شرح ألفية العراقي في علوم الحديث

أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ
11 - وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ ... إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ
12 - فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَادِ
13 - عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ ... وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي
(وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ) وهم أهل الحديث (قَسَّمُوا السُّنَنْ إلى) ثلاثة أقسام: حديث (صَحِيْحٍ)، وحديث (ضَعِيْفٍ)، وحديث (حَسَنْ).
(فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ) أي فالصحيح المجمع على صحته: ما اتصل سَنَدُهُ. خرج: المنقطع، والمرسل، والمعضل.
(بِنَقْلِ عَدْلٍ) أي وعُدِّلَتْ نقلتُهُ: خرج ما في سَنَدِهِ من لم تُعرف عدالته، إما بأن عُرِفَ بالضعف، أو جُهِلَ عيناً أو حالاً.
(ضَابِطِ الْفُؤَادِ) خرج ما في سنده راو مغفل كثير الخطأ (عَنْ) راوٍ (مِثْلِهِ)
(مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ) خرج الشاذ، و «ما» مقحمة.
(وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي) خرج المعلَّل بعلة قادحة.
14 - وَبالصَّحِيْحِ وَالضَّعِيفِ قَصَدُوا ... في ظَاهِرٍ لاَ الْقَطْعَ، وَالْمُعْتَمَدُ
15 - إمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا عَلى سَنَدْ ... بِأَنهُ أَصَحُّ مُطْلَقاً، وَقَدْ
16 - خَاضَ بهِ قَوْمٌ فَقِيْلَ مَالِكُ ... عَنْ نَافِعٍ بِمَا رَوَاهُ النَّاسِكُ
17 - مَوْلاَهُ وَاخْتَرْ حَيْثُ عَنْهُ يُسْنِدُ ... الشَّافِعِيُّ قُلْتُ: وعَنْهُ أَحْمَدُ

(1/59)


(وَبالصَّحِيْحِ وَالضَّعِيفِ) إذا أطلقهما أهلُ الحديث فقالوا: هذا حديث صحيح، أو حديث ضعيف (قَصَدُوا في ظَاهِرٍ) أي: فَمُرَادُهُم فيما ظَهَرَ لنا عملاً بظاهر الإسناد (لاَ الْقَطْعَ) بصحته في نفس الأمر؛ لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، أو بكذبه في نفس الأمر؛ لجواز صدق الكاذب، وإصابة من هو كثير الخطأ.
والقول (الْمُعْتَمَدُ إمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا عَلى سَنَدْ) أي: أنه لا يُطلق على إسنادٍ معين (بِأَنهُ أَصَحُّ) الأسانيد (مُطْلَقاً)؛ لأن تفاوت مراتب الصحة مترتب على تمكُّن الإسناد من شروط الصحة ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل فردٍ فرد من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة.
(وَقَدْ خَاضَ بهِ قَوْمٌ) من أئمة الحديث فاضطربت أقوالهم؛ (فَقِيْلَ): أصح الأسانيد ما رواه (مَالِكُ عَنْ نَافِعٍ بِمَا رَوَاهُ النَّاسِكُ مَوْلاَهُ) أي: سيده وهو ابن عمر وهذا قول البخاري (1) (وَاخْتَرْ) أي: إذا زدت في الترجمة واحداً فأصحها (حَيْثُ عَنْهُ) أي عن مالك (يُسْنِد الشَّافِعِيُّ) بها؛ لإجماعهم أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي.
(قُلْتُ: وعَنْهُ أَحْمَدُ) أي: وإن زدت في الترجمة آخر فأصحها ما رواه أحمد بن حنبل عن الشافعي بها لاتفاقهم [2 - ب] أنه أجل من أخذ عنه.
18 - وَجَزَمَ ابْنُ حنبلٍ بالزُّهْرِي ... عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أبيهِ البَرِّ
19 - وَقِيْلَ: زَيْنُ العَابِدِيْنَ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ بِهْ
_________
(1) «معرفة علوم الحديث» للحاكم: (ص227) و «الكفاية» للخطيب البغدادي: (2/ 460 - 461).

(1/60)


20 - أَوْ فَابْنُ سِيْريْنَ عَنِ السَّلْمَاني ... عَنْهُ أوِ الأعْمَشُ عَنْ ذي الشَّانِ
21 - النَّخَعِيْ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ ... عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ
(وَجَزَمَ ابْنُ حنبلٍ (1) بالزُّهْرِي) أي: أن أصحها ما رواه أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري (عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أبيهِ البَرِّ) أي: عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
(وَقِيْلَ): أصح الأسانيد ما رواه (زَيْنُ العَابِدِيْنَ عَنْ أَبِهْ عَنْ جَدِّهِ) وهو علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن جده علي بن أبي طالب (وَابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ بِهْ) أي: فرواه ابن شهاب المذكور عن زين العابدين بالحديث، وهو قول عبد الرزاق (2).
(أَوْ فَابْنُ سِيْريْنَ) أي: وقيل أصحها ما رواه محمد بن سيرين (عَنْ) عَبِيْدة (السَّلْمَاني عَنْهُ) أي: عن علي, وهو قول الفلاس (3)، وابن المديني (4)، وابن حرب (5).
(أوِ الأعْمَشُ) أي: وقيل: أصحها ما رواه سليمان بن مهران الأعمش (عَنْ ذي الشَّانِ) إبراهيم بن يزيد (النَّخَعِيْ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ) أي عن علقمة بن قيس
_________
(1) «معرفة علوم الحديث»: (ص227 - 228).
(2) «الكفاية»: (2/ 459).
(3) «معرفة علوم الحديث»: (ص227).
(4) المصدر السابق: (ص227 - 228).
(5) «الكفاية»: (2/ 459).

(1/61)


(عَنِ) عبد الله (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) وهو قول يحيى بن معين (1).
(وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ) أي: الحُكْم في أصح الأسانيد في ترجمةٍ لصحابيٍّ واحد، بل تُقَيَّد كُلُّ ترجمة بصَحَابِيِّها.
_________
(1) «معرفة علوم الحديث»: (ص227 - 228).

(1/62)


أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ
22 - أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتّرْجِيْحِ
23 - وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الغَرْبِ مَعْ ... أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ
(أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ مُحَمَّدٌ) هو ابن إسماعيل البخاري، (وَخُصَّ) كتابه (بِالتّرْجِيْحِ) على كتاب مسلم عند الجمهور، (وَمُسْلِمٌ بَعْدُ) أي بعد البخاري في الوجود والصحة.
(وَبَعْضُ) أهل (الغَرْبِ مَعْ أَبِي عَلِيٍّ) النيسابوري (1) (فَضَّلُوا ذَا) أي كتاب مسلم على البخاري (لَوْ نَفَعْ) مَنْ فَضَّل مسلماً على البخاري فإنه لم يُقبل من قائله.
24 - وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا ... عِنْدَ ابْنِ الاخْرَمِ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا
25 - وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ ... لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْرُ
26 - وَفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي ... أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلفِ أَلْفِ
27 - وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ ... لَهَا وَمَوْقُوْفٍ وفي البُخَارِي
28 - أَرْبَعَةٌ آلافِ والمُكَرَّرُ ... فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا
(وَلَمْ يَعُمَّاهُ) أي البخاري ومسلم كل الصحيح في كتابيهما، (ولكن قَلَّمَا
_________
(1) هو: الحافظ الإمام الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري، المتوفى سنة (349هـ). انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد»: (8/ 71 - 72) و «تذكرة الحفاظ»: (3/ 902 - 905).

(1/63)


عِنْدَ) أبي عبد الله محمد بن يعقوب (ابْنِ الاخْرَمِ (1) مِنْهُ) أي من الصحيح (قَدْ فَاتَهُمَا)، فإنه ذكر كلاماً معناه قلَّ ما يفوت البخاري ومسلماً مما يَثْبُتُ من الحديث. (وَرُدَّ) ما قال.
(لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ) (2) هو الشيخ محيي الدين النووي: (لَمْ يَفُتِ) الأصول (الخَمسَةَ) الصحيحين وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي (إلاَّ النَّزْرُ) أي: اليسير.
(وَفيهِ) أي في كلام النووي (مَا فِيْهِ، لِقَوْلِ الجُعْفِي) وهو: البخاري (3) (أَحْفَظُ مِنْهُ) أي: من الصحيح (عُشْرَ أَلفِ أَلْفِ) أي مائة ألف حديث، (وَعَلَّهُ) أي: وَلَعَلَّ البخاري (أَرَادَ بِالتَّكرَارِ لَهَا وَمَوْقُوْفٍ) أي: أراد [3 - أ] بالأحاديث المكررة الأسانيد والموقوفات.
(وفي البُخَارِي) بإسقاط المكرر من الأحاديث (أَرْبَعَةٌ آلافِ) على ما قيل، (والمُكَرَّرُ فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا) فجزم ابن الصلاح (4) بأنه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون وهذا في رواية الفربري، وفي رواية حماد فدونها بمائتي حديث، ودون هذه بمائة رواية إبراهيم (5).
_________
(1) هو: الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري، المتوفى سنة (344هـ). انظر ترجمته في: «تذكرة الحفاظ»: (3/ 864 - 866) و «سير أعلام النبلاء»: (15/ 452 - 460).
(2) في «التقريب»: (1/ 105) مع «التدريب».
(3) «مقدمة الكامل» لابن عدي: (1/ 226) ط. أبي سنة، و «تاريخ بغداد»: (2/ 25).
(4) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص20).
(5) انظر: «هدي الساري»: (ص654 - 657).

(1/64)


الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ
29 - وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصُّ ... صِحَّتُهُ أوْ مِنْ مُصَنَّفٍ يُخَصُّ
30 - بِجَمْعِهِ نَحوَ ابْنِ حِبَّانَ الزَّكِيْ ... وَابنِ خُزَيْمَةَ وَكَالمُسْتَدْرَكِ
31 - عَلى تَسَاهُلٍ - وَقَالَ: مَا انْفَرَدْ ... بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ
32 - بِعِلَّةٍ، وَالحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... يَليْقُ، والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما
(وَخُذْ) أي: وحيث لم يُعِمَّا الصحيح وأردت أن تعرفه فخذ (زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ) أي: الصحيح الزائد على ما فيهما (إذْ تُنَصُّ صِحَّتُهُ) أي: حيث يَنُصُّ على صحته إمامٌ معتمد كأبي داود ونحوه، (أوْ مِنْ مُصَنَّفٍ يُخَصّ بِجَمْعِهِ) أي بجمع الصحيح فقط. (نَحوَ) صحيح أبي حاتم (ابْنِ حِبَّانَ الزَّكِيْ وَ) صحيح (ابنِ خُزَيْمَةَ، وَكَالمُسْتَدْرَكِ) عَلى الصحيح لأبي عبد الله الحاكم (على تَسَاهُلٍ) في «المستدرك».
(وَقَالَ) ابن الصلاح (1): (مَا انْفَرَدْ بِهِ) أي الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط، إن لم يكن من قبيل الصحيح (فَذَاكَ حَسَنٌ) يُحتج به ويُعمل به (مَا لَمْ يُرَدّْ بِعِلَّةٍ) توجب ضعفه.
_________
(1) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص22).

(1/65)


(وَالحقُّ) من الزوائد (1) (أنْ) يُتتبع بالكشف عنه ثم (يُحْكَمْ) عليه (بِمَا يَليْقُ) بحاله من الصحة أو الحُسْن أو الضَّعف، فإن الحكم عليه بالحُسن فقط تحكُّم.
وابن حبان (البُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما) في التساهل، فالحاكم أشد تساهلاً.
_________
(1) أي: هذا من زوائد العراقي على ابن الصلاح.

(1/66)


الْمُسْتَخْرَجَاتُ
33 - وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ
34 - عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا
35 - وَمَا يَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ
36 - وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا
موضوع المستخرج أن يأتي إلى كتاب البخاري أو مسلم فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريقهما فيجتمع إسناده مع إسنادهما في شيخهما أو من فوقه.
(وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ) أي: صحيح البخاري كأبي بكر الإسماعيلي (1) وأبي نعيم الأصبهاني (2)، وصحيح مسلم.
_________
(1) هو: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، الجرجاني الشافعي، المتوفى سنة (371هـ). انظر ترجمته في: «تذكرة الحفاظ»: (3/ 947) و «تاريخ جرجان»: (ص85 - 96). وقد أكثر الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» من النقل عن مستخرجه هذا، والإفادة منه، فتستفاد طائفة كبيرة منه من «الفتح».
(2) هو: الحافظ الكبير أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، المتوفى سنة (430هـ). انظر ترجمته في: «المنتظم»: (8/ 100) و «الوافي»: (7/ 81 - 84). وقد أكثر الحافظ ابن حجر كذلك في «فتح الباري» من النقل عن هذا المستخرج.

(1/67)


(كَأَبي عَوَانَةٍ (1) وَنَحْوِهِ) كأبي نعيم (2) أيضاً.
(وَاجْتَنِبِ عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ) أي متون المستخرجات (لَهُمَا) أي: للصحيحين (إذْ خَالَفتْ لَفْظاً) فلا تقل أخرجه البخاري أو مسلم بهذا اللفظ إلا إن علمت أنه في المستخرج بلفظ الصحيح، فروايتهم بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم مع مخالفة الصحيحين لفظاً كثير، (وَمَعْنىً رُبَّمَا).
(وَمَا يَزِيْدُ) المستخرج على الصحيح من تتمة المحذوف، أو زيادة شرح، أو نحو [3 - ب] ذلك (فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه)؛ لأنها خارجة من مخرج الصحيح.
(فَهْوَ) أي: ما يزاد من الألفاظ (مَعَ العُلُوِّ) أي: علو الإسناد (مِنْ فَائِدَتِهْ) أي فائدة المستخرج؛ لأن الألفاظ ربما دَلَّت على زيادة حكمٍ، ولأنه لو رَوَى حديثاً من طريق مسلم مثلاً لوقع أنزل من الطريق الذي رواه به في المستخرَج.
و «مِنْ» تقتضي فوائد أُخَر، منها: القوة بكثرة الطرق.
(وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي) جوابٌ عمَّا يُقال: إن البيهقي وغيره يروون الحديث بأسانيدهم ثم يعزونه إلى «الصحيحين» مع الاختلاف، بأن مراد
_________
(1) هو: الحافظ يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني النيسابوري الأصل الشافعي، المتوفى سنة (316هـ). انظر ترجمته في: «تذكرة الحفاظ»: (3/ 779 - 780) و «وفيات الأعيان»: (6/ 393 - 394). ومستخرجه هذا مطبوع.
(2) ومستخرجه هذا-على مسلم- مطبوع.

(1/68)


البيهقي (وَمَنْ عَزَا) الحديث لواحد من الصحيحين أصل الحديث لا عزو ألفاظه.
(وَلَيْتَ إذْ زَادَ) أبو عبد الله (الحُمَيدِي (1)) في كتاب «الجمع بين الصحيحين» ألفاظاً وتتمات ليست من واحد منهما (مَيَّزَا) (2)؛ لأنه جمع بين كتابين فمن أين تأتي الزيادة.
_________
(1) هو: الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن فَتَّوح الحميدي، المتوفى سنة (488هـ). انظر ترجمته في: «بغية الملتمس»: (ص123 - 124) و «الصلة»: (2/ 560 - 561).
(2) راجع تعليقنا على «شرح ألفية العراقي» للسيوطي: (ص109).

(1/69)


مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ
37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا
38 - شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي
39 - وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ
(وَأَرْفَعُ) درجات (الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا) أي ما أخرجه البخاري ومسلم وهو المعبَّر عنه بـ «متفق عليه».
(ثُمَّ) مروي (البُخَارِيُّ) وحده.
(فَمُسْلِمٌ) أي: ثم مروي مسلم وحده.
(فَمَا شَرْطَهُمَا حَوَى) أي: ثم ما هو على شرطهما ولم يخرجه واحدٌ منهما.
قال النووي: المراد بقولهم على شرطهما أن يكون رجال إسناده في كتابيهما؛ لأنهما ليس لهما شرطٌ في كتابيهما ولا في غيرهما.
(فَشَرْطُ الجُعْفِي) أي: ثم ما هو على شرط البخاري وحده.
(فَمُسْلِمٌ) أي: ثم ما هو على شرط مسلم وحده. (فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي) أي: ثم ما هو على شرط غيرهما من الأئمة.

(1/70)


(وَعِنْدَهُ) أي: عند ابن الصلاح (1) (التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ فِي عَصْرِنَا) فإذا وجدنا فيما يُروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثاً صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصاً على صحته في مصنفاتهم المشهورة، لا نتجاسر على الحكم بصحته.
(وَقَالَ) الشيخ محيي الدين (يَحْيَى) النووي (2): (مُمْكِنُ) لمن تَمَكَّنَ وقَوِيَت معرفته، وعليه عملهم.
_________
(1) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص16 - 17).
(2) «التقريب»: (1/ 157) مع «التدريب».

(1/71)


حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق
40 - وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا ... كَذَا لَهُ، وَقِيْلَ ظَنّاً وَلَدَى
41 - مُحَقِّقِيْهِمْ قَدْ عَزَاهُ النَّوَوِيْ ... وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ
42 - مُضَعَّفاً وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ ... أَشْيَا فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ
43 - مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ كَـ يُذْكَرُ
(وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا) أي: لما رواه البخاري ومسلم بإسنادهما المتصل (كَذَا لَهُ) أي: قاله ابن الصلاح (1) , (وَقِيْلَ ظَنّاً، وَلَدَى
مُحَقِّقِيْهِمْ قَدْ عَزَاهُ النَّوَوِيْ) فإنه قال (2): وخالف ابنَ الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر.
(وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ مُضَعَّفاً) فيه إشارة [4 - أ] إلى تقليل ما ضُعِّفَ من أحاديث «الصحيحين» وهي معروفة عندهم (3).
[فمن أحاديث البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن
_________
(1) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص28).
(2) «شرح مقدمة صحيح مسلم»: (1/ 183).
(3) انظر لذلك: «هدي الساري»: (ص506)، ورسالة «الأحاديث المنتقدة في الصحيحين» للأخ مصطفى باجو.

(1/72)


يوحى إليه، وفيه شق صدره (1). قال ابن حزم: والآفة من شريك.
ومن أحاديث مسلم حديث عكرمة بن عَمَّار عن أبي زُمَيْل عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه إلى آخره (2).
قال ابن حزم: هذا الحديث موضوع لا شك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عَمَّار] (3).
(وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ أَشْيَا) أي: للبخاري ومسلم في «الصحيحين» مواضع لم يصلاها بإسنادها، بل قَطَعَا أول أسانيدها مما يليهما (4)، (فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ) أي: إن أتى بصيغة الجزم كـ: «قال» أو «رَوَى فلان» فاحكم بصحته عن من علقه عنه؛ لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صَحَّ عنده عنه.
(أو وَرَدْ مُمَرَّضاً) أي بصيغة التمريض (فَلا) تحكمن بصحته؛ لأن استعمال هذه الألفاظ في غير الصحيح أكثر، (وَلكِنْ) إيراده له في أثناء الصحيح (يُشْعِرُ بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ) أي بصحة أصله إشعاراً يُؤْنَسُ به ويُرْكَنُ
_________
(1) رواية شريك أخرجها البخاري (3570، 7517) وقد تكلم الحافظ في «فتح الباري»: (13/ 593 - 594) على مجموع مخالفات شريك في رواية هذا الحديث فذكر أن روايته خالفت رواية المشهورين في أكثر من عشرة أشياء، ثم ساقها.
(2) «صحيح مسلم»: (2501).
(3) ما بين المعقوفتين ملحق في الحاشية اليسرى، ورسمت بعده دائرة المقابلة المنقوطة.
(4) في الأصل: «يليها» خطأ. والتصحيح من «شرح العراقي».

(1/73)


إليه، (كَـ «يُذْكَرُ») مثال لصيغة التمريض، وكذا «يُرْوَى» و «يُقَال» و «نُقِلَ».
44 - وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ
45 - وَلَوْ إلى آخِرِهِ، أمَّا الَّذِي ... لِشَيْخِهِ عَزَا بـ «قالَ» فَكَذِي
46 - عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ لاِبْنِ حَزْمٍ المُخَالِفِ
(وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ) كما إذا سَقَطَ مِنْ أول إسناد البخاري أو مسلم من جهته راو فأكثر وعَزَى الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته (مَعْ صِيغَةِ الجَزْم) كقول مسلم (1): «روى الليث بن سعد» (فَتَعليْقاً عُرِفْ) أي: فهذا هو المعبَّر عنه بالتعليق، (وَلَوْ) حَذَفَ الإسناد (إلى آخِرِهِ) واقْتَصَرَ على ذكر النبي عليه السلام في المرفوع، أو الصحابي في الموقوف.
(أمَّا الَّذِي لِشَيْخِهِ عَزَا بـ «قالَ») كالذي عزاه البخاري إلى بعض شيوخه بصيغة الجزم كقوله: «قال فلان» و «زاد فلان» (فَكَذِي عَنْعَنَةٍ) أي: فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومَنْ فوقهم، بل حكمه حكم الإسناد المعنعَن وسيأتي. (كخَبَرِ المْعَازِفِ) وهو قوله عليه السلام: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَا والحرير والمعازف» الحديث، فإن البخاري ذكره عن بعض شيوخه من غير تصريح بالتحديث أو الإخبار أو ما يقوم مقامه فقال (2): قال هشام بن عمار: ثنا صدقة .. إلى آخره فهذا حكمه الاتصال؛ لأن هشاماً من شيوخ البخاري حَدَّثَ عنه.
_________
(1) (ح 369).
(2) (ح5590).

(1/74)


(لا تُصْغِ لاِبْنِ حَزْمٍ المُخَالِفِ) فإنه قال (1): هذا حديث منقطع، قال: ولا يصح في هذا الباب شيء أبداً، قال: وكل ما فيه فموضوع.
قال ابن الصلاح (2): ولا التفات إليه في رَدِّهِ ذلك.
_________
(1) «المحلى»: (9/ 59).
(2) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص67).

(1/75)


نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ
47 - وَأخْذُ مَتْنٍ مِنْ كِتَابٍ لِعَمَلْ ... أوِ احْتِجَاجٍ حَيْثُ سَاغَ قَدْ جَعَلْ
48 - عَرْضَاً لَهُ عَلى أُصُوْلٍ يُشْتَرَطْ ... وَقَالَ يَحْيَى النَّوَوِي: أصْلٌ فَقَطْ
49 - قُلْتُ: وَلابْنِ خَيْرٍ امْتِنَاعُ ... جَزْمٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ
(وَأخْذُ مَتْنٍ مِنْ كِتَابٍ) من الكتب المعتمدة (لِعَمَلْ) أو احتجاج (حَيْثُ سَاغَ) بأن كان ممن يسوغ له العمل بالحديث والاحتجاج به، (قَدْ جَعَلْ) أي: ابن الصلاح (1) (عَرْضَاً لَهُ) أي لذلك الكتاب بمقابلة ثقة (عَلى أُصُوْلٍ) صحيحة معتمدة مروية بروايات متنوعة (يُشْتَرَطْ).
(وَقَالَ يَحْيَى النَّوَوِي) (2): إذا قابله على (أصْل فَقَطْ) أجزأه.
(قُلْتُ: وَلابْنِ خَيْرٍ) هو الحافظ أبو بكر محمد بن خير (3) (امْتِنَاعُ) نقل (سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ) أي: نَقَلَ الإجماع (4) على أنه لا يحل نقل الحديث إلا لمن له به رواية ولو على أقلِّ وجوه الروايات.
_________
(1) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص29).
(2) «التقريب»: (1/ 163) مع «التدريب».
(3) بن عمر بن خليفة الأموي الإشبيلي المالكي، المتوفى سنة (575هـ). «تذكرة الحفاظ»: (4/ 1366).
(4) «فهرست ما رواه ابن خير عن شيوخه»: (ص16 - 17).

(1/76)


القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ
50 - وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ ... اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ
51 - حَمْدٌ وَقَالَ التّرمِذِيُّ: مَا سَلِمْ ... مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ
52 - بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ ... قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ
53 - وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ ... فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ
(وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ حَمْدٌ) أي قال أبو سليمان حَمْد الخطابي (1): هو ما عُرِفَ مخرجُهُ، واشتهرت رجاله.
(وَقَالَ التّرمِذِيُّ) (2): هو (مَا سَلِمْ مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ بِكَذِبٍ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ) بل روي من غير وجه.
(قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ) الترمذي (بَعْضَ مَا انفَرَدْ) فيكون وارداً عليه، وهذا من الزوائد.
(وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ فِيْهِ) أي: وقال ابن الجوزي (3): الحديث الذي
_________
(1) في «معالم السنن»: (1/ 11). والخطابي هو: حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي الشافعي، المتوفى سنة (388هـ). «طبقات الشافعية» للسبكي: (3/ 282 - 290).
(2) في «جامعه»: (ص896).
(3) في «الموضوعات»: (1/ 35).

(1/77)


فيه ضعفٌ قريبٌ محتمل هو الحديث الحسن.
(وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ) قال ابن الصلاح (1): وليس في كلام الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح، واعترض ابن دقيق العيد (2) على الثالث بأنه ليس مضبوطاً بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره، قال: وإذا اضطرب هذا الوصف لم يحصل التعريف المميِّز للحقيقة.
54 - وَقَالَ: بَانَ لي بإمْعَانِ النَّظَرْ ... أنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ
55 - قِسْماً، وَزَادَ كَونَهُ مَا عُلِّلا ... وَلاَ بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلاَ
56 - وَالفُقَهَاءُ كلُّهُمْ تَستَعمِلُهْ ... وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ
57 - وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ ... حُجّيَّةً وإنْ يَكُنْ لا يَلْحَقُ
(وَقَالَ) ابن الصلاح (3): (بَانَ لي بإمْعَانِ النَّظَرْ) في ذلك (أنَّ لَهُ) أي: للحسن (قِسْمَيْنِ كُلٌّ) من الترمذي والخطابي (قَدْ ذَكَرْ قِسْماً) منها.
(وَزَادَ) ابن الصلاح (4) في تعريفه (كَونَهُ مَا عُلِّلا وَلاَ بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلاَ وَالفُقَهَاءُ كلُّهُمْ تستَعمِلُهْ) أي الحسن (وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ).
(وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ حُجّيَّةً) أي: وهو ملحق بأقسام الصحيح في الاحتجاج (وإنْ يَكُنْ لا يَلْحَقُ) أي: وإن يكن دونه في الرتبة.
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص30).
(2) في «الاقتراح»: (ص191).
(3) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص31 - 32).
(4) المصدر السابق.

(1/78)


58 - فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ ... فَقُلْ: إذا كَانَ مِنَ المَوْصُوْفِ
59 - رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ ... بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ
60 - وَإنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أوْ شَذَّا ... أوْ قَوِيَ الضُّعْفُ فَلَمْ يُجْبَر ذَا
61 - أَلاَ تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا ... أوْ أرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتُضِدَا
(فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ) هذا الشطر لم يتكلم عليه في شرحه وليس بمطابق لكلام ابن الصلاح، فإنه قال (1): لعل الباحث يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة فهلا جعلتم ذلك [5 - أ] من نوع الحسن لأن بعض ذلك عَضَّدَ بعضاً كما قلتم في نوع الحسن، (فَقُلْ) في جوابه: ليس كل ضَعْف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل (إذا كَانَ) الحديث (مِنَ المَوْصُوْفِ رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ) مع كونهم من أهل الصدق والديانة (يُجْبَرُ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ) فإذا جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له.
(وَإنْ يَكُنْ) أي: الضعف (لِكَذِبٍ) في الراوي، (أوْ شَذَّا) أي: أو لكون الحديث شاذاً، (أوْ قَوِيَ الضُّعْفُ) من عطف العام على الخاص، (فَلَمْ يُجْبَر ذَا) القوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته (أَلاَ تَرَى) الحديث (الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا) أي: جاء مسنداً من وجه آخر، (أوْ أرْسَلُوا) أي: أو وافقه
_________
(1) المصدر السابق (ص33 - 34).

(1/79)


مرسل آخر أرسله من أخَذَ العلمَ عن غير رجال التابعي الأول، (كَمَا يَجِيءُ) في موضع الكلام على المرسل لا مطلقاً (اعْتُضِدَا) وزال ضعفه بنحو ذلك.
62 - وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ ... وَالصِّدْقِ رَاوِيهُ، إذَا أَتَى لَهْ
63 - طُرُقٌ أُخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ ... صَحَّحْتَهُ كَمَتْنِ لَوْلاَ أنْ أَشُقْ
64 - إذْ تَابَعُوْا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو ... عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي
(وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ وَالصِّدْقِ رَاوِيهُ) أي: الذي راويه مشتهر بالصدق والعدالة، (إذَا أَتَى لَهْ طُرُقٌ أُخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ صَحَّحْتَهُ) أي: حكمتَ بصحته، (كَمَتْنِ: «لَوْلاَ أنْ أَشُقْ) على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» (1)؛ (إذْ تَابَعُوْا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو (2)) وهو ممن ضعفه بعضُهم من جهة سوء حفظه، ووثَّقه بعضُهم لصدقه وجلالته (عَلَيْهِ) أي: على حديثه بروايته من وجه آخر (3) (فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي) أي فالتحق إسناده بدرجة الصحيح لزوال ما كان يُخْشَى من جهة سوء حفظه.
65 - قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ ... جَمْعُ أبي دَاوُدَ أيْ في السُّنَنِ
66 - فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ ... ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ
_________
(1) أخرجه الترمذي (ح 22).
(2) بن علقمة بن وقاص الليثي. قال الحافظ في «التقريب»: «صدوق له أوهام».
(3) ممن تابعه: الأعرج عند البخاري (ح7240) ومسلم (ح252)، وأبي داود (ح46)، والنسائي (ح5427). وسعيد المقبري عند ابن ماجه (ح287) وغيرهم.
وقد تابعوه في شيخ شيخه فهي متابعة قاصرة.

(1/80)


67 - وَمَا بهِ وَهَنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ ... وَحَيْثُ لاَ فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ
68 - فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ ... عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ
69 - وابْنُ رُشَيْدٍ قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ- ... : قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ
(قَالَ) ابن الصلاح (1): (وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ جَمْعُ أبي دَاوُدَ أيْ في السُّنَنِ) أي سنن أبي داود؛ (فإنَّهُ) أي: أبا داود (قَالَ (2): ذَكَرْتُ فِيْهِ ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ) أي: يشبه الصحيح، (وَمَا) في كتابي من حديث (بهِ وَهَنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ) أي: بينته، (وَحَيْثُ لاَ) أي: لم أذكر فيه (فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ).
(فَمَا بِهِ) (3) أي: فما وُجِدَ في كتابه وليس في واحدٍ من «الصحيحين» (وَلَمْ يُصَحَّحْ) أي: لم يَنُصُّ على صحته أحدٌ ممن يميز بين الصحيح والحسن (وَسَكَتْ عَلَيْهِ) أي: بل ذكره مطلقاً (عِنْدَهُ) أي: عند أبي داود [5 - ب] (الحُسْنُ ثَبَتْ).
و (ابْنُ رُشَيْدٍ) الأندلسي (4) (قَالَ) (5) معترضاً على ابن الصلاح (وَهْوَ مُتَّجِهْ: قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ) أي: لا يلزم من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص36).
(2) انظر لزاماً ما علقناه على «شرح ألفية العراقي» للسيوطي: (ص123 - 125).
(3) هذا قول ابن الصلاح في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص36).
(4) هو: محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس الأندلسي المالكي، المتوفى سنة (722هـ). «الديباج المذهب»: (2/ 297 - 298) و «الوافي بالوفيات»: (4/ 284 - 286).
(5) نقل كلامه ابن سيد الناس في «النفح الشذي»: (1/ 218).

(1/81)


بضعفٍ، ولا غيرُهُ بصحةٍ أنه عند أبي داود حسن؛ إذ قد يكون عنده صحيحاً وإن لم يكن عند غيره كذلك.
70 - وَللإمَامِ اليَعْمُرِيِّ إنَّما ... قَوْل ُأبي دَاوُدَ يَحْكي مُسْلِما
71 - حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا ... تُوجَدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالنُّبَلا
72 - فَاحْتَاجَ أنْ يُنْزَلَ في الإسْنَادِ ... إلى يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ
73 - وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ ... قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ
74 - هَلاَّ قَضى عَلى كِتَابِ مُسْلِمِ ... بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ
(وَللإمَامِ) أبي الفتح بن سيد الناس (اليَعْمُرِيِّ) تعقُّب على كلام ابن الصلاح (1) بأن أبا داود لم يَسِمْ شيئاً بالحُسن بل (إنَّما قَوْلُ أبي دَاوُدَ يَحْكي مُسْلِما حَيثُ يَقُوْلُ:) مسلم (2): (جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا تُوجَدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالنُّبَلا) كشعبة وسفيان (فَاحْتَاجَ) مسلم (أنْ يُنْزَلَ في الإسْنَادِ إلى) حديث (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ وَنَحْوِهِ) كابن أبي سليم وعطاء بن السائب (وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ) أي: لأنهم وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان فاسم العدالة والصدق يشمل الكل. قال اليعمري: (هَلاَّ قَضى) ابن الصلاح (عَلى كِتَابِ مُسْلِمِ بِمَا قَضَى عَلَيْهِ) أي: على كتاب أبي داود (بِالتَّحَكُّمِ) فإن معنى كلامهما واحد.
75 - وَالبَغَوِيْ إذْ قَسَّمَ المَصْابحَا ... إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا
76 - أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ ... رُدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ
_________
(1) في «النفح الشذي»: (1/ 213).
(2) في «مقدمة صحيحه»: (1/ 215) مع شرح النووي.

(1/82)


(وَالبَغَوِيْ إذْ قَسَّمَ المَصْابحَا إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في) في كتب (السُّنَنْ (1) رُدَّ عَلَيهِ) أي: على البغوي (إذْ بِهَا) أي: بالسنن (غَيْرُ الحَسَنْ) من الصحيح والضعيف فهذا اصطلاح لا يعرف.
77 - كَانَ أبُوْ دَاوُدَ أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ
78 - في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ ابْنُ مَنْدَهْ
79 - وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ
(كَانَ أبُوْ دَاوُدَ أقْوَى مَا وَجَدْ) في كل باب (يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ مِنْ رَأيٍ اقوَى) أي: لأنه أقوى عنده من رأي الرجال (قَالهُ) عنه أبو عبد الله (ابْنُ مَنْدَهْ) (2).
(وَالنَّسَئي يُخْرِجُ) عن كل (مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا عَليْهِ تَرْكَاً) وهذا (مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ)، وهذا بيان كون السنن فيها غير الحسن.
80 - وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا ... فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا
(وَمَنْ عَليها) أي: على كتب السُّنَن (أطْلَقَ الصَّحِيْحَا) كأبي طاهر السَّلَفي (3)
_________
(1) «مقدمة مصابيح السنة»: (1/ 2).
(2) نقله عنه ابن الصلاح في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص37) مما سمعه البارودي عن ابن منده. وابن منده هو الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني، المتوفى سنة (395هـ). «أخبار أصبهان»: (2/ 306) و «تذكرة الحفاظ»: (3/ 1031 - 1036).
(3) هو: الحافظ أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني السلفي، المتوفى سنة (576هـ). «البداية والنهاية»: (12/ 307).

(1/83)


حيث قال في الكتب الخمسة: اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب. (فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا).
81 - وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى
82 - كَمُسْنَدِ الطَّيَالَسِيْ وأحْمَدَا ... وَعَدُّهُ لِلدَّارِميِّ انْتُقِدَا
(وَدُوْنَهَا) أي: دون السنن (في رُتْبَةٍ) أي: في رتبة الصحة (مَا جُعِلاَ عَلى المَسَانِيْدِ) وهو ما أُفْرد فيه حديثُ كل صحابي على حدة من غير نظر للأبواب (فَيُدْعَى الجَفَلَى) أي: الدعوة [6 - أ] العامة؛ فإن من جَمَعَ مسند الصحابي يجمع فيه ما يقع له من حديثه سواء كان صالحاً للاحتجاج أم لا.
(كَمُسْنَدِ) أبي داود (الطَّيَالَسِيْ)، وكمسند (أحْمَدَا) أي: ابن حنبل.
(وَعَدُّهُ لِلدَّارِميِّ) أي: عد ابن الصلاح (1) مسند الدارمي فيها (انْتُقِدَا)؛ لأنه مُرَتَّبٌ على الأبواب لا على الأسانيد.
83 - والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا
84 - وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ
(والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ) كقولهم: هذا حديث إسناده صحيح (أوْ بِالْحُسْنِ) كقولهم: إسناده حسن (دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا) أي: رأوه دون قولهم: هذا حديث صحيح أو حسن؛ لأنه قد يَصِحُّ الإسناد لثقةِ رجاله ولا يصح الحديث لشذوذٍ أو علة.
_________
(1) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص38).

(1/84)


(وَاقْبَلْهُ) أي ما حُكِمَ على إسناده (إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ) أي: إذا اقتصر المصنف المعتمد منهم على قوله: «صحيح الإسناد»، (وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ) فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل.
85 - وَاسْتُشْكِلَ الحُسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ فَقُلْ: صِفِ
86 - بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وصِفْ؟
(وَاسْتُشْكِلَ الحسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ) أي: الجمع بينهما (في مَتْنٍ) واحد، كقول الترمذي: حديث حسن صحيح، والحسن قاصر عن الصحيح. (فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ) كما قال ابن الصلاح (1): إنه غير مستنكَر أن يُراد بالحسن معناه اللغوي. (فَقُلْ: صِفِ بِهِ الضَّعِيْفَ) كما قال ابن دقيق العيد (2): يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حَسَن اللفظ أنه حَسَن.
(أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ سَنَدُهُ) كما قال ابن الصلاح (3) أيضاً: بأن يكون له إسنادان أحدهما صحيح والآخر حسن. (فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وصِفْ؟) كما قال ابن دقيق العيد (4): يَرِدُ عليه الأحاديث التي قيل فيها حسن صحيح مع أنه ليس لها إلا مخرج واحد.
87 - وَلأبي الفَتْحِ في الاقْتِرَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص39).
(2) في «الاقتراح»: (ص173).
(3) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص39).
(4) في «الاقتراح»: (ص173).

(1/85)


88 - وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ
89 - وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ
(وَلأبي الفَتْحِ) ابن دقيق العيد (في) كتاب (الاقْتِرَاحِ) (1) جوابٌ وهو: (أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ) أي: أن الحُسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة إلا حيث انفرد الحسن فيراد بالحسن حينئذ المعنى الاصطلاحي، (وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ) أي: وأما إن ارتفع إلى درجة [6 - ب] الصحة فالحُسن حاصل لا محالة تبعاً للصحة؛ لأن وجود الدرجة العليا وهي الحفظ والإتقان لا ينافي وجود الدُّنيا كالصدق فيقال: حَسَنٌ باعتبار الدُّنيا، صحيحٌ باعتبار العُليا.
قال ابن الموَّاق (2): فعلى هذا (كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ) عند الترمذي، ثم (لاَ يَنْعَكِسْ).
(وَأوْرَدوا) أورده ابن سيد الناس (3) على بن الموَّاق (مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ) أي: قال: بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يُرْوَى نحوه من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسناً، فعلى هذا الأفراد الصحيحة ليست بحسنة عند الترمذي؛ إذ يشترط
_________
(1) (ص175 - 176).
(2) هو: محمد بن يحيى بن خلف بن فرج، أبو عبد الله بن المواق المراكشي، المتوفى سنة (642هـ). «الإعلام يمن حل مراكش وأغمات من الأعلام»: (4/ 231 - 234).
(3) في «النفح الشذي»: (1/ 291).

(1/86)


في الحسن أن يروى من غير وجهٍ.
[وأجاب العراقي (1) بحمل كلام الترمذي على ما إذا لم يبلغ رتبة الصحيح] (2).
_________
(1) في «شرح الألفية»: (1/ 175).
(2) ما بين المعقوفتين ملحق في الحاشية اليمنى.

(1/87)


القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ
90 - أمَّا الضَّعِيْفُ فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ ... مَرْتَبَةَ الحُسْنِ، وإنْ بَسْطٌ بُغِي:
91 - فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ ... وَاثْنَيْنِ قِسْمٌ غَيْرُهُ، وَضَمُّوْا
92 - سِوَاهُما فَثَالِثٌ، وَهَكَذَا ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ فَذَا
93 - قِسْمٌ سِوَاهَا ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي
94 - وَعَدَّهُ البُسْتِيُّ فِيما أوْعَى ... لِتِسْعَةٍ وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا
(أمَّا الضَّعِيْفُ فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ مَرْتَبَةَ الحُسْنِ) أي: ما قصر عن مرتبة الحسن.
(وإنْ بَسْطٌ بُغِي) أي: وإن أريد بَسْطُ أقسام الضعيف، (فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ) شروط القبول هي شروط الصحيح والحسن، وهي: اتصال السند حيث لم ينجبر المرسل بما يؤكده.
وعدالة الرجال.
والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة.
ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تُعرف أهليته وليس متهماً كثير الغلط.
والسلامة من الشذوذ.
والسلامة من العلة القادحة.

(1/88)


فما فقد الاتصال قسم، ويدخل تحته قسمان: المنقطع، والمرسل الذي لم ينجبر.
(وَاثْنَيْنِ قِسْمٌ غَيْرُهُ) أي: وما فُقِدَ فيه شَرْطٌ آخر مع الشرط المتقدم قسم آخر ويدخل تحته اثنا عشر؛ لأن فقد العدالة يدخل تحته الضعيف والمجهول، وهذه أقسامه:
الثالث: مرسل في إسناده ضعيف.
4 - منقطع كذلك.
5 - مرسل فيه مجهول.
6 - منقطع كذلك.
7 - مرسل فيه مغفل كثير الخطأ.
8 - منقطع كذلك.
9 - مرسل فيه مستور، ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر.
10 - منقطع كذلك.
11 - مرسل شاذ.
12 - منقطع كذلك.
13 - مرسل معلل [7 - أ].
14 - منقطع كذلك.
(وَضَمُّوْا سِوَاهُما فَثَالِثٌ) أي: وما فقد فيه شرط ثالث مع فقد الشرطين

(1/89)


المتقدمين فهو قسم ثالث من أصل الأقسام، ويدخل تحته عشرة.
الخامس عشر: مرسل شاذ فيه عدل مغفل كثير الخطأ.
16 - منقطع كذلك.
17 - مرسل معلل فيه ضعيف.
18 - منقطع كذلك.
19 - مرسل معلل فيه مجهول.
20 - منقطع كذلك.
21 - مرسل معلل فيه مغفل كذلك.
22 - منقطع كذلك.
23 - مرسل معلل فيه مستور، ولم ينجبر.
24منقطع كذلك.
(وَهَكَذَا) فافعل إلى آخر الشروط، فخذ ما فُقِدَ فيه الشرط الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدم وهما السلامة من الشذوذ والعلة.
ثم خذ ما فُقد فيه شرط آخر مضموماً إلى ما فُقِدَ هذه الشروط الثلاثة، وهي: الخامس والعشرون: مرسل شاذ معلل.
26 - منقطع كذلك.
27 - مرسل شاذ معلل فيه مغفل كثير الخطأ.

(1/90)


28 - منقطع كذلك.
(وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ فَذَا قِسْمٌ سِوَاهَا) أي: فابدأ بما فُقِدَ فيه شرط واحد غير ما بدأته (1) به أولاً وهو ثقة الرواة وتحته قسمان:
التاسع والعشرون: ما في إسناده ضعيف.
30 - ما فيه مجهول.
(ثُمَّ زِدْ) على فقد عدالة الراوي فقد شرط آخر (غَيْرَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ) وتحته قسمان:
الحادي والثلاثون: ما فيه ضعيف وعلة.
32 - ما فيه مجهول وعلة.
(ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي) فَكَمِّل العمل الثاني الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول، فضم إلى فَقْدِ هذين الشرطين فَقْد ثالث، ثم عد فابدأ بما فُقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الراوي من الغفلة، ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما.
ثم عد فابدأ بما فقد فيه الرابع، وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور، ثم زد عليه وجود العلة.
ثم عد فابدأ بما فقد فيه الخامس وهو السلامة من الشذوذ، ثم زد عليه وجود العلة معه.
_________
(1) كذا في الأصل، وفي «شرح الناظم»: (1/ 178): بدأت، وهو أظهر.

(1/91)


ثم اختم بفقد السادس ويدخل تحته عشرة:
الثالث والثلاثون: شاذ معلل فيه عدل مغفل كثير الخطأ.
34 - ما فيه [7 - ب] مغفل كثير الخطأ.
35 - شاذ فيه مغفل كذلك.
36 - معلل كذلك.
37 - شاذ معلل فيه مغفل كذلك.
38 - ما في إسناد مستور لم تُعرف أهليته، ولم يُرْوَ من وجه آخر.
39 - معلل فيه مستور كذلك.
40 - الشاذ.
41 - الشاذ المعلل.
42 - المعلل.
(وَعَدَّهُ) أي: الضعيف أبو حاتم (البُسْتِيُّ فِيما أوْعَى) أي: جَمَعَ، (لِتِسْعَةٍ وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا).

(1/92)


الْمَرْفُوْعُ
95 - وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... وَاشتَرَطَ الخَطِيْبُ رَفْعَ الصَّاحِبِ
96 - وَمَنْ يُقَابِلهُ بِذي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَالِ

(وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي) أي: فالمرفوع ما أُضِيْفَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً له، أو فعلاً، أضَافَهُ إليه صحابي أو غيره، اتَّصَلَ أم لا.
(وَاشتَرَطَ الخَطِيْبُ (1) رَفْعَ الصَّاحِبِ) فقال: ما أخبر فيه الصحابي.
(وَمَنْ يُقَابِلهُ بِذي الإرْسَالِ) أي: ومن جعل المرفوع في مقابلة المرسل، (فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَالِ) أي: فقد عني بالمرفوع المتصل.
_________
(1) في «الكفاية»: (1/ 96).

(1/93)


الْمُسْنَدُ
97 - وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ وَقفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ
98 - وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ الحَاكِمُ فِيهِ قَطَعَا
(وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن عبد البر (1).
(أوْ مَا قَدْ وُصِلْ لَوْ مَعَ وَقفٍ) (2) فيدخل فيه المرفوع والموقوف، (وَهوَ في هَذَا يَقِلْ).

(وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا) أي: لا يقع المسند إلا على ما رُفِعَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ متصلٍ (شَرْطٌ بِهِ الحَاكِمُ) النيسابوري (3) (فِيهِ قَطَعَا).
_________
(1) في «التمهيد»: (1/ 21 - 23).
(2) وهو قول الخطيب في «الكفاية»: (1/ 96).
(3) في «معرفة علوم الحديث»: (ص137).

(1/94)


الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ
99 - وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا
100 - سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ
(وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن واحدٍ من الصحابة، (فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا، سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ) على الصحابي (وَالمَرْفُوْعُ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
(وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ) وهي أقوال التابعين وإن اتصلت الأسانيد إليهم.

(1/95)


الْمَوْقُوْفُ
101 - وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ
102 - وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبرْ
(وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ بِصَاحِبٍ) قولاً أو فعلاً أو نحوهما، ولم يتجاوز به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواءً (وَصَلْتَ) إسناده إلى الصحابي (أوْ قَطَعْتَهُ).
(وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ) وهو الفوراني (1) من الخراسانيين (سَمَّاهُ الأثَر).

(وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبرْ) أي: وإن اسْتَعْمَلْتَ الموقوفُ فيما جاء عن التابعين فَمَنْ بعدهم فَقَيِّدْهُ بهم، فَقُلْ: موقوفٌ على عطاء أو مالك.
_________
(1) هو: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران الفوراني، المتوفى سنة (461هـ). «شذرات الذهب»: (3/ 309).

(1/96)


الْمَقْطُوْعُ
103 - وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي ... وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى (للشَّافِعِي)
104 - تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ ... قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي)
(وَسَمِّ [8 - أ] بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي وَفِعْلَهُ).

(وَقَدْ رَأى) ابن الصلاح (1) في كلامٍ (للشَّافِعِي تَعْبِيرَهُ بِهِ) أي بالمقطوع (عَنِ المُنقطِعِ).
(قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ البَردَعِي (2)) فإنه جعل المنقطع هو قول التابعي.
_________
(1) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص47).
(2) هو في جزء لطيف له في المنقطع والمرسل، كما في «فتح المغيث»: (1/ 193). والبردعي هو: الحافظ الثقة أبو بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي البردعي، المتوفى سنة (301هـ). «سير أعلام النبلاء»: (14/ 122 - 124) و «تاريخ بغداد»: (5/ 194 - 195).

(1/97)


فُرُوْعٌ
105 - قَوْلُ الصَّحَابيِّ مِنَ السُّنَّةِ أوْ ... نَحْوَ «أُمِرْنَا» حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ
106 - بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وهوَ قَوْلُ الأكْثَرِ
(قَوْلُ الصَّحَابيِّ مِنَ السُّنَّةِ) كذا، كقول علي رضي الله عنه: «من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة» (1)، (أوْ نَحْوَ) قوله: (أُمِرْنَا) بكذا ونهينا عن كذا، كقول أم عطية: «أمرنا أن نُخْرِجَ في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأُمِرَ الحُيَّضُ أن يعتزلن مصلى المسلمين» (2)، وقولها: «نهينا عن اتباع الجنائز» (3) (حُكْمُهُ الرَّفْعُ) فهو من نوع المرفوع والمسند، (وَلَوْ بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ عَلى الصَّحِيْحِ، وهوَ قَوْلُ الأكْثَرِ)؛ لأن الظاهر أنه لا يريد إلا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا مُطْلَقُ الأمر والنهي ينصرف بظاهره إلى من إليه ذلك وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخَالف فريقٌ.
107 - وَقَوْلُهُ «كُنَّا نَرَى» إنْ كانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ
108 - وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ لَه ... ولِلخَطِيْبِ قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ
109 - مَرفُوعاً الحَاكِمُ والرَّازِيُّ ... ابنُ الخَطِيْبِ، وَهُوَ القَوِيُّ
_________
(1) أخرجه أبو داود (ح756) وضعفه الألباني.
(2) أخرجه البخاري (ح351) ومسلم (ح890).
(3) أخرجه البخاري (ح1278) ومسلم (ح938).

(1/98)


(وَقَوْلُهُ) أي: الصحابي: (كُنَّا نَرَى) كذا، أو نفعل، أو نقول، أو نحو ذلك، (إنْ كانَ مَعْ عَصْرِ النَّبِيِّ) كقول جابر: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1) فهو (مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ) أي: الحديث المرفوع.
(وَقِيْلَ: لا) يكون من المرفوع.
(أوْ لا فَلا) أي: وإنْ لم يكن مقيداً بعصر النبي صلى الله عليه وسلم فليس من قبيل المرفوع. (كَذاكَ لَه) أي: هذا لابن الصلاح (2) (ولِلخَطِيْبِ) (3) فَجَزَمَا بأنه من قبيل الموقوف.
(قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ) أي: ما لم يُقَيَّدْ (مَرفُوعاً الحَاكِمُ (4) والرَّازِيُّ (5) ابنُ الخَطِيْبِ) هو الإمام فخر الدين الرازي (6)، (وَهُوَ القَوِيُّ) من حيث المعنى [كقول عائشة رضي الله عنها: كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه (7)] (8).
_________
(1) أخرجه البخاري (ح5207، 5208، 5209) ومسلم (ح1440).
(2) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص48).
(3) «الكفاية»: (2/ 536).
(4) في «معرفة علوم الحديث»: (ص156).
(5) في «المحصول»: (2/ 1/643).
(6) أبو عبد الله ويقال: أبو الفضائل محمد بن الخطيب، المتوفى سنة (606هـ). «وفيات الأعيان»: (4/ 248 - 252).
(7) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»: (9/ 476) وابن حزم في «المحلى»: (11/ 352).
(8) ما بين المعقوفتين ملحق في الحاشية اليسرى، ولم أجد علامة اللحق فألحقته في موضعه المناسب.

(1/99)


110 - لكنْ حَدِيْثُ «كانَ بَابُ المُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بالأظفَارِ» مِمَّا وُقِفَا
111 - حُكْماً لَدَى الحَاكِمِ والخَطِيْبِ ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْبِ
(لكنْ حَدِيْثُ كانَ بَابُ المُصْطَفَى يُقْرَعُ بالأظفَارِ) وهو الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة (1)، قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير» (مِمَّا وُقِفَا حُكْماً لَدَى الحَاكِمِ (2) والخَطِيْبِ (3)) أي: حكمه حكم الموقوف عندهما، وإن كان الحاكم تقدم عنه في نظيره أنه مرفوع.
(وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ) أبي عمرو بن الصلاح (4) (ذُوْ تَصْوِيْبِ) قال: وهو بأن يكون مرفوعاً أحرى؛ لكونه أحرى باطِّلاعه صلى الله عليه وسلم.
112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رَفْعَاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ
(وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي رَفْعَاً) أي: تفسير الصحابي مرفوعاً (فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ) أي: على [8 - ب] تفسير فيه أسباب النزول، أما التي لا تشتمل على إضافة شيء إليه عليه السلام فمعدودة في الموقوفات.
113 - وَقَوْلُهُمْ «يَرْفَعُهُ» «يَبْلُغُ بِهْ» ... روَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ
114 - وَإنْ يَقُلْ «عَنْ تَابعٍ» فَمُرْسَلٌ ... قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا
115 - تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ «أُمِرْنَا» مِنْهُ للغَزَالي
_________
(1) أخرجه عنه الحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (ص146).
(2) المصدر السابق: (ص147).
(3) «الجامع لأخلاق الراوي»: (2/ 291)
(4) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص49).

(1/100)


(وَقَوْلُهُمْ) عن الصحابي (يَرْفَعُهُ) أي: يرفع الحديث، أو (يَبْلُغُ بِهْ)، أو (روَايَةً،) أو (يَنْمِيْهِ، رَفْعٌ فَانْتَبِهْ) أي: حكمه حكم المرفوع، كرواية مسلم من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلُغ به قال: «الناس تبع لقريش» (1) (وَإنْ يَقُلْ) هذه الألفاظ (عَنْ تَابعٍ فَمُرْسَلٌ).
(قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ) أي: قول التابعي من السنة كذا (نَقَلُوْا تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ)، فقال النووي (2): الأصح أنه موقوف.
(وَذُو احْتِمَالِ نَحْوُ: أُمِرْنَا مِنْهُ) أي: في قول التابعي: أُمرنا بكذا أو نحوه احتمالان (للغَزَالي (3))، هل يكون موقوفاً أو مرفوعاً مرسلاً؟ ولم يرجح واحداً من الاحتمالين.
116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
117 - مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى ... فَالحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا
(وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ) موقوفاً عليه (بحَيْثُ لا يُقَالُ) مثله (رَأياً، حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى مَا قَالَ) الإمام فخر الدين الرازي (في المَحْصُوْلِ) فقال (4): «إذا قال الصحابي قولاً ليس للاجتهاد فيه مجال، فهو محمول على السماع تحسيناً للظن به»، (نَحْوُ) قول ابن مسعود: («مَنْ أتَى) ساحراً أو عرَّافاً فقد كفر بما أنزل
_________
(1) أخرجه مسلم (ح1818).
(2) «شرح مسلم»: (1/ 195)، و «المجموع»: (1/ 60).
(3) «المستصفى»: (1/ 131).
(4) (2/ 1/643).

(1/101)


على محمد صلى الله عليه وسلم» (1) (فَالحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا) في «علوم الحديث» (2).
118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةِ ... مُحَمَّدٌ وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
119 - كَرَّرَ «قَالَ» بَعْدُ، فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ
(وَمَا رَوَاهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةِ مُحَمَّدٌ) هو ابن سيرين، (وَعَنْهُ) أي: ورواه عن محمد (أهْلُ البَصْرَةِ كَرَّرَ) لفظ («قَالَ» بَعْدُ) أي: بعد أبي هريرة فَذَكَرَ حديثاً ولم يذكُر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، (فَالخَطِيْبُ رَوَى بِهِ الرَّفْعَ) (3) من طريق موسى بن هارون الحمال بسنده إلى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال: قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مُصَلَّاه» (4) قال موسى بن هارون: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: «قال: قال» فهو مرفوع.
(وَذَا عَجِيْبُ) لم يَذْكُر وجه تعجبه (5).
ومن «قلتُ» إلى هنا من الزوائد.
_________
(1) أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (ص155) وأبو يعلى في «مسنده» رقم (5408) والبزار في «مسنده»: (2/ 443) والطبراني في «المعجم الكبير»: رقم (10005). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 118): «رجال الكبير والبزار ثقات».
(2) (ص154) حيث ترجم له بقوله: معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) في «الكفاية»: (2/ 523).
(4) أخرجه مسلم (ح649).
(5) انظر لبيان وجه التعجب «فتح المغيث»: (1/ 234) و «شرح السيوطي على ألفية العراقي»: (ص142).

(1/102)


الْمُرْسَلُ
120 - مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ ... مُرْسَلٌ أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْرِ
121 - أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ ... وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَالِ
(مَرْفُوعُ تَابعٍ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواءً كان من كبار التابعين أو من صغارهم، (عَلى المَشهُوْرِ) من الأقوال (مُرْسَلٌ).
(أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْرِ) أي: والقول الثاني أنه ما رفعه التابعي الكبير، فعلى ذا مرسل الصغير منقطع.
(أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ) أي: والقول الثالث: ما سقط راو من إسناده فأكثر من أي موضع [9 - أ] كان.
فهو (ذُوْ أقْوَال)، والقول (الأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَالِ)، قال الخطيب (1): إلا أن أكثر ما يُوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
122 - وَاحتَجَّ مَاِلِكٌ كَذا النُّعْمَانُ ... وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا
123 - وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ؛ ... لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَادِ
124 - وَصَاحِبُ التَّمهيدِ عَنهُمْ نَقَلَهْ ... وَمُسْلِمٌ صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ
_________
(1) في «الكفاية»: (1/ 96).

(1/103)


(وَاحتَجَّ مَاِلِكٌ (1) كَذا) أبو حنيفة (النُّعْمَانُ (2) وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ) أي بالمرسل، (وَدَانُوْا) أي جعلوه ديناً يدينون به، (وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ) من أهل الحديث فلم يحتجوا به؛ (لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَادِ) فلم يُعْلَم حاله لتُعْرَفَ عدالته، وتقدم من شرط الصحة ثقة رجاله (3).
(وَصَاحِبُ التَّمهيدِ) هو ابن عبد البر (عَنهُمْ نَقَلَهْ (4)، وَمُسْلِمٌ صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ) (5) فإنه قال في صدر كتابه «الصحيح»: «المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة».
125 - لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ ... بمُسْنَدٍ أو مُرْسَلٍ يُخْرِجُهُ
126 - مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الأوَّلِ ... نَقْبَلْهُ، قُلْتُ: الشَّيْخُ لَمْ يُفَصِّلِ
127 - والشَّافِعِيُّ بِالكِبَارِ قَيَّدَا ... وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا
128 - وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ ... وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظِ
(لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ) أي مخرج المرسل (بمُسْنَدٍ) من وجه آخر، (أو مُرْسَلٍ) آخر، (يُخْرِجُهُ مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ) المرسل (الأوَّلِ نَقْبَلْهُ).
_________
(1) انظر: «التمهيد»: (1/ 2) و «عارضة الأحوذي»: (2/ 50، 237).
(2) انظر: «فواتح الرحموت»: (2/ 174)، و «حاشية السندي على النسائي»: (1/ 104).
(3) انظر: «تدريب الراوي»: (1/ 223) و «نزهة النظر»: (ص110 - 111).
(4) في «التمهيد»: (1/ 5).
(5) مقدمة «صحيح مسلم»: (1/ 281) مع شرح النووي.

(1/104)


(قُلْتُ: الشَّيْخُ) ابن الصلاح (لَمْ يُفَصِّلِ) (1) بل أطلق القول عن الشافعي بأنه يقبل مطلق المرسل إذا تَأكَّدَ بما ذكر، (والشَّافِعِيُّ بِالكِبَارِ قَيَّدَا) (2) أي: إنما يقبل مراسيل كبار التابعين، (وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا) أي: إذا أَرْسَلَ وسَمَّى من أرسلَ عنه لم يُسَمِّ إلا ثقة، ويحتمل من روى مطلقاً عن الثقات المراسيل وغيرها، (وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ) في حديثهم (وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظِ) أي فإن خالفهم فإن وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
ومن «قُلْتُ» إلى هنا من الزوائد.
129 - فَإنْ يُقَلْ: فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ ... فَقُلْ: دَلِيْلانِ بِهِ يُعْتَضَدُ
(فَإنْ يُقَلْ) قولكم يُقْبَلُ المرسَل إذا جاء مسنداً من وجه آخر، (فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ) ولا حاجة حينئذ إلى المرسل. (فَقُلْ: دَلِيْلانِ بِهِ) أي: بالمسند (يُعْتَضَدُ) المرسل فيرجَّح بهما عند معارضة دليل واحد.
130 - وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً عَنْ رَجُلِ ... وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ: بِالمُرْسَلِ
(وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً) إذا قيل في إسناد: (عَنْ رَجُلِ) أو عن شيخ أو نحو ذلك.
(وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ: بِالمُرْسَلِ) قاله إمام الحرمين (3).
131 - أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص53).
(2) في «الرسالة»: (ص465، 467).
(3) في «البرهان»: (1/ 633).

(1/105)


(أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ) كمثل ما يرويه أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه، (فَحُكمُهُ الوَصْلُ (1)) لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
(عَلى الصَّوَابِ) مُخْرِجٌ لقول الإسفرايني: إنه لا يحتج به (2).
_________
(1) في الأصل: الرفع. خطأ.
(2) نقله عن الإسفرايني النووي في مقدمة «شرح صحيح مسلم»: (1/ 194) وابن حجي في «النكت»: (ص202).

(1/106)


الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ
132 - وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ: الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ
133 - وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَقَالا: ... بِأنَّهُ الأقْرَبُ لا استِعمَالا
134 - وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِداً، وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَانِ
135 - حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا
(وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ [9 - ب]: الَّذِي سَقَطْ قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ) على المشهور. (وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ) إسناده، والمرسل مخصوص بالتابعين، فهو (1) أعم. قاله ابن عبد البر (2).
(وَقَالا) أي: ابن الصلاح (3) والألف للإطلاق: (بِأنَّهُ) أي: القول بأن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان لكل ما لم يتصل إسناده (الأقْرَبُ)؛ لأنه صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، (لا استِعمَالا) أي: إلا أن أكثر ما يُوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر ما يوصف بالانقطاع ما رواه مَنْ دُوْنَهُ عن الصحابة. (وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ فَصَاعِداً) من أي موضع كان، لكن بشرط أن يكون
_________
(1) أي: المنقطع.
(2) «التمهيد»: (1/ 21).
(3) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص58).

(1/107)


سقوطهما من موضع واحد أما واحد من موضعَين فمنقطع في موضعَين.
(وَمِنْهُ) أي: من المعضل (قِسْمٌ ثَانِ: حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا، وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا) بأن يروي تابع التابعي عن التابعي حديثاً موقوفاً عليه وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الأعمش عن الشعبي قال: «يقال للرجل في القيامة: عمِلت كذا وكذا، فيقول: ما عمِلته فيختم عَلى فيه» الحديث أَعْضَلَهُ الأعمش (1)، ووصله فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس (2).
_________
(1) أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (ص197) وقال عقبه: أعضله الأعمش عن الشعبي.
(2) عند مسلم (ح2969) والنسائي في «الكبرى»: (ح11589) والحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (ص197).

(1/108)


الْعَنْعَنَةُ

(العنعنة) مصدر عَنْعَنَ الحديث، إذا رواه بلفظ «عن» مِنْ غير بيانٍ للتحديث والإخبار والسماع.
136 - وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ
137 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا ... ومُسْلِمٌ لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا
138 - لكِنْ تَعَاصُراً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ ... طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ
139 - مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ، ... وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ
140 - مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ، ... وَحُكْمُ «أَنَّ» حُكمُ «عَنْ» فَالجُلُّ
141 - سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا البَرْدِيْجِيْ ... حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ
(وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ) أي: فالصحيح الذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل، (سَلِمْ مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ) أي: بشرط سلامة الراوي الذي رواه بالعنعنة من التدليس (والِلِّقَا عُلِمْ) أي: وبشرط ثبوت ملاقاته لمن رواه عنه بالعنعنة.
(وَبَعْضُهُمْ) وهو ابن عبد البر، (حَكَى بِذَا إجمَاعَا (1)) أي: إجماع أئمة الحديث على ذلك.
_________
(1) في «التمهيد»: (1/ 12 - 13).

(1/109)


(ومُسْلِمٌ لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا) وادَّعى أنه قول مختَرَع، (لكِنْ تَعَاصُراً) أي: يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصرٍ واحد وإن لم يأتِ في خبر أنهما اجتمعا.
(وَقِيلَ) لا يكتفي بثبوت اللقاء بل (يُشْتَرَطْ طُوْلُ صَحَابَةٍ) بينهما. قاله أبو المظفر السمعاني (1).
(وَبَعْضُهُمْ) هو أبو عمرو الداني، (شَرَطْ مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ (2)) أي: أن يكون معروفاً بالرواية عنه.
(وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ) أي من المعنعَن (مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ) أي [10 - أ] يتبين اتصاله بغيره.
(وَحُكْمُ أَنَّ حُكمُ عَنْ فَالجُلُّ سَوَّوْا) أي: الجمهور ذهبوا إلى التسوية بين الرواية بالعنعنة وبين الرواية بلفظ «أنَّ فلاناً قال».
(وَللقَطْعِ نَحَا البَرْدِيْجِيْ (3)) أي: قال حرف «أن» محمول على الانقطاع (حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ) أي: حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى.
142 - قَالَ: وَمِثْلَهُ رَأى ابْنُ شَيْبَهْ ... كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ
_________
(1) انظر: «قواطع الأدلة»: (2/ 457).
(2) انظر: «بهجة المنتفع شرح جزء في علوم الحديث في بيان المتصل والمرسل والموقوف والمنقطع» (ص182 - 204).
(3) انظر: «التمهيد»: (1/ 26).

(1/110)


143 - قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا ... رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا
144 - يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى ... بـ «قَالَ» أو «عَنْ» أو بـ «أنَّ» فَسَوَا
145 - وَمَا حَكَي عَنْ أحمَدَ بنِ حَنْبَلِ ... وَقَولِ يَعْقُوبٍ عَلَى ذا نَزِّلِ
(قَالَ) ابن الصلاح (1): (وَمِثْلَهُ) أي: مثل ما حُكِيَ عن البرديجي (رَأى) الحافظ يعقوب (ابْنُ شَيْبَهْ).
(كَذا لَهُ) أي: كذا حكى ابن الصلاح عنه أنه جعل: «عن ابن الحنفية أنَّ عماراً مَرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي» مرسلاً من حيث كونه قال: أنَّ عماراً فعل. ولم يقل: عن عمار.
(وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ) أي: ولم يعرج ابن الصلاح صوب مقصده؛ لأن يعقوب لم يجعله مرسلاً من حيث لفظ «أن» بل من حيث إنه لم يُسند حكاية القصة إلى عمار فكان ابن الحنفية هو الحاكي لقصةٍ لم يدركها، فكان نقله لذلك مرسلاً.
(قُلتُ: الصَّوَابُ) أن أذكر قاعدة وهي (أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا رَوَاهُ) بأن حكى قصةً وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض الصحابة والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة (بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا) من اعتبار السلامة من التدليس في التابعين ومن بعدهم، (يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ) وإن لم يُعلم أنه شاهدها (كَيفَمَا رَوَى بـ «قَالَ» أو «عَنْ» أو بـ «أنَّ» فَسَوَا)، وإن لم يُدرك تلك الواقعة فهو مرسل صحابي، وإن كان الراوي تابعياً فمنقطع.
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص63).

(1/111)


(وَمَا حَكَى) ابن الصلاح (1) (عَنْ أحمَدَ بنِ حَنْبَلِ) أنه قيل له: إن رجلاً قال: «عروة أنَّ عائشة قالت: يا رسول الله» , و «عن عروة عن عائشة» سواءً قال كيف هذا سواء؟ ليس هذا بسواء.
(وَقَولِ يَعْقُوبٍ) بن شيبة (عَلَى ذا نَزِّلِ) أما تنزيل كلام أحمد فهو أن أحمد إنما فرق بين اللفظين؛ لأن عروة في اللفظ الأول لم يُسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة فكانت مرسلة.
وأما الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة فكانت متصلة، وأما تنزيل كلام يعقوب فقد تَقَدَّمَ.
146 - وَكَثُرَ استِعْمَالُ «عَنْ» في ذَا الزَّمَنْ ... إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ
(وَكَثُرَ استِعْمَالُ «عَنْ» في ذَا الزَّمَنْ إجَازَةً) وما تقدم من حَملها على [10 - ب] السماع ففي الزمن المتقدم. (وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ) أي: حقيق بنوع من الوصل. والمراد: أن ذلك لا يخرجه من قبيل الاتصال؛ لأن الإجازة لها حكم الاتصال لا القطع.
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص62).

(1/112)


تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ
147 - وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ ... وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ
148 - وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ ... أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى البُخَارِيْ
149 - بِوَصْلِ «لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ» ... مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ
150 - وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ ... ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ
151 - يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا
152 - أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ ... مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا
(وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ) فيما إذا اختلف الثقات في حديث فرواه بعضهم متصلاً، وبعضهم مرسلاً (في الأظْهَرِ) وهو الصحيح.
(وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ)، أي: والقول الثاني: أن الحكم لمن أرسل، وحُكِيَ عن أكثر أصحاب الحديث (1).
(وَنَسبَ) ابن الصلاح (2) القول (الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ أنْ صَحَّحُوْهُ) أي: نسب تصحيحه لأهل الفقه والأصول.
(وَقَضَى البُخَارِيْ بِوَصْلِ لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ) وهو حديث اخْتُلِفَ فيه على أبي
_________
(1) حكاه عنهم الخطيب في «الكفاية»: (2/ 499).
(2) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص71).

(1/113)


إسحاق السبيعي فرواه شعبة (1) والثوري (2) عن أبي بُردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. ورواه إسرائيل بن يونس (3) في آخرين (4) عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلاً، لما سُئِلَ عنه (مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ) وهما شعبة وسفيان (كَالْجَبَلِ) في الحفظ والإتقان.
(وَقِيْلَ الاكْثَرُ) أي: والقول الثالث: أن الحكم للأكثر، فإن كان من أرسله أكثر فالحكم للإرسال أو بالعكس فللوصل.
(وَقِيْلَ: الاحْفَظُ) أي: والقول الرابع: أن الحكم للأحفظ، فإن كان من أرسل أحفظ فالحكم له، أو بالعكس فله.
(ثُمَّ) على القول الرابع (فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ) أي: إرسال الأحفظ (يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ مُسْنَدِهِ) من الحديث غير هذا الذي أرسله من هو أحفظ (عَلَى الأَصَحِّ (5)).
ومنهم من قال: يقدح في مسنده وفي عدالته وفي أهليته.
_________
(1) روايته أخرجها الطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (3/ 9) و «البزار»: (ح3110).
(2) روايته أخرجها عبد الرزاق في «المصنف»: (ح10475).
(3) روايته أخرجها أبو داود (ح2085) والترمذي (ح1101).
(4) كشريك النخعي عند الترمذي (ح1101) وأبو عوانة اليشكري عند الترمذي (ح1101) وابن ماجه (ح1181) وانظر كلام الترمذي على هذا الحديث في سننه عقب الحديث المذكور آنفاً. والحديث صححه الألباني.
(5) في الأصل: «على الصحيح» وهو المخالف لما في «الألفية».

(1/114)


(وَرَأَوْا أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ) إذا تعارض الرفع والوقف بأن رَفَعَ بعضُ الثقات حديثاً ووقفه بعضهم.
(وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا) أي: ولو كان الاختلاف في راو واحد في المسألتين فوصله أو رفعه في وقت وأرسله أو وقفه في وقت، فالحكم على الأصح لوصله ورفعه.

(1/115)


التَّدْلِيْسُ
153 - تَدلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بـ «عَنْ» وَ «أَنْ»
154 - و «قَالَ»: يُوْهِمُ اتِّصَالاً، وَاخْتُلِفْ ... فِي أَهْلِهِ، فَالرَّدُّ مُطْلَقاً ثُقِفْ
155 - وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ... ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا
156 - وَفي الصَّحِيْحِ عِدَّةٌ كالاعْمَشِ ... وَكهُشَيْمٍ بَعْدَهُ وَفَتِّشِ
(تَدلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ حَدَّثَهُ) أي: اسم شيخه الذي سمع منه، (وَيَرْتَقِي) إلى شيخ شيخه أو من فوقه فيسند ذلك إليه (بـ «عَنْ» وَ «أَنْ» و «قَالَ») أي: فلان، وهو اللفظ الذي (يُوْهِمُ اتِّصَالاً) ولا يقتضيه، وإيهام ذلك للاتصال [11 - أ] إنما يكون إذا كان المدلِّس قد عاصر المروي عنه، أو لقيه ولم يسمع منه، أو سمع لا ذلك الحديث.

(وَاخْتُلِفْ فِي أَهْلِهِ) أي: في أهل هذا القسم من التدليس وهم المعروفون به، (فَالرَّدُّ مُطْلَقاً ثُقِفْ) أي: فقيل: يُرد حديثهم مطلقاً سواءً بَيَّنُوا السماع أم لم يبينوا (1). وثُقِف بمعنى: وُجِدْ.
(وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا) أي: والصحيح الذي ذهب إليه الأكثرون التفصيل، فإن صَرَّحَ بالاتصال كـ «سمعت» فهو مقبول، وإن أتى بلفظ محتمل فحكمه حكم المرسل.
_________
(1) انظر: «النكت على ابن الصلاح»: (ص225).

(1/116)


(وَفي الصَّحِيْحِ) أي: في «الصحيحين» وغيرهما من الكتب الصحيحة (عِدَّةٌ) من المدلسين، (كالاعْمَشِ وَكهُشَيْمٍ بَعْدَهُ وَفَتِّشِ) فتجد في الصحيح جماعة منهم (1).
157 - وَذَمَّهُ شُعْبَةُ ذُو الرُّسُوْخِ ... وَدُوْنَهُ التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخِ
158 - أنْ يَصِفَ الشَّيْخَ بِمَا لا يُعْرَفُ ... بِهِ، وَذَا بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ
159 - فَشَرُّهُ للضَّعْفِ وَاسْتِصْغَارا ... وَكالخَطِيْبِ يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا
160 - والشَّافِعيْ أثْبَتَهُ بِمَرَّةِ ... قُلْتُ: وَشَرُّهَا أخُو التَّسْوِيَةِ
(وَذَمَّهُ شُعْبَةُ ذُو الرُّسُوْخِ) فبالغ في ذَمِّه فقال: «التدليس أخو الكذب» (2).
(وَدُوْنَهُ) أي: دون القسم الأول: (التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخِ)، فأمره أخف منه وهو (أنْ يَصِفَ) المدلِّسُ (الشَّيْخَ) الذي سمع ذلك الحديث منه (بِمَا لا يُعْرَفُ بِهِ) من اسمٍ، أو كنيةٍ، أو نسبةٍ إلى قبيلة، أو بلد، أو نحو ذلك، كي يوعِّرَ الطريق إلى معرفة السامع له.
(وَذَا بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ) أي: ويختلف الحال في كراهة هذا القسم باختلاف المقصد الحامِل على ذلك؛ (فَشَرُّهُ للضَّعْفِ) أي: إذا كان الحامل على ذلك كون المروي عنه ضعيفاً فيدلِّسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء.
_________
(1) يُراجع لذلك كتاب «روايات المدلسين في صحيح البخاري» وكتاب «روايات المدلسين في صحيح مسلم» كلاهما لعواد الخلف.
(2) أخرجه ابن عدي في مقدمة «الكامل»: (1/ 47) والبيهقي في «مناقب الشافعي»: (2/ 35) والخطيب في «الكفاية»: (2/ 367).

(1/117)


(وَاسْتِصْغَارا) أي: وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه صغيراً في السن، أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه.
(وَكـ «الخَطِيْبِ» يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا) أي: وقد يكون إيهام كثرة الشيوخ بأن يروي عن واحد فَيُعَرِّفُهُ في موضع بصفة وفي آخر بأخرى يُوهِم أنه غيره، وممن يفعل ذلك الخطيب (1).
(والشَّافِعيْ أثْبَتَهُ) أي: أصل التدليس (بِمَرَّةِ) فأجرى الحكم بأنه لا يُقبل من المدلِّس فيمن عُرِفَ أنه دَلَّسَ مرة (2).
(قُلْتُ: وَشَرُّهَا أخُو التَّسْوِيَةِ) وهو القسم الثالث من التدليس الذي لم يذكره ابن الصلاح، وهو: أن يروي عن ثقة والثقة عن ضعيف عن ثقة فيسقط المدلِّسُ الضعيف ويجعل الحديث عن الثقة عن الثقة الثاني بلفظٍ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات، وهو شَرُّ أقسام التدليس لما فيه من الغرور الشديد [11 - ب].
_________
(1) انظر: «فتح المغيث»: (1/ 334 - 335).
(2) حكاه عنه البيهقي في «مناقب الشافعي»: (2/ 27).

(1/118)


الشَّاذُّ
161 - وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ
162 - والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ
163 - وَرَدَّ مَا قَالاَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ وَالهِبَةِ
164 - وَقَوْلُ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْداً كُلُّهَا قَوِيُّ
165 - واخْتَارَ فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ أنَّ مَنْ ... يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ فَفَرْدُهُ حَسَنْ
166 - أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فًصَحِّحْ أَوْ بَعُدْ ... عَنْهُ فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ

(وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ) فقال: «ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس» (1).
(والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ) بل قال: هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة (2).
_________
(1) أخرجه الخطيب في «الكفاية» (2/ 419) والحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (ص375). وابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه»: (ص233 - 234)، والبيهقي في «مناقب الشافعي»: (2/ 30) وفي «معرفة السنن والآثار»: (1/ 81 - 82).
(2) «معرفة علوم الحديث»: (ص375) وانظر في مناقشة هذا الإطلاق عن الحكم: «حاشية معرفة علوم الحديث» في الموضع المشار إليه، و «فتح المغيث»: (2/ 8) و «التدريب»: (1/ 268).

(1/119)


(وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ) أي: ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ، فلم يشترط تفرد الثقة بل مطلق التفرد (1).
(وَرَدَّ) ابن الصلاح (2) (مَا قَالاَ) أي: الحاكم والخليلي (بِفَرْدِ الثِّقَةِ) أي: بأفراد الثقات الصحيحة؛ (كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ وَالهِبَةِ) أي: وهبته، تفرد به عبد الله بن دينار (3)، وكغيره مما هو مخرج في «الصحيحين» مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرَّد به ثقة.
(وَقَوْلُ) أي: وَرَدَّهُ بقول (مُسْلِمٍ (4): «رَوَى الزُّهْرِيُّ تِسْعِينَ فَرْداً) عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد، (كُلُّهَا قَوِيُّ) بأسانيد جياد».
(واخْتَارَ) ابن الصلاح (5) (فِيْمَا) إذا خالف الراوي أنه إذا انفرد بشيء فإن كان مخالفاً لما رواه مَنْ هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذاً، أو فيما (لَمْ يُخَالِفْ) بأن رواه هو ولم يروه غيره، (أنَّ مَنْ يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ) أي: إن كان هذا الراوي المنفرد قريباً من الضبط (فَفَرْدُهُ حَسَنْ) فَيُقْبَل ولم يَقْدَحْ الانفراد فيه، (أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ) أي: وإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه (فَصَحِّحْ) أي: فهو في حَيِّزِ الصحيح، (أَوْ بَعُدْ عَنْهُ) أي: عن الضبط بأن لم يكن ممن يُوثَق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به (فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ) أي: فيكون من قبيل الشاذ.
_________
(1) «الإرشاد»: (1/ 176) وانظر حاشية محققه على هذا الموضع في مناقشة هذا الإطلاق عن الخليلي.
(2) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص77).
(3) أخرجه البخاري (ح2535و 6756) ومسلم (ح1506).
(4) في «صحيحه»، عقب الحديث رقم (1647).
(5) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص79).

(1/120)


الْمُنْكَرُ
167 - وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ ... أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ
168 - إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ ... فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ
169 - نَحْوَ «كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ» الخَبَرْ ... وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ
170 - قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ «نَزْعِهْ ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ»
(وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ) أي: الذي ينفرد به الرجل، ولا يُعرف متنه من غير روايته (كَذَا) الحافظ أبو بكر (البَرْدِيجِيْ أَطْلَقَ (1)) ولم يُفَصِّل.

(وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ) أي: والصواب فيه التفصيل الذي بُيِّنَ في الشاذ فينقسم المنكر قسمين على ما ذكر في الشاذ (فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ) ابن الصلاح (ذَكَرْ) (2).
(نَحْوَ) ما روي أنه عليه السلام قال: («كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ» (3) الخَبَرْ) هذا مثال للفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده؛ فإنه تفرد به أبو [12 - أ] زُكَيْر وهو شيخٌ صالحٌ غير أنه لم يبلُغ مبلَغ من يُحتمل
_________
(1) انظر: «شرح علل الترمذي»: (1/ 450).
(2) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص80).
(3) أخرجه ابن ماجه (ح3330) والنسائي في «السنن الكبرى»: (ح6690) والحاكم في «المستدرك»: (4/ 121)، وحكم عليه الألباني بالوضع في «ضعيف ابن ماجه»، و «السلسلة الضعيفة» رقم (231).

(1/121)


تفرده.
(وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ) مثال للفرد المخالف لما رواه الثقات، فإن مالكاً (1) روى عن الزهري عن علي عن عمر بن عثمان عن أسامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» (2) فخالف مالك غيره من الثقات فإنهم سموه عَمْراً بفتح العين. (قُلْتُ: فَمَاذَا؟) قال المصنف: وإذا قال مالك: عُمَر بن عثمان فماذا يلزم منه من نكارة المتن (3)، (بَلْ) المثال الصحيح لأحد قسمي المنكر (حَدِيْثُ نَزْعِهْ خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ) وهو ما رُوي أنه عليه السلام: «كان إذا دخل الخلاء وَضَعَ خاتمه، فهذا حديث مُنكر لم يروه إلا همام (4) وهو ثقة ولكنه خالف الناس فروى عن ابن جريج هذا المتن، وإنما يُعرف عن ابن جريج أنه عليه السلام «اتخذ خاتماً من وَرِقٍ ثم ألقاه» (5).
_________
(1) في «الموطأ»: (2/ 519).
(2) أخرجه البخاري (ح6764) ومسلم (ح1614) والترمذي (ح2107) وابن ماجه (ح2729) ونص الترمذي عقب تخريج الحديث على وهم مالك فيه، وقال النسائي في «الكبرى»: (6/ 123): لم يتابعه أحدٌ على ذلك.
(3) إلا أن يقال: بأن تمثيل ابن الصلاح به لمنكر السند خاصة. «فتح المغيث»: (2/ 16).
(4) روايته أخرجها أبو داود (ح19)، والنسائي (ح5213) والترمذي (ح1749) وابن ماجه (ح303) وضعفه الألباني في ضعيف السنن وفي «المشكاة» رقم (343) و «مختصر الشمائل المحمدية» رقم (75).
(5) أخرجه البخاري (ح5868) ومسلم (ح2093 - 60).

(1/122)


الاعْتِبَارُ وَالْمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ
171 - الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ هَلْ ... شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ
172 - عَنْ شَيْخِهِ، فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ ... مُعْتَبَرٍ بِهِ، فَتَابِعٌ، وَإنْ
173 - شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ فَكَذَا ... وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِداً، ثُمَّ إذَا
174 - مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى فَالشَّاهِدُ ... وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ
175 - مِثَالُهُ «لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا» ... فَلَفْظَةُ «الدِّبَاغِ» مَا أتَى بِهَا
176 - عَنْ عَمْرٍو الاَّ ابنُ عُيَيْنَةٍ وَقَدْ ... تُوبِعَ عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ
177 - ثُمَّ وَجَدْنَا «أَيُّمَا إِهَابِ» ... فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ في البابِ
(الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ) أي: أن تعتبر حديث بعض الرواة بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث لِتعرفَ (هَلْ شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ) أي: في ذلك الحديث بأن رواه غيرُهُ (عَنْ شَيْخِهِ) أم لا.
(فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ مُعْتَبَرٍ بِهِ) أي: شاركه أحد ممن يصلحُ أن يخرَّج حديثه للاعتبار به وللاستشهاد به (فَتَابِعٌ) أي: فَيُسَمَّى هذا الذي شاركه تابعاً.
(وَإنْ) لم تجد مَنْ تَابَعَهُ عليه عن شيخه بل (شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ) أي: فَمَنْ فوقَه إلى آخر الإسناد حتى في الصحابي (فَكَذَا) أي: فكل من وجد له متابع فسمه تابعاً (وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِداً).
(ثُمَّ إذَا) لم تجد أحداً مِمَّنْ فوقَهُ متابَعاً عليه، فإن (مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى) أي: إن

(1/123)


أتى بمعناه حديث آخر (فَالشَّاهِدُ) أي: فَسَمِّ ذلك الحديث شاهداً.
(وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ) أي: عن المتابعات والشواهد فهو فرد.
(مِثَالُهُ) أي: مثال ما وجد له تابع وشاهد: (لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا) وهو ما روي أنه عليه السلام مَرَّ بشاةٍ مطروحة فقال: «ألا أخذوا إهابها فبدبغوه فانتفعوا به» (فَلَفْظَةُ الدِّبَاغِ مَا أتَى بِهَا عَنْ عَمْرٍو الاَّ ابنُ عُيَيْنَةٍ) (1) ولم يذكر فيه أحد من أصحاب عمرو بن دينار فدبغوه غيره، (وَقَدْ تُوبِعَ) شيخه (عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ)؛ فإن أسامة الليثي تابع عَمْراً عن عطاء [12 - ب] فروى عنه عن ابن عباس أنه عليه السلام قال لأهل شاة: «ألا نزعتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به» (2).
(ثُمَّ وَجَدْنَا أَيُّمَا إِهَابِ) وهو ما رُويَ أنه عليه السلام قال: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» (3) (فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ في البابِ) أي: فكان شاهداً له.
_________
(1) أخرجه عنه مسلم (ح364).
(2) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (1/ 16)، والدارقطني في «السنن»: (1/ 44).
(3) أخرجه مسلم (ح366) وأبو داود (ح4123) والترمذي (ح1728) والنسائي (ح4241) وابن ماجه (ح3609).

(1/124)


زِيَادَةُ الثِّقَاتِ
178 - وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ مِنْهُمُ ... وَمَنْ سِوَاهُمْ فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ
179 - وَقِيْلَ: لاَ، وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ... قَسَّمَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ
180 - دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ ... فِيْهِ صَرِيْحَاً فَهُوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ
181 - أَوْ لَمْ يُخَالِفْ، فَاقْبَلَنْهُ، وَادَّعَى ... فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ مُجْمَعَا
182 - أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ نَحْوُ «جُعِلَتْ ... تُرْبَةُ الارْضِ» فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ
183 - فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا ... وَالوَصْلُ والارْسَالُ مِنْ ذَا أُخِذَا
184 - لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً فَاقْتَضَى ... تَقْدِيْمَهُ وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى
185 - هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ إذْ فِيْهِ وَفِيْ ... الجَرْحِ عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ
(وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ) [أي] (1): الألفاظ في المتون، تَعَلَّق بها حكمٌ أم لا، غيرت الحكمَ أم لا، أوجبت نقصاً من أحكامه أم لا (مِنْهُمُ وَمَنْ سِوَاهُمْ) أي: سواءً كانت من شخص واحد بأن رواه مرةً ناقصاً ومرةً بتلك الزيادة، أو كانت الزيادة مِن سوى من رواه ناقصاً. (فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ) من الفقهاء وأصحاب الحديث (2).
_________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من عندي ليست في الأصل.
(2) انظر: «الكفاية»: (2/ 538).

(1/125)


(وَقِيْلَ: لاَ) تقبل مطلقاً (1).
(وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ) أي: ممن رواه ناقصاً، وتقبل من غيره من الثقات (2).
(وَقَدْ قَسَّمَهُ الشَّيْخُ) ابن الصلاح (3) إلى ثلاثة أقسام (فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ فِيْهِ صَرِيْحَاً فَهُوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ) كما سبق في الشاذ.
(أَوْ لَمْ يُخَالِفْ) بأن لم يكن فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره (فَاقْبَلَنْهُ، وَادَّعَى فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ) على قبوله (مُجْمَعَا).
(أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ) بأن زاد لفظةً في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث (نَحْوُ: جُعِلَتْ تُرْبَةُ الارْضِ) أي: نحو حديث: «جُعلت لنا الأرض مسجداً، وجُعلت تربتها لنا طهوراً» (فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ) أي: فهذه الزيادة تفرَّد بها سعد الأشجعي (4)، وسائر الروايات: «جعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً» (5) (فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا) وغيرُ واحد من الأئمة (6).
(وَالوَصْلُ والارْسَالُ مِنْ ذَا أُخِذَا) فإنه نوع من زيادة الثقة لأن الوصل زيادة
_________
(1) انظر: المصدر السابق.
(2) انظر: المصدر السابق.
(3) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص86).
(4) أخرجه مسلم (ح522).
(5) انظر تعليق الحافظ في «نكته على ابن الصلاح» (ص289) على التمثيل بهذا المثال في هذا الموضع.
(6) انظر: «التقرير والتحبير»: (2/ 294 - 295) و «شرح العضد على مختصر ابن الحاجب»: (ص425 - 427).

(1/126)


ثقة.
(لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً فَاقْتَضَى تَقْدِيْمَهُ) أي: لكن الإرسال نوع قَدْحٍ في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل. (وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ؛ إذْ فِيْهِ وَفِيْ الجَرْحِ عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ) أي: ويُجاب عنه بأن الجرح قُدِّمَ لما فيه مِن زيادة العلم، والزيادة هاهنا مَعْ مَنْ وَصَل.

(1/127)


الفَرْد
186 - الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقَاْ ... وَحُكْمُهُ عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقَا
187 - وَالفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ: مَا قَيَّدْتَهُ ... بِثِقَةٍ، أوْ بَلَدٍ ذَكَرْتَهُ
188 - أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلِ ... لَمْ يَرْوِهِ عَنْ بَكْرٍ الاَّ وَائِلِ
189 - لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاّ ضَمْرَهْ ... لَمْ يَرْوِ هَذَا غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ
190 - فَإنْ يُرِيْدُوا وَاحِدَاً مِنْ أهْلِهَا ... تَجَوُّزَاً، فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا
191 - وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ ... ضَعْفٌ لَهَا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ
192 - لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ ... فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ
(الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقَاْ) وهو ما ينفرد به واحد عن كل أحد (وَحُكْمُهُ عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقَا) وكذا [13 - أ] مثاله.

والثاني (الفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ) إلى جهةٍ خاصة (مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقَةٍ) أي: كتقييد الفرد به بثقة، (أوْ بَلَدٍ) معين (ذَكَرْتَهُ، أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلِ: لَمْ يَرْوِهِ) أي: حديث: «أنه عليه السلام أَوْلَم على صفية بسويق وتمر» (عَنْ بَكْرٍ) ابن وائل (الاَّ) أبوه (وَائِلِ (1)). وهذا مثال لتقييد الانفراد بكونه لم يروه عن فلان إلا فلان.
_________
(1) القائل هو ابن طاهر في «أطراف الغرائب والأفراد»: (2/ 176رقم 1057)، والحديث أخرجه أبو داود (ح3744) والترمذي (ح1095)، وابن ماجه (ح1909) وأحمد (3/ 110).

(1/128)


(لَمْ يَرْوِهِ) أي: حديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة» (1) (ثِقَةٌ الاّ ضَمْرَهْ) (2) وهذا مثال لتقييد الانفراد بالثقة.
(لَمْ يَرْوِ هَذَا) أي: «أُمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» (3) (غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ) (4) وهذا مثال ما انفرد به أهل بلدة.
(فَإنْ يُرِيْدُوا) بقولهم انفرد به أهل البصرة (وَاحِدَاً مِنْ أهْلِهَا) انفرد به (تَجَوُّزَاً) بذلك، كما يُضاف فعلُ واحدٍ من قبيلةٍ إليها مجازاً (فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا) أي: من القسم الأول وهو الفرد المطلق.
(وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ) أي: في أقسام الفرد المقيَّد بنسبة إلى جهة خاصة (ضَعْفٌ لَهَا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ) أي: من حيث كونها أفراداً، (لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ) أي: إذا كان القيد بالنسبة لرواية الثقة (فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ) أي: فإنَّ حكمَهُ قريبٌ من حكمِ الفرد المطلق؛ لأن رواية غير الثقة كَلاَ رواية.
_________
(1) أخرجه عن ضمرة مسلم (ح891) وأبو داود (ح1154) والنسائي (1567) والترمذي (ح534) وابن ماجه (ح1282).
(2) القائل هو ابن التركماني في «الجوهر النقي»: (3/ 294).
(3) أخرجه أبو داود (ح818) وأحمد (3/ 3، 45، 97).
(4) القائل لهذا هو الحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (3197).

(1/129)


الْمُعَلَّلُ
193 - وَسَمِّ مَا بِعِلّةٍ مَشْمُوْلُ ... مُعَلَّلاً، وَلاَ تَقُلْ: مَعْلُوْلُ
194 - وَهْيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْبَابٍ طَرَتْ ... فِيْهَا غُمُوْضٌ وَخَفَاءٌ أثَّرَتْ
195 - تُدْرَكُ بِالخِلاَفِ وَالتَّفَرُّدِ ... مَعَ قَرَائِنٍ تُضَمُّ، يَهْتَدِيْ
196 - جِهْبَذُهَا إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى ... تَصْويْبِ إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلاَ
197 - أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ، أوْ مَتْنٌ دَخَلْ ... في غَيْرِهِ، أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ
198 - ظَنَّ فَأمْضَى، أوْ وَقَفْ فأحْجَمَا ... مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا
(وَسَمِّ مَا بِعِلّةٍ مَشْمُوْلُ)، أي: الحديث الذي شملته علة من علل الحديث (مُعَلَّلاً، وَلاَ تَقُلْ: مَعْلُوْلُ) قال النووي (1): إنه لحن.
(وَهْيَ) أي: العلة (عِبَارَةٌ عَنْ اسْبَابٍ طَرَتْ) على الحديث (فِيْهَا غُمُوْضٌ وَخَفَاءٌ (2) أثَّرَتْ) أي: قدحت في صحته (تُدْرَكُ بِالخِلاَفِ) أي: بمخالفة غير الراوي له (وَالتَّفَرُّدِ) أي: وتفرده، (مَعَ قَرَائِنٍ تُضَمُّ) إلى ذلك (يَهْتَدِيْ جِهْبَذُهَا) أي: الناقد بذلك (إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى تَصْويْبِ إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلاَ) أي: على إرسال في الموصول، (أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ) أي: وقف في المرفوع، (أوْ مَتْنٌ دَخَلْ في غَيْرِهِ) أي: أو دخول حديث في حديث، (أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ) بغير ذلك
_________
(1) في «التقريب والتيسير»: (1/ 294) مع «التدريب».
(2) في الأصل: فيها خفاء وغموض. وهو قلب.

(1/130)


(ظَنَّ فَأمْضَى) أي: بحيث غلب على ظنه ذلك فأمضاه وحكم به، (أوْ وَقَفْ فأحْجَمَا) أي: أو تردد في ذلك فوقف وأحجم عن الحكم بصحة الحديث وإن لم يغلب على ظنه صحة التعليل بذلك (مَعْ كَوْنِهِ) أي: الحديث المعلل (ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا) أي: السلامة من العلة.
199 - وَهْيَ تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ ... تَقْدَحُ في المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَدِ
200 - أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ، وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ ... «كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار» صَرَّحُوا
201 - بِوَهْمِ يَعْلَى بْنِ عُبَيدٍ: أبْدَلا ... عَمْراً بـ عَبْدِ اللهِ حِيْنَ نَقَلا
202 - وَعِلَّةُ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ ... إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ
203 - وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: لا ... أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ حِيْنَ سُئِلاَ
(وَهْيَ) أي: العلة (تَجِيءُ غَالِباً في [13 - ب] السَّنَدِ) وتكون في المتن.
ثم العلة في الإسناد قد (تَقْدَحُ في) صحة (المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَدِ أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ) أي: كالتعليل بالإرسال والوقف، (وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ؛ كَالبَيِّعَانِ) أي: كحديث رواه يعلى بن عبيد (1)، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان (بالخِيَار)» الحديث (صَرَّحُوا بِوَهْمِ يَعْلَى بْنِ عُبَيدٍ) على سفيان (أبْدَلا عَمْراً) أي: عمرو بن دينار (بعَبْدِ اللهِ) بن دينار (حِيْنَ نَقَلا)؛ فإن المعروف من حديث سفيان عن عبد الله (2)، ولم يقدح ذلك في صحة المتن.
_________
(1) رواية يعلى أخرجها الطبراني في «المعجم الكبير»: (12/ 448 - 449).
(2) أخرجه البخاري (ج2109)، ومسلم (ج1531)، والنسائي (ج4480).

(1/131)


(وَعِلَّةُ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ) أي: كرواية مسلم في «صحيحه» (1) عن الوليد: ثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه بخبر عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: «صلَّيت خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها». وروى مالك في «الموطأ» (2) عن حُمَيْد عن أنس قال: «صليت وراء أبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» وزاد فيه الوليد (3) عن مالك: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم»، (إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ) أي: إذ ظن بعض الرواة فهماً منه أن قول أنس: «يستفتحون بالحمد لله أنهم لا يبسملون»، فرواه على فهمه بالمعنى (وَصَحَّ) من رواية أبي مسلمة سعيد بن يزيد (أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: لا أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ حِيْنَ سُئِلاَ) فإن أبا مسلمة قال: سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك (4).
204 - وَكَثُرَ التَّعْلِيْلُ بِالإرْسَالِ ... لِلوَصْلِ إنْ يَقْوَ عَلَى اتِّصَالِ
205 - وَقَدْ يُعِلُّوْنَ بِكُلِّ قَدْحِ ... فِسْقٍ، وَغَفْلَةٍ، وَنَوْعِ جَرْحِ
_________
(1) (ح 339 - 520).
(2) رقم (214).
(3) رواية الوليد أخرجها ابن عبد البر في «التمهيد»: (2/ 228).
(4) أخرجه أحمد في «المسند»: (3/ 190)، والدارقطني في سننه (1/ 316).

(1/132)


206 - وَمِنْهُمُ مَنْ يُطْلِقُ اسْمَ العِلَّةِ ... لِغَيْرِ قادحٍ كَوَصْلِ ثِقَةِ
207 - يَقُوْلُ: مَعْلُوْلٌ صَحِيْحٌ كَالذّيْ ... يَقُوْلُ: صَحَّ مَعْ شُذُوْذٍ احْتَذِيْ
(وَكَثُرَ التَّعْلِيْلُ بِالإرْسَالِ لِلوَصْلِ إنْ يَقْوَ) الإرسال (عَلَى اتِّصَالِ).
(وَقَدْ يُعِلُّوْنَ) الحديث (بِكُلِّ قَدْحِ فِسْقٍ، وَغَفْلَةٍ، وَنَوْعِ جَرْحِ) من الكذب وسوء الحفظ، وذلك موجود في كتب علل الحديث.
(وَمِنْهُمُ مَنْ يُطْلِقُ اسْمَ العِلَّةِ لِغَيْرِ قادحٍ) من وجوه الخلاف (كَوَصْلِ ثِقَةِ) أي: كالحديث الذي وصله الثقة الضابط [14 - أ] وأرسله غيره، (يَقُوْلُ: مَعْلُوْلٌ صَحِيْحٌ)، قال ذلك أبو يعلى الخليلي (1)، فإنه جعل من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول (كَالذّيْ يَقُوْلُ: صَحَّ مَعْ شُذُوْذٍ احْتَذِيْ) أي: كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو صحيح شاذ.
208 - وَالنَّسْخَ سَمَّى التِّرْمِذِيُّ عِلَّهْ ... فَإنْ يُرِدْ في عَمَلٍ فَاجْنَحْ لَهْ
(وَالنَّسْخَ سَمَّى التِّرْمِذِيُّ عِلَّهْ (2) فَإنْ يُرِدْ في عَمَلٍ) أي: الترمذي، أنه عِلَّةٌ في العمل بالحديث (فَاجْنَحْ لَهْ) أي: مِلْ إلى كلامه، وإن يرِد في صحة نقله فلا؛ لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة.
_________
(1) في «الإرشاد»: (1/ 160 - 165).
(2) إذ حكم على حديث معاوية في شرب الخمر (ح1444) من «سننه» بأنه منسوخ، ثم قال في «العلل»: (ص886) بعد سياقه: «وقد بينا علته في الكتاب» أ. هـ.
قال ابن رجب في «شرح العلل»: (1/ 8): «وقوله-أي الترمذي-: قد بينا علته ... » فإنما بَيَّن ما قد يُستدل به على نسخه، لا أنه بَيَّن ضعف بإسناده».

(1/133)


الْمُضْطَرِبُ
209 - مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا
210 - في مَتْنٍ اوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ
211 - بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا
212 - كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ ... والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ
(مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ) أي: ما اختلف راويه فيه، فرواه مَرَّةً على وجه، ومرة على وجه آخر مخالِف له، (فَأزْيَدَا) أي: وهكذا إن اضطرب فيه راويان فأكثر فرواه كل واحدٍ على وجه مخالف للآخر.
والاضطراب قد يكون (في مَتْنٍ، اوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ) أي: وإنما يسمى مضطرباً إذا تساوت الروايتان المختلفتان في الصحة بحيث لم ترَجَّحْ إحداهما على الأخرى.
(أَمَّا إِنْ رَجَحْ بَعْضُ الوُجُوْهِ) بكون راويه أحفظ أو أكثر صحْبَة للمروي عنه، أو غير ذلك، (لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا) ولا له حكمه، (وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا).
ومثال الاضطراب في السند: (كَالخَطِّ) أي: كحديث الخط (للسُّتْرَةِ)، وهو قوله عليه السلام: «إذا صلَّى أحدكم فليجعل شيئاً تلقاء وجهه» وفيه «فإذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطاً»، (جَمُّ الخُلْفِ) فإنه اختلِفَ

(1/134)


فيه على إسماعيل اختلافاً كثيراً (1).
ومثال الاضطراب في المتن قول فاطمة بنت قيس: سألت أو سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: «إن في المال لحقاً» فقد اضطُرِب في لفظه فروي هكذا (2)، وروي: «ليس في المال حق سوى الزكاة» (3).
(والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ) أي: لضعف الحديث المضطرب لعدم ضبط رواته.
_________
(1) راجع له «علل الدارقطني»: (10/ 278 - 287)، وانظر: «فتح المغيث»: (2/ 71 - 76).
(2) أخرجه الترمذي في «سننه» (ج659).
(3) أخرجه ابن ماجه (ج1789)، وانظر شرح العراقي على ألفيته (1/ 293 حاشية4).

(1/135)


الْمُدْرَجُ
213 - المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ ... مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ
214 - نَحْوُ إذَا قُلْتَ: «التَّشَهُّدَ» وَصَلْ ... ذَاكَ زُهَيْرٌ وَابنُ ثَوْبَانَ فَصَلْ
215 - قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ ... كـ «أسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ»
(المُدْرَجُ) أقسام الأول منه (المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا) من رواته، إمَّا الصحابي أو من بعده، (بلا فَصْلٍ ظَهَرْ) أي: من غير فصل بين الحديث وبين ذلك الكلام بذكر قائله، فيتوهم من لا يعلم أن الجميع مرفوع (نَحْوُ: إذَا [14 - ب] قُلْتَ التَّشَهُّدَ) أي: ما رواه أبو داود (1) قال: ثنا عبد الله ثنا زهير ثنا الحسن، عن القاسم قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله بن مسعود فَعَلَّمَنَا التشهد في الصلاة قال: فذكر مثل حديث الأعمش: «إذا قلت هذا وقضيت فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد».
(وَصَلْ ذَاكَ) أي: قوله إذا قلت إلى آخره (زُهَيْرٌ) بالحديث المرفوع، وذهب الحفاظ (2) إلى أن هذا من قول ابن مسعود فأُدْرِجَ في الحديث،
_________
(1) في «سننه»: (ج970).

(2) كالحاكم في «معرفة علوم الحديث»: (ص199) والبيهقي في «السنن الكبرى»: (1/ 449)، والخطيب في «الفصل للوصل المدرج من النقل»: (1/ 103)، بل ذكر النووي في «الخلاصة»: (1/ 449) اتفاق الحفاظ عليه.

(1/136)


(وابنُ ثَوْبَانَ فَصَلْ) (1) فإنه رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف (قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ) أي: أُتِىَ به قبل الحديث المرفوع، أو قبل آخره في وسطه، (قُلِبْ) أي: جعل آخره أوله؛ لأن الغالب في المدرجات ذكرها عقيب الحديث، (كـ أسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ) أي: كقول أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار» (2) فأسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة (3).
216 - وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ ... مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ
217 - كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ قَدْ ... اُدْرِجَ (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ
(وَمِنْهُ) أي: من أقسام المدرج (جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ
مِنْهُ بِإسْنَادٍ) أي: أن يكون الحديث عند راويه بإسناد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيجمع الراوي عنه طَرَفَي الحديث، (بِوَاحِدٍ سَلَفْ) أي: بإسناد الطرف الأول، ولا يذكر إسناد طرفه الثاني، (كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ) أي: صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَدْ اُدْرِجَ) وقال فيه: (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) بعد
_________
(1) «سنن الدارقطني»: (1/ 253).
(2) أخرجه الخطيب في «الفصل للوصل»: (1/ 159).
(3) فقد رواه غندر، وهشيم، والنضر بن شميل، ووكيع، وأبو داود الطيالسي، ووهب بن جرير، وآدم بن أبي إياس، وعاصم بن علي، وعلي بن الجعد وغيرهم عن شعبة وجعلوا الكلام الأول من قول أبي هريرة والثاني مرفوعاً. انظر تفصيل ذلك ومواضع رواياتهم في «شرح العراقي على ألفيته»: (1/ 298) و «شرح السيوطي على الألفية»: (ص180).

(1/137)


ذلك في زمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جُلَّ الثياب، تَحَرَّكُ أيديهم تحت الثياب (1). (وَمَا اتَّحَدْ) إسناد هذا الطرف الأخير مع أول الحديث؛ فإن قوله: «ثم جئت» ليس هو بهذا الإسناد، وإنما أُدرج عليه (2).
218 - وَمِنْهُ أنْ يُدْرَجَ بَعْضُ مُسْنَدِ ... في غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلاَفِ السَّنَدِ
219 - نَحْوُ «وَلاَ تَنَافَسُوْا» في مَتْنِ «لاَ ... تَبَاغَضُوا» فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلاَ
220 - مِنْ مَتْنِ «لاَ تَجَسَّسوا» أدْرَجَهُ ... ابْنُ أبي مَرْيَمَ إذْ أخْرَجَهُ
(وَمِنْهُ) أي: من أقسام المدرج (أنْ يُدْرَجَ بَعْضُ مُسْنَدِ في غَيْرِهِ) أي: بعض حديث في حديث آخر (مَعَ اخْتِلاَفِ السَّنَدِ) أي: سندهما، (نَحْوُ (وَلاَ تَنَافَسُوْا) في مَتْنِ (لاَ) تَبَاغَضُوا) أي: ما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا» (3) الحديث (فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلاَ [15 - أ] مِنْ مَتْنِ (لاَ تَجَسَّسوا)) أي: قوله: «ولا تنافسوا» مُدْرَجٌ في هذا الحديث وليس فيه، (أدْرَجَهُ ابْنُ أبي مَرْيَمَ إذْ أخْرَجَهُ) من حديث آخر عن النبي
_________
(1) «سنن أبي داود»: (ج727، 728) والنسائي: (2/ 236).
(2) رواه مبيَّناً زهير بن معاوية وشجاع بن الوليد فميَّزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب وفصلاها من الحديث: «شرح العراقي على الألفية»: (1/ 301) بتصرف يسير. ورواية زهير أخرجها أحمد في «المسند»: (1/ 368). ورواية شجاع أخرجها الخطيب في «الفصل للوصل»: (1/ 429). وانظر: «الفصل للوصل»: (1/ 426 - 429).
(3) أخرجه مع الإدراج الخطيب في «الفصل للوصل»: (2/ 739)، وابن عبد البر في «التمهيد»: (6/ 116)، قال ابن عبد البر: «وقد زاد سعيد بن أبي مريم في هذا الحديث عن مالك: «ولا تنافسوا .. » ثم دلل عليه.

(1/138)


صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا» (1).
221 - وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ ... وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضاً في السَّنَدْ
222 - فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ ... كَمَتْنِ «أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ» الخَبَرْ
223 - فَإنَّ عَمْراً عِنْدَ وَاصِلٍ فَقَطْ ... بَيْنَ شَقيْقٍ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ سَقَطْ
224 - وَزَادَ الاعْمَشُ كَذَا مَنْصُوْرُ ... وَعَمْدُ الادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ
(وَمِنْهُ) أي: من أقسام المدرج: (مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضاً في السَّنَدْ فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ) أي: فيجمعهم على إسناد واحد مما اختلفوا فيه، ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق، (كَمَتْنِ أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ الخَبَرْ) فإنه رواه الترمذي (2): عن بندار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن واصل ومنصور والأعمش، عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله، وهكذا رواه محمد بن كثير العبدي (3)، عن سفيان، فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش؛ (فَإنَّ عَمْراً عِنْدَ وَاصِلٍ فَقَطْ بَيْنَ شَقيْقٍ (4) وَابْنِ مَسْعُوْدٍ سَقَطْ) فيجعله عن أبي وائل عن عبد الله (وَزَادَ
_________
(1) «الموطا»: (2640).
(2) (ح3182، 3183).
(3) أخرج روايته الخطيب في «الفصل للوصل»: (2/ 820).
(4) هو أبو وائل: اسمه شقيق بن سلمة الأسدي. «تقريب التهذيب».

(1/139)


الاعْمَشُ كَذَا مَنْصُوْرُ) ذكر عمرو بن شرحبيل بين شقيق وابن مسعود (1)، على أنه قد اختُلِفَ على الأعمش في زيادته (2).
(وَعَمْدُ الادْرَاجِ لَهَا) أي: لهذه الأقسام (مَحْظُوْرُ) أي: ممنوع.
_________
(1) بَيَّنَ الإسنادين معاً يحيى بن سعيد القطَّان في روايته عن سفيان، وفصل أحدهما من الآخر، فرواه عن سفيان عن منصور والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن عمرو عن عبد الله، كما عند البخاري (ح6811)، وعن سفيان عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل، كما عند البخاري (ح4761).
(2) انظر: «الفصل للوصل»: (2/ 822 - 823).

(1/140)


الْمَوْضُوْعُ
225 - شَرُّ الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ ... الكَذِبُ، المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ
226 - وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَه ... لِمَنْ عَلِمْ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ أمْرَهْ
227 - وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ ... لِمُطْلَقِ الضُّعْفِ، عَنَى: أبَا الفَرَجْ

(شَرُّ) الحديث (الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ الكَذِبُ) أي: وهو المكذوب، ويقال له: (المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ) أي: إن واضعه اختلقه وصنعه (وَكَيْفَ كَانَ) الموضوع، أي: في أي معنى كان؛ في الأحكام، أو القصص، أو الترغيب والترهيب، وغير ذلك، (لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَه لِمَنْ عَلِمْ) أي: لمن علم أنه موضوع أن يذكره بروايةٍ أو احتجاجٍ أو ترغيب، (مَا لَمْ يُبَيِّنْ أمْرَهْ) أي: إلا مع بيان أنه موضوع.
قال ابن الصلاح (1): (وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ) أي: في الموضوع نحو مجلدين (إذْ خَرَجْ لِمُطْلَقِ الضُّعْفِ) فأودع فيه كثيراً منها لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يُذْكَر في مطلق الأحاديث الضعيفة.
(عَنَى) ابن الصلاح بالجامع المذكور (أبَا الفَرَجْ) أي: ابن الجوزي (2).
228 - وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ ... أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا
_________
(1) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص99).
(2) واسم كتابه «الموضوعات» وهو مطبوع.

(1/141)


229 - قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ ... مِنْهُمْ، رُكُوْنَاً لَهُمُ ونُقِلَتْ
230 - فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا ... فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا
231 - نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى ... زَعْمَاً نَأوْا عَنِ القُرَانِ، فافْتَرَى
232 - لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ
233 - كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ ... رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ
234 - وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ ... - كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِيءٌ صَوَابَهْ
(وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ) بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع مِنْ [15 - ب] انتصارٍ لمذهبهم، أو التقرب لبعض الأمراء أو اكتساب، أو غير ذلك (أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً) فإنهم يحتسبون بذلك ويرونه قربةً، (فَقُبِلَتْ مِنْهُمْ، رُكُوْنَاً لَهُمُ ونُقِلَتْ)، فإن الناس يثقون بهم، ويركنون إليهم لما نسبوا إليه من الزهد.
(فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا) حتى قال سفيان: «ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث» (1).
(نَحْوَ أبي عِصْمَةَ) نوح ابن أبي مريم (إذْ رَأَى الوَرَى زَعْمَاً نَأوْا عَنِ القُرَانِ، فافْتَرَى لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ) فإنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةٌ سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذا
_________
(1) أسنده ابن الجوزي في مقدمة «الموضوعات»: (1/ 48).

(1/142)


حسبة (1).
(كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ) الطويل في فضائل سور القرآن سورة سورة، (اعْتَرَفْ رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ) قال المؤمل بن إسماعيل: سألت عن من حَدَّثَهُ إلى أن أدخلني بيتاً فيه متصوفة معهم شيخ قال هذا قلت من حدثك؟ قال: لم يحدثني أحدٌ، ولكنا رأينا الناس قد رَغِبُوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إليه (2)، (وَبِئسَمَا اقتَرَفْ).
(وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ) أي: حديث أُبَيّ (كِتَابَهْ) أي: تفسيره (كَالوَاحِدِيِّ (3)) والثعلبي (4) (مُخْطِيءٌ صَوَابَهْ).
235 - وَجَوَّزَالوَضْعَ عَلَى التَّرْغِيْبِ ... قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْبِ
(وَجَوَّزَالوَضْعَ عَلَى التَّرْغِيْبِ قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ (5)، وَفي التَّرْهِيْبِ) مما لا يتعلق به حكم
_________
(1) انظر: «المدخل» للحاكم: (ص100) ضمن «المجموعة الكمالية»: (2).
(2) انظر: «الموضوعات»: (1/ 241)، «اللآلئ المصنوعة»: (1/ 227 - 228).
(3) هو: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري. كان أوحد عصره في التفسير، صنف التفاسير الثلاثة: البسيط، والأوسط، والوجيز (تـ 468هـ). «إنباه الرواة»: (2/ 223) و «طبقات المفسرين» للواحدي: (1/ 378 - 380).
(4) هو: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، المفسر، المتوفي سنة (427هـ). «وفيات الأعيان»: (1/ 79 - 80).
(5) أبو عبد الله السجستاني المتكلم. «ميزان الاعتدال»: (4/ 21)، «الأنساب»: (11/ 60). وقد توسع برهان الدين اللقاني في الكلام عليه في شرحه على «النزهة» المسمى «قضاء الوطر» (2/ 1055 - 1059) بتحقيقنا.

(1/143)


من الثواب والعقاب ترغيباً للناس في الطاعة، وزجراً لهم عن المعصية.
236 - وَالوَاضِعُوْنَ بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا ... مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا
237 - كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ ... وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ
238 - نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ «مَنْ كَثُرَتْ ... صَلاَتُهُ» الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ
(وَالوَاضِعُوْنَ بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا) كلاماً (مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) ويرويه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(وَبَعْضٌ وَضَعَا كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا) أو بعض الزهاد أو الإسرائيليات (في المُسْنَدِ) فجعله حديثاً.
(وَمِنْهُ) أي: من أقسام الموضوع، (نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ) وإنما وهم فيه بعض الرواة، (نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ) هو ابن موسى الزاهد، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعاً: (مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ الحَدِيْثَ (1)، وَهْلَةٌ سَرَتْ) أي: غفلة فإنَّ ثابتاً دخل على شريك والمستملي بين يديه، وشريك يقول: ثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال [16 - أ] رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر المتن، فلما نظر إلى ثابت قال: من كثرت صلاتُهُ بالليل حَسُنَ وجهُهُ بالنهار. وإنما أراد ثابتاً لزهده، فظن ثابتٌ أنه روى هذا الحديث مرفوعاً بهذا الإسناد فكان يُحَدِّثُ به عنه (2).
_________
(1) أخرجه ابن ماجه في «سننه»: (ج1333)، والخطيب في «تاريخه»: (1/ 13)، وابن أبي حاتم في «العلل»: (ص196).
(2) انظر: «المدخل إلى الإكليل»: (ص63).

(1/144)


239 - وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالاقْرَارِ، وَمَا ... نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا
240 - يُعْرَفُ بِالرِّكَةِ قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ ... الثَّبَجِيُّ القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى
241 - مَااعْتَرَفَ الوَاضِعُ إذْ قَدْ يَكْذِبُ ... بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ
(وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالاقْرَارِ) أي: بإقرار واضعه، (وَمَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَرُبَّمَا يُعْرَفُ بِالرِّكَةِ) أي: بركة لفظ الحديث ومعناه.
(قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ الثَّبَجِيُّ) نسبة لثَبَج البحر وهو ابن دقيق العيد (1)؛ فإنه ولد بساحل يَنْبُعَ، (القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى مَااعْتَرَفَ الوَاضِعُ) بوضعه؛ (إذْ قَدْ يَكْذِبُ) في هذا الإقرار بعينه، (بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ)؛ فإن هذا كافٍ في رده لكن ليس بقاطع في كونه موضوعاً (2).
_________
(1) أبو الفتح تقي الدين محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري البهزي، المتوفى سنة (702هـ) «تذكرة الحفاظ»: (4/ 1481)، و «الوافي بالوفيات»: (4/ 193).
(2) «الاقتراح»: (ص234).

(1/145)


الْمَقْلُوْبُ
242 - وَقَسَّمُوا المَقْلُوْبَ قِسْمَيْنِ إلى: ... مَا كَانَ مَشْهُورَاً بِراوٍ أُبْدِلا
243 - بِواحدٍ نَظِيْرُهُ، كَيْ يَرْغَبَا ... فِيهِ، لِلاغْرَابِ إذا مَا اسْتُغْرِبَا
244 - وَمِنْهُ قَلْبُ سَنَدٍ لِمَتْنِ ... نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ إمَامَ الفَنِّ
245 - في مائَةٍ لَمَّا أتَى بَغْدَادَا ... فَرَدَّهَا، وَجَوَّدَ الإسْنَادَا
246 - وَقَلْبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّوَاةُ ... نَحْوُ: «إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ... »
247 - حَدَّثَهُ - في مَجْلِسِ البُنَاني- ... حَجَّاجٌ، اعْنِي: ابْنَ أبي عُثمَانِ
248 - فَظَنَّهُ - عَنْ ثَابِتٍ - جَرِيْرُ، ... بَيَّنَهُ حَمَّادٌ الضَّرِيْرُ
(وَقَسَّمُوا المَقْلُوْبَ) وهو من أقسام الضعيف (قِسْمَيْنِ إلى مَا كَانَ) الحديث (مَشْهُورَاً بِراوٍ أُبْدِلا بِواحدٍ نَظِيْرُهُ) أي: فجعل مكانه راو آخر في طبقته (كَيْ يَرْغَبَا فِيهِ، لِلاغْرَابِ إذا مَا اسْتُغْرِبَا) أي: ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه، كحديث مشهور بسالم فجعل مكانه نافع.

(وَمِنْهُ) أي: من المقلوب وهو القسم الثاني (قَلْبُ سَنَدٍ لِمَتْنِ) بأن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر.
(نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ) أي: المحدثين (إمَامَ الفَنِّ) محمد بن إسماعيل البخاري (في مائَةٍ) أي: مائة حديث قلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوا إلى كلِّ رجلٍ عشرةَ أحاديث، وأمروهم أن يلقوا ذلك عليه (لَمَّا أتَى بَغْدَادَا)، فحضر

(1/146)


المجلس جماعةٌ من المحدثين، فانتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث منها، فقال: لا أعرفه إلى العاشر، وهو يقول: لا أعرفه. ثم الثاني إلى الرجل العاشر، فلما علم فراغهم التفت إلى الأول فقال: أما حديثك الأول فكذا إلى تمام العشرة، (فَرَدَّهَا، وَجَوَّدَ الإسْنَادَا) فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين كذلك (1).
(وَ) منه (قَلْبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّوَاةُ) قلبه ولكن انقلب على راويه، (نَحْوُ) ما رواه جرير، عن ثابت البناني، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ) فلا تقوموا حتى تروني. (حَدَّثَهُ) أي: هذا الحديث (في مَجْلِسِ) ثابت (البُنَاني حَجَّاجٌ، اعْنِي: ابْنَ أبي عُثمَانِ فَظَنَّهُ - عَنْ ثَابِتٍ - جَرِيْرُ [16 - ب] بَيَّنَهُ حَمَّادٌ الضَّرِيْرُ) فإنه قال: كنت أنا وجرير بن حازم عند ثابت البناني فحدَّث حجاج ابن أبي عثمان عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، فظن جرير أنه إنما حدث به ثابت عن أنس (2).
_________
(1) القصة أخرجها ابن عدي في «أسامي من روى عنهم البخاري من مشايخه»: (ص62)، ومن طريقه الخطيب في «التاريخ»: (2/ 20 - 21)، وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام»: (4/ 63).
(2) «المراسيل» لأبي داود: (ص127).

(1/147)


تنبيهات
249 - وَإنْ تَجِدْ مَتْنَاً ضَعِيْفَ السَّنَدِ ... فَقُلْ: ضَعِيْفٌ، أيْ: بِهَذَا فَاقْصِدِ
250 - وَلاَ تُضَعِّفْ مُطْلَقاً بِنَاءَ ... عَلَى الطَّرِيْقِ، إذْ لَعَلَّ جَاءَ
251 - بِسَنَدٍ مُجَوَّدٍ، بَلْ يَقِفُ ... ذَاكَ عَلَى حُكْمِ إمَامٍ يَصِفُ
252 - بَيَانَ ضَعْفِهِ، فَإنْ أطْلَقَهْ ... فَالشَّيْخُ فِيما بَعْدَهُ حَقَّقَهْ
253 - وَإنْ تُرِدْ نَقْلاً لِوَاهٍ، أوْ لِمَا ... يُشَكُّ فِيهِ لاَ بِإسْنَادِهِمَا
254 - فَأتِ بِتَمْرِيضٍ كـ «يُرْوَى» وَاجْزِمِ ... بِنَقْلِ مَا صَحَّ كـ «قَالَ» فَاعْلَمِ
255 - وَسَهَّلُوا في غَيْرِ مَوْضُوْعٍ رَوَوْا ... مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِضَعْفٍ، وَرَأوْا
256 - بَيَانَهُ في الحُكْمِ وَالعَقَائِدِ ... عَنِ ابنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِ وَاحِدِ
(وَإنْ تَجِدْ مَتْنَاً ضَعِيْفَ السَّنَدِ فَقُلْ: ضَعِيْفٌ) أي: فلك أن تقول هذا ضعيف (أيْ: بِهَذَا فَاقْصِدِ) أي: وتعني بذلك الإسناد (وَلاَ تُضَعِّفْ مُطْلَقاً) أي: وليس لك أن تعني بذلك ضعفه مطلقاً (بِنَاءَ عَلَى) ضعف ذلك (الطَّرِيْقِ؛ إذْ لَعَلَّ جَاءَ بِسَنَدٍ مُجَوَّدٍ) يثبت بمثله الحديث.
(بَلْ يَقِفُ ذَاكَ) أي: جواز إطلاق ضعفه (عَلَى حُكْمِ إمَامٍ) من أئمة الحديث (يَصِفُ بَيَانَ ضَعْفِهِ) مفسراً، (فَإنْ أطْلَقَهْ) ولم يفسره (فَالشَّيْخُ) ابن الصلاح (فِيما بَعْدَهُ) أي: في النوع الثالث والعشرين من كتابه قد (حَقَّقَهْ)، وسيأتي بعد تسعة عشر بيتاً.

(1/148)


(وَإنْ تُرِدْ نَقْلاً لِوَاهٍ) أي: لحديث ضعيف، (أوْ لِمَا يُشَكُّ فِيهِ)، أي: في صحته وضعفه (لاَ بِإسْنَادِهِمَا) أي: بغير إسناد (فَأتِ بِتَمْرِيضٍ كـ (يُرْوَى))، ورُوي، ولا تذكره بصيغة الجزم كقال وفعل.
(وَاجْزِمِ بِنَقْلِ مَا صَحَّ كـ (قَالَ)) ونحوها (فَاعْلَمِ).
(وَسَهَّلُوا في غَيْرِ مَوْضُوْعٍ رَوَوْا) فجوزوا التساهل في أسانيده وروايته (مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِضَعْفٍ) في غير الأحكام والعقائد بل في الترغيب والترهيب ونحوها، أما الموضوع فلا يجوز ذكره إلا مع البيان.
(وَرَأوْا بَيَانَهُ) من غير تساهل (في الحُكْمِ) الشرعي من الحلال والحرام وغيرهما (وَالعَقَائِدِ) كصفات الله تعالى. رُوِىَ ذلك (عَنِ) الإمام عبد الرحمن (ابنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِ وَاحِدِ) (1).
_________
(1) انظر: «الجرح والتعديل»: (1/ 30 - 33) و «الكفاية»: (1/ 398 - 399) و «شرح علل الترمذي»: (1/ 73 - 74).

(1/149)