مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل

النَّوْعُ العِشْرُوْنَ (1)
مَعْرِفَةُ الْمُدْرَجِ (2) في الْحَدِيْثِ
__________
= إلاّ أن الحافظ ابن حجر اعترض على كلام المصنف والحافظ العراقي، فقال: ((جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية، عن هذا الرجل؛ إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هُرَيْرَة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حقيقة الاضطراب؛ لأن الاضطراب: هو الاختلاف الذي يؤثر قدحاً)). النكت 1/ 772 - 773.
وقال محقق شرح السيوطي: 200: ((الصواب عدم التمثيل بهذا الحديث، فهو رغم ما فيه من الاختلاف في سنده جهالة، فإن حريثاً لا يعرف، وعلى فرض التسليم بصحبته - فيكون عدلاً - فإن الراوي عنه مجهول لم يروِ عنه غير إسماعيل بن أمية، ولا يعرف بشيء سوى هذا الحديث، وحاله ما ترى.
وإنما قلت: إن الصواب عدم التمثيل به؛ لأن اختلافهم كان في تسمية ذات واحدة، فإن كان ثقة لم يضرّه الاختلاف في اسمه، وإن كان غير ثقة فقد ضعف لغير الاضطراب)).
تنبيه: يلاحظ أن المصنف لم يمثل لمضطرب المتن، وقد مثّل له غيره. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 394.

(1) قال الزركشي 2/ 241: ((حقه أن يقول: ((تمام العشرين)) أو نحوه؛ فإن العشرين اسم للمجموع، وليس هو المراد هنا، وإنما المراد واحد منها وهو مكملها، وقد وقع التعبير بالتكميل في كلام الشافعي في الأم، وقد رجع المصنف إلى الصواب فيما سيأتي، إذ قال: النوع الموفِّي ثلاثين)).
(2) الْمُدْرَجُ لغةً - بضم الميم وفتح الراء -: اسم مفعول من (أدرج)، تقول: أدرجت الكتاب إذا طويته، وتقول: أدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فيه، وتقول: أدرجت الشيء في الشيء: إذا أدخلته فيه وضمنته إيَّاه.
وفي اصطلاح المحدثين: هو ما كانت فيه زيادة ليست منه، أو بعبارة أوضح: هو الحديث ... الذي يعرف أن في سنده أو متنه زيادة ليست منه، وإنما هي من أحد الرواة من غير توضيح ... لهذه الزيادة)). حاشية محيي الدين عبد الحميد على توضيح الأفكار 2/ 50، والتعليقات الأثرية لعلي حسن على المنظومة البيقونية: 37. وانظر الاقتراح: 223، والموقظة: 53، وتاج العروس 5/ 555.
وانظر في المدرج:
معرفة علوم الحديث: 39، والإرشاد 1/ 254 - 257، والتقريب: 79 - 80، والاقتراح: 223، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 53، والموقظة: 53، واختصار علوم الحديث: 73، والمقنع 1/ 227، ونزهة النظر: 124، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 395، والمختصر: 145، وألفية السيوطي: 73 - 79، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 201، وفتح الباقي 1/ 246، وتوضيح الأفكار 2/ 50، وظفر الأماني: 248، وقواعد التحديث: 124.

(1/194)


وَهوَ أقْسَامٌ: مِنْها ما أُدْرِجَ في حديثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ رواتِهِ بأنْ يَذْكُرَ الصَّحَابيُّ أو مَنْ بَعْدَهُ عَقِيْبَ ما يَرْوِيهِ مِنَ الحديثِ كلاَماً مِنْ عِندِ نفسِهِ، فيَرْوِيهِ مَنْ بَعدَهُ موصولاً بالحديثِ غيرَ فاصِلٍ بينهُما بذِكْرِ قائِلِهِ، فيلتَبِسُ الأمرُ فيهِ على مَنْ لاَ يَعْلَمُ حقيقةَ الحالِ، ويَتَوَهَّمُ أنَّ الجميعَ عن رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (1).
ومِنْ (2) أمثلَتِهِ المشهورَةِ: مَا رُوِّيْنَاهُ في التَّشَهُّدِ عَنْ أبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ معاويةَ عَنِ الحسَنِ بنِ الْحُرِّ، عَنِ القاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ (3) عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ؛ أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ في الصلاةِ فقالَ: ((قُل: التَّحِيَّاتُ للهِ ... فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ، وفي آخِرِهِ: أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ فإذا قُلْتَ هذا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ، إنْ شِئْتَ أنْ تقُومَ فَقُمْ، وإنْ شِئْتَ أنْ تَقْعُدَ فاقْعُدْ)) (4).
هَكَذَا رَواهُ أبو خَيْثَمَةَ، عَنِ الحسَنِ بنِ الْحُرِّ، فأدْرَجَ في الحديثِ قَوْلَهُ: ((فَإِذَا قلتَ هَذَا ... إلى آخرِهِ))، وإنَّما هَذَا مِنْ كَلاَمِ ابنِ مَسْعودٍ لاَ مِنْ كلاَمِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (5).
ومِنَ الدليلِ عليهِ أنَّ الثِّقةَ الزَّاهِدَ (6) عبدَ الرَّحْمَانِ بنَ ثابِتِ ثوبَانَ، رواهُ عَنْ
__________
(1) قَيَّد المصنف الإدراج بكونه عقب الحديث، وما نظَّره المصنف خلاف الواقع، نعم ... أكثر ما يدرج يكون عقب المتن، إلا أن الإدراج وقع في بدايات بعض الأحاديث وفي وسطها، ثم إن الإدراج يقع أيضاً في الإسناد كما يقع في المتن، وعلى هذا كله يدل صنيع الخطيب البغدادي في كتابه "الفصل للوصل المدرج في النقل". وانظر: نكت الزركشي 2/ 241، والتقييد والإيضاح: 127، ونكت ابن حجر 2/ 811.
(2) ((من)) ليست في (أ).
(3) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الميم الثانية. شرح صحيح مسلم للنووي 1/ 300، وكذا في الخلاصة: 314، ولكنه قال بفتح الميم الثانية.
(4) أخرجه من هذه الطريق: الطيالسي (275)، وأحمد 1/ 422، والدارمي (1347)، وأبو داود (970)، وابن حبان (1961)، والدارقطني 1/ 353.
(5) نص على هذا غير واحد من الحفّاظ، منهم: الدارقطني في السنن 1/ 353، وفي العلل (1275)، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 39، والبيهقي في الكبرى 2/ 174، والخطيب في الفصل: 104، ونقل النووي في الخلاصة 61 / ب اتفاق الحفّاظ على إدراجها. وانظر: تعليقاتنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 396 - 400.
(6) قلنا: أما زهده فلا خلاف في أنه كان نهاية في الزهد والعبادة. وأما كونه ((ثقة)) فلعل اجتهاد المصنف فيه كان كذلك، وإلا ففيه خلاف في توثيقه، ولم يوثقه إلا قلّة، وإليك أقوال العلماء كما أوردها المزي في تهذيبه 4/ 381: =

(1/195)


راوِيْهِ (1) الحسَنِ بنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ (2)، واتَّفَقَ حُسَيْنٌ الْجُعْفيُّ (3) وابنُ عَجْلاَنَ (4) وغَيْرُهُما (5) في روايَتِهِم عَنِ الحسَنِ بنِ الحرِّ على تَرْكِ ذِكْرِ هذا الكَلامِ في آخِرِ الحديثِ
__________
= قال الأثرم عن أحمد: أحاديثه مناكير. وقال الوراق عن أحمد: لم يكن بالقوي في الحديث. وقال ابن الجنيد عن ابن معين: صالح، وقال مرة: ضعيف، وكذا روى عن ابن معين: معاوية بن صالح، وعثمان بن سعيد الدارمي، وعبد الله بن شعيب الصابوني. وقال الدوري عن ابن معين: ليس به بأس. وكذا قال ابن المديني والعجلي وأبو زرعة. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: لا شيء. وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم: ثقة يرمى بالقدر. وقال أبو حاتم: ثقة، وقال مرة: يشوبه شيء من القدر، وتغير عقله في آخر حياته، وهو مستقيم الحديث. وقال أبو داود: كان فيه سلامة، وكان مجاب الدعوة، وليس به بأس، وكان على المظالم ببغداد. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال أخرى: ليس بثقة. وقال صالح جزرة: شامي صدوق. وقال ابن خراش: في حديثه لين. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، يحدث عنه عثمان الطرائفي بنسخة، ويحدث عنه يزيد بن مرشل بنسخة. ويحدث عنه الفريابي بأحاديث وغيرهم. وقد كتبت حديثه عن ابن جوصا وأبي عروبة من جميعهما، ويبلغ أحاديث صالحة، وكان رجلاً صالحاً، ويكتب حديثه على ضعفه، وذكره ابن حبان في الثقات.
فهكذا ترى أن مَنْ وثَّقه إمّا متراجع أو متردد فيه كأبي حاتم، أو متساهل في شرط الثقة كابن حبان، أو لا يقاوم تضعيف بقية أئمة الشأن كدحيم، ونزيد على هذا فنقول: إن فيه أقوالاً أخر لم ينقلها المزي، وقد حاول ابن حجر استيعاب الأقوال فيه، فقال في التقريب (3820): ((صدوق يخطئ ورمي بالقدر وتغير بأخرة)).
(1) في (أ): ((رواية)).
(2) عند ابن حبان (1912)، والطبراني في الكبير (9924)، وفي مسند الشاميين (64)، والدارقطني 1/ 354، والحاكم في المعرفة: 39 - 40، والبيهقي 2/ 175، والخطيب في الفصل: 108 - 109.
(3) عند ابن أبي شيبة 1/ 291، وأحمد 1/ 450، وابن حبان (1963)، والطبراني (9926)، والدارقطني 1/ 352، والخطيب في الفصل: 109 - 110.
(4) عند الطبراني (9923)، والدارقطني 1/ 352، والخطيب في الفصل: 110.
(5) كمحمد بن أبان كما ذكر روايته الدارقطني في سننه 1/ 352 - 353.
قلنا: وقد رواه ابن حبان أيضاً (1963) من طريق حسين الجعفي السابق، وزاد في آخره: ((قال الحسن ابن الحر: وزادني فيه محمد بن أبان بهذا الإسناد، قال: فإذا قلت هذا أو فعلت هذا، فإن شئت فقم)).
وهذا يدل على أن محمد بن أبان كان ممن يدرج هذه الزيادة في الحديث المرفوع، إلا أن ابن حبان عقّب على هذه الرواية بقوله: ((محمد بن أبان ضعيف، قد تبرأنا من عهدته في كتاب المجروحين)). ولم يشر الدارقطني في علله إلى متابعة محمد بن أبان. ولعل هذا الخلاف في كون رواية ابن أبان متابعة لابن ثوبان أو لأبي خيثمة هي التي جعلت ابن الصلاح يضرب عن التصريح باسمه، واكتفى بالإشارة إلى وجودها بقوله: ((وغيرهما)). والله أعلم.

(1/196)


مَعَ اتِّفَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وعَنْ غَيْرِهِ، عَنِ ابنِ مسعودٍ على ذلكَ، وروَاهُ شَبَابَةُ، عَنْ أبي خَيْثَمَةَ ففَصَلَهُ أيضاً (1).
ومِنْ أقْسَامِ المدرَجِ: أنْ يكونَ مَتْنُ الحديثِ عِنْدَ الراوي لَهُ (2) بإسْنادٍ إلاَّ طَرَفاً منهُ، فإنَّهُ عِنْدَهُ بإسنادٍ ثانٍ، فَيُدْرِجُهُ مَنْ رَواهُ عنهُ على الإسنادِ الأوَّلِ ويَحْذفُ الإسْنَادَ الثَّانيَ، ويروِي جميعَهُ بالإسْنَادِ الأوَّلِ.
مِثَالُهُ: ((حديثُ ابنِ عُيَيْنَةَ (3) وزائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ (4) عَنْ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ وائِلِ بنِ حُجْرٍ في صِفَةِ صَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وفي آخِرِهِ: ((أنَّهُ جَاءَ في الشِّتَاءِ، فَرَآهُمْ يَرْفَعُونَ أيْدِيَهُمْ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ))، والصَّوابُ: روايةُ مَنْ رَوَى عَنْ عاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ بِهَذَا الإسْنَادِ صِفَةَ الصَّلاَةِ خاصَّةً، وفَصَلَ ذِكْرَ رَفْعَ الأيدي عنهُ، فرواهُ عَنْ عاصِمٍ، عَنْ عبدِ الجبَّارِ بنِ وائلٍ، عَنْ بعضِ أهلِهِ، عَنْ وائلِ بنِ حُجْرٍ (5).
ومِنْهَا: أنْ يُدْرِجَ في مَتْنِ حديثٍ بَعْضَ مَتْنِ حديثٍ آخَرَ مُخَالِفٍ للأوَّلِ في الإسْنَادِ.
__________
(1) أخرجها الدارقطني في السنن 1/ 353، والبيهقي في الكبرى 2/ 174، والخطيب في الفصل: 108.
(2) ساقطة من (جـ).
(3) عند الشافعي في المسند (197 بتحقيقنا)، والحميدي (885)، والنسائي 2/ 236، والدارقطني 1/ 290، والخطيب في الفصل: 279.
(4) عند أحمد 4/ 311، والدارمي (1364)، وابن الجارود (208)، وابن حبان (1857)، والطبراني في الكبير 22 / (82)، والخطيب في الفصل: 279.
(5) وممن رواه على الصواب:
زهير بن معاوية: عند أحمد 4/ 318، والطبراني 22 / (84)، والخطيب في الفصل: 284.
شجاع بن الوليد: عند الخطيب في الفصل: 284.
قال موسى بن هارون الحمال: ((وذاك - يعني: رواية سفيان وزائدة - عندنا وهم وإنما أدرج عليه، وهو من رواية عاصم، عن عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل. هكذا رواه مبيناً زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب، وفصلاها من الحديث وذكرا إسنادهما كما ذكرنا)). ثم قال: ((وهذه رواية مضبوطة اتفق عليه زهير وشجاع بن الوليد، وهما أثبت له رواية ممن روى ((رفع الأيدي من تحت الثياب))، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل)). نكت الزركشي 2/ 247 - 248.

(1/197)


مِثَالُهُ: روايَةُ سَعِيْدِ بنِ أبي مَرْيمَ (1)، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنَسٍ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لاَ تَبَاغَضُوا، ولاَ تَحَاسَدُوا، ولاَ تَدَابَرُوا، ولاَ تَنَافَسُوا ... الحديثَ)). فَقَولُهُ: ((لا (2) تَنَافَسُوا)) أدْرَجَهُ ابنُ أبي مَريمَ (3) مِنْ مَتْنِ حديثٍ آخَرَ رَواهُ مَالِكٌ (4)، عَنْ أبي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ فيهِ: ((لاَ تَجَسَّسُوا، ولاَ تَحَسَّسُوا، ولاَ تَنَافَسُوا، ولاَ تَحَاسَدُوا)) (5)، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) هو أبو محمد سعيد بن الحكم بن محمد الجمحي، مولاهم المصري، ثقة له غرائب، توفي سنة (224 هـ‍). الثقات 8/ 266، وتذكرة الحفاظ 1/ 392، وتقريب التهذيب (2286).
(2) في (جـ): ((ولا)).
(3) وروايته أخرجها: الخطيب في الفصل: 443، وابن عبد البر في التمهيد 6/ 116.
(4) في الموطأ (2640) رواية الليثي. ومن طريقه الخطيب في الفصل: 443.
(5) والحديثان هكذا على الصواب عند رواة الموطأ، إذ رواه عن مالك:
- عبد الله بن يوسف التنيسي، عند البخاري 8/ 23 (6066) و 8/ 25 (6076).
- عبد الله بن مسلمة القعنبي. عند أبي داود (4910) و (4917)، وأبي نعيم في الحلية 3/ 374، والخطيب في الفصل: 443 - 444.
- قتيبة بن سعيد. عند أبي أحمد الحاكم في عوالي مالك (72)، والخطيب في الفصل: 444، والعلائي في بغية الملتمس (151).
- يحيى بن يحيى النيسابوري. عند مسلم 8/ 8 (2559) و 8/ 10 (2563).
- أبو مصعب الزهري. كما في روايته للموطأ (1894) و (1895).
- إسماعيل بن أبي أويس. عند البخاري في الأدب المفرد (398) و (1287).
- سويد بن سعيد. كما في موطئه (681) و (682).
- عبد الله بن وهب. عند الطحاوي في شرح المشكل (454) و (457).
- عبد الرحمان بن القاسم. في روايته للموطأ (4).
- الفضل بن دكين. عند ابن عبد البر في التمهيد 6/ 116.
- محمد بن سليمان المصيصي لوين. عند أبي أحمد الحاكم في عوالي مالك (76).
- يحيى بن بكير. عند العلائي في بغية الملتمس (151).
- إسحاق بن عيسى الطباع. عند أحمد 2/ 465.
- روح بن عبادة. عند أحمد 2/ 517.
- محمد بن الحسن الشيباني. كما في الموطأ (896) بروايته.
قال حمزة بن محمد الكناني: ((لا أعلم أحداً قال في هذا الحديث عن مالك: ((ولا تنافسوا)) غير سعيد ابن أبي مريم)). التمهيد 6/ 116.
قال الخطيب: ((وقد وهم فيها ابن أبي مريم على مالك عن ابن شهاب، وإنما يرويها مالك في حديثه عن أبي الزناد)). نكت الزركشي 2/ 249.

(1/198)


ومِنْهَا: أنْ يَرْوِيَ الراوي حَدِيثاً عَنْ جَمَاعَةٍ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ في إسْنَادِهِ، فَلاَ (1) يَذْكُرُ الاخْتِلاَفَ بَلْ يُدْرِجُ روَايَتَهُمْ عَلَى الاتِّفَاقِ.
مِثَالُهُ: روَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مَهْديٍّ (2) ومُحَمَّدِ بنِ كَثيرٍ العَبْدِيِّ (3)، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ والأعْمَشِ ووَاصِلٍ الأحْدَبِ، عَنْ أبي وائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، قلتُ: ((يَا رَسُوْلَ اللهِ أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ ... الحديثَ)).
ووَاصِلٌ إنَّمَا رَوَاهُ، عَنْ أبي وائِلٍ، عَنْ عبدِ اللهِ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ بينَهُما (4)، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) في (ب): ((ولا)).
(2) عند أحمد 1/ 434، والترمذي (3182)، والخطيب في الفصل: 485.
(3) عند الخطيب في الفصل: 485.
(4) وطريق واصل رواه عنه جماعة، منهم:
- شعبة. عند الطيالسي (264)، وأحمد 1/ 434 و 464، والترمذي (3183)، والنسائي 7/ 90، والخطيب في الفصل: 490.
- مالك بن مغول. عند النسائي في الكبرى (7125)، والخطيب في الفصل: 491.
- مهدي بن ميمون. عند أحمد 1/ 462، والخطيب في الفصل: 492.
- سعيد بن مسروق. عند الخطيب في الفصل: 493.
وقد فصل الإسنادين يحيى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان كما أخرجها البخاري في صحيحه 6/ 137 (4761) و 8/ 204 (6811)، والدارقطني في علله 5/ 222، والخطيب في الفصل: 493، عن مسدد وعمرو بن علي مفرقين كلاهما عن يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني: منصور وسليمان - يعني: الأعمش - عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، عن عبد الله ... قال يحيى: وحدثنا سفيان، قال: حدثني واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله.
لكن أخرج النسائي 7/ 89 هذا الحديث من طريق بندار، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن واصل
- وحده -، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله.
فزاد في السند عَمْراً. قال العراقي في شرح التبصرة 1/ 411: ((وكأنَّ ابنَ مهدي لما حدَّثَ به عن سفيان، عن منصور، والأعمش، وواصل، بإسناد واحد ظنَّ الرواة عن ابن مهدي اتفاق طرقه، فربما اقتصر أحدهم على بعض شيوخ سفيان)). =

(1/199)


واعْلَمْ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَعَمُّدُ شيءٍ مِنَ الإدْرَاجِ المذكورِ. وهَذَا النَّوْعُ قَدْ صَنَّفَ فيهِ الخطيبُ أبو بَكرٍ كِتَابَهُ الموسُومَ بـ" الفَصْلِ للوَصْلِ الْمُدرَجِ في النَّقْلِ " فَشَفَى وَكَفَى (1)، واللهُ أعلمُ.

النَّوْعُ الْحَادِي والعِشْرُوْنَ
مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوْعِ (2)
__________
= وقال الدارقطني في العلل 5/ 223: ((قال لنا أبو بكر النيسابوري: هكذا رواه يحيى ولم يذكر في حديث واصلٍ: عمرَو بن شرحبيل. ورواه عبد الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير فجمعا بين واصل ومنصور والأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله. فيشبه أن يكون الثوري جمع بين الثلاثة لعبد الرحمان بن مهدي ولابن كثير فجعل إسنادهم واحداً، ولم يذكر بينهم خلافاً، وحمل حديث واصل على حديث الأعمش ومنصور. وفصّله يحيى بن سعيد فجعل حديث واصل، عن أبي
وائل، عن عبد الله. وهو الصواب؛ لأن شعبة ومهدي بن ميمون روياه عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله. كما رواه يحيى عن الثوري، عنه. والله أعلم.
قلنا: وخرّج بعض العلماء ذكر أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل على أنه من قبيل المزيد في متصل الإسانيد، فقال البقاعي في النكت الوفية 176/ أ: ((شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، وروى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الأكابر كابن مسعود. وروى أيضاً عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمْدَاني الكوفي التابعي الكبير، الراوي أيضاً عن الأكابر من الصحابة، منهم: ابن مسعود. فإدخال عمرو بين أبي وائل وبين ابن مسعود من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن أبا وائل روى عنه وعن ابن مسعود)). وبه جزم أيضاً السخاوي في فتح المغيث 1/ 271.
(1) قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 212: ((ومع ذلك فقد ترك أشياء)). وذكر ابن كثير هذا الكتاب باسم " فصل الوصل لما أُدرج في النقل ". انظر: الباعث الحثيث 1/ 224، والكتاب مطبوع متداول بأكثر من تحقيق.
(2) قال البقاعي في النكت والوفية 176/ ب: ((الموضوع هو اسم مفعول من وَضَعَ الشيءَ يَضَعُهُ -بالفتح- وَضْعاً حطَّه إشارة إلى أنّ رتبته أن يكون دائماً مُلقًى مطّرحاً لا يستحق الرفع)).
قلنا: ويشبه أن يكون من باب استعمال الأضداد في المعاني المتناقضة؛ إذ ما ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمّى مرفوعاً، تعظيماً لقدره ومراعاة لجهة نسبته إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
أما المكذوب: فسُمِّيَ موضوعاً إشارةً إلى عدم استحقاقه وأخذه بنظر الاعتبار، بل منْزلته أن يبقى غير معبوءٍ به. =

(1/200)


وَهوَ الْمُخْتَلَقُ الْمَصْنُوعُ. اعْلَمْ أنَّ الحديثَ الْمَوْضُوْعَ شَرُّ الأحاديثِ الضَّعِيْفَةِ (1)، ولاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ لأحَدٍ عَلِمَ حَالَهُ في أيِّ معنًى كَانَ إلاَّ مَقْرُوناً ببيَانِ وَضْعِهِ (2)، بخِلاَفِ
__________
= على أن الحافظ ابن حجر ذكر في نكته 2/ 838 معنيين لغويين، أحدهما الذي أشار إليه البقاعي، والثاني: أنه من الإلصاق: تقول: وضع فلان على فلان كذا، أي: ألصقه به. ثم رجح كون الإلصاق أوضح في المعنى الذي أراده المحدّثون.
وانظر في الموضوعِ:
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 98، وجامع الأصول 1/ 135، والإرشاد 1/ 258 - 265، والتقريب: 80 - 85، والاقتراح: 231، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 76، والموقظة: 36، واختصار علوم الحديث: 78، ونزهة النظر ص 118، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 413، والمختصر: 149، وفتح المغيث 1/ 234، وألفية السيوطي: 79 - 93، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 215، وفتح الباقي 1/ 261، وتوضيح الأفكار 2/ 68، وظفر الأماني: 412، وقواعد التحديث: 150.
(1) يَرِدُ على المصنف هنا أمران ذكرهما الزركشي 2/ 253 - 254:
الأول: أن عبارته هذه قد سبقه بها الخطّابي، واستنكرها الناس؛ لأن الموضوع لا يُعدُّ حديثاً، واسم التفضيل إنما يستعمل في التفاضل بين معانٍ يجمعها معنى مشترك. ويمكن أن يقال أيضاً: كيف أفرده المصنف بنوع مستقل، وهو ليس من الأحاديث، فضلاً عن كونه نوعاً من أنواع علوم الحديث؟
ويمكن الإجابة: بأنه أراد القدر المشترك بينها، وهو ما يحدث به.
الثاني: ما ذكره هنا يخالف ما ذكره في قسم الضعيف: بقوله: ((ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الأَخِر الأرذل)). والصواب: ما ذكره هنا. وانظر: التقييد والإيضاح: 130 - 131، ونكت ابن حجر 2/ 838.
(2) بدليل ما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 7 وغيره من حديث سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة
-رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
وضُبِطَت ((يَرَى)) بالفتح بمعنى: يقطع، وبالضمّ بمعنى: يظن.
وكذا ((الكاذبين)) فيها روايتان:
فتح الباء: بمعنى المثنى، وكسرها على إرادة الجمع. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 53.
قال ابن حجر 2/ 839: ((وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حقّ مَنْ روى الحديث فيظن أنه كذب، فضلاً عن أن يتحقق ذلك ولا يبينه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل المحدِّثَ بذلك مشاركاً لكاذبه في وضعه)).
وقال مسلم في المقدمة 1/ 6: ((واعلم - وفقك الله تعالى - أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها، من المهتمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه. والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع)).

(1/201)


غَيْرِه مِنَ الأحاديثِ الضَّعِيْفَةِ التي يُحتَمل صِدقُها في الباطِنِ (1)، حيثُ جَازَ روَايَتُها في الترغيبِ والترهيبِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ قريباً إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وإنَّما يُعْرَفُ كَوْنُ الحدِيْثِ مَوضُوعاً بإقْرَارِ وَاضِعِهِ (2)، أو مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إقْرَارِهِ (3)،
__________
(1) ((يريد جعل احتمال صدقها قيداً في جواز العمل بها. لكن هل يشترط في هذا الاحتمال أن يكون قوياً بحيث يفوق احتمال كذبها أو يساويه أو لا؟
هذا محل نظر، والذي يظهر من كلام مسلم ربما دلَّ عليه الحديث المتقدم، بأن احتمال الصدق إذا كان احتمالاً ضعيفاً أنه لا يعتد به)). أفاده ابن حجر في نكته 2/ 840.
(2) اعترض عليه العلاّمة ابن دقيق العيد في الاقتراح: 234، فقال: ((هذا كافٍ في ردِّهِ، لكنه ليس بقاطع في كونه موضوعاً؛ لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه)).
وأجاب عنه الزركشي في نكته 2/ 256 بقوله: ((إن كان الحديث لا يعرف إلا من طريق ذلك الشخص كان إقراره بذلك مسقطاً لروايته، وقد حكم الشرع على المقرِّ بمقتضى إقراره، وإن كان يحتمل أن يكون في نفس الأمر خلافه فلا نظر إلى ذلك)).
قلنا: وقد فهم الحافظ الذهبي من كلام شيخه ابن دقيق العيد أن إقرار الواضع لا يعمل به أصلاً، فقال في الموقظة: 37: ((هذا فيه بعض ما فيه، ونحن لو افتتحنا باب التجويز والاحتمال البعيد لوقعنا في الوسوسة والسفسطة)).
كذا قال الذهبي!! وردّه الحافظ ابن حجر في نزهة النظر: 118، فقال: ((وفهم منه بعضهم أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلاً، وليس ذلك مراده، وإنما نَفَى القطعَ بذلك، ولا يلزم من نفيِ القطعِ نفيُ الحكم؛ لأن الحكم يقع بالظن الغالب وهو هنا كذلك، ولولا ذلك لما ساغ قتل المقرِّ بالقتل ولا رجم المعترف بالزنى، لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به)).
وزاد الأمر إيضاحاً في نكته على كتاب ابن الصلاح 2/ 840 - 841، فقال: ((كلام ابن دقيق العيد ظاهر في أنه لا يستشكل الحكم؛ لأن الأحكام لا يشترط فيها القطعيات، ولم يقل أحد أنه يقطع بكون الحديث موضوعاً بمجرد الإقرار، إلا أن إقرار الواضع بأنه وضع يقتضي موجب الحكم العمل بقوله، ... وهذا كله مع التجرد. أما إذا انضمّ إلى ذلك قرائن تقتضي صدقه في ذلك الإقرار كمن روى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - حديث الأعمال بالنيات، فإنا نقطع بأنه ليس من رواية مالك ولا نافع ولا ابن عمر)).
(3) قال ابن حجر 2/ 842: ((يمثل لذلك بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح، أنهم اختلفوا
- بحضور أحمد بن عبد الله الجويباري - في سماع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه -، فروى لهم حديثاً بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((سمع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه -)). =

(1/202)


وقدْ يَفْهَمُونَ الوَضْعَ مِنْ قَريْنَةِ حَالِ الراوي (1) أو الْمَرويِّ (2)، فقدْ (3) وُضِعَتْ أحَاديثُ طويلَةٌ يَشْهَدُ بوضْعِهَا رَكَاكَةُ ألفَاظِهَا ومَعَانِيها (4).
__________
= وقال الزركشي 2/ 257: ((مثاله: قيل لزائدة: لم تركت حديث الكلبي؟ قال: مرض الكلبي فكنت اختلف إليه فسمعته يقول: مرضت فنسيت ما كنت أحفظه، فأتيت آل محمد فتفلوا في فيِّ فحفظت كل ما نسيت، فقلت: لله عليَّ لا أروي عنك شيئاً أبداً)).
(1) مثّل الحافظ العراقي في التقييد: 132 لما يتنَزّل منْزلة إقرار الراوي بالتاريخ، قال: ((كان يحدّث بحديث عن شيخ، ثم يسأل عن مولده، فيذكر تاريخاً يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده)).
وتعقّبه تلميذه ابن حجر في نكته 2/ 842 بأن الأولى: ((أن يمثل بالتاريخ لقول ابن الصلاح: ((أو من قرينة حال الراوي)) ... )).
(2) قال ابن حجر 2/ 843: ((هذا الثاني هو الغالب، وأما الأول، فنادر)).
وقال الإمام ابن دقيق العيد: ((وأهل الحديث كثيراً ما يحكمون بذلك باعتبار أُمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث. وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة مزاولة ألفاظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هيأة نفسانية، أو مَلَكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما لا يجوز أن يكون من ألفاظه. كما سُئِل بعضهم: كيف تَعرف أن الشيخ كذّاب؟ فقال: إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها، علمت أنه كذّاب)). الاقتراح: 231 - 232.
(3) في (جـ): ((وقد)).
(4) ((اعترض عليه بأن ركاكة اللفظ لا تدلّ على الوضع، حيث جوزت الرواية بالمعنى. نعم إن صرح الراوي بأن هذا صيغة لفظ الحديث، وكانت تخل بالفصاحة أو لا وجه لها في الإعراب، دلّ على ذلك.
والذي يظهر أن المؤلف لم يقصد أن ركاكة اللفظ وحده تدل، كما تدل ركاكة المعنى. بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين: ركاكة اللفظ والمعنى معاً)). قاله ابن حجر في نكته 2/ 844، وانظر: نكت الزركشي 2/ 261.
قلنا: هناك أمور أخرى يعرف ويستدل بها على الوضع، منها:
- أن يخالف أحكام العقل من غير قبول للتأويل.
- أن يخالف الحسّ والمشاهدة.
- أن يكون خبراً عن أمر عظيم تتوافر الدواعي على نقله، ثم لا ينقله إلا واحد.
- مناقضته لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي.
- أن يصرح جمع كبير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب، أو التقليد بتكذيب راويه.
- الإفراط بالوعيد الشديد على فعل الأمر اليسير، أو الوعد العظيم على فعل صغير.
وغيرها من الأدلة التي تقوي في نفس الناقد الحكم على ذلك الحديث بالوضع. وانظر: نكت الزركشي 2/ 265، ونكت ابن حجر 2/ 845.

(1/203)


ولَقَدْ أكثرَ الذي جَمَعَ في هذا العصْرِ ((الموْضُوعاتِ)) في نحوِ مُجَلَّدَيْنِ، فأَوْدَعَ فِيْهَا كَثِيراً مِمَّا لاَ دلِيْلَ عَلَى وَضْعِهِ (1)، وإنَّمَا حَقُّهُ أنْ يُذْكَرَ في مُطلَقِ الأحَاديثِ الضَّعِيْفَةِ.
والواضِعُونَ للحدِيْثِ أصْنَافٌ (2)، وأعْظَمُهُم ضَرَراً: قومٌ مِنَ المنْسُوبِيْنَ إلى الزُّهْدِ وَضَعُوا الحديثَ احْتِسَاباً فيما زَعَمُوا فتَقَبَّلَ (3) النَّاسُ موضُوعَاتِهِم ثِقَةً منْهُم بِهِمْ ورُكُوناً إليهِم (4). ثُمَّ نَهَضَتْ جَهَابِذَةُ (5) الحديثِ بِكَشْفِ عُوَارِهَا (6)، ومَحْوِ عَارِهَا، والحمْدُ للهِ. وفِيْما رُوِّيْنَا عَنِ الإمَامِ أبي بَكْرٍ السَّمْعَانِيِّ (7) أنَّ بَعْضَ
__________
(1) مراده بهذا العلاّمة ابن الجوزي، وكتابه في " الموضوعات " مطبوع متداول. انظر: نكت الزركشي 2/ 277، ونكت ابن حجر 2/ 847.
(2) قال القاضي عياض: ((منهم مَن وضع عليه ما لم يقله أصلاً، إمّا استخفافاً كالزنادقة، أو حسبةً بزعمهم، وتديّناً كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب، أو إغراباً وسمعةً كفَسَقَةِ المحدِّثين، أو تعصّباً واحتجاجاً كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب، أو اتِّباعاً لهوى فيما أرادوا، وطلب العذر لهم فيما راموه. وقد تعيّن جماعة من كلٍّ من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلماء الرجال، ومنهم من لا يضع متن الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسناداً، ومنهم من يقلب الأسانيد ويزيد فيها، ويستعمل ذلك إما للإغراب على غيره أو لرفع الجهالة عن نفسه.
ومنهم من يكذب ليدعي سماع ما لم يسمع ولقاء من لم يلق، ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم، ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة أو غيرهم وحِكَمِ العرب فينسبها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ترويجاً لها)). نقله الزركشي في نكته 2/ 283 - 284. وانظر: المجروحين 1/ 62، والموضوعات 1/ 36، ونكت ابن حجر 2/ 850، وتذكرة الموضوعات: 5.
(3) في (أ): ((فقبل)).
(4) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 420: ((ولكن الواضعون ممَّن يُنْسَبُ للصلاح، وإن خَفِيَ حالهم على كثير من الناس، فإنّه لم يَخْفَ على جَهابِذَةِ الحديثِ، ونقّاده. فقاموا بأعباء ما حُمِّلُوا فتحمَّلوه، فكشفُوا عُوَارَها، ومَحْوا عَارَها. حتى لقد روينا عن سفيان قال: ما ستر اللهُ أحداً يكذبٍ في الحديثِ ... الخ كلامه.
(5) جمع جِهْبَذ، وهو النَّقَّادُ الخبيرُ بغوامِضِ الأمورِ العارفُ بطرقِ النَّقْدِ. انظر: تاج العروس 9/ 392.
(6) مثلث العين، ومعناه: العيب والخرق والشق. انظر: تاج العروس 13/ 157.
(7) نقله العلاّمة ابن الجوزي في موضوعاته 1/ 96، وأورد أيضاً شبه المجيزين للوضع وردها في بحث فريد مهم.
وقال الزركشي 1/ 283: ((هذا قاله ابن السمعاني في المجلس الثالث من أماليه)).

(1/204)


الكَرَّامِيَّةِ (1) ذَهَبَ إلى جوَازِ وَضْعِ الحديثِ في بابِ التَّرغِيْبِ والتَّرهِيْبِ (2).
__________
(1) نسبةً إلى محمد بن كرّام السجستاني، قال الذهبي في السير 11/ 523: ((خُذِلَ حَتَّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها)).
وكرّام: المشهور - بتشديد الراء - ضبطه الخطيب، وابن ماكولا، وابن السمعاني، وغير واحد، وهو الجاري على الألسنة.
وقيل: كَرَام - بالتخفيف والفتح -، وقيل: كِرَام - بالكسر - على لفظ جمع كريم. انظر: ميزان الاعتدال 4/ 21، ونكت الزركشي 2/ 288، ونكت ابن حجر 2/ 858، والنكت الوفية: 183 / أ.
(2) واستدلّوا لما ذهبوا إليه بحديث رواه يونس بن بكير، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرّف، عن عمرو ابن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود يرفعه: ((من كذب عليّ متعمداً ليضلّ الناس فليتبوّأ مقعده من النار)).
قلنا: الدلالة لهم في هذا الحديث لما ذهبوا إليه منتفية من حيث الصنعة الحديثية، ومن حيث الدلالة.
أما من حيث الصنعة فلما يأتي:
- روي هذا الحديث عن يونس بن بكير من غير هذه الزيادة. أخرجه الحاكم في المدخل إلى الصحيح: 98 - 99.
- هذا الطريق أخرجه البزار: (209 كشف الأسرار)، والطحاوي في شرح المشكل (418)، وابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 84، والحاكم في المدخل إلى الصحيح: 99 - 100، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 97.
قال الطحاوي: ((هذا حديث منكر، وليس أحد يرفعه بهذا اللفظ غير يونس بن بكير، وطلحة ابن مصرِّف ليس في سنّه ما يدرك به عمرو بن شرحبيل تقدم وفاته، وقد حُدِّثَناه من غير حديث يونس بن بكير، فأدخل فيه بين طلحة وعمرو بن شرحبيل أبا عمار وهو غريب)).
وقال ابن عدي: ((هذا اختلفوا فيه على طلحة بن مصرَّف: فمنهم من أرسله، ومنهم من قال: عن علي بدل عبد الله، ويونس بن بكير جوّد إسناده)).
وقد نبّه الحاكم في المدخل إلى الإكليل: 100 على خطأ يونس بن بكير في موضعين:
الأول: أنه أسقط بين طلحة وعمرو رجلاً هو أبو عمار.
الثاني: وصله بذكر ابن مسعود، وإنما هو مرسل.
وقد أخرجه الطحاوي في شرح المشكل (419) من طريق أبي معاوية الضرير محمد بن خازم - من أحفظ الناس لحديث الأعمش (تقريب التهذيب 5841) - عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل مرفوعاً. ليس فيه ذكر لابن مسعود.
ثم قال: ((وقد وجدناه أيضاً من حديث الثوري، عن الأعمش كذلك غير أنه قال: عن عمرو ابن شرحبيل، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام)). ثم رواه من هذه الطريق (420). =

(1/205)


ثُمَّ إنَّ الوَاضِعَ رُبَّمَا صَنَعَ (1) كَلاَماً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ، ورُبَّمَا أخَذَ كَلاَماً لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ أو غيرِهِمْ فَوَضَعَهُ على رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (2). ورُبَّمَا غَلِطَ غَالِطٌ فَوَقَعَ في
شِبْهِ الوَضْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ كما وقَعَ لثَابِتِ بنِ موسَى الزَّاهِدِ في حديثِ: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ باللَّيْلِ، حَسُنَ وَجْهُهُ بالنَّهَارِ)) (3).
__________
=
- رواه ابن عدي في الكامل 1/ 83 - 85، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 96 - 97 من حديث ابن عمر، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، ويعلى بن مرة.
قال ابن الجوزي: ((وهذه الأحاديث كلها لا تصح)). ثم بين عللها. وانظر: ما علقناه على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 425 - 426.
أما من حيث الدلالة - على فرض الصحة - فلا يتم لهم الاستدلال به لما يأتي:
- أن اللام في قوله: ((ليضل)) ليست للتعليل، بل للعاقبة والصيرورة، كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوّاً وحَزَناً} (القصص: 8). فإن آل فرعون لم يكن ذلك مقصدهم من التقاطه.
- يجوز أن تكون اللام للتوكيد، وعندئذٍ فلا يكون لها مفهوم. كما في قوله تعالى: {فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}. (الأنعام: 144). ومعلوم أن افتراء الكذب على الله تعالى محرم، سواء قصد الإضلال أم لم يقصد. وانظر: شرح المشكل عقب (420)، ونكت الزركشي 2/ 287، ونكت ابن حجر 2/ 855.
(1) في (ب) و (م): ((وضع)).
(2) كحديث: ((المعدة بيت الداء، الحمية رأس الدواء)). قال السخاوي: ((لا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب أو غيره)) المقاصد الحسنة (1035).
وقال السيوطي: ((لا أصل له، إنما هو من كلام بعض الأطباء)). الدرر المنتثرة (371). وانظر: زاد المعاد 4/ 104، وشرح التبصرة 1/ 428.
(3) رواه ابن ماجه (1347). وراجع فيه: الضعفاء للعقيلي 1/ 176، والكامل 2/ 526، والموضوعات لابن الجوزي 2/ 109، وتهذيب الكمال 4/ 378، والميزان 1/ 367، والنكت الوفية: 186/ ب، والمقاصد: (1169) واللآلي 2/ 18، والفوائد المجموعة: 25.
وقد أشبع الحافظ العراقي الكلام عليه في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 429 - 431، فراجعه مع ما علّقناه هناك.

(1/206)


مِثَالٌ: ((رُوِّيْنَا عَنْ أبي عِصْمَةَ وهوَ: نُوْحُ بنُ أبي مَرْيمَ (1) أنَّهُ قِيْلَ لَهُ: ((مِنْ أيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، في فَضَائِلِ القُرْآنِ سُورَةً سُوْرَةً؟))، فقالَ: ((إنِّي رَأيْتُ النَّاسَ قَدْ أعْرَضُوا عَنِ القُرْآنِ واشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أبي حَنِيْفَةَ، ومَغَازِي مُحَمَّدِ بنِ إسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هذهِ الأحَادِيْثَ حِسْبَةً)) (2).
وهكذا حَالُ الحديثِ الطَّويلِ الذي يُرْوَى عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في فَضْلِ القُرْآنِ سُوْرَةً فَسُوْرَةً، بحثَ باحِثٌ (3) عَنْ مَخْرَجِهِ حَتَّى انتَهَى إلى مَنِ اعترَفَ بأنَّهُ وجماعةً وضَعُوْهُ، وإنَّ أثَرَ الوَضْعِ لَبَيِّنٌ عليهِ. ولَقَدْ أخطأَ الواحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ ومَنْ ذكَرَهُ مِنَ المفسِّرِيْنَ في إيدَاعِهِ تَفَاسِيْرَهُمْ (4)، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) هو أبو عصمة نوح بن أبي مريم يزيد بن عبد الله المروزي، كان عالم أهل مرو، ويلقب بالجامع؛ لجمعه أنواع المعارف، وهو متهم بالوضع، توفي سنة (173 هـ‍). ميزان الاعتدال 4/ 279.
(2) رواه الحاكم في المدخل إلى الإكليل: 48، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 41.
(3) أبهمه المصنف، وهو المؤمل بن إسماعيل. كما صُرِّحَ به في القصة التي ساقها الخطيب في الكفاية:
(567 ت، 401 هـ‍)، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 241.
قال الزركشي 2/ 297: ((كأن المصنف إنما أبهم الباحث لفضاضة فيه، فقد قال أبو حاتم الرازي: مؤمل بن إسماعيل كثير الخطأ، وقال البخاري: منكر الحديث)). فيما يرى ابن حجر 2/ 862 أنه أبهمه اختصاراً. وانظر: التقييد والإيضاح: 134، واللآلي المصنوعة 1/ 227، وتنْزيه الشريعة 1/ 285.
(4) ((كالثعلبي والزمخشري في ذكره، لكن الثعلبي والواحدي ذكراه بالإسناد، فخف حاله؛ لأنه يعرف أمره من الإسناد، بخلاف من ذكره بلا إسنادٍ وجزم به كالزمخشري، فإن خطأه أشد)). نكت الزركشي 2/ 297 - 298.
وقال الحافظ العراقي: ((وكل مَنْ أودع حديث أُبَيٍّ - المذكور - تفسيره، كالواحدي، والثَّعْلبي والزمخشري مخطئ في ذلك؛ لكن مَنْ أبرز إسناده منهم، كالثعلبي، والواحدي فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه، كما تقدّم. وأما مَنْ لم يُبْرِزْ سنَده، وأورده بصيغة الجزم فخطؤُه أفحش، كالزمخشري)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 424.
وقال العلاَّمة ابن الجوزي في موضوعاته 1/ 240: ((وقد فرّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة منه ما يخصها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك ولا أعجب منهما؛ لأنهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنه حديث محال، ولكن شره جمهور المحدّثين، فإن من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم؛ لأنه قد صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) ... )).

(1/207)