شرح علل الترمذي

"قواعد في العلل"
ولنختم هذا الكتاب بكلمات مختصرات، من كلام الأئمة، النقاد، الحفاظ، الأثبات، وهي في هذا العلم كالقواعد الكليات، يدخل تحتها كثير من الجزئيات. والله الموفق للخير، والمعين عليه في كل الحالات.
(1) قاعدة
الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط، وقد قال أبو عبد الله بن مندة: إذا رأيت في حديث: "فلان الزاهد" فاغسل يدك منه.
وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث.
وقد ذكرنا ذلك مستوفى فيما تقدم.
والحفاظ منهم قليل. فإذا جاء الحديث من جهة أحد منهم، فليتوقف فيه حتى يتبين أمره.
(2) قاعدة
الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الاشتغال به لا يكادون يحفظون

(2/833)


الحديث كما ينبغي، ولا يقيمون أسانيده، ولا متونه، ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً، ويروون المتون بالمعنى، ويخالفون الحفاظ في ألفاظه. وربما يأتون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم، وقد اختصر شريك حديث رافع بن خديج في المزارعة، فأتى به بعبارة أخرى فقال:
"من زرع في أرض (قوم) بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته".
وهذا يشبه كلام الفقهاء.
وكذلك روى حديث أنس "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يتوضأ برطلين من ماء".
وهذا ما رواه بالمعنى الذي فهمه، فإن لفظ الحديث: أنه كان يتوضأ بالمد، والمد عند أهل الكوفة رطلان.
وكذلك (سليمان) بن موسى الدمشقي، الفقيه، يروي الأحاديث بألفاظ مستغربة.
وكذلك فقهاء الكوفة، ورأسهم حماد بن أبي سليمان، وأتباعه.
وكذلك الحكم بن عتيبة، وعبد الله بن نافع الصائغ، صاحب مالك وغيرهم.

(2/834)


قال شعبة: كان حماد بن أبي سليمان لا يحفظ.
قال ابن أبي حاتم: كان الغالب عليه الفقه، ولم يرزق حفظ الآثار.
وقال شعبة ـ أيضاً ـ: كان حماد ومغيرة أحفظ من الحكم، يعني مع سوء حفظ حماد للآثار كان أحفظ من الحكم.
وقال عثمان البتي: كان حماد إذا قال برأيه أصاب، وإذا قال: قال إبراهيم أخطأ.
قال أبو حاتم الرازي: حماد صدوق، لا يحتج بحديثه، وهو مستقيم في الفقه، فإذا جاء الآثار شوش.
وكان حماد إذا سئل عن شيء من الرأي سر به، فإذا سئل عن الرواية ثقلت عليه وربما كان يسأل عن شيء من حديث إبراهيم فيقول: قد طال العهد بإبراهيم.
قال حماد بن سلمة: كنت أسأل حماد بن أبي سليمان عن أحاديث مسنده، وكان الناس يسألونه عن رأيه، فكنت إذا جئت قال: لا جاء الله بك.
قال حماد بن زيد: قدم علينا حماد البصرة، فجعل فتيان البصرة يسخرون به، فقال له رجل:
ما تقول في رجل وطىء دجاجة ميتة، فخرج منها بيضة؟
وقال له آخر: ما تقول في رجل طلق امرأته ملء سكرجة.
قال ابن حبان: الفقيه إذا حدث من حفظه، وهو ثقة في روايته،

(2/835)


لا يجوز ـ عندي ـ الاحتجاج بخبره، لأنه إذا حدث من حفظه فالغالب عليه حفظ المتون، دون الأسانيد.
وهكذا رأينا أكثر من جالسناه من أهل الفقه، كانوا إذا حفظوا الخبر لا يحفظون إلا متنه. وإذا ذكروه أول أسانيدهم يكون: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يذكرون بينهم وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحداً.
فإذا حدث الفقيه من حفظه ربما صحف الأسماء، وأقلب الأسانيد ورفع الموقوف، وأوقف المرسل، وهو لا يعلم، لقلة عنايته به، وأتى بالمتن على وجهه، فلا يجوز الاحتجاج بروايته إلا من كتاب أو يوافق الثقات في الأسانيد.
قلت: هذا إن كان الفقيه حافظاً للمتن، فأما من لا يحفظ متون الأحاديث بألفاظها من الفقهاء، وإنما يروي الحديث بالمعنى فلا ينبغي الاحتجاج بما يرويه من المتون، إلا بما يوافق الثقات في المتون، أو يحدث به من كتاب موثوق به.
والأغلب أن الفقيه يروي الحديث بما يفهمه من المعنى، وأفهام الناس تختلف، ولهذا نرى كثيراً من الفقهاء يتأولون الأحاديث بتأويلات مستبعدة جداً، بحيث يجزم العارف المنصف بأن ذلك المعنى الذي تأول (به) غير مراد بالكلية.
فقد يروي الحديث على هذا المعنى الذي فهمه.
وقد سبق أن شريكاً روى حديث الوضوء بالمد بما فهمه من المعنى. وأكثر فقهاء الأمصار يخالفونه في ذلك.

(2/836)


(3) قاعدة
الثقات الحفاظ إذا حدثوا من حفظهم وليسوا بفقهاء، قال ابن حبان: ـ عندي ـ لا يجوز الاحتجاج بحديثهم. لأن همتهم حفظ الأسانيد والطرق، دون المتون.
قال: وأكثر من رأينا من الحفاظ كانوا يحفظون الطرق، ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة، يشيرون إليها.
قال: ومن كانت هذه صفته، وليس بفقيه، فربما يقلب المتن، ويغير المعنى إلى غيره، وهو لا يعلم، فلا يجوز الاحتجاج به، إلا أن يحدث من كتابه، ويوافق الثقات.
وقد ذكرنا هذا عن ابن حبان، فيما تقدم، وبينا أن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو مختص بمن عرف منه عدم حفظ المتون وضبطها، ولعله يختص بالمتأخرين من الحفاظ، نحو من كان في عصر ابن حبان، فأما المتقدمون كشعبة، والأعمش، وأبي إسحاق، وغيرهم فلا يقول ذلك أحد في حقهم، لأن الظاهر من حال الحافظ المتقن حفظ الإسناد والمتن، إلا أن يوقف منه على خلاف ذلك، والله أعلم.
وقد سبق قول الشافعي أن من حدث بالمعنى، ولم يحفظ لفظ الحديث، إنه يشترط فيه أن يكون عاقلاً لما يحدث به من المعاني، عالماً بما يحيل المعنى من الألفاظ، وأن من حدث بالألفاظ، فإنه يشترط أن يكون حافظاً للفظ الحديث، متقناً له، والله أعلم.

(2/837)


(4) قاعدة
إذا روى الحفاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد، وانفرد واحد منهم بإسناد آخر، فإن كان المنفرد ثقة حافظاً، فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة، في الأسانيد أو في المتون، وقد تقدم الكلام على ذلك.
وقد تردد الحفاظ كثيراً في مثل هذا. هل يرد قول من تفرد بذلك الإسناد، لمخالفة الأكثرين له، أم يقبل قوله، لثقته وحفظه.
ويقوي قبول قوله إن كان المروي عنه واسع الحديث، يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كالزهري، والثوري، وشعبة، والأعمش.
ومثال ذلك: ما روى أصحاب الأعمش مثل وكيع، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد، وغيرهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أنه كان مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حرث المدينة، فمر على نفر من اليهود، فسألوه عن الروح الحديث.
وخالفهم ابن إدريس، فرواه عن الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن مسروق عن عبد الله، ولم يتابع عليه فصححت طائفة الروايتين عن الأعمش.
وخرجه مسلم من الوجهين. وقال الدارقطني، لعلهما محفوظان وابن إدريس من الأثبات، ولم يتابع على هذا القول.
قلت: ومما يشهد لصحة ذلك أن ابن إدريس روى الحديث بالإسناد الأول أيضاً.

(2/838)


وهذا مما يستدل به الأئمة كثيراً على صحة رواية من انفرد بالإسناد إذا روى الحديث بالإسناد الذي روى به الجماعة، فخرجه ابن أبي خيثمة في كتابه، (ثنا) عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن الكرماني كتبت عنه (بكفربيا) ، ثنا عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: إني لأمشي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكره.
مثال آخر: روى أصحاب الزهري، (عن الزهري، عن) عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "حديث الفأرة في السمن" ورواه معمر عن الزهري عن ابن المسيب، عن أبي هريرة.

(2/839)


فمن الحفاظ من صحح كلا القولين، ومنهم الإمام أحمد، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهما.
ومنهم من حكم بغلط معمر، لانفراده بهذا الإسناد، منهم البخاري، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم.
وذكر الذهلي أن سعيد بن أبي هلال تابع معمراً على روايته عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، إلا أنه أرسله ولم يذكر أبا هريرة.
ويدل على صحة رواية معمر أنه رواه بالإسنادين كليهما.
وأما لفظ الحديث بالتفريق بين الجامد والمائع فقد ذكره معمر عن الزهري بالإسنادين معاً.
وتابعه الأوزاعي عن الزهري، فرواه عن عبيد الله عن ابن عباس.
وكذلك رواه إسحاق بن راهويه، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري لكنه حمل حديث ابن عيينة على حديث معمر.
وقد سبق ذلك كله مستوفى في كتاب الأطعمة.
فأما إن كان المنفرد عن الحفاظ سيىء الحفظ، فإنه لا يعبأ بانفرداه، ويحكم عليه بالوهم.
مثال ذلك ـ أن أصحاب الزهري رووا عن الزهري، عن حميد بن

(2/840)


عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قصة المجامع في رمضان.
ورواه هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. فحكم الأئمة بأنه وهم في ذلك.
فإن كان المنفرد عن الحفاظ، مع سوء حفظه قد سلك الطريق المشهور، والحفاظ يخالفونه، فإنه لا يكاد يرتاب في وهمه وخطئه، لأن الطريق المشهور تسبق إليه الألسنة والأوهام كثيراً. فيسلكه من لا يحفظ.
ومثال ذلك: روى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن حبيب بن أبي سبيعة الضبعي، عن الحارث أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب فلاناً. قال: أعلمته؟ قال: لا، الحديث. هكذا رواه حماد بن سلمة، وهو أحفظ أصحاب ثابت، وأثبتهم في حديثه، كما سبق. وخالفه من لم يكن في حفظه بذاك من الشيوخ الرواة عن ثابت كمبارك بن فضالة، وحسين بن واقد،

(2/841)


ونحوهما، فرووه عن ثابت، عن أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وحكم الحفاظ هنا بصحة قول حماد، وخطأ من خالفه، منهم أبو حاتم، والنسائي، والدارقطني.
قال أبو حاتم: مبارك لزم الطريق، يعني أن رواية ثابت عن أنس سلسلة معروفة، مشهورة، تسبق إليها الألسنة والأوهام، فيسلكها من قل حفظه، بخلاف ما قاله حماد بن سلمة، فإن في إسناده ما يستغرب فلا يحفظه إلا حافظ.
وأبو حاتم كثيراً ما يعلل الأحاديث بمثل هذا وكذلك غيره من الأئمة.
وقد سبق إلى نحو ذلك ابن عيينة وابن مهدي، فإن مالكاً روى عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذه من هذه.
وخالفه ابن عيينة، فرواه عن صفوان بن سليم عن أنيسة عن أم سعيد بنت مرة الفهرية، عن أبيها، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ورجح الحفاظ كأبي زرعة، وأبي حاتم قول ابن عيينة في هذا الإسناد على قول مالك.
قال الحميدي: قيل لسفيان: إن عبد الرحمن بن مهدي يقول: إن سفيان أصوب في هذا الحديث من مالك. قال سفيان: وما يدريه، أدرك سفيان صفوان؟ قالوا: لا، لكنه قال: إن مالكاً قال: عن صفوان، عن عطاء بن يسار. وقال سفيان: عن أنيسة عن أم سعيد بنت مرة، عن أبيها، فمن أين جاء بهذا الإسناد؟.

(2/842)


فقال سفيان: ما أحسن ما قال. لو قال لنا صفوان، عن عطاء بن يسار كان أهون علينا من أن يجيء بهذا الإسناد الشديد.
ومن ذلك أن حصين بن عبد الرحمن روى عن عمرو بن مرة، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث رفع اليدين في الصلاة، ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل بن حجر، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وسئل عن ذلك أحمد، فقال: شعبة أثبت في عمرو بن مرة من حصين. القول قول شعبة. من أين يقع شعبة عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي عن وائل؟ يشير إلى أن هذا إسناد غريب لا يحفظه إلا حافظ، بخلاف علقمة بن وائل، عن أبيه، فإنه طريق مشهور.
وأعلم أن هذا كله إذا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد، فإن ظهر أنه حديثان بإسنادين، لم يحكم بخطأ أحدهما.
وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر، أو نقص منه، أو تغير ـ يستدل به على أنه حديث آخر، فهذا يقول علي بن المديني وغيره من أئمة الصنعة: هما حديثان بإسنادين.
وقد ذكرنا كلام ابن المديني في ذلك، في باب صفة الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كتاب الصلاة.

(2/843)


وكثير من الحفاظ كالدارقطني وغيره لا يراعون ذلك، ويحكمون بخطأ أحد الإسنادين وإن اختلف لفظ الحديثين إذا رجع إلى معنى متقارب. وابن المديني ونحوه إنما يقولون: هما حديثان بإسنادين إذا احتمل ذلك، وكان متن ذلك الحديث يروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة: كحديث الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأما ما لا يعرف إلا بإسناد واحد، فهذا يبعد فيه ذلك.
وكذلك حديث الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغنم المقلدة.

(2/844)


وحديثه عن إبراهيم، عن ألأسود، عن عائشة، في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغنم.
فمن الحفاظ من قال: الصحيح حديث عائشة، وحديث جابر وهم.
ومنهم من قال: هما حديثان مختلفان، في أحدهما لتقليد، وليس في الآخر. ومنهم أبو حاتم الرازي. وقد سبق ذلك في كتاب الحج.
(5) ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك
قتادة، عن الحسن، عن انس، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
هذه السلسلة، قال البرديجي: لا يثبت منها حديث أصلاً من رواية الثقات.
قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
قال البرديجي: هذه الأحاديث كلها معلولة، وليس عند شعبة منها شيء. وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث. وعند هشام منها آخر. وفيهما نظر.

(2/845)


يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
قال البرديجي: قال ابن المديني: لم يصح منها شيء مسند بهذا الإسناد.
وقال البرديجي: لا يصح منها شيء إلا من حديث سليمان بن بلال، من حديث ابن أبي أويس عن أخيه، عنه.
قال: وسائر ذلك مراسيل، وصلها قوم ليسوا بأقوياء.
يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس:
قال البرديجي: هي صحاح، وهي ثلاثة أحاديث. منها حديث فيه اضطراب. وسائر حديث يحيى، عن أنس، فيها نظر.
حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:
قال سليمان بن حرب: لم يصح بهذا الإسناد إلا حديث واحد، وأنكر حديث نافع عن ابن عمر، عن عمر في تقبيل الحجر.
وقال: (ليس هو عن أيوب قط.
وحديث حماد عن (أيوب) ، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر "في تقبيل الحجر") رواه غير واحد عنه.

(2/846)


وخرجه مسلم في صحيحه، ورواه ابن علية عن أيوب، قال: نبئت أن عمر قبل الحجر، كذا رواه مرسلاً.
يحيى بن الجزار عن علي:
قال شبابة عن شعبة، لم يسمع يحيى بن الجزار عن علي إلا ثلاثة أشياء.
منها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام على فرضة من فرض الخندق وأن رجلاً جاء إلى علي، فقال: أي يوم هذا؟
الحسن عن سمرة:
قيل أنه لم يسمع منه سوى حديث العقيقة، وقيل لم يسمع منه شيئاً بالكلية.
وقد ذكرنا ذلك غير مرة.
حميد الطويل، عن أنس:
قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه خمسة أحاديث.
قال أبو داود قال حماد بن سلمة: عامة ما يروي حميد عن أنس لم يسمع منه إنما عامتها سمعه من ثابت.

(2/847)


(وذكر العجلي عن يحيى بن معين عن أبي عبيدة الحداد، قال: قال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثاً) .
الزبير بن عدي عن أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
قال ابن معين: ليس له إلا حديث واحد، يعني حديث "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه".
وكذا قال ابن حبان.
وقال أبو حاتم الرازي: له عنه أربعة أحاديث أو خمسة.
وروى بشر بن الحسين الأصبهاني، عن الزبير، عن أنس، عن النبي

(2/848)


ـ صلى الله عليه وسلم ـ نسخة نحو عشرين حديثاً، وهي موضوعة، قاله أبو حاتم وغيره.
الأعمش: قيل أنه سمع من أنس حديثاً، وقيل أنه لم يسمع منه شيئاً:
وقد سبق ذلك مستوفى في أول الكتاب.
الزهري: قيل أنه لم يسمع من ابن عمر:
وقيل: سمع منه حديثين، كذا ذكره محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر.
أبو إسحاق عن الحارث: لم يسمع منه غير أربعة أحاديث والباقي كتاب أخذه:
كذا قال شعبة، وكذا قال العجلي وغيره.
وقال الإمام أحمد: سمعت أبا بكر بن عياش، قال: قل ما سمع أبو إسحاق من الحارث؛ ثلاثة أحاديث.
الحكم عن مقسم:
روى عنه كثيراً، ولم يسمع منه سوى أربعة أحاديث، قاله شعبة.

(2/849)


قال أبو داود: وليس فيها مسند واحد، يعني كلها موقوفات.
وذكر ابن المديني، عن يحيى عن سعيد، عن شعبة، أنه قال: هي خمسة أحاديث وعدها شعبة: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزمة الطلاق، وحديث جزاء ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض.
قتادة عن أبي العالية:
قال شعبة: لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث.

(2/850)


وحديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر.
وقد خرجا له في الصحيحين عن أبي العالية حديثين آخرين:
أحدهما: حديث دعاء الكرب. والثاني: رؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة أسرى به موسى وغيره من الأنبياء.

(2/851)


أبو سفيان طلحة بن نافع:
قال شعبة وابن عيينة: روايته عن جابر إنما هي صحيفة.
ومرادهما: أنه كتاب أخذه فرواه عن جابر، ولم يسمعه.
وروي عن شعبة قال: حديث أبي سفيان عن جابر، إنما هو كتاب سليمان اليشكري.
وقال ابن المديني: قال معلى الرازي، عن يحيى بن أبي زائدة، قال: سمعت يزيد الدالاني، قال: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا اربعة أحاديث.
وذكر الترمذي في علله عن البخاري، قال: كان يزيد أبو خالد الدالاني، يقول: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أشياء. ثم قال البخاري وما يدريه؟ أو ما يرضى أن رأسا برأس حتى يقول مثل هذا؟ يشير البخاري إلى أن أبا خالد في نفسه ليس بقوي، فكيف يتكلم في غيره، وأثبت البخاري سماع أبي سفيان من جابر.
وقال في تاريخه: قال لنا مسدد، عن أبي معاوية، عن الأعمش عن أبي سفيان: جاورت جابراً بمكة ستة أشهر.

(2/852)


قال: وقال علي: سمعت عبد الرحمن، قال: قال لي هشيم عن أبي العلاء، قال: قال لي أبو سفيان: كنت أحفظ، وكان سليمان اليشكري يكتب يعني عن جابر.
وخرج مسلم حديث أبي سفيان عن جابر، وخرجه البخاري مقروناً.
الأعمش: قيل أنه لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث:
قاله ابن المبارك عن هشيم.
وذكر ابن أبي حاتم بإسناده، عن وكيع، قال: كنا نتتبع ما سمع الأعمش من مجاهد فإذا هي سبعة أو ثمانية.
وحكى الكرابيسي أنه سمع علي بن المديني يقول: لم يصح عندنا سماع الأعمش من مجاهد إلا نحواً من ستة أو سبعة.
قال علي: وكذلك سمعت يحيى وعبد الرحمن يقولان في الأعمش.
وقال الترمذي في علله: قلت للبخاري: يقولون لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث.
قال: ريح، ليس بشيء، لقد عددت له أحاديث كثيرة نحواً من ثلاثين أو أقل أو أكثر، يقول فيها: (ثنا) مجاهد.
وكذا نقل الكرابيسي عن الشاذكوني أن الأعمش سمع من مجاهد أقل من ثلاثين حديثاً.
ومما اختلف في سماع الأعمش له من مجاهد حديث ابن عمر: "كن في

(2/853)


الدنيا كانك غريب" والبخاري يرى أنه سمعه الأعمش من مجاهد، وخرجه في صحيحه كذلك، وأنكر ذلك جماعة، وقد ذكرناه في كتاب الزهد.
سفيان بن عيينة عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
قال العقيلي: ليس لسفيان بهذا الإسناد غير أربعة أحاديث:
مثل الجليس الصالح، والمؤمن للمؤمن كالبنيان، واشفعوا إلي فلتؤجروا، والخازن الأمين.

(2/854)


قال: ليس عنده غير هذه الأربعة.
وروى إبراهيم بن بشار، عن سفيان بهذا الإسناد حديث "كلكم راع".
قال: وليس له أصل. ولم يتابع إبراهيم عليه أحد عن ابن عيينة.
سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
ذكر بعض الحفاظ أنه لا يصح بهذا الإسناد غير ستة أحاديث أو سبعة قال: وأظهر بعضهم كتاباً كله بهذا الإسناد، فظهر كذبه وافتضح.
هشيم، لم يصح له السماع من الزهري إلا أربعة أحاديث:
منها حديث السقيفة قاله الإمام أحمد.
قال أحمد: وسمع هشيم من جابر يعني الجعفي حديثين.
حجاج بن أرطأة:
قال أبو نعيم، الفضل بن دكين، لم يسمع حجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي.
يعني أنه يدلس بقية حديثه عن عمرو عن العرزمي.
الأعمش عن أبي سفيان:
قال الكرابيسي: حدثني علي بن المديني وسليمان الشاذكوني، قالا: روى الأعمش، عن أبي سفيان أكثر من مائة، لم يسمع منها إلا أربعة.
قال علي: سمعت يحيى يقول ذلك.

(2/855)


وذكر البزار في مسنده أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان.
قال: وقد روى عنه نحو مائة حديث.
كذا قال: وهو بعيد.
وحديث الأعمش عن أبي سفيان مخرج في الصحيح.
(معاوية بن سلام بن أبي سلام، عن أبيه سلام، وعن أخيه زيد بن سلام:
وسمع من جده أبي سلام حديثاً واحداً عن كعب:
قال: "من قال سبحان الله وبحمده مائتي مرة غفرت ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر".
ذكره جعفر الفريابي، عن ابن هشام بن خالد، عن مروان بن محمد الدمشقي) .

(2/856)


وقال شعبة: أحاديث الحكم، عن مجاهد كتاب، إلا ما قال: سمعت.
(6) ذكر من عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل
منهم: هشيم بن بشير:
ذكر أحمد أنه لا يكاد يدلس عن حصين.
وقال البخاري، فيما حكاه عنه الترمذي في علله: لا أعرف لسفيان، يعني الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، وذكر شيوخاً كثيرة، لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليساً، ما أقل تدليسه.
(7) ذكر من كان يدلس بعبارة دون عبارة
قال العجلي: إذا قال سفيان بن عيينة: عن عمرو، سمع جابراً فصحيح.
وإذا قال سفيان: سمع عمرو جابراً: فليس بشيء.
يشير إلى أنه إذا قال: عن عمرو، فقد سمعه منه، وإذا قال: سمع عمرو جابراً فلم يسمعه ابن عيينة من عمرو.

(2/857)


(8) قاعدة
قال العجلي: كل شيء روى محمد بن سيرين عن عبيدة، يعني السلماني سوى رأيه فهو من علي.
وكل شيء روى إبراهيم النخعي، عن عبيدة سوى رايه فإنه عن عبد الله إلا حديثاً واحداً، انتهى.
وقد روى ابن سيرين، عن عبيدة، حديثاً مرسلاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "فيمن مات له ثلاثة أولاد". وقيل فيه عن علي، ولا يثبت.
وكذلك روى ابن سيرين عن عبيدة حديث أسارى بدر، والصواب إرساله من غير ذكر علي.
وقد ذكرنا الحديث الأول في آخر الجنائز، والثاني في كتاب الجهاد.

(2/858)


وقد روى يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن علي.
"انه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب".
وخالفه ابن علية وغيره، فرووه عن سعيد، عن بي معشر، عن إبراهيم، عن علي مرسلاً. من غير ذكر عبيدة. قال الدراقطني: وهو المحفوظ.
(9) قاعدة
قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: (ثنا) محمد بن فضيل (ثنا) عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر بضعة عشر حديثاً كلها بهذا الإسناد، إلا حديث "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر الحديث".

(2/859)


فإنه قال: عن عمارة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ كذا قال.
يشير أحمد أن هذا قاله ابن فضيل وأن الصحيح خلافه وأنه عن أبي زرعة.
وقد خرجاه في الصحيحين كذلك.
وقد رواه عن عمارة عن أبي زرعة، جرير وعبد الواحد بن زياد.
قال أحمد: و (ثنا) ابن فضيل، (ثنا) أبي، عن عمارة، عن أبي زرعة عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
"اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً".
قال عبد الله: قال ابي: كل شيء يرويه ابن فضيل عن عمارة، إلا هذا الحديث.
يعني أنه رواه عن أبيه، عن عمارة، وبقية الأحاديث يرويها (ابن) فضيل عن عمارة.

(2/860)


(10)
قاعدة مهمة
حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال واحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص (يفهمون) به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك.
وهذ1 مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع.
فمن ذلك (سعيد) بن سنان، ويقال: سنان بن سعيد يروي عن أنس، ويروي عنه أهل مصر.
قال احمد: تركت حديثه، حديثه مضطرب.
وقال: يشبه حديثه حديث الحسن، لا يشبه أحاديث انس، نقله عبد الله بن احمد عن أبيه.
ومراده أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعة إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسيله.
وقال الجوزجاني: احاديثه واهية، لا تشبه أحاديث الناس عن أنس.
شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر.
روى عنه احاديث منها حديث ابن المنكدر عن جابر مرفوعاً.

(2/861)


من قال حين ـ يسمع النداء "اللهم رب هذه الدعوة التامة ... " الحديث.
وقد خرجه البخاري في صحيحه.
وله علة ذكرها ابن ابي حاتم، عن أبيه قال: قد طعن في هذا الحديث، وكان قد عرض شعيب بن أبي حمزة على ابن المنكدر كتاباً، فأمر بقراءته عليه، فعرف بعضاً، وانكر بعضاً، وقال لابنه أو ابن أخيه: اكتب هذه الأحاديث.
فروى شعيب ذلك الكتاب، ولم يثبت رواية شعيب تلك الأحاديث على الناس، وعرض على بعض تلك الكتب، فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة.
وهذا الحديث من تلك الأحاديث:
قلت: ومصداق ذلك ما ذكره أبو حاتم: أن شعيب بن أبي حمزة روى

(2/862)


عن ابن المنكدر، عن جابر حديث الاستفتاح في الصلاة بنحو سياق حديث علي.
وروي عن شعيب، عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة، فرجع الحديث إلى الأعرج.
وإنما رواه الناس عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب.
ومن جملة من رواه عن ألأعرج بهذا الإسناد إسحاق بن أبي فروة.
وقيل أنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج.
وروى عن محمد بن حمير، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن أبي فروة، وابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة.
ورواه أبو معاوية، عن شعيب، عن إسحاق عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع عن محمد بن مسلمة.
فظهر بهذا أن الحديث عند شعيب عن ابن أبي فروة.
وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث من حديث إسحاق بن أبي فروة يرويه شعيب عنه.

(2/863)


وحاصل الأمر: أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن إسحاق بن أبي فروة، وابن المنكدر.
فمنهم من ترك إسحاق، وذكر ابن المنكدر (ومنهم من كنى عنه، فقال: عن ابن المنكدر) وآخر.
وكذا وقع في سنن النسائي.
وهذا مما لا يجوز فعله، وهو أن يروي الرجل حديثاً عن إثنين: أحدهما مطعون فيه، والآخر ثقة، فيترك ذكر المطعون فيه، ويذكر الثقة.
وقد نص الإمام أحمد على ذلك، وعلله بأنه ربما كان في حديث الضعيف شيء ليس في حديث الثقة، وهو كما قال. فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف، وحديث الآخر محمولاً عليه.
فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة، وابن المنكدر، ويرجع إلى حديث الأعرج.
ورواية الأعرج له معروفة عن ابن أبي رافع عن علي، وهو الصواب عند النسائي والدارقطني وغيرهما.
وهذا الاضطراب في الحديث الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه، وكثرة اضطرابه في ألأحاديث وهو يروي عن ابن المنكدر.
وقد روى هذا الحديث ويزيد بن عياض بن (جعدبة) عن ابن المنكدر،

(2/864)


عن الأعرج، عن (ابن) أبي رافع، عن علي.
وقد كان بعض المدلسين يسمع الحديث من ضعيف فيرويه عنه، ويدلسه معه عن ثقة لم يسمعه منه، فيظن أنه سمعه منهما، كما روى معمر عن ثابت وأبان وغير واحد. عن أنس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
"إنه نهى عن الشغار".
قال أحمد: هذا عمل أبان، يعني أنه حديث أبان.
وإنما معمر، يعني لعله دلسه. ذكره الخلال عن هلال بن العلاء الرقي، عن أحمد.
ومن هذا المعنى أن ابن عيينة كان يروي عن ليث وابن أبي نجيح جميعاً، عن مجاهد، عن أبي معمر، (عن علي) "حديث القيام للجنازة"، قال الحميدي: فكنا إذا وقفنا عليه لم يدخل في الإسناد أبا معمر إلا في حديث ليث خاصة.

(2/865)


يعني أن حديث ابن أبي نجيح كان يرويه عن مجاهد، عن علي منقطعاً.
وقد رواه ابن المديني وغيره عن ابن عيينة بهذين الإسنادين.
ورواه ابن أبي شيبة وغيره، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح وحده وذكر في إسناده مجاهداً، وهو وهم.
قال يعقوب بن شيبة: كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عن اثنين فيسند الكلام عن أحدهما، فإذا حدث به عن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله.
معقل بن عبيد الله الجزري:
قد سبق قول الإمام أحمد أن حديثه عن أبي الزبير يشبه حديث ابن لهيعة.
وظهر مصداق قول أحمد أن أحاديثه عن أبي الزبير مثل أحاديث ابن لهيعة سواء، كحديث "اللمعة في الوضوء" وغيره.
وقد كانوا يستدلون باتفاق حديث الرجلين في اللفظ على أن أحدهما أخذه عن صاحبه.
كما قال ابن معين في مطرف بن مازن: إنه قابل كتبه عن ابن جريج

(2/866)


ومعمر، فإذا هي مثل كتب هشام بن يوسف سواء.
وكان هشام يقول: لم يسمعها من ابن جريج ومعمر، إنما أخذها من كتبي.
قال يحيى: فعلمت أن مطرفاً كذاب.
يعني علم صدق قول هشام عنه.
ومن ذلك قول أحمد وأبي حاتم في أحاديث الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر: إنها تشبه أحاديث عبد الله بن عمر.
ومن ذلك ما ذكر البرذعي، قال: قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما.
قال: وقال لي أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان، انتهى.
(ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن

(2/867)


سمعان) فوجده يشبهه ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهم، فخاف أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما.
ومن ذلك أن مسلماً خرج في صحيحه عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن عاصم بن محمد العمري، (ثنا) سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: قال الله تعالى: "ابتلى عبدي المؤمن فإن لم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري ثم ابدلته لحماً خيراً من لحمه".
قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد ـ رحمه الله ـ هذا حديث منكر، وإنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه، وعبد الله بن سعيد شديد الضعف.
قال يحيى القطان: ما رايت أحداً أضعف منه.
ورواه معاذ بن معاذ، عن عاصم بن محمد، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. وهو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد، انتهى.
ومن ذلك قول ابن المديني في حديث الفضل بن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خطبة الوداع الذي رواه القاسم بن يزيد بن عبد الله بن

(2/868)


قسيط، عن ابيه، عن عطاء، عن الفضل: إنه يشبه أحاديث القصاص، وليس يشبه أحاديث عطاء بن أبي رباح.
ومنه قول أبي أحمد الحاكم، في حديث علي الطويل في الدعاء، لحفظ القرآن: إنه يشبه أحاديث القصاص.
ومن ذلك حديث يرويه عمرو بن يزيد الرفاء، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعملون بالقرآن ما وافق أهوائهم، وما خالف أهوائهم تركوه ... الحديث.

(2/869)


قال ابن عدي: هذا يعرف بعمر بن يزيد عن شعبة، وهو بهذا الإسناد باطل.
قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث شعبة. قال: وهذا الكلام عندي ـ والله أعلم ـ يشبه كلام عبد الله بن المسور الهاشمي المدائني وكان يضع الحديث. وقد روى عمرو بن مرة عنه، فلعل هذا الشيخ حمله عن رجل عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن المسور مرسلاً، وأحاله على شعبة، انتهى.
والأمر على ما ذكره العقيلي ـ رحمه الله ـ.
وقد روى عمرو بن مرة، عن ابن المسور المدائني، حديثاً آخر، اصله مرسل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نزل قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، الحديث.
فهذا هو أصل الحديث، ثم وصله قوم، وجعلوا له إسناداً موصولاً مع اختلافهم فيه ... قال الدارقطني: يرويه عمرو بن مرة واختلف عنه.
فرواه مالك بن مغول، عن عمرو بن مرة، عن عبيدة، عن عبد الله بن مسعود عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاله: عبد الله بن محمد بن المغيرة تفرد بذلك.

(2/870)


ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قاله أبو عبد الرحيم عن زيد.
وخالفه يزيد بن سنان، فرواه عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود.
وقال وكيع، عن المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله.
وكلها وهم.
والصواب: عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن المسور مرسلاً، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك قاله الثوري.
وعبد الله بن المسور هذا متروك، وهو عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، انتهى.
والصحيح عن وكيع كما رواه الثوري.
فقد خرجه وكيع في كتاب الزهد، عن المسعودي عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن مسور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرسلاً.

(2/871)


وما ذكره الدارقطني عن وكيع لا يثبت عنه.
ومن ذلك ما ذكره عبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب العلل".
قال: حدثني أبو معمر، (ثنا) أبو أسامة، قال كنت عند سفيان الثوري فحدثه زائدة، عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير: (فصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا ما شاء الله) ، قال: هم الشهداء.
فقال له سفيان: إنك لثقة، وإنك لتحدثنا عن ثقة، وما يقبل قلبي إن هذا من حديث سلمة، فدعا بكتاب فكتب: من سفيان بن سعيد إلى شعبة، وجاء كتاب شعبة:
من شعبة إلى سفيان: إني لم أحدث بهذا عن سلمة، ولكن حدثني عمارة بن أبي حفصة، عم حجر الهجري، عن سعيد بن جبير.
ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكلام الذي لا يشبه كلامه.
قال ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه: تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون مثله كلام النبوة ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته، والله أعلم.

(2/872)


(11) قواعد في علم الجرح والتعديل
قد ضعف رجال واختلف فيهم. ولكن منهم من روايته عن بعض شيوخه أضعف من روايته عن غيره.
ومنهم من رواية بعض أصحابه عنه أضعف من رواية بعض: فنذكر ههنا جملة من ذلك.
فمنهم عباد بن منصور، قاضي البصرة:
ضعفوه، وأضعف رواياته عن عكرمة.
يقال: إنه أخذها عن ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه.
ومنهم شهر بن حوشب:
مختلف في أمره، لكن رواية عبد الحميد بن بهرام عنه أصح من رواية غيره من أصحابه.
قال يحيى القطان: من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام.
وقال احمد: حديثه عن شهر مقارب. كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن، وهي سبعون حديثاً طوالاً.
وقال أبو حاتم الرازي: عبد الحميد بن بهرام في شهر مثل الليث بن سعد في سعيد المقبري، أحاديثه عن شهر صحاح، لا أعلم روى عن شهر

(2/873)


أحسن منها. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: لا، ولا بحديث شهر، ولكن يكتب حديثه.
وقال شعبة: نعم الشيخ عبد الحميد بن بهرام، لكن لا تكتبوا عنه، فإنه يحدث عن شهر.
ومنهم أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي:
ضعيف، ضعفه الأكثرون مطلقاً.
ونقل الترمذي في العلل عن البخاري قال: لا بأس بحديثه إلا ما رواه عنه ابنه محمد، فإنه يروي عنه مناكير.
(12) قاعدة في الرواة
رشدين اثنان:
أحدهما رشدين بن كريب، مولى ابن عباس. والثاني: رشدين بن سعد المصري.
وكلاهما ضعيف فهذه الترجمة من الأسماء ليس فيها ثقة، فيما نعلم.

(2/874)


(13) قاعدة
قال إسماعيل بن علية: من كان اسمه عاصماً ففي حفظه شيء، ذكره ابن عدي في كتابه.
وحكى المروذي عن يحيى بن معين، قال: كل عاصم في الدنيا ضعيف، ولم يوافق أحمد على ذلك، فإن عاصم بن سليمان الأحول عنده ثقة، وذكر له أن ابن معين تكلم فيه، فعجب.
وعاصم بن بهدلة ثقة، إلا أن في حفظه اضطراباً.
وعاصم بن عمر بن قتادة ثقة أيضاً متفق على حديثه كعاصم الأحول.
وعاصم بن كليب ثقة، وقد وثقه ابن معين أيضاً.
(وعاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: ثقة متفق على حديثه، وممن وثقه ابن معين ـ أيضاً) .
وأما عاصم بن عمر بن الخطاب فأجل من أن يقال فيه ثقة.

(2/875)


وفوق هؤلاء من اسمه عاصم من الصحابة، وهم جماعة، ولم يرد ابن معين دخولهم في كلامه قطعاً.
(14) قاعدة
قال أحمد في رواية ابن هانىء: كل أبي فروة ثقة، إلا أبا فروة الجزري، يعني يزيد بن سنان، وقد تقدم ذكره.
(15) قاعدة
قال أحمد في رواية ابن هانىء ـ أيضاً: قال: آل كعب بن مالك كلهم ثقات، كل من روى عنه الحديث، يعني كل من روى عنه الحديث من أولاد كعب بن مالك وذريته فهو ثقة.
(16) قاعدة
قال أحمد: كل من روى عنه مالك فهو ثقة.
وقال النسائي: لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله، فإنه روى عنه حديثاً وعن عمرو بن أبي عمرو، وهو أصلح من عاصم. وعن شريك بن أبي نمر وهو أصلح من عمرو.

(2/876)


ولا نعلم مالكاً حدث عن أحد يترك حديثه إلا عن عبد الكريم أبي أمية.
ونقل الترمذي في علله عن البخاري أنه قال: لا نعلم مالكاً حدث عمن يترك حديثه إلا عن عطاء الخراساني.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن عطاء الخراساني ثقة، عالم رباني، وثقة كل الأئمة ما خلا البخاري، ولم يوافق على ما ذكره. وأكثر ما فيه أنه كان في حفظه بعض سوء.
قال شعبة: حدثنا عطاء الخرساني، وكان نسياً.
وقال ابن معين عنه هو ثبت، وكان كثير الإرسال، نقله عنه الغلابي.
وكان سفيان الثوري يحث على الأخذ عنه، ووثقه الأوزاعي، وأحمد ويحيى، ويعقوب بن شيبة، ومحمد بن سعد، والعجلي، والطبراني، (والدارقطني) .
وقد بين الترمذي في علله أن ما ذكره البخاري لا يوافق عليه، وأنه ثقة عند أكثر أهل الحديث.

(2/877)


قال: ولم أسمع أن أحداً من المتقدمين تكلم فيه.
وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقة ثبت، قال: وهو مشهور، له فضل وعلم ومعروف بالفتوى والجهاد، روى عنه مالك بن أنس وكان مالك ممن ينتفي الرجال.
وأما الحكاية عن سعيد بن المسيب أنه كذبه فيما روى عنه فلا تثبت.
وقد كذب ابن المسيب عكرمة، ولم يتركه البخاري بتكذيبه، بل خرج له، واعتذر عن تكذيب من كذبه في كتاب "القراءة خلف الإمام" وعن تكذيب مالك لابن إسحاق.
قال البخاري: لو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق، فلربما تكلم الإنسان فرمى صاحيه بشيء واحد، ولا يتهمه في الأمور كلها.
وقال إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريش، وقد أكثر عنهما في الموطأ. وهما ممن يحتج بهما.
ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة، وفيمن كان قبلهم. وتأويل بعضهم في العرض والنفس.
ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، انتهى.

(2/878)


وعطاء الخراساني أحق أن يعتذر عما قاله ابن المسيب إن صح، فإنه أعظم وأجل قدراً من عكرمة، بل لا نسبة بينهما في الدين والورع.
وزعم البخاري أن عبد الكريم أبا أمية مقارب الحديث، وهو عند جميع الأئمة مباعد الحديث جداً. ليس بين حديثه وبين حديث الثقات قرب البتة.
ومن ذلك قول ابن المديني: كل مدني لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شيء.
وهذا على إطلاقه فيه نظر، فإن مالكاً لم يحدث عن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة جليل متفق عليه.
ونظير هذا قول عبد الله بن أحمد الدورقي: كل من سكت عنه يحيى بن معين، فهو ثقة.
ومن ذلك قول أبي داود: مشايخ حريز بن عثمان كلهم ثقات.
وقول أبي حاتم في مشايخ سليمان بن حرب كلهم ثقات.

(2/879)


(17) قاعدة
قال الحسين بن فهم: ثلاثة أبيات كانت عند يحيى بن معين من أشر قوم:
المحبر بن قحذم وولده، وعلي بن عاصم وولده، وآل أبي أويس كلهم كانوا عنده ضعافاً جداً.
أما المحبر بن قحذم فروى عن أبيه قحذم بن سليمان:
قال العقيلي: في حديثهما يعني المحبر وأباه وهم وغلط.
وأما ولد المحبر فلا يعرف منهم سوى داود، وهو ضعيف جداً، وسئل عنه أحمد، فضحك وقال:
شبه لا شيء، (كان يدري ذاك ايش الحديث؟ ويقول أحمد على الانكار) .
وقال ابن معين عنه: لم يكن كذاباً، وكان قد سمع الحديث بالبصرة، ثم

(2/880)


صار إلى عبادان فصار مع الصوفية فنسي الحديث وجفاه، ثم قدم بغداد فجاءه أصحاب الحديث فجعل يخطىء في الحديث، لأنه لم يجالس أصحاب الحديث.
فأما بدل بن المحبر فثقة بصري ليس بينه وبين هؤلاء قرابة، وقد خرج عنه البخاري في صحيحه.
وأبان بن المحبر شامي، وهو ضعيف، وليس من هؤلاء بشيء.
ومن ولد المحبر بن قحذم الوليد بن هشام القحذمي، وقد روى الوليد بن هشام هذا عن المحبر بن قحذم عن جده، أبي قحذم، سليمان بن ذكوان عن أنس، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها.
وأما علي بن عاصم:
فهو علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي يكنى أبا الحسن.
وقد رماه طائفة بالكذب منهم يزيد بن هارون وغيره.
وكذبه ـ أيضاً ـ ابن معين.
وكان أحمد يحسن القول فيه، ويوثقه، ويحدث عنه ويقول، أنه يخطىء.

(2/881)


وأنكر ذلك ابن معين عليه.
ومما أنكر على علي بن عاصم روايته عن محمد بن سوقة عن إبراهيم، عن الأسود عن عبد الله، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من عزى مصابا فله مثل أجره".
وقد تابعه عليه قوم من الضعفاء. وقد سبق الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز.
وأما ولد علي بن عاصم فله ابنان:
أحدهما: اسمه عاصم، وكان ابن معين يذمه، وقال مرة: كذاب ابن كذاب.
وكان أحمد يوثقه ويقول: هو صحيح الحديث قليل الغلط. وقال أيضاً هو أصح حديثاً من أبيه.

(2/882)


وخرج له البخاري في صحيحه.
والآخر اسمه الحسن، وقد ضعفه ابن معين، وقال: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: محله الصدق.
وقال ابن عدي: الحسن وعاصم ابنا علي خير من أبيهما، وليس لهما من المناكير عشر ما لأبيهما.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لا يصلح من آل عاصم بن صهيب الرومي أحد أبداً.
وأما آل أبي أويس:
فأبو أويس اسمه عبد الله بن عبيد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، ابن ابن عم مالك بن أنس.
ضعفه يحيى. وقال مرة: صدوق وليس بحجة.
وقال أحمد: صالح.
وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً.
وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو عندهم من أهل الصدق.
وقال أبو حاتم: صالح صدوق، كأنه لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وليس بالقوي. وخرج حديثه مسلم في صحيحه.
وله ولدان:
أحدهما: إسماعيل بن أبي أويس: وقد خرج حديثه الشيخان في صحيحهما. وضعفه ابن معين والنسائي. وقال أبو حاتم: مغفل محله الصدق.

(2/883)


وقال البرقاني: قلت للدارقطني: لم ضعف النسائي إسماعيل بن أبي أويس؟.
فقال: ذكر محمد بن موسى الهاشمي، وهذا أحد الأئمة، وكان أبو عبد الرحمن يعني النسائي يخصه ما لم يخص به ولده، فذكر عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه قال: حكى لي سلمة بن شبيب عنه، قال: ثم توقف أبو عبد الرحمن.
قال: فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية، حتى قال لي: قال سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم.
قلت للدارقطني: من حكى لك هذا عن محمد بن موسى؟
قال: الوزير كتبتها من كتابه وقرأتها عليه، يعني ابن حنرابة.
والثاني أبو بكر: واسمه عبد الحميد. وقد خرج له الشيخان.
ووثقه ابن معين وغيره. وهو أوثق من أبيه بكثير، قاله أبو داود وغيره.
وقال الدارقطني: حجة.
وضعف ابن عبد البر أبا أويس وابنيه، وقال: هم ضعاف لا يحتج بهم، ولعل مستنده في ذلك ما ذكرناه أولاً عن يحيى بن معين. والله أعلم.
ويلتحق بهؤلاء من البيوت الضعفاء، عطية بن سعد العوفي وأولاده.

(2/884)


(أما عطية) فضعفه غير واحد، وقد تكرر ذكره في الكتاب غير مرة.
وأما أولاده، فقال العقيلي: عبد الله بن عطية بن سعد، عن أخيه الحسن بن عطية، ولا يتابع على حديثه.
ولهما أخ ثالث يقال له: عمرو بن عطية، ويقاربهما في الضعف وقلة الضبط.
وقال البخاري: عبد الله بن عطية بن سعد العوفي عن أخيه الحسن بن عطية، هو أخو محمد، لم يصح حديثه.
والحسن بن عطية الذي روى عنه أخوه عبد الله، ذكره البخاري، وقال: ليس بذاك، وضعفه أبو حاتم. وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: أحاديثه ليست نقية.
وخرج له أبو داود حديثاً واحداً.
ومحمد بن عطية أخوهم الذي أشار إليه البخاري يروي عن أبيه، قال البخاري: يروي عنه أسيد الحمال عجائب. (وذكره العقيلي في الضعفاء فيمن اسمه محمد) .
وكذا ذكره ابن حبان، ولكنه لم يطلق عليه الجرح، لأنه تردد في نسبة النكارة الواقعة في حديثه بين أن تكون منه، أو من أبيه، أو من أسيد بن زيد الراوي عنه.

(2/885)


وخالف في ذلك الدارقطني، وقال: محمد ليس من أولاد عطية لصلبه، إنما هو محمد بن الحسن بن عطية.
ثم قال: (ثنا) أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني، هو ابن عقدة قال: قلت لمحمد بن سعد بن محمد العوفي: محمد بن عطية، الذي روى عنه أسيد بن زيد، من هو؟.
قال: ليس لعطية ابن يقال له محمد، إنما هو جده محمد بن الحسن بن عطية بن سعد نسبه أسيد إلى جده.
وللحسن بن عطية ولدان:
أحدهما: الحسين بن الحسن بن عطية، كان قاضي بغداد.
ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، وغيرهما.
والآخر محمد بن الحسن بن عطية.
قال ابن معين: ليست بمتقن، وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا نفرد، وخرج له أبو داود في كتابه.
وزعم ابن حبان أنه (محمد بن) الحسن بن سعد، ابن أخي عطية بن سعد، ووهمه الدارقطني في ذلك، وقال: إنما هو محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي بلا شك، نسبه محمد بن ربيعة الكلابي كذلك، ونسبه أيضاً

(2/886)


ابن ابنه محمد بن سعيد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد.
ومنهم محمد بن عبيد الله العرزمي. ضعيف الحديث.
وقد ذكرنا له ترجمة مفردة فيما تقدم.
وقد تكرر ذكره في الكتاب كثيراً.
وابنه، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله، وابنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد كلهم ضعفاء.
قال الدارقطني فيما نقله عنه البرقاني: محمد بن عبد الرحمن متروك، وأبوه وجده، وابن أخي محمد عباد بن أحمد بن عبد الرحمن العرزمي، قال: الدارقطني: هو متروك أيضاً.
وروى ابن شاهين من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة: قال: سمعت أبي يقول: ذكرت لأبي نعيم: عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، فقال: كان هؤلاء أهل بيت يتوارثون الضعف قرناً بعد قرن.
ومنهم ولد عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف.
قال أبو حاتم: هم ثلاثة إخوة: محمد وعبد الله وعمران أولاد عبد العزيز بن عمر، وهم ضعفاء الحديث ليس لهم حديث مستقيم. انتهى.
ولعمران ابن يقال له عبد العزيز يكنى بأبي ثابت. ويقال له ـ أيضاً ـ ابن أبي ثابت، فإن أباه يكنى بأبي ثابت ـ أيضاً ـ وهو ـ أيضاً ـ ضعيف جداً.
ولمحمد بن عبد العزيز ابنان: أحدهما إبراهيم يروي عنه يعقوب الزهري

(2/887)


وإبراهيم بن المنذر ذكره البخاري في كتاب الضعفاء (وقال: منكر الحديث، سكتوا عنه) .
وقال ابن عدي: منكر الحديث، عامة أحاديثه مناكير، ولا يشبه حديثه حديث أهل الصدق.
وقال يعقوب بن شيبة: لا علم لي به.
والآخر أحمد يروي عن كتاب أبيه، ويروي عنه عبد الله بن شبيب، ويظهر أن جميعهم ضعفاء، لأن أحاديثهم منكرة، لا توافق حديث الثقات.
ومنهم ولد سلمة بن كهيل:
وله ابنان: يحيى ومحمد. فأما يحيى فضعيف جداً، وأما محمد فقد ضعف ـ أيضاً ـ وهو أصلح من يحيى.
وقال أبو زرعة: هو ضعيف قريب من أخيه يعني يحيى.
وليحيى ابن اسمه إسماعيل، قال فيه الدارقطني متروك.
ولإسماعيل بن يحيى ابن اسمه إبراهيم. منكر الحديث، ضعفه غير واحد.
(18) قاعدة
في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه.
قد ضعفه الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا.

(2/888)


فمنها: أحاديث أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسح على الخفين.
(ضعفهما أحمد ومسلم وغير واحد، وقال: أبو هريرة ينكر المسح على الخفين) فلا يصح له فيه رواية.
ومنها: أحاديث ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسح على الخفين ـ أيضاً ـ، أنكرها أحمد، وقال: ابن عمر أنكر على سعد المسح على الخفين فكيف يكون عنده عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه رواية.
ومنها: حديث عائشة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال للمستحاضة: "دعي الصلاة أيام أقرائك".
قال أحمد: كل من روى هذا عن عائشة فقد أخطأ، لأن عائشة تقول: الأقراء: الأطهار لا الحيض.

(2/889)


ومنها: حديث طاوس، عن ابن عباس في الطلاق الثلاث. وقد سبق.
ومنها: حديث ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فضل الصلاة على الجنازة.
ذكر الترمذي، عن البخاري أنه قال: ليس بشيء، ابن عمر، أنكر على أبي هريرة حديثه.
ومنها: حديث عائشة: "لا نكاح إلا بولي".
أعله أحمد في رواية عنه بأن عائشة عملت بخلافه.

(2/890)


ومنها: حديث ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سئل عن الصبي: ألهذا حج؟ قال: نعم.
رده البخاري بأن ابن عباس كان يقول: أيما صبي حج به ثم أدرك فعليه الحج.
(19) قاعدة
في تضعيف أحاديث رويت عن بعض الصحابة، والصحيح عنهم رواية ما يخالفها.
فمن ذلك: حديث سعد بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "في النهي عن صلاتين: صلاة بعد العصر ... الحديث".
أنكره أحمد والدارقطني وغيرهما:
قال الدارقطني: المحفوظ عنها أنها قالت: "ما دخل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد العصر إلا صلى ركعتين".
ومن ذلك: حديث يزيد الرشك وقتادة، عن معاذة، عن عائشة: "كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله".
أنكره أحمد، والأثرم، وابن عبد البر وغيرهم، وردوه بأن الصحيح عن عائشة قالت: ما سبح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبحه الضحى قط.

(2/891)


فصل
قد ذكرنا في كتاب العلم فضل علم "علل الحديث"، وشرفه وعزته، وقلة أهله المتحققين به من بين الحفاظ والمحدثين.
وقد صنفت فيه كتب كثيرة مفردة، بعضها غير مرتبة، "كالعلل" المنقولة عن يحيى القطان وعلي بن المديني، وأحمد ويحيى وغيرهم.
وبعضها مرتبة، ثم منها ما رتب:
على المسانيد "كعلل الدارقطني"، وكذلك "مسند علي بن المديني" و "مسند يعقوب بن شيبة". هما في الحقيقة موضوعان لعلل الحديث.
ومنها ما هو مرتب على الأبواب: "كعلل ابن أبي حاتم" و "العلل" لأبي بكر الخلال، وكتاب "العلل" للترمذي، أوله مرتب وآخره غير مرتب.
وقد ذكر أبو داود في رسالته إلى أهل مكة، أنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث، لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا.
وهذا كما قال أبو داود فإن العامة تقصر أفهامهم عن مثل ذلك، وربما ساء ظنهم بالحديث جملة، إذا سمعوا ذلك.
وقد تسلط كثير ممن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكر شيء من هذه العلل، وكان مقصوده بذلك الطعن في أهل الحديث جملة، والتشكيك فيه أو الطعن في غير حديث أهل الحجاز، كما فعله حسين الكرابيسي في كتابه الذي سماه "بكتاب المدلسين".
وقد ذكر كتابه هذا للإمام أحمد فذمه ذماً شديداً.

(2/892)


وكذلك أنكره عليه أبو ثور وغيره من العلماء.
قال المروذي: مضيت إلى الكرابيسي، وهو إذ ذاك مستور يذب عن السنة، ويظهر نصرة أبي عبد الله، فقلت له: إن كتاب المدلسين يريدون أن يعرضوه على أبي عبد الله، فأظهر أنك قد ندمت حتى أخبر أبا عبد الله.
فقال لي: إن أبا عبد الله رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق، وقد رضيت أن يعرض كتابي عليه.
وقال: قد سألني أبو ثور وابن عقيل، وحبيش أن أضرب على هذا الكتاب فأبيت عليهم. وقلت: بل أزيد فيه.
ولج في ذلك وأبي أن يرجع عنه، فجيء بالكتاب إلى أبي عبد الله، وهو لا يدري من وضع الكتاب، وكان في الكتاب الطعن على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: إن قلتم: إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج.
فلما قرىء على أبي عبد الله، قال: هذا جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا به، حذروا عن هذا، ونهى عنه.
وقد تسلط بهذا الكتاب طوائف من أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في الطعن على أهل الحديث، كابن عباد الصاحب، ونحوه.
وكذلك بعض أهل الحديث ينقل منه دسائس، إما أنه يخفي عليه أمرها، أو لا يخفى عليه، في الطعن في الأعمش، ونحوه كيعقوب الفسوي، وغيره.

(2/893)


وأما أهل العلم والمعرفة والسنة والجماعة، فإنما يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظاً لسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصيانة لها، وتمييزاً مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم ولا يوجب ذلك عندهم طعناً في غير الأحاديث المعلنة، بل تقوي بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات. فهؤلاء هم العارفون بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقاً وهم النقاد الجهابذة الذين ينتقدون انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به.

(2/894)