صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط

تَنْبِيهَات

الأول اخْتلفت النّسخ فِي رِوَايَة الجلودي عَن إِبْرَاهِيم هَل هِيَ بحدثنا إِبْرَاهِيم أَو أخبرنَا والتردد وَاقع فِي أَنه سمع من لفظ إِبْرَاهِيم أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ فالأحوط إِذن أَن يُقَال أخبرنَا إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِبْرَاهِيم فيلفظ القارىء بهما على الْبَدَل وَجَائِز لنا الإقتصار على أخبرنَا فَإِنَّهُ كَذَلِك فِيمَا نقلته من ثَبت الفراوي من خطّ صَاحبه عبد الرازق الطبسي وَفِيمَا انتخبته بنيسابور من الْكتاب من أصل فِيهِ سَماع شَيخنَا الْمُؤَيد وسمعته عَلَيْهِ عِنْد تربة مُسلم رَحمَه الله وَهُوَ كَذَلِك بِخَط الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الدِّمَشْقِي العساكري عَن الفراوي وَفِي ذَلِك أَيْضا
فَحكم المتردد فِي ذَلِك الْمصير إِلَى أخبرنَا لِأَن كل تحديث من حَيْثُ الْحَقِيقَة إِخْبَار وَلَيْسَ كل إِخْبَار تحديثا وَالله أعلم

(1/113)


الثَّانِي اعْلَم أَن لإِبْرَاهِيم بن سُفْيَان فِي الْكتاب فائتا لم يسمعهُ من مُسلم يُقَال فِيهِ أخبرنَا إِبْرَاهِيم عَن مُسلم وَلَا يُقَال فِيهِ قَالَ أخبرنَا أَو حَدثنَا مُسلم
وَرِوَايَته لذَلِك عَن مُسلم إِمَّا بطرِيق الْإِجَازَة وَإِمَّا بطرِيق الوجادة وَقد غفل أَكثر الروَاة عَن تَبْيِين ذَلِك وتحقيقه فِي فهارسهم وبرنامجاتهم وَفِي تسميعاتهم وإجازاتهم وَغَيرهَا بل يَقُولُونَ فِي جَمِيع الْكتاب أخبرنَا إِبْرَاهِيم قَالَ اُخْبُرْنَا مُسلم وَهَذَا الْفَوْت فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع مُحَققَة فِي أصُول مُعْتَمدَة
فأولها فِي كتاب الْحَج فِي بَاب الْحلق وَالتَّقْصِير حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رحم الله المحلقين بِرِوَايَة ابْن نمير فشاهدت عِنْده فِي أصل الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الدِّمَشْقِي بِخَطِّهِ مَا صورته
أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان عَن مُسلم قَالَ حَدثنَا ابْن نمير حَدثنَا ابي حَدثنَا عبيد الله بن عمر الحَدِيث
وَكَذَلِكَ فِي أصل بِخَط الْحَافِظ أبي عَامر الْعَبدَرِي إِلَّا أَنه قَالَ حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق
وشاهدت عِنْده فِي أصل قديم مَأْخُوذ عَن أبي أَحْمد الجلودي مَا صورته من هَا هُنَا قَرَأت على أبي أَحْمد حَدثكُمْ إِبْرَاهِيم عَن مُسلم وَكَذَا كَانَ فِي كِتَابه إِلَى الْعَلامَة
قلت وَهَذِه الْعَلامَة هِيَ بعد ثَمَانِيَة أوراق أَو نَحْوهَا عِنْد أول حَدِيث ابْن عمر

(1/114)


أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اسْتَوَى على بعيره خَارِجا إِلَى سفر كبر ثَلَاثًا
وَعِنْدهَا فِي الأَصْل الْمَأْخُوذ عَن الجلودي مَا صورته إِلَى هَا هُنَا قَرَأت عَلَيْهِ يَعْنِي على الجلودي عَن مُسلم وَمن هَا هُنَا قَالَ حَدثنَا مُسلم
وَفِي أصل الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عِنْدهَا بِخَطِّهِ من هُنَا يَقُول حَدثنَا مُسلم وَإِلَى هُنَا شكّ
الْفَائِت الثَّانِي لإِبْرَاهِيم أَوله أول الْوَصَايَا قَول مُسلم حَدثنَا أَبُو حيثمة زُهَيْر ابْن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى وَاللَّفْظ لمُحَمد بن الْمثنى فِي حَدِيث ابْن عمر مَا حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ إِلَى قَوْله فِي آخر حَدِيث رَوَاهُ فِي قصَّة حويصة ومحيصة فِي الْقسَامَة حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور أخبرنَا بشر بن عمر قَالَ سَمِعت مَالك بن أنس الحَدِيث وَهُوَ مِقْدَار عشرَة أوراق فَفِي الأَصْل الْمَأْخُوذ عَن الجلودي وَالْأَصْل الَّذِي بِخَط الْحَافِظ أبي عَامر الْعَبدَرِي ذكر انْتِهَاء هَذَا الْفَوات عِنْد أول هَذَا الحَدِيث وعود قَول إِبْرَاهِيم حَدثنَا مُسلم
وَفِي أصل الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الدِّمَشْقِي شبه التَّرَدُّد فِي هَذَا الحَدِيث دَاخل فِي الْفَوْت أَو غير دَاخل فِيهِ والإعتماد على الأول
الْفَائِت الثَّالِث أَوله قَول مُسلم فِي أَحَادِيث الْإِمَارَة والخلافة حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا شَبابَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الإِمَام جنَّة ويمتد

(1/115)


إِلَى قَوْله فِي كتاب الصَّيْد والذبائح حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْرَان الرَّازِيّ حَدثنَا أَبُو عبد الله حَمَّاد بن خَالِد الْخياط حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي إِذا رميت بسهمك فَمن أول هَذَا الحَدِيث عَاد قَول إِبْرَاهِيم حَدثنَا مُسلم
وَهَذَا الْفَوْت أكبرهما وَهُوَ نَحْو ثَمَانِي عشرَة ورقة وَفِي أَوله بِخَط الْحَافِظ الْكَبِير أبي حَازِم العبدوي النَّيْسَابُورِي وَكَانَ يروي عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْعدْل عَن إِبْرَاهِيم مَا صورته من هُنَا يَقُول إِبْرَاهِيم قَالَ مُسلم وَهُوَ فِي الأَصْل الْمَأْخُوذ عَن الجلودي وأصل أبي عَامر الْعَبدَرِي وأصل أبي الْقَاسِم الدِّمَشْقِي بِكَلِمَة عَن
وَهَكَذَا فِي الْفَائِت الَّذِي سبق فِي الأَصْل الْمَأْخُوذ عَن الجلودي وأصل أبي عَامر وأصل أبي الْقَاسِم وَذَلِكَ يحْتَمل كَونه روى ذَلِك عَن مُسلم بالوجادة وَيحْتَمل الْإِجَازَة وَلَكِن فِي بعض النّسخ التَّصْرِيح فِي بعض ذَلِك أَو كُله يكون ذَلِك عَن مُسلم بِالْإِجَازَةِ وَالْعلم عِنْد الله تبَارك وَتَعَالَى
الثَّالِث مَا ننقله من أصل الْحَافِظ أبي عَامر الْعَبدَرِي نرويه عَن شَيخنَا أبي حَفْص عمر بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ وَغَيره إِذْنا عَن أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي إِذْنا قَالَ أخبرنَا أَبُو اللَّيْث نصر بن الْحسن الشَّاشِي السَّمرقَنْدِي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا عبد الغافر الْفَارِسِي بِسَنَدِهِ السَّابِق
وَمَا ننقله من أصل الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الدِّمَشْقِي العساكري فَهُوَ مندرج فِي روايتنا لجَمِيع الْكتاب عَن شَيخنَا أبي الْقَاسِم مَنْصُور ابْن حفيد الفراوي عَنهُ وَقد ذَكرْنَاهُ عِنْد ذكرنَا إسنادنا فِي الْكتاب
وَكَذَلِكَ مَا ننقله من الأَصْل الْمَأْخُوذ عَن الجلودي فَهُوَ مِمَّا أجَازه لنا مَنْصُور عَن أبي جده الفراوي عَن عبد الغافر الْفَارِسِي عَن الجلودي

(1/116)


وَكَذَلِكَ مَا ننقله من أصل الْحَافِظ أبي حَازِم الْعَبدَرِي فَهُوَ أَيْضا مِمَّا أجَازه لنا قَالَ أَنبأَنَا أَبُو جدي الفراوي قَالَ أَنبأَنَا أَحْمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ قَالَ أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو حَازِم العبدوي قَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يزِيد الْعدْل قَالَ أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا مُسلم
ثمَّ إِن الرِّوَايَة بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَة لَيْسَ الْمَقْصُود بهَا فِي عصرنا وَكثير من الْأَعْصَار قبله إِثْبَات مَا يرْوى بهَا إِذْ لَا يَخْلُو إِسْنَاد مِنْهَا عَن شيخ لَا يدْرِي مَا يرويهِ وَلَا يضْبط مَا فِي كِتَابه ضبطا يصلح لِأَن يعْتَمد عَلَيْهِ فِي ثُبُوته وَإِنَّمَا الْمَقْصُود مِنْهَا إبْقَاء سلسلة الْإِسْنَاد وَالَّتِي خصت بهَا هَذِه الْأمة زَادهَا الله كَرَامَة وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فسبيل من أَرَادَ الإحتجاج بِحَدِيث من صَحِيح مُسلم وأشباهه أَن يتلقاه من أصل بِهِ مُقَابل على يَدي مقابلين ثقتين بأصول صَحِيحَة مُتعَدِّدَة مروية بروايات متنوعة ليحصل لَهُ بذلك مَعَ اشتهار هَذِه الْكتب وَبعدهَا عَن أَن تقصد بالتبديل والتحريف الثِّقَة بِصِحَّة مَا اتّفقت عَلَيْهِ تِلْكَ الْأُصُول
ثمَّ لما كَانَ الضَّبْط بالكتب مُعْتَمدًا فِي بَاب الرِّوَايَة فقد تكْثر الْأُصُول الْمُقَابل بهَا كَثْرَة تتنزل منزلَة التَّوَاتُر أَو منزلَة الإستفاضة
وَقد لَا تبلغ ذَلِك ثمَّ مَا لم يبلغ ذَلِك لَا يبطل بِالْكُلِّيَّةِ فِيهِ فَائِدَة مَا قدمنَا ذكره من كَون مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الصحيحان أَو أَحدهمَا مَقْطُوعًا

(1/117)


بِصِحَّتِهِ من حَيْثُ تلقي الْأمة ذَلِك بِالْقبُولِ بل يبْقى لَهُ أثر فِي التقوية وَالتَّرْجِيح وَذَلِكَ كالإجماع المنعقد على حكم من الْأَحْكَام إِذا نقل إِلَيْنَا بطرِيق الْآحَاد فَإِنَّهُ لَا يبطل بذلك تَأْثِيره بِالْكُلِّيَّةِ بل يبْقى على الْأَصَح تَأْثِيره فِي أصل وجوب الْعَمَل فَاعْلَم ذَلِك وَالله أعلم
وَهَذَا حِين حَان أَن نشرع فِي الْمَقْصُود من الشَّرْح والضبط وَالتَّقْيِيد مستعينين بِاللَّه تبَارك وَتَعَالَى ومستعيذين بِهِ قائلين

(1/118)


قَول مُسلم رَحمَه الله وإيانا فِي أول كِتَابه لَو عزم لي عَلَيْهِ هُوَ بِضَم الْعين قَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْمَازرِيّ التَّمِيمِي صَاحب كتاب الْمعلم بفوائد كتاب مُسلم لَا يظنّ بِمُسلم أَنه أَرَادَ عزم الله لي عَلَيْهِ لِأَن إِرَادَة الله تَعَالَى لَا تسمى عزما
قلت لَيْسَ ذَلِك كَمَا قَالَ فَسَيَأْتِي فِي الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كتاب الْجَنَائِز عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَوْلهَا ثمَّ عزم الله لي فقلتها وَلذَلِك وَجْهَان نقدم عَلَيْهِمَا
إِن الْأَمر فِي إِضَافَة الْأَفْعَال إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَاسع حَتَّى لَا يتَوَقَّف فِيهَا على التَّوْقِيف كَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَلذَلِك توسع النَّاس قَدِيما وحديثا فِي ذَلِك فِي خطبهم وَغَيرهَا
ثمَّ الْوَجْهَيْنِ أَن المُرَاد بذلك أَرَادَ الله فِي ذَلِك على جِهَة الإستعارة لِأَن

(1/119)


الْإِرَادَة وَالْقَصْد والعزم وَالنِّيَّة مُتَقَارِبَة فيقام بَعْضهَا مقَام بعض تجوزا وَقد ورد عَن الْعَرَب أَنَّهَا قَالَت نواك الله بحفظه فَقَالَ فِيهِ بعض الْأَئِمَّة أَي قصدك بحفظه
الْوَجْه الثَّانِي أَن لقَوْل الْقَائِل عزم الله لي وَجها صَحِيحا غير الْإِرَادَة وَهُوَ أَن يكون من قبيل قَول ام عَطِيَّة نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا أَي لم نلزم بذلك
وَكَذَلِكَ قَوْله ترغيبا فِي قيام رَمَضَان من غير عَزِيمَة أَي من غير إِلْزَام
ذكر مُسلم رَحمَه الله وإيانا فِيمَن ذكره من الضُّعَفَاء عبد الله بن مُحَرر فغلط فِيهِ كثير من رُوَاة الْكتاب فَقَالُوا فِيهِ ابْن مُحرز بالزاي المنقوطة واسكان الْحَاء الْمُهْملَة وَإِنَّمَا هُوَ مُحَرر بميم ثمَّ حاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ راءين مهملتين أَولهمَا مَفْتُوحَة مُشَدّدَة كَذَلِك ذكره البُخَارِيّ وَغَيره من أهل الضَّبْط وَالله أعلم

(1/120)


ذكر مُسلم من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب والمغيرة بن شُعْبَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين
فَوَجَدته بِخَط الْحَافِظ الضَّابِط أبي عَامر مُحَمَّد بن سعدون الْعَبدَرِي رَحمَه الله هَا هُنَا مضبوطا يرى بِضَم الْيَاء والكاذبين على الْجمع وَوجدت عَن القَاضِي الْحَافِظ المُصَنّف أبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض الْيحصبِي أَنه قَالَ الرِّوَايَة فِيهِ عندنَا الْكَاذِبين على الْجَمِيع
قلت رَوَاهُ الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه الْمُسْتَخْرج على كتاب مُسلم فِي حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب الْكَاذِبين على التَّثْنِيَة فَحسب
وَاحْتج بِهِ على أَن الرَّاوِي لذَلِك يُشَارك فِي الْكَذِب من بَدَأَ بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي هَذَا تَفْسِير مِنْهُ لِمَعْنى التَّثْنِيَة حسن
ثمَّ ذكره فِي رِوَايَته إِيَّاه من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَهُوَ أحد الْكَاذِبين أَو الْكَاذِبين على الترديد بَين التَّثْنِيَة وَالْجمع
وَوجدت ذَلِك مضبوطا محققا فِي أصل مَأْخُوذ عَن أبي نعيم مسموعا عَلَيْهِ مكررا فِي موضِعين من كِتَابه وَقدم فِي الترديد التَّثْنِيَة فِي الذّكر وَهَذِه فَائِدَة عالية غَالِيَة وَللَّه الْحَمد الْأَكْمَل
وَأما الضَّم فِي يرى فَهُوَ مَبْنِيّ على مَا اشْتهر من أَنه بِالضَّمِّ يسْتَعْمل فِي

(1/121)


الظَّن والحسبان وبالفتح فِي الْعلم ورؤية الْعين وَفِي حفظي أَنه قد يسْتَعْمل بِالْفَتْح بِمَعْنى الظَّن أَيْضا كَمَا يسْتَعْمل الْعلم بِمَعْنى الظَّن وَالله أعلم
قَول إِيَاس بن مُعَاوِيَة أَرَاك قد كلفت بِعلم الْقُرْآن
كلفت هُوَ بِفَتْح الْكَاف وَكسر اللَّام وَمَعْنَاهُ أحببته وأولعت بِهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الزَّمَخْشَرِيّ الكلف الإيلاع بالشَّيْء مَعَ شغل قلب ومشقة وَالله أعلم
عَامر بن عَبدة عَن عبد الله روينَاهُ ابْن عَبدة بِفَتْح الْبَاء وَإِثْبَات هَاء التَّأْنِيث فِي آخِره وَهَذَا هُوَ الْأَصَح فِيهِ وَوَجَدته فِي أصل الْحَافِظ أبي حَازِم العبدوي بِخَطِّهِ وَفِي أصل آخر عَن أبي أَحْمد الجلودي ابْن عبد بِلَا هَاء وَهُوَ محكي عَن أَكثر رُوَاة مُسلم
وَالصَّحِيح الْمَشْهُور عَن أَئِمَّة الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره إِثْبَات الْهَاء فِيهِ ثمَّ اخْتلفُوا مَعَ إثباتهم لَهَا فِي إسكان الْبَاء وَفتحهَا وَالْفَتْح أصح وَأشهر وَبِه

(1/122)


قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَلم يذكر أَبُو عَليّ الغساني فِي كِتَابه تَقْيِيد المهمل غَيره وَالله أعلم
روى مُسلم بِإِسْنَاد عَن ابْن أبي ملكة قَالَ كتبت إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله أَن يكْتب لي كتابا ويخفي عَنى
فَقَالَ ولد نَاصح أَنا أخْتَار لَهُ الْأُمُور اخْتِيَارا وأخفي عَنهُ
فَقَوله ويخفي عَنهُ وَقَول ابْن عَبَّاس وأخفي عَنهُ
هما بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي يكتم عني أَشْيَاء وَلَا يَكْتُبهَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مقَال من الشيع الْمُخْتَلفَة واهل الْفِتَن فَإِنَّهُ إِذا كتبهَا ظَهرت وَإِذا ظَهرت خُولِفَ فِيهَا وَحصل فِيهَا قَالَ وَقيل مَعَ أَنَّهَا لَيست مِمَّا يلْزم بَيَانهَا لِابْنِ أبي مليكَة وَإِن لزم فَيمكن ذَلِك بالمشافهة دون الْمُكَاتبَة
وَقَوله ولد نَاصح مشْعر بِمَا ذكرته
وَقَوله أَنا أخْتَار لَهُ وأخفي عَنهُ إِخْبَار مِنْهُ بإجابته إِلَى ذَلِك وَلَيْسَ استنكارا لَهُ فِي ضمن اسْتِفْهَام مَحْذُوف حرفه
وَحكي القَاضِي عِيَاض فِي ذَلِك عَن شُيُوخه من أهل الْمغرب رِوَايَتَيْنِ

(1/123)


إِحْدَاهمَا أَنه بخاء مُعْجمَة وَالْأُخْرَى بحاء مُهْملَة وَحكى هَذِه عَن أَكثر شُيُوخه فِي الْكتاب واختارها ورجحها على أَن معنى ذَلِك من إحفاء الشَّوَارِب أَي اختصر وَلَا تكْثر عَليّ فِيمَا تكتبه إِلَيّ أَو إِنَّه من الإحفاء الَّذِي هُوَ الإلحاح والإستقصاء وَيكون عني بِمَعْنى عَليّ أَي استقص فِيمَا تخاطبني بِهِ
قلت وَهَذَا تكلّف لَيست فِيهِ رِوَايَة مُتَّصِلَة الْإِسْنَاد نضطر إِلَى قبُوله وَالله أعلم
أَبُو عقيل يحيى بن المتَوَكل صَاحب بهية وَهُوَ بِفَتْح الْعين وبهية بباء مُوَحدَة مَضْمُونَة وياء مثناة من تَحت مُشَدّدَة وَهِي امْرَأَة تروي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَرُوِيَ أَنَّهَا سمتها بهية وَذكر ذَلِك كُله ابو عَليّ الغساني فِي تَقْيِيد المهمل وَالله أعلم
ذكر مُسلم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عون قَوْله فِي شهر بن حَوْشَب إِن شهرا نزكوه
فَقَوله نزكوه أَوله نون ثمَّ زَاي مفتوحتان أَي طعنوا فِيهِ مَأْخُوذ من النيزك بنُون مَفْتُوحَة بعْدهَا يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ زَاي مَفْتُوحَة وَهُوَ الرمْح الْقصير
وَرَوَاهُ كثير من رُوَاة مُسلم تَرَكُوهُ بِالتَّاءِ وَالرَّاء وَهُوَ تَصْحِيف
وَتَفْسِير مُسلم لَهُ يَنْفِيه وَشهر قد وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين

(1/124)


وَغَيرهمَا وَالَّذِي ذكره فِيهِ ابْن أبي خَيْثَمَة أَنه ثِقَة حَكَاهُ عَن يحيى بن معِين وَاقْتصر عَلَيْهِ وَالْقلب إِلَى هَذَا أميل وَإِن ذكره جمَاعَة فِي كتبهمْ فِي الضُّعَفَاء وَقد ذكره أَبُو نعيم الْحَافِظ فِيمَن ذكرهم فِي حلية الْأَوْلِيَاء وَمَا ذكر فِي جرحه من أَخذه خريطة من بَيت المَال على جِهَة الْخِيَانَة لَهُ محمل يدْرَأ عَنهُ الْقدح الْمسْقط وَقَول ابْن حبَان
إِنَّه سرق عَيْبَة من عديله فِي الْحَج غير مَقْبُول وَالله أعلم
ذكر مُسلم روح بن غطيف صَاحب حَدِيث تُعَاد الصَّلَاة من قدر الدِّرْهَم فَوَقع فِي أصل الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الدِّمَشْقِي العساكري وأصل بِخَط

(1/125)


الْحَافِظ أبي عَامر الْعَبدَرِي بِرِوَايَة أبي الْفَتْح السَّمرقَنْدِي عَن عبد الغافر الْفَارِسِي وَفِي غَيرهمَا وَفِي رِوَايَة جمَاعَة آخَرين من رُوَاة الْكتاب ابْن غُضَيْف بضاد مُعْجمَة وَهُوَ خطأ وَإِنَّمَا هُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْملَة من وُجُوه مُعْتَمدَة وَهُوَ كَذَلِك مَحْفُوظ مَعْرُوف وَهُوَ عِنْدِي على الصَّوَاب فِيمَا انتخبته من أصل فِيهِ سَماع شَيخنَا أبي الْحسن الطوسي وَعَلِيهِ خطّ شَيْخه الفراوي وقرأته عَلَيْهِ عِنْد قبر مُسلم وَالله أعلم
قَوْله حس الْحَارِث بِالشَّرِّ هَكَذَا وَقع بِغَيْر همزَة فِي أَوله فِيمَا عندنَا من الْأُصُول هُوَ لُغَة قَليلَة فِي أحس وَعَلَيْهَا يَسْتَقِيم قَول الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم
الحاسة والحواس الْخمس وَالْمَعْرُوف أَن حس مَعْنَاهُ قتل أَو قتل قتلا

(1/126)


ذريعا وَالله أعلم
يحيى بن الجزار هُوَ بِالْجِيم وَالزَّاي المنقوطة وَالرَّاء الْمُهْملَة أَي القصاب وَلَيْسَ فِي الْكتاب غَيره كَذَلِك وَالله أعلم
قَول أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ لقِيت زِيَاد بن مَيْمُون وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي فعبد الرَّحْمَن مَرْفُوعا عطفا على الضَّمِير فِي قَوْله لقِيت وَإِن لم يُؤَكد الضَّمِير اكتفاءا بِمَا حصل من الْفَصْل
وَحَدِيث العطارة الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ حَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ زِيَاد بن مَيْمُون عَن أنس ان أمْرَأَة يُقَال لَهَا الحولاء عطارة كَانَت بِالْمَدِينَةِ دخلت على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَذكرت خَبَرهَا مَعَ زَوجهَا وشكواها لَهُ وَأَن عَائِشَة ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث طَوِيل لَا يَصح وَالله أعلم

(1/127)


مَا ذكره مُسلم من تَصْحِيف عبد القدوس فِي سُوَيْد بن عقلة وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْقَاف وَإِنَّمَا هُوَ بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَصَوَابه ومصحفه كِلَاهُمَا بِالْفَتْح فِي جَمِيع حُرُوفه على وزان عدسة
وَمَا ذكره من تصحيفه فِي النَّهْي عَن أَن تتَّخذ الرّوح غَرضا هُوَ انه فتح الرَّاء من الرّوح وَقَالَ عرضا بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة واسكان الرَّاء وَإِنَّمَا هُوَ الرّوح بِضَم الرَّاء وغرضا بالغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء المفتوحتين وَالله أعلم
وَذكر أبان بن أبي عَيَّاش وَأَبَان كُنَّا نَخْتَار صرفه ذَهَابًا إِلَى أَن لَهُ محملًا صَحِيحا يصحح صرفه فَيحمل عَلَيْهِ فَإِن الصّرْف هُوَ الأَصْل
وَذَلِكَ مَا ذكره مُحَمَّد بن جَعْفَر النَّحْوِيّ فِي كِتَابه جَامع اللُّغَة من أَنه يجوز أَن يكون فعالا مصدرا من أبن الرجل إِذا مَاتَ ثمَّ وجدت مَا عضد ذَلِك عَن ابي مُحَمَّد بن السَّيِّد البطليوسي وَهُوَ أَنه اخْتَار صرف أبان وَذكر انه فعال وَمن ترك صرفه جعله فعلا مَاضِيا وَالله أعلم
ذكر مُسلم المعلي بن عرفان وعرفان هُوَ بِضَم الْعين الْمُهْملَة فِي

(1/128)


أصل أصيل بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل تأليف الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ وَهُوَ بِخَط ضَابِط موثوق بِهِ ذكر أَنه قابله بِخَط مُصَنفه وَذكر سعد الْخَيْر ابْن مُحَمَّد الأندلسي أَنه وجده بِالضَّمِّ أَيْضا فِي أصل موثوق بِهِ بتاريخ البُخَارِيّ الْكَبِير وَيُقَال بِكَسْر الْعين وَبِذَلِك ضَبطه فِي الْكتاب بِخَطِّهِ أَبُو عَامر الْعَبدَرِي رَحمَه الله وَالله أعلم
صَالح مولى التوءمة يُقَال فِيهِ التؤمة بِضَم التَّاء وهمزة على الْوَاو مَفْتُوحَة وَقَالَهُ كَذَلِك كثير من الروَاة والمشايخ وَهُوَ خطأ
وَالصَّوَاب التوءمة بِفَتْح التَّاء ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ همزَة مَفْتُوحَة وَقد تطرح الْهمزَة وتنتقل فتحتها إِلَى الْوَاو
والتوءمة هَذِه هِيَ ابْنة أُميَّة بن خلف الجُمَحِي سميت بذلك لِأَنَّهَا كَانَت مَعَ أُخْت لَهَا فِي بطن وَاحِد وَالله أعلم
وَقع فِي أصل عندنَا مَأْخُوذ عَن الجلودي وَفِي غَيره من الْأُصُول وَضعف

(1/129)


يحيى بن مُوسَى بن دِينَار بِزِيَادَة ابْن بَين مُوسَى وَيحيى وَكَذَلِكَ حَكَاهُ صَاحب تَقْيِيد المهمل عَن أَكثر النّسخ وَهُوَ غلط كَأَنَّهُ وَقع من رُوَاة مُسلم وَصَوَابه وَضعف يحيى مُوسَى بن دِينَار بِحَذْف ابْن بَين يحيى وَهُوَ الْقطَّان وَبَين مُوسَى وَقد صَححهُ كَذَلِك صَاحب التَّقْيِيد أَبُو عَليّ الغساني وَغَيره وَالله أعلم
اخْتلفت الْأُصُول عندنَا فِي قَول مُسلم فِي الْأَحَادِيث الضعيفة ولعلها أَو أَكْثَرهَا أكاذيب لَا أصل لَهَا
فَوَقع ذَلِك هَكَذَا فِي أصل الْحَافِظ أبي الْقَاسِم رِوَايَته عَن الفراوي عَن عبد الغافر الْفَارِسِي وَوَقع فِي غَيره وأقلها أَو أَكْثَرهَا أكاذيب وهما رِوَايَتَانِ ذكرهمَا القَاضِي عِيَاض المغربي وَنسب الأولى إِلَى رِوَايَة عبد الغافر الْفَارِسِي وصححها وَنسب الثَّانِيَة إِلَى رِوَايَة أبي الْعَبَّاس العذري الرَّاوِي عَن الرَّاوِي عَن الجلودي ووصفها بالاختلال والتصحيف
وَلَا تبلغ بهَا الْحَال إِلَى ذَلِك فَإِن الترديد بَين الْأَقَل وَالْأَكْثَر قد يَقع من الحذر المتحري وَالله أعلم
ذكر مُسلم عَن بعض منتحلي الحَدِيث من أهل عصره أَنه ذهب فِي الْأَحَادِيث المعنعنة وَهِي الْمَقُول فِيهَا فلَان عَن فلَان إِلَى أَنه لَا تقوم بهَا الْحجَّة حَتَّى يثبت أَن فلَانا وَفُلَانًا قد التقيا واجتمعا مرّة أَو أَكثر اَوْ سمع أَحدهمَا من الآخر أَو نَحْو ذَلِك وَإِذا لم يثبت ذَلِك وَلَكِن ثَبت أَنَّهُمَا متعاصران لم يكتف بذلك وَلم يحْتَج بِهِ

(1/130)


وَأخذ مُسلم فِي رد هَذَا على قَائِله وَفِي الطعْن عَلَيْهِ حَتَّى أفرط وَادّعى أَنه قَول سَاقِط مخترع مستحدث لم يسْبق صَاحبه إِلَيْهِ وَلَا ساعده أحد من أهل الْعلم عَلَيْهِ وَأَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل الْعلم بالأخبار أَنه يَكْتَفِي فِي ذَلِك بكونهما فِي عصر وَاحِد مَعَ إِمْكَان التلاقي وَالسَّمَاع وَاحْتج بِمَا اختصاره أَن المعنعن عِنْدهم يحمل على الإتصال إِذا ثَبت التلاقي بَينهمَا وَلم يعرف بتدليس مَعَ إِمْكَان الْإِرْسَال فِيهِ اكْتِفَاء بِإِمْكَان السماع فَكَذَلِك إِذا ثَبت مُجَرّد التعاصر وَأمكن التلاقي
وَالَّذِي صَار إِلَيْهِ مُسلم هُوَ المستنكر وَمَا أنكرهُ قد قيل إِنَّه القَوْل الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا الْعلم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وَمِنْهُم من لم يقْتَصر فِي ذَلِك على اشْتِرَاط مُطلق اللِّقَاء أَو السماع وَزَاد عَلَيْهِ فَاشْترط أَبُو عَمْرو الداني المقرىء الْحَافِظ أَن يكون مَعْرُوفا بالرواية عَنهُ
وَاشْترط أبي الْحسن الْقَابِسِيّ الْمَالِكِي أَن يكون قد أدْرك الْمَنْقُول عَنهُ إدراكا بَينا
وَاشْترط أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ الشَّافِعِي طول الصِّحَّة بَينهمَا
وَالْجَوَاب عَمَّا احْتج بِهِ مُسلم أَنا قبلنَا المعنعن وحملناه على الإتصال بعد ثُبُوت التلاقي مِمَّن لم يعرف مِنْهُ تَدْلِيس لِأَنَّهُ لَو لم يكن قد سَمعه مِمَّن رَوَاهُ عَنهُ لَكَانَ بِإِطْلَاقِهِ الرِّوَايَة عَنهُ مدلسا وَالظَّاهِر سَلَامَته من وصمة التَّدْلِيس وَمثل هَذَا غير مَوْجُود فِيمَا إِذا لم يعلن تلاقيهما وَمَا أَتَى بِهِ مُسلم من الإفراط فِي الطعْن على مخالفه يَلِيق بِمن يُخَالف فِي مُطلق المعنعنة فَكَأَنَّهُ لما توهم عدم الْفرق بَين الصُّورَتَيْنِ طرد ذَلِك فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة أَيْضا وَالله أعلم

(1/131)