جواب الحافظ أبى محمد عبد العظيم المنذري المصري عن أسئلة فى الجرح والتعديل

(اختلاف المحدثين في تضعيف الرجال وتعديلهم (2))
أخبرنا الأشياخ: أبو حفص عمر بن معمر بن محمد البغدادي
قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق، و: أبو الحسن علي بن نصر الواسطي
بقراءتي عليه، قدم علينا، و: أبوالفضل محمد بن يوسف النعماني إذنا
واللفظ له، قالوا:
أنبا أبو الفتح عبد الملك (3) بن أبي سهل قراءة عليه ونحن
__________
(ا) صريح كلام الشيخ منع الاعتماد على ما ينقل في الكتب من جرح
أوتعديل في الراوي، حتى يكون عند الناقل رواية ذلك الكتاب من طريقين. وهذا
لم أقف عليه لغيره، وهومخالف للمعمول به من الاعتماد على الكتب الموثوق
بنسبتها إلى مؤلفيها. فتأمل.
(2) هذه الاختلافات التي سيذكرها المؤلف رحمه الله تعالى هنا وهي
أربعة: من الاختلافات الواقعة بين المحدثين النقاد، وانما يذكرها المؤلف تأسيسا
هنا، ليبني عليها فيما بعد جوابه عن اختلافهم في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق
- وغيره - وتركه.
(3) وفع في الأصل: (أبوالقاسم عبد الملك. . .) ، والذي في ترجمته في
غير كتاب (أبو الفتح) ، ولم يذكروا له كنية غيرها، فلفظ (أبو القاسم) سهو قلم
أو سبق نظر إلى ما بعده من الناسخ، وقد جاء (أبو الفتح) في "الأنساب " لتلميذه
السمعانى 1 1: 1 9 - 2 9، وترجم له ترجمة وافية، وذكر ولادته في هراة سنة 462.
وهذه سياقة نسبه وترجمته باختصار عند السمعافي: "الكروخي بفتح الكاف
وضم الراء -وسكون الواو- وفي اخرها الخاء المعجمة: نسبة إلى كروخ بلدة =

(1/64)


نسمع، قال: أخبرنا أبو عامر محمود بن القاسم وأبو بكر الغورجي (1) ،
قالا: أخبرنا أبو محمد الجراحي، - قال -: أخبرنا أبو العباس بن
محبوب، - قال -: أخبرنا الإمام أبوعيسى محمد بن عيسى الترمذي،
قال: وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال، كما اختلفوا
فيما سوى ذلك من العلم. هذا اخركلامه (2) .
__________
= بنواحي هراة، منها أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل بن
القاسم بن أبي منصور الكروخي، شيخ صالح. . . سمعت منه ببغداد، وقرأت
عليه جميع جامع الترمذي، وانتقل إلى مكة وجاور إلى أن توفي سنة 548".
انتهى. ونحوه في اللباب " 3: هـ 9.
وهو (أبو الفتح) أيضا في "اللباب " 2: 393، و "العبر" 3: 6 و "تذكرة
الحفاظ " 4: 1313، ووقع فيها محرفا إلى (الكروجي) ! ، و "شذرات الذهب "
4: 48 1 و "معجم البلدان " 4: 58 4، و "الكامل " لابن الأثير 9: 43، و"السير"
25: 273، وغير كتاب.
(1) الغورجي بضم الغين وسكون الواو وفتح الراء وفي اخرهاجيم، هذه النسبة
إلى غورة، وهي قرية من قرى هراة، منها أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي،
روى عن عبد الجبار بن محمد بن أحمد الجراحي، روى عنه أبو الفتح
عبد الملك بن أبي سهل الكروخي، وتوفي سنة 0481 انتهى من "اللباب "
لابن الأثير 2: 393.
(2) قول أبي عيسى الترمذي هذا هو في كتابه االعلل " الصغير باخر كتابه
"الجامع " 4: 398 من طبعة الهند. والمراد من إيراد المنذري له هنا: أن حكم
المحدث الناقد على الراوي بجرحه أوتعديله حكم اجتهادي، فلذا يقع فيه
الاختلاف بين المحدثين، كحكمهم على محمد بن إسحاق وغيره، كما يقع
الاختلاف فيما هو اجتهادي بين الفقهاء وغيرهم، أي فلا غرابة إذا حكم ناقذ بترك =

(1/65)


............................................................
__________
= راو، وحكم ناقد اخر باعتماده والرواية عنه. ويتضح هذا المراد من باقي كلام
الترمذي هناك.
قال الترمذي رحمه الله تعالى بعد العبارة المنقولة هنا: "ذكر عن شعبة أنه
ضغف: ا - أبا الزبير المكي، 2 - وعبد الملك بن أبي سليمان،
3- وحكيم بن جبير، وترك الرواية عنهم. وقد ثبت غير واحد من الأئمة وحدثوا
عن أبي الزبير، وعبد الملك بن أبي سليمان، وحكيم بن جبير-أي جعلوهم
ثقات أثباتا ورووا عنهم -:
ا - حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا هشام، حدثنا حجاج وابن أبي ليلى، عن
عطاء بن أبي رباح، قال: كنا إذا خرجنا من عند جابربن عبد الله، تذاكرنا حديثه،
وكان أبو الزبير أحفظنا للحديث.
حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان بن عيينة، قال:
قال أبو الزبير: كان عطاء يقدمني إلى جابر بن عبد الله، أحفظ لهم الحديث.
حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، قال: سمعت أيوب السختيانى يقول:
حدثني أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير، قال سفيان بيده يقبضها. قال أبوعيسى:
إنما يعني به الإتقان والحفظ.
2 - ويروى عن عبد الله بن المبارك قال: كان سفيان الثوري يقول: كان
عبد الملك بن أبي سليمان ميزانا في العلم.
3- حدثنا أبو بكر، عن علي بن عبد الله -هو ابن المديني -، قال: سألت
يحيى بن سعيد -القطان -، عن حكيم بن جبير، فقال: تركه شعبة من أجل
الحديث الذي روى في الصدقة - وساقه -، قال علي: وقد حدث عن حكيم
سفيان الثورى وزائدة، ولم ير علي بحديثه بأسا". انتهى كلام الترمذي.
فهؤلاء الرواة الثلاثة ضعفهم شعبة وترك الرواية عنهم، ووثقهم غيره
واعتمدهم، فهذا نموذج مما عناه الترمذي من اختلاف الأئمة المحدثين النقاد في =

(1/66)


(اختلاف المحدثين قي قبول رواية المبتدعة وردها)
وقد اختلف أهل العلم في أهل البدع كالقدرية، والرافضة،
والخوارج:
فقالت طائفة: لايحتج بحديثهم جملة.
وذهبت طائفة إلى قبول أخبار أهل الأهواء، الذين لا يعرف منهم
استحلال الكذب، ولا الشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة.
وذهبت طائفة إلى قبول غير الدعاة من أهل الأهواء، فأما الدعاة
فلا يحتج بأخبارهم.
ومنهم من ذهب إلى أنه يقبل حديثهم إذا لم يكن فيه (ا) تقوية
لبدعتهم (2) .
__________
= الرجال، وذلك لأن الحكم عليهم اجتهادي، فيقع فيه الاختلاف كما يقع
الاختلاف في الأحكام الاجتهادية في سوى ذلك من أهل العلم.
(ا) لفظ (ذهب) و (فيه) ساقط من الأصل، فأثبته. ووقع في الأصل
(حديثه) ، فعدلتها إلى (حديثهم) لتوائم السياق.
(2) قبول رواية المبتدعة أو ردها موضوع أخذ حيزا كبيرا من كتب
المصطلح وأصول الفقه، وخير من نقحه وحرره من المحدثين الإمام الحافظ
ابن حجر، في "شرح النخبة" ص 88 - 91 بحاشية "لقط الدرر"، و "هدي
الساري " 2: 111. وتابعه تلميذه الحافظ السخاوي في "فتح المغيث " ا: 326 -
335، والحافظ السيوطي في "تدريب الراوي " ص 6 1 2 - 0 2 2 وا: 4 32 -
329، وشيخنا أحمد شاكر رحمه الله تعالى، في "الباعث الحثيث شرح اختصار
علوم الحديث " ص 110 - 111.
ونقلت خلاصة كلام الحافظ ابن حجر وكلام شيخنا أحمد شاكر، فيما علقته =

(1/67)


..................................................
__________
= على "قواعد في علوم الحديث " للتهانوي ص 27 2 - 0 23، وعلى "الرفع
والتكميل " ص 144 - 146، من الطبعة الثالثة، وعلى "الموقظة" للحافظ الذهبي
ص 85 - 87، وأتبعته في اخر "الموقظة" ص 47 1 - 65 1، بكتابة (تتمة) تتصل
بهذا الموضوع المهم، وهي مسالة تكفير المبتدعة أو عدمه، بلغت 18 صفحة، فعد
إليها إذا شئت، ففيها تجلية هذه المسالة عن الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وأورد هنا - زيادة على ما علقته على الكتب المذكورة - نصين هامين في
الموضوع، أحدهما للحافظ الذهبي، والاخر للعلامة الفقيه الأصولي الشيخ محمد
بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية رحمهما الله تعالى. وهذا النص الثاني يعد
تلخيصا دقيقا لما قرره وحرره الحافظ ابن حجر، فيكون شرحا لهذه المسالة في هذا
الموضع، والله ولى التوفيق.
ا - جاء في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي 153: 7، في ترجمة
الإمام الحافظ (أبي بكر هشام الدستوائي البصري) ، المولود سنة 74،
والمتوفى سنة 154 رحمه الله تعالى، وحديثه في الكتب الستة، ما يلي:
"قال الحافظ محمد بن البرقي: قلت ليحيى بن معين: أرأيت من يرمى
بالقدر يكتب حديثه؟ قال: نعم، قد كان قتادة، وهشام الدستوائي، وسعيد بن
أبي عروبة، وعبد الوارث - وذكر جماعة - يقولون بالقدر، وهم ثقات، يكتب
حديثهم مالم يدعوا إلى شيء.
قلت - القائل الذهبي -: هذه مسألة كبيرة، وهي: القدرى والمعتزلى
والجهمى والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيا إلى
بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء: قبول روايته، والعمل بحديثه.
وترددوا في الداعية، هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب
حديثه، وهجرانه، وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه، وكان داعية، ووجدنا عنده سنة
تفرد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن =

(1/68)


.........................................................
__________
= المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمة، فإن قبول
ما رواه سائغ.
وهذه المسالة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتضح لي منها أن من دخل
في بدعة، ولم يعد من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يقبل حديثه كما مثل الحافظ
أبو زكريا - يحيى بن معين - بأولئك المذكورين، وحديثهم في كتب الإسلام
لصدقهم وحفظهم ".
2 - قال العلامة المحقق الفقيه الأصولي الشيخ محمد بخيت المطيعي،
مفتي الديار المصرية رحمه الله تعالى، في حاشيته على "نهاية السول للأسنوي " من
كتب الأصول 3: 28 1 و5 3 1 - 1 3 1، في مباحث شروط قبول الخبر:
"قال الجلال السيوطي في "تدريب الراوي " ص 6 1 2 وا: 4 32، نقلا عن
الحافظ ابن حجر: التحقيق أنه لا ترد رواية كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي
أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ في ذلك فتكفرهم، فلوأخذ ذلك على الإطلاق،
لاستلزم تكفير جميع الطوائف.
والمعتمد أن الذي ترد روايته: من أنكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من
الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، اما من لم يكن كذلك، وانضم إلى ذلك ضبطة
لما يرويه، مع ورعه وتقواه: فلا مانع من قبوله ". " انتهى.
ثم حكى الشيخ بخيت قول من رد رواية المبتدعة وفصل فيها، ثم رده وقال
رحمه الله تعالى: وعلى كل حال: فلورددنا الروايات بمثل هذا، لم نقبل رواية قط
إلا ممن أجمع الكل على أنه غير مبتدع،. . .، ثم قال:
"ومن ذلك تعلم أن الحق قبول رواية كل من كان من أهل القبلة، يصلي
بصلاتنا، ويؤمن بكل ما جاء به رسولنا مطلقا، متى كان يقول بحرمة الكذب، فإن
كل من هوكذلك لا يمكن أن يبتدع بدعة إلا وهو متأول فيها، مستند في القول فيها
إلى كتاب الله أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بتأويل راه باجتهاده، وكل
مجتهد مأجور وإن أخطأ. =

(1/69)