شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير

شرح ألفية الحافظ العراقي (3)
الصحيح الزائد على الصحيحين - المستخرجات - مراتب الصحيح

الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مع أن في شروطهم شيء من التساهل؛ لأنهم يجتمعون في -يعني ابن حبان وابن خزيمة- في إدراج الحسن في الصحيح وهذا تساهل، وأيضاً شرطهم في قبول الرواة أخف من شرط الصحيح الذي تقدم ذكره.
بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة. . . . . . . . .
قدم ابن حبان على ابن خزيمة على أنه أمكن منه، ابن خزيمة أمكن من ابن حبان، وأقوى شرط، وكتابه أصح، وابن خزيمة أقدم، فلماذا قدم ابن حبان؟ قدمه لأن كتابه موجود كامل، كتاب ابن خزيمة لا يوجد منه إلا قدر الربع، هذا ما قرره الشراح، وابن حجر نص على أنه لا يوجد منه إلا قد الربع، فقدم ابن حبان؛ لأنه كتاب كامل يستفاد منه بجميع أبواب الدين، بخلاف صحيح ابن خزيمة، ولو قلنا: إن النظم اضطره إلى هذا لما بعد، "وابن خزيمة" صرف للضرورة "وكالمستدركِ" للإمام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله، الحافظ النيسابوري، وابن حبان أبو حاتم محمد بن حبان البستي، وابن خزيمة إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، أئمة من أئمة المسلمين.
بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... . . . . . . . . .
وصفه بالزكاء لعلو قدره في هذا الشأن، الزكاء النماء والزيادة، قدره زائد في هذا الشأن، وابن خزيمة إمام الأئمة يلقبه العلماء من القدم بهذا اللقب، وممن يلقبه بهذا شيخ الإسلام ابن تميمة -رحمه الله-.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وكالمستدرك
للحاكم، المستدرك على الصحيحين كتاب ألفه الإمام الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري؛ ليستدرك به على الصحيحين مما فاتهما، مما هو على شرطهما، وسيأتي ما في كلامه في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
على تساهلٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .

(3/1)


على تساهل ممن؟ من الثلاثة أو من المستدرك؟ نعم؟ واقع الثلاثة واقع الكتب الثلاثة يشهد بأنهم كلهم متساهلون، على تساهل، لكن ظاهر السياق يدل على أنه يريد الحاكم، قال: "على تساهلٍ" ولذلك عطف عليه فيما بعد البستي ابن حبان، وإلا لو أراد الجميع، قال على تساهل يشمل الجميع، على تساهل من الحاكم في تطبيق الشرط الذي اشترطه، والخطة التي اختطها لنفسه، ففي المستدرك كثير من الأحاديث الضعيفة، وفيه بعض الموضوعات، ولذا وصف بالتساهل "على تساهل وقال" من الفاعل؟ فاعل قال؟ ابن الصلاح "كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما" ... إلى آخره، وقال -يعني ابن الصلاح-: "ما انفرد"، به يعني الحاكم "فذاك حسن ما لم يرد بعلة"، وقال ابن الصلاح: ما انفرد به الحاكم فهو حسن.

(3/2)


ابن الصلاح يقول: ما في كتاب الحاكم مما انفرد بتصحيحه ولم يوافقه عليه أحد من الأئمة على تصحيحه، ولم نقف فيه على علة فهو دائر بين الصحيح والحسن، وهنا جزم نقلاً عن ابن الصلاح أنه حسن، لماذا؟ كأنه يرى أن التوسط في أمره هو المطلوب، الحديث الذي نجده في المستدرك، وتفرد الحاكم بتصحيحه، ولا وافقه عليه أحد من أهل العلم، ولم نطلع فيه على علة نحكم عليه بالحسن، لماذا؟ لأنه ليس لنا أن ننظر في أسانيده؛ لأنه على رأي ابن الصلاح ليس لنا النظر في الأسانيد "ما لم يرد بعلة" يقول الحافظ العراقي: "والحق أن يحكم بما يليق" وهذا جارٍ في كل كتاب ما عدا الصحيحين، حديث صححه الترمذي قال: حسن صحيح، وعرفنا ما في كلام أهل العلم من تساهل الترمذي، حديث حكم عليه ابن حبان بأنه صحيح، ابن خزيمة، وجد في سنن أبي داود أو في مسند أحمد الحق أن ندرس هذه الأسانيد ونحكم على كل حديث بما يليق به، فإن صح سنده باكتمال الشروط قلنا: صحيح، إن خف شرط الضبط قلنا: حسن، إن تخلف شرط من الشروط قلنا: ضعيف "والحق أن يحكم بما" أن يحكمْ بالتسكين، وهذه لغة عند بعض العرب يجزمون بـ (أن) "والحق أن يحكم بما يليق" يعني بما يليق به من مرتبة ودرجة بعد النظر في الأسانيد والمتابعات والشواهد والموافقة والمخالفة "والبستي" يعني بذلك ابن حبان، يعني بذلك أبا حاتم محمد ابن حبان البستي "يداني الحاكما" يعني يقرب من الحاكم في تساهله، وإن كان ابن حبان أمثل من الحاكم بكثير، لكنه يدانيه ويقاربه في تساهله؛ نظراً لخفة شرطه، وأيضاً في تطبيقه لما اشترطه شيء من التخلف في بعض المواضع، وماذا عن صحيح ابن خزيمة؟ وقد ذكره كأنه عنده سالم من التساهل؛ لأنه نص على تساهل الحاكم، وقال: إن البستي ابن حبان يداني الحاكم، لكن كأن صحيح ابن خزيمة ما فيه تساهل، وإذا نظرنا في واقع الكتاب وجدنا فيه شيء من التساهل، فتجده أدخل في صحيحه مما لم يتعقبه مما حكم بضعفه أو حسنه وهذا تساهل، لكنه أمثل بكثير من ابن حبان والحاكم.
الاقتراح الوارد من بعض الإخوة أننا نقرأ نصيب الدرس اللاحق قبل أن يتم حفظه على الصحيح على الصواب؛ لأن وإن كانت هذه النسخة مضبوطة ومتقنة لكن ما يمنع أن تقرأ.

(3/3)


وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

المستخرجات:
وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ
عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا
وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ
وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من مظان الصحيح التي سبق الحديث عن بعضها المستخرجات, والمستخرجات جمع مستخرج، والمستخرج اسم مفعول من الاستخراج، والاستخراج: أن يعمد حافظ أو عالم مسنِد إلى كتاب معتبر من كتب السنة الأصلية فيخرج أحاديثه بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب الأصلي.

(3/4)


أن يعمد حافظ عالم مسنِد إلى كتاب معتبر كالصحيحين والسنن وغيرها من الكتب الأصلية التي تروى الأحاديث فيها بالأسانيد فيخرج أحاديث الكتاب الأصلي بأسانيده هو، أو بسنده هو من غير طريق صاحب الكتاب، فيأتي إلى صحيح البخاري ويصنف عليه مستخرج، أو يأتي إلى صحيح مسلم ويضع عليه مستخرجاً، فيبدأ الإسناد بشيخه هو، ثم بشيخ شيخه إذا كان متأخراً، ثم بشيخ المصنف مصنف الكتاب من غير مرور بصاحب الكتاب، يعني من غير طريق صاحب الكتاب، يلتقي مع المصنف الأصلي بشيخه أو يلتقي معه بشيخ شيخه أو يلتقي معه ولو في الصحابي، المقصود أنه لا يخرج الحديث من طريق صاحب الكتاب، إن خرج الحديث من طريق صاحب الكتاب فليس باستخراج، قد يضيق على المستخرج الأمر فلا يجد طريق يخرج به الحديث في مستخرجه إلا من طريق صاحب الكتاب الأصلي، يعجز أن يصل إلى شيخ المصنف، مصنف الكتاب الأصلي إلا من طريق المؤلف، إذا عجز في هذه الحالة فإما أن يعلق الحديث، يحذف جميع السند؛ لأن إيراده بإسناد مؤلف الأصل ما له قيمة، الحديث موجود في الكتاب الأصلي، فإما أن يعلق الحديث ويذكره بدون إسناد، عله أن يقف على إسناد فيما بعد يوصله إلى الحديث من غير طريق المؤلف الأصلي، أو يحذف الحديث بالكلية؛ لأن شرط الاستخراج لا ينطبق عليه، أو يورده من طريق صاحب الكتاب من باب التتميم واستيعاب جميع أحاديث الكتاب الأصلي، هذا هو الاستخراج.
يقول -رحمه الله تعالى-:
المستخرجات:

(3/5)


"واستخرجوا" يعني أهل العلم بالحديث الذين لديهم الرواية بالأسانيد، قد يوجد كتاب متقدم وكتاب متأخر، الأول بدون إسناد، المتقدم بدون أسانيد، والثاني بالأسانيد، مثل: الفردوس، ومسند الفردوس، الفردوس دون أسانيد، ومسنده بالأسانيد، هل نقول: إن هذا مستخرج؟ هل هذا مستخرج؟ لا، ليس بمستخرج، المتقدم .. عندنا كتب أصلية وكتب فرعية، هذا الكتاب المتقدم الذي ألف بدون أسانيد والمتأخر الذي أُلف بالأسانيد في اصطلاح أهل العلم أيهما الأصل وأيهما الفرع؟ الكتاب الأصلي المتأخر الذي فيه الأسانيد هو الأصل، يوجد كتاب متأخر يروي بالأسانيد وهو فرع، نسميه فرع وليس بأصل، والأحاديث فيه بالأسانيد، بأسانيد المؤلف، لكن بالمرور على أحد المصنفين كالبيهقي والحاكم والبغوي وغيرهم فتجد البيهقي يخرج أحاديث كثيرة جداً عن طريق الأئمة، تجد في سنن البيهقي حديث يرويه بإسناده هو ثم بعد راويين أو ثلاثة قال: حدثنا محمد بن إسماعيل ثم يذكر سند البخاري والحديث في البخاري، وقل مثل هذا في البغوي، وقل مثل هذا في المستدرك، لكن المستدرك ما يروي عن طريق البخاري ولا مسلم، لماذا؟ لأنه يستدرك عليهم مما فاتهم هذا الأصل، وقد يغفل فيخرج حديثاً -وقد حصل- هو موجود في الصحيحين أو في أحدهما، وهذا غفلة عن أصل موضوع الكتاب، المقصود أن الكتب الأصلية عند أهل العلم هي التي تروى فيها الأحاديث بالأسانيد، هذه هي الكتب الأصلية وهي التي يستفاد منها الفائدة المرجوة من هذه الكتب؛ لأن الأسانيد هي التي يعول عليها ويعتمد عليها في الإثبات والنفي في التصحيح والتضعيف، أما حذف الأسانيد فقد جاء متأخراً؛ ليسهل الحفظ على طلاب العلم، قد يقول قائل: الآن المستخرجات بهذه الصورة التي سمعناها ما فائدتها؟ ويش معنى أن يأتي أبو عوانة ويستخرج على صحيح مسلم؟ ويش الفائدة هل مسلم بحاجة إلى أن يدعم بأسانيد؟ أو يستخرج أبو نعيم على البخاري مثلاً، أو البرقاني على البخاري، أو غيرهم ممن استخرج على الصحيحين أو على أحدهما؟ هل البخاري بحاجة إلى أن يدعم بمزيد من الأسانيد؟ ويش الفائدة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يأتي ذكر هذه الفوائد -إن شاء الله تعالى-.

(3/6)


يقول:
وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ
"كأبي عوانة" مثال، وأبي عوانة استخرج على صحيح مسلم وهو يسمى كتابه: "المستخرج على صحيح مسلم" ويسمى أيضاً: "صحيح أبي عوانة"، ويسمى أيضا: "مسند أبي عوانة"، المسند بالمعنى المعروف عند أهل العلم في الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد كما سمى الإمام البخاري كتابه: "الجامع الصحيح المسند" فهم مصنف على الأبواب كأصله، "كأبي عوانة ونحوه" ونحوه مما صنف كأبي نعيم والبرقاني والنيسابوري وغيرهم "واجتنب"
عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا
يقول الحافظ -رحمه الله-: "اجتنب عزوك ألفاظ المتون لهما * إذا خالفت لفظاً ومعنى ربما"، هذا المستخرج حينما يستخرج على البخاري أو على مسلم بأسانيده هو وبألفاظ شيوخه لا بألفاظ البخاري أو شيوخ البخاري عند تجاوزه لهم، ولذا يوجد في المستخرجات المخالفة الكثيرة في الألفاظ والمخالفة القليلة في المعاني ولذا يقول: "واجتنب عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا" لا تأتي إلى حديث في مستخرج أبي عوانة تقول رواه مسلم، ولا في مستخرج أبي نعيم تقول رواه البخاري لا لماذا؟ لأنها رويت من غير طريق صاحب الكتاب، فلا بد من أن يوجد المخالفة في اللفظ بينما في المستخرج وبينما في الأصل وهذا كثير، وقد توجد المخالفة في المعنى وهذا قليل "إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما".

(3/7)


فلا تقل في حديث خرجه أبو عوانة في مستخرجه أخرجه مسلم، ولا تقل في حديث خرجه أبو نعيم في مستخرجه أخرجه البخاري؛ لأنها وجدت فيها المخالفة، "إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما"، لفظاً ومعنى ربما، ربما هذه للتقليل أو للتكثير؟ يعني تأتي للتقليل وتأتي للتكثير، تأتي للتقليل وتأتي للتكثير، إذا قلت: ربما ينجح المفرط، هذا ايش تقليل، لكن: ربما يود الذين كفروا، هذا تكثير، وعندك في البيت "إذ خالفت لفظ ومعنى ربما" للتقليل وإلا للتكثير؟ قلنا المخالفة اللفظية كثيرة، والمخالفة المعنوية قليلة فهل نقول هي للتكثير أو للتقليل هنا أو لهما معاً؟ لهما معاً، لكن ما الذي يترتب على هذا، ما الذي يترتب على هذا؟ في قولنا: إنها لهما معاً يترتب عليه استعمال اللفظ الواحد في معنييه، استعمال اللفظ في معنييه، يجوز وإلا ما يجوز؟ اللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه؟ يجوز أن تقول عندي عين وتقصد بها الذهب والجارية؟ أو تقول عندي عين وتقصد بها الباصرة والذهب، يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم خلونا في كلام أهل العلم نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز تقول عندي عين وتقصد بها الجارية والذهب، إذا قلت عندي عيون هذا الدلالة على الأفراد من الجمع لا إشكال فيه، لكن إذا قلت عندي عين وهذا لفظ مشترك له أكثر من معنى، فهل يجوز في آن واحد أن تطلق اللفظ وتريد به أكثر من معنى؟ في معانيه نعم أنا الآن إذا قلت مثلاً عندي عين فمنكم من يفهم أني أقصد الباصرة، ومنكم من يفهم أن عندي عين جارية ماء، ومنكم من يفهم أن عندي ذهب، ومنكم من يفهم بالجميع نعم لا يجوز؟ هذا قول جمهور أهل العلم أنه لا يجوز، ومن أجازه من أهل العلم؟ الشافعية يجيزونه، الشافعية يجيزونه والمؤلف الناظم شافعي، الناظم شافعي، فعلى هذا تعود ربما على الأمرين، على اللفظ والمعنى في المخالفة اللفظية كثيرة والمخالفة المعنوية قليلة، وتكون للتقليل وتكون المراد بها المخالفة المعنوية فقط لكن نحتاج إلى تقدير، نحتاج إلى تقدير في المخالفة اللفظية.
طالب:. . . . . . . . .

(3/8)


لا، يلزم عليه أن المخالفة في كل حديث اللفظية، هذا يلزم عليه أن المخالفة توجد في كل حديث وليس الغالب هذا لكنه كثير، انتبهت، وليس هو الغالب المخالفة يجي كلامك وإلا ما يجي، "إن خالفت لفظاً ومعنى ربما" "وما تزيد" هذه المستخرجات في بعض النسخ وما يزيد المستخرج "فاحكمن بصحته"، فاحكمن بنون التوكيد الخفيفة "بصحته" إذا قلنا أن المستخرج يروي الحديث بإسناده هو، وزاد المستخرج جملة على ما في الكتاب الأصلي، في الحديث زاد المستخرج من طريق شيوخه من غير مرور بالمؤلف الأصلي زادت جملة هل نحكم بزيادة هذه الجملة؟ بصحتها؟ مقتضى قوله تبعاً لابن الصلاح "وما تزيد" الزيادة ثابتة فيه زيادات جمل، لكن هل هذه الزيادات محكوم بصحتها، مقتضى قوله أننا نحكم بصحتها مطلقاً "وما تزيد فاحكمن بصحته"، تبعاً لأن الأصل صحيح، لكن الزيادة هل يحكم بصحتها مطلقاً من غير نظر؟ وهل التزم أصحاب المستخرجات الصحة، وأنهم لا يروون إلا عن الثقات الأثبات؟ لم يلتزموا هذا، وعلى هذا لا يحكم بصحة المزيد حتى ينظر في حاله، فإن ثبت عند النقد بثقة رواته واتصال إسناده مع عدم المخالفة حكمنا بصحته وإلا فلا، يوجد في رواة المستخرجات الضعيف ويوجد فيها شديد الضعف، خرج أبو نعيم لمحمد بن الحسن ابن زبالة وهو متروك وغيره خرج بضعفه، وعلى هذا قوله "وما تزيد فاحكمن بصحته"، هذا تبع فيه الحافظ العراقي ابن الصلاح، وهذا مما ينتقد بل لا يحكم عليه حتى ينظر في أمره.

(3/9)


إذا زاد جملة لا توجد في الأصل فإن هذه الزيادة إن كانت من ثقة فهي مقبولة وإلا فلا "فهو" يعني الزيادة أو المزيد "مع العلو من فائدته"، من فائدة المستخرجات "من" لتبعيض فذكر الناظم -رحمه الله تعالى- من فوائد المستخرجات تبعاً لابن الصلاح ذكر فائدتين الزيادة في الألفاظ في المتون، وعلو الأسانيد، هذه من فوائد المستخرجات، الزيادة عرفناها أن المستخرج إذا روى حديثاً من غير طريق صاحب الكتاب فالشيخ الذي من طريقه روي الحديث قد يسوق الحديث بلفظ مغاير وهذا كثير، وقد يكون فيه بعض الجمل التي لا توجد في الأصل، وقد يوجد بعض الألفاظ المغايرة للفظ الأصل، النبي -عليه الصلاة والسلام- "ضحى بكبشين أقرنين ثمينين" وإلا "سمينين" في الكتاب الأصل في الصحيح؟ نعم "سمينين" وفي المستخرج "ثمينين"، هل نقول أن هذه مرده إلى خطأ الراوي أو إلى تصحيف مصحف، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بهذين الكبشين السمينين كما جاء في الصحيح الثمينين كما جاء في المستخرج؟ فالمستخرجات فيها فوائد كثيرة منها الزيادة، فيها زيادة كلمات وزيادة جمل وأحكام، هذه من فوائد المستخرجات لكن لا تقبل إلا إذا ثبتت في النقد، بثقة رواتها واتصال أسانيدها وعدم المخالفة. أيضاً العلو وهذا فيما يظهر من صنيع أصحاب المستخرجات الهدف الأول عندهم العلو له شأن، علو الأسانيد ويتعبون ورائه، ويرحلون من أجله، ولا شك أن العلو أفضل من النزول، والمراد بالعلو قلة الرواة وقلة الوسائط بين المؤلف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أمثلة العلو قالوا: لو روى أبو نعيم حديثاً في مصنف عبد الرزاق من طريق البخاري لما وصل إلى عبد الرزاق إلا بأربعة ما يصل إلا إلى عبد الرزاق إلا بأربعة رواة، فإذا روى الحديث من طريق الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق وصل إليه باثنين هذه فائدة للعلو، والعلو كما ذكرنا له شأن عند أهل الحديث، فذكر المؤلف هاتين الفائدتين، وأوصلها الحافظ بن حجر -رحمه الله- إلى عشر فوائد، والسخاوي في نكته على الألفية مع شرحها إلى عشرين فائدة، إلى عشرين فائدة من فوائد المستخرجات.

(3/10)


مما ذكروه من الفوائد: تمييز المهمل، فتجد البخاري يروي الحديث عن محمد، محمد ابن من؟ ما ذكر ويختلف فيه الشراح ويختلف فيه من صنف في رجال الصحيح، ثم يأتي في المستخرج مستخرج أبي نعيم عن محمد بن بشار مثلاً أو غيره هذا تمييز للمهمل يستفاد من المستخرج تعيين المبهم أحياناً يكون في السند راوي مبهم ويأتي تعيينه في المستخرج تصريح المدلس بالتحديث والسماع، هذه فائدة عظيمة وكثير من المدلسين من رجال الصحيح رووا بالعنعنة فيصرح في رواية المستخرج بالتحديث فتنتفي تهمة تدريسه إلى غير ذلك من الفوائد المدونة في الكتب.
وَالأَصْلَ يَعْني والبيهقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا
عندنا بعض العلماء الذين ألفوا في السنة من المتأخرين من بعد الأئمة وهم يروون الأحاديث بالأسانيد وقد يعزون هذه الأحاديث إلى مصادرها كالبيهقي مثلاً، يروي الحديث بإسناده ويقول: رواه البخاري، أو رواه مسلم ومثله البغوي في شرح السنة يفعل هذا يروي الحديث بإسناده من شيخه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقول: رواه محمد عن فلان، ورواه مسلم عن فلان ورواه مسلم عن فلان محمد البخاري.

(3/11)


البيهقي والبغوي ومن حذا حذوهما في العزو إلى الأئمة يقصدون أصل الحديث، لا يقصدون لفظ ما في الصحيح؛ لأن جل اعتمادهم على المستخرجات، ولذا لا يحسن أن تعزو حديثاً للبخاري وقد أخذته من البيهقي أو من البغوي مثلاً، لا يحسن أن تعزوه إلى الأصل حتى تطابق اللفظ الذي عند البيهقي بما في الصحيح، وقل مثل هذا ممن اعتمد على المستخرجات وحذف الأسانيد كابن الأثير في جامع الأصول، ابن الأثير يعتمد على المستخرجات، يعتمد على مستخرجات ويعزو إلى الأصول الستة، فإذا قابلت ما عزاه إلى البخاري بما في صحيح البخاري وجدت بعض الاختلاف، فهو يريد أصل الحديث ولو أن ابن الأثير جمع جامعه من الكتب الأصلية مباشرة دون وسائط لكان نفعه أعظم، ولذا ما زالت الحاجة قائمة إلى جامع يجمع هذه الكتب من الكتب الأصلية ليكون الإنسان على طمأنينة من العزو إلى الأئمة، والأمر سهل والكتب مخدومة الآن بالأطراف وبالإحالات بإمكان طالب العلم البارع الدقيق أن يجمع بين الكتب الستة بكل سهولة ويعتمد على الكتب الأصلية، لا يعتمد على وسائط، ولذا قال الحافظ -رحمه الله تعالى- "وَالأَصْلَ يَعْني والبيهقي وَمَنْ عَزَا" هؤلاء الذين يعزون إلى الكتب الأصلية يريدون أصل الحديث لا يريدون لفظ الحديث لوجود من يعتمد منهم على المستخرجات دون الأصول، "وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا"، الحميدي له كتاب اسمه: "الجمع بين الصحيحين" جمع بين الصحيين، واعتمد على المستخرجات، قد يقول قائل: هل الكتب مفقودة الكتب الأصلية مفقودة بالنسبة لهؤلاء الأئمة الذين تجاوزها واعتمدوا على المستخرجات؟ هل هو خلل في التصنيف أن يعتمد على المستخرج وعلى صحيح البخاري والبخاري عنده موجود؟ وإلا فما الداعي لمثل هؤلاء الأئمة الكبار أن يعتمدوا على المستخرجات والكتب الأصلية بين أيديهم؟ ما الداعي؟ نعم الحاجة إلى الزيادات في هذا المستخرجات وغير ذلك نعم.
طالب:. . . . . . . . .

(3/12)


كيف؟ الآن هو يعزو إلى البخاري ما يعزو إلى أبي نعيم، يعزو إلى البخاري واستفاد الحديث من أبي نعيم قد يكون اللفظ مثلاً عند أبي نعيم أوضح وقد يكون من أجل الزيادة التي عند المستخرج، المقصود أنهم ألفوا على هذه الطريقة وتعليلاتهم ذهبت معهم لكن لا بد من الالتماس لهم وإلا فالكتب الأصلية موجودة ويش يعني أني أعتمد على مستخرج وأقول رواه البخاري قد يكون هذا، وهذا أيضاَ يجاب به فيما إذا كان الحديث متفق عليه، فيرجع إلى كتاب واحد من كتب الجمع بين الصحيحين أو المستخرج على الصحيحين من كتب المستخرج على الصحيحين كما فعل أبو نعيم استخرج على الصحيحين معاً، لكن ماذا فيما لو رجع إلى مستخرج على صحيح البخاري فقط، أو مستخرج على صحيح مسلم فقط، ولذا تمنى أهل العلم أن يكون هؤلاء الأئمة اعتمدوا على الأصول وريحوا طلاب العلم من الرجوع إلى الأصول؛ لأن البيهقي بحر محيط لو أن مؤلفه -رحمه الله تعالى- اعتمد على الأصول وجمع بين هذه الأصول وإذا عزا على البخاري وجدته بالحرف، وإذا عزا على مسلم وجدته بالحرف، عزا إلى أبي داود أو روى الحديث عن طريق النسائي أو عن طريق الترمذي وجدته بالحرف ريحك جمع لك الأحاديث كلها في مكان واحد في باب واحد، وقل مثل هذا عند البغوي وإن كان أقل من البيهقي، قل مثل هذا في جامع الأصول لو أن ابن الأثير اعتمد على الأصول ما اعتمد على المستخرجات لكان نفعه أعظم، وإذا وجد زيادة جملة وإلا زيادة لفظ أو لفظ أوضح عند المستخرج يقول: زاد فلان ويش المانع؟ ليكون هذا أفضل، "وليت إذ زاد الحميد ميزا" يقول: "وليت إذ زاد الحميد ميزا" الحميدي حينما اعتمد على المستخرجات وجمع بين الصحيحين على حد زعم الحافظ العراقي وابن الصلاح وجمع من أهل العلم يقول: إن الحميدي يزيد من المستخرجات ولا يبين هذه الزيادات، ولا يبين هذه الزيادات، ولذالك تمنى الناظم أن الحميدي ميز مفهومه أنه ميز وإلا ما ميز؟ ما ميز وقد ظُلم الرجل، فقد ميز؛ بل ميز بدقة، وظُلم في قولهم: "ليت إذ زاد الحميدي ميزا". وذكر في مقدمة كتابه أنه يعزو الألفاظ إلى أصحابها، مع أنه بشر قد يفوت عليه لفظ ما عزاه لكن هذا موجود عنده وعند غيره، وأنا أقول: ليت الحميدي

(3/13)


اعتمد على الأصول ولم يعتمد على المستخرجات بدلاً من أن يحتاج إلى تمييز أو عدم تمييز، يعتمد على الأصول ويسوقها بألفاظها وإن كان هناك زيادات في المستخرجات لا مانع أن يقول زاد أبو عوانة زاد أبو نعيم زاد البرقاني ما فيه إشكال، ومن أراد أن يجمع بين الصحيحين وطلاب العلم لهم اتجاه في مثل هذا يعنون في الألفاظ بعد الرجوع إلى المصادر الأصلية دون وسائط، يرجعون هم بأنفسهم دون مؤلفات غيرهم، وإذا تسير لهم الجمع بين الأصول كلها أو بين بعضها حسب ما يستطيعه الإنسان يحصل على ثروة عظيمة من السنة النبوية، بعض الناس يصعب عليه الحفظ، لكنه بالمعاناة وجمع المتفرق وأحياناً تفريق المجتمع بالمعاناة المقصود أنه يوجد عمل، فيثبت من النصوص الشيء الكثير وهو لا يشعر؛ لأن بعض الناس يصعب عليه أن يسمك كتاب ويردده حتى يحفظ، إما لأنه رجل ملول لا يصبر حتى يحفظ أو لأن الحافظة لا تسعفه، لكن إذا مسك الباب من صحيح البخاري ونظر في سنده ومتنه، ودونه عنده، ونظر إليه في صحيح مسلم ثم أضاف الزيادات في الأسانيد والمتون وصيغ الأداء وقارن بينها، ثم نظر إلى الحديث عند من يخرجه من أصحاب السنن وفعل به هكذا، إذا انتهى من الحديث فإذا به حافظ وهو لا يشعر، وإن لم يحفظ الأصول بأجرها وبجرها لكن يتكون لديه ملكة وأهلية، ويصير عنده ثروة بسبب المعاناة؛ لأن المعاناة تحفر العلم في الذهن حفر، والعلم كما يقول يحيى بن أبي كثير لا يستطاع براحة الجسم، يعني لا يدرك العلم من جاء بالبرامج وأدخلها في الحواسب والكمبيوترات وضغط زر وطلع الطرق كلها والرجال كلهم، يضغط الرز مرة ثانية وينسى كل شيء، وبمثل هذا لا يثبت علم، ومثلنا مراراً مثل من هو على السيارة مثلاً وهو سائر في شارع البطحاء مثلاً كم في شارع البطحاء من لوحة على المحلات التجارية ألوف مؤلفة ويراها واضحة ومكتوبة بألوان، لكن إذا انتهى من الشارع كم حفظ من لوحة كلها مرت عليه، هذا مثل الكمبيوتر تمر عليك مر السحاب وفي النهاية لا شيء، لكن جرب مرة واحدة شوف لك حديث مما أخرجه البخاري في عشرة مواضع أو عشرين موضع وقارن بين هذه المواضع إذا انتهيت فأنت حافظ للحديث؛ لأن العلم يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى

(3/14)


حفر، بهذه الطريقة يثبت العلم.
مراتب الصحيح:
وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا
شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي
وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ
يقول -رحمه الله تعالى-: مراتب الصحيح: الصحيح متفاوت، وله مراتب لا يمكن حصرها، لا يمكن حصرها فتفاوت مراتب الصحيح تبعاً لتفاوت التمكن من شروطه ولو قيل أن الأخبار تتفاوت تفاوتاً بعدد تفاوت رواته لو أن شخصاً جاءك بخبر، وثاني جاءك بخبر ثاني، وثالث جاءك بخبر ثالث ورابع وخامس وعاشر ومائة، هل هذه الأخبار في درجة واحدة أو متفاوتة؟ متفاوتة؛ لأنه لا يوجد راو مماثل لراو من جميع الوجوه، يمكن أن يوجد إنسان مطابق لآخر من جميع الوجوه؟ يمكن؟ ما يمكن فأخبار هؤلاء تتفاوت بقدر ما بينهم من التفاوت، ولذا قال: مراتب الصحيح: متفاوتة تفاوت بين، لكن هم يقربون، ويحصرون هذا التفاوت تبعاً لما قرروه في أصح الكتب، وترتيب الكتب حسب الأصحية، فعندهم صحيح البخاري الدرجة العليا، يليه مسلم، يليه أو داود، ثم الترمذي أو النسائي على خلاف ثم في النهاية ابن ماجة، الإمام أحمد شرطه في مسنده على ما سيأتي مطابق كما يقول شيخ الإسلام لشرط أبي داود يعني عند الاختلاف بين حديث يرويه الإمام أحمد وحديث يرويه أبو داود، يعني من حيث النظر إلى الكتب الحكم أو الترجيح بينهما يحتاج إلى دقة نظر بل أنظار من جهات متعددة، ونظراً لتشعب هذا الأمر حصروه في سبعة أشياء فجعلوا أرفع الصحيح ما اتفق عليه الشيخان مرويهما.

يقول الحافظ:
وأرفع الصحيح مرويهما ... . . . . . . . . .

(3/15)


يعني ما يتفق عليه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد، وهذا هو المعروف عند أهل العلم: "المتفق عليه"، لكن عندنا كتب، ونحتاج النظر في الأحاديث في غير الصحيحين، فأيهما أرفع ما يتفق عليه الشيخان، أو يتفق على تخريجه الجماعة؟ بما فيهم الشيخان، هم ما تعرضوا لهذا، هم تعرضوا بل ذكروا أن أرفع درجات الصحيح ما يتفق على تخريجه الشيخان من طريق صحابي واحد، وهذا هو المتفق عليه عند أهل العلم في قول عامة أهل العلم، وإن جعل المجد المتفق عليه -المجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام- جعل المتفق عليه ما يخرجه الشيخان وأحمد، فهل نقول ما يخرجه الشيخان وأحمد -مثلاً- أرفع مما يخرجه الشيخان فقط، وما يخرجه رابع معهم أرفع مما يخرجه ثلاثة إلى أن نصل إلى ما يوجد في جميع دواوين الإسلام، ونقول: إنه أرفع الصحيح؟ أو نقول: إنه إذا وجد الحديث في الصحيحين، فوجوده في غير الصحيحين، وعدم وجوده سواءٌ؛ لأن شرط بقية الكتب أدنى بكثير من شرط الصحيحين، اتفقت الأمة على الصحيحين بلا شك، لكن وجود الحديث في المسند يزيد الحديث، وإلا ينقصه؟ مع الصحيحين؟ إذن نقول: ما يخرجه من الأئمة أكثر يكون أرفع، هم ما نظروا إلى هذا، هم نظروا إلى أنه ما دام موجوداً في الصحيحين، فقد حاز أعلى درجات القبول، فوجوده في غيرهما لا يزيده ولا ينقصه؛ لأن شرط غير الصحيحين أدنى، شرط غير الصحيحين أدنى من شرط الشيخين، ولسنا بحاجة إلى الشرط الأدنى مع وجود الشرط الأعلى، وهذا هو السبب في كونهم يقولون: أرفع الصحيح مرويهما.
مقتضى هذا أن كل حديث مخرج في الصحيحين يأتي في الدرجة العليا، بغض النظر عن كونه فرداً؛ كحديث الأعمال بالنيات، أو كونه عزيزاً، أو كونه مشهوراً، أو متواتراً، يعني على مقتضى قوله:
وأرفع الصحيح مرويهما ... . . . . . . . . .
أن حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، أو: ((كلمتان خفيفتان على اللسان))، مثل حديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))، لا سيما وأن ما في الصحيحين مقطوع به كما سيأتي في الباب اللاحق:
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .
كالمتواتر.

(3/16)


اقتصارهم على ما ذكروا من الأنواع، أو الأقسام السبعة، أو المراتب السبع المتفق عليه؛ ما يتفرد به البخاري، ما يتفرد به مسلم، ما كان على شرطهما، ما كان على شرط البخاري، ما كان على شرط مسلم، ما صح عند غيرهما؛ سبعة، اقتصروا على هذا من أجل الحصر، لكن لو ذهبنا نشقق، ونفرع لن ينتهي الموضوع، ولذلك حسموا الموضوع بهذه الأقسام السبعة، مثل ما ذكرنا أن كل خبر مرتبته مرتبة رواته، وكل راو من الرواة له مرتبته الخاصة به؛ لأنه يستحيل أن يوجد راويان متطابقان من كل وجه، فكل خبر منزلته هي منزلة راويه، ولذا حصروا، وجزموا بأن هذه المراتب السبعة هي مراتب الصحيح، حسماً لكثرة التفريعات، والتشعبات التي لا تنتهي؛ ولذا يقول: "أرفع الصحيح مرويهما" يعني ما اتفق على تخريجه الشيخان من طريق صحابي واحد، وهذا شرط عندهم في تسمية الخبر: "متفق عليه"، وأحياناً يقول البغوي –أحياناً- في شرح السنة: هذا حديث متفق عليه؛ خرجه محمد عن أبي هريرة ومسلم عن ابن عمر، ويكون بهذا قد خالف الاصطلاح، ومادام يبين فلا مشاحة في الاصطلاح، والبغوي له مخالفات، منها هذا، ومنها ما سيأتي في تقسيمه أحاديث المصابيح.
وأرفع الصحيح مرويهما ... ثم البخاري. . . . . . . . .
ثم مروي الإمام البخاري؛ لما تقدم من تفضيله على مسلم "فمسلم" يأتي، يعني فمروي مسلم يأتي في الدرجة الثالثة "فما شرطهما حوى" يعني فما حوى شرط الشيخين، يأتي في الدرجة الرابعة، ثم في الخامسة شرط البخاري، ثم المرتبة السادسة شرط مسلم، ثم شرط غيرهما إذا وصل إلى الصحة.
المخرج في الصحيحين ما يحتاج إلى بيان، ولا إيضاح، يوجد الحديث في البخاري، ويوجد في مسلم من طريق صحابي واحد، وهذا الأرفع، يليه أن يكون الحديث من مفردات البخاري، يعني موجود في صحيح البخاري، يلي ذلك أن يكون الحديث موجوداً في صحيح مسلم، هذه ما فيها إشكال، كون الحديث مخرجاً في الصحيحين، أو في أحدهما ما يحتاج إلى بيان.

(3/17)


"فما شرطهما حوى" هذا الذي يحتاج إلى كلام كثير؛ ما المراد بشرطهما؟ ما المراد بشرطهما؟ اختلف العلماء في المراد بشرط الشيخين، فابن طاهر يرى أن شرط الشيخين: الحديث الذي اتفق على ثقة رواته، الحديث الذي اتفق على ثقة رواته، مع أن هذا القول منتقد؛ لأن في رواة الصحيحين من انتُقد ممن لم يتفق على ثقته، منهم من مُسَّ بضرب من التجريح الخفيف من قبل غيرهما، وأما الحازمي في شروط الأئمة الخمسة مع أنه لم ينص واحد من الشيخين على شرطه؛ مسلم بين شيئاً مما يشترطه في الكتاب لكنه لم ينص على ما يجلي الصورة المجتمعة بحيث نستطيع أن نستخلص منه شرط مسلم في صحيحه؛ نص على بعض الأمور، وقسم الرواة إلى طبقات، وقال: إنه يخرج أحاديث هؤلاء الطبقات عدا الطبقة الرابعة، وذكر أنه يخرج الحديث المعنعن، ويصححه لكن لا يكفي هذا، فهو ما نص على شرطه بدقة، جميع ما يحتاج إليه في الشرط، وأما البخاري فلم يذكر شيئاً، العلماء استقرؤوا الكتابين، وكل ظهر له ما يوجه به شرط الشيخين، فابن طاهر يرى أن شرط الشيخين تخريج الأحاديث المجمع على رواتها، المجمع على رواتها، وهذا فيه ما فيه؛ لأن من رواة الصحيحين؛ وإن استفاض على ألسنة الأئمة أن رواة الصحيحين جازوا القنطرة لكن تُكلم في بعضهم من قبل بعض الأئمة، وإن كان الحق مع الشيخين، لكن الكلام موجود، كما أنه تكلم في بعض الأحاديث، كما سيأتي في الباب اللاحق -إن شاء الله تعالى-، الحازمي في شروط الأئمة يقول: إن الرواة على طبقات، الرواة على طبقات: -
الطبقة الأولى: من جمعوا بين الحفظ، والضبط، والإتقان، وملازمة الشيوخ، هذه الطبقة الأولى العليا.
الطبقة الثانية: من جمعوا بين الحفظ، والضبط، والإتقان مع خفة ملازمة الشيوخ.
الطبقة الثالثة: من لازموا الشيوخ مع خفة يسيرة في الحفظ، والضبط، والإتقان، وفيهم من مُس بضرب من التجريح الخفيف.
والطبقة الرابعة: من فقدوا إيش؟ الآن عندنا الأولى من جمعوا بين الأمرين، والثانية من تخلف فيهم الملازمة، الثالثة من وجدت فيه الملازمة، وخف فيه الشرط الأول -اللي هو الحفظ، والضبط، والإتقان-، الرابعة: نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(3/18)


من فقد الشرطين، يعني مسوا بضرب من التجريح، وعرفوا بخفة، وبقلة ملازمة الشيوخ.
والخامسة: نفر من الضعفاء، والمجهولين؛ فهؤلاء هم طبقات الرواة عند الحازمي.
فالبخاري يستوعب أحاديث الطبقة الأولى، وينتقي من أحاديث الطبقة الثانية، يعني فرق بين الاستيعاب والرواية عند الراوي دون تردد، وبين أن ينتقى من حديثه ما يوافق عليه، ويجزم بأنه حفظه، وضبطه.
مسلم يستوعب أحاديث الطبقتين، وينتقي من أحاديث الطبقة الثالثة، التي هي شرط أبي داود، والنسائي، وقد ينتقون من أحاديث الطبقة الرابعة، التي هي شرط الترمذي، وقد ينزل إلى أحاديث رجال الطبقة الخامسة، الذين يأخذ عنهم ابن ماجه دون تردد.
هذه طريقة الحازمي في بيان رواة الكتب مع أنها لا تنضبط، جمع من أهل العلم يرون أن شرط الشيخين رواة الشيخين، إذا قيل: هذا الحديث على شرط الشيخين، معناه أن الشيخين البخاري ومسلم خرَّجا لهؤلاء الرواة كلهم في صحيحيهما، شرطهما رجالهما، قالوا: من أكثر من جاء على لسانه شرط الشيخين؟ الحاكم، الحاكم هو الذي أكثر من ذكر هذا، الحاكم تصرفه يقوي القول الأخير، يقوي القول الأخير؛ لأنه روى حديثاً من طريق أبي عثمان، وقال: هذا حديث صحيح، وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي، لقلت: إنه على شرطهما، أبو عثمان النهدي خُرج له في الصحيحين، لكن أبو عثمان الإيش؟ أبو عثمان التَّبَّان لم يخرج له واحد من الشيخين؛ ولذلك قال: هو صحيح فحسب، ولو كان النهدي لقلت: إنه على شرطهما، فيفاد من هذا الكلام أن مراد الحاكم بقوله: على شرطهما؛ أنه يقصد رجال الصحيحين، وإذا قال: على شرط البخاري، يكون الرواة خرج لهم البخاري دون مسلم، ولو بعضهم، وإذا قال: على شرط مسلم، فإن الرواة، أو فيهم من خرج له مسلم دون البخاري، يعني يكون الرواة كلهم خرج لهم مسلم إذا قال: على شرط مسلم، وقد يخرج البخاري لبعضهم لا كلهم، هذا ظاهر؟
الإشكال في كلام الحاكم –أيضاً- في مقدمة المستدرك يقول الحاكم: "وأنا أستعين الله على تخريج أحاديث رواتها ثقات، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، احتج بمثلها الشيخان، بمثلها؛ أي الأحاديث، أو الرواة؟ بمثلها؟

(3/19)


طالب:. . . . . . . . .

(3/20)


لا؛ العلماء قالوا: الرواة، وإن كان اللفظ يحتمل؛ لأن قوله: بمثلها، إن قلنا: الأحاديث فهذا فيه عسر شديد، كيف تكون هذه الأحاديث مثل ما احتج به، أو مثل ما خرجه الشيخان من الأحاديث؟ إلا أن تكون رواة هذه الأحاديث مثل رواة ما احتج به الشيخان، هذا يشكل على قولنا: شرطهما رواتهما؟ أو لا يشكل؟ يشكل، وجه الإشكال؛ أن مثل الشيء غير الشيء، حنا نقول: هم أنفسهم، وهو يقول: احتج بمثلها الشيخان، ومثل الشيء غير الشيء، إذن شرط الشيخين عند الحاكم أن يكون الرواة المخرج لهم فيمن زعم الحاكم أن الحديث على شرط الشيخين، احتج الشيخان برواة نظير هؤلاء الرواة، لا بهم أنفسهم؛ لأن مثل الشيخ غير الشيء، ومثل هذا يمكن ضبطه؟ أولاً: واقع الكتاب يرده، والدليل على ذلك مثل ما ذكرنا عن أبي عثمان، واقع الكتاب المستدرك يرد هذا الفهم، وأنه يريد بشرط الشيخين رواة الشيخين، تصرف الحاكم في جميع كتابه يقوي أن المراد بشرط الشيخين رواة الشيخين، إذن كيف نجيب عن قوله: احتج بمثلها الشيخان؟ الحافظ ابن حجر يقول: إن الحاكم استعمل المثلية، استعمل المثلية أعم من استعمالها الحقيقي والمجازي، أعم من الاستعمال الحقيقي والمجازي، متى تستعمل المثلية في حقيقتها؟ إذا كان الرواة غير رواة الشيخين، هذه حقيقتها؛ لأن المثل غير الشيء، واستعمل المثلية المجازية في ما إذا خرج الحديث من طريق رواة الشيخين أنفسهم، واستدل على ذلك بقصةٍ؛ رجل قال لآخر: اشتر لي مثل هذا الثوب الذي معك، اشتر لي مثل هذا الثوب الذي معك، فجاءه بالثوب نفسه، قال: اشتريت لك هذا الثوب، فقال: أنا ما قلت لك أشتر هذا الثوب، قلت لك: اشتر لي مثل هذا الثوب، له الحق في الرد، أو ليس له الحق؟ مهما حرص في تطبيق المثلية لن يجد من الثياب ما هو أشبه بهذا الثوب من الثوب نفسه، اختصما عند شريح القاضي، فألزمه بأخذ الثوب، وقال: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، يقول: أنا قلت له: مثل، قال: تأخذ هذا الثوب، عين الثوب؛ لأنك تريد مثل هذا الثوب، ما في أشبه من هذا الثوب به، لا يوجد أشبه به منه، وألزمه بأخذ الثوب، فإذا خرج لمثلهم؛ فلأن يخرج لهم أنفسهم من باب أولى، فالحاكم استعمل هذه، استعمل الرواة

(3/21)


أنفسهم، واستعمل أمثالهم ممن يدانيهم في المرتبة، مع أنه في المماثلة، والمطابقة في حال المطابقة إذا خرج لرواة الصحيحين لا يصيب ما أصابه الشيخان من القوة؛ لماذا؟ فضلاً عن كونه يخرج عن أمثاله، المماثلة صعبة، ولذلك نزل نزولاً؛ بل هبط هبوطاً شديداً، في تحقيق هذه المثلية، وخرج عن ضعفاء، وهو يقول: "بمثلها"، وخرج لرواة الصحيحين أحاديث لا تداني، ولا تقارب أحاديث الصحيحين؛ لأن التخريج للرواة لا بد أن يكون على الصورة المجتمعة، خرج حديث الحسن عن سمُرة، الحسن عن سمُرة، وقال: على شرط، نعم على شرطهما، نعم قال: على شرطهما؛ كيف على شرطهما؟ لأن البخاري ومسلم خرجا للحسن، وخرجا لسمرة، لكن بالصورة المجتمعة: الحسن عن سمرة؛ خرج لهما في الصحيح؟ ما في إلا حديث العقيقة في البخاري، فلا بد من ليكون على شرط الشيخين أن يكون على الهيئة المجتمعة التي خُرج فيها لهؤلاء الرواة، من أولهم إلى آخرهم، ما يلفق لراوي من الطبقة العاشرة خُرج له في البخاري يروي عن راوي في الطبقة التاسعة خُرج له في البخاري حديثاً آخراً غير هذا الحديث بصيغة أداء أخرى، أو خرج له في مسلم، ثم يلفق لي من السند، صورة غير مكتملة كما هي عند الشيخين، ويقول: الحديث على شرطهما، الأمر الثاني: أن الشيخين قد يخرجا لمن ليس على شرطهما، ممن يخرج له في الأصول على سبيل الانتقاء، فليس كل ما يروى عن الراوي الذي فيه كلام يكون مقبولاً، فقد يخرج له في الصحيح حديث يجزم صاحب الصحيح أن هذا ضبط هذا الحديث، وأتقنه، ولم يكن فيه مخالفة، بل ووفق عليه، ويبقى أن الصحيحين لا يدانيهما كتاب، ولو خرجت أحاديث الكتب بأسانيدهما، وعلى هذا لو وجدنا في المسند حديثاً عن سند خرج له في البخاري، أو حديثاً بسند خرج له في البخاري أو في مسلم؛ هل نقول: إن هذا الحديث بمنزلة الحديث الذي في صحيح البخاري، أو في صحيح مسلم؟ يعني تعارض حديث في البخاري من طريق: مالك عن نافع عن ابن عمر، عارضه حديث في المسند من طريق: مالك عن نافع عن ابن عمر؛ يكفي هذا أن تكون الصورة مجتمعة، والرجال هم الرجال؟ وليكن الإسناد غير: مالك عن نافع عن ابن عمر؛ ممن يخرج لهم في الصحيح أحاديث أخرى، ورواة آخرين، قد يكون

(3/22)


فيهم من انتقى له صاحب الصحيح، فإذا روى خارج الصحيح؛ حصل منه الخطأ، والوهم "فما"
شرطهما حوى فشرط الجعفي ... . . . . . . . . .
يعني شرط الإمام البخاري؛ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي البخاري "فمسلم" يعني فشرط مسلم؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري "فشرطَ غير يكفي" أو فشرطُ غير؟ "فمسلم" أو فما حوى شرطَ غير، مثل شرطهما، أو فشرطَ، أو نقول: هذه جملة مستقلة "فشرطُ غير يكفي"؟ ويكون شرط فاعل، أو ما يأتي الفاعل هنا، يصير مبتدأ، شرطُ غير يكفي، واستعمال غير مقطوعة عن الإضافة سليم، وإلا غير سليم؟ استعمال غير فشرطُ غير، أو فشرطَ غير يكفي؛ يعني غير الشيخين يكفي لتصحيح الخبر، تأتي "غير" غير مضافة؛ مقطوعة عن الإضافة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ ما هي مقيسة على قبل وبعد، والجهات الست، لا، هذا خاص .. ، هي تأتي بمعنى إلا؛ فإذا قلت: ليس غير، فلا تحتاج إلى مضاف إليه؛ كأنك قلت: ليس إلا، وهنا: فشرط غير ينصون على أنه لا يجوز استعمال غير دون إضافة، وهنا احتيج إليها للضرورة:
وعنده التصحيح ليس يمكن ... في عصرنا وقال يحيى: ممكن
"وعنده" الضمير يعود على ابن الصلاح، قد أشار إليه في المقدمة، وسيأتي في قوله: "كذا له"، "وعنده" يعني عند ابن الصلاح.
يقول: إذا كان المستخرِج يذكر الأحاديث بأسانيده هو؛ فكيف نعرف أن محمد عند البخاري هو محمد بن بشار؟
نعم يروي الحديث عن طريق غير البخاري عن محمد بن بشار، إذا ارتقى مع الكتاب الأصلي في شيخه كفى.
"وعنده" يعني عند ابن الصلاح "التصحيح ليس يمكن في عصرنا" في العصور المتأخرة بعد عصور الرواية وانقطاع أخبار الرواة إلا ما دون في الكتب عنهم "ليس يمكن" متعذر، وهذه المسألة فرعٌ عن سد باب الاجتهاد، حتى في الأحكام، وشاع سد باب الاجتهاد في المائة السابعة والسادسة وما بعدها، وهذا فرع منه.

(3/23)


ابن الصلاح -رحمه الله- كأنه يريد أن يحتاط للسنة، ووجد في عصره من يهجم على الأحاديث، ويصحح ويضعف، وينتقد الأئمة؛ كما هو موجود في عصرنا، فأراد سد الباب بالكلية، سد الذريعة المفضية على هذا العبث؛ "ما يمكن"، واستدل على ذلك بأنه لا يوجد من يتصدى لهذا الأمر إلا من اعتمد على كتابه، يقول: "عرياً عما يشترط في الرواة من الحفظ، والضبط، والإتقان"، والاعتماد على الكتاب منع منه بعضهم.

(3/24)


يقول: الرواة في العصور المتأخرة صاروا يعتمدون على الكتب، ويعولون عليها، ولا يدققون في الرواة أنفسهم؛ هذه حجته، لكن الرواية من الكتاب لا إشكال فيها عند أهل العلم؛ بل ابن الصلاح نفسه لما ذكر عن أبي حنيفة أنه يمنع الرواية من الكتاب، قال: هذا تشديد، هذا تشديد، والمظنون بابن الصلاح أن قفله للباب، وسده باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف هذا سببه، أنه وجد في عصره من يتطاول، ومن يهجم على الأحاديث وليست لديه الأهلية، أنهم ليسوا بأهل لأن يصححوا ويضعفوا، نعم إذا قارنت بين من في عصره، وبين العصور: عصور التدوين، عصر الأئمة في القرن الثالث أو الثاني، يعني ما وجدت هناك نسبة؛ فكيف بعصرنا، يذكر تضعيف أحمد، وابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، ويقول: والحديث في نقدي صحيح، وقد خفي عليهم كذا، الطريق الذي ظفرنا به؛ كيف خفي عليهم؟ وقد يكون بالعكس ضعيف، وإن صححه الأئمة؛ يوجد ممن يتطاول، فلعل ابن الصلاح أراد أن يقفل الباب؛ سداً لهذه الذريعة، وعلى كل حال ابن الصلاح لم يوافق على رأيه، بل ردوا عليه، وممن رد عليه النووي، ولذا قال: "وقال يحيى: ممكن" لكن ممكن لمن؟ ممكن للمتأهل، لمن تأهل لذلك، لمن تأهل لذلك، والتصحيح موجود فيمن تقدم ابن الصلاح، وهذا كثير، وفيمن عاصر ابن الصلاح من أهل العلم، وهو كثير، وفيمن تأخر عن ابن الصلاح إلى يومنا هذا، وأهل العلم تتابعوا على ذلك، ولم يلتفتوا إلى من هجم على هذا العلم، وعبث فيه، ولم يجد من يردعه، فصحح في عصره المنذري، وصحح ابن القطان، وصحح الدمياطي، وجمع غفير من أهل العلم صححوا، جاء من بعدهم المِزِّي، وجاء الحافظ ابن كثير، وجاء جمع غفير من أهل العلم ابن القيم له باع طويلة في التصحيح والتضعيف، شيخ الإسلام -رحمه الله- بعد ابن الصلاح، ويقول أهل العلم: كل حديث لا يعرفه، ولا يثبته ابن تيمية فليس بحديث؛ فكيف نقفل الباب عن أمثال هؤلاء الأئمة؟ إلى عصرنا هذا جاء الذهبي، جاء ابن حجر، جاء الحافظ العراقي، جاء أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، أئمة كبار صححوا، وضعفوا، وحصل الخير على أيديهم، إلى عصرنا هذا، إلى أن ختم الحفاظ والأئمة بالألباني -رحمه الله تعالى-.

(3/25)


فمنهم من يقول: الرد على ابن الصلاح بوجود من يصحح في عصره، ومن بعده؛ لا يستقيم رداً عليه؛ لماذا؟ لأنه نقض للاجتهاد بالاجتهاد، نقض للاجتهاد بالاجتهاد، لكن هل كلام ابن الصلاح اجتهاد، أو إلغاء للاجتهاد؟ تقبل الدعوة مقلوبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اجتهاد منه في تقرير هذه المسألة التي ألغى بها الاجتهاد، وعلى كل حال نكمل -إن شاء الله- هذه المسالة مع ما يتلوها من بحوث في درس الغد -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

حكم الصحيحين والتعليق:
واقطع بصحة لما قد أسندا ... كذا له وقيل: ظنا ولدى
محققيهم قد عزاه النووي ... وفي الصحيح بعض شيء قد روي
مضعفا ولهما بلا سند ... أشيا فإن يجزم فصحح أو ورد
ممرضا فلا ولكن يشعر ... بصحة الأصل له كيُذكر
وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
ولو إلى آخره أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي
عنعنة كخبر المعازف ... لا تصغ لابن حزم المخالف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حكم الصحيحين والتعليق"؛ "حكم الصحيحين" يعني حكم أحاديث الصحيحين "والتعليق"؛ ما حكم أحاديث الصحيحين؟ عرفنا أنها مجزوم بصحتها، مجزوم بصحتها، لكن هل يحكم بالقطع، أو بالظن؟ تقدم في قوله:
وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع. . . . . . . . .

(3/26)


هذا من حيث العموم، إذا توافرت الشروط؛ فالمقصود به الصحة في ظاهر الأمر، الصحة في ظاهر الأمر، وهذا ميل منه -يعني ابن الصلاح، ويتبعه الحافظ العراقي– إلى أن مفاد خبر الواحد في الأصل لا يفيد القطع، لا يقطع به في حقيقة الأمر، وإنما الحكم للظاهر "في ظاهر لا القطع" فلا يحكم به قطعاً، وإنما إذا توافرت الشروط؛ حكم بصحته من خلال هذه الشروط، وأنه لا يقطع به، بمعنى أن خبر الواحد يفيد الظن، ولا يفيد القطع في الأصل؛ والسبب في ذلك أن الراوي الثقة الضابط مهما بلغ من الحفظ، والضبط، والإتقان، فإنه لا بد أن يقع منه خطأ، ومادام هذا الاحتمال قائماً؛ فإننا لا نقطع بصحة ما قال، لا نقطع، وإن كان الغالب على الظن أنه صادق، وضابط، ومتقن، بمعنى أنه لو جاءك شخص من أوثق الناس عندك، وقال لك: جاء زيد من سفره، هذا خبر من ثقة ضابط، لكن هل تستطيع أن تحلف أن زيداً قدم من سفره؟ أو في احتمال أن هذا الرجل شبه عليه، أو لبس عليه، أو أخطا في تقديره؛ فكيف إذا تعددت الوسائط، وكلهم ثقات، قال لك زيد: حدثني عمرو عن بكر عن خالد عن سعيد: أن محمداً حضر من سفره، يعني كل ما تقل الوسائط؛ يقل الاحتمال، لكن إذا كثرت الوسائط، ولو كانوا ثقات؛ ما من واحد منهم إلا ويحتمل أنه أخطأ، وإذا وجدت هذه الاحتمالات، وإن كان الاحتمالات ضعيفة؛ تنزل الخبر من كونه مقطوعاً به، مفيداً للعلم اليقيني مائة بالمائة إلى نسبة تتبع اتصاف هؤلاء الرواة بأعلى درجات الحفظ، والضبط، والإتقان، أو نزولهم عنها.

(3/27)


فبعض الرواة تعطي خبره تسعة وتسعين بالمائة؛ يعني هل يستطيع شخص أن يقول: إن جميع ما نطق به مالك صحيح مائة بالمائة؟ نجم السنن؟ لا يستطيع أحد أن يقول ذلك، وحفظ عليه بعض المخالفات، وهو مالك، الزهري الذي نص العلماء عن أنه لم يوقف له على خطأ؛ هل هو معصوم؟ ليس بمعصوم، ومادام الاحتمال قائماً، وعلى الاصطلاح الذي جرى عليه أهل العلم في تعريف العلم، والظن، والشك، والوهم، لا نستطيع أن نقطع بما أخبر به زيد من الناس، ولو كان في أعلى درجات الثقة، ما حكم أهل العلم على مالك في أنه سمى ابن عثمان عمر، وعامة الأئمة على أنه عمرو، في أخطاء أخرى، وأوهام ثانية، ثم بعد ذلك نافع، ما رجح عليه رواية سالم في بعض الأحاديث، وأن سالم رفع الحديث، ونافع وقفه، والراجح قول سالم، أو العكس؟ وهؤلاء من أعلى درجات القبول، ابن عمر ما قال: اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، وردت عليه عائشة في البخاري؟ نقول: هذا احتمال، الأصل أن الراوي ثقة، عدل، ضابط، في أعلى درجات القبول، لكن ليس بمعصوم من الخطأ، والإمام أحمد يقول: "من يعرو من الخطأ والنسيان؟ ".
أقول: هذا الاحتمال، وإن كان ضعيفاً؛ في جانب ما يرويه الأئمة الحفاظ هذا ضعيف، لكن مع وجود هذا الاحتمال نستطيع أن نقول: إن مفاد خبر مالك مائة بالمائة، أو ننزله ولو درجة واحدة إلى تسعة وتسعين؟ ومادام هذا الاحتمال قائماً نقول: ينزل حديث مالك من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين، ثمانية وتسعين، سبعة وتسعين، بعض الرواة الثقات إلى تسعين، وبعضهم يكثر عنده المخالفات، ولا ينزله أهل العلم من درجة الثقة؛ يصل إلى تسعين، خمسة وثمانين؛ لأنهم عندهم اختبار ضبط الراوي بمقارنة ما يرويه مع ما يرويه الثقات، فإن كثرت مخالفته للثقات نزل:
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي

(3/28)


هذه هي الكيفية، لكن عندهم –أيضاً- أهل الحديث ينظرون إلى الخطأ دون نظر إلى الصواب، ليس معنى هذا أن من يضبط ستين بالمائة من حديثه ويخطئ في أربعين؛ نقول: الحكم للغالب، لا؛ أهل الحديث عندهم شفافية في هذا الباب، يعني من أخطأ في سبع حديثه، يعني عنده .. يروي ألف حديث، أخطأ في مائة وخمسين؛ خطأه قليل، وإلا يسير؟ كثير، كثير جداً عندهم، وهذا مؤثر في الراوي، وإن ضبط ثمانمائة وخمسين حديث، لكن عندهم هذا كثير، وعلى هذا ينزل الراوي من كون خبره يفيد المائة بالمائة إلى نسبة هي تبعاً لما يتصف به من الضبط والإتقان، هذا ما يختاره جمع من أهل العلم وهو أن خبر الثقة، والخبر الصحيح في الأصل لا يفيد إلا الظن، لا يفيد القطع، ولا يفيد اليقين، ومنهم من يرى أنه يفيد اليقين مطلقاً، يفيد العلم "حسين الكرابيسي"، ومعه بعض أهل العلم، ومنهم من يتوسط، ويقول: إن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به قرينة، إذا احتفت به قرينة، فهذه القرينة التي احتفت بهذا الخبر تجعل في مقابل الاحتمال الضعيف الذي أوردناه، فيرتفع هذا الاحتمال، فيكون مفاد خبر هذا الراوي يقينياً قطعياً، يفيد العلم مائة بالمائة، ما يحتمل النقيض، هذه القرينة تكون في مقابل هذا الاحتمال، فيرتفع هذا الاحتمال، وممن صرح بأن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرينة شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وصرحوا بهذا في مواضع من كتبهم، والنقول والإحالات موجودة، وهؤلاء من أساطين أهل السنة، ولا يقال باللازم الذي التزمه المبتدعة، وخاف من أجله كثير من الغيورين على العقيدة، وعلى السنة من هذا اللازم؛ لأنهم قالوا: إن المبتدعة قالوا: إن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، وبنوا على ذلك أن العقائد لا تبنى على أخبار الآحاد؛ لأنها لا بد لها من اليقين، نقول: العقائد، والأحكام، والفضائل كلها شرع، فلم يخالف في وجوب العمل بخبر الواحد في العقائد، والأحكام، والفضائل أحد ممن يعتد بقوله من أهل العلم، فلا نلتزم بما يلتزم به المبتدعة، لكن –أيضاً- ما نرتكب ما لا يمكن قبوله من أجل لازم، أو من أجل قول قيل به، نظير صنيع بعض أهل العلم الذين أفتوا بتحريم النقاب، بل بعضهم حكم على

(3/29)


رواية: ((ولا تنتقب))، وهي في الصحيح أنها شاذة غير محفوظة ليش؟ لأنه يرى النساء تنتقب، وصار النقاب مثار فتنة، ويقول: يحرم النقاب، وهذه اللفظة شاذة، وليست بمحفوظة؛ لأنها تفيد أن المرأة في غير الإحرام تنتقب، وإذا انتقبت بالنقاب الذي نراه نعم؛ فتنتب الرجال؛ إذن المرأة لا تنتقب، وهذه اللفظة غير محفوظة، نقول: يا أخي اللفظة محفوظة، وتنتقب المرأة في غير الإحرام؛ لكن نحرر معنى النقاب، نحرر معنى النقاب، النقاب هو مجرد نقب يظهر سواد العين؛ لتبصر به المرأة طريقها، أما لو زاد على هذا .. ، لو زاد على هذا النقب -ولو مليم واحد من البشرة- صار سفوراً، ما صار نقاباً، فلا بد من تحرير المقام، تحرير المسألة، ولا ننجرف وراء لوازم ما لوازم، ثم نمنع شيئاً أباحه الله -جل وعلا-؛ لأنه يلزم عليه، إذن لو التزمنا بلوازم ما بقي عندنا شيء، ما من شيء إلا وعليه لوازم، فكوننا نقول إنَّ خبر الواحد يفيد اليقين؛ إيش معنى يقين؟ معنى يقين، وعلم أنك لا تتردد؛ يعني الخبر ثابت مائة بالمائة، يعني لو جاءك زيد ثقة من الناس عندك، وقال: إن محمداً قدم من سفره؛ لك أن تطلق زوجتك أن محمداً حضر؛ ليش؟ لأنه يقين، ولكن أن تحلف الأيمان المغلظة: أن محمداً حضر، على ضوء خبر هذا؛ فهل تستطيع أن تفعل هذا؟ مادام خبره مائة بالمائة؛ ما الذي يمنعك أن تفعل هذا؟ لكن تجد في نفسك أنه احتمال أن يكون أخطأ، وكم من واحد قال: والله جاء زيد، وصار ما جاء، وهو ثقة ضابط؛ لا سيما مع كثرة الوسائط، لما كثر الرواة ما من راو إلا ويحتمل أن يقع الخلل بسببه، ولذا يفضل أهل العلم العلو في الأسانيد على النزول؛ لأن العلو تقل فيه الوسائط، والنزول تكثر فيه الوسائط، فمادام اللازم الذي التزم به المبتدعة لا نلتزم به، فما المانع من أن نقول بعد أن نتفق على تعريف الظن؛ لأن الظن جاء في النصوص على أوجه، الظن جاء في النصوص على أوجه، يتدرج من كونه: أكذب الحديث، إلى كونه: لا يغني من الحق شيئاً، إلى: إن بعض الظن إثم، إلى أن يصل إلى درجة اليقين: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة]، لكن المسألة اصطلاحية، فإذا قررنا الاصطلاح، وبينا الاصطلاح،

(3/30)


ومعنى الاصطلاح، وله أصل في الشرع هذا الاصطلاح يستند إلى قول في الشرع، واعتمده أهل العلم؛ ما المانع من القول به؟ واللوازم الباطلة التي يلتزم بها المبتدعة لا نلتزم بها، هم قالوا –أيضاً-: السنة؛ بعض المبتدعة قالوا: السنة كلها لا يحتج بها، في أي باب من أبواب الدين؛ هل نقول مثلاً أننا نثبت السنة بجميع ما جاء فيها، بجميع ما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا نلتزم بما قاله هؤلاء؟ نثبت الثابت، وننفي ما لا يثبت، وتطرد قواعدنا، ولا عندنا إشكال في هذا.
من القرائن التي تجعل الخبر يفيد القطع، عند ابن الصلاح، وقال به جمع من أهل العلم: ما أسنده البخاري ومسلم في صحيحيهما، هذا يفيد القطع؛ لأن تخريج الحديث في الصحيحين، أو في أحدهما قرينة، تكون في مقابل الاحتمال الذي أوردناه من خطأ الثقات الحفاظ، ولذا قال:
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .
لكن هذا القطع ومع اختيار ابن الصلاح له، وجمع من أهل العلم اختاروا أن أحاديث الصحيحين تفيد القطع؛ لأن هذه قرينة، ابن الصلاح ما يرى أن خبر الواحد يفيد القطع؛ لأنه قال قبل ذلك، الحافظ العراقي تبعاً له ...

(3/31)