل ويدخل فيه المدلس والمعلق والمعلل "وما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم" وهو عدم الاتصال "قسم آخر" باعتبار ما انضم إلى الأول "ويدخل تحته" تحت هذا القسم "اثنا عشر قسما لأن فقد العدالة" الذي هو السبب الثاني: من الستة الأسباب إذا انضم إلى السبب الأول "يدخل فيه الضعيف" إذ الضعيف مفقود العدالة "والمجهول" فإنه مفقودها أيضا "وهذه أقسامه" أي أقسام القسم الذي انضم إليه سبب آخر من الأسباب الستة بعد عدم الاتصال وهي

(1/224)


اثنا عشر:
"الأول: المنقطع" ويقال له المقطوع كما يأتي وهو قول التابعي وفعله.
"الثاني: المرسل" يأتي أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عند أكثر المحدثين ويأتي فيه خلاف فهذان قسمان فقد فيهما الاتصال.
"الثالث: مرسل في إسناده ضعيف" هذا مما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم ومثله.
"الرابع: منقطع فيه" راو "ضعيف" يأتي بيانه.
"الخامس: مرسل فيه" راو "مجهول" يأتي تقسيمه إلى مجهول عين وعدالة.
"السادس منقطع فيه" راو "مجهول" إلى هنا أقسام فقد السبب الأول مع فقد الثاني.
وهذه أقسام فقد السبب الأول أيضا مع فقد الثالث: الأول منها قوله:
"السابع مرسل فيه" راو "مغفل" يأتي بيانه "كثير الخطأ وإن كان عدلا" إذا لا ملازمة بين العدالة وعدم التغفيل.
"الثامن" وهو الثاني مما فقد فيه الأول والثالث "منقطع فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ وإن كان عدلا.
"التاسع" وهو الأول مما فقد فيه الأول الرابع "مرسل فيه مستور" يأتي بيانه "ولم ينجبر بمجيئه" أي الخبر "من وجه آخر".
"العاشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول والرابع "منقطع فيه مستور ولم يجيء من وجه آخر".
"الحادي عشر" وهو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس "مرسل شاذ".
"الثاني عشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد في الخامس "منقطع شاذ".
"الثالث عشر" هو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس "مرسل معل" من العلة يأتي بيانها.
"الرابع عشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس "منقطع معل".
"فهذا ما اجتمع فيه سببان مضعفان" هما عدم الاتصال وما انضم إليه.
واعلم أنها أربعة عشر قسما لأنك تضم عدم الاتصال إلى كل واحد من الخمسة الأسباب تحصل خمس صور ثم تضم المنقطع إلى كل واحد من الخمسة تحصل خمس

(1/225)


أخرى كانت عشرا ثم قد عرفت أن الضعيف والمجهول قد دخلا تحت فقد العدالة فتضم عدم الاتصال إليهما يحيصل قسمان ثم تضم المنقطع إليهما يحصل قسمان كانت أربعة عشر وهي التي سردها المصنف.
إذا عرفت هذا نظرت ما المراد من قول المصنف إنه يدخل تحت هذا القسم اثنا عشر فإن الحاصل أربعة عشر وعبارة المنصف والأعداد هي بعينها عبارة الزين وأعداده.
"وما اجتمع فيه ثلاثة" مضعفات "يدخل تحته عشرة أقسام وهي هذه" ما عدا أربعة منها "مضمومة" في التعداد "إلى ما تقدم" من الصور الأربعة عشر أولها:
"الخامس عشر" مرسل شاذ وفيه عدل مغفل كثير الخطأ" فقد فقد فيه الأول من الستة الأسباب والثالث: ووجد فيه الخامس من ذي الثلاثة.
"السادس عشر: منقطع شاذ فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول والثالث: ووجد فيه ما وجد في المثال الأول- الخامس عشر.
"السابع عشر مرسل معل فيه ضعيف" فقد فقد فيه الأول والثاني: ووجد فيه السادس.
"الثامن عشر منقطع معل ضعيف" هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما خالفه بأنه منقطع.
"التاسع عشر: مرسل معل فيه مجهول" فقد فقد الأول والثاني: ووجد فيه السادس.
"العشرون: منقطع معل فيه مجهول" هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما تفاوتا انقطاعا وإرسالا.
"الحادي والعشرون: مرسل معل فيه مغفل كذلك." أي كثير الخطأ فقد فيه الأول ووجد فيه الثالث: والسادس.
"الثاني والعشرون: منقطع معل فيه مغفل كذلك" هو كالذي قبله فقدا ووجودا.
"الثالث والعشرون: مرسل معل فيه مستور ولم ينجبر" فقد فيه الأول ووجد السادس والرابع مع شرطه.
"الرابع والعشرون: منقطع معل فيه مستور كذلك" أي لم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وهو كالذي قبله فقدا ووجودا.
لا يخفى أنه قد سبق للمصنف أن في اجتماع الثلاثة عشر صور والرابع والعشرون العاشر منها لكن الخامس والعشرون السادس والعشرون منها كما ترى قوله:

(1/226)


"الخامس والعشرون: مرسل شاذ معل" فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس والسادس.
"السادس والعشرون منقطع شاذ" معل هو كالأول فيما ذكر.
ولا يخفى أنها صار أقسام ما اجتمع فيه ثلاثة اثني عشر قسما وأما زين الدين فعد العشر الصور إلى الرابع والعشرون ثم قال وهكذا فافعل إلى آخر الشروط فخذ ما فقد فيه شرط الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدم وهما السلامة من الشذوذ والعلة ثم خذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد هذه الشروط الثلاثة وهي هذه ثم ذكر الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين.
"السابع والعشرون: مرسل شاذ معل فيه مغفل كثير الخطأ" فهذا اجتمعت فيه أربعة كما اجتمعت في قوله.
"الثامن والعشرون: منقطع شاذ معل فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ فهذان مثالان لما اجتمعت فيه أربعة وقدمنا كلام الزين في هذا وأما المصنف فسرد ما تراه من غير تنبيه.
ثم قال زين الدين: بعد هذا ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط واحد غير ما بدأت به أولا وهو ثقة الراوي وتحته أقسام وهما:
"التاسع والعشرون: ما في إسناده ضعيف".
"الثلاثون: ما فيه مجهول" فهذان القسمان فقد فيها عدالة الراوي.
ثم قال زين الدين: ثم زد على فقد عدالة الرازي فقد شرط آخر غير ما بدأت به وتحته قسمان وهما:
"الحادي والثلاثون: ما فيه ضعيف وعلته".
"الثاني والثلاثون: ما فيه مجهول وعلته".
ثم قال زين الدين: ثم كمل هذا العمل الثاني: الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول أي تضم إلى فقد هذين الشرطين فقد شرط ثالث ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الرازي من الغفلة ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معا ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الرابع وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور ثم زد عليه وجود العلة ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الخامس وهو السلامة من الشذوذ ثم رد عليه وجود العلة بعد ثم

(1/227)


اختم بفقد الشرط السادس ويدخل تحت ذلك عشرة أقسام وهي:
"الثالث: والثلاثون: شاذ معل فيه عدل مغفل كثير الخطأ".
"الرابع والثلاثون: ما فيه مغفل كثير الخطأ" زاد الدين معل كثير التساهل.
"الخامس والثلاثون: شاذ في مغفل كذلك" أي كثير الخطأ.
"السادس والثلاثون: معل فيه مغفل كذلك" كثير الخطأ.
"السابع والثلاثون: شاذ معل فيه مغفل كذلك" كثير الخطأ.
"والثامن والثلاثون: ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر".
"التاسع والثلاثون: معل فيه مستور كذلك" أي لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر.
"الأربعون: الشاذ".
"الحادي والأربعون: الشاذ المعل".
"الثاني والأربعون: المعل".
"فهذه أقسام الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع ذكرها الحافظ زين الدين قال: وقد تركت من الأقسام التي يظن أنه ينقسم إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة أقسام هي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة ولا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ والله أعلم" انتهى كلام زين الدين.
"قلت: ومن أقسام الضعيف ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر وهو بمعنى الشاذ كما سيأتي" قلت: هذا بلفظ كلام الزين فلا وجه لفصل قوله.
"قال زين الدين: وعد أبو حاتم محمد بن حبان البستي أنواع" الحديث "الضعيف تسعة وأربعون نوعا" هذا نقله زين الدين من كلام ابن الصلاح ولفظه وأطنب أبو حاتم البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا قال عليه الحافظ ابن حجر لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك وتجاسر بعض من عاصرناه فقال هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك فإن الذي قسمه ابن حبان في أول كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف ثم إنه بلغ الأقسام المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين والحاصل أن الموضع الذي ذكر

(1/228)


فيه ابن حبان ذلك لم نعرف موضعه انتهى.
"قلت: لعله" أي ابن حبان "عد ما ترك الزين مما تحتمله القسمة العقلية ويمنع عرفهم من اجتماعه والله أعلم" حتى أبلغها تسعة وأربعين.
فائدة: قال الحافظ ابن حجر: تنبيهات:
الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف على حد ما تقدم من قولهم صحيح الإسناد وصحيح ولا فرق.
الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا يريد زين الدين في منظومته وشرحها أن يتفق العلماء على العمل بمدلول الحديث فإنه يقبل حتى يجب العمل به وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول.
ومن أمثلته قول الشافعي رحمه الله وما قلت: من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم منهم فيه خلافا وقال في حديث لا وصية لوارث. لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملت به حتى جعلته ناسخا لآية الوصية للوارث.
ثم ذكر الثالث: من التبيهات وعد فيه ما قيل فيه إنه أو هي الأسانيد كما عدوا فيها سلف ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد وطول به فلم يذكره وقد ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث.
* * *

(1/229)