صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط

الْفَصْل الْعَاشِر

هَذَا الْكتاب مَعَ شهرته التَّامَّة صَارَت رِوَايَته بِإِسْنَاد مُتَّصِل بِمُسلم مَقْصُورَة على أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان غير أَنه يرْوى فِي بِلَاد الْمغرب مَعَ ذَلِك عَن أبي مُحَمَّد أَحْمد بن عَليّ القلانسي عَن مُسلم
أما أَبُو إِسْحَاق فَهُوَ نيسابوري من أَهلهَا وَكَانَ فَقِيها زاهدا روينَا عَن الْحَاكِم أبي عبد الله بن البيع النَّيْسَابُورِي أَنه سمع مُحَمَّد بن يزِيد الْعدْل يَقُول كَانَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان مجاب الدعْوَة وَأَنه سمع أَبَا عَمْرو بن نجيد يَقُول كَانَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان من الصَّالِحين وَذكر الْحَاكِم أَنه كَانَ من الْعباد الْمُجْتَهدين وَمن الملازمين لمُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ من أَصْحَاب أَيُّوب بن الْحسن الزَّاهِد صَاحب الرَّأْي يَعْنِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ سمع إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن رَافع الْقشيرِي وَغَيره بنيسابور وبالري وبالعراق وبالحجاز وَتُوفِّي فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِم فِي رَجَب سنة ثَمَان وثلاثمائة

(1/106)


قَالَ إِبْرَاهِيم فرغ لنا مُسلم من قِرَاءَة الْكتاب فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
روى الْكتاب عَنهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يزِيد الْعدْل والجلودي وَغَيرهمَا أما الجلودي فَهُوَ أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمرويه بن مَنْصُور الزَّاهِد النَّيْسَابُورِي الجلودي بِضَم الْجِيم وَمن فتح الْجِيم مِنْهُ فقد أَخطَأ وَإِنَّمَا الجلودي بِفَتْح الْجِيم آخر ذكره يَعْقُوب بن السّكيت ثمَّ ابْن قُتَيْبَة وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جُلُود اسْم قَرْيَة قيل بإفريقية وَقيل بِالشَّام وَهَذَا الجلودي أَبُو أَحْمد فِيمَا ذكره أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وقرأته بِخَطِّهِ فِي كتاب الْأَنْسَاب لَهُ مَنْسُوب إِلَى الْجُلُود جمع جلد
وَعِنْدِي انه مَنْسُوب إِلَى سكَّة الجلوديين بنيسابور الدارسة
روينَا عَن الْحَاكِم ابي عبد الله أَن أَبَا أَحْمد هَذَا كَانَ شَيخا صَالحا زاهدا من كبار عباد الصُّوفِيَّة صحب أكَابِر الْمَشَايِخ وَمن أهل الْحَقَائِق وَكَانَ يورق يَعْنِي ينْسَخ وَيَأْكُل من كسب يَده سمع أَبُو بكر ابْن خُزَيْمَة وَمن كَانَ قبله وَكَانَ ينتحل مَذْهَب سُفْيَان الثَّوْريّ ويعرفه توفى رَحمَه الله يَوْم الثُّلَاثَاء الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة

(1/107)


قَالَ وَختم بوفاته سَماع كتاب مُسلم بن الْحجَّاج وكل من حدث بِهِ بعده عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان وَغَيره فَإِنَّهُ غير ثِقَة
رَوَاهُ عَن الجلودي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن بنْدَار الرَّازِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن عبد الغافر الْفَارِسِي وَغَيرهمَا
أما الْفَارِسِي فَهُوَ عبد الغافر بن مُحَمَّد بن عبد الغافر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْفَارِسِي الْفَسَوِي ثمَّ النَّيْسَابُورِي أَبُو الْحُسَيْن التَّاجِر سمع الْكتاب من الجلودي قِرَاءَة عَلَيْهِ فِي شهور سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة ذكره حفيده عبد الغافر ابْن إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر فِي سِيَاق تَارِيخ نيسابور فَذكر أَنه كَانَ شَيخا ثِقَة صَالحا صائنا محظوظا من الدّين وَالدُّنْيَا مجدودا فِي الرِّوَايَة على قلَّة سماعاته مَشْهُورا مَقْصُودا من الْآفَاق سمع مِنْهُ الْأَئِمَّة والصدور وَقَرَأَ الْحَافِظ الْحسن السَّمرقَنْدِي عَلَيْهِ صَحِيح مُسلم نيفا وَثَلَاثِينَ مرّة وقرأه عَلَيْهِ أَبُو سعيد الْبُحَيْرِي نيفا وَعشْرين مرّة وَمِمَّنْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ من الْمَشَاهِير زين الْإِسْلَام أَبُو الْقَاسِم يَعْنِي الْقشيرِي والواحدي وَغَيرهمَا

(1/108)


اسْتكْمل خمْسا وَتِسْعين سنة وَألْحق أحفاد الأحفاد بالأجداد وَتُوفِّي يَوْم الثُّلَاثَاء وَدفن يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّادِس من شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَالله أعلم
رَوَاهُ فِيمَن رَوَاهُ عَن الْفَارِسِي الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس الصاعدي الفراوي ثمَّ النَّيْسَابُورِي كَانَ أَبوهُ من فراوة بليدَة من ثغر خُرَاسَان وقرأت بِخَط السَّمْعَانِيّ أبي سعد فِي أنسابه أَنه بِضَم الْفَاء ورأيته بِضَم الْفَاء بِخَطِّهِ معنيا بذلك والشائع الْمَعْرُوف فتح الْفَاء وَهَكَذَا ذكره لي شَيخنَا أَبُو الْقَاسِم الفراوي ابْن حفيد الفراوي لما سَأَلته عَن ذَلِك
كَانَ رَحمَه الله وإيانا كثير الرِّوَايَة بِالْأَسَانِيدِ الْعَالِيَة رحلت إِلَيْهِ الطّلبَة من الأقطار وانتشرت الرِّوَايَة عَنهُ فِيمَا دنا ونأى من الْأَمْصَار حَتَّى قَالُوا فِيهِ للفراوي ألف رَاوِي
وَحدثنَا شَيخنَا أَبُو الْقَاسِم الفراوي أَنه نقش على فص من عقيق للفراوي ألف رَاوِي وَذكر لي مرّة أُخْرَى أَن الفص كَانَ لجده هَذَا
وَسمع الْكتاب من الْفَارِسِي بِقِرَاءَة أبي سعيد الْبُحَيْرِي عَلَيْهِ فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ يلقب فَقِيه الْحرم وَمِمَّا يذكر لَهُ من الْمَعَالِي تفقهه على الإِمَام أبي الْمَعَالِي وَله فِي علم الْمَذْهَب كتاب انتخبت مِنْهُ فَوَائِد واستغربتها

(1/109)


وحَدثني بمرو شَيخنَا أَبُو المظفر عبد الرَّحِيم ابْن الْحَافِظ أبي سعد السَّمْعَانِيّ عَن ابيه وَمن خطه ثقلت أَنه قَالَ فِيهِ يصفه إِمَام مفتي مناظر مُحدث واعظ ظريف الْجُمْلَة حسن الْأَخْلَاق والمعاشرة مكرم لأهل الْعلم خُصُوصا للغرباء الواردين عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فِي شيوخي مثله
وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ مولدِي تَقْديرا فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
قلت وَتُوفِّي يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي أَو الثَّانِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَذكره أَبُو الْحسن عبد الغافر حفيد أَبُو الْحُسَيْن عبد الغافر فِي كِتَابه وَمَات قبله سنة تسع وَعشْرين فَأحْسن الثَّنَاء عَلَيْهِ بِمَا لَا نطيل بِهِ
روى الْكتاب عَنهُ فِيمَن رَوَاهُ عَنهُ شَيخنَا أَبُو الْحسن مؤيد بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ المقرىء ابي الْحسن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن أبي صَالح الطابراني الطوسي ثمَّ النَّيْسَابُورِي وَكَانَ شَيخا رَضِيا جَلِيلًا مُسْندًا معمرا محظوظا من رِوَايَة الحَدِيث متصديا لإسماعه ملحوظا من طلبته سمع الْكتاب من الفراوي فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا وعاش حَتَّى تفرد بِهِ عَنَّا وَحَتَّى ألحق الأحفاد بالأجداد
وَسمعت الْكتاب مِنْهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي معدنه نيسابور فعلونا فِيهِ وَللَّه الْحَمد

(1/110)


سَمَاء الْعُلُوّ بِإِسْنَاد متسلسل نيسابوري عَن نيسابوري وَمعمر عَن معمر إِلَى مُؤَلفه مُسلم رَحمَه الله
وأنبأنا بِهِ عَن الفراوي أَيْضا ابْن حفيده الشَّيْخ الزكي أَبُو الْقَاسِم مَنْصُور رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ وإيانا ونفعنا بذلك وإخواننا آمين آمين
وَأما القلانسي فَهُوَ ابو مُحَمَّد أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن بن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن القلانسي وَقعت بروايته عَن مُسلم عِنْد المغاربة وَلم أجد لَهُ ذكرا عِنْد غَيرهم دخلت رِوَايَته إِلَيْهِم من مصر على يَدي من رَحل مِنْهُم إِلَى جِهَة الْمشرق كَأبي عبد الله مُحَمَّد بن يحيى الْحذاء التَّمِيمِي الْقُرْطُبِيّ وَغَيره
سمعوها بِمصْر من أبي الْعَلَاء عبد الْوَهَّاب بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن ماهان الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى الْأَشْقَر الْفَقِيه على مَذْهَب الشَّافِعِي حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن القلانسي حَدثنَا مُسلم بن الْحجَّاج حاشى ثَلَاثَة أَجزَاء من آخر الْكتاب أَولهَا حَدِيث الْإِفْك الطَّوِيل فَإِن أَبَا الْعَلَاء ابْن ماهان الْمَذْكُور كَانَ يروي ذَلِك عَن أبي أَحْمد الجلودي عَن ابْن سُفْيَان عَن مُسلم وبلغنا عَن الْحَافِظ الْفَاضِل أبي عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الغساني وَكَانَ من جهابذة الْمُحدثين وَرَئِيسهمْ بقرطبة قَالَ سَمِعت أَبَا عمر أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى

(1/111)


يَعْنِي ابْن الْحذاء يَقُول سَمِعت أبي يَقُول أَخْبرنِي ثِقَات أهل مصر أَن أَبَا الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ كتب إِلَى أهل مصر من بَغْدَاد أَن اكتبوا عَن أبي الْعَلَاء بن ماهان كتاب مُسلم بن الْحجَّاج الصَّحِيح وَوصف أَبَا الْعَلَاء بالثقة والتمييز

(1/112)