شرح (التبصرة والتذكرة = ألفية العراقي)

القسم الثاني
التحقيق
وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: التعريف بالكتاب
الفصل الثاني: وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق
الفصل الثالث: منهج التحقيق

(1/71)


الفصل الأول
التعريف بالكتاب
المبحث الأول
مادته ومحتواه:
كلنا يعلم جيداً أن الحافظ العراقي في نظمه هذا كان يحاول احتواء كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث، فمن البدهي أن يكون شرح هذا النظم في موضوع الأصل، لذا فقد كانت مادة علوم الحديث أو مصطلح الحديث المادة الأصلية في الكتاب، غير أن الكتاب لا يخلو من مباحثات في علوم متنوعة كاللغة والصرف والنحو والعروض والتاريخ والسير وغيرها، دلّت بمجموعها على تضلع الحافظ العراقي من علوم شتى وتنوع معارفه واختلاف مشاربه، كما أن الكتاب لم يكن اختصاراً مجرداً، أو تقنيناً رتيباً، بل امتاز بأن أتى الشارح فيه بغرر الفوائد، ونفائس العوائد، استدراكاً وتصحيحاً وتعقباً وإيضاحاً، وزيادات ضمتها دفتا هذا السفر العظيم أكملت في نهاية المطاف مشوار علم مصطلح الحديث.
وفي اعتقادنا - ونحن نكتب هذه الأسطر - أنه لم يأت بعد الحافظ العراقي حافظ يدانيه أو يقاربه سوى الحافظ ابن حجر، الذي صنف أيضاً في علم مصطلح الحديث كتاباً، لعلنا لا نكذب أنفسنا إن قلنا أن الحافظ العراقي كان مادته الأولى فيه، وإن كانت لابن حجر روعة الترتيب والابتكار.
لذا فإن في وسعنا القول أن الحافظ العراقي يعدُّ المؤسس الثاني والمُنَظِّر الأخير لعلم المصطلح، وإن استدركت عليه بعض الأشياء، فهي لا تخل بروح التجديد التي امتلكها الحافظ العراقي، في أثناء شرحه فالحكم هنا للأغلبية لا للكلية.
وقد احتوى هذا الكتاب في تضاعيفه على مفاتيح علم الحديث، ضمنها نبذاً من علومه على اختلاف موادها، فمن التواريخ إلى المتون ثمَّ ضبطها ثم المعرفة بالرجال ثمَّ بجرحهم وتعديلهم ثمَّ ... ثمَّ إلى ألوان العلوم يتقلب القارئ فيها بين رياض أزهارها، يقطف ورودها ويجني ثمارها بإدامة النظر في هذا العلم وتتبع شوارده، وقنص فوائده، وملاحظة مواضع كلام أهل الشأن فيه، والله الهادي والموفق للحق بإذنه.

(1/73)


المبحث الثاني
اسم الكتاب:
قد اعترى الناس شيء من الاضطراب في تحديد اسم هذا الكتاب، فمنهم من يسميه: شرح ألفية الحديث، ومنهم من يسميه: شرح التبصرة والتذكرة، ومنهم من يسميه: فتح المغيث، ومردُّ ذلك كله إلى الاختلاف في تسمية النَّظْم أصلاً.
والحق أن الذي ظهر لنا من خلال بحثنا أن الذين أسموه: " فتح المغيث " مخطئون خطأً محضاً، فلا متابع لهم البتة في هذه التسمية، وقد يدَّعِي مدعٍ أن هذا الاسم عَلَمٌ على شرح المصنف الكبير الذي لم يتمه. والجواب: أن أحداً لم يذكر هذا الشيء، ولعل أقرب من تحدّث عن هذا الشرح هو البقاعي، وقد نقلنا لك كلامه فيما مضى، وها نحن نعيده لك ابتغاء الفائدة، قال البقاعي في نكته (3 / ب) : ((قوله: رأيته كبير الحجم، أيّ: ظننت أنَّه إذا كمل يكون كبيراً، وإلا فهو لم يوجد منه إلا قطعة يسيرة وصل فيها إلى الضعيف)) .
فهذا نص كلام البقاعي، ونحن نعتقد جزماً أن الحافظ لو كان سماه لما تردد البقاعي في إيراد اسمه ومن ثمَّ التعليق عليه، وهذه هي مهمة من يتصدى للتنكيت على كتاب ما. ثمَّ إن الحافظ العراقي نفسه عندما كان يعزو إليه في هذا الشرح فيما يقارب العشرة مواطن لا يزيد على قوله: ((الشرح الكبير)) .
أمّا الذين أسموه شرح ألفية العراقي أو ألفية الحديث للعراقي، فهؤلاء متجوزون في هذه التسمية، خشية الالتباس بألفية الحديث للسيوطي، فإن الناظم لم يصرح البتة في نظمه بأنه جعلها ألفية، وهذا هو المطابق للواقع، إذ زادت أبيات النظم على الألف ببيتين وهذه التفاتة قلّ من تنبّه عليها، وهي السرُّ في عدم قوله في النَّظْم ألفتها، على الرغم من تصريحه في الشرح بذلك.
وعلى هذا فإن الراجح - في نظرنا - إن اسم الكتاب هو: " شرح التبصرة والتذكرة " تبعاً لتسمية النظم بـ " التبصرة والتذكرة "، لا سيّما أنَّهُ قَالَ في النظم:

نظمتُها تبصرةً للمبتدي ... تذكرةً للمنتهي والمسْنِدِ

(1/74)


مع قول الحافظ السخاوي في شرحه لهذا البيت: وأشير بالتبصرة والتذكرة إلى لقب هذه المنظومة.
ولم ينص الحافظ العراقي في أثناء شرحه على اسم يكون علماً على شرحه هذا، الأمر الذي يضطرنا إلى القول بأن الحافظ العراقي ترك شرحه هذا من غير اسم، ولما كان سمى نظمه، فيكون هذا شرح لذلك النظم، وعليه استقر رأينا في تسميته بـ: " شرح التبصرة والتذكرة "، والله أعلم.

المبحث الثالث
تاريخ إكمال الشرح:
أشار الحافظ العراقي إلى تاريخ إكماله لشرحه هذا، وذلك في ختامه فقال: ((وكَمُل هذا الشرح عليها في يوم السبت التاسع والعشرين، في شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، بالخانقاه الطشتمرية خارج القاهرة المحروسة)) .

(1/75)


الفصل الثاني
وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق
اعتمدنا في تحقيقنا على نسخ لمتن الألفية ونسخ للشرح، لذا سنجعل لكل منهما قسماً:
القسم الأول: نسخ المتن، اعتمدنا على ثلاث نسخ خطية فيما يأتي وصفها:
1- النسخة الأولى: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد -حرسها الله- تحت الرقم (8 / 2899 مجاميع) ، تقع في (48) ورقة خطها نسخي جميل واضح ومشكول، وهي حديثة العهد، إذ نسخت في سنة 1208 هـ‍. ورمزنا لها (أ) .
2- النسخة الثانية، وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم (2818) تقع في (55) ورقة، كتبت بخط نسخ واضح ومشكول تظهر عليها آثار المقابلة، وعلى حواشيها نقولات عدة عن شرح العراقي، وشرح زكريا الأنصاري، ونكت البقاعي، كتبها محمد أمين بن أحمد أفندي المدرس، وانتهى منها في سنة 1244هـ‍، وعلى طرتها بعض التملكات وصورة وقفيتها، ورمزنا لها بالرمز (ب) .
3- النسخة الثالثة: تقع ضمن مجموع محفوظ في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم (1 / 2955 مجاميع) تقع في (52) ورقة، وخطها نسخي جميل واضح جداً ومشكول، وهي أقدم هذه النسخ إذ كتبت في سنة 1118 هـ‍على يد رجل لم يدون سوى اسمه: عبد الغفور، وعلى طرتها تظهر صورة وقفيتها على المدرسة الأمينية، ورمزنا لها بالرمز (جـ) .

القسم الثاني: نسخ الشرح، اعتمدنا فيها على أربع نسخ هي:
1- النسخة الأولى: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد - حرسها الله - تحت الرقم (2951) تقع في (166) ورقة، خطها نسخي واضح جداً، على حواشيها آثار المقابلة، وعليها نقولات من بعض الشروح وتوضيحات، وهي نسخة قليلة الخطأ والسقط، أهمل ناسخها كتابة اسمه، وتاريخ النسخ، ولم يدون سوى اليوم فقال: ((وقع الفراغ من نسخ هذا الكتاب المبارك نهار الخميس)) ، وعلى طرتها ختم الوقفية على المدرسة الأمينية، ورمزنا لها بالرمز (ص) .

(1/76)


2- النسخة الثانية: نسخة مكتبة أوقاف بغداد تحت الرقم (2490) تقع في (217) ورقة، كتبت بخط نسخ جميل واضح مقروء، وهي مشكولة في الغالب قليلة الخطأ، وقد تغير خطها في بعض الصفحات الأخيرة، وتظهر فيها آثار المقابلة، إذ قوبلت على نسخة العلاّمة عبد الرحمن العمادي، ونسخة العلاّمة محمد بن هلال الحلبي، وقرئت على العلاّمة محمد بن عمر السفيري في سنة 949 هـ‍، فهي إذن مكتوبة قبل هذا التاريخ، وناسخها محمد بن الحاج يحيى بن الشيخ عبيد الشافعي الحلبي، وعلى طرتها تملكات ووقفيات على المدرسة العلية، ورمزنا لها بالرمز (ن) .
3- النسخة الثالثة: نسخة تحتضنها مكتبة الأوقاف العامة في بغداد برقم (2889) تقع في (256) ورقة، خطها نسخي واضح ومقروءة، وهي مشكولة مقابلة، في بعض حواشيها نقولات، وهي قليلة الخطأ ولا يكاد يوجد سقط فيها، نسخت سنة 830 هـ‍ولا يعلم اسم ناسخها، وهي مقروءة من قبل الشيخ محمد ناصر الدين القادري الشافعي، وفي آخرها وقفية والي بغداد سليمان باشا على مدرسته، ورمزنا لها بالرمز (ق) .
4- النسخة الرابعة: نسخة محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد برقم (3318) تقع في (170) ورقة، خطها نسخي جميل واضح ومقروء، شكل ناسخها أبيات الألفية فقط، وفي بعض المواطن من حواشيها نقولات، وهي نسخة كثيرة الخطأ، سقيمة الضبط، ولم نعلم اسم ناسخها، أو تاريخ نسخها، إلاّ أن في طرتها والصفحة التي تليها تملكات ووقفيات أقدمها وقفية والي بغداد سليمان باشا على المدرسة العلية سنة 1223 هـ‍، وقد رمزنا لها بالرمز (س) .

(1/77)


الفصل الثالث
منهج التحقيق
يمكننا أن نلخص منهج التحقيق الذي سرنا عليه والتزمناه في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة في ما يأتي:
1- لم نتخذ واحدة من النسخ أصلاً في تحقيقنا هنا، فإن هذا عمل قد يحتاج إليه في كتاب قد لا تتوافر منه إلا نسخة أو نسختان في العالم، أمّا مع كتاب يوجد منه في داخل العراق فقط ثماني عشرة نسخة خطية، فهذا أمر شبه المتعذر.
2- حاولنا ضبط النص - قدر المستطاع - سواء الألفية أو شرحها، مستعينين بما نثق به من الكتب المطبوعة، مثل: النفائس، وفتح المغيث، وشرح السيوطي، وطبعات الكتاب السابقة، مع مراجعة المصادر المباشرة للمؤلف، ككتب المتون والأسانيد، وكتب الرجال على اختلاف ألوانها.
3- خرجنا الآيات الكريمات من مواطنها في المصحف، مع الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية.
4- خرجنا الأحاديث النبوية الكريمة تخريجاً مستوعباً حسب الطاقة، وأجملنا التخريج عَلَى الصَّحَابِيّ، وبينا ما فيها من نكت حديثية، ونبّهنا على مواطن الضعف، وكوامن العلل مستعينين بما ألّفه الأئمة الأعلام جهابذة الحديث ونقّاد الأثر في هذا المجال.
5- خرّجنا الأبيات الشعرية التي استشهد بها المصنف من دواوين القائلين أو أقدم مصدر ذكرها.
6- خرّجنا أكثر نقولاته عن العلماء وذلك بعزوها إلى كتبهم.
7- تتبّعنا المصنف فيما يورده من المذاهب سواء أكانت لغوية أم فقهية أم غيرها؟ ووثّقناها من المصادر التي تعنى بتلك العلوم.
8- لم يكن من وكدنا أن نترجم للأعلام الذين يذكرهم الشارح رغم فائدتها التي لا تخفى، مقدمين دفع مفسدة تضخم الكتاب، على مصلحة التعريف بهؤلاء الأعلام، على أن الكتاب لا يخلو من التعريف ببعضهم.
9- قدّمنا للكتاب بدراسة نراها حسب اعتقادنا كافية كمدخل إليه.

(1/78)


10- لم نألوا جهداً في تقديم أي عمل يخدم الكتاب، وهذا يتجلى في الفهارس المتنوعة التي ألحقناها بالكتاب، بغية توفير الوقت والجهد على الباحث.
11- قمنا بشكل الألفية وشرحها، شكلاً متوسطاً، على حسب ما يقتضيه المقام.
12- علّقنا على المواطن التي نعتقد أنها بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان.
13- ذيّلنا الشرح بالمهم من نكت البقاعي والزركشي وشرح السيوطي وغيرها، ممّا أغنى الكتاب وتمّم مقاصده.
وبعد هذا كلّه، فلسنا من الذين يدّعون الكمال لأنفسهم أو أعمالهم، وليتذكر من يقف على هفوة أو شطحة قلم أن يقدّم النظر بعين الرضا على الانتقاد بعين السخط، وليضع قول الإمام الشافعي - رحمه الله - نصب عينيه إذ يقول:

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيْلَةٌ ... ولَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاويَا

سبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين

المحقّقان

صبيحة يوم الجمعة 19 / محرّم / 1422 هـ‍
13 / نيسان / 2001 م
العراق / الأنبار / الرمادي / حي التقدُّم

(1/79)


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمدُ للهِ الذي قَبِلَ بصحيحِ النيّةِ حسنَ العملِ، وحَملَ الضعيفَ المنقطِعَ على مراسيلِ لُطفِهِ فاتّصلَ، ورفعَ مَنْ أسندَ في بابهِ، ووقفَ مَنْ شَذَّ عنْ جنابهِ وانفصلَ، ووصلَ مقاطيعَ حُبِّهِ، وأدرجَهُمْ في سلسلةِ حزبهِ؛ فسكنَتْ نفوسُهُم عن الاضطرابِ والعِللِ، فموضوعُهُم لا يكونُ محمولاً، ومقلوبُهُم لا يكونُ مقبُولاً ولا يُحْتَمَلُ.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه، الفردُ في الأزلِ. وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ والدينُ غريبٌ فأصبحَ عزيزاً مشهوراً واكتملَ، وأوضحَ به معضلاتِ الأُمورِ، وأزالَ به منكراتِ الدُّهُورِ الأُوَلِ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ ما علا الإسنادُ ونزَلَ، وطلعَ نجمٌ وأفلَ.
وبعدُ: فعلمُ الحديثِ خطيرٌ وَقْعُهُ، كثيرٌ نفعُهُ، عليه مدارُ أكثرِ الأحكامِ، وبه يُعْرَفُ الحلالُ والحرامُ، ولأهلهِ اصطلاحٌ لابدَّ للطالبِ منْ فَهْمِهِ فلهذا نُدِبَ إلى تقديمِ العنايةِ بكتابٍ في علمِهِ. وكنتُ نظمْتُ فيهِ أُرجوزةً أَلَّفْتُهَا، ولبيانِ اصطلاحِهمُ أَلَّفْتُهُاْ، وشرعْتُ في شرحٍ لها، بسطتُهُ وأوضحتُه، ثم رأيتُه كبيرَ الحجمِ

(1/97)


فاستطَلتُهُ ومَلِلتُه، ثم شرعْتُ في شرحٍ لها متوسطٍ غيرِ مُفْرِطٍ ولا مُفَرِّطٍ، يُوضِحُ مُشْكِلَهَا، ويفتحُ مُقْفَلَها، ما كَثُرَ فأَمَلَّ، ولا قَصُرَ فأَخَلَّ، مَعَ فوائدَ لا يستغني عنها الطالبُ النبيهُ، وفرائدَ لا توجدُ مجتمعةً إلا فيهِ، جعلَهُ اللهُ تعالى خالصاً لوجهِهِ الكريمِ، ووسيلةً إلى جنات النعيمِ.

1.... يَقُوْلُ رَاجِي رَبِّهِ المُقْتَدِرِ ... عَبْدُ الرَّحيمِ بنُ الحُسَيْنِ الأَثَريْ
2.... مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللهِ ذِي الآلاءِ ... عَلَى امْتِنَانٍ جَلَّ عَنْ إحْصَاءِ
3.... ثُمَّ صَلاَةٍ وسَلامٍ دَائِمِ ... عَلَى نَبِيِّ الخَيْرِ ذِي المَرَاحِمِ
4.... فَهَذِهِ المَقَاصِدُ المُهِمَّهْ ... تُوْضِحُ مِنْ عِلْمِ الحدِيْثِ رَسْمَهْ

(الأَثَرِيُّ) - بفتحِ الهمزةِ والثاءِ المثلثةِ -: نسبةٌ إلى الأَثَرِ، وهو الحديثُ واشتهرَ بها الحسينُ بنُ عبدِ الملكِ الخلاَّلُ الأثريُّ، وعبدُ الكريمِ بنُ منصورٍ الأثريُّ، في آخرينَ.
(والآلاءُ) : النِّعَمُ، واحدُها أَلاً بالفتحِ والتنوينِ كَرَحًى، وقيلَ: بالكسرِ كمِعًى، وقيلَ: بالكسرِ وسكونِ اللامِ والتنوينِ كَنِحْىً، وقيلَ: بالفتحِ وتركِ

(1/98)


التنوينِ كقَفَى. (والمراحمُ) : جمعُ مَرْحَمَةٍ، وهي الرحمةُ. وفي صحيحِ مسلمٍ: ((أنا نبيُّ المَرْحَمْةِ)) ، وفي روايةٍ: الرحمة، وفي روايةٍ: الملحَمْةِ.
والمرادُ برسْمِ الحديثِ: آثارُ أهلِهِ التي بَنَوا عليها أصولَهُم. والرسمُ في اللغةِ: الأثرُ، ومنهُ رسمُ الدارِ، وهو ما كان مِنْ آثارها لاصقاً بالأرض، وعَبَّرَ بالرسمِ هنا إشارةً إلى دُرُوْسِ كثيرٍ مِنْ هذا العلمِ، وإنَّهُ بقيتْ منهُ آثارٌ يُهْتَدَى بها، ويُبْنَى عليها.

(1/99)


5.... نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِيْ وَالْمُسْنِدِ
6.... لَخَّصْتُ فيهَا ابْنَ الصَّلاحِ أَجْمَعَهْ ... وَزِدْتُهَا عِلْماً تَرَاهُ مَوْضِعَهْ

(المسنِدُ) : بكسرِ النونِ فاعلُ أسندَ الحديثَ، أي: رواهُ بإسنادِهِ. وأَما عبدُ اللهِ ابنُ محمدِ المُسْنَدي، فهو - بفتحهَا - أحدُ شيوخِ البخاريِّ.
وقولهُ: (لخصتُ فيها ابنَ الصلاحِ) ، أي: كتابَ ابنِ الصَّلاحِ. والمرادُ مسائلُهُ وأقسامُهُ دونَ كثيرٍ من أمثلتِهِ وتعاليلِهِ ونسبةِ أقوالٍ لقائليها وما تكررَ فيهِ.
وقولُه: (وزدتُها علماً) : اعْلَمْ أَنَّ ما زدتُهُ فيها على ابنِ الصلاحِ أكثرُهُ مَيَّزْتُ أولَهُ بقولي: " قلت " ولم أميّزْ آخرَه، بل قدْ يتميزُ بالواقعِ إِنْ كانَ آخرَ مسألةٍ في تلكَ الترجمةِ المترجَمِ عليها، وأميزُ ما لمْ يقعْ آخرَ الترجمةِ في هذا الشرحِ إِنْ شاءَ اللهُ تعالى. ومِنَ الزياداتِ ما لم أميزْ أولَهُ بقولي: قلتُ. إذْ هو مُمَيَّزٌ بنفسِهِ عند مَنْ لَهُ معرفةٌ؛ بأَنْ يكونَ حكايةً عَمَّنْ هو متأخّرٌ عن ابن الصلاح كالنوويِّ، وابنِ دقيقِ العيدِ، وابن رُشَيدٍ، وابنِ سَيِّدِ الناسِ كما ستراهُ. وكذلك إذا تُعقّبَ كلامُ ابنِ الصلاحِ

(1/100)


بِرَدٍّ أو إيضاحٍ له، فهو واضحٌ في أنّهُ مِنَ الزياداتِ، وكذلك إذا تُعقبَ كلامُ مَنْ هو متأخرٌ عن ابنِ الصلاحِ بطريقٍ أولى. ومن الزياداتِ ما لَمْ أُميّزْ أولَها ولا تميزَتْ بنفسِها بما تقدمَ؛ فأميزُهَا في الشرحِ، وهي مواضعُ يسيرةٌ رأيتُ أنْ أجمعَهَا هنا لتُعْرَفَ.
فمنها في آخرِ البابِ الأولِ قولُه: (ولُمْ منْ عَمَّمَهُ) .
ومنها: في التدليسِ النقلُ عن الأكثرينَ أنّهمُ قبلوا ما صرحَ ثقاتُ المدلّسينَ بوصلِهِ.
ومنها: قولي في آخرِ القسمِ الثالثِ من أقسامِ المجهولِ: (وفيه نظرٌ) .
ومنها: في مراتبِ التعديلِ ومراتبِ الجرحِ زيادةُ ألفاظٍ لم يذكرْهَا ابنُ الصلاحِ مَيَّزْتُها هناكَ في الترجمتينِ المذكورتينِ.
ومنها: قولي في صُوَرِ المناولةِ: (وأعلاَها) .
ومنها قولي: (فيما إذا ناولَ واستّردَّ عند المحقِّقين) .
ومنها في آخر المناولةِ قولي: (يُفيدُ حيثُ وقعَ التَّبيُّنُ) .
ومنها قولي في كتابةِ الحديثِ: (وكَتْبِ السَّهْمِي) .
ومنها: تقطيعُ حروفِ الكلمةِ المُشْكِلَةِ في هامشِ الكتابِ.
ومنها: استثناءُ الحاءِ مما يُنَقَّطُ أسفلَ من الحروفِ المُهْمَلَةِ.
ومنها: بيانُ أَنَّ مُسْنَدَ يعقوبَ بنِ شيبةَ ما كَمُلَ.
ومنها: ذكرُ العسكريِّ فيمَنْ صَنَّفَ في التصحيفِ.
ومنها: - في المُؤتَلِفِ والمُختَلِفِ - استثناءُ الحِزامي الذي أُبْهِمَ اسمُهُ، فإنَّ فيه الخلافَ في الراءِ والزاي.

(1/101)


7.... فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّميْرُ ... لِواحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ
8.... ك‍َ (قَالَ) أوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الشَّيْخِ مَا ... أُرِيْدُ إلاَّ ابْنَ الصَّلاحِ مُبْهَما

هذا بيانُ ما اصطلَحْتُ عليهِ للاختصارِ، أي: إذا أتى فعلٌ لواحدٍ لا لجماعةٍ، أو اثنينِ، ولم يُذْكَرْ فاعلُهُ معهُ. ولا قبلهُ؛ فالمرادُ بفاعلِهِ الشيخُ أبو عَمْرو ابنُ الصلاحِ. كقولِه: وقالَ: (بانَ لي بإمعانِ النظرِ) . وكذا إذا أتى بضميرٍ موَحدٍ لا يعودُ على اسمٍ تقدم قَبلَهُ؛ فالمرادُ به ابنُ الصلاحِ كقولهِ: كذا له وقيل ظَنَاً وَلَدَى. وكذا إذا أُطلِقَ الشيخُ فالمرادُ به ابنُ الصلاحِ، كقولهِ: فالشيخُ فيما بعدُ قد حَقَّقَهُ. وقولُه: (مُبْهَماً) بالباءِ الموحّدةِ وفتحِ الهاءِ، ويجوزُ كسرُهَا.

9.... وَإِنْ يَكُنْ لاثْنَيْنِ نَحْوُ (الْتَزَمَا) ... فَمُسْلِمٌ مَعَ البُخَارِيِّ هُمَا
10.... وَاللهَ أرجُوْ في أُمُوْرِي كُلِّهَا ... مُعْتَصِماً في صَعْبِهَا وَسَهْلِهَا

أي: وإِنْ يكن الفعلُ أو الضميرُ المذكورانِ لاثنينِ، كقولهِ: (واقطعْ بصحَّةٍ
لما قدْ أَسندَا) ، وكقولهِ: (وأَرْفَعُ الصحيحِ مَرْوِيُّهُمَا) ، فالمرادُ بذلك: البخاريُّ ومسلمٌ. وقوله: (معتصَماً) بفتحِ الصادِ على التمييزِ، ويجوزُ كسرُها على الحالِ.

(1/102)