توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار

مسألة: 53 [في بيان أقسام التحمل]
"أقسام التحمل" قال زين الدين1:
الأخذ للحديث وتحمله عن الشيوخ ثمانية أقسام:
الأول: "لفظ الشيخ" أي سماع لفظه قال الزين2 سواء أحدث من كتابه أو من حفظه بإملاء أو بغير إملاء وهو أرفع الأقسام وأعلاها "عند الجمهور وأرفع ألفاظه" في حال الأجاء "فيما سمعه من الشيخ" قال الخطيب3 أرفع العبارات "سمعت" فإنها أرفع العبارات وأما سمعنا بطريق الجمع فيطرقه احتمال سماع أهل بلد هم فيهم "ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا وأخبرني" وهو كثير في الإستعمال هذا لفظه وهو أرفع من سمعت من جهة أخرى وهو أنه ليس في سمعت دلالة على أنه خاطبه به وفيها دلالة على أنه خاطبه به ورواه له "ثم أنبأنا وأنبأني وهو قليل في الإستعمال وإنما يستعمل" الأنباء "في الرواية بالإجازة لا بالسماع" من لفظ الشيخ "ثم إستعمل أنبأنا في" عرف أهل "الأزمان الأخيرة لما قرئ على الشيخ وأما قال لنا أو" قال "لي أو ذكر لنا أولى أو نحوه فهو مثل ماتقدم في الاتصال" فهو مثل حدثنا "غير أنه في العرف لما ثيل في حال المذاكرة".
قال ابن الصلاح4: إنه لا ثقة به وهو أشبه من حدثنا وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك فقا لفيما رويناه له أن البخاري حيث قال قال لي فلان هو إجازة وحيث قال قال فلان فهو تدليس ولم يقبل العلماء كلامه هذا وقال ابن
__________
1 فتح المغيث 2/47.
2 المصدر السابق.
3 الكفاية 283- 284.
4 علوم الحديث ص 121.

(2/186)


القطان إن رواية ذلك عن البخاري لم تصح.
قال الحفاظ ابن حجر قالوا إن ما قال فيه البخاري قال لنا فهو ما حمله إجازة قال واستقرينا ذلك فوجدناه في بعض ما قال فيه ذلك يصرح فيه بالتحديث في موضع آخر.
"فأما قال وذكر من غير حرف جر وضمير" من لنا أولى "فهو دونها" قال ابن الصلاح1: إنها أوضع العبارات ومع ذلك فهي محمولة على السماع بالشرط المذكور في المعنعن وهو حيث حصل الشرط الديني ولذا قال المصنف "وهي كالمعنعنة متصلة إذا علم اللقاء وسلم القائل لذلك من التدليس لا سيما من عرف منه أنه لا يروي إلا ما سمعه".
"كحجاج بن محمد" هو المصيصي "الأعور" أحد الثقات روى عن ابن جريج وشعبة وعنه أحمد وابن معين ولاذهلي روى الأترم عن أحمد أنه قال ما كان أحفظه وأصح حديثه وأشد تعاهده للحروف ورفع أمره جدا "فروى كتب ابن جريج" هو عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي أحد الأعلام الثقات يدلس وهو في نفسه مجمع على ثقته مع أنه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح المتعة كان يرى الرخصة في ذلككان فقيه أهل مكة في زمانه "بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها" لأنه قد وجد فيها شرط المعنعن المتصل من علم اللقاء والسلامة من التدليس وزيادة أن راويها لا يروي إلا ما سمعه.
"الثاني" من أقسام الأخذ والتحمل "القراءة على الشيخ" وهو يسمع "ويسميها أكثر المحدثين عرضا" قال زين الدين2 بمعنى أن القاري يعرض على الشيخ ذلك سواء قرأت ذلك على الشيخ من كتابه أو سمعته بقراءة غيرك من كتاب أو من حفظه أيضا وسواء كان الشيخ حافظا لما عرضت أو غرض غيرك عليه أو غير حافظ له.
"وسواء أمساك الشيخ أصله بنفسه أوثقة غيره خلافا لبعض الأصوليين" فيما إذا لم يمسك أصله بنصه وهو القاضي أبو بكر الباقلاني فإنه حكى القاضي عياض عنه أنه تردد فيه وأكثر سيله إلى المنع وإليه نحا الجويني يعنى إمام الحرمين قال القاضي وأجازه بعضهم وصححه وبهذا عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث وقال ابن الصلاح:
__________
1 المصدر السابق.
2 فتح المغيث 2/50.

(2/187)


إنه المختار وقوله ثقة احتراز عما إذا كان الممسك للأصل لا يعتمد عليه ولا يوثق به فذلك السماع مردود غير معتد به.
"وأجمعوا على صحة الرواية بالعرض" قال ابن الصلاح1: كما يعرض القرآن على المقري وقال هنا أجمعوا وإن خالف في صحته من يأتي ذكره فإنهم كما قال المصنف "وردوا في ذلك الخلاف عن أبي عاصم النبيل" وذلك أنه كان لا يرى يعني أبا عاصم الرواية بالعرض2 وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري أحد الأثبات قال الذهبي أجمعوا على توثيق أبي عاصم وقد قال عمر بن سعد والله ما رأيت مثله.
"و" ردوا مارووا عن أبي "عبد الرحمن بن سلام الجمحي" فإنه لم يكتف بذلك فإنه حكى أبو خليفة عنه أنه سمعه يقول دخلت على مالك وعلى بابه من يحجبه وبين يديه ابن أبي أويس يقول له حدثك نافع حدثك الزهري حدثك فلان ومالك يقول نعم فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله عوضني مما حدثت بثلاثة أحاديث تقرؤها علي فقال أعراقي أنت؟ أخرجوه عني3 انتهى.
واعلم أن قول المصنف إنهم ردوا قوليهما لم يردوه إلا بقولهم إنه لا يعتد بخلافهما ولا يخفى ضعف هذا الرد إذ المسألة تحتمل النظر والخلاف.
"ورجحه مالك وأبو حنيفة وغيرهما على السماع من لفظ الشيخ" الذي أعلى رتب الأخذ والتحمل.
قلت: والذي في شرح الألفية4 أن مالكا يقول بالتسوية كأهل القول الثاني قال السخاوي والتسوية هي المعروفة عن مالك قال وذكر ابن فارس عن مالك والخطيب في الكفاية كقول أبي حنيفة فإنه روى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال كان أبو حنيفة يقول قراءتك على المحدث أثبت وأوكذ من قراءته عليك إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ ما في الصحيفة وإذا قرأت عليه فقال حدث عني ما قرأت فهو تأكيد وهذا القول الأول في المسألة.
__________
1 علوم الحديث ص 122.
2 المحدث الفاضل ص 420.
3 الكفاية ص 272.
4 فتح المغيث 2/51.

(2/188)


والثاني قوله "والجمهور على أنهما سواء" قال الزين1 ذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والبخاري إلى التسوية بينهما.
قلت: قد قدم المصنف أن أرفعهما السماع من لفظ الشيخ وأسنده إلى الجمهور ثم عد العرض رتبة ثانية وهنا قال عن الجمهور إنهما سوءا ومثله قال الزين في ألفيته إن السماع من لفظ الشيخ إلى وجوه الأخذ عنه الأكثرين ولكنه لم يقل في القول بالتسوية إنه قول الجهور فلم يناقض عبارته وفي شرح السخاوي2 أن مالكا كان يأبى أشد الأباء على المخالف ويقول كيف لا يجزئك هذا في الحديث ويجزئك في القرآن والقرآن أعظم ولذا قال بعض أصحابه وصحبته سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرؤه عليه وقال إبراهيم بن سعد يا أهل العراق لا تدعون تنطعكم العرض مثل السماع3.
والثالث قوله "وذهب جمهور أهل الشرق إلى ترجيح السماع منه" من لفظ الشيخ على القراءة عليه المسماة بالعرض قال السخاوي لكن محله ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى وذلك بأن يكون الطالب أعلم وأضبط ونحو ذلك كأن يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأضبط وأيقظ منه في حال قراءته هو وحينئذ فالحق أن ما كان فيه الأمن من الخطأ والغلط أكثر كان أعلى رتبة وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ بأصله وأحد السامعين مقابل بأصل آخر ليجتمع فيه للفظ والعرض انتهى.
قلت: وأخذوا في العرض القراءة على الشيخ وهي بأن يأخذ التلميذ لفظ ما يروى فلا يسمى مجرد المقابلة لما يمليه الشيخ عرضا إلا أن يريدوا أو يقرأ السامع أيضاما قرأه الشيخ.
وإذا روى من تحمل بالعرض ما يحمله فله في ذلك عبارات:
"وأجود العبارات في العرض أن تقول قرأت على فلان أن كان هو الذي قرأ عليه وإلا قوى عليه وأنا أسمع" عبارة ابن الصلاح4: أجودها أن تقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا شائع من غير إشكال.
__________
1 فتح المغيث 2/51.
2 2/169- 170.
3 البيهقي في: المعرفة 1/32.
4 علوم الحديث ص 122-123.

(2/189)


"ودون هذه العبارة" أن يقول "حدثنا أو أنبأنا فلان بقراءتي عليه إن كان القارئ وإلا قال قراءة عليه وأما أسمع" وإنما كانت دون الأولى لإيهامها أو لا قبل التقييد أنه شافهه الشيخ وأسمعه ما رواه عنه "أو" يقول "قال فلان قراءة عليه أو نحو ذلك" مما يفيد أنه رواه بالعرض "حتى استعملوه" أي هذا التركيب "في الإنشاد" قالو أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه.
"ولم يستثنوا مما يجوز في القسم الأول إلا سمعت" فقالوا لا يقال في الرواية في هذا القسم سمعت بل يختص بالقسم الأول "وجوزه بعضهم" كالسفيانين ومالك حكاه عنهم القاضي عياض وهو كما قال ابن دقيق العيد تسامح خراج عن الوضع ليس له وجه قال وربما قرنه بعضهم بأن قال سمعت فلانا قراءة عليه "والصحيح الأول" وصححه الباقلاني واستبعد ابن أبي الدم الخلاف وقال ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريح في السماع لفظا.
"وأما إطلاق" الأخذ بالعرض عند روايته لما أخذه بإطلاقه "حدثنا وأخبرنا من غير تقييد بالقراءة فاختلفوا فيه على" ثلاثة "أقوال":
الأول: المنع وهو مذهب أحمد بن حنبل والنسائي وخلق من أهل الحديث وقال الباقلاني1 إنه الصحيح.
والثاني: الجواز وهو مذهب الزهري والثوري وأبي حنيفة ومعظم أهل الكوفة والحجاز.
وثالثها: الفصيل وهو "منع" إطلاق "حدثنا جواز أخبرنا" وهو مذهب ابن وهب والشافعي ومسلم وأكثر أهل الشرق "وهو الشائع الغلب على أهل الحديث" عبارة ابن الصلاح2 الفرق بينهم اصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف وخير ما يقال فيه إنه اصطلاح كما قال المصنف "وكأنه اصطلاح للتمييز بين النوعين" قراءة الشيخ والعرض عليه.
وقال ابن دقيق العيد حدثنا في العرض بعيد من الوضع اللغوي بخلاف أخبرنا فهو صالح لما حدث به الشيخ ولما قرى عليه فأخبر به فلفظ الأخبار أعم من التحديث فكل حديث إخبار ولا ينعكس وهنا تفريعات ثمانية ذكرها الزين
__________
1 الكفاية ص 296.
2 علوم الحديث ص 124.

(2/190)


بلفظ تفريعات.
"وإذا قرأ القاري وسكت الشيخ" بعد قول الطالب أخبرك فلان كما قاله في شرح الألفية وكان يحسن من المصنف تقييده به كون الشيخ "غير منكر مع إصغائه وفيهمه ولم يقر باللفظ" وذلك بأن يقول الشيخ عند تمام السماع عليه بعد أن يقول له القاري هو كما قرأت عليك فيقول نعم "كفى ذلك" في العرض من غير إقرار الشيخ لفظا "عند جمهور الفقهاء والمحدثين والنظار" قال ابن الصلاح: وسكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ أي اكتفاء بالقرائن الظاهرة قال السخاوي قلت: وأيضا فسكوته خصوصا بعد قوله هل سمعت فيما ليس بصحيح موهم للصحة وذلك بعيد عن العدل لما يتضمن من الغش وعدم النصح وهذه المسألة مما استثنى من قول الشافعي لا ينسب إلى ساكت قول.
"وشرطه" أي الأقرار باللفظ "بعض الظاهرية" وحكاه الخطيب عن بعض أصحاب الحديث "وبه" أي بقول بعض الظاهرية "عمل جماعة من مشايخ أهل الشرق وقطع به" بالمنع من الرواية حتى يصرح بالأقرار باللفظ "جماعة من الشافعية" أبو الفتح سليم الرازي وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ إلا أنه "قال ابن الصباغ له أن يعمل بما قرأ عليه" ولم يقر به "وإذا روى عنه فليس له أن يقول حدثني ولا أخبرني بل يقول" في الرواية "قرأت عليه أو قرئ علهي وهو يسمع وصححه" أي قول ابن الصباغ "الغزالي" قال الزين وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدثنا ولا أخبرنا هذا الذي صححه الغزالي.
"وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه وحكى الآمدي تجويزه" أي إطلاق الرواية "عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة" هذه عبارة زين الدين بلفظها في شرح الألفية وفي مختصر ابن الحاجب ما لفظه وقراءته عليه من غير نكير ولا ما يوجب سكوتا مطلقا على الأصح ونقله الحاكم عن الأئمة الأربعة.
قال عضد الدين فتقول وأما قراءتتته على الشيخ منغير أن ينكر الشيخ عليه ولا وجد أمر يوجب السكوت عنه من إكراه أو غفلة أو غيرهما من المقدرات المانعة عن الأنكار فقد اختلف في انه هل يعمل به أولا فمنعه بعض الظاهرية والصحيح أنه معمول به إلى أن قال فنقول عند الرواية حدثنا أو أخبرنا قراءة عليه.

(2/191)


وهل يقول حدثنا وأخبرنا مطلقا منغير ذكر القراءة؟
قال الحاكم القراءة إخبار عهدة على ذلك مشايخنا ونقل ذلك عن الأئمة الأربعة.
"وإن أشار الشيخ" زادالزين برأسه أو بأصبعه "بالإقرار ولم يتلفظ فجزم صاحب المحصول بأنه لا يقول" الراوي عنه "حدثني وأخبرني ولا سمعت قال الزين وفيه نظر" كأن وجهه أنه إذا جاز أن يقول ذلك مع سكوته كما سلف فمع إشارته بالأولى.
"واستحبوا الإجازة من الشيخ لتلميذه" عقب السماع خوفا من الغفلة اليسيرة عن الكلمة والكلمتين فإن تحقق السهو ولم تحصل إجازة بطل السماع في القدر المشكوك فيه لأنه لا رواية إلا مع علم بالتحديث أو الظن لا مع الشك.
"وقال زين الدين" نقلا منه عن ظاهر صنيع المحدثين إنه "يعفي عن القدر اليسير كالكلمة والكلميتن" إلحاقا منهم للأقل بالأكثر وللمغلوب بالغالب.
قال السخاوي بل تسعوا أكثر من ذلك حتى صار الملاحظ إبقاء سلسلة الأسناد بحيث كان يكتب السماع عن المزي وبحضرته لمن يكون بعيدا عن القاري والصبيان الذين لا يضبط أحدهم بل يلعبون غالبا ولا يشتملون بمجرد السماع حكاه ابن كثير.
"وإذا لم يسمع" التلميذ "كلام الشيخ واستفهم" التلميذ عن كلام شيخه "من عنده" من السامعين "فأخبره لم يروه" أي ما استفهم عنه "عن الشيخ إلا بواسطة من حدثه" فإن الذي أخبر به قد صار شيخا له فيما أخبره ونزل به درجة عن السماع "وجوزه بعضهم" كأنه نظر إلى اتحاد المجلس "والصحيح خلافه" كما عرفت.
"وأما المستملي فهو بمنزلة القاري على الشيخ فإذا سمع المستملي ما يقول المملي فلمن سمع السمتملي أن يروي عن المملي ويقيد ذلك بذكر الإملاء كالقراءة" قال السخاوي هذا هو الذي عليه العلم عند أكابر المحدثين ال1ي كان يعظم الجمع في مجالسهم جدا ويجتمع فيه الفئام من الناس بحيث يبلغ عددهم ألوفا مؤلفة ويصعد المستمي على الأماكن المرتفعة ويتلقون عن المشايخ ما يملون.
هذا فيما يكون فيه السماع لا من وراء حجاب إذ هو الأصل.
"ويجوز السماع" إذا كان يحدث من لفظه بصوت وهو يعرف الصوت "من وراء حجاب مع معرفة الصوت أو تعريف ثقة به" أي بصوته فيما إذا حدث بلفظه أو بحضوره فيماإذا قرى عليه صح السماع "لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين

(2/192)


ابن أم مكتوم" 1 قال السخاوي2 وقد يناقش فيه بأذن الأذان لا قدرة لسماع الشيطان لألفاظه فيكف بقوله وذلك مع الحجة لنا أيضا ثم ذكر ما أفاده قوله "ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحدثن من وراء حجاب وينقل عنهن من يسمع ذلك" من غير نكير إجماعا.
* * *
مسألة:
"الثالث" من أقسام التحمل "الإجازة" هي مصدر وأصلها إجواز تحركت الواو وانفتح ما قبلت ألفا وحذفت إحدى الألفين إما الزائدة وإما الأصليه على الخلاف بين سيبويه والأخفش.
وفي مأخذها أقوال قيل التجوز وهو التعدي كانه عدى روايته حتى أدخلها إلى المروى عنه وقيل من المجاز كأنه القراءة والسماع هي الحقيقة وما عداها مجاز وقيل من الجواز يمعنى الإباحه فإنه أباح المجيز من أجازه أن يروى عنه وأذن له في ذلك.
واعلم أنهم اختلفوا في مرتبة الأجازة والمصنف بني على كلام الزين أنها رتبة ثالثة وأن العرض أقوى منها وقيل أقوى منه لأنها أبعد من الكذب وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخللص عن الرياء والعجب قاله أبو القاسم عبد الرحمن بن منده وقال بقي بن مخلد ومن تبعه إنهما سواء وبه قال ابن خزيمة فقال المناولة والإجازة عندي كالسماع الصحيح.
"وهي أنواع كثيرة" عدها زين الدين تسعة أنواع "أصحها أن يجيز العالم كتابا معينا لرجل معين" فيعين المجاز له والمجاز به "فيقول أجزت لك أن تروى عني كتاب فلان" قال زين الدين إنه حكى القاضي عياض الإتفاق على جواز هذا النوع.
"ودون هذا أن يجيز" الشيخ "لرجل معين جميع مسموعاته من غير تعيين" للمجاز به وهذه الثانية.
والثالثة قوله: "ودون هذا أن يجيز جميع مسموعاته لجميع الموجودين من المسلمين"
__________
1 البخاري 1/160. ومسلم في: الصيام: حديث 36: 38. وأحمد 2/9.
2 فتح المغيث 2/210- 211.

(2/193)


لعدم تعيين الأمرين معا ولا أحدهما:
والرابعة قوله "ودون هذه أن يجيز ذلك" أي جميع مسموعاته "لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين" ووجه تأخرها عما قبلها ظاهر واختار الخطيب صحتها قال إذا أجاز لجميع المسلمين صحت الأجازة وكذلك الحافظ ابن منده فإنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وإليه ذهب الحافظ السلفى فإنه كتب من الاسكندريه في بعض مكاتباته إحازة لأهل بلدان عدة منهابغداد وواسط وهمدان وإصبهان وزنجان.
قال القاضي عياض إن الا جازة العامه للمسلمين من وجد منهم ومن لم يوجه ذهب إ ليها جماعة من مشايخ الحديث قال زين الدين وأنا أتوقف عن الرواية بها "ولها صور غير هذه" قد قدمنا لك عن الزين أن صورها تسع فهذه منها أربع.
"وفي كل منها" أى من هذه المذكورة أو من المحذوفة "خلاف" والقائلون بكل صورة أكثر من القائلين نما دونها] وادعى الباجي أنه لاخلاف في جواز الرواية بالأجازة من سلف هذه الأمه وخلفها قال زين الدين إن حكايته الأجماع غلط وقال ابن الصلاح: إنه باطل.
قلت: تقدم عن القاضي عياض أنه الأولى من الصور.
"والذي إعتمد عليه من أجازها إختلفوا" في معناها إختلافا تفرع عنه إختلاف آخر "فمنهم من قال هي خبر جملى وكل ما جاز في الأخبار الجملية جاز فيها فمن هنا" أى من حيث كونها خبرا جمليا "قال بعضهم" أى بعض من أجاز الأجازة "لا تجوز لغير معين ولا لمعدوم لأن الأخبار لايكون إى لمعين موجود مشافهة أومكاتبة" فلم يجبيروا إلا القسم الأول منها وهو حيث تعين المجاز له.
"ومن اجاز ذلكفي حق المجهول" كأجزت لأهل مصر مثلا "والمعدوم" وحده كأجزت لمن سيوجد أو مع الموجودين "إحتج" من يقول بجواز ذلك "بأنه يجوز أن يقول أخبرنا الله في كتابه بكذا كما يقول أمرنا بكذا وإن كنا وقت الأخبار والأمر غير موجودين ولا معينين".
قال المنصف "وهذا" الدليل "ضعيف لوجهين":
"الأول: أنه لو جاز لنا القياس على هذا" أي على قولنا أخبرنا الله بكذا "لجاز لنا أن نرى عمن لم يجز لنا من المحدثي فإن جواز قولنا أخبرنا الله لايتوقف على أن الله أجاز لنا الرواية عنه".

(2/194)


قلت: لم لا يقال إنه قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم "لبيلغ الشاهد الغائب" 1 وقال "بلغوا عنى ولو آية" 2 وهو خطاب للأمه الموجودين أو لمن شافهه بأن يبلغوا عنه ما أني به من عند الله من كتاب وسنة فهذه إجازة منه صلى الله عليه وسلم في الأبلاغ عنه ما جاء به فهو يروي القرىن عن جبريل عن الله تعالى ثم أمرنا بابلاغه فإذا عرفت فقولنا أخبرنا الله بكذا ممستندا إلى هذا الأمر الذي هو إجازة وزيادة وغايته أن يكون قولنا أخبرنا الله بكذا خبرا مرسلا لأسقاطنا الواسطة.
ولا يلزم أيضا أن يكون إخباره صلى الله عليه وسلم لنا عن الله بالقرآن وبالأحاديث القدسية التى بلغها إليه النلك خبرا مرسلا لأنه من الأخبار المعلوم صدقها فلذا وجب قبول خبره صلى الله عليه وسلم لأجل المعجزة فليس كالأخبار المرسلة في الروايات لأن المختبر هنا معصوم عن الكذب رواية عن غيره وقولا عن نفسه وصل خبره بذلك الواسطة وهو جبريل أو غيره من الملائكة أولا وقد صرح صلى الله عليه وسلم في بعض رواياته عن الله تعالى بذكر جبريل والأكثر حذفه.
وإذا تقرر هذا فلم يتم قول المنصف إنه لايتوقف قولناأخبرنا الله تعالى أنه أجازلنا الرواية عنه بل قد أجاز لنا تعالى الرواية عنه على لسان رسوله حيث قال {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ, وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 2] فإنه معطوف على الأمين أو على ضمير مفعول يعلمهم فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة والكل إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن الله كما تقرر أن الحق أن السنةوحى وهى المراد بالحكمة في الآيه ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يعلموامن يأتي بعدهم ويبلغوهم الكتاب والحكمة ثم هلم جرا إلى إنقضاء دار التكليف.
وكل ذلك إخبار عن الله بالأخازة منه صلى الله عليه وسلم وهي أمره لهم بالابلاغ فإخباره صلى الله عليه وسلم عن ربه كله بالإجازة عنه تعالى فإن أمره تعلى له صلى الله عليه وسلم بإخباره لنا عنه أمره ونواهيه وكلامه هو عين الإجازة له بالابلاغ غايته أنه تعلى أوجب عليه ذلك الابلاغ كما أوجب صلى الله عليه وسلم على
__________
1 البخاري 1/26, 37, ومسلم في: الحج: ب 82: حديث 446, وأحمد 5/45.
2 البخاري 4/207, والترمذي 2669, والدارمي 1/136, وأحمد 2/159.

(2/195)


الأمة الأبلاغ عنه وعن الله فقولنا أخبرنا الله بكذا مرسل بل المراد أخبرنا من علمنا كلام الله عن رسول الله عن جبريل عن الله ومن علمنا بينهم وبين من علمهم وسائط لاينحصرون.
لكن الأخبار المتواترة كالقرآن والواجبات الخمسة ونحوها لا ينظر فيها إلى الرواة ولا إلى صفاتهم وإلا فالكل رواية فليتأمل فإنه قد يقال إن إنقسام الرواية إلى مرسل وغيره إنما هو في الأحاديث لا في المتواترات لأنه قد يقال أول رتبه آحاد إلا أن يقال التصديق بالمعجزة صير قبول الخبر ضروريا من صاحبها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والضرورة هي العلة في قبول الأخبار المتواترة فهي كالتواتر وأقوى منه في أول رتبة فلينظر فلم تجد هذا البحث لأحد وإنما هو من فتح الله وله الحمد كله.
"ولو جاز ذلك" عن الله "لجاز لنا أيضا أن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة" يقال عليه سؤال الاستفسار وهو ما معنى بغير واسطة هل يختلف عليه فهذا ليس بإخبار عنه لغة قطعا وإن أريد بغير واسطة أي بغير راو لنا عنه فنحن إنما طريق ما يبلغنا عنه التعليم أما القرآن فمن أفواه حفاظه أو من خطوط الثقات من حفاظه والكل وساطة وتعليمهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو السنة ولا تبلغنا إلا من أفواه الرواة أو من خطوط ثقاتهم النقلة والكل إبلاغ لنا ورواية فإذا نقلنا عن الله تعالى أمرا وعن رسوله صلى الله عليه وسلم سنة فهي لا تكون إلا بواسطة قطعا ولا يشترط أن يقال لنا المبلغ أرووا عني لأنه قدأمرنا الشارع بالرواية عنه والإبلاغ بحيث لوقال لنا من علمنا قد حجرتكم عن الرواية عني لكان كلاما لاغيا وكان به آثما وإذا عرفت وجوب الرواية عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما صح لك من كتاب وسنة وأنك لا تحتاج فيه إلى إجازة أصلا.
نعم إذا أردت سلسلة الإسناد بأنه أخبرك فلان عن فلان فلا بد لك من طريق يصح لك بها الأخبار وباه أخبرك فمن أجاز للمعدومين فمعناه الإبلاغ إليه بأنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقوله صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني" عام للموجودين ولو كانوا غائبين وللمعدومين على خلاف في الأصول والإبلاغ عنه صلى الله عليه وسلم رواية فقد أجاز صلى الله عليه وسلم الرواية للمعدومين بل أمر بها.
وإذا تحققت هذا علمت بطلان السؤال والجواب الذي تضمنهما قوله.
"فإن قلت: إنما أجاز في حقه تعلى من غير أجازة لنا بخلاف غيره" قد عرفت أن

(2/196)


أمره تعالى لنا بالأبلاغ عنه وعن ورسوله صلى الله عليه وسلم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إجازة لنا وزيادة "لأنه تعالى أراد خطاب جميع المكلفين بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما خاطب من سمعه" نعم الخطاب الشفاهي هو لمن سمعه كما عرف في الأصول لكنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالبلاغ عنه وهو إجازة منه لمن بلغه أن يبلغ عنه ثم ظاهر كلامه أن المراد من قوله فإما من خاطب من سمعه أنه أراد الخطاب الشفاهي لأنه المسموع لمن يخاطب به.
ولا يخفى أنه تعالى لم يشافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء فإنه كان بغير وساطة وأما القرآن ويغره فإنه جاءه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك فلا يتم قوله أراد خطاب جميع المكلفين لأنه تعالى لم يخاطب الخطاب الشفاهي الذي جعله وجه الشبه لا الموجودين ولا المعدومين بل خاطب جبريل عليه السلام على كيفية ال يعلمها إلا هو "وكذا شيوخ المحدثين إنما خاطبوا من أخذ عنهم" الكلام في أعم من الخطاب وهو البلاغ فأجازته للمعدومين إبلاغ لهم بأن يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كأمره صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه.
"قلت: كون الله قصد خطاب المعدومين" كما أفاده إيراد السؤال "من المكلفين" ينبغي أن المراد أي قصد أن يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه تعالى كما قصد أن يخاطب جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم إلا أنه تعالى خاطب الموجودين الخطاب الشفاهي الذي علق به النزاع وكما دل له قوله "مختلف في صحته" لكنه لا يخفي أنه إذا حمل على ما ذكرنا خرج عما نحن بصدده.
واعلم أن مسألة الخطاب الشفاهي هي محل الخلاف في الأصول بين الحنابلة والجماهير ولا يخفي أنه لا يصح أن تراد هنا فإن المحدث الذي أجاز للمعدومين غير مخاطب لهم مشفاهمة ضرورة عقلية لكنه يبلغ بأجازته كأمره صلى الله عليه وسلم بقوله "بلغوا عني" فإنه أجازة لمن في عصره ولمن جاء بعده ووجد بعد فقده وقوله المعدومين يدل على أن الموجودين لا خلاف في قصد خطابهم وفيه الخلاف بل الحق أن الخطاب الشفاهي لا يكون إلا للحاضرين لا غير وذلك مثل يا أيها الناس وأما الغئبون ومن سيوجد فإنما يدخلون في الحكم لأدلة عموم التشريع كما عرفت في الأصول الفقية.
"وعلى تقدير صحته فليس ينزل منزلة الأخبار كما لا ينزل منزلة التكليم" يقال عليه

(2/197)


مسلم ولذا لا يقال في الرواية بالإجازة كلمني فلان ولا شافهي ولا سمعته وإنما يقال أجاز لي ونحوه "ألا ترى أن موسى عليه السلام كلم الله تعالى من دون سائر من آمن به وإن كان الله قد أمرهم ونهاهم وأخبرهم" يقال فرق بين الأمرين فإنه تعالى كلم موسى عليه الصلاة والسلام بغير واسطة والذين أمرهم وأخبرهم ونهاهم كانوا بواسطة الرسل وكان فيمن أمرهم تعالى من هو معدوم قطعا فأمر الرسل بإبلاغهم والرواية عنه تعالى لهم وأمرت الرسل أصحابهم بإبلاغهم فهم مأمورون بأمر الله بالواسطة الأحياء في عصر الرسل الذي لم يشافههم الرسول كالمعدومين في ذلك إنما تعددت الوسائط.
"فظهر من هذا أن قول القائل أخبرنا الله مجاز" يقال فما حقيقة هذا المجاز هل المراد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مجاز بل قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى إذا اعتبرت الأخبار الشفاهي مجاز ويكون من المجاز الذي لا حقيقة له بل الأظهر أن قولنا نحن مثلا أخبرنا الله مثل قوله صلى الله عليه وسلم "أخبرني الله" الكل حقيقة في العبارتين أو مجاز فيهما إذا الكل إخبار عنه تعالى بواسطة غايته كثرة الوسائط في حقتا وقلت: ها في حقه صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغنا وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالإبلاغ عنه أو يقال لا يشترط في الأخبار عن الغير المشافهة بل تحقق أنه قاله وأمرنا بإبلاغه فيكون الكل حقيقة.
"والذي حسنه" أي هذا المجاز ولا يخفى أن الأولى أن يقول صححه "وضوح القرينة الدالة على المقصود وعدم أيهام حقيقة التكليم الخاص" وذلك أن وضوح القرينة في المعنى الجازي مصححه لا محسنه إذ لو خفيت لما صح "ودليله" أي أنه مجاز "أنه يقبح من أحدنا أن يقول أخبرني زيد بكذا ولم يخبره بذلك مشافهة لما كان الظاهر" وهو الحقيقة هنا "ممكنا ولا مانع منه" أي من مشافهة زيد له بالخبر وقد يقال لا نسلم القبح بعد ثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى ولعل هذا القبح عرفي لا لغوي.
"الوجه الثاني" من وجهي الضعف "أن ذلك غير مفيد للمقصود من الأجازة وإن قدرنا صحته في مجاز اللغة أو حقيقتها بمعنى أن قائله" أي قائل أخبرني الله "لا يوصف بالكذب وذلك لأن المقصود بالإجازة اتصال الإسناد وعدم انقطاعه فلو جاز مثل ذلك" وهو الإجازة للمعدومين "لجاز لنا أن نروي عمن بيننا وبينه قرون عديدة ممن

(2/198)


قد أجاز لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين كالحافظ ابن منده" قدمنا قريبا أنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وقدمنا غير ابن منده.
"وقد اتفق علماء الإسناء على القدح في الإسناد يكون الراوي لم يدرك زمان من روى عنه" يقال أين الإتفاق وهذا ابن منده من أئمة الإسناد قد أجاز ذلك وأجازه غيره من الأئمة كما قدمنا جماعة منهم ثم القد المذكور إنما يكون إذا أفهم سماعه منه بال وساطة ولا كذا هنا.
"ولا فرق بين قبول من هذه صفته وبين قبول المراسيل والمقاطيع في المعنى قال ابن الصلاح: ولم يرو ولم يسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه إستعمل هذهالإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة" الماموس الشرذمة بالكسر القليل من الناس "المتاخرة الذين سوغوها انتهى" قال السخاوى وقد انصف ابن في قصر النفي على روايته وسماعه.
قلت: عبلرة ابن الصلاح في نفي الرواية والسمع مسندة إلى المجهول كأنه يريد لم يرو أحد بدليل أنه أبى الواو وفي شرذمة قال السخاوى لأنه إستعملها جماعات ممن تقدمه من الأئمة المقتدى بهم كالحافظ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي والحافظ السلفي حدث بها عن ابن جيرون فيما قاله ابن دحية وغيره وحدث بها أيضا الحافظ أبو بكر بن حسين الأشبيلي المالكي وإن أبي العمرني كتلب علوم الحديث عن السلقى وجدث بها أبو الخطاب ابن دحية في تصانيفه عن أبي الوقت والسلفى وإستعمالها خلق كثير بعد ابن الصلاح وعمل بها النووى فإنه قال كما قرأته بخطه في آخر بعض تصانيفه وأجزت روايته لجميع المسلمين حتى إنه لكثيرة من جوزها أقردهم الحافظ أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أبي البدر البغدادي الكاتب في مصنف رتبهم فيه على حروف المعجم وكذا جمعهم أبو رشيد بن الغزالى الحافظ في كتاب سماه الجمع المبارك وقال النووى مشيرا إلى التعقب على ابن الصلاح إنه لم ير من إستعملها حتى ولا من سوغها إن الظاهر من كلام من صححها جواز الرواية بها وهذا يقتضى صحها وأى فائدة لها غير الرواية بها.
وإعلم أنهم يشترطون فيمن يجيزون له الأهلة وكأن المراد أنهم يجيزون للمعدومين عند كما لهم وما أحسن قول أبي شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي جوابا على الحافظ السلفى وقد طلب منه الإجازة فقال:

(2/199)


إني أجزت لكم عني روايتكم ... بما سمعت من أشياخي وأقراني
من بعد أن تحفظوا لجواز لها ... مستجمعين لها أسباب إتقان
أرجوا بذلك أن الله يذكرني ... يوم النشور وإياكم بغفران
ومثله ماكتبه أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي كما أورده الخطيب في الكفاية والقاضي في الإلماع:
كتابي إليكم فافهموه فإنه ... رسولي إليكم والكتاب رسول
فهذا سماعي من رجال لقيتهم ... لهم ورع مع فهمهم وعقول
فإن شئتموا فارووهعني فإنما ... تقولون ماقد قلته وأقول
ألا واحذروا التصحيف فيه فربما ... يغير عن تصحيفه فيحول
وقال غيره:
وأكره فيما قد سألتم غروركم ... ولست بما عندي من العلم أبخل
فمن يروه فليروه بصوابه ... كما قاله القراء فالصدق أجمل
وكتبت إجازة لبعض العلماء واشتملت هذه الأبيات على إجازة ونصيحة وكثيرا ماأكتبها في غالب الإجازات وهي:
أجزتكمو ياأهل ودى روايتي ... لما أنا في علم الأحاديث أرويه
على ذلك الشرط الذي بين أهله ... وفي شرحنا التوضيح تنقيح مافيه
فأسند إلينا بالإجازة راويا ... لغير الذي عني سمعت سترويه
وإن ترو عني ماسمعت فأروه ... بحدثنا الشيخ المشافه من فيه
كذلك أجزنا مالنا من مؤلف ... إذا كنت تقريه وعني ترويه
ألا واعلموا والعلم أشرف مكسب ... وقد صرتمو فيه شموسا الأهليه
بأن أساس العلم تصحيح نية ... وإخلاص ماتبديه منه وتخفيه
وبذلكمو منه لما قد عرفتمو ... وحققتمو من لفطه ومعانيه
مع الصبر في تفهيم من ليس فاهما ... فكم طالب عد الجلي كخافيه
وأن تلزموا في الإعتقاد طريقة ... لأسلافنا من غير جبر وتشبيه
وأوصيكمو بالصبر والبر والتقى ... فهذا الذي بين الأنام تواصيه

(2/200)


به أمرتنا سورة العصر فاشكروا ... لمولاكمو ماجاءكم من أياديه
فعضوا عليها بالنواجذ واصبورا ... فقد فرق الناس الكلام بما فيه
ففيه الدواهي القاتلات لأهلها ... وكم فيه من داء يعز مداويه
فكم مقصد نحو المقاصد مظلم ... وكم موقف نحو المواقف يخزيه
كذلكم الغايات غاية بحثها ... شكوك بلا شك ومن غير تمويه
فيا حبذا القرآن كم من أدلة ... حواها لتوحيد وعدل وتنزيه
فماكان في عصر الرسول وصحبه ... سواه دليلا قاهرا لأعاديه
فلا تأخذوا إلا مقالته التي ... تنادي إلى دار النعيم دواعيه
عسانا نلبي من دعانا إلى الهدى ... ننال غدا من ربنا ما ترجيه
وما خلتموه مشكلا متشابها ... فقولوا وكلناه إلى علم باريه
وقف عند لفظ الله والراسخون قل ... هو المبتدا ما بعده خير فيه
وفيه لدينا فوق عشرين حجة ... ولا يستطيع النظم شرح معانيه
فقد ضل بالتأويل قوم جهالة ... ويعرف ذا النقاد من غير تنبيه
فعطل أقوام وجسم فرقة ... وفاز امرؤ ما حام حول مبانيه
أتى كل ما فيه من الأمر تاركا ... ومجتنبا إتيانه لنواهيه
وقدصبر الكشاف جل كلامه ... تعالى مجازا فاحذروا من دواهيه
وفيه يالله در كلامه ... مباحث تفي كل داء وتشفيه
خذوا واتركوا منه وكل مؤلف ... كذلك فيه ما يروج وما فيه
وليس سوى الرحمن يجذب عبده ... إلى كل ما يرضيه منه ويهديه
أقيموا على باب الكريم وداوموا ... على قرعه فهو المجيب لداعيه
ودونكم نصحا أتى في إجازة ... ودأبي نشر العلم مع نصح أهليه
ولا تتركوني من دعائكمو عسى ... عسى دعوة تشفي الفؤاد وتحييه
وتهدي إلى حسن الختام فإنه ... مناي الذي أدعو به وأرجيه
وأحمد ربي كل حمد مصليا ... على أحمد والآل أقمار ناديه
ورض على أصحاب أحمد متبعا ... لتابعهم أهل الحديث وراويه

(2/201)


"وقالت طافة ممن سوغ الأنوع في الأجازة إنها إذن لاخير جملى" إلا أنه لم يتقدم ذكرما جعلوه إذنا للمجازله في كلام المصنف وذلك أنهم ذكروا من أنواعها أن يأذن المجيز للمجازله أن يروى عنه ما يتحمله من الروايات بعد الأجازة له فيرويه عنه المجازلة بعد أن يتحمله قال الزين هذا النوع من الاجازة باطل "وشبهوها بالوكالة".
قال ابن الصلاح: إنها على القول بأنها إذن تنبنى على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما ام يملكه الآذن بعد كأن يوكله في بيع العبد الذى يريد أن يشت يه وعلى جواز هذا النوع قال بعضهم وإذا جاز التوكل فيما لايملكه بعد فالإجارة أولى بدليل صحه إجاز الطفل دون توكيله وعلى المعتمد فيتعين كما قال ابن الصلاح: تبعا لغيره على من يريد أن يروى عن شيخ بالإجازه أن يعلم أن يعلم ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته انتهى قال السخاوى يلحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإجازه من نظم أو تأليف.
"وهذا" أى تشبيه الأجازة بالوكالة "قول ساقط لأن باب الرواية غير باب الوكالة" يقال هم مسلمون بكونه غيره إنما قاسوه عليه فكان الأحسن أن يقول وقياسها على الوكالة باطل "فإن الرواية خبر عما مضى يدخله الصدق والكذب والوكالة إنشاء يتعلق بتصحيح أحكام مستبقلة ولهذا" لكونها تتعلق بالأحكام المستقبلة "يصح عزل الموكل للوكيل ويدخل فيها الشروط والاستثناء بخلاف الرواية" أما الشروط والاستثناء فالظاهر دخولهما في الأجازة فإنهم يشترطون أهليةمن يجيزون له ويستثنون بعض ما لم يسمعوه ولا يخفى أن الأجازة معناها إنشاء مثل أجزت لك فإنه من باب بعث ونحوه فهي مثل وكلتك في معناها ثم أن المجاز له والموكل هما المخبران وخبرهما هو الذي يحتمل الصدق والكذب فإنه يقول المجاز له أخبرني فلان ويقول وكلني زيد في مطالبة عمرو بحق عنده له فكلاهما مخبران ومستندهما جمل إنشائية فقول المصنف هذا خبر وهذا إنشاء كأنه من إلتباس العارض بالمعروض.
وأما منع الشيخ من أجاز له أو سمع منه روايته عنه فقد قال الزين ولا يضر سامعا أن يمنعه الشيخ أن يروي ما قد سمعه كأن يقول له لا ترو عني أو ما أذنت لك أن تروي عني ما ما سمعته لا لعلة أو ريبة في المسموع فإنه قال ابن خلاد في المحدث الفاضل إن له الرواية عنه ولا يضره منعه وتبعه القاضي عياض وصرح به غير واحد من أئمة هذا الشأن وهذا هو الصحيح وقد حدثه وهو شيء لا يرجع فيه فلا

(2/202)


يؤثر منعه انتهى.
قلت: وهذا يقوي ما قدمناه لك من أنه إبلاغ فلا أثر لمنعه عنه.
وقال السخاوي عن بعض علماء غفريقة أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض من أخذ عنه لأمر نقمه عليه وكذلك عن بعض علماء الأندلس وقال لعله صدر عنهم تأدينا وتضعيفا لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيرة انتهى.
"وأقول إن النوعين الأولين قويان والأول أقوى" الأجازة بمعين لمعين وكأن قوته من حيث تعيين المسموع من أول الأمر وإلا فإن الصورة الثانية لا بد فيها من تعين المسموع ضرورة وإلا كانت إجازة بمجهول.
"وباقي أنواعها" أي الأجازة "ضعيف وفائدتهما" أي الأولين "اتصال الإسناد لا جواز العمل فإنه لا بد فيه من معرفة صحة النسخة المروي منها أما بمناولة أو بوجادة صحيحة كما سيأتي" الأمران معا "إلا أن تكون الأجازة لنسخة صحيحة معينة عند المجيز فتكون الإجازة لها مفيدة لاتصال الإسناد" لا حاجة إليه فقد علم "وجواز العمل وقد قصر مصنفوا علوم الحديث في بيان الحجج في الإجازة وطولوا الكلام بذكر أنواها وذكر "تعداد أسماء المختلين في كل نوع منها" وما كان يليق ترك الأدلة عليها.
* * *
مسألة:
"الرابع" من طرق الرواية "المناولة و" هي لغة العطية ومنه حديث الخضر: "فحملوهما بغير نول" 1 أي عطاء واصطلاحا إعطاء الطالب شيئا من مروياته مع إجازته له به صريحا أو كناية وأخرت عن الإجازة مع أنها أعلى منها على المعتمد لأنها جزء لأول نوعيه.
والأصل فيها ما علقه البخاري حيث ترجم له في العلم من صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا وقال له: "لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا" فلما بلغ المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعزا البخاري الاحتجاج لبعض علماء الحجاز وقد وصله الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في المدخل
__________
1 البخاري في: العلم: ب 44, ومسلم في: الفضائل: حديث 170, وأحمد 118.

(2/203)


من طريق أبي سوار عن جنب بن عبد الله يرفعه.
ثم المناولة "أعلاها أن يناول الشيخ الطالب العلم كتابا من سماعه أو مما قوبل على كتابه ويقول هذا من سماعي أو روايتي عن فلان فأروه عني ونحو ذلك" وإنما كانت أعلاها لما فيها من التعيين والتشخيص بلا خلاف بين المحدثين فيه ثم قال زين الدين1 أعلى هذه الرتبة أن يملكه الشيخ الكتاب هبة أو بالقيمة ويليها عاريته كتابه يقابل عليه أو ينقل منه "فيجوز لطالب العلم أن ينقل عن هذا الكتاب ويعمل بما فيه".
"و" الثانية "دون هذه الصورة" وهي "أن يأتي الطالب بكتاب الشيخ أو بما قابل عليه فيعرضه على الشيخ فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يناوله الطالب ويقول هو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه أو نحو ذلك فأروه عني ونحو ذلكوهذه الصورة الآخرة سماها غير واحج من الأئمة عرضا فيكون عرض المناولة" وتقدم عرض السماع.
"وهذه المناولة" أي في الصورتين معا كما تفيده عبارة الزين2 فإنه قال بعد ذكر الصورتين وهذه المناولة المعروفة "إن اقترنت بها إجازة فهي حالة محل السماع عند بعضهم كما حكاه الحاكم عن ابن شهاب" الزهري "وربيعة الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك" عبارة ابن الصلاح3 ومالك بن أنس الإمام في آخرين من المدنيين ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعي والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناحي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن القاسم في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين ورأي الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك انتهى.
"وغيرهم من أهل المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام ومصر وخراسان" وروى الخطيب في الكفاية4 أنه قال إسماعيل بن أبي أويس السماع على ثلاثة أوجه:
القراءة على المحدث وهو أصحها وقراءة المحدث والمناولة.
"وقال الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الإسلام الذي أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه" أي عرض المناولة "سماعا منهم الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني
__________
1 فتح المغيث 3/3.
2 فتح المغيث 3/4.
3 علوم الحديث ص 147.
4 ص 327.

(2/204)


وأبو حنيفة والثوري وابن حنبل وابن المبارك وابن راهوية ويحيى بن يحيى قال" الحاكم "وعليه عهدنا أئمتنا إليه ذهبوا وإليه نذهب" واحتج الحاكم بقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها" 1 وبقوله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم" 2 فإنه لم يذكرفيهما غير السماع فدل على أفضليته لكن قال البلقيني إن ذلك لا يقتضي امتناع تنزيل المناولة على ما تقدم منزلة السماع في القوة على أني لم أجد من صريح كلامهم يقتضيه قال السخاوي وفيه نظر ولم يبين وجهه.
"قال ابن الصلاح: إنه هو الصحيح وإنه منحط عن التحديث" تمام كلامه لفظا والإجازة قراءة "والأخبار ونقل زين الدين الاتفاق على صحتها" وإن اختلفوا في صحة الإجازة المجردة قال "وإنما اختلفوا في موازاتها" بالزاي: مساواتها "للسماع قال وقد حكى الاتفاق على صحتها القاضي عياض في الإلماع" وعبارته فيه: وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين وسمى جماعة وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر. انتهى.
"وأما إن لم تقترن بها إجازة ولا قال المناول للطالب ارو عني مافي هذا الكتاب ولا نحو ذلك فإن أهل العلم اختلفوا في جواز الرواية بها" قال زين الدين: الأصح أنها باطلة وحكى النووي البطلان عن الفقهاء واصحاب الأصول ذكره في تقريبه والأحسن قول ابن الصلاح إنه عاب غير واحد من الفقهاء الأصوليين على المحدثين تجويزها وإساغة الرواية.
"واختلافهم مبني على أن: هل الرواية من شرطها الإذن" من الشيخ للطالب "أو لا والصحيح ان الإذن غير مشترط في الإخبار" إذ الأصل جواز إخبار الإنسان عن غيره وإن لم يأذن في الإخبار عنه إلا أن يكون أمرا خاصا به لايجب اطلاع أحد عليه.
"فكذلك" تجوز "هاهنا" أي في باب الرواية إذ هي قسم من الإخبار فإنه "إذاأخبر" الشيخ "أن الكتاب سماعه وأن النسخة صحيحة وناولها الطالب لينتسخها أو ينقل منها فإن ذلك يكفي" عن الإذن "والوجه في ذلك أنه خبر جملى فينزل منزلة كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينفذ بها" إلى الآفاق "مع الرسل ولم تكن الرسل تحفظها
__________
1 الترمذي 2658. وابن ماجة 230.
2 أبو داود 3659. وأحمد 1/321. والصحيحة 1784.

(2/205)


وتسمعها على النبي صلى الله عليه وسلم "هذا هو الذي قدمناه لك أن الرواية من الإبلاغ المأمور به " "وإنما يخبرون" الرسل من أرسلوا إليه "خبرا جمليا أنها كتب النبي صلى الله عليه وسلم وأن مافيها منسوب إليه".
قلت: ويستأنس لذلك بما وقع من المناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه بحضرة أحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي: دباغها طهورها قال إسحاق: فما الدليل؟ قال: حديث ابن عباس عن ميمونه: "هلا انتفعتم يجلدها" 1 يعنى الشاة فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبى صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر "لاتنتفعوا من الميته بإهاب ولاعصب" 2 يشبه أن يكون ناسخا له لأنه قبل موته بتسير فقال الشافعي هذا كتاب وذلك سماع فقال إسحاق إن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكأن حجة عليهم فسكت الشافعي مع بقاء حجته كما قاله ابن المفضل الماكي فإن كلامه في ترجيح السماع في إبطال الإستدلال بالكناب وكأن إسحاق لم يقصد الرد لأنه ممن يرى أن أنقص من السماع.
* * *
مسأله:
"كيف يقول من روى بالمناولة والأجازة" كان الأولى تقديم الأجازة ليوافق ما سلف من الأجازة لكنها وقعت في عبارة الزين مؤخرة فتبع المنصف طريقه.
"الذي عليه الجمهور واختاره أهل الترى والورع النع من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما في النولة والأجازة" مطلقا من غير تقييد "و" يجوز "مع تقييد ذلك بعبارة يتبين مهعا الواقع في كيفيه التحمل ويشعر به فيقول أخبرنا أو حدثنا إجازة أو مناولة أو إذنا أو نحو ذلك ومنهم" وهم غير الجمهور "من أجاز إطلاق حدثنا وأخبرنا" من غير تقييد بما ذكر "في الرواية بالمناولة" قال زين الدين إنه أجازه ابن شهاب الزهرى ومالك بن أنس "وهو" أى الإطلاق "يليق بمذهب من قال: المناولة المقرونة بالإجازة
__________
1 البخاري 2/158. ومسلم في: الحيض حديث 101, والنسائي 7/172. والبيهقي 1/23.
2 أبو داود في اللباس: ب 41, والترمذي 1729, وابن ماجة 3613, والنسائي 7/175, وأحمد 4/310.

(2/206)


منزلة منزلة السماع وتقدم من قال ذلك.
"ومنهم من أجاز حدثنا وأخبرنا الإجازة مطلقا وكل عن ابن جريح ومالك وأهل المدينه والجوينى وجماعة من المتقدمين" قال الزين قال القاضي عياض1 إنه حكى ذلك أى جواز الرواية بحدثنا مطلقا في الأجازة ابن جريح وجماعه من المتقدمين وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالك وأهل المدينة وذهب إلى جوازه إمام الحرمين وخالفه غيره من أهل الأصول.
"واستعمل بعض أهل العلم" هم جماعة أهل الأصول في الروايه "في الأجازة ألفاظ غير مشعرة بالأجازة منها شافهنى فلان وأخبرني مشافهة" قال زين الدين إذا كان قد شافهه باالأجازة لفظا وما كان يحسن أن يحذفه المنصف "واستعمل بعضهم في الأجازة بالكتابه كتب إلى أو كتب لى أو أخبرنا كتابة" قال الزين2 وهذه الألفاظ وإن استعملها طائفة من المتأخرين فلا يسلم من استعملها من الإبهام وطرف من التدليس أما المشافهة فيؤهم مشافهته بالتحديث وأما المكاتبه فتوم أنه كتب إليه ذلك الحديث بعينه كما يفعله المتقدمون "ومنها لفظ أن فيقول" أخبرنا فلان "أن فلانا حدثه" أو أخبره "ومنها أنبأنا وهى عند المتقدمين بمنزلة أخبرنا".
واعلم أنه استدل من أجاز إطلاق التحديث بالإجازة بأن مدلول التحديث لغه إلقاء المعاني إليك سواء ألقلها لفظاأو كتابة أو إجازة وقد سمى الله تعالى القرآن حديثا حدث به عباده وخاطبهم به فكل محدث أحدث إليك شفاها أو بكتابة أو بإجازة فقد حدثك به وأنت صاجق في قولك حدثني.
"قال الحاكم3 الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها أبنبأني فلان وكان البيهقي يقول أبنأنا فلان إجازة ومنها لفظ عن وكثيرا ما يأتي بها المتأخرون في موضع الإجازة" قال ابن الصلاح: وذلك قريب إذا كان قد سمع منه بأجازة من نسخة إن لم يكن سماعا "ومنها خبرنا بتشديد الباء روى عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بذلك" زاد زين الدين ومنها قال لي فلان وكثيرا ما يعبر بها البخاري.
__________
1 الإلماع ص 128.
2 فتح المغيث 3/8.
3 علوم الحديث ص260.

(2/207)


وقال أبو عمر محمد ابن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة1 وقد تقدم أنها محمولة على السماع وأنها كأخبرنا وأنهم كثيرا ما يستعملونها في المذاكرة.
* * *
مسألة:
"الخامس" من طرق الرواية "المكاتبة" وهي أن يكتب الشيخ شيئا من حديثه يخظه أو يأمر غيره فليكت عنه بإذنه سواء كان غائبا عنه أو حاضر في بلده "والرواية بها متصلة صحيحة عند كثير من المحققين من المتقدمين المتأخرين" وتقدم في مناظرة الشافعي وإسحاق دليلها.
"وهي" أي الكتابة "أرفع" ورتبة "من الإجازة" المجردة وإلى هذا ذهب قوم من الأصليين منهم إمام الحرمين وكأنه لما فيها من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول الأمر.
"ومنع الرواية بها قوم" منهم الإمام أبو الحسن الماوردي ولكن قال القاضي عياض إنه غلط بل العمدة صحة الرواية بها واستدل له البخاري في صحيحه بنسخ عثمان رضي الله عنه المصاحف والاستدلال بذلك واضح لأصل المكاتبة لا خصوص المجردة عن الإجازة فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على مافي تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا ثبوت أصل القرآن فإنه متواتر كذا قيل وفيه تأمل.
"وقال بعضهم" هو سيف الدين الآمدي "لا يجوز أن يروى عن الكاتب إلا أن يسلطه على ذلك فيقول ارو عني ما كتبت إليك أو يكتب ذلك إليه وحجة من أجازها أنها من أقسام الأعلام الحاصل بالأخبار فهي ميثله في الفائدة المعقولة وهي حصول الظن بخبر الواحد ولهذا استعمل العقلاء الكتاب إلى الغائب ونزلوه منزلة المشافهة في جميع ما يقصدون فيه طلب المنافع ودفع المضار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك" فقد بعث بكتبه إلى الملوك كسرى وقيصر وغيرهما وكتابه
__________
1 علوم الحديث ص 152.

(2/208)


المعروف بكتاب عمرو بن حزم فيه عدة من الأحكام وعليه اعتمد علماء الأسلام وخلفاء الأنام "وكذلك الخلفاء من بعده" فإنه كتب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما في أمور عظائم ومهمة وبها كانت تقوم الحجة وفي الصحيحين عدة أحاديث بعضها اتفقا عليه وبعضها انفرد به أحدهما وهي معروفة فلا نطول بها.
"ويكفي في ذلك معرفة خط الكتاب على الأصح" وإن لم تقم بينة على الكتاب برؤيته وهو يكتب ذلك أو بالشهادة عليه أو أنه خطه.
"وفيه خلاف" فقال قوم لا يعتمد على الخطوط واشترطوا البينة بالرؤية أو الإقرار قالوا للإشتباه في الخطوط بحيث لا يتميز أحد الكتابين عن الآخر ورده ابن الصلاح وقال1 إنه غير مرضى لندرة ذلك اللبس فإن الظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلتباس والحكم للأغلب وحاصله أنه إن حصل الظن بأنه خط فلان جاز العمل وإن شك فلا يعمل مع الشك.
"والحجة على ذلك من النظر أنه يحصل به الظن" والظن يجب العمل به "و" الحجة عليه "من الأثر الحديث الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته مكتوبة تحت رأسه" أو كما قال" وهو حديث متفق عليه2 وله ألفاظ هذا أحدها ففيه دليل على العمل بالخط وإلا فأي فائدة في كتابته والقول بأنه أراد مكتوبة عنده بالشهادة عليها خلاف الظاهر وتقييد للحديث بالمذهب ثم علم الناس شرفا وغربا وشاما وعدنا على الإعتماد على الكتب في كل أمر من الأمور.
"وأجاز بعضهم" هو الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر "أنبأ ونبأ في" الرواية بـ "الكتابة قال الزين" تبعا لابن الصلاح وقاله ابن الصلاح3 تبعا للخطيب "والمختار الصحيح اللائق بمذهب أهل التحري والنزاهة أن يقيد" عند الرواية "ذلك فيقول أخبرنا كتابة أو كتب إلى أو نحو ذلك" تحرزا عن اللبس والإيهام.
* * *
__________
1 علوم الحديث ص 154.
2 البخاري 4/2, ومسلم في: الوصية: حديث 1,4. وأحمد 2/80.
3 علوم الحديث ص 154, 155.

(2/209)


مسألة:
"السادس" من أقسام أخذ الحديث وتحمله "إعلام الشيخ" الطالب لفظا بشيء من مرويه من غير إذن له في روايته عنه "وذلك نحو أن يقول الشيخ هذا سماعي على فلان ولا يأمره بروايته عنه ولا بالنقل عنه ولا يناوله ولا بخبره إلا بمجرد الأعلام وفيه خلاف بين طائفتين عظيمتين" من أهل العلم فمنعه أبو حامد الطوسي واختاره ابن الصلاح ويغره وأجازه ابن جريج وطوائف من المحدثين وصاحب الشامل وهو أبو نصر بن الصباغ والحجة للجواز القياس على الشهادة فيما إذا سمع المقر يقر بشيء وإن لم يأذن له كما تقدم في المناولة المجردة وقال القاضي عياض إن اعترافه له به وتصحيحه أنه من روايته كتحديثه له بلفظه وقراءته عليه وإن لم يجز له.
"ومبناه" أي الخلاف "على أن السماع قد يكون فيه خلل يمتنع السامع من أجله من الاعتماد على ذلك السماع فمن نظر إلى هذا التجويز منع ذلك" لأنه يكون عملا مع الشك "ومن نظر إلى أن الأصل السلامة منه حتى يظهر أجاز الرواية عنه بمجرد الأعلام" ولا يخفى أن هذا التجويز يجري في الإجازة والمناولة بل والسماع ولكن البناء على أن المخبر ثقة عدل.
ولذا قال المصنف "والأظهر أن الأصل عدم الخلل في السماع فإن ظهرت قرينة تدل على وجود الخلل فيه أو على عدمه قوي العمل بها وإن لم تظهر عمل به" أي بالإعلام "وفيه نوع ضعف لأجل الإحتمال" وقد عرفت ما في الإحتمال "فيجب أن يبين الراوي كيفية التحمل بهذا النوع" وأنه أخذه بالإعلام "وحكى القاضي عن محققي أصحاب الأصول أنهم لا يختلفون في وجوب العمل بهذا النوع وإنما يختلفون في الرواية بأعلام الشيخ والله أعلم".
* * *
مسألة:
"السابع" من طرق أخذ الحديث وتحمله "الوجادة بكسر الواو وهي مصدر مولد" محدث "لـ وجد يجد قال المعافى بن زكريا النهراوني1 إن المولدين" في القاموس:
__________
1 علوم الحديث ص157.

(2/210)


المولدة المحدث من كل شئ ومن الشعراء لحدوثهم إنتهى فعلى هذا مولدين بفتح اللام "فرعوا قولهم وجادة فيما أخد من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولامناولة" أي ولا كتابة ولا إعلام "من تفريق العرب" متعلق بفرعوا "بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلة للفظ وجد وبيان المعاني المختلفة" لتلك الألفاظ أفادة قوله "بمعنى أنهم يقولون وجد ضالته وجدانا وأجدانا" الأول بكسر الواو بضم الهمزة "و" يقولون وجد "مطلوبه وجودا" بضم الواو ووجدانا بضمها أيضا "و" يقولون "في الغضب" وجد "موجدة" بفتح الميم وسكون الواو "وجدة" بكسر الجيم "ووجدا" بافتح للواو "ووجدانا و" يقولون في الغنى وجد "وجدا مثلث الواو وجدة" بكسر الواو "حكاها الجوهري وغيره" هو ابن سيدة.
وهذا الكلام أخذه المصنف مما ذكره ابن الصلاح1 وزاد فيه زين الدين وزاد المصنف في العواصم وفي الحب وجدا وهو في شرح الزين قال زين الدين "وقرئ بالثلاثة في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} فتجرى الحركات الثلاث في الوا وكلها من الوجد بمعنى الغنى وقال البقاعي لم أرفيها قراءة بالفتح وإنما قرأنوح عن يعقوب بالكسر وقرأ الباقون بالضم وكأن المنصنف واكتفى عن بيان حقيقها بما ذكره عن المعافي بن زكريا.
وقال زين الدين الوجادة أن تجد بخط من علصرته لقيته أو لم تلقة او لم تعاصره بل كان عندك أحاديث ترويها أو غير ذلك مما تسمعه منه ولم يجزه لك.
"وقد تكون الوجادة بخط نفسه وخط شيخه وخط من أدركه من الثقات فيأخذ حطا من الإتصال وإن كانت منطقعة في الحقيقة" قال الزين وكله أى المروى بالوجادة المجرد سواء وقعت بخطه أو لامنقطع إلا أن الأول وهو أنه إذا وثق أنه خطه قد أخذ شوبا من الإتصال قال ابن كثير فيما نقل عنه الوجادة ليست من باب الرواية وإنما هي حكاية عما وجده.
"وقد يتساهل فيما بعض الناس فيروى بـ عن" أونحوها مثل قال فلان مما يوهم أخذه إجازة أو سماعا "في موضع الوجادة" وذلك مثل رواية بهزين حكيم عن أبيه عن فإنها صحيفة على ما قيل وكذا قال صالح جزره في رواية عمرو بن
__________
1 علوم الحديث ص 157.

(2/211)


شعيب عن أبيه عن جده وقال مثله ابن المينى في رواية وائل عن ولده بكر "وهو تدليس قبيح لايهامه السماع وإنما يقال فيها وجدت يخط فلان أو وجدت بخط ظننته خط فلان أو قال لى الثقة إنه خط فلان ونحو ذلك" مثل بخط ذكر كلنبه أنه خط فلان بن فلان.
"وقد جازف بعضهم فأطلق في الوجادة حدثنا وأخبرنا فإنتقد ذلك على فاعله" قال ابن المدينى حدثنا أبو داود الطيالسى حدثنا صاحب لنا من أهل الرأى يقال له أشرس قال قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق فجعل يقول حدثنا الزهرى قال فقلت: له أبن لقيته قال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له حكاه القاضى عياض ايضا "قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أنه أجاز ذلك ولا من يعده معد المسند" عبارة الزين قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل عنه بحدثنا وأخبرنا ولا من يعده معد المسند.
قال الزين هذا الحكم في الرواية بالوجادة "وأما العمل بها فقال القاضى عياض إختلفت أئمة الحديث والفقه والأصول فمعظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل بها قال ابن الصلاح لو عرض جملة المحدثين لأبوه" الأباء وهو الإمتناع وذلك لما تقدم من أن معظمهم لايرون العمل به قيل ويحتمل أنه بالمثناة الفوقية من الإتيان يعنى يعملون به لوضوح دليله وهو أن مدار وجواب العمل بالحديث الموسوق بنسبته إلى الشارع صلى الله عليه وسلم لاتصاله بالرواية بأى طرقها.
"وحكى عن الشافعي جواز العمل به وقالت به طائفة من نظار أصحابه وهو الذي نصره الجوني وإختاره فيره من أرباب التحقيق قال ابن الصلاح: قطع بعض المحققين من أصحابه" أى الشافعى "في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة" والمراد به الجوني فإنه نصره وإختاره غيره من أرباب التحقيق "قال وهو الذي لايتجه غيره الأعصار المتأخرة" وذلك أنها قصرت الهمم فيها جدا وحصل التوسع فيها فلو توقف العمل فيها إلى الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية في هذا الزمان يعنى فلم يبق إلا مجرد وجدان.
"قال النووى: هذا هو الصحيح" وقد إستدل العماد بن كثير للعمل بها بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "أى الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ ", قالوا الملائكة قال: "وكيف لا

(2/212)


يؤمنون وهم عند ربهم؟ ", وذكروا الأنبياء فقال: " كيف لايؤمنون والوحى ينزل عليهم؟ ", قالوا: فنحن, قال: " وكيف يؤمنون وأنا بين أظهركم", قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: " قوم يأتون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بها " 1 قال فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة2 قال البلقيني: وهو إستنباط حسن قال السخاوي3: قلت: وفي الإطلاق نظر فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل فقلت: مقيد بما علم من وجود يوثق به كما دلت له قواعد العلم.
"قلت: وهو الذي اختاره أئمة أهل البيت عليهم السلام منهم الإمام" عبد الله بن حمزة "المنصور بالله وادعى إحماع الصحابة على ذلك ذكره في صفوة الأختيار في أصول الفقه ومنهم الإمام" المؤيد بالله "يحيى بن حمزة ذكره في كتابه المعيار" في أصول الفقه "ولكنه اختار جواز العمل دون الرواية" فإنه قال والمختار عندنا جواز العمل على ذلك دون الرواية لأن العمل إنما مستنده عليه الظن وهو حاصل هاهنا فأما الرواية فلا بد فيها من أمر وراء ذلك القطع بمستند تجوز معه الرواية قال المنصور بالله وإجماع الصحابة وكتاب عمرو بن حزم لا يتهضان إلا إلى ما ذهب إليه الإمام يحيى ذكره المصنف في العواصم "ومنهم الإمام" المتوكل على الله "أحمد بن سليمان حكاه عنه الإمام" المهدي "محمد بن المطهر في عقود العقيان واختاره في محمد بن المظهر لنفسه وحكاه عن أبيه المطهر بن يحيى ذكر ذلك كله في عقود العقيان في شرح قوله:
روينا سماعا عن إمام محقق ... أبي القاسم الحبر المفسر بالفضل
وذكر الخلاف في ذلك الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج له بما يقتضي أنه إجماع لاصحابة ولاتابعين وكذلك الشيخ أبو الحسين البصري ذكرمثل ذلكفي المعتمد واختاره الفقيه عبد الله بن زيد" العنسي "في كتابه الدرر والمنظومة واحتج له بمثل ذلك وقال وهو قول طائفة من العلماء".
"قلت: وقد احتجوا على ذلك بحجج ثلاث":
الأولى: "منها أن ذلك يفيد الظن وهو العلة الموجبة لقبول أخبار الآحاد".
__________
1 شرف أصحاب الحديث 61. والمشكاة 6279. والضعيفة 647.
2 اختصار علوم الحديث ص 108.
3 فتح المغيث 3/28.

(2/213)


"و" الثانية: "منها" الإجماع وهو "إجماع الصحابة رواه الإمام المنصور بالله والإمام المهدي محمد وعبد بن زيد والحاكم وأبو الحسين والرازي والحافظان يعقوب بن سفيان وإسماعيل بن كثير الشافعي".
"و" الثالثة: "منها حديث بن حزم لذى أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب له أنصبة لزكوات ومقادير الديات ورجع إليه الصحابه وتركو اله آراء هم وقد صح عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجع إليه في دية الأصابع حكاه ابن كثير" في الإرشاد ونقلنا لفظه في شرح بلوغ المرام المسمى سبل السلام.
"وقال" ابن كثير "وروى هذا الحديث" يعنى حديث عمرو بن حزم "مسندا ومرسلا أما المسند فروااه جماعة من الحفاظ وائمة الأثر النسائى في سننه والإمام أحمد في مسنده وأبو داود في كتاب المراسيل وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى" بالمهملة مفتوحه وكسر الراء نسبة إلى دارم حى من تميم "وأبو يعلى الموصلى ويعقوب بن سفيان في مسانيدهم ورواه الحسن بن سفيان العسوى وعثمان بن سعيد الدرامى وعبد الله بن عبد العزيزالبغوى" بالموحدة وغين معجمة نسبة إلى بغشور بلدة بين هراة وسرخس والنسبة بغوى على غير القياس قاله في القاموس وقد تقدم "وأبو زرعة الدمشقى وأحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي الكبير وحامد بن محمد بن شعيب البلخى والحافظ الطبرانى" نسبة إلى طبران بلدة بتخوم قومس كما في القاموس سقنا ترجمته في التنزير شرح الجامع الصغير كما سقنا ترجمة غيره ممن ذكر "وأبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه" وظاهر طريق سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق وقال ثقة مأمون وقال الحافظ ابن أبو بكر البيهقي أنني عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعثمان بن سعيد الدارمي "وقال البيهقي هو حديث موصول الإسناد حسن" فهذه الطرق المسندة.
"وأما المرسل فقد روى من وجوه رواها ابن كثير وذكر اختلافا في صحة إسناده وطول الكلام فيه ثم قال وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أئمة الإسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه ويفرعون في مهمات هذا الباب إليه كما قال يعقوب بن سفيان لاأعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم" وتقدم من الأدلة حديث ابن عمر مرفوعا في الوصية وهو متفق عليه وقد سرده المصنف في

(2/214)


العواصم من أدلة الوجادة.
قلت: ول غناء عن القول بها كما قاله النووي وغيره ولما ألقى الله وله الحمد الولوع بهذا الشأن وكان علماء الحديث لا وجود لهم بهذه الأوطان وكان مشايخنا رحمهم الله وأنزلهم غرف الجنان الذين عنهم أخذنا علوم الآلات من نحو وتصريف وميزان وأصول فقه ومعان وبيان ليس لهم إلى هذا الشأن نزوع وإنما يدرسون فيما تجرد عن الأدلة من الفروع ووفقت على قول بعض أئمة الحديث شعرا:
إن علم الحديث علم رجال ... تركوا الإبتداع للإتباع
فإذا جن ليلهم كتبوه ... وإذا أصبحوا غدوا للسماع
قلت: مجيزا لها:
قد أردنا السماع لكن فقدنا ... من يفيد الأسماع بالإسماع
فرجعنا إلى الوجادة لما ... لم تجد عارفا به في البقاع
فلسان الأسفار تملي ومنها ... نتلقى سرا سماع البراع
ثم من الله وله الحمد بالبقاء في مكة والإجتماع بأئمة من علماء الحرمين ومصر وإملاء كثير من الصحيحين وغيرهما وأخذ الإجازة من عدة علماء والحمد لله.
* * *

(2/215)


مسألة: 54 [في كتابة الحديث وضبطه]
"كتابة الحديث وضبطه اختلف الصحابة والتابعون في كتابة الحديث" أي اختلف في ذلك كل فريق في عصره.
"فكرهه" كراهة تحريم كما صرح به جماعة "ابن عمر1 وابن مسعود وزيد بن ثابت2 وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وآخرون من الصحابة" بل قالوا تحفظ عنهم حفظ قلب كما أخذه عنهم حفظا "والتابعين" منهم الشعبي والنخعي "لقوله صلى الله عيله وآله وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد3" وفي رواية أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث فلم يأذن له4.
"وجوزه" أي كتب الحديث "وفعله جماعة من الصحابة منهم علي وابنه الحسن وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وابن عباس وابن عمر في رواية والحسن" وقال البلقيني في محاسن الإصطلاح أعلى من روى عنه ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان روى عن عمر أنه قال قيدوا العلم بالكتابة ونحوه عن عثمان "وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه
__________
1 ابن عمر هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أسلم قديما بمكة مع إسلام أبيه وهاجر وهوابن عشر وكان من سادات الصحابة وفضلائهم لازما للسنة فارا من البدعة مات سنة 73. له ترجمة في: أسد الغابة 3/340.والإصابة 1/338.
2 زيد بن ثابت بن الضحاك أبو خارجة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده وشهد احدا وما بعدها مات سنة 45. له ترجمة في: اسد الغابة 2/278. والإصابة 1/543. والعبر 1/53.
3 مسلم في: الزهد: حديث 72. وأحمد 3/12, 21.
4 الترمذي 2665. والدارمي 457.

(2/216)


القاضي عياض1 عن أكثر الصحابة والتابعين".
"قال" القاضي "ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف" بناء على وقوع الإجماع بعد الخلاف والإعتداء به وهي مسألة خلاف في الأصول.
"ومما يدل على الجواز" أي في عصره صلى الله عليه وسلم فضلا عما بعده ما ذكره زين الدين من "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "اكتبوا لأبي شاه" 2" بالشين المعجمة وهاء منونة في الوقوف والدرج على المعتمد وهو أمر منه صلى الله عليه وسلم بكتب خطابته التي سمعها أبو شاه يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن تكتب له فأمر صلى الله عليه وسلم بكتابتها له قال ابن عبد البر في الإستيعاب إن أبا شاه رجل من أهل اليمن حضر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة فقال أبو شاه أكتب لي يا رسول الله الخطبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" قال ابن عبد البر وهو من ثابت الحديث وأما قول البلقيني يجوز أن يدعي أنها واقعة عين فقد نظره السخاوي وكأن وجهه أن الأصل التشريع العام.
ومن الأدلة على الجواز ما ي صحيح البخاري3 من حديث: "إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا ... ", الحديث.
"و" من الأدلة على جوازها "ما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو" ابن العاص "قال كنت أكتب كل شيء سمعته عن رسول الله وذكر الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له اكتب" وفي لفظ قلت: يا رسول الله أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا قال: "نعم, فإني لا أقول إلا حقا" 4 وكانت تسمى صحيفته تلك الصادقة رواه ابن سعد وغيره.
"وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو كان يكتب" فإنه قال أبو هريرة ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب5.
__________
1 الإلماع ص 147- 148.
2 البخاري 1/39. ومسلم في: الحج 447. وأحمد 2/238.
3 البخاري 3138. ومسلم 1637, وأحمد 1/293.
4 أحمد 2/207, والحاكم 1/105.
5 البخاري 113. والترمذي 2688. وأحمد 2/248.

(2/217)


"قلت: وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات لأبي بكر الصديق وهو في صحيح البخاري" قلت: وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وملك مصر وعمان وغيرهم "وكتب لعمرو بن حزم الديات والزكوات كما قدمنا في الوجادة وكتب علي عليه السلام صحيفة كانت معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل ومقادير الديات وهو صحيح أظنه في صحيح البخاري" هو كما ظنه رحمه الله وأوله فيه: "ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة"1.
"وبالجملة فلو تركت الكتابة في الأعصار الأخيرة لكان ذلك سبيلا إلى الجهل بالشريعة وموت كثير من السنن" بل قد كتب عمر بن عبد العزيز في عصره إلى أهل المدينة: "انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فانى خشيت دروس العلم وذهاب العلماء"2 وعن الشافعي إن هذا العلم يند كما تند الإبل ولكن الكتب له حماة والأعلام عليه رعاة وبالجملة فقد استقر الأمر جواز الكتابة.
قال ابن حجر: لايبعد وجوبها على من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ونحوه قول الذهبى إنه يتعين من المائة الثالثة وهلم جرا وأول من دون الحديث الزهرى بأمر عمر بن عبد العزيز وبعث به إلى كل أرض له عيله سلطان.
"وقد إختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد" الدال على النهي عن الكتابه "والجمع بينه وبين أحاديث الإذن" في الكتابه كحديث أبي شاه فأجيب بجوابات ثلاثة:
الأول: [ما أفاده قوله] "فقيل إن النهى منسوخ بها وكان النهي في أول الأمر لخوف إختلاطه" أى الحديث "بالقرآن" أي بسبب أنه لم يكن قد إشتد إلف الناس بالقرآن ولم يكثر حفاظه والتقنون له فلما ألفه الناس وعرفوا أساليبه وكمال بلاغته وحسن تناسب فواصله وغايته صارت لهم ملكة يميزونه بها من غيره فلم يخش اختلاطه بعد ذلك فلذا قال: "فلما أمن ذلك أذن فيه" وهذا الجواب جنح إليه ابن شاهين فإن الإذن لأبي شاه كان في فتح مكة قال الحافظ وهو أي هذا الجمع أقربها.
"و" الثاني: "قيل إن النهي في الحق من وثق بحفظه" وهذا كما قال ثعلب: إذا أردت أن يكون عالما فالكسر القلم "والإذن لمن لم يثق".
__________
1 البخاري 111, والدارمي 2361, وأحمد 1/79.
2 البخاري 1/194, وسنن الدارمي 1/104, وشرح السنة 1/296.

(2/218)


"و" الثالث "قيل النهي عن كتابه الحديث مع القرآن في صحيفةواحدة لانهم كانوا يسمعون تأويل الآيه فريما كتبوه معه" قال الحافظ ابن حجر: ولعل ما قرىء في الشاذ في قوله "ما لبثوا حولا في العذاب المهين" قلت: هذه قراءة ذكرها ابن خلكل لابن شنبوذ وذكر غيرها في شواذه وذكر لها قصة فلا يصح تمثيل به إذ الكلام فيما كان يكتبه الصحابة "فنهوا عن ذلك" عن خلط كتابه القرآن بتأويل في صحيفة "لخوف الإشتباه والله أعلم1".
* * *
مسألة:
"وينغي" إستحبابا مؤكدا بل عبارة بن خلاد وعياض2 تقتضى الوجب وعبارة ابن الصلاح3 ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبطه إلى آخر فأدت عبارته الوجوب "لطالب الحديث العناية في تجويد كتابه بإعجام" أى بالنقط "ما يلتبس منه" لو ترك إعجابه والإجام إزلة العجمة وذلك بالنقط نحوه فيميز الخاء المعجمة من الحاء المهملة والذال المعجمة من الدال المهملة كما في مثل "عليكم بمثل حصى الخذف" 4 فيعجم كلا من الخاء والذال بانقط وروى عن الثورى أنه قال الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة قال وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع إشكاله "لاسيما إعجام أسماء الرواة" كخباب بالعجمة وأبي الجوزاء باجيم والزاى وأبي الحوراء بالحاء المهملة والراء.
"ويعرف" عطف على العناية أي وينبغي له أن يعرف "ما اصطلح عليه أهل الحديث فلهم اصطلاحات في تخريج الساقط" قال زين الدين إنهم يسمون ما سقط من أصل الكتاب فألحق في الحاشية أو بين السطور اللحق بفتح اللام والحاء معا قال وأما كيفية ما يسقط من الكتاب فلا ينبغي أن يكتب بين السطور لأنه يضايقها ويعكس ما يقرأ خصوصا إن كانت السطور ضيفة متلاصقة والأولى أن يكتب في الحاشية فإن
__________
1 جامع بيان العلم 1/68, وتقييد العلم ص 286.
2 المحدث الفاضل ص 608, والإلماع ص 150.
3 علوم الحديث ص 162.
4 مسلم 1282. وأحمد 1/210.

(2/219)


كان السقط من وسط السطر فينبغي أن يخرج له إلى جهلة اليمين لاحتمال أن يبقى في بقية السطر سقط فيخرج له إلى جهلة الشمال ثم أطال في هذا البحث بآداب قد أعرض عنها الكتاب في هذه الأزمنة.
"والتخريج" أي صفة التخريج قال الزين أما صفة التخريج للساقط فقال القاضي عياض وأحسن وجوهها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافا يشير إليه.
"والتمريض والتضبيب" قال الزين التمريض هو كتابة صورة ض هكذا في الحرف الذي يشار إليه تمريضه وقال القاضي عياض في الإلماع شيوخنا من أهل المغرب يتعاملون أن الحرف إذا كتب عليه صح أن ذلك علامة لصحة الحرف فوضع حرف كامل على حرف صحيح وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء كان علامة أن الحرف غير مستقيم وأما التضبيب فهو مثناة فوقية مقتوحة فضاد معجمة فموحدة بعدها مثناة تحتية فموحدة وهو عطف تفسيري للتمريض فإنه عبارة عن الصورة التي قالها القاضي عياض فإنه قال إن ذلك علامة على أن الحرف لا يستقيم إذا وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على أختلال الحرف قال ويسممى أيضا ذلك الحرف ضبة أي أن الحرف مقفل لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها.
"والكشط والمحو والضرب" قال الزين لما تقدم إلحاق الساقط تعقيبة بإبطال الزائد فإذا وقع في الكتاب شيء زائد يلس منه فإنه ينبه عليه إما بالكشط وهوالحك وإما بالمحو بأن يكون الكتاب في لوح أورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب وقد أطال زين الدين في هذه الثلاثة في شرحه.
"والعمل في اختلاف الروايات والإسناد بالرمز" أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين فأكثر في نسخة واحدة فالعمل أن يبني الكتاب أولا على رواية واحدة ثم ما كان من رواية أخرى ألحقها في الحاشية أو غيرها مع كتابة اسم راويها معها أو الإشارة إليه أي بالرمز إن كان زيادة وإن كان الاختلاف بالنقص أعلم على الزائد أنه ليس في رواية فلان باسمه أو الرمز إليه وأما الرمز في الإسناد فهو ماجرت عادة أهل الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق فإنهم يقتصرون من حدثنا على ثنا وربما اقتصروا على الضمير فقط فقالوا نا وربما اقتصروا على حذف الحاء فقط

(2/220)


فكتبوا دثنا قال ابن الصلاح: إنه رآه في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي والبيهقي ومن ذلك أخبرنا اقتصر وافيها على الألف والضمير أعنى أنا وربما لم يحذف بعضهم الراء فيكتب أرنا وبعضهم بحذف الخاء والراء ويكتب أبنا وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين قال ابن الصلاح: وليس بجيد ومما جرت عادة أهل الحديث حذف قال في أثناء الإسناد في الخط والإشارة إليه بالرمز فرأيت في بعض الكتب المعتمدة الإشارة إليها بقاف فبعضهم بجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا يرد قال حدثنا وبعضهم يفردها فيكتب في ثنا وهذا اصطلاح متروك قال ابن الصلاح: جرت العادة بحذفها خطا قال ولا بد من ذكرها حال القراءة لفظا ومما جرت به عادتهم عند الإنتقال من سند إلى سند وذلك أنه إذا كان للحديث إسنادان فأكثر وجمعوا بين الأسانيد في متن واحد أنهم إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد آخر كتبوا بينهما حاء مفردة مهملة صورة ح والذي عليه عمل أهل الحديث أن ينطق القاريء بها كذلك مفردة واختاره ابن الصلاح ونقل كلاما كثيرا في ذلك.
"وكتابة التسميع" قال الخطيب في كتاب الجامع يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه قال وصورة ما ينبغي أن يكتب حدثننا أبو فلان فلان بن فلان بن فلان الفلاني قال حدثنا فلان ويسوق ما سمعه من الشيخ على لفظه قال وإذا كتب الطالب الكتاب المسموع فإنه ينبغي أن يكتب فوق صدر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع قال وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلاهما قد فعله شيوخنا قال إن كان سماعه للكتاب في مجالس عديدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ والتقطيع كما يكتب في أول الكتاب فعلى هذا شاهدت أصول جماعة من شيوخنا مرسومة.
"وقد ذكروا في هذا النوع آدابا كثيرة وفوائد حسنة أو دعوها هذا النوع من كتب علم الحديث وإنما اختصرتها لطول الكلام فيها واعتمادي على ما يتعلق به التحليل والتحريم غالبا" وقد ذكرنا مما ذكروه محل الحاجة.
* * *

(2/221)