مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل النَّوْعُ الثَّامِنُ
مَعْرِفَةُ الْمَقْطُوْعِ (1)
وهوَ غيرُ المنقطعِ الذي يأتي ذكرُهُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى،
ويقالُ في جمعِهِ: المقاطِيعُ والمقاطِعُ (2)، وهوَ ما جاءَ
عنِ التابعينَ موقوفاً عليْهِم مِنْ أقواِلهِم أو أفعالِهِمْ
(3). قال الخطيبُ أبو بكرٍ الحافظُ في " جامِعِهِ ": ((مِنَ
الحديثِ: المقطوعُ)) (4)، وقالَ: ((المقاطِعُ: هيَ الموقوفاتُ
على التابعينَ)) (5).
قلتُ: وقدْ وجدْتُ التعبيرَ بالمقطوعِ عنِ المنقطعِ غيرِ
الموصولِ في كلامِ الإمامِ (6) الشافعيِّ، وأبي القاسمِ
الطبرانيِّ وغيرِهِما (7)، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) انظر في المقطوع:
الجامع لأخلاق الراوي 1/ 191، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 166،
والتقريب: 53، والاقتراح: 194، والمنهل الروي: 42، والخلاصة:
65، واختصار علوم الحديث: 46، والمقنع 1/ 116، وشرح التبصرة
والتذكرة 1/ 231، ونزهة النظر: 154، والمختصر: 131، وفتح
المغيث 1/ 105، وألفية السيوطي: 21 - 23، وشرح السيوطي على
ألفية العراقي: 146، وفتح الباقي 1/ 124، وتوضيح الأفكار 1/
249، وظفر الأماني: 342، وقواعد التحديث: 130.
(2) وكلاهما جائز كما تقدّم في المساند والمسانيد. انظر: نكت
الزركشي 1/ 420، ومحاسن الاصطلاح: 125، ونكت ابن حجر 2/ 514.
(3) قال الزركشي 1/ 421: ((قلت: في إدخاله في أنواع الحديث
تسامح كثير، فإن أقوال التابعين ومذاهبهم لا مدخل لها في
الحديث، فكيف يكون نوعاً منه؟ نعم، يجئ هنا ما بُيِّنَ في
الموقوف من أنه إذا كان ذلك لا مجال للاجتهاد فيه أن يكون في
حكم المرفوع، وبه صرّح ابن العربي وادّعى أنه مذهب مالك، ولهذا
أدخل عن سعيد بن المسيب: ((صلاة الملائكة خلف المصلي)).
وقد نوَّهَ ابن حجر بفائدة كتابة المقاطيع في النكت 2/ 514
فقال: ((وذكر الخطيب أن الفائدة في كتابه المقاطيع ليتخير
المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن جملتهم، والله أعلم)).
(4) الجامع لأخلاق الراوي 2/ 188 عقب (1751)، بتصرف.
(5) الجامع لأخلاق الراوي 2/ 191 عقب (1577)، بتصرف.
وورد في (ع) بعد كلام الخطيب عبارة: ((والله أعلم))، ولم ترد
في نسختنا الخطية ولا في (م)، وهي ثابتة في التقييد.
(6) ليست في (ب).
(7) قال ابن حجر 2/ 514: ((عنى به الدارقطني والحميدي، فقد وجد
التعبير في كلامهما بالمقطوع في مقام المنقطع. وأفاد شيخنا -
أي: العراقي-في منظومته: أنه وجد التعبير بالمنقطع في كلام
البرديجي في مقام المقطوع على عكس الأول ... )). وانظر: شرح
التبصرة والتذكرة 1/ 231، وتدريب الراوي 1/ 194.
(1/119)
تَفْرِيْعَاتٌ
أحدُها: قولُ الصَّحابيِّ: ((كُنَّا نَفْعَلُ كذا أو كنَّا
نقولُ كذا)) (1) إنْ لَمْ يُضِفْهُ إلى زمانِ رسولِ اللهِ (2)
- صلى الله عليه وسلم - فهوَ مِنْ قبيلِ الموقوفِ، وإنْ
أضافَهُ إلى زمانِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فالذي
قَطَعَ بهِ أبو عبدِ اللهِ بنُ البَيِّعِ (3) الحافظُ وغيرُهُ
مِنْ أهلِ الحديثِ وغيرِهِم أنَّ ذلكَ مِنْ قبيلِ المرفوعِ
(4).
وبَلَغَني عَنْ أبي بكرٍ البَرْقانيِّ أنَّهُ سألَ أبا بكرٍ
الإسماعيليَّ الإمامَ عنْ ذلكَ فأنكرَ كونَهُ مِنَ المرفوعِ.
والأوَّلُ هوَ الذي عَليْهِ (5) الاعتمادُ؛ لأنَّ ظاهرَ ذلكَ
مُشْعِرٌ بأنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اطَّلَعَ
على ذلكَ وقرَّرَهُم عليهِ، وتقريرُهُ أحدُ وجوهِ السُّنَنِ
المرفوعةِ؛ فإنَّها أنواعٌ منها: أقوالُهُ - صلى الله عليه
وسلم -، ومنها: أفعالُهُ (6)، ومنها: تقريرُهُ وسكوتُهُ عنِ
الإنكارِ بعدَ اطِّلاعِهِ. ومِنْ
__________
(1) قال الزركشي 1/ 421 - 423: ((حاصله: حكاية قولين: الوقف
مطلقاً، والتفصيل بأن تضيفه إلى زمان النبي - صلى الله عليه
وسلم - أو لا، وأهمل مذاهب:
أحدها: أنه مرفوع مطلقاً، وبه قال الحاكم ورجّحه من الأصوليين
الإمام الرازي. وقال ابن الصباغ في العدة: إنه الظاهر، ومثّله
بقول عائشة: ((كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه)) وحكاه
النووي في شرحه على البخاري والوسيط عن ظاهر كلام كثير من
المحدّثين والفقهاء، وقال: وهو قوي، فإن ظاهره أنه فعله على
وجه يحتج به، ولا يكون إلا برفعه.
والثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالباً
فمرفوع، وإلاّ فموقوف، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق وغيره، حكاه
النووي في أوائل شرح مسلم. وقال غيره: أما إذا كان في القصة
اطِّلاعه - صلى الله عليه وسلم - فلا شكَّ في رفعه، كقول ابن
عمر: ((كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ: أفضل
هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره)). رواه الطبراني في المعجم
الكبير، وأصله في الصحيح.
والثالث: إن ذكره الصحابي في معرض الحجة، حمل على الرفع، وإلاّ
فعلى الوقف، حكاه القرطبي في أصوله)). وانظر: التقييد والإيضاح
66، ونكت ابن حجر 2/ 515.
(2) في (ب): ((النبي)).
(3) بفتح الباء وكسر الياء المشددة، بعدها عين مهملة. ويقال له
أيضاً: ابن البَيَّاع، وهذه اللفظة تقال لمن يتولى البياعة
والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة.
انظر: الأنساب 1/ 448، ووفيات الأعيان 4/ 281، وسير أعلام
النبلاء 17/ 163، والتاج 25/ 368.
(4) انظر: معرفة علوم الحديث 22.
(5) عبارة: ((الذي عليه)) ليست في (م).
(6) قوله: ((ومنها أفعاله)) ساقطة من (م).
(1/120)
هذا القبيلِ قولُ الصحابيِّ: ((كُنَّا لا
نرى بأساً بكذا ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيْنا،
أو كانَ يقالُ: كذا وكذا على عهدِهِ، أو كانُوا يفعلونَ: كذا
وكذا في حياتِهِ - صلى الله عليه وسلم -)). فكلُّ ذلكَ وشبهُهُ
مرفوعٌ مُسْنَدٌ مُخَرَّجٌ في كتبِ المساندِ (1).
وذكرَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ فيما رُوِّيْناهُ عَنِ المغيرةِ
بنِ شُعْبَةَ قالَ: ((كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقْرَعُونَ بابَهُ بالأظافيرِ)) (2): أنَّ هذا
يتوهَّمُهُ مَنْ ليسَ مِنْ أهلِ الصَّنْعَةِ
__________
(1) في (ب) و (جـ) و (م): ((المسانيد))، وفي (أ): ((المسانيد))
وكتب فوقها: ((المساند)).
(2) رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 19، ومن طريقه البيهقي
في المدخل: 381 (659) من طريق محمد بن أحمد الزيبقي البصري، عن
زكريا بن يحيى المنقري، عن الأصمعي، عن كيسان مولى هشام بن
حسان، عن محمد بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة، به.
قلنا: الزيبقي لم نقف على حاله، لكن ذكره ابن ماكولا في
الإكمال 4/ 228 من غير أن يذكر فيه جرحاً أو تعديلاً.
والمنقري: ذكره ابن حبان في ثقاته 8/ 255، وكذا الخطيب في
تاريخه 8/ 459 من غير أن يذكر فيه جرحاً أو تعديلاً.
وكيسان - مولى هشام بن حسان -: ذكره البخاري في التاريخ الكبير
7/ 235، وابن أبي حاتم 6/ 166، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً. وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 358.
ومحمد بن حسان، قال الحاكم فيه: حسن الحديث. هكذا نقل السخاوي
في فتح المغيث 1/ 138.
ونقل الزركشي عنه 1/ 426 أنه قال: ((غريب الحديث)). ونقل
البيهقي عنه أنه قال: ((عزيز الحديث)). المدخل (659).
وقد روي من حديث أنس، أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1080)،
والخطيب في الجامع 1/ 161 (223)، من طريق مالك بن إسماعيل، عن
المطلب بن زياد، عن أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني، عن محمد بن
مالك بن المنتصر، عن أنس، به.
قلنا: المطلب بن زياد الكوفي: وثَّقه ابن معين وأحمد، وقال أبو
حاتم: لا يحتج به، وقال ابن سعد: ضعيف. ميزان الاعتدال 4/ 128،
وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم. التقريب (6709).
وأبو بكر بن عبد الله الثقفي الأصبهاني: قال الذهبي فيه:
أصبهاني غير معروف، روى عنه المطلب بن زياد فقط. ميزان
الاعتدال 4/ 506. وقال ابن حجر: مجهول، من السابعة، ووهم مَن
زعم أنه يعقوب القمي. التقريب (7975).
ومحمد بن مالك بن المنتصر: قال الذهبي: لا يعرف. ميزان
الاعتدال 4/ 23. وقال ابن حجر: مجهول. التقريب (6260). وذكره
ابن حبان في ثقاته 5/ 371، كما هي عادته في توثيق المجاهيل،
ولكنه شكك في سماعه من أنس، فقال معرفاً به: يروي عن أنس بن
مالك إن كان سمع منه.
ورواه الخطيب في جامعه 1/ 162 (224) من طريق حميد بن الربيع،
عن المطلب بن زياد، عن عمر بن سويد، عن أنس بن مالك، به. =
(1/121)
مُسْنَداً - يعني: مرفوعاً - لِذِكْرِ
رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيهِ وليسَ بِمُسْنَدٍ بلْ
هوَ موقوفٌ (1). وذكرَ الخطيبُ أيضاً نحوَ ذلكَ في جامعِهِ
(2).
قلتُ: بلْ هوَ مرفوعٌ كما سبقَ ذِكْرُهُ، وهوَ بأنْ يكونَ
مرفوعاً أحرَى؛ لكونِهِ أحرَى باطِّلاعِهِ - صلى الله عليه
وسلم - عليهِ (3)، والحاكمُ مُعْتَرِفٌ بكونِ ذلكَ مِنْ قبيل
المرفوعِ، وقدْ كنَّا عَدَدْنا هذا فيما أخذناهُ عليهِ. ثُمَّ
تأوَّلناهُ لهُ على أنَّهُ أرادَ أنَّهُ ليسَ بِمُسْندٍ لفظاً،
بلْ هوَ موقوفٌ لفظاً، وكذلكَ سائرُ ما سبقَ موقوفٌ لفظاً،
وإنَّما جعلناهُ مرفوعاً مِنْ حيثُ المعنى، واللهُ أعلمُ.
الثاني: قولُ الصحابيِّ: ((أُمِرْنا بكذا (4) أو نُهِيْنا عَنْ
كذا)) مِنْ نوعِ المرفوعِ والمسنَدِ عندَ أصحابِ الحديثِ وهوَ
قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ (5)، وخالفَ في ذلكَ فريقٌ منهم
__________
= قلنا: حميد هذا: هو الخزاز اللخمي، كوفي يكنى أبا الحسن،
وثَّقه أحمد وعثمان بن أبي شيبة، وكان الدارقطني حسن الرأي
فيه، وقال البرقاني: عامة شيوخنا يقولون: ذاهب الحديث. وكذّبه
ابن معين. وقال النسائي: ليس بشيء. وقال ابن عدي: يسرق الحديث
ويرفع الموقوف. ميزان الاعتدال 1/ 611. وقال ابن أبي حاتم:
سمعت منه ببغداد، وتكلم الناس فيه فتركت التحديث عنه. الجرح
والتعديل 2/ 222. وقال مسلمة بن قاسم: ضعيف. لسان الميزان 2/
363.
وتابع حميداً في روايته عن المطلب: ضرار بن صرد أبو نعيم، عند
البزار كما في مجمع الزوائد 8/ 43، والخطيب في الجامع 2/ 291
(1890). قال ابن معين فيه: كذّاب. وقال البخاري: متروك. وقال
النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق
لا يحتج به. ميزان الاعتدال 2/ 327. وقال الهيثمي في المجمع 8/
43: رواه البزار وفيه ضرار بن صرد، وهو ضعيف.
(1) قال الزركشي 1/ 425: ((تبع الحاكم في ذلك أبو عمرو عثمان
بن سعيد المقرئ، وحكاه المصنف عن الخطيب أيضاً)).
(2) قال البلقيني في محاسنه: 127: ((ما ذكر عن الخطيب أنه ذكر
في " جامعه " نحو ما ذكر الحاكم لم أقف عليه في " جامع الخطيب
" فلينظر. نعم وجدت في " جامع الخطيب " حديث القرع بالأظافير
من حديث ((أنس)) ولم يتعرض لقوله موقوفاً)).
قلنا: بل هو في جامع الخطيب 1/ 291 عقب (1890). وانظر: نكت
الزركشي 1/ 425، ونكت ابن حجر 2/ 518.
(3) سقطت من (جـ).
(4) انظر: نكت الزركشي 1/ 426.
(5) نسب إليهم الخطيب في الكفاية: (592 ت-421هـ)، والنووي في
المجموع 1/ 59، والآمدي في الإحكام 2/ 87، والأسنوي في نهاية
السول 3/ 187، وابن السبكي في الإبهاج 2/ 329.
(1/122)
أبو بكرٍ الإسماعيليُّ (1)، والأوَّلُ هوَ
(2) الصحيحُ؛ لأنَّ مطلقَ ذلكَ ينصرفُ بظاهرِهِ إلى مَنْ إليهِ
الأمرُ والنَّهْيُ، وَهُوَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -،
وهكذا قَوْل الصحابيِّ ((مِنَ السُّنَّةِ كَذَا)) (3)،
فالأصحُّ أنَّهُ مُسنَدٌ مرفوعٌ؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّهُ لا
يريدُ بهِ إلاَّ سُنَّةَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
وما يجبُ اتِّباعُهُ (4). وكذلكَ قول أنسٍ - رضي الله عنه -:
((أُمِرَ بلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأَذانَ ويُوتِرَ الإِقامةَ))
(5)، وسائرُ ما جانسَ ذلكَ، ولا فرْقَ بينَ أنْ يقولَ ذلكَ في
زمانِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وبعدَهُ (6) - صلى
الله عليه وسلم - (7)،
__________
(1) وكذلك أبو بكر الصيرفي من الشافعية، وأبو الحسن الكرخي
والرازي من الحنفية، وابن حزم والغزالي وجماعة من الأصوليين،
وأكثر مالكية بغداد، وحكاه إمام الحرمين عن المحققين، وذكر
الزركشي أنه قول إمام الحرمين، بل حكى ابن فورك وسليم الرازي
وابن القطان والصيدلاني: أنه الجديد من مذهب الشافعي وكذا نسبه
المازري إلى أحد قولي الشافعي. انظر: البرهان 1/ 649،
والمنخول: 278، والتبصرة في أصول الفقه: 331، وإحكام الأحكام
2/ 87، والإبهاج 2/ 328، والبحر المحيط 4/ 375، وشرح التبصرة
والتذكرة 1/ 235، ونكت ابن حجر 2/ 523، وشرح السيوطي: 149، وهو
الخلاف نفسه الذي يأتي في قول الصحابي: ((من السنة كذا ... )).
وانظر: نكت ابن حجر 2/ 520.
(2) ليست في (أ).
(3) انظر: نكت الزركشي 1/ 428، ونكت ابن حجر 2/ 523.
(4) قال الحاكم: ((وقد أجمعوا على أن قول الصحابي: سنة: حديث
مسند)). المستدرك 1/ 358.
وقال البيهقي: ((لا خلاف بين أهل النقل أن الصحابي - رضي الله
عنه - إذا قال: أُمِرنا، أو نُهِينا، أو من السنة كذا، أنه
يكون حديثاً مسنداً)). نكت ابن حجر 2/ 522.
(5) أخرجه الطيالسي (2095)، وعبد الرزاق (1794)، وابن أبي شيبة
1/ 205، وأحمد 3/ 103 و 189، والدارمي (1196) و (1197)،
والبخاري 1/ 157 (603)، و1/ 158 (606)، ومسلم 2/ 2 (378)، وأبو
داود (508)، وابن ماجه (729) والترمذي (193)، والنسائي 2/ 3،
وأبو يعلى (2792)، وابن خزيمة (366)، وأبو عوانة 1/ 327،
والطحاوي في شرح المعاني 1/ 132، وابن حبان (1675)، والدارقطني
1/ 239، والحاكم 1/ 198، والبيهقي 1/ 390، والبغوي (403) من
طرق عن أبي قلابة، عن أنس.
(6) في (ع): ((أو بعده)).
(7) قال الزركشي 1/ 431: ((قلت: يقتضيه تساوي الأمرين، وهذا
صحيح بالنسبة إلى أصل الاحتجاج إلاَّ أنهما يتفاوتان في القوة،
فإنه يحتمل أن يكون الآمر والناهي من أدرك الخلفاء؛ لكن احتمال
إرادته النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر، قلت: والخلاف في
هذا قريب منه في الذي قبله.
فائدة: ويلتحق بقول الصحابي ((من السنة كذا)): ((لا تلبسوا
علينا سنة نبينا)). كما رواه أبو داود عن عمرو بن العاص في عدة
أم الولد. وقوله: ((أصبت السنة))، كما رواه الدارقطني عن عمر
في المسح على الخفين، وكذا قوله: ((سنة أبي القاسم - صلى الله
عليه وسلم -)) في حديث ابن عباس في متعة الحاج. وأقربها للرفع:
((سنة أبي القاسم))، ثمَّ: ((ولا تلبسوا))، ثمَّ: ((أصبت
السنة)). وأما حديث أبي هريرة في الخارج من المسجد بعد الأذان:
((أما هذا فقد عصى أبا القاسم))، وقوله: ((من لم يجب الدعوة
فقد عصى الله= =ورسوله))، فحكى المنذري عن بعضهم أنه موقوف،
وذكر ابن عبد البر أنه مسند عندهم، قال ولا يختلفون في هذا
وذاك أنهما مسندان مرفوعان)) ويلتحق به قول عمار في صوم يوم
الشك)). وانظر: محاسن الاصطلاح: 128.
(1/123)
واللهُ أعلمُ (1).
الثالثُ: ما قِيلَ مِنْ أنَّ تفسيرَ الصحابيِّ (2) حديثٌ مسندٌ
فإنَّما ذلكَ في تفسيرٍ
يتعلَّقُ بسببِ نزولِ آيةٍ يُخبرُ بهِ الصحابيُّ أو نحوِ ذلكَ
(3) كقولِ جابرٍ - رضي الله عنه -: ((كانتْ اليهودُ تقولُ:
مَنْ أتى امرأتَهُ مِنْ دُبُرِها في قُبُلِها جاءَ الولدُ
أحولَ؛ فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ (4) ... الآيةَ} (5) فأمَّا سائرُ
تفاسيرِ الصحابةِ الَّتِي لا تشتملُ
__________
(1) عبارة: ((والله أعلم)) ليست في (ع)، وهي من جميع النسخ
المعتمدة.
(2) قال الزركشي 1/ 434: ((ما اختاره في تفسير الصحابي سبقه
إليه الخطيب وكذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي، قال: إذا أخبر
الصحابي عن سبب وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو
أخبر عن نزول آية فيه فذلك مسند، لكن قال الحاكم في المستدرك:
تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند البخاري ومسلم حديث
مسند)).
والتحقيق أن يقال: إن كان ذلك التفسير مما لا مجال للاجتهاد
فيه فهو في حكم المرفوع، وإن كان يمكن أن يدخله الاجتهاد فلا
يحكم عليه بالرفع. ومما أهمله المصنف ويليق ذكره هنا تأويل
الصحابي الخبر على أحد محتمليه، وقال الشيخ أبو إسحاق في
اللمع: إذا احتمل اللفظ أمرين احتمالاً واحداً فصرفه إلى
أحدهما - كما روي عن عمر أنه حمل قوله - صلى الله عليه وسلم -:
((الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء)) على القبض في المجلس - فقد
قيل: يقبل؛ لأنه أعرف بمعنى الخطاب. وفيه نظر عندي)). انتهى.
وقال شيخه القاضي أبو الطيب: يجب قبوله على المذهب كتفسير ابن
عمر التفرق بالأبدان دون الأقوال)).
قلنا: فصَّل ابن حجر في نكته 2/ 530 هذا الأمر تفصيلاً أوسع
على نحو ما قال الزركشي.
(3) أطلق كثير ممن صنّف في علوم الحديث عن الحاكم القول بأنه
يرى تفسير الصحابي مرفوعاً، وهذه الدعوى يسعفها كلامه في
المستدرك 1/ 27 و 123 و 542 وغيرها.
لكن الذي ينبغي التنبيه عليه أن الحاكم ليس من مذهبه الإطلاق
الذي حكى عنه، وإنما خصّه بأسباب النزول - كَمَا اختاره ابن
الصَّلاح هنا - فَقَالَ في مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث: 20 بعد
أن روى حديثاً في التفسير عن أبي هريرة: ((فأما ما نقول في
تفسير الصحابي: مسند، فإنما نقوله في غير هذا النوع))، ثم ساق
حديثاً عن جابر في سبب نزول آية، فقال: ((هذا الحديث وأشبهه
مسندة عن آخرها وليست بموقوفة، فإن الصحابي الذي شهد الوحي
والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا، فإنه
حديث مسند)). وانظر: تدريب الراوي 1/ 190، وشرح السيوطي: 154.
(4) البقرة: 223.
(5) أخرجه الحميدي (1263)، وابن أبي شيبة 4/ 229، والدارمي
(2220)، والبخاري 6/ 36
(4528)، ومسلم 4/ 156 (1435)، وأبو داود (2163)، وابن ماجه
(1925)، والترمذي (2978)، والنسائي في تفسيره (58) و (59)،
وأبو يعلى (2024)، والطحاوي 3/ 40، وفي شرح المشكل (6119)،
وابن حبان (4166). كلهم من طرق عن جابر، به.
(1/124)
عَلَى إضافةِ شيءٍ (1) إلى رسولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فمعدودةٌ في (2) الموقوفاتِ (3)، واللهُ
أعلمُ.
الرابعُ: مِنْ قبيلِ المرفوعِ، الأحاديثُ التي قِيْلَ في
أسانيدِها عِندَ ذِكْرِ الصحابيِّ:
((يَرْفُعُ الحديثَ، أو يبْلُغُ بهِ، أو يَنْمِيْهِ (4)، أو
رِوَايَةً))، مثالُ ذلكَ: ((سُفيانُ بنُ عُيينةَ، عَنْ أبي
الزِّنادِ، عنِ الأعرجِ، عنْ أبي هريرةَ، رِوَايةً:
((تُقَاتِلُونَ قَوْماً صِغَارَ الأعيُنِ ... الحديثَ)) (5).
وبهِ ((عنْ أبي هريرةَ يَبْلُغُ بهِ، قالَ: ((النَّاسُ تَبَعٌ
لِقُرَيْشٍ ... الحديثَ)) (6)، فكلُّ ذلكَ وأمثالُهُ كِنايةٌ
عنْ رفعِ الصحابيِّ الحديثَ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -، وحكمُ ذلكَ عندَ أهلِ العلمِ (7) حُكْمُ المرفوعِ
صريحاً.
قلتُ: وإذا قالَ الراوي عَنِ التابِعيِّ: ((يَرْفُعُ الحديثَ
أو يَبْلُغُ بهِ))، فذلكَ أيضاً مرفوعٌ، ولكنَّهُ مرفوعٌ
مرسَلٌ (8)، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) أي: لا حكماً ولا قولاً. أفاده البقاعي في نكته 106 أ.
(2) في (جـ): ((من)).
(3) في (ب): ((الموقوف)).
(4) قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 120: ((الاصطلاح في هذه
اللفظة موافق للغة، قال أهلها: نميت الحديث إلى غيري نمياً:
إذا أسندته ورفعته)). وانظر: القاموس المحيط 4/ 397.
(5) أخرجه الحميدي (1101)، وابن أبي شيبة 5/ 92، وأحمد 2/ 530،
والبخاري 4/ 52
(2928) و 4/ 238 (3587)، ومسلم 8/ 184 (2912)، وابن ماجه
(4097)، والبيهقي 9/ 175، والبغوي (4242).
(6) أخرجه الحميدي (1044) و (1045)، وأحمد 2/ 242 و 257 و 418،
والبخاري 4/ 217 (3495)، ومسلم 6/ 2 (1818).
قال النووي في الإرشاد 1/ 164: ((فكل هذا وشبهه كناية عن رفع
الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمه عند أهل
العلم حكم المرفوع صريحاً)).
(7) عبارة: ((حكم ذلك عند أهل العلم)) ساقطة من (جـ).
(8) فيما مضى من كلام ابن الصلاح، حاصله أنه ذكر فيما يتعلق
بالصحابي أربع مسائل:
الأولى: قولهُ: كنا نفعل كذا، أو كانوا يفعلون كذا ونحوها.
الثانية: قوله: أُمِرنا بكذا ونحوه.
الثالثة: قوله: مِنَ السُّنَّةِ كذا.
الرابعة: يرفعه ويبلغ به ونحوها.
ولَمَّا انتقل إلى ما يتعلق بالتابعي لم يذكر إلا حكم المسألة
الرابعة فحسب، فأحببنا أن ننبّه على حكم ما سكت عنه:
فأمّا المسألة الأولى: إذا قال التابعي: كنا نفعل؛ فليس بمرفوع
قطعاً. ثمّ هَلْ لَهُ حكم المَوْقُوْف؟ إن لم يضفه إلى زمن
الصحابة فليس بمرفوع بل هو مقطوع، وإن أضافه ففيه الاحتمالان.
=
(1/125)
النَّوعُ التَّاسِعُ
مَعْرِفَةُ الْمُرْسَلِ (1)
وصورَتُهُ (2) التي لا خلافَ فيها حديثُ التابعيِّ الكبيرِ (3)
الذي لَقِيَ جماعةً مِنَ الصحابةِ وجالسَهُمْ، كـ: عُبَيْدِ
اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ (4)، ثُمَّ سعيدِ بنِ
__________
= وأما قوله: كانوا يفعلون كذا، فلا يدل على فعل الأمة جميعها
بل البعض، حتى يصرح بنقله عن أهل الإجماع، فيكون بمثابة نقل
الإجماع، وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف.
وأما المسألة الثانية: إذا قال التابعي: أمرنا بكذا، أو نهينا
عن كذا، فجزم ابن الصباغ: أنه مرسل، أما الغزالي فذكر
احتمالين: كونه موقوفاً، أو مرفوعاً مرسلاً، من غير ترجيح.
وأما المسألة الثالثة: إذا قال التابعي: من السنة كذا، فهل هو
موقوف أو مرسل مرفوع؟
فِيهِ الوَجْهَانِ كلاهما لأصحاب الشَّافِعيّ، وحكى الداوودي
أن الشَّافِعيّ كَانَ يرى ذَلِكَ مرفوعاً سَوَاء صدر من
الصَّحَابيّ أو التَّابِعيّ، ثُمَّ رجع عَنْهُ، وَلَمْ يوافق
الداوودي عَلَى حكاية رجوع الشافعي؛ فإنه قد احتج به في مواطن
من الجديد. وانظر: نكت الزركشي 1/ 436، والتقييد والإيضاح: 67.
(1) انظر في المُرسَل:
معرفة علوم الحديث: 25، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والتمهيد 1/
19، وجامع الأصول 1/ 115، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 167 - 179،
والمجموع شرح المهذب 1/ 60، والاقتراح: 192، والتقريب: 54 -
57، والمنهل الروي: 42، والخلاصة: 65، والموقظة: 38، وجامع
التحصيل: 23 وما بعدها، واختصار علوم الحديث: 47، والبحر
المحيط 4/ 403، والمقنع 1/ 129، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 256،
ونزهة النظر: 109، والمختصر: 128، وفتح المغيث 1/ 128، وألفية
السيوطي: 25 - 29، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 159، وفتح
الباقي 1/ 144، وتوضيح الأفكار 1/ 283، وظفر الأماني: 343،
وقواعد التحديث: 133.
(2) للعلماء في تعريف المرسل وبيان صوره مناقشات، انظرها في:
نكت الزركشي 1/ 439، ومحاسن الاصطلاح: 130، والتقييد والإيضاح:
70، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 356، ونكت ابن حجر 2/ 540،
والبحر الذي زخر: 113 أ.
(3) قال ابن حجر 2/ 543: ((ولم أر تقييده بالكبير صريحاً عن
أحد، لكن نقله ابن عبد البر عن قوم)). انظر: التمهيد 1/ 20 -
21، وفتح المغيث 1/ 129.
(4) نقل الزركشي 1/ 441 عن بعضهم اعتراضهم على ابن الصلاح في
تمثيله بابن الخيار؛ لأن جماعة ممن صنّف في الصحابة ذكره فيهم،
كابن منده وابن حبان وأبي عمر.
قلنا: ابن حبان ذكره في ثقاته 3/ 248 ضمن طبقات الصحابة؛ ولكنه
أعاد ذكره في 5/ 64 في طبقات التابعين إشارة إلى وجود الخلاف
الحاصل فِيهِ. =
(1/126)
المسَيِّبِ (1) وأمثالِهما إذا قالَ:
((قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)). والمشهورُ
التَّسويةُ بينَ التابعينَ أجمعينَ في ذلكَ (2) - رضي الله
عنهم -، ولهُ صورٌ اختُلِفَ فِيْهَا أهِيَ مِنَ المرسَلِ أمْ
لا؟
إحداها (3): إذا انقطعَ الإسنادُ قبلَ الوصولِ إلى
التَّابِعيِّ (4) فكانَ فيهِ روايةُ راوٍ لَمْ يسمَعْ مِنَ
المذكورِ فوقَهُ، فالذي قَطَعَ بهِ الحاكمُ الحافظُ أبو عبدِ
اللهِ (5) وغيرُهُ مِنْ أهلِ الحديثِ أنَّ ذلكَ لا يُسمَّى
مُرسَلاً، وأنَّ الإرسالَ مخصوصٌ بالتابعينَ، بلْ إنْ كانَ (6)
مَنْ سَقَطَ ذِكْرُهُ قبلَ الوصولِ إلى التابعيِّ (7) شخصاً
واحداً سُمِّيَ مُنقَطِعاً فحسْبُ، وإنْ كانَ أكثرَ مِنْ واحدٍ
سُمِّيَ مُعضَلاً، ويُسمَّى أيضاً منقطعاً، وسيأتي مثالُ ذلكَ
إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
__________
= وكذلك ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 2/ 436 (هامش
الإصابة). والذهبي في تجريد أسماء الصحابة 1/ 363 (3865) ورمز
له (ب د ع). وقال ابن حجر في التقريب (4320): ((قتل أبوه ببدر،
وكان هو في الفتح مميزاً، فعدّ في الصحابة لذلك، وعدّه العجلي
وغيره في ثقات كبار التابعين)).
ويمكن الإجابة: بأن المصنفين في الصحابة إنما ذكروا ذلك فيه
وفي أقرانه باعتبار وجوده في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -
لم يريدوا أنه صحابي؛ لأن حد الصَّحَابيّ لا ينطبق عَلَيْهِ،
ولهذا ذكره خلق في جملة التابعين كالحاكم وكذا المصنف.
قلنا: هكذا أجاب الزركشي عن الاعتراض، ولكن الحقيقة أن حد
الصحابي - عند المحدّثين - ينطبق عليه، على ما ذكر ابن حجر من
أنه كان مميزاً يوم الفتح، وقد عدّوا في الصحابة من حاله أشبه
بحال ابن الخيار، كالحسين بن علي وغيرهم، بل من هو أصغر منه
بكثير كمحمود بن لبيد ومحمود بن الربيع الأنصاريين، ومحمد بن
أبي بكر الصديق. وإثبات الصحبة له لا يعني بالضرورة كون حديثه
مسنداً متّصلاً، نعم لم توجد له رواية مسندة عن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ولكن ما الذي يمنع من الحكم بصحبته؟.
والخِيَار: بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الياء.
انظر: تقريب التهذيب (4320)، والتاج 11/ 244.
(1) بكسر الياء وفتحها، جاء في القاموس وشرحه تاج العروس 3/
90: ((هو كمحدِّث: والد الإمام التابعي الجليل سعيد، له صحبة،
روى عنه ابنه، ويفتح، ويحكون عنه أنه كان يقول: سيَّب اللهُ
مَنْ سَيَّبَ أبي، والكسر حكاه عياض وابن المديني ... )).
(2) انظر: جامع التحصيل: 23 - 32، ونكت ابن حجر 2/ 542 - 558.
(3) في (ب): ((احدها)).
(4) قال العراقي في التقييد: 71: ((قوله: ((قبل الوصول إلى
التابعي)) ليس بجيد، بل الصواب: قبل الوصول إلى الصحابي، فإنه
لو سقط التابعي أيضاً كان منقطعاً لا مرسلاً عند هؤلاء، ولكن
هكذا وقع في عبارة الحاكم فتبعه المصنّف)).
(5) انظر: معرفة علوم الحديث 26.
(6) في (ع) هنا زيادة: ((أكثر))، ولم ترد في شيء من النسخ
الخطية أو (م) أو التقييد.
(7) في (ب): ((التابع)).
(1/127)
والمعروفُ في الفقهِ وأصولِهِ أنَّ كُلَّ
ذلكَ (1) يُسمَّى مُرْسلاً (2) وإليهِ ذهبَ مِنْ أهلِ الحديثِ
أبو بكرٍ الخطيبُ وقَطَعَ بهِ، وقالَ: ((إلاَّ أنَّ أكثرَ ما
يوصفُ بالإرسالِ مِنْ حيثُ الاستعمالُ ما رواهُ التابعيُّ عَنْ
النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، و (3) أمَّا ما رواهُ تابعُ
التابعيِّ (4) عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
فَيُسَمُّونَهُ المعْضَلَ (5)، واللهُ أعلمُ.
الثانيةُ: قولُ الزُّهريِّ، وأبي حازمٍ، ويحيى بنِ سعيدٍ
الأنصاريِّ، وأشباهِهِم مِنْ أصاغِرِ التابعينَ: ((قالَ رسولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -))، حكى ابنُ عبدِ البرِّ (6):
أنَّ قوماً لا يُسَمُّونَهُ مُرْسَلاً بلْ منقطِعاً؛ لكونِهِم
لَمْ يَلْقُوا مِنْ الصحابةِ إلاَّ الواحِدَ والاثنينِ (7)،
وأكثرُ روايتِهِم عَنِ التابعينَ.
قلتُ: وهذا المذهبُ (8) فَرْعٌ لِمَذْهَبِ مَنْ لا يُسَمِّي
المنقطعَ قَبْلَ الوصولِ إلى التابعيِّ مُرسلاً (9)، والمشهورُ
التسويةُ بينَ التابعينَ في اسمِ الإرسالِ كما
__________
(1) في (ب): ((كل شيء من ذلك)).
(2) قال البلقيني: ((فائدة: قول ابن الحاجب وغيره من
الأصوليين: ((المرسل قول غير الصحابي، قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -)). لا يعم صورة سقوط الرجل قبل التابعي، ولا
سقوطه مع التابعي إذا ذكر الصحابي، فيظهر بذاك توقف في نسبة
ذلك إلى المعروف في أصول الفقه)). المحاسن: 133.
(3) ليست في (أ).
(4) سقطت من (م)، وفي (ع): ((تابعي التابعي))، وأشار إلى أن في
نسخة: ((تابع التابعي)).
(5) الكفاية (58 ت، 21 هـ)، وعاد فأكده في (546 ت، 384 هـ).
(6) التمهيد 1/ 21.
(7) جاء في حاشية (م): من أمالي ابن الصلاح: ((قال المملي -
رضي الله عنه -: قولي الواحد والاثنين كالمثال في قلة ذلك،
وإلا فالزهري قد قيل إنه رأي عشرة من الصحابة وسمع منهم:
أنساً، وسهل بن سعيد، والسائب بن يزيد، ومحمود بن الربيع،
وسُنَيْناً أبا جميلة ... وغيرهم، ومع ذلك فأكثر روايته عن
التابعين، والله أعلم)).
قلنا: كذا نقل هذه الحاشية البلقيني في المحاسن: 133، والزركشي
في نكته 1/ 451، وطوَّل التعليق عليها، وانظر: التقييد
والإيضاح 72، ونكت ابن حجر 2/ 559.
(8) في (أ): ((مذهب)).
(9) قال البلقيني: 135: ((فيه نظر: فهذا المذهب أصل يتفرع عليه
أنه لا يسمى المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلاً)).
قال ابن حجر 1/ 560 جامعاً بين القولين: ((يظهر لي أن ابن
الصلاح لما رأى كثرة القائلين من المحدّثين بأن المنقطع لا
يسمى مرسلاً؛ لأن المرسل يختص عندهم بما ظن منه سقوط الصحابي
فقط، جعل قول من قال منهم: إن رواية التابعي الصغير إنما تسمى
منقطعة لا مرسلة مفرعاً عنه؛ لأنه مما يظن أنه سقط منه الصحابي
والتابعي أيضاً)).
(1/128)
تقدَّمَ (1) واللهُ أعلمُ.
الثالثةُ: إذا قيلَ في الإسنادِ: ((فلانٌ عَنْ رجلٍ أو عَنْ
شيخٍ عَنْ فلانٍ)) أو نحوُ ذلكَ؛ فالذي ذكرَهُ الحاكمُ في "
معرفةِ علومِ الحديثِ " (2) أنَّهُ لا يُسَمَّى مُرسلاً بلْ
منقطِعاً، وهوَ في بَعْضِ المصنَّفاتِ المعتبرَةِ في أصولِ
الفقهِ (3) معدودٌ مِنْ أنواعِ
__________
(1) قال الزركشي 1/ 459: ((هو خلاف نص الشافعي في الرسالة أنه
لا يقبل إلا مرسل كبار التابعين دون صغارهم)).
قلنا: أبعد الزركشي النجعة في تعقبه هذا، إذ كلام الشافعي في
القبول وعدمه، وكلام ابن الصلاح هنا في التسوية بينهم في
التسمية، والله أعلم.
(2) ص 28، وتابعه على هذا تلميذه البيهقي في سننه الكبرى 3/
333 و 4/ 54 و 7/ 134. قال ابن الملقن في المقنع 1/ 133:
((وتبع الحاكم ابن القطان، فقال: إنه منقطع)). وانظر: بيان
الوهم والإيهام 5/ 208 (2421).
وما نقله عن الحاكم لم ينقله على وجهه، إذ شرط الحاكم لتسميته
منقطعاً عدم التصريح باسمه في طريق أخرى.
فأهمل ابن الصلاح هذا القيد، وحمّل الحاكم تبعة ذلك، وهو عدم
تسميته مرسلاً، ثمّ لو سلّمنا جدلاً بأن الحاكم لا يسميه
مرسلاً بل منقطعاً، فلا تمنع تسميته بالمنقطع من تسميته
مرسلاً، فإن الحاكم صرّح في بدء النوع التاسع (27) بالتغاير
بينهما فقال: ((معرفة المنقطع من الحديث وهو غير المرسل)).
(3) أراد به كتاب البرهان لإمام الحرمين، إذ قال فيه 1/ 633:
((وقول الراوي: أخبرني رجل أو عدل موثوق به، من المرسل
أيضاً)).
وتبعه الفخر الرازي في المحصول فقال 2/ 229: ((إن الراوي إذا
سمّى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل)). فقال الأبياري في
شرح البرهان: ((هذا مردود بلا خلاف، ولا يأتي فيه الخلاف في
قبول المرسل إلا أن يكون قائله لا يروي إلا عن عدل، فلا فرق
حينئذٍ بين أن يقول: حدّثني رجل، وحدّثني عدل موثوق به)).
قال الزركشي 1/ 461 معقباً على الأبياري: ((ونفيه الخلاف فيه
مردود، وقد ذكر أبو علي الغساني - من أئمة الحديث - أنه نوع من
المرسل، وهو قضية صنيع أبي داود في المراسيل)).
قلنا: أبو داود يورد أحاديث في كتابه " المراسيل " عن مبهمين
وهذا يقتضي أنه يسمي ما كان على هذه الشاكلة مرسلاً، بل
البيهقي زاد في سننه بأن جعل ما يرويه التابعي عن رجل من
الصحابة مرسلاً!!
قال ابن التركماني في الجوهر النقي 1/ 190 - 191 معقباً على
البيهقي: ((قدّمنا في باب تفريق الوضوء أن مثل هذا ليس بمرسل،
بل هو متصل؛ لأنّ الصَّحَابَة كلهم عدول فَلا تضرهم الجهالة. =
(1/129)
المرسَلِ (1)، واللهُ أعلمُ.
ثُمَّ اعْلَمْ (2) أنَّ حُكمَ المرسَلِ حُكْمُ الحديثِ
الضعيفِ، إلاَّ أنْ يصحَّ مَخْرَجُهُ بمجيئِهِ مِنْ وجهٍ آخَرَ
- كما سَبقَ بيانُهُ في نوعِ الحسَنِ (3)، ولهذا احتجَّ
الشافعيُّ - رضي الله عنه - بمرسلاتِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ -
رضيَ اللهُ عنهما - فإنَّها وُجِدَتْ مسانيدَ مِنْ وجوهٍ أُخرَ
ولا يختصُّ ذلكَ عِندَهُ بإرسالِ ابن المسيِّبِ كما سَبَقَ،
ومَنْ أنكرَ هذا زاعماً أنَّ الاعتمادَ حينئذٍ يقعُ على
المسندِ دونَ المرسلِ، فيقعُ لغواً لا حاجةَ إليهِ، فجوابُهُ:
أنَّهُ بالمسندِ يتبيَّنُ (4) صِحَّةُ الإسنادِ الذي فيهِ
الإرسالُ حَتَّى يُحكَمَ لهُ مَعَ إرسالِهِ بأنَّهُ إسنادٌ
صحيحٌ تقومُ بهِ الحجَّةُ على ما مهَّدنا سبيلَهُ في النوعِ
الثاني (5). وإنَّما يُنْكِرُ هذا مَنْ لا مذَاقَ لهُ في هذا
الشأنِ.
وما ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الاحتجاجِ بالمرسلِ والحكْمِ
بضَعْفِهِ هوَ المذهبُ الذي استقرَّ عليهِ آراءُ جماهيرِ
حُفَّاظِ الحديثِ ونُقَّادِ الأثَرِ (6)، وقدْ تداولوهُ في
تصانِيفِهِمْ. وفي صدرِ
__________
= فإن قلت: لم نجعله مرسلاً بل بمعنى المرسل في كون التابعي لم
يسمّ الصحابة لا غير.
قلنا: فحينئذ لا مانع من الاحتجاج به على أن قول البيهقي بعد
ذلك: ((إلا أنه مرسل جيد)) تصريح بأنه مرسل عنده، وكذا قوله:
((لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة)) يفهم منه أن هذا
منقطع عنده، بل قد صرّح بذلك في كتاب " المعرفة " فقال: ((وأما
حديث داود الأودي عن حميد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله
عليه وسلم - فإنه منقطع)) ... إلى آخر كلامه.
قال ابن حجر في نكته 2/ 564: ((وقد بالغ صاحب الدر النقي في
الإنكار على البيهقي بسبب ذلك، وهو إنكار متجه)). وقال العراقي
في التقييد: 74 معقباً على صنيع البيهقي: ((وهذا ليس منه بجيد،
اللهم إلا إن كان يسميه مرسلاً، ويجعله حجة كمراسيل الصحابة
فهو قريب)).
قلنا: هو في كلا الحالين مخالف لما اصطلح عليه أهل الحديث.
(1) يتحصل - مما ذكره المصنّف هنا - مذهبان كلاهما خلاف ما حكي
عن الأكثرين، وأهمل مذهباً ثالثاً، وهو أنه متّصل في إسناده
مجهول، حكاه الرشيد العطار في غرر الفوائد المجموعة: 130 عن
الأكثرين، واختاره العلائي في جامع التحصيل: 96.
قلنا: انظر: نكت الزركشي 1/ 459، ومحاسن الاصطلاح: 136،
والتقييد والإيضاح: 73، ونكت ابن حجر 2/ 561.
(2) ((ثم اعلم)): لم ترد في (أ) و (جـ).
(3) انظر: نكت الزركشي 1/ 463، ونكت ابن حجر 2/ 565 - 567.
(4) في (ع) فقط: ((تتبين)).
(5) انظر: نكت الزركشي 1/ 488.
(6) اعترض بعض العلماء منهم: العلاّمة مغلطاي على هذه الدعوى،
وادّعى أن الجمهور على خلافه، وقد نقل اعتراضه وأجاب عنه
الزركشي في نكته 1/ 491، وابن حجر 2/ 567.
(1/130)
"صحيحِ مسلمٍ": ((المرسلُ في أصلِ قولِنا
وقولِ أهلِ العلمِ بالأخبارِ ليسَ بحُجَّةٍ)) (1).
وابنُ عبدِ البرِّ: حافِظُ المغربِ ممَّنْ حَكَى ذلكَ عَنْ
جماعةِ أصحابِ الحديثِ (2).
والاحتجاجُ بهِ مذهبُ مالكٍ وأبي حنيفةَ
وأصحابِهِما-رَحِمَهُمُ اللهُ-في طائفةٍ (3)، واللهُ أعلمُ.
ثُمَّ إنَّا لَمْ نَعُدَّ في أنواعِ المرسَلِ (4) ونحوِهِ، ما
يُسَمَّى في أُصولِ الفِقْهِ مرسَلَ الصحابيِّ (5)، مثلُ ما
يرويهِ ابنُ عبَّاسٍ وغيرُهُ مِنْ أحداثِ الصحابةِ عَنْ رسولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولَمْ
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم 1/ 24.
وقد اعترض بعضهم على ابن الصلاح بأن مسلماً حكى هذا القول على
لسان خصمه، وليس هو قولاً له؟
قال الزركشي 1/ 497: ((إنه وإن حكاه عن لسان خصمه لكن لَمَّا
لم يعترض عليه بشيء فكأنّه ارتضاه؛ فلهذا ساغ لابن الصلاح عزوه
إليه، ويؤيده قول الترمذي: ((الحديث إذا كان مرسلاً فإنه لا
يصح عند أكثر أهل الحديث)).
(2) التمهيد 1/ 6. ونقل الزركشي 1/ 498 عن ابن خلفون أنه قال
في المنتقى: ((ولا اختلاف أعلمه بينهم أنه لا يجوز العمل
بالمرسل إذا كان مرسله غير متحرز يرسل عن غير الثقات)).
(3) قلنا: وهذا أيضاً قول الإمام أحمد في إحدى الروايتين،
وإليه ذهب جمهور المعتزلة وهو اختيار الآمدي، وفصَّل عيسى بن
أبان من أئمة الحنفية - فقبل مراسيل القرون الثلاثة الخيّرة
ومرسل من هو من أئمة النقل مطلقاً، وهذا ما صحّحه النسفي.
وبالغ قوم فعدّوا المرسل أقوى من المسند؛ لأن من أرسل فقد
تكفل، ومن أسند فقد أحال، واحتجّوا: بحسن الظنّ بالمرسل وأنه
لا يرسل إلا عن ثقة، فإنه إن كان عدلاً لم يجز له إسقاط
الواسطة وهو يعلم أنه غير عدلٍ؛ لأن هذا قادح في عدالة المرسل.
انظر: التبصرة في أصول الفقه 326، والمحصول 2/ 224، شرح تنقيح
الفصول 379، وإحكام الأحكام 2/ 112، والمجموع 1/ 60، وكشف
الأسرار للنسفي 2/ 42، والإبهاج 2/ 112، والبحر المحيط 4/ 409.
وانظر ردّ الخطيب البغدادي على أصحاب القول الثاني في الكفاية:
(551 ت، 387 هـ).
(4) انظر: نكت الزركشي 1/ 500، والتقييد والإيضاح 75.
(5) هذا مذهب الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والقاضي أبي بكر
الباقلاني - إلا أن يخبر أنه لا يروي إلا عن الصحابة - واختاره
الغزالي في المستصفى، ونقله ابن بطال عن الشافعي وصحّحه ابن
برهان، وقال القاضي عبد الوهاب: إنه الظاهر من مذهب الشافعي
وإليه ذهب أبو طالب والحسن الرصاص - من أئمة الزيدية -، وقال
المنصور بالله - منهم -: أن عنعنة الصحابي محتملة للاتصال
والانقطاع.
انظر: التبصرة في أصول الفقه: 326، والمستصفى 1/ 107،
والمنخول: 274، وجامع التحصيل: 36، وتوضيح الأفكار 1/ 335،
ونكت ابن حجر 2/ 547، وشرح السيوطي: 162.
(1/131)
يَسمعوهُ منهُ؛ لأنَّ ذلكَ في حُكْمِ الموصولِ المسنَدِ؛ لأنَّ
رِوايَتَهُم عنِ الصحابةِ، والجهالةُ بالصحابيِّ غيرُ قادحةٍ؛
لأنَّ الصحابةَ كُلَّهُمْ عدولٌ (1)، واللهُ أعلمُ. |