توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار

مسألة: 59 [في بيان المسلسل]
"المسلسل" هو لغة إيصال الشيء بالشيء ومنه سلسلة الحديد وهو من صفات "الإسناد المسلسل الذي توارد رجاله" أي الإسناد "على صفة واحدة" سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد "أو حال واحد سواء كان ذلك يرجع إلى صفة الإسناد مثل أن تكون صفة أدائه" ومتعلقاته من الرواية أو من المكان وسواء كانت أحوال الرواة أو صفاتهم أقوالا أو أفعالا "متسلسلة بحدثنا أو أخبرنا أو سمعت".
وقد كثرت الأمثال في ذلك1وعد زين الدين أمثلة كثيرة للأنواع المذكورة وقد ألفت فيها كتب وهي شيء ليس له دخل في صحة الحديث ولا ضعفه ولا حكم من أحكامه فلا نطيل بذكرها.
"وعند الحاكم2" أن المسلسل إنما هو "بما يدل على اتصال السماع وإن اختلفت الصيغ مثل سمعت وحدثنا ونحو ذلك" وتكون فائدته معرفة كون الحديث متصلا "وكذا إذا تسلسل بصفة تعلق بالرواة مثل أن يكونوا مدنيين" أي من المدينة النبوية "كلهم أو فقهاء كلهم أو نحو ذلك" وأمثلته كثيرة.
__________
1 صنف الشيخ محمد يس الفاداني كتابا فراجعه.
2 علوم الحديث ص 29.

(2/237)


مسألة: 60 [في بيان الناسخ والمنسوخ]
"الناسخ والمنسوخ" النسخ عبارة عن رفع الشارع حكما من أحكامه سابق بحكم من أحكامه لا حق "ومن أجل علوم الحديث معرفة الناسخ والمنسوخ".
"وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ من أحسن كتبه كتاب الإعتبار للحازمي" بالحاء المهملة فزاي بعد الألف نسبة على جده حازم الهمذاني فإنه محمد بن يونس بن عثمان بن حازم ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمع من الأئمة الكبار وكان حجة ثقة نبيلا زاهذا عابد ورعا لازم الخلوة والتصنيف وبث العلم وله كتاب الناسخ والمنسوخ وله عجالة المبتدي في الأسباب والمختلف والمؤتلف في أسماء البلدان ذكره الذهبي وأثنى عليه1.
واعلم أنه يعرف الننسخ بأمور:
الأول: نص الشارع عيه كقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيادة القبول فزوروها" وقوله: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدالكم2".
والثاني: أن ينص عليه صحابي كقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار3 وهكذا قول الصحابي هذا متأخر لا إذا قال هذا ناسخ قالوا الجواب أنه قاله اجتهادا وقال أهل الحديث يثبت به النسخ قال زين الدين والذي قالوه أوضح وأشهر والنسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي وإنما يصار إليه عند معرفة التاريخ والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير معرفة تاريخ تأخر الناسخ عنه.
__________
1 سبقت ترجمته.
2 النسلئي 8/311, وابن ماجة 1571. والبيهقي 4/76. وابن أبي شيبة 3/344.
3 أبو داود 4864. والنسائي 1/108. والبيهقي 1/106.

(2/238)


الثالث: معرفةالتاريخ الواقعتين كحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" 1 له في بعض طرقه أنه قال ذلك زمن الفتح وذلك سنة ثمان.
والرابع أن يجمع على العمل به كحديث: "من شرب خمرا فاجلدوه" ثم قال في الرابعة: "فاقتلوه" 2 قال النووي إنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه قاله في شرح مسلم وتعقب بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به وقال به ابن حزم3.
__________
1 ابو داود 2367, والترمذي 774, وابن ماجة 1679. وأحمد 2/364.
2 أبو داود 4485, والترمذي 1444, وأحمد 2/136.
3 ابن حزم هو: الإمام العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري. مات سنة 457. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/340, وشذرات الذهب 3/299.

(2/239)