شرح (التبصرة والتذكرة = ألفية العراقي) المُضْطَرِبُ
... مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً
مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا
210.... في مَتْنٍ اوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ
تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ
... بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ
للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا
212.... كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ ...
والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ
المُضْطَرِبُ مِنَ الحديثِ، هو ما اختَلَفَ راويه فيهِ. فرواهُ
مرّةً على وجهٍ، ومرةً على وجهٍ آخَر مخالفٍ له. وهكذا إنِ
اضطربَ فيهِ راويانِ فأكثر، فرواهُ كلُّ واحدٍ على وجهٍ مخالفٍ
للآخرِ.
فقولي من واحدٍ أي من راوٍ واحدٍ، ثم الاضطرابُ قد يكونُ في
المتنِ، وقد يكونُ في السندِ وإنّما يُسَمَّى مضطرباً إذا
تساوتِ الروايتان المختلفتانِ في الصحةِ
(1/290)
بحيثُ لم تترجَّحْ إحداهُما على الأخرى
أمَّا إذا ترجَّحَتْ إحداهما بكونِ راويها أحفظَ، أو أكثرَ
صحبةً للمرويِّ عنهُ، أو غيرَ ذلك من وجوهِ الترجيحِ، فإنهُ لا
يُطلقُ على الوجهِ الراجحِ وصفُ الاضطرابِ، ولا لَهُ حكمُهُ،
والحكمُ حينئذٍ للوجهِ الراجحِ
مثالُ الاضطرابِ في السندِ ما رواهُ أبو داودَ، وابنُ ماجه، من
روايةِ إسماعيلَ بنِ أُميَّةَ، عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ
حُرَيثٍ، عن جَدِّهِ حريثٍ، عن أبي هريرةَ، عن رسولِ اللهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال إذا صلَّى أحدُكُم
فليجعَلْ شيئاً تِلْقاءَ وَجْهِهِ ... الحديثَ وفيه فإذا لم
يجدْ عَصاً ينصبُها بين يديه فَليَخُطَّ خطاً وقدِ اختُلِفَ
فيه على إسماعيلَ اختلافاً كثيراً
فرواهُ بِشْرُ بنُ المُفضَّلِ، ورَوْحُ بنُ القاسمِ عنه، هكذا
ورواهُ سفيانُ الثوريُّ عنه، عن أبي عمرِو بنِ حُريثٍ، عن
أبيهِ، عن أبي هريرةَ ورواهُ حُميدُ بنُ الأسودِ عنه، عن أبي
عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حريثٍ، عن جدِّهِ حريثِ بنِ
سُليمٍ عن أبي هريرةَ ورواهُ وُهَيبُ بنُ خالدٍ، وعبدُ الوارثِ
عنه، عن أبي عمرِو بنِ حريثٍ، عن جدِّهِ حريثٍ ورواهُ ابنُ
جُريجٍ عنه، عن حريثِ بنِ عمّارٍ، عن أبي
(1/291)
هريرةَ ورواه ذَوَّادُ بن عُلْبَةَ
الحارثيُّ عنه، عن أبي عمرِو بنِ محمدٍ، عن جدِّهِ حريثِ بنِ
سليمانَ قالَ أبو زُرعةَ الدمشقيُّ لا نعلمُ أحداً بيَّنَهُ
ونسبَهُ غيرُ ذَوَّادٍ ورواه سفيانُ بنُ عُيينةَ عنهُ
فاختُلِفَ فيه على ابنِ عيينة فقال ابنُ المدينيِّ عن ابنِ
عيينةَ، عن إسماعيلَ، عن أبي محمدِ بنِ عمرِو بنِ حريثٍ، عن
جدِّهِ حريثٍ رجلٍ من بني عُذْرةَ قال سفيانُ لم نجدْ شيئاً
نشدُّ به هذا الحديثَ، ولم يجئ إلاَّ مِنْ هذا الوجهِ قال ابنُ
المدينيِّ قلتُ له إنّهم يختلفونَ فيه فتفكَّرَ ساعةً ثم قال
ما أحفظُهُ إلاّ أبا محمدِ بنَ عمرٍو
ورواه محمّدُ بنُ سلامٍ البِيكَنْديُّ، عن ابنِ عيينَة، مثلَ
روايةِ بشرِ بنِ المفضّلِ، ورَوْحٍ ورواهُ مُسَدَّدٌ، عن ابنِ
عيينةَ، عن إسماعيلَ، عن أبي عمرِو بنِ حريثٍ، عن أبيهِ، عن
أبي هريرةَ ورواهُ عمّارُ بنُ خالدٍ الواسطيُّ، عن ابنِ عيينة،
عن إسماعيلَ، عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حريثٍ، عن
جَدِّهِ حريثِ بنِ سُليمٍ، وفيه من
(1/292)
الاضطرابِ غيرُ ما ذكرتُ وهو المرادُ بقولي
كالخطِّ أي كحديثِ الخَطِّ للسُّتْرةِ جَمُّ الخُلْفِ، أي هو
كثيرُ الاختلافِ
ومثالُ الاضطرابِ في المتنِ، حديثُ فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ، قالت
سألتُ، أو سُئِلَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عن الزَّكاةِ، فقال إنَّ في المالِ لَحَقّاً سِوَى الزَّكَاةِ
فهذا حديثٌ قدِ اضطربَ لفظُهُ ومعناهُ فرواهُ الترمذيُّ هكذا
من روايةِ شَرِيكٍ، عن أبي حمزةَ، عن الشِّعبيِّ، عن فاطمةَ
ورواهُ ابنُ ماجه من هذا الوجهِ بلفظِ ليسَ في المالِ حقٌّ
سِوَى الزكاةِ فهذا اضطرابٌ لا يحتملُ التأويلَ وقولُ
البيهقيِّ أنّهُ لا يحفظُ لهذا اللفظِ الثاني إسناداً، معارَضٌ
بما رواهُ ابنُ ماجه هكذا، واللهُ أعلمُ
والاضطرابُ موجبٌ لضعفِ الحديثِ
المضطربِ لإشعارِهِ بعدمِ ضبطِ راويهِ، أو رواتِهِ،
واللهُ أعلمُ
(1/293)
المُدْرَجُ
213.... المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ ... مِنْ
قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ
214.... نَحْوُ (إذَا قُلْتَ: التَّشَهُّدَ) صَلْ ... ذَاكَ
(زُهَيْرٌ) وَ (ابنُ ثَوْبَانَ) فَصَلْ
215.... قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ ...
(كَأسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ)
المدرجُ في الحديثِ أقسامٌ:
القسمُ الأولُ منه: ما أُدرجَ في آخرِ الحديثِ من قولِ بعضِ
رواتِهِ. أمَّا الصحابيُّ، أو مَنْ بعدَهُ موصولاً بالحديثِ من
غيرِ فَصْلٍ بين الحديثِ وبين ذلك الكلامِ، بذكرِ قائِلِه،
فيلتبسُ على مَنْ لا يعلم حقيقةَ الحالِ، ويتوهمُ أنَّ الجميعَ
مرفوعٌ. مثالُهُ: ما رواهُ أبو داودَ، قالَ: حدَّثنا عبدُ
اللهِ بنُ محمدٍ النُّفَيْلِيُّ، قالَ: حدَّثَنا زُهَيرٌ،
قالَ: حدَّثَنا الحسنُ بنُ الحُرِّ، عن القاسمِ بنِ
مُخَيْمِرةَ، قال: أخذَ عَلْقَمةُ بيدي، فحدّثني أنَّ عبدَ
اللهِ
(1/294)
بْنَ مسعودٍ أخذَ بيدِهِ، وأنَّ رسولَ
اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذَ بيدِ عبدِ
اللهِ، فعلَّمَنَا التشهدَ في الصلاةِ. قال: فذكرَ مثلَ حديثِ
الأعمشِ: إذا قُلتَ هذا، أو قَضَيْتَ هذا فقد قَضَيْتَ
صَلاتَكَ، إنْ شِئْتَ أنْ تقومَ فَقُمْ. وإنْ شئتَ أنْ تقعُدَ
فاقْعُدْ. فقولُهُ: إذا قلتَ إلى آخره، وصلَهُ زُهيرُ بنُ
معاويةَ أبو خَيثمةَ بالحديثِ المرفوعِ في روايةِ أبي داودَ
هذهِ. قالَ الحاكمُ: قولُهُ إذا قلتَ، هذا مدرجٌ في الحديثِ من
كلامِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ. وكذا قالَ البيهقيُّ في "
المعرفةِ ": قد ذهبَ الحُفَّاظُ إلى أنَّ هذا وهمٌ وأنَّ
قولَهُ: ((إذا فعلتَ هذا، أو قضيتَ هذا، فقد قَضَيْتَ
صَلاتَكَ)) من قولِ ابنِ مسعودٍ، فأدرجَ في الحديثِ. وكذا قال
الخطيبُ في كتابهِ الذي جمَعهُ في الْمُدرجِ: إنّها
مُدْرَجَةٌ. وقالَ النَّوويُّ في " الخُلاصة ": اتّفقَ
الحفَّاظُ على أنّها مُدرجةٌ. انتهى. وقولُ الخطّابيِّ في "
المعالم ": اختلفوا فيهِ، هلْ هوَ مِنْ قَوْلِ النبيِّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو من قولِ ابنِ مسعودٍ؟
فأرادَ اختلافَ الرواةِ في وصلِهِ، وفصلِهِ، لا اختلافَ
الحفَّاظِ؛ فإنَّهُمْ متَّفِقُونَ على أنَّهَا
(1/295)
مُدْرَجَةٌ.
على أنَّهُ قدِ اختُلِفَ على زُهيرٍ فيهِ، فرواهُ
النُّفَيليُّوأبو النَّضْرِ هاشمُ بنُ القاسمِ، وموسى بنُ
داودَ الضَّبِّيُّ، وأحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يونسَ
اليَرْبوعيُّ، وعليُّ بنُ الجَعْدِ، ويحيى بنُ يحيى
النَّيسابوريُّ، وعاصمُ بنُ عليٍّ، وأبو داودَ الطيالسيُّ،
ويحيى بنُ أبي بُكَيرٍ الكِرْمانيُّ، ومالكُ بنُ إسماعيلَ
النَّهْديُّ عنهُ، هكذا مُدْرَجَاً.
ورواهُ شَبَابةُ بنُ سَوَّارٍ عنهُ، فَفَصَلَهُ وبيَّنَ أنَّهُ
مِنْ قولِ عبدِ اللهِ، فقالَ: قالَ عبدُ اللهِ: ((فإذا قلتَ
ذلكَ فقد قَضَيْتَ ما عليكَ من الصلاةِ، فإنْ شئتَ أنْ تقومَ
فقُمْ، وإنْ شئتَ أنْ تَقْعُدَ فاقعُدْ)) . رواهُ الدارقطنيُّ،
وقالَ: شَبَابةُ ثقةٌ. وقد فَصَلَ آخِرَ الحديثِ وجعلَهُ من
قولِ ابنِ مسعودٍ، وهو أصحُّ من روايةِ مَنْ أدرجَ آخرَه.
وقولُه أشبهُ
(1/296)
بالصوابِ؛ لأنَّ ابنَ ثوبانَ رواهُ عن
الحسنِ بنِ الحرِّ كذلك، وجعل آخرَه من قولِ ابنِ مسعودٍ، ولم
يرفعْهُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم
رواهُ من روايةِ غسّانَ بنِ الربيعِ، عن عبدِ الرحمن ابنِ
ثابتِ بنِ ثوبانَ، عن الحسنِ بنِ الحرِّ، بهِ. وفي آخرِهِ: ثم
قال ابنُ مسعودٍ: إذا فرغتَ من هذا فقد فرغتَ من صلاتِكَ، فإنْ
شئتَ فاثبُتْ، وإن شئتَ فانصرِفْ. ورواه الخطيبُ أيضاً من
روايةِ بقيّةَ، قال: حدّثنا ابنُ ثوبانَ فاستدلَّ الدارقطنيُّ
على تصويبِ قولِ شَبَابةَ، بروايةِ ابنِ ثوبانَ هذهِ، وباتفاقِ
حسين الجُعْفِيِّ، وابنِ عَجْلانَ، ومحمدِ بنِ أبانَ في
روايتِهِم عن الحسنِ بنِ الحرِّ، على تَرْكِ ذكرِهِ في آخِرِ
الحديثِ، مع اتفاقِ كُلِّ مَنْ روى التشهدَ عن علقمةَ، وعَنْ
غيرِهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ على ذلك.
واعلمْ أنَّ ابنَ الصلاحِ قَيَّدَ هذا القسمَ من المدرجِ
بكونِهِ أُدرجَ عَقِبَ الحديثِ. وقد ذكرَ الخطيبُ في المدرجِ
ما أُدخلَ في أوَّلِ الحديثِ، أو في وَسَطِهِ. فأشرتُ إلى ذلكَ
بقولي: (قلتُ: ومنه مدرجٌ قَبْلُ قُلِبْ) أي: أُتي بهِ قبلَ
الحديثِ المرفوعِ، أو قبلَ آخرهِ، في وَسطِهِ مثلاً. وقولُهُ:
(قُلِبْ) أي: جعلَ آخِرَهُ أوَّلَهُ؛ لأنَّ الغالبَ في
المدرجاتِ ذكرُها عَقِبَ الحديثِ.
(1/297)
ومثالُ ما وُصلَ بأوَّلِ الحديثِ، وهو
مدرجٌ: ما رواه الخطيبُ من روايةِ أبي قَطَن، وشَبابَة
فَرَّقَهُما عن شعبةَ، عن محمدِ بنِ زيادٍ، عن أبي هريرةَ قال:
قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أسبغوا
الوضوءَ، ويلٌ للأعقابِ من النارِ)) .
فقولُهُ: أسبغوا الوضوءَ، من قولِ أبي هريرةَ، وُصلَ بالحديثِ
في أوَّلِهِ كذلك. رواه البخاريُّ في صحيحهِعن آدمَ بنِ أبي
إياسٍ، عن شعبةَ، عن محمدِ بنِ زيادٍ، عن أبي هريرةَ، قال:
أسبغوا الوضوءَ، فإنَّ أبا القاسمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: ((ويلٌ للأعقابِ من النارِ)) . قال الخطيبُ:
وَهِمَ أبو قَطَن عمرُو بنُ الهيثمِ، وشَبَابةُ بنُ سَوَّارٍ
في روايتهما هذا الحديث عن شعبةَ على ما سقناه. وذلك أنَّ
قولَهُ: ((أسبغوا الوضوءَ)) كلامُ أبي هريرةَ. وقولُهُ: ((ويلٌ
للأعقابِ مِنَ النارِ)) ، كلامُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رواهُ أبو داودَ الطيالسيُّ،
ووَهْبُ بنُ جريرٍ، وآدمُ بنُ أبي إياسٍ، وعاصمُ بنُ عليٍّ،
وعليُّ بنُ الجَعْدِ، وغُنْدَرٌ، وهُشيمٌ، ويزيدُ بنُ زُرَيعٍ،
والنَّضْرُ بنُ شُميلٍ، ووكيعٌ، وعيسى بنُ يونسَ، ومُعاذُ بنُ
معاذٍ؛ كلُّهُم عن شعبةَ. وجعلوا الكلامَ الأولَ من قولِ أبي
هريرةَ، والكلامَ الثانيَ مرفوعاً.
(1/298)
وقولُهُ: (ويلٌ للعَقِبِ) ، أُفرِدَ لأجلِ
الوزنِ، وكذلك هو في روايةِ أبي داودَ الطيالسيِّ، عن شعبةَ:
((ويلٌ للعَقِبِ من النارِ)) .
ومثالُ المدرجِ في وَسَطِ الحديثِ، ما رواهُ الدارقطنيُّ في
سننهِ من روايةِ عبدِ الحميدِ بنِ جعفرٍ، عن هِشامِ بنِ
عُروةَ، عن أبيهِ، عن بُسْرَةَ بنتِ صَفْوانَ قالتْ: سمعتُ
رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ:
((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، أو أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَهُ،
فَلْيَتَوضَّأْ)) . قال الدارقطنيُّ: كذا رواه عبدُ الحميدِ،
عن هشامٍ، ووَهِمَ في ذكرِ الأُنثيين، والرُّفْغِ، وإدراجِهِ
ذلك في حديثِ بُسْرَةَ. قالَ: والمحفوظُ أنَّ ذلك من قولِ
عُروةَ غيرُ مرفوعٍ. وكذلك رواه الثقاتُ عن هشامٍ منهم: أيوبُ
السِّخْتِيانيُّ، وحمّادُ بنُ زيدٍ، وغيرُهما. ثم رواهُ من
طريق أيوبَ بلفظِ: ((مَنْ مَسَّ ذكرَهُ فليتوضَّأ)) ، قال:
وكان عروةُ يقولُ: إذا مسَّ رُفْغَيهِ، أو أُنثييهِ، أو ذكرَهُ
فليتوضَّأْ. وقالَ الخطيبُ: تفرّدَ عبدُ الحميدِ بذكرِ
الأُنثيينِ، والرُّفْغينِ. وليس من كلامِ رسولِ الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنَّما هو قولُ عروةَ بنِ
الزبيرِ، فأدرَجَهُ الراوي في متنِ الحديثِ. وقد بَيَّنَ ذلك
حمّادٌ وأيوبُ.
(1/299)
قلتُ: لم ينفردْ به عبدُ الحميدِ. فقد رواه
الطَّبرانيُّ في "المعجمِ الكبيرِ" من روايةِ أبي كاملٍ
الجَحْدريِّ، عن يزيدَ بنِ زُرَيعٍ، عن أيوبَ، عن هشامٍ عن
أبيه، عن بُسرة بلفظِ: ((إذا مسَّ أحدُكُم ذَكَرَهُ، أو
أُنْثييهِ، أو رُفْغيْهِ، فَلْيَتوضَّأ)) . وعلى هذا فقدِ
اختُلِفَ فيه على يزيدَ بنِ زُريعٍ. ورواهُ الدارقطنيُّ أيضاً
من روايةِ ابنِ جريجٍ، عن هشامٍ، عن أبيهِ، عن مروانَ، عن
بُسرة، بلفظ: ((إذا مسَّ أحدُكم ذكرَهُ أو أنْثَييهِ)) ، ولم
يذكرِ: الرُّفْغَ، وزادَ في السندِ مروانَ بنَ الحكمِ. وقد
ضعّفَ ابنُ دقيقِ العيدِ الطريقَ إلى الحُكْمِ بالإدراجِ في
نحو هذا. فقالَ في " الاقتراح " وممّا يَضعُفُ فيه أنْ يكونَ
مُدرجاً في أثناءِ لفظِ الرسولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، لاسيما إنْ كان مُقدَّماً على اللفظِ المرويِّ،
أو معطوفاً عليه بواوِ العطفِ، كما لو قال مَنْ مسَّ أنثييهِ
أو ذَكَرَهُ فَلْيَتَوضَّأْ، بتقديمِ لفظِ الأنثييْنِ على
الذَّكَرِ فهاهنا يضعفُ الإدراجُ لما فيه من اتصالِ هذهِ
اللفظةِ بالعاملِ الذي هو من لفظِ الرسولِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلتُ: ولا يعرفُ في طُرُقِ الحديثِ
تقديمُ الأُنثيين على الذَّكَرِ، وإنّما ذكرَهُ الشيخُ مثالاً،
فليُعلمْ ذلكَ.
(1/300)
216.... وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ
طَرَفْ ... مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ
... كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ قَدْ ... أُدْرِجَ
(ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ
أي: من أقسامِ المدرَجِ، وَهُوَ القسمُ الثاني: أنْ يكونَ
الحديثُ عِنْدَ راويهِ بإسنادٍ إلاّ طرفاً مِنْهُ، فإنهُ
عندَهُ بإسنادٍ آخرَ. فيجمعُ الرَّاوِي عَنْهُ طرفيِّ الحديثِ
بإسنادِ الطرفِ الأولِ، ولا يذكرُ اسنادَ طرفِهِ الثاني.
مثالُهُ: حديثٌ رواهُ أبو داودَ من روايةِ زائدةَ، وشَرِيكٍ،
فَرَّقَهُمَا، والنسائيُّ من روايةِ سفيانَ بنِ عيينة كلُّهُم،
عن عاصمِ بنِ كُلَيْبٍ، عن أبيهِ، عن وائلِ بن حُجْرٍ في
صِفَةِ صلاةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وَقَالَ فِيْهِ: ثُمَّ جِئْتُهُم بعدَ ذلكَ في زمانٍ فِيْهِ
بردٌ شديدٌ، فرأيتُ الناسَ عَلَيْهِمْ جُلَّ الثيابِ،
تَحَرَّكُ أيديِهم تحتَ الثِّيابِ. قَالَ موسى بنُ هارونَ
الحمّالُ: ذَلِكَ عندنا وهمٌ. فقولُهُ: (ثُمَّ جئت) . ليس هو
بهذا الإسنادِ، وإنّما أُدرج عليه وهو من روايةِ عاصمٍ، عن
عبدِ الجبارِ بنِ وائلٍ عن بعضِ أهلِهِ، عن وائلٍ. وهكذا رواه
مُبَيَّناً زُهيرُ بنُ معاويةَ، وأبو بَدْرٍ شُجاعُ بنُ
الوليدِ، فمَيَّزَا قصّةَ تحريكِ الأيدي من تحتِ الثيابِ،
وفَصَلاها مِنَ الحديثِ، وذكر إسنادها، كما ذكرناه. قال موسى
بنُ هارونَ الحمّالُ: وهذه روايةٌ مضبوطةٌ، اتفق عليها زهيرٌ
وشُجاعُ بنُ الوليدِ. فهما أثبَتُ له روايةً ممَّنْ رَوَى رفعَ
الأيدي من تحتِ الثيابِ، عن عاصمِ بنِ كُليبٍ، عن أبيهِ، عن
وائلٍ. وقال ابنُ الصلاح: إنهُ الصّوابُ.
(1/301)
وقولي: (وما اتّحد) أي: وما اتحدَ إسنادُ
هذا الطرفِ الأخيرِ مع أوَّلِ الحديثِ، بل إسنادُهما مختلفٌ.
218.... وَمِنْهُ أنْ يُدْرَجَ بَعْضُ مُسْنَدِ ... في
غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلاَفِ السَّنَدِ
... نَحْوُ (وَلاَ تَنَافَسُوْا) في مَتْنِ (لاَ ...
تَبَاغَضُوا) فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلاَ
220.... مِنْمَتْنِ لاَ تَجَسَّسوا أدْرَجَهُ ... إبْنُ أبي
مَرْيَمَ إذْ أخْرَجَهُ
أي: ومن أقسامِ المدرجِ، وهو القسمُ الثالثُ: أنْ يُدرجَ بعضُ
حديثٍ في حديثٍ آخرَ مخالفٍ له في السند.
مثالُهُ: حديثٌ رواهُ سعيدُ بنُ أبي مريمَ، عن مالكٍ، عن
الزهريِّ، عن أنسٍ، أنَّ رسولَ اللهِ (، قال: ((لا
تَبَاغَضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابَرُوا ولا
تَنَافَسُوا، ... الحديثَ)) .
فقولُهُ: ((ولا تنافسُوا)) مدرجَةٌ في هذا الحديثِ أدرَجَها
ابنُ أبي مريمَ فيه، من حديثٍ آخرَ لمالكٍ، عن أبي الزِّنادِ،
عن الأعرجِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ (: ((إيَّاكُمْ
والظَّنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذَبُ الحديثِ، ولا تَجَسَّسُوا، ولا
تَحَسَّسُوا، ولا تَنَافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ... )) وكلا
الحديثينِ متفقٌ عليه. من طريقِ مالكٍ. وليس في الأولِّ: ولا
تنافسوا. وهي في الحديثِ الثاني. وهكذا الحديثانِ عند رواةِ "
الموطّأ ": عبدِ الله بنِ
(1/302)
يوسفَ، والقَعْنبيِّ، وقُتيبةَ، ويحيى بنِ
يحيى، وغيرهم. قال الخطيبُ: وقد وَهِمَ فيها ابنُ أبي مريمَ
على مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ. وإنّما يرويها مالكٌ في حديثِهِ عن
أبي الزِّنادِ.
221.... وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ ...
وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضَاً في السَّنَدْ
222.... فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ ... كَمَتْنِ
(أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ) الخَبَرْ
223.... فَإنَّ (عَمْرَاً) عِنْدَ (وَاصِلٍ) فَقَطْ ... بَيْنَ
(شَقيْقٍ) وَ (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) سَقَطْ
224.... وَزَادَ (الاعْمَشُ) كَذَا (مَنْصُوْرُ) ...
وَعَمْدُالادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ
أي: ومن أقسامِ المدرجِ، وهو القسمُ الرابعُ: أنْ يرويَ بعضُ
الرواةِ حديثاً عن جماعةٍ، وبَيْنهم في إسنادهِ اختلافٌ فيجمعُ
الكلَّ على إسنادٍ واحدٍ ممّا اختلفوا فيه، ويدرجُ روايةَ مَنْ
خالفَهم معهم على الاتفاقِ.
مثالُهُ: حديثٌ رواه الترمذيُّ، عن بُنْدَارٍ، عن عبدِ الرحمنِ
بنِ مهديٍّ عن سفيانَ الثوريِّ، عن واصلٍ، ومنصورٍ، والأعمشِ،
عن أبي وائلٍ، عن عمرِو بنِ
(1/303)
شُرَحْبِيلَ، عن عبدِ اللهِ، قال: ((قلتُ:
يا رسولَ اللهِ، أيُّ الذنبِ أعظَمُ؟ ... )) الحديثَ. وهكذا
رواهُ محمدُ بنُ كثيرٍ العبديُّ، عن سفيانَ فيما رواهُ
الخطيبُ. فروايةُ واصلٍ هذهِ مدرجةٌ على روايةِ منصورٍ،
والأعمشِ؛ لأنَّ واصلاً لا يذكرُ فيه عمراً، بل يجعلُهُ عن أبي
وائلٍ، عن عبدِ اللهِ، هكذا. رواه شعبةُ، ومهديُّ بنُ ميمونٍ،
ومالكُ بنُ مِغْولٍ، وسعيدُ بنُ مسروقٍ، عن واصلٍ، كما ذكرَهُ
الخطيبُ.
وقد بَيَّنَ الإسنادَيْنِ معاً يحيى بنُ سعيدٍ القطّانُ في
روايتهِ، عن سفيانَ، وفَصَلَ أحدَهُما من الآخرِ. رواه
البخاريُّ في صحيحهِ في "كتابِ المحاربينَ" عن عمرِو بنِ
عليٍّ، عن يحيى، عن سفيانَ، عن منصورٍ، والأعمشِ؛ كلاهما عن
أبي وائلٍ، عن عمرٍو، عن عبدِ اللهِ، وعن سفيانَ، عن واصلٍ، عن
أبي وائلٍ، عن عبدِ اللهِ، من غيرِ ذكرِ عمرِو بنِ شرحبيلَ.
قال عمرُو بنُ عليٍّ: فذكرتُهُ لعبدِ الرحمنِ، وكان حدّثنا عن
سفيانَ، عن الأعمشِ، ومنصورٍ وواصلٍ، عن أبي وائلٍ، عن أبي
مَيْسرةَ، يعني: عمراً، فقال: دَعْهُ دَعْهُ.
قلتُ: لكن رواهُ النسائيُّ في المحاربةِ، عن بُنْدارٍ، عن ابنِ
مهديٍّ، عن سفيانَ، عن واصلٍ - وَحْدَهُ -، عن أبي وائلٍ، عن
عمرِو بنِ شُرْحَبيلَ، فزادَ في السند عمْراً من غير ذكرِ
أحدٍ، أدرجَ عليه روايةَ واصلٍ. وكأنَّ ابنَ مهديٍّ لمّا
حدَّثَ به عن سفيانَ، عن منصورٍ، والأعمشِ، وواصلٍ، بإسنادٍ
واحدٍ ظنَّ الرواةُ عن ابنِ مهديٍّ اتفاقَ طرقِهِم، فربَّما
اقتصرَ أحدُهم على بعضِ شيوخِ سفيانَ، ولهذا لا ينبغي لمَنْ
يروي حديثاً بسندٍ فيه جماعةٌ في طبقةٍ واحدةٍ مجتمعين في
الرواية عن شيخٍ واحدٍ، أن يحذفَ بعضَهم؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ
اللفظُ في السندِ أو المتنِ لأحدِهم وحملَ روايةَ الباقينَ
عليه. فربَّما كانَ مَنْ حَذَفَهُ هو صاحبُ ذلكَ اللفظِ،
وسيأتي التنبيهُ على ذلكَ في موضعِهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
(1/304)
وقولُهُ: (وزادَ الأعمشُ) أي: وزادَ
الأعمشُ، ومنصورٌ، ذِكْرَ عمرِو بنِ شُرحبيلَ بين شَقيقٍ،
وابنِ مسعودٍ؛ على أنَّهُ قد اختُلِفَ على الأعمشِ في زيادةِ
عمرِو بنِ شرحبيلَ اختلافاً كثيراً، ذكرَهُ الخطيبُ.
وقولُهُ: (وعَمْدُ الادراجِ لها) أي: لهذهِ الأقسامِ الأربعةِ،
أو الخمسةِ. محظورٌ، أي: ممنوعٌ. قالَ ابنُ الصلاحِ: واعلمْ
أنَّهُ لا يجوزُ تعمُّدُ شيءٍ مِنَ الادراجِ المذكورِ. وهذا
النوعُ قد صنَّفَ فيه الخطيبُ، فشَفَى وكَفَى.
المَوْضُوْعُ
225.... شَرُّ الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ ... الكَذِبُ،
المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ
226.... وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَهُ ... لِمَنْ
عَلِمْ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَمْرَهُ
227.... وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ ... لِمُطْلَقِ
الضَّعْفِ، عَنَى: أبَا الفَرَجْ
(1/305)
أي: شرُّ الأحاديثِ الضعيفةِ:
الموضوعُ، وهو المكذوبُ،
ويقالُ له
المختلَقُ المصنوعُ، أي: إنَّ واضعَهُ اختلقَهُ وصنَعَهُ. وهذا
هو الصوابُ، كما ذكره ابنُ الصلاحِ هنا. وأما قولُهُ في قسمِ
الضعيفِ: إنَّ ما عُدِمَ فيه جميعُ صفاتِ الحديثِ الصحيحِ
والحسنِ، هو القسمُ الآخِرُ الأَرذَلُ؛ فَهُوَ محمولٌ عَلَى
أنَّهُ أرادَ ما
(1/306)
لَمْ يكنْ موضوعاً، اللهمَّ إلا أن يريدَ
بفَقْدِ ثقةِ الرَّاوِي أنْ يكونَ كذّاباً. ومعَ هَذَا فَلاَ
يلزمُ مِنْ وُجودِ كذّابٍ في السندِ أنْ يكونَ الحديثُ
موضوعاً، إذ مطلقُ كذبِ الرَّاوِي لا يدلُّ عَلَى الوضعِ، إلا
أنْ يعترفَ بوضعِ هَذَا الحديثِ بعينِهِ، أو ما يقومُ مقامَ
اعترافِهِ عَلَى ما ستقفُ عَلَيْهِ. وكيفَ كَانَ الموضوعُ، أي:
في أيِّ معنى كانَ، في الأحكامِ أو القصصِ، أو الترغيبِ
والترهيبِ، وغيرِ ذَلِكَ. لَمْ يجيزوا لمنْ علمَ أنَّهُ موضوعٌ
أنْ يذكرَهُ بروايةٍ، أو احتجاجٍ، أو ترغيبٍ إلا معَ بيانِ
أنّهُ موضوعٌ، بخلافِ غيرِهِ من الضعيفِ المحتملِ للصدقِ،
حَيْثُ جوّزوا روايتَهُ في الترغيبِ والترهيبِ، كَمَا سيأتي.
قَالَ ابنُ الصَّلاَح: ولقد أكثرَ الَّذِي جمعَ في هَذَا
العصرِ الموضوعاتِ في نَحْوِ مُجَلّدَيْنِ، فأودَعَ فِيْهَا
كثيراً مِنْهَا، لا دليلَ عَلَى وضعِهِ، وإنّما حقُّهُ أنْ
يُذكرَ في مطلقِ الأحاديثِ الضعيفةِ. وأراد ابنُ الصلاحِ
بالجامعِ المذكورِ، أبا الفَرَجِ بنَ الجَوْزيِّ. وأشرتُ إِلَى
ذلكَ بقولي: (عَنَى: أبا الفرجِ) .
228.... وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ ... أَضَرُّهُمْ
قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا
229.... قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ ... مِنْهُمْ،
رُكُوْناً لَهُمُ ونُقِلَتْ
230.... فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا ... فَبَيَّنُوا
بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا
231.... نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى ... زَعْمَاً
نَأوْا عَنِ القُرَانِ، فافْتَرَى
232.... لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ ... عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ
233.... كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ ...
رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ
234.... وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ ... -
كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِئٌ صَوَابَهْ
الواضعونَ للحديثِ عَلَى أصنافٍ بحسبِ الأمرِ الحاملِ لَهُمْ
عَلَى الوضعِ.
فضربٌ من الزَّنادقةِ يفعلونَ ذَلِكَ؛ ليُضلوا به الناسَ،
كعبدِ الكريمِ بنِ أبي
(1/307)
العَوجاءِ الذي أمرَ بضربِ عُنقِهِ محمدُ
بنُ سليمانَ بنِ عليِّ، وكبَيَانٍ الذي قتَلهُ خالدُ
القَسْريُّ، وحرقَهُ بالنارِ. وقدْ رَوَى العُقيليُّ بسندِهِ
إلى حمّادِ بنِ زيدٍ قالَ: وضعتِ الزنادقةُ على رسولِ اللهِ
(أربعةَ عشرَ ألفَ حديثٍ.
وضربٌ يفعلونَهُ انتصاراً لمذاهبِهِم، كالخَطَّابيّةِ
والرافضةِ، وقومٍ من السَّالميةِ.
وضربٌ يتقربونَ لبعضِ الخلفاءِ والأمراءِ بوضعِ ما يوافقُ
فعلَهُم وآراءهم، كغِياثِ بنِ إبراهيمَ، حيثُ وضعَ للمهدي في
حديث: ((لا سَبَقَ إلا في نَصْلٍ، أو
(1/308)
خُفٍّ، أو حافرٍ)) . فزادَ فيه: أو جَناحٍ.
وكان المهديُّ إذ ذاك يلعبُ بالحَمَامِ فتركهَا بعد ذلك وأمرَ
بذبحِها، وقال أنا حملتُهُ على ذلك.
وضربٌ كانوا يتكسَّبُونَ بذلك ويرتزِقُونَ به في قَصَصِهم،
كأبي سعدٍ المدائنيِّ.
وضَرْبٌ امتُحِنوا بأولادٍ لهم أو ورّاقينَ فوضعُوا لهم
أحاديثَ ودَسُّوها عليهم، فحدّثوا بها من غيرِ أنْ يَشْعُروا،
كعبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ ربيعةَ القُدَامِيِّ.
وضربٌ يلجؤونَ إلى إقامةِ دليلٍ على ما أفتوا به بآرائِهِم،
فيضعُونَ، كما نُقِلَ عن أبي الخطّابِ بنِ دِحْيةَ، إنْ ثَبَتَ
عنه.
وضربٌ يَقلِبُونَ سَنَدَ الحديثِ؛ ليُستَغْرَبَ، فيُرغَبَ في
سماعِهِ منهم، وسيأتي ذلكَ بعدَ هذا في المقلوبِ.
وضربٌ يتديّنُونَ بذلكَ لترغيبِ الناسِ في أفعالِ الخيرِ
بزعمِهِم، وهم منسوبُونَ إلى الزُّهْدِ، وهم أعظمُ الأصنافِ
ضرراً؛ لأنَّهم يحتسِبُونَ بذلكَ، ويرونَهُ قربةً، فلا يمكنُ
(1/309)
تركُهم لذلك. والناسُ يَثِقُون بهم،
ويركنونَ إليهم لما نُسِبُوا له من الزهدِ، والصلاحِ،
فينقلونَها عنهم. ولهذا قالَ يحيى بنُ سعيدٍ القطّانُ: ما
رأيتُ الصَّالحينَ أكذبَ منهم في الحديثِ. يريدُ بذلكَ -
واللهُ أعلم - المنسوبينَ للصلاحِ بغيرِ علمٍ يفرّقُونَ بهِ
بينَ ما يجوزُ لهم ويمتنعُ عليهم. يدلُّ على ذلكَ ما رواهُ
ابنُ عَدِيٍّ والعُقيليِّ بسندِهما الصحيحِ إليه أنّهُ قال: ما
رأيتُ الكذبَ في أحدٍ أكثرَ منه فيمَنْ يُنسَبُ إلى الخيرِ. أو
أرادَ أنَّ الصالحينَ عندَهم حسنُ ظنٍّ، وسلامةُ صدرٍ،
فيحمِلونَ ما سمِعَوه على الصدقِ، ولا يهتدونَ لتمييزِ الخطأ
من الصوابِ.
ولكن الواضعون ممَّنْ يُنْسَبُ للصلاحِ، وإنْ خَفِيَ حالُهم
على كثيرٍ من الناسِ، فإنّه لم يَخْفَ على جَهابِذَةِ الحديثِ،
ونقّادِهِ. فقاموا بأعباءِ ما حُمِّلُواْ فتحمَّلوهُ، فكشفُوا
عُوَارَها، ومَحَوا عَارَها. حتى لقد روينا عن سفيانَ قال: ما
سترَ اللهُ أحداً بكذبٍ في الحديثِ. وروينا عن عبدِ الرحمنِ
بنِ مهديٍّ أنهُ قال: لو أنَّ
(1/310)
رجلاً هَمَّ أنْ يكذبَ في الحديثِ،
لأسقَطَهُ اللهُ تعالى. وروينا عن ابنِ المباركِ قال: لو هَمَّ
رجلٌ في السَّحرِ أنْ يكذبَ في الحديثِ، لأصبحَ والناسُ يقولون
فلانٌ كذّابٌ. وروينا عنه أنّهُ قيل له: هذهِ الأحاديثُ
المصنوعةُ، فقال: تعيشُ لها الجَهَابِذةُ (إنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ (. وروينا عن
القاسمِ بنِ محمدٍ أنّهُ قال: إنَّ الله أعانَنَا على
الكذّابينَ بالنسيانِ.
ومثالُ مَنْ كان يضعُ الحديثَ حِسْبةً، ما رويناه عن أبي
عِصْمَة نُوحِ بنِ أبي مريمَ المروزيِّ - قاضي مَرْو -، فيما
رواهُ الحاكمُ بسندهِ إلى أبي عمّارٍ المروزيِّ أنّهُ قيل لأبي
عصمةَ: مِن أين لك عن عِكْرمةَ، عن ابنِ عبّاسٍ في فضائلِ
القرآنِ سورةً سورةً، وليس عند أصحابِ عكرمةَ هذا؟! فَقَالَ:
إنّي رأيتُ الناسَ قَدْ أعرضُوا عن القرآنِ، واشتغلوا بفقهِ
أبي حنيفةَ، ومغازي محمدِ بنِ إسحاقَ، فوضعتُ هَذَا الحديثَ
حِسْبةً. وَكَانَ يُقال لأبي عصمةَ هَذَا نوحٌ الجامعُ.
فَقَالَ أبو حاتمٍ ابنُ حبّانَ: جمعَ كلَّ شيءٍ إلا الصدقَ.
وَقَالَ أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ: وضعَ
(1/311)
حديثَ فضائلِ القرآنِ. وروى ابنُ حبّانَ في
مقدّمةِ "تاريخِ الضُّعفاءِ"، عن ابنِ مهديٍّ قال: قلتُ
لِمَيْسرة بن عبدِ ربِّهِ: من أين جئت بهذهِ الأحاديثِ مَنْ
قرأ كذا فلَهُ كذا؟ قال: وضعتُها أُرَغِّبُ الناسَ فيها. وهكذا
حديثُ أُبَيٍّ الطويلُ في فضائلِ قراءةِ سُوَرِ القرآنِ سُورةً
سورةً. فروينا عن المؤمَّل بنِ إسماعيلَ، قال: حدّثني شيخٌ به.
فقلتُ للشيخِ مَنْ حدّثكَ؟ فقالَ: حدّثني رجلٌ بالمدائنِ - وهو
حيٌّ - فصرتُ إليهِ، فقلتُ: مَنْ حدّثَكَ؟ فقال: حدّثني شيخٌ
بواسطَ - وهو حيٌّ - فصرتُ إليه، فقال: حدثني شيخٌ بالبصرةِ،
فصرتُ إليه، فقال: حدثني شيخٌ بعبادانَ، فصرتُ إليه، فأخَذَ
بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فيه قومٌ من المتصوّفِةِ، ومعهم
شيخٌ، فقالَ هذا الشيخُ حدّثني، فقلتُ: يا شيخُ مَنْ حدّثكَ؟
فقال: لم يحدّثني أحدٌ. ولكنَّا رأينا الناسَ قد رغبُوا عن
القرآنِ، فوضَعنا لهم هذا الحديثَ؛ ليصرفُوا قُلوبَهم إِلَى
القرآنِ.
وكلُّ مَنْ أودعَ حديثَ أُبَيٍّ - المذكورِ - تفسيرَهُ،
كالواحديِّ، والثَّعْلبيِّ والزَّمَخْشَريِّ مخطئٌ في ذلكَ؛
لكنّ من أبرزَ إسنادَهُ منهم، كالثعلبيِّ، والواحديِّ فهو
(1/312)
أبسطُ لِعُذْرِهِ، إذ أحالَ ناظرَهُ على
الكشفِ عن سندِهِ، وإنْ كان لا يجوزُ له السكوتُ عليه من غيرِ
بيانِهِ، كما تقدّمَ. وأمَّا مَنْ لم يُبْرِزْ سنَدَهُ،
وأوردَهُ بصيغةِ الجزمِ فخطؤُهُ أفحشُ، كالزَّمخشريِّ.
235.... وَجَوَّزَ الوَضْعَ -عَلَى التَّرْغِيْبِ- ... قَوْمُ
ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْبِ
ذكرَ الإمامُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ منصورٍ السَّمعانيُّ: أنَّ
بعضَ الكَرَّاميَّةِ ذهبَ إلى جوازِ وضعِ الحديثِ على النبيِّ
(، فيما لا يتعلقُ به حكمٌ من الثوابِ والعقابِ ترغيباً
للنَّاسِ في الطاعةِ، وزجْرَاً لهم عن المعصيةِ. واستدلوا بما
رُويَ في بعضِ طُرقِ الحديثِ: ((مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً
-ليُضِلَّ بهِ الناسَ- فلْيَتبوَّأْ مَقْعدَهُ من النارِ)) .
(1/313)
وحملَ بعضُهم حديثَ مَنْ كذبَ عليَّ، أي:
قالَ: إنّهُ ساحرٌ أو مجنونٌ. وقال بعضُ المخذُولِينَ: إنّما
قالَ مَنْ كَذَبَ عليَّ، ونحنُ نكذبُ لَهُ ونقوِّي شَرعَهُ.
نسألُ اللهَ السلامةَ من الخِذْلانِ.
وروى العُقيليُّ بإسنادِهِ إلى محمدِ بنِ سعيدٍ - كأنَّهُ
المَصْلُوبُ - قال: ((لا بأسَ إذا كانَ كلامٌ حسنٌ أنْ تضعَ له
إسناداً)) . وحكى القُرْطبيُّ في " المُفْهِم " عن بعضِ أهلِ
الرأي أنَّ ما وافقَ القياسَ الجليَّ جازَ أنْ يُعزَى إِلَى
النبيِّ (. وروى ابنُ حبّانَ في مقدّمةِ " تاريخِ الضُّعفاءِ "
بإسنادِهِ إلى عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المقريء: أنَّ رجلاً من
أهلِ البِدَعِ رجعَ عن بدعتِهِ، فجعلَ يقولُ: انظروا هذا
الحديثَ عمَّنْ تأخذونَهُ، فإنّا كُنَّا إذا رأينا رأياً جعلنا
له حديثاً.
(1/314)
236.... وَالوَاضِعُوْنَبَعْضُهُمْ قَدْ
صَنَعَا ... مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا
237.... كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ ... وَمِنْهُ
نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ
238.... نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ (مَنْ كَثُرَتْ ...
صَلاَتُهُ) الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ
ثُمَّ الواضعونَ منهم مَنْ يَضَعُ كلاماً من عندِ نفسِهِ،
ويرويه إلى النبيِّ (ومنهم من يأخُذُ كلامَ بعضِ الحُكَماءِ،
أو بعضِ الزُّهادِ، أو الإسرائلياتِ فيجعلُهُ حديثاً نحو
حديثِ: ((حبُّ الدنيا رأسُ كُلِّ خطيئةٍ)) . فإنّه إمّا من
كلامِ مالكِ بن دينارٍ، كما رواهُ ابنُ أبي الدنيا في كتابِ "
مكايدِ الشيطانِ " بإسنَادِهِ إليه. وإمَّا هو مرويٌّ من كلامِ
عيسى بنِ مريمَ (كما رواه البيهقيُّ في كتابِ " الزهدِ "، ولا
أصلَ لَهُ من حديثِ النبيِّ (، إلا من مراسيلِ الحسنِ
البصريِّ، كما رواهُ البيهقيُّ في " شعبِ الإيمانِ " في البابِ
الحادي والسبعين منه. ومراسيلُ الحسن عندَهم شِبْهُ الريحِ.
وكالحديثِ الموضوعِ: ((المَعِدةُ بيتُ الداءِ، والحِمْيَةُ
رأسُ الدَّواءِ)) . فهذا من كلامِ بعضِ الأطباءِ، لا أصلَ له
عن النبيِّ (.
(1/315)
ومن أقسامِ الموضوعِ: ما لم يُقْصَدْ
وضعهُ، وإنّما وهمَ فيه بعضُ الرواةِ. وقالَ ابنُ الصلاحِ:
إنّهُ شبهُ الوضعِ، كحديثٍ رواهُ ابنُ ماجه، عن إسماعيلَ بنِ
محمدَ الطَّلْحِيِّ، عن ثابتِ بنِ موسى الزاهدِ، عن شَرِيكٍ،
عن الأعمشِ، عن أبي سُفيانَ، عن جابرٍ مرفوعاً: ((مَنْ
كَثُرَتْ صَلاتُهُ باللَّيلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بالنَّهارِ)) .
قال أبو حاتمٍ الرازيُّ: كتبتُهُ عن ثابتٍ فذكرتُهُ لابن
نُميرٍ، فقال الشيخُ - يعني ثابتاً - لا بأسَ به. والحديثُ
منكرٌ. قال أبو حاتمٍ: والحديثُ موضوعٌ. وقال الحاكمُ: دخلَ
ثابتُ بنُ موسى على شَريكِ بنِ عبدِ اللهِ القاضي، والمُستملي
بين يديهِ، وشريكٌ يقول: حدّثنا الأعمشُ، عن أبي سفيانَ، عن
جابرِ، قال: قالَ رسول الله (: ولم يذكرِ المتْنَ. فلما نظرَ
إلى ثابتِ بنِ موسى قالَ: ((مَنْ كثُرتْ صلاتُهُ بالليلِ حسُن
وجههُ بالنهارِ)) وإنَّما أرادَ ثابتاً لزهدِهِ وورعِهِ، فظنَّ
ثابتٌ أنّه رُوِيَ هذا الحديثُ مرفوعاً بهذا الإسنادِ، فكان
ثابتٌ يحدّثُ به عن شريكٍ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن
جابرِ، وقالَ ابنُ حبّانَ: وهذا قولُ شريك. قالَهُ عَقِبَ
حديثِ الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن جابرِ: ((يَعْقِدُ الشيطانُ
على قافيةِ رأسِ أحدِكم)) . فأدرجهُ ثابتٌ في الخبرِ، ثمَّ
سَرَقَهُ منهجماعةٌ ضعفاءُ، وحدّثوا به عن شريكٍ؛ فعلى هَذَا
هُوَ من أقسامِ المدرجِ.
(1/316)
وقالَ ابنُ عديٍّ: إنّهُ حديثٌ منكرٌ لا
يُعرفُ إلا بثابتٍ، وسرقَهُ مِنْهُ من الضُّعفاء عبدُ الحميدِ
بنُ بحرٍ، وعبدُ اللهِ بنُ شبرمةَ الشَّريكيُّ، وإسحاقُ بن
بشرٍ الكَاهليُّ، وموسى بنُ محمدٍ أبو الطاهرِالمقدسيُّ.
قَالَ: وحدّثنا بِهِ بعضُ الضِّعاف عن زحمويهِ، وكذب؛ فإنَّ
زحمويهِ ثقةٌ. قَالَ وبلغني عن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بن نميرٍ
أنّهُ ذُكرَ لَهُ هَذَا الحديثُ، عن ثابتٍ، فَقَالَ: باطلٌ،
شُبِّهَ عَلَى ثابتٍ؛ وذلكَ أنَّ شريكاً كان مَزَّاحاً، وكانَ
ثابتٌ رجلاً صالحاً فيشبهُ أن يكونَ ثابتٌ دخلَ على شَرِيكٍ،
وكان شريكٌ يقولُ: حدثنا الأعمشُ، عن أبي سفيانَ، عن جابرٍ، عن
النبيِّ (، فالتفَتَ فرأى ثابتاً فقال يُمازِحُه: ((مَنْ كثُرت
صلاتُهُ بالليلِ حسُن وجهُهُ بالنهارِ)) . فظنَّ ثابتٌ
لغفلتِهِ أنَّ هذا الكلامَ الذي قالَهُ شريكٌ، هو متنُ
الإسنادِ الذي قرأهُ فحملَهُ على ذلك. وإنَّما ذلك قولُ شريكٍ.
وقال العقيليُّ: إنّهُ حديثٌ باطلٌ، ليس له أصلٌ ولا يتابعهُ
عليه ثقةٌ. وقال عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ: كُلُّ مَنْ حَدَّثَ
به عن شريكٍ، فهو غيرُ ثقةٍ. وقد قالَ ابنُ معينٍ في ثابتٍ
هذا: إنّهُ كذَّابٌ. وقولُهُ: (وَهْلَةٌ) أي: غَفْلَةٌ. ومنه:
قولُ عائشةَ رضي اللهُ عنها في الحديثِ الصحيحِ: ((إنَّهُ لم
يكذبْ ولكنَّهُ وَهِلَ)) ، أي: ذهبَ وَهْمُهُ إلى ذلك.
(1/317)
239.... وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالإقْرَارِ،
وَمَا ... نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا
240.... يُعْرَفُ بِالرِّكَةِ، قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ ...
(الثَّبَجِيُّ) القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى
241.... مَا اعْتَرَفَ الوَاضِعُ، إذْ قَدْ يَكْذِبُ ... بَلَى
نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ
قال ابنُ الصلاحِ: وإنّما يُعرف كونُ الحديثِ موضوعاً، بإقرارِ
واضعِهِ أو ما يتنزلُ منزلةَ إقرارِهِ. قال: وقد يفهمُونَ
الوضعَ من قرينةِ حالِ الراوي، أو المروِيِّ فقد وُضِعتْ
أحاديثُ طويلةٌ يشهدُ بوضعِها رَكاكةُ ألفاظِها ومَعانِيها.
انتهى. وروينا عن الربيعِ بنِ خُثَيْمٍ قال: إنَّ للحديثِ
ضَوْءاً كضَوْءِ النهارِ، تعرفُهُ؛ وظُلمةً كظلمةِ الليلِ
تُنْكِرُهُ.
قال ابنُ الجوزيِّ: واعلمْ أنَّ الحديثَ المُنكرَ يقشعرُّ له
جلدُ الطالبِ. للعلمِ ويَنْفُرُ مِنْهُ قلبُهُ في الغالبِ.
وَقَدْ استشكلَ ابنُ دقيقِ العيدِ الاعتمادَ عَلَى إقرارِ
الرَّاوِي بالوضعِ. فَقَالَ: هَذَا كافٍ في رَدِّهِ لَكِنْ
لَيْسَ بقاطعٍ في كونِهِ موضوعاً؛
(1/318)
لجوازِ أنْ يكذبَ في هذا الإقرارِ بعينِهِ. وهذا هو المعنيُّ
بقولي: (استشكلَ الثَّبَجِي) ، وهو ابنُ دقيقِ العيدِ، وربّما
كان يكتبُ هذهِ النسبةَ في خَطِّهِ، لأنّهُ ولد بثَبَجِ البحرِ
بساحلِ يَنْبُعَ من الحِجازِ. ومنهُ الحديثُ الصحيحُ:
((يَرْكَبُوْنَ ثَبَجَ هذا البَحْرِ)) ، أي: ظَهْرَهُ، وقيلَ:
وَسَطَهُ. |