مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل

النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ
مَعْرِفَةُ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ وَحُكْمِهَا (1)
وذلكَ فنٌّ لطيفٌ تُسْتَحْسَنُ العِنايةُ بهِ. وقدْ كانَ أبو بكرِ بنُ زيادٍ النَّيْسابوريُّ (2)، وأبو نُعَيْمٍ الْجُرْجَانيُّ (3)، وأبو الوليدِ القرشيُّ (4) الأئمّةُ مذكورينَ بمعرفة زياداتِ الألفاظِ الفقهيّةِ في الأحاديثِ (5).
__________
(1) لمعرفةٍ أكثرَ عن هذه المسألة، انظر:
معرفة علوم الحديث: 130، والكفاية: 597، وجامع الأصول 1/ 103، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 225 - 231، والتقريب: 71 - 72، والمنهل الروي: 58، والخلاصة: 56، ونظم الفرائد: 370، واختصار علوم الحديث: 61، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 346، ونزهة النظر: 95، والمختصر: 171، وفتح المغيث 1/ 199، وألفية السيوطي: 53 - 54، وشرح السيوطي على ألفية العراقي 187، وفتح الباقي 1/ 211، وتوضيح الأفكار 2/ 16، وقواعد التحديث: 107.
(2) هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري الأموي مولاهم الحافظ نزيل بغداد، توفي (324هـ‍). تاريخ بغداد 10/ 120، وسير أعلام النبلاء 15/ 65، وطبقات الشافعية 3/ 10.
(3) هو أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الحافظ. مولده (242هـ‍)، وتوفي (323هـ‍). تاريخ جرجان: 235، وتاريخ بغداد 10/ 428، وسير أعلام النبلاء 14/ 541.
(4) هو أبو الوليد حسان بن محمد بن أحمد النيسابوري الأموي الشافعي. ت (349 هـ‍). سير أعلام النبلاء 15/ 492، وطبقات الشافعية 3/ 226، والبداية والنهاية 11/ 236.
(5) انظر: معرفة علوم الحديث 130.
وكان ينبغي على ابن الصلاح ألاّ يغفل ذكر ابن خزيمة، فقد قال ابن حبان - تلميذه - فيه في مقدمة المجروحين 1/ 93: ((لَمْ أرَ على أديم الأرض مَنْ كان يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم بزيادة كل لفظة تزاد في الخبر ثقة حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط)).
وقد استشكل العلاّمة مغلطاي هذا على المصنف؛ لعدم فهمه مغزى كلامه. ومراد ابن الصلاح الألفاظ التي تستنبط منها الأحكام الفقهية، لا ما زاده الفقهاء أنفسهم في الأحاديث، فإن هذا من المدرج لا من زيادات الثقات. انظر: نكت الزركشي 2/ 174، ومحاسن الاصطلاح 185، ونكت ابن حجر 2/ 686.

(1/176)


ومَذهبُ الجمهورِ مِنَ الفقهاءِ وأصحابِ الحديثِ فيما حكاهُ الخطيبُ أبو بكرٍ: أنَّ الزيادةَ مِنَ الثقةِ مقبولةٌ إذا تفرَّدَ بها (1)، سواءٌ كانَ ذلكَ مِنْ شخصٍ واحدٍ بأنْ رواهُ ناقصاً مرَّةً، ورواهُ مرَّةً أخرى وفيهِ تلكَ الزيادةُ، أو كانتِ الزيادةُ (2) مِنْ غيرِ مَنْ رواهُ ناقصاً، خلافاً لِمَنْ ردَّ مِنْ أهلِ الحديثِ ذلكَ مُطْلَقاً (3)، وخلافاً لِمَنْ ردَّ الزيادةَ منهُ وَقَبِلَها مِنْ غيرِهِ (4). وقدْ قَدَّمنا (5) عنهُ حكايتَهُ عَنْ أكثرِ أهلِ الحديثِ فيما إذا وصلَ الحديثَ قومٌ وأرسَلَهُ قومٌ أنَّ الحكمَ لِمَنْ أرسلَهُ مَعَ أنَّ وصلَهُ زيادةٌ مِنَ الثقةِ (6).
وقدْ رأيتُ تقسيمَ ما ينفردُ بهِ الثقةُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ (7):
__________
(1) انظر: الكفاية (597 ت، 424 هـ‍).
قلنا: في النقل عن الجمهور نظر؛ فَقَدْ قَالَ ابن دَقِيْقِ العِيْدِ في مقدّمة "الإمام" كَمَا نقل ابن حجر في النكت 2/ 604: ((من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنّه إذا تعارض رواية مرسل ومسند أو رافع وواقف أو ناقص وزائد أنّ الحكم للزائد فلم يصب في هذا الإطلاق؛ فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول)) وقالَ العلائي: ((كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطّان، وأحمد بن حنبلٍ، والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث)). نظم الفرائد: 376 - 377، وما بعدها فهو بحث نفيس، وانظر: نكت الزركشي 2/ 175.
(2) عبارة: ((أو كانت الزيادة)) سقطت من ب.
(3) كما حكاه الخطيب عنهم في الكفاية: (597 ت، 424 هـ‍).
(4) حكاه الخطيب عن جماعة من الشافعية. انظر: الكفاية (597 ت، 424هـ‍)، وشرح الزركشي 4/ 329.
(5) ص: 181.
(6) ((قد يفرق بينهما على طريقة المحدّثين بأن الإرسال علة في السند، وليست الزيادة في المتن كذلك، وسيأتي ما يدل له، ولا يعترض بأن الذي ذكره الخطيب في ذلك: الجزم بأن الزيادة مقبولة تقدمت أو تأخرت، وليس في ذلك حكاية عن الأكثر. ... وليس لقائلٍ أن يقول: لا ريبة فيما إذا روى أولاً زائداً، إنما الريبة فيما إذا روى ثانياً بزيادة؛ لأنا نقول: كل منهما فيه الريبة، فاستويا)). محاسن الاصطلاح: 186.
(7) ((هذا التقسيم ليس على وجهه، فإن الأول والثاني لا مدخل لهما في زيادة الثقة بحسب الاصطلاح، فإن المسألة مترجمة بأن يروي الحديث جماعة ويتفرد بعضهم بزيادة فيه، والقسمان قد فرضهما في أصل الحديث لا في الزيادة فيه، وإنما هما قسما الشاذ بعينه على ما ذكره هناك فلا معنى لتكراره وإدخاله مسألة في أخرى ... )). هكذا قال الزركشي 2/ 189، وانظر: نكت ابن حجر 2/ 687.

(1/177)


أحدُها: أنْ يَقَعَ مخالِفاً منافياً لِمَا رواهُ سائرُ الثقاتِ، فهذا حكمُهُ الرَّدُّ كما سبَقَ في نوعِ الشاذِّ.
الثاني: أنْ لا يكونَ (1) فيهِ منافاةٌ ومخالفةٌ أصلاً لِمَا رواهُ غيرُهُ كالحديثِ الذي تفرَّدَ بروايةِ جملتِهِ ثقةٌ، ولا تَعَرُّضَ فيهِ لِمَا رواهُ الغيرُ بمخالفةٍ أصلاً، فهذا مقبولٌ، وقدِ ادَّعَى الخطيبُ (2) فيهِ اتِّفاقَ العلماءِ عليهِ وسَبَقَ مثالُهُ في نوعِ الشاذِّ.
الثالثُ: ما يقعُ بينَ هاتينِ المرتبتينِ، مثلُ زيادةِ لفظةٍ في حديثٍ لَمْ يَذكرْها سائرُ مَنْ رَوَى ذلكَ الحديثَ.
مثالُهُ: ما رواهُ مالكٌ (3)، عَنْ نافعٍ، عَنِ ابنِ عُمرَ: ((أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ على كُلِّ حُرٍّ أو عَبْدٍ، ذَكَرٍ أو أنثَى مِنَ المسلمينَ)). فذَكَرَ أبو عيسى الترمذيُّ (4) أنَّ مالكاً تفَرَّدَ مِنْ بينِ الثِّقاتِ بزيادةِ قولِهِ: ((مِنَ المسلمينَ)). وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وأيوبُ، وغيرُهُما هذا الحديثَ، عَنْ نافعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ دونَ هذهِ الزيادةِ (5).
__________
(1) في (جـ): ((تكون)).
(2) في الكفاية: (598 ت، 425 هـ‍).
(3) الموطأ (773).
وأخرجه من طريق مالك: الشافعي 1/ 250، والدارمي (1668)، والبخاري 2/ 161 حديث (1504)، ومسلم 3/ 68 حديث (984)، وأبو داود (1611)، وابن ماجه (1826)، والترمذي (676)، والنسائي 5/ 48، وابن خزيمة (2399) والطحاوي 2/ 44، وابن حبان (3301)، والبيهقي 4/ 161، والبغوي (1593).
(4) الجامع الكبير 2/ 54 عقب (676).
(5) كتاب العلل للترمذي 6/ 253.
قلنا: هكذا قال ابن الصلاح مقلّداً في هذا الإمام الترمذي، وفيه نظر، إذ اعترض عليه الإمام النووي فقال في إرشاد طلاب الحقائق 1/ 230 - 231: ((لا يصح التمثيل بحديث مالك؛ لأنَّهُ لَيْسَ منفرداً، بَلْ وافقه في هَذِهِ الزيادة عن نافع: عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان الأول في صَحِيْح البُخَارِيّ، والثاني في صَحِيْح مُسْلِم)). وبنحوه قَالَ في التقريب والتيسير: 72. =

(1/178)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ولعلّ أقدم مَن تكلَّم في هذه المسألة وبيّن عدم انفراد الإمام مالك بهذه الزيادة، الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح المشكل 9/ 43 - 44 عقب (3423) فقال: ((فقال قائل: أفتابع مالكاً على هذا الحرف، يعني: من المسلمين، أحد ممن رواه عن نافع؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عزّوجلّ وعونه: أنه قد تابعه على ذلك عبيد الله بن عمر، وعمر بن نافع، ويونس بن يزيد)). ثم ساق متابعاتهم، وسنوردها لاحقاً:
وقد بيّن الحافظ العراقي في التقييد: 111 - 112 أنَّ كلام الترمذي لا يفهم تفرد مالك، بل هو من تصرف ابن الصلاح في كلامه، فقال: ((كلام الترمذي هذا ذكره في العلل التي في آخر الجامع، ولم يصرح بتفرد مالك بها مطلقاً، فقال: ((ورُبَّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس ... )) فذكر الحديث، ثم قال: وزاد مالك في هذا الحديث ((من المسلمين))، وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه: ((من المسلمين)). وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه. انتهى كلام الترمذي. فلم يذكر التفرد مطلقاً وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرّح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لم يعتمد على حفظه، فأسقط المصنف آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه الزيادة، بل تابعه عليها جماعة من الثقات)).
وقد وجدنا له تسع متابعات هي:
1 - عبيد الله بن عمر: وقد اختلف عليه فيه، وعامّة أصحابه لا يذكرون هذه الزيادة في حديثه، ومنهم:
- يحيى بن سعيد القطان: عند أحمد 2/ 55، والبخاري 2/ 162 (1512)، وأبي داود (1613)، وابن خزيمة (2403)، والبيهقي 4/ 160، وابن عبد البر 14/ 316.
- محمد بن عبيد الطنافسي: عند أحمد 2/ 102، وابن زنجويه في الأموال (2357)، والبيهقي في الكبرى 4/ 159 و 160، وابن عبد البر 14/ 317.
- عيسى بن يونس: عند النسائي 5/ 49، وفي الكبرى (2284)، وابن عبد البر 14/ 316.
- عبد الله بن نمير: عند مسلم 3/ 68 (984) (13).
- أبان بن يزيد العطار: عند أبي داود (1613).
- بشر بن المفضل: عند أبي داود (1613)، وابن عبد البر 14/ 316.
- حماد بن أسامة: عند ابن أبي شيبة (10355)، ومسلم 3/ 68 (984) (13).
- عبد الأعلى بن عبد الأعلى: عند ابن خزيمة (2403). =

(1/179)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= - المعتمر بن سليمان: عند ابن خزيمة (2403).
- سفيان الثوري: عند الدارمي (1669)، وابن خزيمة (2409)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 44، وأبي نعيم في الحلية 7/ 136، والبيهقي 4/ 160.
ورواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به. وذكر الزيادة. أخرجه: أحمد 2/ 66، والطحاوي في شرح المشكل (3424) و (3425)، والدارقطني 2/ 145، والحاكم 1/ 410، والبيهقي 4/ 166، وابن عبد البر 14/ 318.
وقال أبو داود عقب (1621): ((رواه سعيد الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، قال فيه: ((من المسلمين))، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه: ((من المسلمين)) ... )).
وقال ابن عبد البر: ((وأما عبيد الله بن عمر فلم يقل فيه: ((من المسلمين)) عنه أحد - فيما علمت - غير سعيد بن عبد الرحمان الجمحي)).
قلنا: سعيد ليست حاله ممن يحتمل له مثل هذا التفرد لا سيّما مع شدة المخالفة فقد قال الإمام أحمد:
((الجمحي روى حديثين عن عبيد الله بن عمر، حديث منهما في صدقة الفطر. وقال: أُنكر على الجمحي هذين الحديثين)). مسائل صالح لأبيه الإمام أحمد 2/ 458. وقال ابن عدي: ((له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يَهِمُ عندي في الشيء بعد الشيء: يرفع موقوفاً ويوصل مرسلاً، لا عن تعمد)). الكامل 4/ 456.
قال الدكتور بشار في تعليقه على الموطأ 1/ 382، وعلى جامع الترمذي 2/ 54: ((في هذا نظر فقد تابع سعيداً سفيان الثوري في روايته هذه عن عبيد الله)).
كذا قال!! وأنت خبير بأن تسعة من أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه بلا ذكر لهذه الزيادة البتة، في حين أنه - وهو: سفيان الثوري - رواه أيضاً من غير هذه الزيادة، ومن ادَّعى أنه رواه عن عبيد الله بهذه الزيادة فقد حمَّل روايته ما لا تحتمله، وإليك البيان:
روى الدارمي هذا الحديث عن الفريابي عن الثوري، ورواه البقيّة من طريق قبيصة عن الثوري، كلاهما الفريابي وقبيصة لم يذكرا فيه هذه الزيادة عن الثوري.
ولكن الرواية التي يدعي الدكتور متابعة سفيان فيها لسعيد الجمحي، أخرجها عبد الرزاق (5763) ومن طريقه الدارقطني 2/ 139، عن الثوري وابن أبي ليلى مقرونين عن عبيد الله.
فأنت ترى أن عبد الرزاق خالف الفريابي وقبيصة في روايته عن الثوري لهذا، لكن روى الدارقطني 2/ 139 من طريق ابن زنجويه، عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبيد الله، به، غير مقرون بابن أبي ليلى وفيه هذه الزيادة. =

(1/180)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والراجح رواية الفريابي وقبيصة؛ لأن العدد أولى أن يسلّم له بالصواب؛ ولأن عبد الرزاق ضُعِّفَ بالاختلاط، ومن الراجح أن سماع ابن زنجويه كان بعده، فلعلَّ بعض الرواة حمل رواية الثوري على رواية ابن أبي ليلى، ومن هنا قال ابن حجر: ((يحتمل أن يكون بعض رواته حمل لفظ ابن أبي ليلى على لفظ عبيد الله)). فتح الباري 3/ 370.
ومن هذا يظهر أن هذه الزيادة في حديث سفيان الثوري عن عبيد الله غير محفوظة، والصحيح أنه روى الحديث كسائر أصحاب عبيد الله بن عمر من غير زيادة.
2 - كثير بن فرقد: عند الدارقطني 2/ 140، والحاكم 1/ 410، والبيهقي 4/ 162، وابن عبد البر 14/ 319.
3 - عبد الله بن عمر: عند عبد الرزاق (5765)، وأحمد 2/ 114، والدارقطني 2/ 140. وكذا ابن الجارود في المنتقى (356)؛ لكن وقع فيه تحريف، فوقع فيه ((عبيد الله)) مصغراً.
4 - ابن أبي ليلى: عند الدارقطني 2/ 139. ورواه عبد الرزاق (5763) عنه وعن الثوري مقرونين. ورواه الطحاوي في شرح المعاني 2/ 44 من طريق يحيى بن عيسى الفاخوري عن ابن أبي ليلى، وليس فيه الزيادة.
5 - يونس بن يزيد: عند الطحاوي في شرح المشكل (3427)، وفي شرح المعاني 2/ 44، وابن عبد البر 14/ 319.
6 - المعلى بن إسماعيل: عند ابن حبان (3293)، والدارقطني 2/ 140.
7 - عمر بن نافع: عند البخاري 2/ 161 (1503)، وأبي داود (1612)، والنسائي 5/ 84، والطحاوي في شرح المشكل (3426)، وابن حبان (3303)، والدارقطني 2/ 139، والبيهقي 4/ 162، والبغوي (1594).
8 - أيوب بن أبي تميمة السختياني: عند ابن حبان (2411)، والطحاوي في شرح المشكل (3427).
9 - الضحاك بن عثمان: عند مسلم 3/ 69 (984) (16).
قال الدارقطني في السنن 2/ 139: ((وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، وقال فيه: ((من المسلمين)). وكذلك رواه مالك بن أنس والضحاك بن عثمان، وعمر بن نافع والمعلى بن إسماعيل وعبد الله بن عمر العمري وكثير بن فرقد ويونس بن يزيد، وروى ابن شوذب عن أيوب عن نافع كذلك)).
وبهذا تبين أن الإمام مالكاً لم ينفرد بهذه الزيادة، وإن لم يكن مَنْ تابعه يبلغ مرتبةً في الحفظ والإتقان، إلا أن دعوى التفرد لا تصح في كل حال. وقد قال الإمام أحمد: ((كنت أتهيب حديث مالك ((من المسلمين)) يعني: حتى وجدته من حديث العمريين، قيل له: أمحفوظ هو عندك ((من المسلمين))؟ قال: ((نعم)). شرح علل الترمذي 2/ 632. والله أعلم.

(1/181)


فأخذَ بها غيرُ واحِدٍ مِنَ الأئمَّةِ واحتجُّوا بها، منهم: الشافعيُّ وأحمدُ - رضي الله عنهم -،
واللهُ أعلمُ.
ومِنْ أمْثِلَةِ ذلكَ: حديثُ: ((جُعِلَتْ لَنا (1) الأرضُ مَسجِداً وجُعِلَتْ تُربَتُها لنا طَهُوراً)). فهذهِ الزيادةُ تفَرَّدَ بها أبو مالكٍ سعدُ بنُ طارقٍ الأشجعيُّ (2). وسائرُ الرواياتِ لَفظُهَا: ((وجُعِلَتْ لنا الأرضُ مَسْجِداً وطَهُوراً)) (3). فهذا وما أشبَهَهُ يُشْبِهُ القسمَ الأوَّلَ
__________
(1) في (ب): ((لي)).
(2) أخرجه: الطيالسي (418)، وابن أبي شيبة 11/ 435، وأحمد 5/ 383، ومسلم 2/ 63 (522)
(4)، والنسائي في الكبرى (8022)، وابن خزيمة (263) و (264)، وأبو عوانة 1/ 303، وابن حبان (1697) و (6400)، والبيهقي 1/ 213.
(3) فهو مروي من حديث عدة من الصحابة منهم:
1 - جابر بن عبد الله، عند:
ابن أبي شيبة 1/ 157، وأحمد 3/ 304، والدارمي (1396)، والبخاري 1/ 91 (335) و 1/ 119 (438)، ومسلم 2/ 63 (521)، والنسائي 1/ 209 و 2/ 56، وفي الكبرى (815). من طريق سيار أبي الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابر.
2 - عبد الله بن عباس، عند:
ابن أبي شيبة 1/ 157، وأحمد 1/ 250 و 301، وعبد بن حميد (643).
3 - أبو موسى الأشعري، عند:
أحمد 4/ 416.
4 - أبو ذر الغفاري، عند:
أحمد 5/ 145 و 147، والدارمي (2470)، وأبي داود (489).
5 - أبو هريرة، عند:
أحمد 2/ 411، ومسلم 2/ 64 (523)، والترمذي (1553)، وابن ماجه (567).
6 - ابن عمر، عند:
البزار (311)، والطبراني في الكبير (13522).
وغيرهم. وانظر: شرح السيوطي 188 - 189، وأثر علل الحديث 164 - 265.
تنبيه: ((هذا التمثيل ليس بمستقيم أيضاً؛ لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش - رضي الله عنه - كما تفرد برواية جملته ربعي عن حذيفة - رضي الله عنه -. فإن أراد أن لفظة ((تربتها)) زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة، فإنه يُرَدُّ عليه: أنها في حديث علي - رضي الله عنه - أيضاً ... وإن أراد: أن أبا مالك تفرَّد بها، وأن رفقته عن ربعي - رضي الله عنه - لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه، فليس بصحيح)). نكت ابن حجر 2/ 700 - 701.

(1/182)


مِنْ حيثُ إنَّ ما رواهُ الجماعةُ عامٌّ، وما رواهُ المنفردُ بالزيادةِ مخصوصٌ، وفي ذلكَ مغايرةٌ في الصفةِ ونوعٌ مِنَ المخالفةِ يختَلِفُ بها الحكمُ. ويُشْبِهُ أيضاً القسمَ الثاني مِنْ حيثُ إنَّهُ لا منافاةَ بينَهُما.
وأمَّا زيادةُ الوصلِ معَ الإرسالِ، فإنَّ بينَ الوصلِ والإرسالِ مِنَ المخالفةِ نحوَ ما ذكرناهُ، ويزدادُ ذلكَ بأنَّ الإرسالَ نوعُ قَدْحٍ في الحديثِ، فترجيحُهُ وتقديمُهُ مِنْ قَبيلِ تقديمِ الجرحِ على التعديلِ، ويجابُ عنهُ: بأنَّ الجرحَ قُدِّمَ لِمَا فيهِ مِنَ زيادةِ العِلْمِ، والزيادةُ هاهنا معَ مَنْ وَصَلَ، واللهُ أعلمُ (1).

النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَر
مَعْرِفَةُ الأَفْرَادِ (2)
__________
(1) ((ما قاله النسائي وغيره من أن من أرسل معه زيادة علم على من وصل؛ لأن الغالب في الألسنة الوصل، فإذا جاء الإرسال، عُلِم أن مع المرسل زيادة علم، وقد رجحه ابن القطان وغيره. معارض بأن الإرسال نقص في الحفظ، وذلك لما جبل عليه الإنسان من السهو والنسيان فتبين أن النظر الصحيح: أن زيادة العلم إنما هي مع من أسند)). محاسن الاصطلاح: 191.
(2) الأفراد - بفتح الهمزة -: جمع فرد.
قال الميانشي: ((الفرد: هو ما انفرد بروايته بعض الثقات عن شيخه، دون سائر الرواة عن ذلك الشيخ)). ما لا يسمع المحدّث جهله: 29
وعرَّفه الدكتور المليباري، فقال: ((يراد بالتفرد: أن يروي شخص من الرواة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون، وهو ما يقول فيه المحدّثون النقّاد: ((حديث غريب))، أو: ((تفرَّد به فلان))، أو: ((هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه))، أو: ((لا نعلمه يروى عن فلان إلا من حديث فلان))، أو نحو ذلك)). الموازنة بين منهج المتقدمين والمتأخرين: 15.
قلنا: وما ذكره الدكتور المليباري أعم من التعريف الأول وأدق؛ لأنه يشمل الثقة وغيره، وأما تعريف الميانشي فهو أخص، وهو المراد في البحث هنا؛ لأن تفرد الضعيف لا يعتد به أساساً ما لم يتابع.
قال الزركشي 2/ 198: ((وفيه صنّف الدارقطني كتاب الأفراد، ويستعمله الطبراني في معجمه الأوسط كثيراً، ويحتاج لاتساع الباع في الحفظ، وكثيراً ما يدّعي الحافظ التفرّد بحسب علمه، ويطلع غيره على المتابع)). =

(1/183)


وقدْ سَبَقَ بيانُ المهمِّ مِنْ هذا النوعِ في الأنواعِ التي تليهِ قبلَهُ، لكنْ أفردتُهُ بترجمةٍ كما أفردَهُ الحاكمُ أبو عبد الله (1)، ولما بَقِيَ منهُ.
فنقولُ: الأفرادُ منقسمةٌ إلى ما هوَ فَرْدٌ مطلقاً، وإلى ما هوَ فَرْدٌ بالنِّسْبَةِ (2) إلى جهةِ خاصَّةٍ (3).
أمَّا الأوَّلُ: فهوَ ما ينفرِدُ بهِ واحدٌ عَنْ كلِّ أحدٍ، وقدْ سبقتْ (4) أقسامُهُ وأحكامُهُ قريباً.
__________
= وقال ابن حجر 2/ 708: ((من مظان الأحاديث الأفراد مسند أبي بكر البزار، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في " المعجم الأوسط "، ثم الدارقطني في كتاب " الأفراد "، وهو ينبئ عن اطلاع بالغ ويقع عليهم التعقيب فيه كثيراً بحسب اتساع الباع وضيّقه أو الاستحضار وعدمه، وأعجب من ذلك أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه فقد تتبع العلاّمة مغلطاي على الطبراني في جزء مفرد)).
وانظر في الأفراد:
معرفة علوم الحديث: 96، وجامع الأصول 1/ 175، والإرشاد 1/ 232 - 233، والتقريب: 73 - 74، والمنهل الروي: 51، والخلاصة: 48، واختصار علوم الحديث: 61، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 357، ونزهة النظر: 78، والمختصر: 121، وفتح المغيث 1/ 205، وألفية السيوطي: 42 - 43، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 190، وفتح الباقي 1/ 217، وتوضيح الأفكار 2/ 7، وظفر الأماني: 242، وقواعد التحديث: 128.
(1) معرفة علوم الحديث: 96.
(2) في (أ): ((من النسبة)).
(3) اعترض العلاّمة مغلطاي على ابن الصلاح، بأنه ذكر أنه تابع للحاكم في تقسيمه، والحاكم إنما قسمه إلى ثلاثة أقسام، فكان عليه أن يتابعه على هذا أيضاً.
وقد أجاب ابن حجر في نكته 2/ 703 - 709 بجواب طويل، فانظره فإنه مهمّ.
تنبيه: للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي تقسيم آخر للأفراد، ذكره في مقدمة ترتيبه لأطراف الغرائب والأفراد للدارقطني 1/ 53، ومن أمعن فيها النظر وجدها راجعة في حقيقتها إلى ما ذكره المصنّف.
(4) في (أ): ((سقت)).

(1/184)


وأمَّا الثاني: وهوَ ما هوَ فَرْدٌ بالنسبةِ، فمثلُ ما ينفردُ بهِ ثقةٌ عَنْ كلِّ ثقةٍ (1)، وحكمُهُ قريبٌ مِنْ حكمِ القسمِ الأوَّلِ، ومثلُ ما يقالُ فيهِ: ((هذا حديثٌ تفرَّدَ بهِ أهلُ مكَّةَ (2)، أو تفرَّدَ بهِ أهلُ الشامِ (3)، أو أهلُ الكوفةِ (4)، أو أهلُ خُراسانَ (5) عَنْ غيرِهِم، أو لَمْ يروِهِ عَنْ فلانٍ غيرُ فلانٍ (6)، وإنْ كانَ مرويّاً مِنْ وجوهٍ عنْ غيرِ فلانٍ، أو تفرَّدَ بهِ
__________
(1) مثاله: ما أخرجه البخاري 2/ 32 (1002)، ومسلم 2/ 131 (677) (301).
من طريق عاصم الأحول، قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة، قال: نعم، قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله)).
قال الزركشي 2/ 201: ((فعاصم ثقة، وقد تفرد عن سائر الرواة عن أنس في موضع القنوت، قال الأثرم: قلت لأحمد: يقول أحد في حديث أنس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمت أحداً يقوله غيره)).
(2) مثاله: ما رواه الحاكم في المعرفة: 98 من طريق ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها فقالت: يا رسول الله خرجت ... الحديث.
قال الحاكم: ((هذا حديث تفرّد به أهل مكة، وليس في رواته إلا مكي)).
(3) مثاله: ما رواه الحاكم في المعرفة: 98 من طريق ابن أنعم، عن عبد الرحمان بن رافع، عن ابن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأصحابه: ((ألا إنه ستفتح عليكم أرض العجم ... الحديث)).
قال الحاكم: ((تفرد بذكر تحريم الحمامات على النساء أهل الشام بهذا الإسناد)).
(4) مثاله: ما رواه الحاكم في المعرفة: 97 من طريق شريك عن أبي الحسناء، عن الحكم بن عتيبة، عن حنش، قال: كان علي - رضي الله عنه - يضحي بكبشين ... الحديث.
قال الحاكم: ((تفرّد به أهل الكوفة من أول الإسناد إلى آخره لم يشركهم فيه أحد)).
(5) مثاله ما رواه الحاكم في المعرفة: 98 - 99 عن عبد الله بن بريدة، عن أبي بريدة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: القضاء ثلاثة ... الحديث.
قال الحاكم: ((هذا حديث تفرَّد به الخراسانيون، فإن رواته عن آخرهم مراوزة)).
(6) مثاله: ما رواه الترمذي (3486) من طريق حماد بن عيسى الجهني، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمر ابن الخطاب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطّهما حتى يمسح بهما وجهه.
قال الترمذي: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد تفرّد به)).
وقال البزار في مسنده (129): ((هذا الحديث إنما رواه عن حنظلة حماد بن عيسى، وهو ليّن الحديث، وإنما ضُعِّف حديثه بهذا الحديث ولم نجد بداً من إخراجه، إذ كان لا يروى إلاَّ بهذا الإسناد أو من وجه آخر دونه)).

(1/185)


البصريونَ عَنِ المدنيِّينَ (1)، الخُرَاسانيُّونَ عَنِ المكِّيِّينَ)) (2)، وما أشبَهَ ذلكَ. ولسْنا نُطَوِّلُ بأمثلةِ ذلكَ فإنَّهُ مفهومٌ دونَها. وليسَ في شيءٍ مِنْ هذا ما يقتضي الحكمَ بضَعْفِ الحديثِ إلاَّ أنْ يُطلِقَ قائلٌ قولَهُ: ((تفرَّدَ بهِ أهلُ مكَّةَ، أو تفرَّدَ بهِ البصريونَ عَنِ المدنيِّينَ))، أو نحوَ ذلكَ، على ما لَمْ يروِهِ إلاَّ واحدٌ مِنْ أهلِ مكَّةَ أو واحدٌ مِنَ البصريِّينَ ونحوُهُ، ويُضيفُهُ إليهم كما يُضافُ فعلُ الواحدِ مِنَ القبيلةِ إليها مَجَازاً، وقد فَعَلَ الحاكمُ (3) أبو عبدِ اللهِ هذا فيما نحنُ فيهِ، فيكونُ الحكمُ فيهِ على ما سَبَقَ في القسمِ الأوَّلِ، واللهُ أعلمُ.