مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل النَّوْعُ الثَّانِي والسِّتُوْنَ
مَعْرِفَةُ مَنْ خَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ
(6)
__________
(1) في (ع) والتقييد: ((قال المؤلف)).
(2) في (ع) والتقييد: ((وهو إمام حافظ ثقة)).
(3) الإرشاد 1/ 424.
(4) في (ع): ((مساوئ)) بالهمز؛ وكلاهما جائز كَمَا تقدم، ثمّ
إن هَذَا الكلام إشارة إلى قَوْل الشّافعيّ:
وعين الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي
المساويا
(5) انظر: المحاسن: 591.
(6) انظر في ذلك:
الإرشاد 2/ 787 - 796، والتقريب: 198، والمنهل الروي: 137،
واختصار علوم الحديث: 244 - 245، والشذا الفياح 2/ 744 - 780،
والمقنع 2/ 662 - 667، وشرح التبصرة 3/ 283، وفتح المغيث 3/
331 - 350، وتدريب الراوي 2/ 371 - 380، وشرح السيوطي عَلَى
ألفية العراقي: 273، وفتح الباقي 3/ 263 - 274، وتوضيح الأفكار
2/ 502 - 503.
(1/493)
هَذَا فَنٌّ عَزيزٌ مُهِمٌّ عَزِيزٌ لَمْ
أعلمْ أحداً أفردَهُ بالتَّصْنِيفِ (1) واعتَنى بِهِ مَعَ
كونِهِ حَقِيقاً بِذَلِكَ جدّاً.
وهُمْ مُنقَسِمونَ: فمنهم مَنْ خَلَطَ لاختلاطِهِ وخَرَفِهِ.
ومنهم مَنْ خَلَطَ لذهابِ بَصَرِهِ أَوْ لغير ذَلِكَ. والحكمُ
فيهم: أنَّهُ يُقبَلُ حَدِيثُ مَنْ أُخِذَ عَنْهُمْ قَبْلَ
الاختلاطِ ولا يُقبَلُ حَدِيثُ مَنْ أُخِذَ عَنْهُمْ بَعْدَ
الاختلاطِ أَوْ أُشكِلَ أمرُهُ فلم يُدْرَ هل أُخِذَ عَنْهُ
قبلَ الاختلاطِ أَوْ بَعْدَهُ؟
فمنهم: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: اختَلَطَ فِي آخرِ عُمُرِهِ،
فاحتجُّ أَهْلُ العلمِ بروايةِ الأكابرِ عَنْهُ، مِثْلُ:
سفيانَ الثوريِّ وشُعبةَ (2)؛؛ لأنَّ سماعَهم منهُ كَانَ فِي
الصِّحَّةِ، وتركُوا الاحتجاجَ بروايةِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ
آخراً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ فِي شُعْبةَ:
((إلاَّ حَدِيثَينِ كَانَ شعبةُ يقولُ: سَمِعتُهما بِأَخَرَةٍ
(3) عَنْ زاذانَ)) (4).
__________
(1) قال السخاوي في فتح المغيث 3/ 278: ((وأفرد للمختلطين
كتاباً الحافظ أبو بكر الحازمي حسبما ذكره في تصنيفه تحفة
المستفيد، ولم يقف عليه ابن الصّلاح)). وقال الحافظ العراقي في
شرح التبصرة 3/ 284: ((وبسبب كلام ابن الصّلاح، أفرده شيخنا
الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء حدّثنا به، ولكنه
اختصره ولم يبسط الكلام فيه، ورتبهم على حروف المعجم)). قلنا:
ثمّ صنف بعده الحافظ سبط ابن العجمي جزءً صغراً سماه: "
الاغتباط بمن رمي بالاختلاط " ثمّ تلاه ابن الكيّال فصنف
كتاباً سماه:
" الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات ". وهذه
الكتب كلها مطبوعة - ولله
الحمد - عدا كتاب الحازمي.
(2) قال العراقي في التقييد: 244: ((قد يفهم من كلامه في
تمثيله بسفيان وشعبة من الأكابر أنّ غيرهما من الأكابر سمع منه
في الصّحّة، وقد قال يحيى بن معين: جميع من روى عن عطاء روى
عنه في الاختلاط إلا شعبة وسفيان. وقال أحمد بن حنبل سمع منه
قديماً شعبة وسفيان. وقال أبو حاتم الرّازيّ: قديم السّماع من
عطاء سفيان وشعبة. وقد استثنى غير واحد من الأئمة مع شعبة
وسفيان حماد بن زيد ... واستثنى الجمهور أيضاً رواية حماد بن
سلمة عنه أيضاً. فممن قاله يحيى ابن معين وأبو داود والطحاوي
وحمزة الكناني ... )).
(3) يقال: (تغير بآخره) بمد الهمزة وكسر الخاء والراء، بعدها:
هاء. و (تغيّر بآخِرة) بمد الهمزة أيضاً وكسر الخاء وفتح
الراء، بعدها تاء مربوطة. و (تغير بأَخَرَة) بفتح الهمزة
والخاء والراء، بعدها تاء مربوطة. أي اختلّ ضبطه وحفظه في آخر
عمره وآخر أمره. أفاده محقق كتاب قواعد في علوم الحديث: 249.
قلنا: وانظر: لسان العرب 4/ 14، والتاج 10/ 36.
(4) أسندها الخطيب في الكفاية: (219 ت، 137 - 138 هـ).
(1/494)
أَبُو إسحاقَ السَّبِيعيُّ: اختلَطَ
أَيْضَاً (1)، ويُقالُ إِن سَمَاعَ سفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ
مِنْهُ بَعْدَ مَا اختلطَ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو يَعْلَى (2)
الخليليُّ (3).
سعيدُ (4) بنُ إياسٍ الجُرَيْرِيُّ: اختلَطَ وتَغَيَّرَ
حِفْظُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ أَبُو الوليدِ الباجيُّ
المالكيُّ: قَالَ النَّسائيُّ: ((أُنكِرَ أيامَ الطَّاعونِ،
وَهُوَ أثْبَتُ عندنا منْ خالدٍ الحَذَّاءِ مَا سُمِعَ مِنْهُ
قَبْلَ أيامِ الطاعونِ)) (5).
سعيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ((خَلَطَ
سَعِيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ بَعْدَ هزيمةِ إِبْرَاهِيمَ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ سنةَ اثنتينِ (6) وأربعينَ
يعني ومئةٍ (7). ومَنْ سَمِعَ
__________
(1) قال العراقي في التقييد والإيضاح: 445: ((فيه أمور، أحدها:
أن صاحب الميزان أنكر اختلاطه فقال: شاخ ونسي، ولم يختلط. قال:
وقد سمع منه سفيان بن عيينة، وقد تغير قليلاً. الأمر الثّاني:
إن المصنف ذكر كون سماع بن عيينة منه بعدما اختلط بصيغة
التمريض، وهو حسنٌ؛ فإن بَعْض أهل العِلْم أخذ ذَلِكَ من كلام
لابن عيينة ليس صريحاً في ذَلِكَ قال يعقوب الفسوي قال ابن
عيينة: حدّثنا أبو إسحاق في المسجد ليس معنا ثالث. قال الفسوي
فقال بعض أهل العلم كان قد اختلط، وإنما تركوه مع ابن
عيينة لاختلاطه. الأمر الثّالث: إن المصنف لَمْ يذكر أحداً قيل
عنه إن سماعه منه بعد الاختلاط إلا ابن عيينة ... الأمر
الرابع: إنه قد أخرج الشيخان في الصحيحين لجماعة من روايتهم عن
أبي إسحاق، وهم إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وزكريا بن أبي
زائدة وزهير بن معاوية وسفيان الثوري، وأبو الأحوص سلام بن
سليم وشعبة وعمر بن أبي زائدة ويوسف بن أبي إسحاق وأخرج
البخاريّ من رواية جرير بن حازم عنه. وأخرج مُسْلِم من رواية
إسماعيل بن أبي خالد ورقبة بن مصقلة وسليمان بن مهران الأعمش
وسليمان بن معاذ وعمار بن زريق ومالك بن مغول ومسعر بن كدام
عنه. وقد تقدم أن إسرائيل وزكريا وزهير سمعوا منه بأخرة)).
(2) في (ع): ((أن يعلى)) خطأ.
(3) الإرشاد 1/ 355.
(4) في (ج): ((سعد)) وهو مخالف للنسخ الأخرى، ومصادر ترجمته.
والجريري: بضم الجيم. انظر: التقريب (2273).
(5) الكواكب النيرات 178.
(6) في (ج) والشذا: ((ثنتين)).
(7) للحافظ اعتراضات تراجع في التقييد: 448 ومن تلك الاعتراضات
رده قول ابن معين في أنّ الهزيمة كانت سنة اثنتين وأربعين ومئة
فالمعروف أنها في سنة خمس وأربعين ومئة هذا ما عليه الجمهور.
انظر: تاريخ الطبري 9/ 20 وتاريخ الإسلام 36 (حوادث 145)
والبداية والنهاية 10/ 68، وشرح التبصرة 3/ 288.
(1/495)
مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فليسَ بشيءٍ. ويزيدُ
بنُ هارونَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ مِنْهُ سمِعَ مِنْهُ بواسطٍ
وَهُوَ يريدُ الكُوفةَ. وأثْبَتُ الناسِ سَمَاعاً مِنْهُ
عَبْدَةُ بنُ سُلَيمانَ)) (1). قلتُ: وممّنْ عُرِفَ أنهُ
سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ اختلاطِه وكِيعٌ، والمُعَافَى بنُ
عِمْرانَ المَوْصِليُّ. بَلَغَنا عنِ ابنِ عَمَّارٍ
المَوْصِليِّ أَحَدِ الحُفَّاظِ أنَّهُ قَالَ: ((ليستْ
روايتُهما عَنْهُ بشيءٍ إنّما سماعُهما بَعْدَ مَا اختلَطَ)).
وَقَدْ رُوِّينا عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ أنَّهُ قَالَ
لوكيعٍ: ((تُحَدِّثُ عَنْ سعيدِ بنِ أبي عَرُوبةَ وإنّما
سَمِعتَ مِنْهُ فِي الاختلاطِ؟)) فَقَالَ: ((رأيتَني حَدَّثْتُ
عَنْهُ إلاَّ بحديثٍ مُسْتَوٍ؟)) (2).
المَسْعُودِيُّ ممَّنْ اختَلَطَ (3) وَهُوَ عَبْدُ الرحمانِ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتبةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ
الهُذَلِيُّ وَهُوَ أخو أبي العُمَيْسِ عُتبةَ المَسْعُودِيِّ.
ذَكَرَ الحاكمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي كتابِ " المُزَكِّينَ
للرُّواةِ " عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ أَنّه قَالَ: ((مَنْ
سَمِعَ مِنَ المَسْعُودِيِّ فِي زمانِ أبي جَعْفَرٍ فَهُوَ
صَحِيْحُ السَّمَاعِ، ومن سَمِعَ مِنْهُ فِي أيام المَهْدِيِّ
فليسَ سماعُهُ بشيءٍ)) (4). وذَكَرَ حَنْبَلُ بنُ إسحاقَ عَنْ
أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أنّه قَالَ: ((سَمَاعُ عاصمٍ - هُوَ
ابنُ عَلِيٍّ - وأبي النَّضْرِ وهؤلاءِ مِنَ المَسْعُودِيِّ
بَعْدَ مَا اختلَطَ)) (5).
رَبِيعةُ الرَّأْيِ بنُ أبي عَبْدِ الرحمانِ أستاذُ مالكٍ:
قِيلَ إنَّهُ تغيَّرَ فِي آخرِ عُمرِهِ وتُرِكَ الاعتمادُ
عَلَيْهِ لِذلِكَ (6).
صالحُ بنُ نَبْهانَ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ (7) بنتِ أميَّةَ
بنِ خَلَفٍ: رَوَى عَنْهُ ابنُ أبي ذِئبٍ والناسُ. قَالَ أَبُو
حاتِمِ بنُ حِبَّانَ: ((تغيَّرَ فِي سنةِ خَمْسٍ وعشرينَ
ومئةٍ، واختَلَطَ حديثُهُ الأخيرُ بحديثِهِ القديم وَلَمْ
يتميَّزْ. فاستَحَقَّ التَّركَ)) (8).
__________
(1) أسنده إلى يحيى بن معين ابن عدي في الكامل 4/ 446.
(2) أسنده الخطيب في الكفاية: (217 ت، 136 هـ) قال البلقيني
في المحاسن: 595: ((من هذه الحكاية يوجد أنه إذا حدّث بحديث
مستوٍ كان جائزاً)).
(3) للعراقي في هذا اعتراضات عدة راجعها في التقييد 452 - 454.
(4) أسنده الخطيب في تاريخ بغداد 10/ 221.
(5) أسنده الخطيب في تاريخ بغداد 10/ 220 وتمامه: ((إلا أنهم
احتملوا السّماع منه فسمعوا)).
(6) للحافظ العراقي اعتراضٌ مطول على هذا راجعه في التقييد:
455.
(7) بفتح المثناة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة. التقريب
(2892).
(8) المجروحين 1/ 366. قال العراقي في التقييد والإيضاح: 456:
((اقتصر المصنف من أقوال
من تكلم في صالح بالاختلاط على حكاية كلام ابن حبان فاقتضى ذلك
ترك جميع حديثه، وليس =
(1/496)
حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرحمانِ الكُوفيُّ
مِمَّنْ اختَلَطَ وَتغيَّرَ، ذَكَرَهُ النَّسائيُّ (1)
وغيرُهُ، واللهُ أعلمُ.
عبدُ الوهَّابِ الثَّقَفِيُّ: ذَكَرَ ابنُ أبي حاتِمٍ
الرَّازِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ أَنّهُ قَالَ:
((اختَلَطَ بِأَخَرَةٍ)) (2).
سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ: وَجَدْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِليِّ أنّهُ سَمِعَ يَحْيَى بنَ
سعيدٍ القطانِ يَقُولُ: ((أشهدُ أنَّ سفيانَ بنَ عُيَيْنَةَ
اختلَطَ سنةَ سبعٍ وتسعينَ فمَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي هذِهِ
السنةِ وبعدَ هَذَا فسماعُهُ لا شيءَ)). قلتُ تُوُفِّيَ بَعْدَ
ذَلِكَ بنحوِ سنتينِ سنةَ تسعٍ وتسعينَ ومئةٍ (3).
__________
= كَذَلِكَ فقد ميز غير واحد من الأئمة بعض من سمع منه في صحته
من سمع منه بعد اختلاطه. فممن سمع منه قديماً محمّد بن عبد
الرحمان بن أبي ذئب قاله عليّ بن المديني ويحيى بن معين
والجوزجاني وأبو أحمد بن عدي، وممن سمع منه أيضاً قديماً عبد
الملك بن جريج وزياد بن سعد قاله ابن عدي. قلت: وكذلك سمع منه
قديماً أسيد بن أبي أسيد وسعيد بن أبي عروبة وعبد الله بن عليّ
الإفريقي وعمارة بن غزية وموسى بن عقبة. وممن سمع منه بعد
الاختلاط مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، والله
أعلم)).
(1) الضعفاء والمتروكون (130). وللحافظ العراقي في التقييد:
456 - 458 مناقشات طويلة حول هذه الترجمة.
(2) الجرح والتعديل 6/ 71 (369). قال العراقي في التقييد: 458:
((لم يبين المصنف مقدار مدة اختلاطه ولا من ذكر أنه سمع منه في
الصّحّة أو في الاختلاط. فأما مقدار مدة اختلاطه فقال عقبة بن
مكرم العمي: اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع سنين. وكانت
وفاته سنة أربع وتسعين ومئة بتقديم التاء على السين، وهو قول
عمرو بن عليّ الفلاس، وأبو موسى الزمن وبه جزم ابن زبر وابن
قانع والذهبي في العبر والمزي في التهذيب، وقيل سنة أربع
وثمانين وبه صدَّر ابن حبان كلامه. أما الذين سمعوا منه في
الصّحّة فجميع من سمع منه إنما سمع منه في الصّحّة قبل
اختلاطه. قال الذهبي في الميزان: ما ضرر تغير حديثه فإنه ما
حدث بحديث في زمن التغير، ثمّ استدل على ذلك بقول أبي داود
تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي، فحجب الناس عنهما)).
(3) قال العراقي في التقييد والإيضاح: 459: ((فيه أمور أحدها:
إن المصنف لم يبين من سمع منه في سنة سبع وتسعين وما بعدها،
وقد سمع منه في هذه السّنّة محمّد بن عاصم صاحب ذاك الجزء
العالي كما هو مؤرخ في الجزء المذكور. وهكذا ذكره أيضاً صاحب
الميزان، قال: فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات، ولم يلقه فيها
أحد فإنه توفّي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر، قال: ويغلب على
ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع. الأمر
الثّاني: إن هذا الذي ذكره المصنف عن محمّد بن عبد الله بن
عمّار عن القطان قد استبعده صاحب الميزان فقال: وأنا أستبعده
وأعده غلطاً من ابن عمّار؛ فإن القطان مات في=
(1/497)
عَبْدُ الرزاقِ بنُ هَمَّامٍ: ذَكَرَ
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أنَّهُ عَمِيَ فِي آخرِ عُمُرِهِ فكانَ
يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ، فسَماعُ منْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ
مَا عَمِيَ لا شيءَ (1). وَقَالَ النسائيُّ: ((فِيهِ نَظَرٌ
لمنْ كَتَبَ عَنْهُ بِأَخَرَةٍ)) (2).
قلتُ: وعلى هَذَا يُحْمَلُ (3) قَوْلُ عَبَّاسِ بنِ (4) عَبْدِ
العَظِيمِ، لمّا رَجَعَ مِنْ صَنْعَاءَ: ((واللهِ لَقَدْ
تَجشَّمْتُ إلى عَبْدِ الرزاقِ، وإنّهُ لَكَذَّابٌ، والواقديُّ
أصدَقُ مِنْهُ)) (5).
قلتُ: قَدْ وَجَدْتُ - فِيْمَا رُوِيَ عنِ الطَّبَرانيِّ عَنْ
إسحاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيِّ (6) عَنْ عَبْدِ الرزاقِ
- أحاديثَ اسْتَنْكَرتُها (7) جِدّاً، فَأَحَلْتُ أمرَها عَلَى
ذَلِكَ، فإنَّ سَمَاعَ الدَّبَريِّ مِنْهُ متأخّرٌ جِدّاً.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيُّ: ((ماتَ عَبْدُ الرزاقِ
وللدَّبَريِّ سِتُّ سِنينَ أَوْ سبعُ سِنينَ)) (8) ويَحْصُلُ
أَيْضَاً نظرٌ فِي كثيرٍ مِنَ العَوَالِي (9) الواقعةِ عمَّنْ
تأخَّرَ سَماعُهُ مِنْ سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ وأشباهِهِ.
__________
= صفر من سنة ثمان وتسعين، وقت قدوم الحاج ووقت تحدثهم عن
أخبار الحجاج، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان
ثمّ يشهد عليه بذلك، والموت قد نزل به ثُمَّ قال فلعله بلغه
ذَلِكَ في أثناء سنة سبع. الأمر الثّالث: إن ما ذكره المصنف من
عِنْدَ نفسه كونه بقي بعد الاختلاط نحو سنتين. وهم منه، وسبب
ذَلِكَ وهمه في وفاته؛ فإن المعروف أنه توفّي بمكة يوم السبت
أوّل شهر رجب سنة ثمان وتسعين قاله محمّد بن سعد وابن زبر وابن
قانع. وقال ابن حبان: يوم السبت آخر يومٍ من جمادى الآخرة)).
(1) فصل الحافظ العراقي في التقييد: 459 - 460 فذكر من سمع من
عبد الرزاق بعد التغير.
(2) الضعفاء والمتروكون للنسائي (379).
(3) في (ج): ((نحمل)).
(4) ساقطة من (م).
(5) الكامل 6/ 538.
(6) بفتح الدال المهملة والياء المنقوطة بنقطة من تحت والراء
المهملة بعدها، هذه النسبة إلى الدبر، وهي قرية من قرى صنعاء
اليمن. الأنساب 2/ 516.
(7) في (ج): ((استكثرتها)).
(8) الكواكب النيرات 272 - 282.
(9) في النسخ و (م) والتقييد: ((ويحصل أيضاً في نظر من كثير من
العوالي ... الخ)).
وفي الشذا ((ويحل أيضاً في نظر في كثير من العوالي ... الخ)).
والمثبت من (ع) ومثله في المقنع 2/ 666، وشرح التبصرة 3/ 297.
(1/498)
عارمٌ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ أَبُو
النُّعْمانِ (1): اختَلَطَ بأَخَرَةٍ، فما رَواهُ عَنْهُ
البُخَارِيُّ، ومُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْليُّ وغيرُهما
مِنَ الحُفَّاظِ يَنْبغِي أنْ يكونَ مأخوذاً عَنْهُ قَبْلَ
اختلاطِهِ.
أَبُو قِلاَبةَ عَبْدُ الملكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الرَّقَاشِيُّ (2): رُوِّينا عنِ الإمامِ ابنِ خُزَيمةَ
أَنَّهُ قَالَ: ((حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبةَ بالبَصْرةِ قَبْلَ
أنْ يَختلِطَ ويخرجَ إلى بغدادَ)) (3). وممَّنْ بَلَغَنا
عَنْهُ ذَلِكَ مِنَ المتأخِّرينَ أَبُو أَحْمَدَ (4)
الغِطْرِيفيِّ (5) الجُرجانيِّ، وأبو طاهرٍ حفيدُ الإمامِ ابنِ
خُزَيمةَ: ذَكَرَ الحافظُ أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَعِيُّ (6)
ثُمَّ السَّمرقنديُّ فِي " معجمِهِ " أنّهُ بَلَغَهُ أنَّهما
اختَلَطا فِي آخرِ عُمُرِهِما.
وأبو بكرِ بنِ مَالِكٍ القَطِيعيُّ راوي مسندَ أَحْمَد وغيرَهُ
اختلَّ فِي آخرِ عُمُرِهِ وخَرِفَ حَتَّى كَانَ لا يَعرِفُ
شيئاً مما يُقرأ عَلَيْهِ (7).
واعلمْ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذَا القَبِيلِ مُحْتَجّاً
بروايتهِ فِي " الصحيحينِ " أَوْ أحدِهما فإنّا نَعْرِفُ عَلَى
الجملةِ أنَّ ذَلِكَ ممّا تَميَّزَ وَكَانَ مأخوذاً عَنْهُ
قَبْلَ الاختلاطِ، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) فصّل الحافظ العراقي في التقييد: 461 - 462 مدة اختلاطه
ومن سمع منه قبل الاختلاط وبعده.
(2) انظر: التقييد والإيضاح: 462 - 463.
(3) أسنده الخطيب في تاريخه 10/ 426.
(4) انظر: التقييد: 463.
(5) بكسر الغين المعجمة، وسكون الطاء وكسر الراء وسكون الياء.
انظر: الأنساب 4/ 273.
(6) في (أ) و (ج) و (ع) والتقييد: ((البرذعي)) بالذال
المعجمة. قال في القاموس (مع شرحه التاج) 20/ 315: ((برذعة
(بالذال المعجمة) بلد بأذربيجان، وإهمال ذاله أكثر)). وفي معجم
البلدان 1/ 379: ((برذعة (بالمعجمة)، وقد رواه أبو سعد بالدال
المهملة والعين مهملة عند الجميع: بلد في أقصى أذربيجان))
وكلاهما بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح ما بعد الراء.
وانظر: الأنساب 1/ 327 و 330.
(7) نفى العراقي صحّة ذلك في نقاش طويل مع ابن الصّلاح، راجعه
في التقييد والإيضاح: 465.
(1/499)
النَّوْعُ الثَّالِثُ والسِّتُّوْنَ
مَعْرِفَةُ طَبَقَاتِ الرُّوَاةِ والعُلَمَاءِ (1)
وذلكَ مِنَ المهمّاتِ التي افْتَضَحَ بِسَبَبِ الجَهْلِ بِها
غَيْرُ واحدٍ مِنَ المُصنِّفينَ وغيرِهم.
و" كتابُ الطَّبَقاتِ الكبيرِ " لمحمدِ بنِ سَعْدٍ كاتبِ
الواقديِّ كِتَابٌ حَفِيلٌ كثيرٌ الفوائدِ، وَهُوَ ثقةٌ غَيْرَ
أنّه كثيرُ الروايةِ فِيهِ عنِ الضُّعَفاءِ. ومنهم: الواقديُّ،
وَهُوَ مُحَمَّدُ ابنُ عُمَرَ الذي لا يَنْسُبُهُ (2).
والطبقةُ فِي اللُّغَةِ: عبارةٌ عنِ القَوْمِ المُتشابِهينَ
(3)، وعِندَ هَذَا فرُبَّ شَخْصينِ يكونانِ منْ طَبَقةٍ واحدةٍ
لتشابهِهما بالنِّسْبةِ إلى جِهَةٍ، ومنْ طَبَقَتيْنِ
بالنِّسْبةِ إلى أُخرى
لا يتشابهانِ فِيْهَا. فأنسُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ وغيرُهُ منْ
أصاغرِ الصَّحابةِ مَعَ العَشَرةِ وغيرِهم منْ أكابرِ
الصَّحَابَةِ مِنْ طبقةٍ واحدةٍ إذَا نَظَرنا إلى تَشَابهِهم
فِي أصلِ صفةِ الصُّحبةِ.
وعلى هَذَا فالصَّحابةُ بأسرِهِم طبقةٌ أُولَى، والتابعونَ
طبقةٌ ثانيةٌ، وأتباعُ التابعينِ طَبَقةٌ ثالثةٌ، وَهَلُمَّ
جَرّاً. وإذا نَظرنا إلى تَفاوتِ الصحابةِ فِي سَوابقِهم
ومَراتِبهم كانوا عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ بَضْعَ عَشْرَةَ
طَبَقةً، ولا يكونُ عِنْدَ هَذَا أنسٌ وغيرُهُ منْ أصاغرِ
الصَّحَابَةِ منْ طبقةِ العَشَرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ بَلْ
دُونَهم بِطَبَقَاتٍ. والباحثُ الناظرُ فِي هَذَا الفَنِّ
يَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ المواليدِ والوَفَياتِ ومَنْ أَخذُوا
عَنْهُ ومَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ ونحوِ ذَلِكَ، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) انظر في ذلك:
الإرشاد 2/ 797 - 799، والتقريب: 199، والمنهل الروي: 115،
واختصار علوم الحديث: 245، والشذا الفياح 2/ 781 - 782،
والمقنع 2/ 668 - 669، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 301، وفتح
المغيث 3/ 351 - 354، وتدريب الراوي 2/ 380 - 382، فتح الباقي
3/ 274 - 276، وتوضيح الأفكار 2/ 503 - 504، وظفر الأماني: 103
- 104.
(2) انظر: محاسن الاصطلاح 599.
(3) انظر: الصحاح 4/ 1512، والمحكم 6/ 178، وتاج العروس 26/
50، وانظر عن نظام الطبقات في كتب المحدّثين والمؤرخين تقدمة
سير أعلام النبلاء 1/ 98، ومقدمة تحقيق طبقات خليفة: 46، وبحوث
في تاريخ السُّنَّة: 75.
(1/500)
|