مقدمة ابن الصلاح معرفة أنواع علوم الحديث ت فحل النَّوْعُ الْمُوَفِّي سِتِّينَ
مَعْرِفَةُ تَوَارِيْخِ الرُّوَاةِ (1)
وفيها مَعْرِفَةُ وَفَياتِ الصَّحَابَةِ والمُحَدِّثِيْنَ
والعلماءِ ومواليدِهم، ومقادِيرُ أعمارِهم ونحوِ ذَلِكَ.
رُوِّيْنَا عَنْ سُفْيَانَ الثوريِّ أَنّهُ قَالَ: ((لَمَّا
استعملَ الرُّواةُ الكذبَ، استَعْمَلْنا لَهُمُ التاريخَ)) (2)
أَوْ كَمَا قَالَ (3). ورُوِّينا عَنْ حَفْصِ بنِ غِياثٍ
أنَّهُ قَالَ: ((إذَا اتَّهمتُمُ الشَّيْخَ فحاسِبُوهُ
بالسِّنَّيْنِ)) (4) يعني: احْسِبُوا سِنَّهُ وسِنَّ مَنْ
كَتَبَ عَنْهُ. وهذا كنحوِ مَا رُوِّيناهُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ
بنِ عَيَّاشٍ قَالَ: ((كنتُ بالعراقِ فأتاني أَهْلُ
الحَدِيْثِ، فقالوا: هاهنا رَجُلٌ يحدِّثُ عَنْ خالدِ بنِ
مَعْدَانَ فأتيتُهُ فقلْتُ: أيَّ سنةٍ كتبتَ عَنْ خالدٍ بنِ
مَعْدانَ؟ فَقَالَ: سنةَ ثلاثَ عَشْرَةَ يَعْنِي ومئةٍ،
فقلْتُ: أنتَ تَزعُمُ أنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ خالدِ بنِ
مَعْدَانَ
__________
= قلنا: انظر: اللسان 11/ 347، والتاج 7/ 381 (الطبعة
القديمة). ولابد من الاشارة إلى أن في نسخة (ب) حاشية هذا نصها
((سموال: بكسر السين المهملة، ويقال: بفتحها وسكون الميم
وتخفيف الواو وباللام. والزبير بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة،
وقيل بضم الزاي وفتح الباء)). وانظر عن الزّبير: أوجز المسالك
9/ 325.
(1) انظر في ذلك:
معرفة علوم الحديث: 202 - 210، والإرشاد 2/ 769 - 781،
والتقريب:
194 - 197، والمنهل الروي 145، واختصار علوم الحديث: 237 -
242، والشذا
الفياح 2/ 713 - 738، والمقنع 2/ 644 - 656، وشرح التبصرة
والتذكرة 3/ 237، وفتح المغيث 3/ 280 - 313، وتدريب الراوي 2/
349 - 367، وشرح ألفية السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 262، وفتح
الباقي 3/ 234 - 259، وتوضيح الأفكار 2/ 498 - 500، وظفر
الأماني: 104.
(2) أسنده ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 169، ومن طريقه الخطيب
في الكفاية: (193ت، 119هـ).
(3) جملة: ((أو كما قال)) ساقطة من (م).
(4) أسنده الخطيب في الكفاية (193 ت، 119 - 120 هـ). قال
الحافظ العراقي في شرح التبصرة
3/ 238: ((بالسنين: بفتح النون المشددة تثنية سنٍّ، وهو
العمر)) وكذا في حاشية إحدى نسخ المقنع الخطية 2/ 644 وفتح
المغيث 3/ 238.
(1/484)
بَعْدَ مَوْتِهِ بسَبْعِ سِنينَ: قَالَ
إِسْمَاعِيْلُ: ((ماتَ خالدٌ سَنةَ سِتٍّ ومئةٍ)) (1). قلتُ:
وَقَدْ رُوِّينا عَنْ عُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ قِصَّةً نحوَ
هذِهِ جَرَتْ لَهُ مَعَ بَعْضِ مَنْ حَدَّثَ عَنْ خالدِ
مَعْدَانَ ذَكَرَ عُفَيْرٌ فِيْهَا (2) أَنَّ خالداً ماتَ
سَنَةَ أَرْبعٍ ومئةٍ (3).
ورُوِّينا عنِ الحاكمِ أبي عَبْدِ اللهِ قَالَ: ((لما قَدِمَ
عَلَينا أَبُو جَعْفرٍ مُحَمَّدُ بنُ حاتِمٍ الكَشِّيُّ (4)
وحَدَّثَ عَنْ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ سألتُهُ عَنْ مَوْلدِهِ
فَذَكَرَ أنَّهُ وُلِدَ سنةَ ستِّين ومئتَينِ، فَقُلتُ
لأصحابِنا: سَمِعَ هَذَا الشَّيْخُ منْ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ
بَعْدَ مَوْتِهِ بثلاثَ عَشْرَةَ سَنةً)) (5).
وَبَلَغَنا عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْديِّ الأندلسيِّ
أَنَّهُ قَالَ مَا تَحْرِيرُهُ: ((ثلاثةُ أشياءَ مِنْ عُلومِ
الحَدِيْثِ يجبُ تقديمُ التَّهَمُّمِ (6) بها: العِلَلُ،
وأحسَنُ كتابٍ وُضِعَ فِيهِ " كتابُ الدَّارَقُطْنِيِّ "؛
والمؤتَلِفُ والمُخْتلِفُ (7)، وأحسَنُ كتابٍ وُضِعَ فِيهِ "
كتابُ ابنِ مَاكُوْلاَ "؛ وَوَفَيَاتُ الشُّيوخِ، وليسَ فِيهِ
كتابٌ.
قلتُ: فِيْهَا غَيْرُ كِتَابٍ ولكنْ منْ غَيْرِ استقصاءٍ
وتَعْمِيمٍ، وتواريخُ المُحَدِّثِيْنَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى
ذِكْرِ الوَفَياتِ؛ ولذلكَ ونَحْوِهِ سُمِّيَتْ: تَوَارِيخَ.
وأمَّا مَا فِيْهَا مِنَ الجَرْحِ والتَّعْديلِ ونحوِهما فَلا
يُناسِبُ هَذَا الاسمَ، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) هذه الرّواية أخرجها الحاكم في المدخل 60 - 61، والخطيب في
الجامع 1/ 132.
(2) في (م): ((منها)) وفي (ع): ((فيهاً)).
(3) أخرجها يعقوب بن سفيان في المعرفة 1/ 152، والخطيب في
الكفاية (192 - 193 ت، 119 هـ).
(4) بفتح الكاف والشين المشددة المعجمة، نسبة إلى قرية قريبة
من سمرقند ويقال أيضاً: بكسر الكاف والسين المهملة المشددة،
غير أن المشهور الأول. انظر: الأنساب 4/ 625و 632، ومراصد
الاطلاع 3/ 1165 و 1167، وتاج العروس 17/ 363.
(5) المدخل إلى الإكليل 61، والجامع في آداب الرّاوي 1/ 132.
(6) في (ب) و (ع): ((التهم)) والمثبت من باقي النسخ و (م)
والتقييد والشذا، ومثله في المقنع 2/ 645، وشرح التبصرة 3/
239.
والتهمّم: الطّلب، يقال: ذهبت أتهمّمه، أي: أطلبه، وتهمّم
الشيء: طلبه، أو الاهتمام والعناية، يقال: اهتمّ الرجل بالأمر:
عني بالقيام به. انظر: اللسان 12/ 622، والمعجم الوسيط 2/ 995
وحاشية محاسن الاصطلاح: 578.
(7) هكذا في النسخ و (ع) والتقييد والشذا، وفي (م): ((المؤتلف
والمختلف)) بلا واو.
(1/485)
ولنذكُرْ مِنْ ذَلِكَ عُيُوناً:
أحدُها: الصَّحِيحُ فِي سِنِّ سَيِّدِنا سَيِّدِ البَشَرِ
رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وصاحِبَيْهِ: أبي بكرٍ
وعُمَرَ، ثلاثٌ وسِتُّونَ سَنَةً (1). وقُبِضَ (2) - صلى الله
عليه وسلم - يومَ الاثنَينِ (3) ضُحَىً لاثنتي عَشْرَةَ ليلةً
خَلَتْ منْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إحدَى عَشْرَةَ
مِنَ الهَجْرةِ. وتُوُفِّيَ أَبُو
بَكْرٍ (4) فِي جُمَادَى الأولَى سَنَةَ ثلاثَ عَشْرَةَ.
وعُمَرُ فِي ذي الحِجَّةِ سنةَ ثلاثٍ وعشرينَ. وعُثمانُ فِي ذي
الحِجَّةِ سنةَ خَمْسٍ وثلاثينَ وَهُوَ ابنُ اثنتين وثمانينَ
سنةً، وَقِيلَ: ابنُ تِسعينَ، وَقِيلَ غيرُ ذَلِكَ (5).
وعَلِيٌّ: فِي شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ وَهُوَ ابنُ ثلاثٍ
وستينَ، وَقِيلَ: ابنُ أربعٍ وستينَ، وَقِيلَ: ابنُ خمسٍ
وستينَ (6). وطَلْحةُ والزُّبَيْرُ جميعاً فِي جُمَادَى
الأُولى سنةَ ستٍّ وثلاثينَ , ورُوِّينا عنِ الحَاكِمِ أبي
عَبْدِ اللهِ أَنَّ سِنَّهما كَانَ واحداً، كانا ابْنَي أربعٍ
وستينَ (7)، وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الحاكمُ.
وسَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ (8) سنةَ خمسٍ وخمسينَ عَلَى الأصحِّ
وَهُوَ ابنُ ثلاثٍ وسبعينَ سنةً. وسعيدُ بنُ زَيْدٍ (9) سنةَ
إحْدَى وخمسينَ وَهُوَ ابنُ ثلاثٍ أَوْ أربعٍ وسبعينَ. وعبدُ
الرحمانِ بنُ عَوْفٍ سنةَ اثنتين وثلاثينَ وَهُوَ ابنُ خمسٍ
وسبعينَ سنةً. وأبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ سنةَ ثماني
عَشْرَةَ وَهُوَ ابنُ ثمانٍ وخمسينَ سنةً وَفِي بعضِ مَا
ذكرْتُهُ خلافٌ لَمْ أذكُرْهُ، واللهُ أعلمُ.
__________
(1) انظر: المحاسن: 578.
(2) انظر: التقييد: 433.
(3) في (ع) والتقييد: ((وقبض رسول الله يوم الاثنين)). وما
أثبتناه من جميع النسخ و (م).
(4) انظر: التقييد: 435.
(5) انظر في ذلك الاستيعاب 3/ 81.
(6) انظر: التاريخ الكبير 6/ 259، وتاريخ دمشق 42/ 570، وتهذيب
الكمال 5/ 461.
(7) معرفة علوم الْحَدِيْث: 203.
(8) انظر: التقييد: 436، ومحاسن الاصطلاح: 579.
(9) في (ب): ((يزيد)) وهو مخالف لباقي النسخ ومصادر ترجمته.
(1/486)
الثَّانِي: شَخْصانِ (1) مِنَ الصَّحَابَةِ
عَاشَا فِي الجاهليَّةِ سِتِّينَ سنةً، وَفِي الإسلام ستّينَ
سنةً، ومَاتَا بالمدينةِ سنةَ أربعٍ وخمسينَ: أحدُهما: حَكِيمُ
بنُ حِزَامٍ (2) وَكَانَ مَوْلِدَهُ فِي جَوْفِ الكَعبةِ
قَبْلَ عام الفيلِ بثلاثَ عَشْرَةَ سنةً. والثاني: حَسَّانُ
بنُ ثابتِ بن المُنْذِرِ ابنِ حَرَامٍ (3) الأنصاريُّ، وَرَوى
ابنُ إسحاقَ أنّهُ وأَباهُ ثابتاً والمُنْذِرَ وحَرَاماً عاشَ
كُلُّ واحدٍ مِنْهُمْ عشرينَ ومئةَ سنةٍ (4). وذكر أَبُو
نُعَيْمٍ الحافظُ أَنَّهُ لا يُعرَفُ في العَرَبِ مثلُ ذلكَ
لغيرِهم. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ حَسَّانَ ماتَ سنةَ خمسينَ (5)،
واللهُ أعلمُ.
الثَّالِثُ: أَصْحَابُ المَذَاهِبِ الخمسةِ المَتْبُوعةِ - رضي
الله عنهم -:
فسُفْيَانُ (6) بنُ سعيدٍ الثوريُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ ماتَ
بلا خلافٍ بالبَصْرةِ سنةَ إحدَى وسِتِّينَ ومئةٍ وَكَانَ
مولِدُهُ سنةَ سبعٍ وتسعينَ (7).
ومالكُ بنُ أنسٍ - رضي الله عنه - تُوُفِّيَ بالمدينةِ سنةَ
تسعٍ وسبعينَ ومئةٍ قبلَ الثمانينَ بسنةٍ. واختُلِفَ فِي
ميلادِهِ، فقِيلَ: فِي سنةِ ثلاثٍ وتسعينَ، وَقِيلَ: سنةَ
إِحدَى، وَقِيلَ: سنةَ أربعٍ، وَقِيلَ: سنةَ سبعٍ (8).
وأبو حَنَيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- ماتَ سنةَ خمسينَ ومئة
ببغدادَ وَهُوَ ابنُ سبعينَ سنةً (9).
والشافعيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - ماتَ فِي آخرِ رَجَبٍ سنةَ
أربعٍ ومئتينِ بِمِصْرَ وَوُلِدَ سنةَ خمسينَ ومئةٍ (10).
__________
(1) انظر: التقييد: 436.
(2) انظر: التاريخ الكبير 3/ 11، وسير أعلام النبلاء 3/ 44.
(3) بفتح المهملة والراء. التقريب (1197).
(4) وكذا قال التّرمذي في كتاب: تسمية أصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - (124).
(5) انظر: محاسن الاصطلاح: 581.
(6) في (م): ((سفيان)) من غير فاءٍ.
(7) انظر: طبقات ابن سعد 6/ 371، وتاريخ بغداد 9/ 71، وراجع
محاسن الاصطلاح: 583.
(8) انظر: سير أعلام النبلاء 8/ 30.
(9) التاريخ الكبير 8/ 81، وثقات ابن حبان 9/ 31، وتاريخ بغداد
13/ 421.
(10) ثقات ابن حبان 9/ 31، تاريخ بغداد 2/ 70.
(1/487)
وأحمدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ ماتَ
ببغدادَ فِي شَهْرِ ربيعٍ الآخرِ سنةَ إحدَى وأربعينَ ومئتينِ
وَوُلِدَ سنةَ أربعٍ وستينَ ومئةٍ (1)، واللهُ أعلمُ.
الرابعُ: أصحابُ كُتُبِ الحَدِيْثِ الخمسةِ المُعتَمَدَةِ -
رضي الله عنهم -. فالبخاريُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ وُلِدَ يومَ
الجُمُعةِ بَعْدَ صلاةِ الجُمعة لثلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ منْ
شَوَّالٍ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومئةٍ وماتَ بِخَرْتَنْكَ (2)
قريباً منْ سَمَرْقَنْدَ (3) ليلةَ عيدِ الفِطْرِ سنةَ ستٍ
وخمسينَ ومئتينِ فكانَ (4) عُمُرُهُ اثنتينِ وستينَ سنةً إلاَّ
ثلاثةَ عَشَرَ يوماً (5).
وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ النَّيْسابوريُّ (6) ماتَ بها
لخَمْسٍ بَقِينَ منْ رَجَبٍ سنةَ إحْدَى وستينَ ومئتينِ وَهُوَ
ابنُ خَمْسٍ وخمسينَ سنةً (7).
وأبو داودَ السِّجِسْتانيُّ سُليمانُ بنُ الأشْعَثِ ماتَ
بالبَصْرةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وسبعينَ ومئتينِ (8).
وأبو عيسى مُحَمَّدُ بنُ عيسى السُّلَميُّ التِّرْمِذِيُّ ماتَ
بها لثلاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ منْ رَجَبٍ سنةَ تسعٍ وسبعينَ
ومئتينِ (9).
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد 4/ 422، ومحاسن الاصطلاح 584.
(2) بالفتح ثمّ السكون، وفتح التاء المثناة من فوق ونون ساكنة
وكاف. انظر: الأنساب 2/ 391، ومعجم البلدان 2/ 356 وهي قرية
بينها وبين سمرقند ثلاثة فراسخ. قال العراقي في شرح التبصرة 3/
270: ((ذكر ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: أنها بكسر الخاء،
والمعروف فتحها، وكذا ذكره السمعاني)).
(3) بفتحتين. انظر: معجم البلدان 1/ 74.
(4) في (ج): ((وكان)).
(5) تاريخ بغداد 2/ 6، ووفيات الأعيان 4/ 188، وسير أعلام
النبلاء 12/ 391.
(6) انظر: التقييد 438.
(7) انظر: تاريخ بغداد 13/ 103، وزاد المزي في تهذيب الكمال 7/
97 قولاً آخر فقال: ((ولد سنة أربع ومئتين)) فعلى هذا يكون
عمره سبعاً وسبعين سنة، وجزم الذهبي في العبر 2/ 23 بأنه عاش
ستين سنةً.
(8) تاريخ بغداد 9/ 56.
(9) وفيات الأعيان 4/ 278، سير أعلام النبلاء 13/ 277.
(1/488)
وأبو عَبْدِ الرحمانِ أَحْمَدُ بنُ
شُعَيْبٍ النَّسَويُّ (1) ماتَ سنةَ ثلاثٍ وثلاثِ مئةٍ (2)،
واللهُ أعلمُ.
الخامِسُ: سَبعةٌ مِنَ الحُفَّاظِ فِي سَاقَتِهِمْ (3)
أحسَنُوا التَّصنيفَ وعَظُمَ الانتفاعُ بِتَصَانِيفِهِم فِي
أعصارِنا.
أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ
البَغْداديُّ ماتَ بها فِي ذي القَعْدةِ سنةَ خمسٍ وثمانينَ
وثلاثِ مئةٍ وُلِدَ (4) فِي ذي القعْدةِ سنةَ ستٍّ وثلاثِ مئةٍ
(5). ثُمَّ الحَاكِمُ أَبُو عبدِ اللهِ بنُ البَيِّعِ (6)
النَّيْسابوريُّ ماتَ بها فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وأربعِ
مئةٍ، ووُلِدَ بها فِي شَهْرِ ربيعٍ الأَوَّلِ سنةَ إحدَى
وعشرينَ وثلاثِ مئة (7). ثُمَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغنيِّ
بنُ سعيدٍ الأزديُّ حافظُ مِصْرَ وُلِدَ فِي ذي القِعْدَةِ
سنةَ اثنتينِ وثلاثينَ وثلاثِ مئةٍ، وماتَ بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ
سنةَ تسعٍ وأربعِ مئةٍ (8). ثُمَّ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ الأصبهانيُّ الحافظُ وُلِدَ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ
وثلاثِ مئةٍ، وماتَ فِي صَفَرٍ سنةَ ثلاثينَ وأربعِ مئةٍ
بأصبهانَ (9).
ومِنَ الطبقةِ الأُخرى: أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ
النَّمَريُّ حافظُ أَهْلِ المغربِ وُلِدَ فِي شَهْرِ ربيعٍ
الآخرِ سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثِ مئةٍ، وماتَ بِشَاطِبَةَ منْ
بلادِ الأندلسِ فِي شهرِ ربيعٍ الآخِرِ سنةَ ثلاثٍ وستينَ
وأربعِ مئةٍ (10). ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَينِ
البَيْهَقِيُّ وُلِدَ سنةَ أربعٍ وثمانينَ وثلاثِ مئةٍ، وماتَ
بِنَيْسابورَ فِي جُمَادَى الأُولَى سنةَ ثمانٍ وخمسينَ
__________
(1) ويقال: النّسائيّ كما تقدم.
(2) وفيات الأعيان 1/ 78.
(3) ساقتهم: أي مؤخرهم، من ساقة الجيش. انظر: الصحاح 4/ 1499.
(4) في (ج): ((وولد)).
(5) تاريخ بغداد 12/ 40.
(6) قال السمعاني في الأنساب 1/ 455: ((بفتح الباء الموحدة،
وكسر الياء المشددة)).
(7) تاريخ بغداد 5/ 473.
(8) وفيات الأعيان 3/ 223، وتذكرة الحفاظ 3/ 1048.
(9) وفيات الأعيان 1/ 91، وسير أعلام النبلاء 17/ 463.
(10) سير أعلام النبلاء 18/ 159.
(1/489)
وأربعِ مئةٍ ونُقِلَ إلى بَيْهَقَ فَدُفِنَ
بها (1). ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخطيبُ
البغداديُّ وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخرةِ سنةَ اثنتينِ
وتِسْعِينَ وثلاثِ مئةٍ وماتَ ببغدادَ فِي ذي الحِجَّةِ سنةَ
ثلاثٍ وستينَ وأربعِ مئةٍ (2)، رَحِمَهم اللهُ وإيانا
والمسلمينَ أجمعينَ (3)، واللهُ أعلمُ.
النَّوْعُ الْحَادِي وَالسِّتُّوْنَ
مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ والضُّعَفَاءِ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيْثِ
(4)
__________
(1) الأنساب 1/ 462.
(2) تاريخ دمشق 5/ 39.
(3) قال البلقيني: ((ليس المراد استيعاب أصحاب التصانيف في
الحديث، ولا ذكر غالبهم ولا كثيرهم؛ بل ذَلِكَ بحسب ما اتفق،
أو لاشتهار تصانيف هؤلاء. وثمّ تصانيف في الحديث - مشهورة وغير
مشهورة، لمتقدم ومتأخرٍ - لم تذكر)). محاسن الاصطلاح: 586.
وقال ابن كثير: قلت وكان ينبغي أن يذكر مع هؤلاء جماعة اشتهرت
تصانيفهم بين الناس، ولا سيما عند أهل الحديث كالطبراني: وقد
توفّي سنة ستين وثلاث مئة صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها،
والحافظ أبي يعلى الموصلي، والحافظ أبي بكر البزّار، وإمام
الأئمة محمّد بن إسحاق بن خزيمة توفّي سنة إحدى عشرة وثلاث
مئة، صاحب الصّحيح، وكذلك أبو حاتم محمّد بن حبّان البستي،
صاحب الصّحيح أيضاً، وكانت وفاته أربع وخمسين وثلاث مئة،
والحافظ أبو أحمد ابن عدي صاحب الكامل توفّي سنة سبع وستين
وثلاث مئة). اختصار علوم الحديث مع الباعث 2/ 662.
وقال ابن الملقن: ومن الحفاظ:
أبو بكر أحمد بن إيراهيم الإسماعيلي الجرجاني، ولد سنة سبع
وسبعين ومئتين، ومات سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة، وأبو القاسم
الطبراني، صاحب المعاجم وغيرها من المؤلفات مات سنة ستين وثلاث
مئة، وأبو بكر أحمد بن محمّد البرقاني، ولد سنة ست وثلاثين
وثلاث مئة، ومات سنة خمس وعشرين وأربع مئة، وأبو عبد الله بن
أبي نصر فتوح الحميدي، صاحب الجمع الصحيحين، مات سنة ثمان
وثمانين وأربع مئة، وأبو محمّد الحسين بن مسعود البغويّ محيّ
السّنّة مات سنة ست عشرة وخمس مئة) المقنع 2/ 656.
(4) انظر في ذلك:
الإرشاد 2/ 772 - 786، والتقريب: 197 - 198، والمنهل الروي:
137، واختصار علوم الحديث: 242 - 243، والشذا الفياح 2/ 739 -
743، والمقنع 2/ 657 - 661، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 277،
وفتح المغيث 3/ 314 - 330، وتدريب الراوي 2/ 368 - 370، وشرح
السيوطي عَلَى ألفية العراقي 270، وفتح الباقي 3/ 259 - 263،
وتوضيح الأفكار 2/ 500 - 502.
(1/490)
هَذَا مِنْ أجَلِّ نوعٍ وأفْخَمِهِ فإنّهُ
المَِرْقَاةُ (1) إلى مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الحَدِيْثِ وسَقَمِهِ
ولأهلِ المَعْرِفَةِ بالحديثِ فِيهِ تصانيفُ كثيرةٌ.
مِنْها: مَا أُفرِدَ فِي الضُّعفاءِ: ككتابِ " الضُّعَفاءِ "
للبخاريِّ، و " الضُّعفاءِ " للنَّسائيِّ، و " الضُّعفاء "
للعُقَيْليِّ وغيرِها.
ومنها: فِي الثِّقاتِ فَحَسْبُ: ككتابِ " الثِّقاتِ " لأبي
حاتِمِ بنِ حِبَّانَ.
ومنها: مَا جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ الثِّقاتِ والضُّعفاءِ: ك"
تأريخِ البُخَارِيّ "، و" تاريخُ بنُ أبي خَيْثَمَةَ " - وما
أغْزَرَ فَوَائِدَهُ -، وكتابِ " الجَرْحِ والتَّعديلِ " لابنِ
أبي حاتِمٍ الرَّازِيِّ (2).
رُوِّينا عنْ صالحِ بنِ محمدٍ الحافظِ جَزَرَةَ قَالَ: أَوَّلُ
مَنْ تكَلَّمَ فِي الرِّجَال: شُِعبةُ ابنُ الحَجَّاجِ، ثُمَّ
تَبِعَهُ يَحْيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، ثُمَّ بَعْدَهُ
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، ويَحْيَى بنُ مَعِينٍ (3). وهؤلاءِ
قلتُ: يعني أنّهُ أَوَّلُ مَنْ تَصدَّى لِذلِكَ وعُنِيَ بِهِ
وإلاّ فالكلامُ فيهِم (4) جَرْحاً وتَعديلاً مُتقدِّمٌ ثابتٌ
عنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عَنْ كثيرٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ والتابعينَ فمَنْ بَعْدَهم وجُوِّزَ ذَلِكَ
صَوناً للشَّريعةِ ونَفْياً للخطأِ والكَذِبِ عَنْهَا (5).
وكما جازَ الجَرْحُ فِي الشُّهودِ جازَ فِي الرُّواةِ.
وَرُوِّيتُ (6) عَنْ أبي بَكْرِ بنِ خَلاَّدٍ قَالَ: قلتُ
ليَحْيَى بنِ سعيدٍ: أما تخشَى أنْ يكونَ هؤلاءِ الذينَ تركتَ
حديثَهم خُصَماءَكَ عِنْدَ اللهِ يومَ القيامةِ؟ فَقَالَ:
لأَنْ يكونوا خُصَمَائي أحَبَّ إليَّ مِنْ أنْ يكونَ خَصْمي
رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لي: ((لِمَ لَمْ
تَذُبَّ الكَذِبَ عَنْ حديثي)) (7). ورُوِّينا أَوْ بَلَغَنا
أنَّ أبا
__________
(1) المرقاة - بالفتح والكسر - الدّرجة، يقال: ترقّى في العلم،
أي: رقي فيه درجةً درجة، انظر: اللسان 14/ 332.
(2) انظر كلاماً نافعاً عن هذه الكتب: بحوث في تاريخ السّنّة
90 - 123.
(3) الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع (1612)، وراجع المحاسن
589.
(4) في (ع) والتقييد: ((فيه)) وما أثبتناه من النسخ و (م)
والشذا.
(5) راجع شرح التبصرة والتذكرة 3/ 279.
(6) في (ب): ((روينا)).
(7) أورده ابن عدي بسنده في مقدمة الكامل 1/ 186، والخطيب في
الكفاية: (90 ت، 44 هـ).
(1/491)
ترابٍ النَّخْشَبِيَّ (1) الزاهدَ سَمِعَ
مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ شيئاً منْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ:
((يا شيخُ! لا تغتاب (2) العُلَمَاءَ. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ!
هَذَا نَصِيحَةٌ لَيْسَ هَذَا غِيبَةً)) (3). ثُمَّ إنَّ عَلَى
الآخِذِ فِي ذَلِكَ أنْ يتَّقيَ اللهَ تباركَ وتعالى
وَيَتَثبَّتَ ويَتوقَّى التَّساهلَ كَيْلا يَجْرَحَ سَلِيماً
ويَسِمَ بريئاً (4) بسِمَةِ (5) سَوْءٍ يَبْقَى عَلَيْهِ
الدهرَ عَارُها (6). وأحسبُ أبا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرحمانِ بنَ
أبي حاتِمٍ وَقَدْ قِيلَ: إِنّهُ كَانَ يُعَدُّ مِنَ الأبدالِ
منْ مِثلِ مَا ذَكَرناهُ خافَ، فِيْمَا رُوِّيناهُ أَوْ
بَلَغَنا (7) أنَّ يوسُفَ بنَ الحُسَينِ الرازيَّ وَهُوَ
الصُّوفيُّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقرأُ كتابَهُ فِي "
الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ ". فَقَالَ لَهُ: كم مِنْ هؤلاءِ
القَوْمِ قَدْ حَطُّوا رواحِلَهم فِي الجنَّةِ منذُ مئةِ سنةٍ
ومئتي سنةٍ وأنتَ تَذْكُرُهُمْ وتغتابهم؟ فَبَكَى عَبْدُ
الرَّحمانِ (8). وبَلَغَنا أَيْضَاً أنَّهُ حُدِّثَ، وَهُوَ
يَقْرأُ كتابَهُ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِينٍ أنّهُ قَالَ: ((إنا لَنَطْعُنُ عَلَى أقوامٍ لعلَّهم
قَدْ حَطُّوا رِحَالَهم فِي الجنَّةِ منذُ أكثرَ مِنْ مئتي
سنةٍ)). فَبَكى عَبْدُ الرحمانِ وارتَعَدَتْ يَدَاهُ حَتَّى
سَقَطَ الكتابُ منْ يَدِهِ (9).
__________
(1) هو أبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي، توفّي سنة (245 هـ)،
انظر السير 11/ 545.
(2) هكذا في الأصول الخطية و (م) و (ع) والشذا والكفاية (92 ت،
45 هـ) والمقنع 2/ 659، وشرح التبصرة 3/ 279، ومثله في طبقات
الحنابلة 1/ 249. وظاهر السياق أنه نهيٌ فالقياس: ((لا تغتب)).
وجاء في حاشية المحاسن 590: ((أنّ توجيهه أن تكون لا: نافية،
خرجت إلى النهي)). وضبط النص في التقييد هكذا: ((لا تغتابُ
العلماءُ)) ضبط قلمٍ، وجاءت الرّواية في اختصار علوم الحديث 2/
666 بلفظ: ((أتغتاب العلماء؟!)).
وفي فتح المغيث 3/ 266 بلفظ: ((لا تغتب الناس)). وفي تدريب
الرّاوي 2/ 399 بلفظ: ((لا تغتب الْعُلَمَاء))، وقارن بحاشية
محقق الرفع والتكميل: 54.
(3) أخرجه الخطيب في الكفاية: (92 ت، 45 هـ)، وراجع المحاسن:
590.
(4) في (ب) و (ع) والتقييد: ((برياً)) بتسهيل الهمزة وتشديد
الياء، وهو جائز أيضاً.
(5) في (م): ((بسمعة)).
(6) قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: 344: ((أعراض المسلمين
حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدّثون
والحكام)).
(7) في (ع) والتقييد: ((بلغناه)).
(8) أخرج هذه القصة الخطيب في الكفاية: (82 - 83 ت، 38 هـ)
وتكملة القصة كما في الكفاية:
((فبكى عبد الرحمان وقال: يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل
تصنيفي هذا الكتاب لما صنفته)).
(9) أخرجها الخطيب في الجامع (1613).
(1/492)
قلتُ (1): وَقَدْ أخطأَ فِيهِ غَيْرُ واحدٍ عَلَى غَيْرِ واحدٍ
فجَرَحُوهُم بما لا صِحَّةَ لَهُ. ومِنْ ذَلِكَ: جَرْحُ أبي
عَبْدِ الرحمانِ النَّسائيِّ لأحمدَ بنِ صالحٍ وَهُوَ حافظٌ
إمامٌ ثِقَةٌ (2) لا يَعْلَقُ بِهِ جَرْحٌ أخرجَ عَنْهُ
البُخَارِيُّ فِي " صحيحِهِ ". وقدْ كَانَ منْ أَحْمَدَ إلى
النَّسائيِّ جَفاءٌ أفسَدَ قلبَهُ عَلَيْهِ. وَرُوِّينا عَنْ
أبي يَعْلَى الخليليِّ الحافظِ قَالَ: ((اتَّفقَ الحُفَّاظُ
عَلَى أنَّ كلامَهُ فِيهِ تحامُلٌ ولا يَقْدَحُ كلامُ أمثالِهِ
فِيهِ)) (3).
قلتُ: النَّسائيُّ إمامٌ حُجَّةٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ،
وإذا نُسِبَ مِثْلُهُ إلى مثلِ هَذَا كَانَ وَجْهُهُ أنَّ
عَيْنَ السُّخْطِ تُبدِي مَسَاوِيَ (4) لها فِي الباطنِ
مَخارِجُ صَحِيْحَةٌ تُعْمَى عَنْهَا بحِجابِ السُّخْطِ، لا
أنَّ ذَلِكَ يقعُ منْ مثلِهِ تَعَمُّداً لِقَدْحٍ يَعْلَمَ
بطلانَهُ (5)، فاعلمْ هَذَا فإنَّهُ منِ النُّكَتِ النَّفيسةِ
المهمّةِ.
وَقَدْ مَضَى الكلامُ فِي أحكامِ الجَرْحِ والتَّعدِيلِ فِي
النَّوعِ الثَّالِثِ والعشرينَ، واللهُ أعلمُ. |