صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط الْفَصْل الثَّانِي
شَرط مُسلم فِي صَحِيحه أَن يكون الحَدِيث مُتَّصِل
الْإِسْنَاد بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة من أَوله إِلَى
منتهاه سالما من الشذوذ وَمن الْعلَّة وَهَذَا هُوَ حد
الحَدِيث الصَّحِيح فِي نفس الْأَمر فَكل حَدِيث اجْتمعت فِيهِ
هَذِه الْأَوْصَاف فَلَا خلاف بَين أهل الحَدِيث فِي صِحَّته
وَمَا اخْتلفُوا فِي صِحَّته من الْأَحَادِيث فقد يكون سَبَب
اخْتلَافهمْ انْتِفَاء وصف من هَذِه الْأَوْصَاف بَينهم خلاف
فِي اشْتِرَاطه كَمَا إِذا كَانَ بعض رُوَاة الحَدِيث
مَسْتُورا أَو كَمَا إِذا كَانَ الحَدِيث مُرْسلا وَقد يكون
سَبَب اخْتلَافهمْ فِي صِحَّته اخْتلَافهمْ فِي أَنه هَل
اجْتمعت فِيهِ هَذِه الْأَوْصَاف أَو انْتَفَى بَعْضهَا
وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَب فِي ذَلِك وَذَلِكَ كَمَا إِذا كَانَ
الحَدِيث فِي رُوَاته من اخْتلف
(1/72)
فِي ثقته وَكَونه من شَرط الصَّحِيح فَإِذا
كَانَ الحَدِيث قد تداولته الثِّقَات غير أَن فِي رِجَاله
أَبَا الزبير الْمَكِّيّ مثلا أَو سُهَيْل بن أبي صَالح أَو
الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن أَو حَمَّاد بن سَلمَة
قَالُوا فِيهِ هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَيْسَ
بِصَحِيح على شَرط البُخَارِيّ لكَون هَؤُلَاءِ عِنْد مُسلم
مِمَّن اجْتمعت فيهم الْأَوْصَاف الْمُعْتَبرَة وَلم يثبت
عِنْد البُخَارِيّ ذَلِك فيهم وَكَذَا حَال البُخَارِيّ فِيمَا
خرجه من حَدِيث عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس
(1/73)
وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي وَعَمْرو
بن مَرْزُوق وَغَيرهم مِمَّن احْتج بهم البُخَارِيّ وَلم
يحْتَج بهم مُسلم
قَرَأت بِخَط الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ فِي كِتَابه
الْمدْخل إِلَى معرفَة الْمُسْتَدْرك أَن عدد من أخرجهم
البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح وَلم يخرجهم مُسلم
أَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَعدد من احْتج
بهم مُسلم فِي الْمسند الصَّحِيح وَلم يحْتَج بهم البُخَارِيّ
فِي الْجَامِع الصَّحِيح سِتّمائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ
شَيخا وَقد روينَا عَن مُسلم فِي بَاب صفة صَلَاة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَحِيحه أَنه قَالَ لَيْسَ كل
شَيْء عِنْدِي صَحِيح وَضعته هَاهُنَا يَعْنِي فِي كِتَابه
الصَّحِيح وَإِنَّمَا وضعت هَاهُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَهَذَا مُشكل جدا فَإِنَّهُ قد وضع فِيهِ أَحَادِيث قد
اخْتلفُوا فِي صِحَّتهَا لكَونهَا من حَدِيث من ذَكرْنَاهُ
وَمن لم تذكره مِمَّن اخْتلفُوا فِي صِحَة حَدِيثه وَلم يجمعوا
عَلَيْهِ
(1/74)
وَقد أجبْت عَلَيْهِمَا بجوابين أَحدهمَا
مَا ذكرته فِي كتاب معرفَة عُلُوم الحَدِيث وَهُوَ أَنه
أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام وَالله أعلم أَنه لم يضع فِي
كِتَابه إِلَّا الْأَحَادِيث الَّتِي وجد عِنْده فِيهَا
شَرَائِط الْمجمع عَلَيْهِ وَإِن لم يظْهر اجتماعها فِي
بَعْضهَا عِنْد بَعضهم
وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ أَنه مَا وضع فِيهِ مَا اخْتلفت
الثِّقَات فِيهِ فِي نفس الحَدِيث متْنا أَو إِسْنَادًا وَلم
يرد مَا كَانَ اخْتلَافهمْ إِنَّمَا هُوَ فِي تَوْثِيق بعض
رُوَاته وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَامه فَإِنَّهُ ذكر
ذَلِك لما سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَإِذا قَرَأَ
فأنصتوا هَل هُوَ صَحِيح فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيح فَقيل
لَهُ لم لم تضعه هَاهُنَا فَأجَاب بالْكلَام الْمَذْكُور
وَمَعَ هَذَا قد اشْتَمَل كِتَابه على أَحَادِيث اخْتلفُوا فِي
إسنادها أَو متنها عَن هَذَا الشَّرْط لصحتها عِنْده وَفِي
ذَلِك ذُهُول مِنْهُ رحمنا الله وإياه عَن هَذَا الشَّرْط أَو
سَبَب آخر وَقد استدركت عَلَيْهِ وعللت وَالله أعلم
(1/75)
|