جواب الحافظ أبى محمد عبد العظيم المنذري المصري عن أسئلة فى
الجرح والتعديل ترجمة الحافظ
المنذري (1) :
هو الإمام الحافظ المحذث الناقد الفقيه المؤرخ اللغوي البارع،
الضابط
الثبت المتقن، الورع الزاهد، شيخ الإسلام، زكن الدين أبومحمد
عبد العظيم بن
عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد، المنذري،
المصري. وأصله
من بلاد الشام، ووالده مصري المولد والدار.
ولد في غرة شعبان من سنة 581بفسطاط مصر بكوم الجارح، وبها نشأ
وترعرع، وكان لوالده عناية بالعلم ومحبة، فأسمعه الحديث
بإفادته في أواخر سنة
591، أي حين بلغ عشر سنوات من العمر، ثم لم يلبث والده أن مات
بعد سنة
من هذا التاريخ، في رمضان سنة 592، فنشأ عبد العظيم يتيما،
واستمر على
حضور مجالس العلماء والأخذ عنهم.
وكان والده حنبلي المذهب، فنشا هوحنبلي المذهب، ثم تحول إلى
المذهب الشافعي، وغدا من فقهائه وعلمائه والمؤلفين في فقهه.
شيوخ الحافظ المنذري:
تلقى الحديث وغيره من شيوخ بلده ومصره بالسماع منهم، وفيهم
كثرة بالغة
جدا وكان أول سماعه الحديث من أحد شيوخ الحنابلة بمصر، وهو أبو
عبد الله
محمد بن حمد بن حامد الأنصاري، الأرتاحى الأصل، المصري المولد
والدار،
المتوفى بمصر سنة 601، قال المنذري في ترجمته في "التكملة" 2:
72
برقم 900: "وهوأول شيخ سمعت منه الحديث بإفادة والدي رضي الله
عنه، وأجاز
لي في شهررمضان المعظم سنة 591، وسمعت منه قبل ذلك ".
وكان بالقرب من بيتهم مسجد يعرف بمسجد الوزير ابن الفرات، يؤم
به
__________
(ا) هذه الترجمة على طولها وشمولها خلها مستفاد ومقتبس من كتاب
الأخ العلامة المحقق
الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف: "المنذري وكتابة التكملة
لوفيات النقلة، المطبوع في العراق
بمطبعة الأداب في النجف عام 1388= 968 1. فجزاه الله خيرا، وقد
عزا فيه كل نقل فيها إلى
مصدره، فمن أراد الوقوف على المصادر فليعد إليها هناك.
(1/20)
شيخ حنبلي صالح، هوأبوالثناء محمود بن عبد
الله بن مطروح المصري المقرىء
المؤدب، فقرأ عليه المنذري القران مدة.
وحضر في هذا المسجد أيضا على الإمام أبي محمد عبد الغني بن
عبد الواحد المقدسي الحنبلي المشهور، المتوفى بالمسجد المذكور
سنة 600،
وأجازه في رجب من سنة 596.
وتلقى في محيط الجامع العتيق مسجد عمرو بن العاص: القران
الكريم
بالقراء ات السبع، وتفقه بفقه الإمام الشافعي رضي الله عنه.
ودرس علم العروض
وغيره من العلوم التي كانت تعمر بها حلق هذا الجامع العتيد
وهذه الدوحة المباركة
في مدينة الفسطاط.
ثم رحل إلى الإسكندرية عدة مرات، وسمع من كبار شيوخها
والقادمين
عليها، وكتب بها عن جماعة من العلماء ذكرهم وترجم لهم في كتابه
"التكملة".
وجال في بلاد أخرى من القطر المصري، فدخل ثغر دمياط وسمع به،
ومدينة
المنصورة وسمع بها، وبلبيس وسمع بها، وكتب عن شيوخها، وبلدة
سمنود،
ورحل إلى الصعيد المصري، فدخل مدينة قنا وسمع بها وكتب، ومدينة
قوص،
ودهروط، وغيرها.
وسافر إلى مدينة غزة وبلاد الشام وقراها، وبيت المقدس مرات
متعددة. وهذا
يدل على كثرة ترحاله إلى بلدان العلم والعلماء، والاهتمام
بتلقي الحديث عنهم.
ولاتساع رحلاته وكثرة تطوافه في البلاد كثرت شيوخه كثرة وافرة،
ومن أبرز
شيوخه في بلده مصر الذين تاثر بهم وانتفع بصحبتهم: الإمام
الحافظ المحدث
المتقن الضابط، الجامع لفنون من العلم، أبوالحسن علي بن المفضل
المقدسي
الإسكندري، المولود سنة 544، والمتوفى سنة 611، فقد لازمه
المنذري ملازمة
تامة، وقرأ عليه، وكتب عنه، وقال: انتفعت به انتفاعا كبيرا.
وكان هذا الشيخ حاذقا لجملة من العلوم، فاقتبسها المنذري منه
معرفة
(1/21)
وحذاقة وضبطا ودقة؛ فهو من حسنات الإمام
الجليل ومن الباقيات الصالحات من
اثاره الطيبة.
وشيوخة المصريون فيهم كثرة بالغة، ليسر لقائهم وقرب انتقاله
إليهم، ففي
تعدادهم طول طويل، وكان ينتقي الشيوخ الماهرين ويتقصدهم ليكسب
المهارة
منهم، كما يمر بالشيوخ العلماء فيستفيد منهم ويكتب عنهم، فما
قصر في جنب
الرحلة والاستفادة من شيخ وعالم، وذلك مما يدل على شدة نهمه
العلمي واتساع
أفقه الذهني، وقوة تمكنه من فرز ما يتلقاه، فيخرج منه ما
يرتضيه، ويدع منه
ما لا يرتضيه، شأن العالم القدير الناقد الناخب لما يحصله
ويسمعه.
وإلى جانب الكثرة البالغة التي لقيها من شيوخ العلم، استجاز
ممن لم يتمكن
من لقائهم بالمراسلة والمكاتبة، فكانوا في عداد شيوخه ومفيديه،
فاستجاز من
البغداديين -إذ لم يرحل إلى بغداد -، ومن الدمشقيين زيادة على
من لقيهم فيها،
ومن علماء البلدان الذين لم يقدر له لقاؤهم ومشافهتهم. وسمع
الحديث وكتبة من
النساء المحدثات العالمات.
ومن أبرز شيوخه الذين لقيهم وتلقى عنهم في دمشق: المحدث المسند
أبوحفص عمر بن محمد بن معمر البغدادي الدارقزي المؤدب، المعروف
بابن طبرزذ -وطبرزد -، المولود سنة 516، والمتوفى سنة 607، فقد
كان هذا
الشيخ من المكثرين في التلقي عن الشيوخ، وتفرد بالرواية عن غير
واحد منهم،
قال المنذري: لقيته بدمشق، وسمعت منه كثيرا من الكتب الكبار
والأجزاء
والفوائد. . . وطبرزد: اسم
لنوع من السكر.
ومن أبرز شيوخه الذين أخذ عنهم في دمشق أيضا: تاج الدين أبو
اليمن
زيد بن الحسن بن زيد الكندئ، البغدادئ المولد والمنشأ، الدمشقي
الدار والقرار
الإمام النحوئ العالم الأديب، المولود سنة 520، والمتوفى سنة
613، وقد عمر
هذا الشيخ طويلا، فانفرد باشياء من القراءات والمسموعات، وتميز
بمزايا من
العلوم، قال المنذري: وكان أحد البارعين في علم الأدب، وانتهى
التقدم فيه إليه.
(1/22)
ومن شيوخه البارزين الذين لقيهم بدمشق
أيضا: الحافظ المحدث أبو الحسن
علي بن المبارك الواسطي البرجوني، المقرىء الفقيه الشافعي،
المعروف
بابن باسوية، المولود سنة 556، والمتوفى سنة 632، فقد كان من
كبار المحدثين
وكبارالقراء، وممن شدت إليه الرحال، فتلقى عنه الحديث وغيره
مما تميز به من
العلوم.
ومن شيوخه البارزين الذين تخرج بهم في دمشق أيضا: الإمام
الفقيه البارع
الواسع الموفق ابن قدامة الحنبلي، أبومحمد عبد الله بن أحمد بن
قدامة المقدسي
الجماعيلي، المولود سنة 541، والمتوفى سنة 620، وقد كان هذا
الشيخ خزانة
الفقه الإسلامي بمذاهبه واختلافات المجتهدين فيه.
ومن شيوخه البارزين الذين لقيهم في بلاد الشام أيضا: الإمام
العالم العلامة
الأديب المؤرخ الرحالة النسابة البلداني، أبوعبد الله ياقوت بن
عبد الله الرومي
الحموي، المتفنن المتقن الثقة الضابط الأمين، المولود سنة 574،
والمتوفى سنة
626. وهناك شيوخ كبار اخرون كثيرون، لقيهم المنذري في بلاد
الشام، لا أطيل
بذكرهم روما للاختصار.
ورحل المنذري إلى الحرمين الشريفين، بغية الحج إلى بيت الله
تعالى
وزيارة منازل الوحي الشريف، وبنية لقاء علماء الحرمين والعلماء
الواردين عليهما
من بقاع الإسلام، وكان ذلك منه في سنة 656، وسمع في هذه الرحلة
من علماء
الحجاز، ومن علماء كثيرين من أقطار العالم الإسلامي الذين حجوا
في هذا العام،
فكان له من ذلك مزيد كثرة في الشيوخ، ومزيد وفرة في العلم
وتلقيه عن رجاله،
من مختلف الأصقاع، وسمع وكتب وأوعب عن الشيوخ في ذهابه وإيابه
وقراره في
الحرمين.
وعاد إلى بلده مصر في سنة 657، وأمضى معظم حياته في فسطاط مصر
والقاهرة، وهناك تولى الإمامة بالمدرسة الصالحية، والتدريس
بالجامع الظافري،
ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، التي انقطع بها قرابة عشرين
عاما إلى اخر
حياته، ومات فيها.
(1/23)
ولم يقتصر المنذري على السماع من شيوخ
الحديث، بل كتب الكثير عن
العلماء، وعلق عنهم الفوائد، سواء كانوا محدثين أم أدباء أم
شعراء أم صوفية
أم غيرهم من أهل عصره، وقد ذكر من ذلك جملة صالحة في كتابه
"التكملة"،
وأغلبهم كتب عنهم بمصر والقاهرة والمنصورة، أو البلدان القريبة
من هذه المدن
الكبرى، أو استجاز منهم.
ولم يقتصر المنذري في تحصيله على السماع واللقاء، بل كاتب
العلماء
واستجاز منهم من البلدان المختلفة، فكان له شيوخ إجازة كثيرون،
كما له شيوخ
سماع كثيرون، وكان هناك ناس يقومون بحمل الإجازات من بلد إلى
اخر، قال في
"التكملة" ص 322، في ترجمة أبي الحسن علي بن النفيس البغدادي
الإجازاتي،
المعروف بابن النفيس، المتوفى بالقاهرة سنة 640:
"وسعى في حمل الإجازات للناس، من بغداد إلى الإسكندرية سنين.
وقال
جمال الدين أبوحامد بن الصابوني فيه أيضا: كان يسافر من بغداد
إلى الإسكندرية،
مترددا في أخذ خطوط الشيوخ للناس في الإجازات المسيرة على يده،
ليس له
"حاجة ولا بضاعة إلا ذلك، وما له قصد سوى الإفادة، وبقي على
هذا الأمر سنين،
فجزاه الله خيرا".
وكان الزملاء في الطلب والرفاق في الرحلة، يتفقون على أن ياخذ
كل واحد
منهم الإجازات من شيوخ بلده، ويبعث بها إلى صاحبه وزميله في
البلد الاخر،
استكثارا من الشيوخ ومن ربط الصلة بينهم وتوسيع المعرفة بهم.
وقد كان المستجيز يستجيز الشيخ عدة مرات، ليكون له الحق في
رواية أكبر
عدد ممكن من روايات الشيخ المجيز، وهكذا كان يفعل المنذري رحمه
الله
تعالى.
ولم يكتب للمنذري الرحلة إلى بغداد كما سبقت الإشارة إلى ذلك،
فاستجاز
من كثير من شيوخها ومحدثيها الكبار والمغمورين، ابتداء من سنة
593، وما زال
يستجيز إلى اخر حياته، حتى بلغ عدد شيوخه البغداديين بالإجازة
أزيد من 335
(1/24)
شيخ وشيخة، وأكثرهم مذكورون في كتابه
"التكملة"، وبلغ عدد شيوخه
الدمشقيين الذين استجاز منهم - غير الذين لقيهم وتلقى عنهم -
أزيد من 135
شيخ وشيخة، وبينهم علماء أعلام ومحدثون وفقهاء وشعراء.
واستجاز من شيوخ بلدان أخرى، كانوا في مصر أو الإسكندرية أو ما
يتصل
بهما أو يبعد عنهما، من علماء حران، والرها، وحلب، والموصل،
واربل،
وخرسان، وهمذان، وأصبهان، ومن علماء مكة المكرمة والمدينة
المنورة، والقادمين
عليهما والمجاورين بهما، وغيرها، حتى استجاز من بعض علماء
الأندلس، فاستجاز
من حافظ بلنسية محدث الأندلس وبليغها أبي الربيع سليمان بن
موسى الكلاعي
الأندلسي البلنسي الخطيب، المولود سنة565، والمتوفى شهيدا سنة
634، فبلغوا
أزيد من 92 شيخا، فكان عدد شيوخه بالإجازة قرابة 600 شيخ.
واستجاز من الشيخات العالمات في البلاد التي لم يرحل إليها،
وما فرط في
سماع أو إجازة استطاع الوصول إليها منهن، استكثارا من ربط نفسه
بقافلة خدمة
سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستجاز من ابنة الحافظ السلفي
بالإسكندرية، ومن عدد كبير من
الشيخات البغداديات، ومن شيخات أصبهان ونيسابور وهمذان ودمشق
وحران.
توليه مشيخة دار الحديث الكاملية:
حكم الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب:
البلاد المصرية قرابة أربعين عاما، كان في النصف الأول منها
نائبا عن والده، ثم
استقل بها بعد وفاة والده سنة615 حتى وفاته سنة635.
وكان الملك الكامل ممن عني بالعلم أتم عناية، فقد طلبه لنفسه،
وسمع
الحديث ورواه، وكان يحب العلماء ويحضرهم مجلسه في كل أسبوع،
ويلقي
عليهم المشكلات من المسائل، ويتكلم معهم، وتكلم على صحيح مسلم
بكلام
مليح ولفظ فصيح، وكان معظما للسنة النبوية وأهلها، راغبا في
نشرها والتمسك
بها.
ونتيجة لهذا الاهتمام بالعلم وحمت السنة النبوية، أسس "دار
الحديث
(1/25)
الكاملية" في خط (بين القصرين) من القاهرة
سنة 621، ووقفها على المشتغلين
بالحديث النبوي الشريف، ثم من بعدهم على فقهاء الشافعية، وجعل
فيها منازل
يسكن فيها الطلبة والمدرسون، وجعل فيها خزانة كتب.
وكان أول من أسس دارا للحديث هو الملك نور الدين الشهيد،
المتوفى سنة
569 رحمه الله تعالى، أسسها بدمشق، ثم تلاها تاسيس دور للحديث
في بلدان
أخرى، فدار الحديث الكاملية ليست هي ثاني دار للحديث اسست كما
وهم
بعض العلماء في ذلك.
وتولى المنذري مشيخة دار الحديث الكاملية، بعد وفاة شيخها
الأول:
أبي الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن دحية الكلبي الأندلسي ثم
القاهري،
المتوفى سنة 634، وبعد أخيه أبي عمرو عثمان بن الحسن شيخها
الثاني، فكان
المنذري شيخها الثالث، وكان قد بلغ بين علماء عصره وزاد على
الخمسين نحو
ثلاث سنين، فولاه الملك الكامل شياخة هذه الدار الحديثية.
فانقطع بها وسكنها إلى اخر يوم من حياته، نحو العشرين سنة)
عاكفا على
التصنيف والتحديث والإفادة والتخريج، فما كان يخرج منها إلا
لصلاة الجمعة،
حتى إنه لما مات أكبر أولاده الحافظ رشيد الدين محمد سنة 643،
صلى عليه فيها،
وشيعه إلى باب المدرسة، وقال له: أودعتك يا ولدي الله تعالى،
وفارقة (1) .
تلاميذ الحافظ المنذري:
للحافظ المنذري تلاميذ تخرجوا به لا يحصون كثرة، لما كان عليه
من
الصلاح والورع والفقه في الدين والإمامة في الحديث والإتقان
فيه تحديثا وتخريجا،
وتعديلا وتجريحا، وضبطا وإتقانا، وفهما وشرحا، ورجالا وشيوخا،
وتاريخا
__________
(1) بمثل هذا الانقطاع الذي يدل على عشق العلم والاحتراق به،
يكون النبوغ والإمامة في
العلم، لا بدراسة ساعات معدودة بعشرين ساعة، محدودة ب 45 دقيقة
أو 50دقيقة للعلم الواحد،
وبعدها يقال له: هذا فراق بيني وبيك! ! .
(1/26)
وحفظا، فقد غدا في مصره وعصره قبلة أنظار
طلاب الحديث وأهله، حتى أخد عنه
بعض شيوخه الكبار وأقرانه المشهورين، كما أخذ عنه كل من استطاع
الوصول إليه
من طلبة الحديث ورواته، ويحسن أن أذكر بعض من أخذ عنه من
أولئك، ليظهر
للقارىء علو مرتبته في الحديث وعلومه.
فاخذ عنه من شيوخه: الإمام الفقيه أبو البركات عبد الرحمن بن
الحسن
الأنصاري الخزرجي الدمياطي، المعروف بابن القصار، المتوفى سنة
613.
وأخذ عنه من شيوخه: الإمام أبو الغنائم مسافر بن يعمر بن مسافر
الجيزي
الحنبلي المؤدب الصوفي، المتوفى بمصر سنة 620.
وأخذ عنه من شيوخه: زكي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد
الوهاب،
المعروف بابن وهيب القوصي، المتوفى بحماة سنة 631 وغيرهم.
وروى عنه من أقرانه: الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني
البغدادي
الحنبلي، المعروف بابن نقطة الحنبلي، المتوفى 629، صاحب "إكمال
الإكمال ".
وذكر أخذه عن المنذري فيه في ترجمة أبي محمد عبد الله بن محمد
بن المجتي،
المتوفى سنة 613.
كما سمع منه رفيقه: الإمام المحدث أبو عبد الله محمد بن يوسف
البرزالي
الأندلسي، العالم المشهور، المتوفى سنة 636. وسمع منه أيضا
وحضر مجالسه
الحديثية الإمام عز الدين بن عبد السلام المجتهد الفقيه.
وتخرج به من أعلام المحدثين تلميذه: الشريف عز الدين أحمد بن
محمد
الحسيني، المتوفى سنة695، وهو الذي ذيل على كتاب شيخه بكتابه
"صلة التكملة
لوفيات الثقلة"، وقال فيه: قرأت عليه قطعة حسنة من حديثه،
وكتبت عنه جملة
صالحة، وانتفعت به انتفاعا كبيرا.
وممن نجب ولمع من تلامذته الذين لازموه: الإمام العالم العظيم
الحافظ
شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، المولود سنة 613،
والمتوفى سنة
705، فقد لازمه مدة طويلة، وعينه المنذري بعد وفاة ولده رشيد
الدين محمد سنة
(1/27)
643 معيدا له في دار الحديث، قال الدمياطي:
هوشيخي ومخرجي، أتيته مبتدئا،
وفارقته معيدا له في الحديث.
ومن العلماء الأعلام الذين تخرجوا به، وتمثلوا سيرته وورعه
وفضائله: الإمام
ابن دقيق العيد، تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب
القشيري، المولود
سنة625، والمتوفى سنة 702. كما سمع من المنذري أيضا أخوه تاج
الدين
أحمد بن علي بن وهب القشيري القوصي، المتوفى سنة 723، مدرس
المدرسة
النجيبية بقوص.
ومن العلماء الذين تلقوا عنه واقتبسوا منه: الإمام المؤرخ
المحقق الأديب
النسابة قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان، التراجمي المشهور،
صاحب
وفيات الأعيان، المتوفى سنة 681.
ومن المحدثين المشهورين الذين أخذوا عنه ولازموه وتخرجوا به:
الإمام
الحافظ الفقيه المحدث المتقن الضابط الدقيق شرف الدين أبو
الحسين
علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليونيني، المتوفى سنة 701
(ا) ، صاحب
النسخة المضبوطة المتقنة من "صحيح البخاري "، المعروفة بالنسخة
اليونينية.
وأخذ! عنه غيرهم كثير-وكثير ممن سمعوا منه أو أجازهم من رجال
ونساء.
__________
"ا) هذا هو الصواب في سنة وفاة الشيخ علي بن محمد بن أحمد
اليونيني الحنبلي
المذكور، ووقع خطا في اخر كتاب "شواهد التوضيح والتصحيح،
لمشكلات الجامع
الصحيح) للإمام ابن مالك النحوي شيخ العربية، وصاحب الحافظ
اليونيني المذكور، في
ص 221 فجاء فيه: (مات سنة تسع وسبع مئة) 0 انتهى.
وهوتحريف وخطا ناشىء عن قراءة رقم اتسعة، فإنه توفي يوم الخميس
ليلة الجمعة
الحادي عشر من رمضان سنة 701 إحدى وسبع مئة، كما في غير كتاب،
مثل "تذكرة الحفاظ "
للذهبي 4: 1500، وهوشيخ الذهبي، وقد أثنى عليه، وذكره في طليعة
شيوخه، و"الدرر
الكامنة" لابن حجر 4: 7 1 1، و"ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب
الحنبلي 2: 6 34. وله فيه ترجمة
حسنة مطولة.
(1/28)
مكانة الحافظ
المنذري في العلم:
احتل الحافظ المنذري في النصف الأول من القرن السابع الهجري:
مكانة
عظيمة مرموقة، وعده العلماء حافظ عصره دون منازع، قال الحافظ
عز الدين
الحسين! تلميذه: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على
اختلاف فنونه،
عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه
ومشكله، قيما
بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته
وجرحهم وتعديلهم،
ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم، إماما حجة، ثبتا ورعا، متحريا
فيما يقوله وينقله،
متثبتا فيما يرويه ويتحمله. انتهى.
وكان مجلسه في الحديث مضرب الأمثال، قال الشيخ أبو الحسن
الشاذلي:
قيل لي: ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ
عزالدين بن
عبد السلام، وما على وجه الأرض مجلس في الحديث أبهى من مجلس
الشيخ
زكي الدين عبد العظيم المنذري، وما على وجه الأرض مجلس في علم
الحقائق
أبهى من مجلسك.
وقد أطلق عليه (الحافظ) قبل وفاته بأكثر من ثلاثين عاما.
ومرتبة (الحافظ)
هذه قال فيها الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي واداب
السامع "
2: 172 هي أعلى صفات المحدثين، وأسمى درجات الناقلين، من وجدت
فيه
قبلت أقاويله، وسلم
له تصحيح الحديث وتعليله، غير أن المستحقين لها يقل
معدودهم، ويعز بل يتعذر وجودهم.
وقد وصفه بالحفظ تلميذه القاضي ابن خلكان، فقال فيه: حافظ مصر،
وقال
فيه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي: لم يكن في زمانه أحفظ منه،
وقال ابن دقماق:
حافظ الوقت.
وكان المنذري مفيدا، والمفيد هو الذي يفيد الناس الحديث عن
المشايخ،
فيكون عارفا بهم وبعلو إسنادهم، حتى إذا جاء الطالب دله على
شيوخ ذلك البلد
من ذوي الإسناد العالي وما إليهم.
(1/29)
أما كلامه على رجال سنن أبي داود، فكيفيه
أنه نال إعجاب الناقد الحافظ
الذهبي، وذكره في ترجمته له في "سير أعلام النبلاءا، ويكفي
لبيان سمو إمامته
في الحديث أن الإمام عز الدين بن عبد السلام الفقيه المجتهد،
كان يحضر مجالسه
ويسمع الحديث منه.
أما في الفقه فقد شرح المنذري كتاب "التنبيه" لأبي إسحاق
الشيرازي في
إحدى عشرة مجلدة، وذلك مما يدل على فقاهته الواسعة، وقد وصفه
غير واحد
ممن ترجموا له بالفقيه. وكان يفتي الناس في الديار المصرية،
فلما قدم الإمام
عز الدين بن عبد السلام مصر، بالغ الشيخ المنذري في الأدب معه،
وامتنع عن
الإفتاء لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعده فمنصب
الفتيا متعين فيه.
وبراعته في علم الرجال تبدو في كتابه"التكملة لوفيات النقلة"
و"المعجم
المترجم " و"تاريخ من دخل مصر" وغيرها من تواليفه. وكتبه هذه
تعد في كثير
مما حوته المصادر الأولى، تفردت بكثير من تراجم الرجال
وأحوالهم.
ولقي الأدباء والشعراء وأخذ عنهم أو استجاز منهم كما سبقت
الإشارة إلى
ذلك، ولهذا تبدو مسحة الأدب وطلاوته في عبارته وكلامه، ولم
يحفظ له من النظم
سوى هذين البيتين اللطيفين الحكيمين:
اعمل لنفسك صالحا لاتحتفل بظهورقيل في الأنام وقال
فالخلق لايرجى اجتماع قلوبهم لابد من مثن عليك وقالي
وأما زهده وورعه وتدينه فقد كان مشهورا مذكورا، قال التاج
السبكي: سمعت
أبي يحكي عن الحافظ الدمياطي -تلميذ المنذري -، أن الشيخ خرج
مرة من
الحمام، وقد أخذ منه حرها، فما أمكنه المشي، فاستلقى على
الطريق إلى جانب
حانوت، فقال له الدمياطي: يا سيدي أنا أقعدك على مسطبة
الحانوت، وكان
مغلقا، فقال له، وهو في تلك الشدة: بغير إذن صاحبه كيف يكون؟!
وما رضي.
ويكفي شهادة على ورعه وشدة تقواه قول تلميذه الإمام ابن دقيق
العيد، الذي
كان يضرب به المثل في الزهد والتحري والخوف من الله تعالى، إذ
قال فيه: كان
(1/30)
أدين مني، وأنا أعلم منه. وقول الحافظ
الذهبي فيه: كان الإمام الثبت، وكان
شيخ الإسلام متين الديانة، ذا نسك وتوزع وسمت وجلالة.
وقال تاج الدين السبكي فيه في "طبقات الشافعية الكبرى": الحافظ
الكبير،
الورع الزاهد، زكي الدين أبومحمد المصري، ولي الله، والمحدث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقيه على مذهب ابن عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ترتجى الرحمة بذكره،
ويستنزل رضا الرحمن بدعائه.
كان رحمه الله تعالى قد أؤتي بالمكيال الأوفى من الورع
والتقوى،
والنصيب الوافر من الفقه، وأما الحديث فلا مراء في أنه كان
أحفظ أهل زمانه،
وفارس أقرانه، له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه،
وحفظ
أسماء الرجال حفظ مفرط الذكاء عظيمه، والخبرة باحكامه،
والدراية بغريبه وإعرابه
واختلاف كلامه.
وفاته له:
توفي الإمام المنذري رحمه الله تعالى في داخل دار الحديث
الكاملية
بالقاهرة، يوم السبت رابع ذي القعدة من سنة 656، وصلي عليه يوم
الأحد بعد
الظهر في موضع تدريسه بدار الحديث الكاملية، ثم صلي عليه مرة
أخرى تحت
القلعة، ودفن بسفح جبل المقطم، وقد رثاه غيرواحد من الشعراء
بقصائد حسنة، رحمات
الله تعالى عليه ورضوانه العظيم.
مؤلفاته واثارة العلمية:
أولا - في الحديث وعلومه:
قام المنذري باختصار مجموعة من كتب الحديث الأصول، مثل صحيح
مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الخطيب البغدادي. وكان عمله في مثل
هذه الكتب
يقوم على حذف الأسانيد والأحاديث المكررة، والتعليق على بعض
الأحاديث
تعليقات مفيدة مهمة، تدل على غزارة علمه في هذا الفن وتبحره
فيه، وعلى شفوف
(1/31)
ذوقه العلمي. وجمع (أربعينيات) في الحديث،
وكان هذا النمط في التأليف قد
شاع قبله فتابع فيه، فمن تاليفه:
ا - أربعون حديثا في الأحكام، وتسمى أيضا: (الأربعون
الأحكامية) .
2 - أربعون حديثا في اصطناع المعروف بين المسلمين وقضاء
حوائجهم.
طبع.
3 - أربعون حديثأ في فضل العلم والقران والذكر والكلام والسلام
والمصافحة.
4 - أربعون حديثا في قضاء الحوائج. وربما كان هذا هو الكتاب
الثاني
المذكور هنا، اختصر اسمه، فيكون الاسمان لمسمى واحد.
5 - أربعون حديثا في هداية الإنسان لفضل طاعة الإمام والندى
والإحسان.
هكذا الاسم في كتاب الدكتور بشار ص 180، وقد أشار إلى وجود
نسختين منه في دار الكتب المصرية. ووقع في مقدمة الأستاذ
الفريوائي في ص 17 كما يلي: "أربعون حديثا في هداية الإنسان
بفضل طاعة الإمام العدل والإحسان ". وهوتحريف.
6 - الأمالي في الحديث. كما في "هدية العارفين " ا: 586.
7 - الترغيب والترهيب. الكتاب الفذ في موضوعه. طبع مرات.
8- جزء المنذري. جمع فيه ما ورد فيمن غفر له ما تقدم من ذنبه
وما تاخر. كما في "كشف الظنون " ا: 589.
9 - جزء فيه حديث الطهور شطر الإيمان.
10 - الجمع بين الصحيحين.
11 - زوال الظما في ذكر من استغاث برسول الله من الشدة والعمى.
12 - صحيح المنذري. كذا.
13 - عمل اليوم والليلة.
(1/32)
14 - كفاية المتعبد وتحفة المتزهد. طبع.
15 - مجالس في صوم يوم عاشوراء.
16 - مختصر سنن أبي داود. طبع. وسماه في "كشف الظنون " 2: 1004
"المجتبى من السنن ". قال الحافظ ابن كثير في "البداية
والنهاية"
13: 225: هوأحسن اختصارا من اختصار صحيح مسلم.
17 - مختصر سنن الخطيب البغدادي.
8 ا- مختصرصحيح مسلم. طبع.
19 - الموافقات. وهو قسم من أقسام الإسناد العالي في الحديث.
20 - تخريج بعض أحاديث " المهذب " لأبي إسحاق الشيرازي، الى
قبيل البيوع.
21 - تخريج فوائد شيخه صدر الدين أبي الحسن محمد بن عمر بن
حمويه الحقوئي الجويني، المتوفى بالموصل سنة 617.
22 - جزء خرج فيه عن جماعة من شيوخ شيخته أم محمد خديجة بنت
الفضل
المقدسية الإسكندرية، المتوفاة سنة 618.
23 - جزء خرج فيه حديث قاضي القضاة تاج الدين أبي محمد
عبد السلام بن علي الكتاني الدمياطي، المتوفى سنة 619.
ثانيا - في الفقه:
24 - الخلافيات ومذاهب السلف.
25 - شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي.
ثالثا - في التاريخ:
تدورالكتب التي ألفها المنذري في التاريخ حول علم الرجال، وهو
علم
مساعد لعلوم الحديث، وكتب المنذري في هذا الموضوع بين كتاب يضم
ترجمة
لشخص واحد، وكتاب يشتمل على الاف التراجم، وإليك أسماءها:
(1/33)
26 - الإعلام باخبار شيخ البخاري محمد بن
سلام.
27 - تاريخ من دخل مصر.
28 - ترجمة أبي بكر الطرطوشي.
29 - التكملة لوفيات النقلة. وكتاب (وفيات النقلة) هو لشيخه
الحافظ
أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي الإسكندراني المالكي، المتقدم
ذكره في
شيوخه البارزين، وكان قد انتهي فيه الى سنة 581، فذيل الحافظ
المنذري على
كتاب شيخه المذكور، من حيث انتهى فيه من سنة 581الى سنة 642.
30- المعجم المترجم، بكسر الجيم. ذكر فيه شيوخه وأوسع في
تراجمهم.
هذه جل اثاره الي غرفت وذكرت عند من ترجم له او تعرض لتاليفه،
ولم تذكر فيها رسالتة أو فتواه في مسائل الجرح والتعديل تحديدا
فتكون الأثر 31 من
اثاره، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأغدق عليه دائم رضوانه
واحسانه، وجزاه
عن السنة وعلومها وأهلها خير الجزاء.
يقول العبد الضعيف عبد الفتاح أبو غدة: فرغت من كتابة هذه
التقدمة والترجمة
في مدينة فانكوفر في كندا، يوم الثلاثاء 17 من ذي الحجة سنة
1408، والحمد
لله رب العالمين، وصلى لله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه
وسلم.
***
(1/34)
|